| تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 7:51 pm | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركانه
الى اخوتي واحبتي مني السلام تحية
وبعد ..
الحمدُ الله معز الأسلام بنصره , مُذل الشرك بقهره ومُصرف الأمور بأمره ومُستدرج الكافرين بمكره , الذي قدر الأيام دولً بعدله وجعل العاقبة للمتقين بفضله .... والصلاة السلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه
اقدم لكم هذا الكتاب
اسال الله عز وجل ان يكتب لنا الاجر
الذي هو بعنوان
تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار والصلاة خلف أولياء الطاغوت ونوابه
للشيخ أبي محمد المقدسي حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الحمد لله القائل (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) والصلاة والسلام على رسول الله الذي أمره سبحانه في محكم تنـزيله بقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) وبعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، لا شرع لنا إلا ما شرعه، ولا دين إلا ما ارتضاه. قال جل ذكره: (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ) وعلمنا سبحانه أن نقول كما قال أنبياؤه: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) فلا هدى ولا حجة ولا دليل بين الخلق إلا في هداه ووحيه.. قال عز وجل: (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ). وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم قد سُدّت كل الطرق والسبل المؤدية إلى النجاة واعوجت وانحرفت جميعها إلا طريقه وسبيله.. فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره أجمعين.. ثم أما بعد.. فإن الموضوع الذي بين يديك أخي الموحد ليس كله من فروع الفقه أو جزئياته، بل إن جزءا لا يستهان به منه؛ متصل مرتبط بأعظم عرى التوحيد وأركانه أعني بذلك الكفر بالطاغوت واجتنابه وأولياءه، ، وعبادة الله وحده ونصرة دينه وأوليائه.. قال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) الزمر وهو معلم من معالم دعوة الأنبياء مع أقوامهم وطريقهم وصراطهم.. قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ). وقال عز وجل: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ) النمل 45. وأصل أصيل في ملة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وغيرهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أنعم الله عليهم، والتي أمر الله نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزومها واتباعها، والبراءة من كل ملة أخرى واجتنابها وقطع الوشائج مع أهلها.. قال جل ذكره: (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وقال تعالى مبيناً أن ديدن المرسلين والموحدين البراءة من ملل أقوامهم المشركين: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وقال أيضاً مخبراً عن قوم شعيب: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) وذكر عن أهل الكهف أنهم قالوا: (إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) إلى غير ذلك من الآيات.. وأخبرنا سبحانه عن يوسف أنه قال: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ، وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ... الآية). ولذلك وصفت الملائكة نبينا صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ( ومحمد فرق بين الناس ) ومع أن هذا الأمر في الحقيقة قد بينه الله تعالى في كتابه بياناً كافياً وفصله تفصيلاً شافيا.. إلا أن أنصاره اليوم أعظم الخلق غربة بين الناس.. وذلك لأن كثيرا من الناس في ظل أنظمة الردة المعاصرة قد أعرضوا عن دين الله إعراضاً، ودخلوا في دين الطاغوت أفواجاً، فشاركوه في كفره وتشريعاته وقوانينه وتابعوه على باطله وشركه، وصفقوا له وهتفوا باسمه وارتضوا تشريعه وقانونه ودينه الباطل واستحسنوه وتولوه وناصروه وشايعوه، فظهر الفساد في البلاد والعباد وفي البر والبحر بما كسبت أيدي الناس (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). فكان لزاماً علينا أن هدانا الله بمنه وفضله وكرمه إلى الحق المبين أن ندل الناس عليه وندعوهم ونرشدهم إليه.. خاصة وأن نوازل هذا الزمان وفتنه كثيرة في ظل دول الردة وحكوماتها، وتحتاج إلى دراسة شرعية مع بصر في الواقع وأحواله، وتحرر من شوائب الجاهلية وغبشها وضغوطها.. لتخرج الدراسات ولتقدم الأجوبة للأمة وفقاً لما يحبه الله ويرضاه ودون تأثر أو تضرر بأي ضغط من الضغوط الفكرية المحيطة التي تمارسها الحكومات أو سدنتها أوغيرهم من المخالفين والمنحرفين عن منهاج النبوة.. وذلك لأن كثيراً من الناس قد كتبوا ويكتبون في نوازل وفتن وقضايا العصر ويزعم أكثرهم أنهم يدرسونها ويقدمون الحلول والإجابات لها على ضوء الكتاب والسنة ومنهج أهل السنة، كذا زعموا.. ولكن الناظر البصير في كتاباتهم ودراساتهم تلك يجد فيها انحرافاً كبيرا واختلافاً كثيراً لأسباب كثيرة أهمها في اعتقادي سببين قد تضرر بهما أكثر من قرأت لهم من كتاب الوقت ومؤلفيه.. الأول: فساد الأصول؛ سواء فساد أصول الدين عندهم بتعكّر توحيدهم واختلاطه بأشياء من شرك العصر اضطربت بسببها موازينهم وانحرفت لأجلها فروعهم، أو بفساد الأصول الفقهية التي يعتمدون عليها في دراساتهم وإجاباتهم فمنهم من يتابع أقاويل الرجال ويجعلها من الحجة والشرع والدين بلسان حاله أو بلسان مقاله، وقد تقرر في أصل ديننا أن الحجة والدليل هو ما كان من عند الله؛ سواء في الكتاب أو السنة، وليس في قول أحد من الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة كائناً من كان.. ومنهم من يقدم الاستصلاحات والاستحسانات على الدليل الصحيح الصريح؛ ويتخذها ديناً وشرعاً ليضل عن سبيل الله.. مع أن الله تعالى قد أوضح لنا الأدلة وبين لنا البراهين في كتابه ودلنا على طريقة عباده الأبرار ومذهبهم كما في قول الملائكة: (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) فمن انحرف عن علم الله الخالص الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. واتبع أقاويل الرجال أو استحساناتهم واستصلاحاتهم لم يدرك الحق ولا نال الصواب.. ولذا تخرج دراسات أولئك الكتاب وإجاباتهم مشوّهة مخالفة لما يحبه الله ويرضاه.. قال تعالى: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) الثاني: التأثر أثناء تقديم الدراسات والحلول والإجابات؛ بالضغط الذي يمارسه الطواغيت وحكوماتهم وإعلامهم العميل، أوالتضرر بالإرهاب الفكري الذي يمارسه علماء الفتنة من سدنة الطاغوت وأوليائه الذي صدّرتهم الحكومات في هذا الزمان فأصبحوا عند الجهال والرعاع والعميان أعلام الأمة ورؤوسها؛ وأصبحنا قلّما نرى من الكتاب من يخرج عن خطهم أو يصادم خطتهم، وقلما يصمد أمام نار أوجنة دجاجلتهم أحد ( إرهابهم أو إغراءهم ) .. وصيّرهم الجهال أوصياء على أهل السنة والجماعة وعلى المنهج السلفي، وأعطوهم خاتماً يدخلون به من شاءوا ويخرجون من شاءوا، ولذا يحرص أولئك الكتاب على رضاهم وجنتهم ويحذرون من نارهم فيتجنبون إسخاطهم أو إغضابهم.. وهذه ليست طريق أهل الحق ولا هو نهج الطائفة المنصورة القائمة بدين الله، الناصرة له والظاهرة عليه.. والتي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله).. لذلك فنحن حينما نكتب ونصنف؛ لا نعتقد أو ندين بحجة أو دليل، إلا ما كان من عند الله، نبذل كل ما في وسعنا أن يكون بحثنا كذلك (قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ) ونذارة الله لنا في كتابه وحي ونذارته على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم كذلك وحي، أما كتاب الله فمحفوظ بين أيدينا، وأما سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه، فنتحرى الثابت الصحيح منها، ونُعرض عما سوى ذلك، وحين نَعرض الحق الذي نعتقده للناس، نذكره صريحاً واضحاً دون أن نحسب حساب أحد من الخلق أو نسترضيه عالماً كان أو جاهلاً، قريباً كان أو بعيداً.. ونعرف أن هذا المنهج لا يرضى عنه علماء الحكومات ولا أذنابهم من المقلدة الجهال، كما أنه لا يرضي كثيرا من الغلاة الذين لا يقبلون إلا ما كان على مقاس عقولهم وتعنتاتهم .. وكذلك حال أكثر الناس (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).. ولذلك نتوقع أذاهم وعداوتهم وبغضهم ومقتهم لنا عليه، وكذلك افتراءهم وكذبهم وتشويههم لما ندعوا إليه. وأعلمك أخي القارئ أن أول ما دعاني للكتابة في هذا الموضوع، أنني كنت أخالط بعض المتمسحين بطريقة السلف في أول توجهي فكانوا لا يبالون خلف من صلوا، مع سعة مجال الاختيار، وعدم وجود الفتنة أو الاضطرار، وربما توفر من أفاضل المسلمين من يؤم بالناس، ولكن المسجد الأقرب والمكيّف المبرّد أولى عندهم من الصلاة خلف الفاضل هذا كان لسان حالهم.. وكان في وسع أكثرهم أن يتخذوا مساجد خاصة بهم أهلية يؤسسونها على التقوى بعيداً عن تحكم أوقاف الطواغيت حيث المجال في كثير من تلك البلاد كان مفتوحا إلا أن داء العجز والخنوع والركون إلى الواقع قضى على همم الكثير وأرداهم، وكذا الخوف من كلام المخالفين وإرهابهم وضغطهم الفكري البغيض.. فكان أن ولّوا حكومات الكفر أمر صلاتهم وعباداتهم وصاروا تبعاً لأوليائها ونوابها، يتحكمون بصلاتهم ويتلاعبون بعباداتهم، ويسمعونهم من على المنابر ما يكرهون؛ ثم بعد ذلك يتباكون ويضجون إذا ما صلى بهم بعض أولياء الطاغوت التراويح عشرين ركعة أو أسبل ثوبه أوحلق لحيته ونحو ذلك مما يميّزونه من الباطل ويتناكرونه، أما متابعتهم لأولياء الطاغوت واقتداءهم بأنصاره فذلك منكر أشربته قلوبهم فما عادوا ينكرونه أو يتناهون عنه أو يجتنبوه، بل أصبحوا ينكرون والله على من ينكره ويجتنبه، وربما وسموه بصفات الخوارج والتكفيريين .. فبعداً بعداً.. ( ) وفي الجانب الآخر وجدت أناساً لا يصلون إلا خلف من تحققوا من عقيدته التي لا بد لصحة الصلاة خلفه أن توافق عقيدتهم هم بتفاصيلها !! وهذا لا سبيل لهم لمعرفته إلا بالفحص والاختبار والشق عن القلوب والبحث في البواطن وهذا ليس من طريقة أهل السنة مع أهل القبلة .. ثم وجدت آخرين عطّلوا الجمعة لعدم وجود الإمام القوام على أهل الإسلام.. وطائفة أسقطتها لأن الدار دار كفر وهي لم تشرع أو لم تصلي إلا في المدينة!! ووجدت طائفة قرأت في أقوال بعض العلماء أن إمامة الفاسق لا تجوز فأبطلوا الصلاة خلف أهل المعاصي وتركوا الجماعة والمساجد لأجل أشياء من ذلك !! وطائفة كفّروا موظفي الأوقاف فصار كل إمام يعمل في وزارة الأوقاف عندهم كافرا؛ فلم يبق لهم مكانا يصلون فيه جمعة ولا جماعة فربما مرت على الواحد منهم السنون دون أن يصلي في مسجد جمعة أو جماعة . ثم جاءت طائفة أخرى غلت وكفّرت الخلق وجعلوا الأصل في الناس الكفر بحجة أن الدار دار كفر، وهم جهال عارون عن علم الشريعة ولذلك فربما تمسكوا ببعض الإطلاقات في أقاويل بعض العلماء دون أن يسبروا غورها أو يعرفوا معناها أو يفسروا إجمالها، ولأجل ذلك فإن كلامهم لا يروج إلا على ضعاف العقول والجهال.. وهؤلاء لا يصلون إلا خلف عدد قليل من الخلق، وهم إخوانهم الذين هم على عقيدتهم، بل ويتحرّجون من الصلاة ولو لوحدهم في أي مسجد من المساجد لأن الدار دار كفر والمساجد مساجد ضرار، وربما استثنى بعضهم المساجد الثلاثة، فهم لا يصلون في المساجد ولا يأتمون بالناس كما لا يرتضون أن يأتم بهم أحد من الناس، لأن في ذلك إقرارا منهم لكفرهم زعموا .. وطوائف.. وطوائف قد تفرقوا وتشعبت بهم السبل والمذاهب والأقاويل في هذا الباب، من غير هدى ولا بصيرة ولا كتاب منير، في ظل غربة حالكة وظلمات وفتن متشابكة.. فكان لزاماً عليّ وعلى كل طالب حق أن يرجع إلى النبع الصافي والمورد الزلال؛ كتاب الله تعالى ومشكاة النبوة، ليرد إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تنازعهم في هذا الباب وفي كل باب.. ليعرف الحق ثم يدعو الناس ويهديهم إليه، رحمة ورأفة بهم.. فقد قال تعالى: (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ) لو شاء ربك كنت أيضاً مثلهم *** فالقلب بين أصابع الرحمن هذا وقد قسمت كتابي هذا إلى مقدمة وسبعة مباحث . وجعلت المبحث السابع خاتمة المباحث، جمعت فيه طائفة من الأسئلة بعضها مما هو منشور في قسم الفتاوى على منبر التوحيد والجهاد، مما كان يردني قديما وحديثا، لتتحقق الفائدة العملية من البحث بنـزولي به إلى أرض الواقع .. وسميته ( تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار والصلاة خلف أولياء الطاغوت ونوابه) أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصار دينه وأوليائه المتقين، وأن يسدد أقوالنا وأعمالنا ويجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه ويثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة إنه سبحانه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.. وكتب / أبو محمد المقدسي سنة 1414 من هجرة المصطفى عليه الصلاة والسلام وأعدت مراجعته والزيادة عليه وإعداده للنشر في شعبان 1431 يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| |
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 7:58 pm | |
| * وكذلك المسجد الأقصى فقد بناه سليمان ( ) بن داود عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام وكان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم تحت ولاية الروم وحكم طواغيتهم، ومع هذا فقد جاء الخبر بأنه صلى فيه ليلة الإسراء كما في رواية الإمام أحمد ومسلم عن أنس بن مالك في قصة الإسراء: (حتى أتيت بيت المقدس فربطت الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين..) ( ) وما منعه من الصلاة فيه كونه تحت حكم هرقل قيصر الروم.. كما صحت الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم في مدح الصلاة فيه ومقدار أجرها، وذكر خصوصيته مع المسجد الحرام ومسجده صلى الله عليه وسلم في شد الرحال( ) كل ذلك كان منه صلوات الله عليه، والمسجد يومئذ تحت ولاية قياصرة الروم.. واليوم أيضاً لا يخالف عاقل بجواز الصلاة في المسجد الأقصى، وهو تحت ولاية وحكم وسلطان اليهود، وجميع المسلمين عربهم وعجمهم علمائهم وجهالهم لا يخالفون أيضاً بجواز الصلاة في الحرمين مكة والمدينة في جميع الأزمنة التي استولى فيها أهل الكفر على بلاد الإسلام إلى زماننا هذا، وها نحن نصلي فيه مع اعتقادنا بكفر الدولة السعودية التي تسلطت على رقاب المسلمين وعلى أوقافهم ردحاً من الزمان، ولا زال المسجد حتى يومنا هذا تحت ولايتها وحكمها الجبري وقد قامت بزيادات وتوسعات عديدة فيه.. وهذا في الحقيقة لا أثر له ما دام أصل البنيان قد أسس على التقوى.. وهكذا، فما زالت مساجد المسلمين هي هي.. لم يتغير اسمها ولا حكمها؛ حتى عند تحول دور الإسلام إلى دور كفر باستيلاء الكفار على زمام الحكم فيها أو بارتداد حكامها.. وما سمعنا من عالم ولا جاهل من المتقدمين القول بأن المساجد قد تحولت إلى مساجد ضرار يوم أن استولى التتار على ممالك الإسلام وحكموها بياسقهم، ولا سمعنا بمثله في زمن العبيديين ولا القرامطة ولا غيرهم.. وهذا الكلام كله كما قلنا من قبل؛ إنما هو في المساجد لا في أئمتها.. جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا: * ومن الأدلة التي تشهد لما تقدم أيضاً وتؤيده، عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جابر المتفق عليه: (أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي؛ نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل.. الحديث) قال العلماء: كل موضع صلي فيه يطلق عليه اسم مسجد؛ لأن المسجد في اللغة مكان السجود. قلت: فهذا نص عام فيه جواز الصلاة في كل مسجد، ولا يخص من ذلك ولا يستثنى إلا ما استثناه الشرع؛ كمسجد الضرار الذي يؤسسه الكفار بصفاته المتقدمة، والمقبرة، والمزبلة ومبارك الإبل، ونحوه مما جاءت النصوص الصحيحة تنهى عن الصلاة فيه.. * وأخرج البخاري عن أنس في خبر مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وقصة بنائه المسجد، حيث قال في صفته: ( وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم...). فهذا عام أيضا .. * ومثل ذلك أيضا ما رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما ؟ قال: أربعون سنة. ثم أينما أدركتك الصلاة بعد فصلّه، فإن الفضل فيه). فهو أيضاً نص عام على جواز الصلاة في أي مكان تدرك المرءَ فيه الصلاة، وأنه ليس لبقعة من الأرض أفضلية على الأخرى إلا ما ذكره الله تعالى في مسجد أسس على التقوى من أول يوم، أو خصه رسوله صلى الله عليه وسلم في فضيلة المساجد الثلاثة.. والفضل بعد ذلك إنما هو في أداء الصلاة لوقتها في أي مكان من الأرض، ولا يستثنى من ذلك إلا ما استثنته نصوص الكتاب والسنة، ولا نضيّق ما وسّعه الله علينا، أو نتعدى ونوسع حدوده التي حدها من تلقاء أنفسنا بمحض الهوى أو من غير دليل فما هذا من شأن العبيد ولا هو لهم، وإنما شأنهم إن وُفّقوا أن يقولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.. قال الحافظ في الفتح (6/409): (فإن الفضل فيه) – أي في فعل الصلاة إذا حضر وقتها ـ زاد من وجه آخر عن الأعمش في آخره (والأرض لك مسجد) أي للصلاة فيه، وفي جامع سفيان بن عيينة عن الأعمش (فإن الأرض كلها مسجد) أي صالحة للصلاة فيها. ويخص هذا العموم بما ورد فيه النهي والله أعلم) أهـ. بل إن طائفة من أهل العلم قد نصوا لعموم هذه النصوص على جواز الصلاة في الكنيسة والبيعة واعتبروها كأي بقعة من بقاع الأرض، ما لم يكن فيها مانع مما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذه مسجداً.. منهم ابن عباس وأبو موسى وعمر بن عبد العزيز والشعبي ( ) وعطاء بن أبي رباح وابن سيرين والنخعي والأوزاعي وغيرهم.. وروى البخاري في باب (الصلاة في البيعة) تعليقاً بصيغة الجزم عن ابن عباس "أنه كان يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل" وقال ابن حجر (532/1) عن هذا الأثر: (وصله البغوي في (الجعديات) وزاد فيه: (فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر) ثم رجح مذهب من رأى كراهية ذلك حال الاختيار.. وقال ابن حزم في المحلى (4/185): مسألة: والصلاة جائزة في البيع والكنائس والهبارات والبيت من بيوت النيران وبيوت البُدّ( ) والديور إذا لم يعلم هنالك ما يجب اجتنابه من دم أو خمر أو ما أشبه ذلك. لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً فحيثما أدركتك الصلاة فصل". وقال (4/81): وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة وجابر وحذيفة وأنس: أن من فضائلنا أن الأرض جعلت لنا مسجداً، وكل ما ذكرنا من الأرض، فالصلاة فيه جائزة حاشا ما جاء النص من المنع فيه كعطن الإبل( ) والحمام والمقبرة وإلى قبر وعليه، والمكان المغصوب والنجس ومسجد الضرار فقط) أهـ ولذلك فإن من كره الصلاة في الكنيسة فإما للتماثيل والتصاوير التي فيها كما تقدم عن ابن عباس( ) وإما لمظنة أن تكون مبنية على قبر .. أما دون ذلك فهي بقعة كسائر بقاع الأرض.. روى البخاري عن أم سلمة أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً ( )وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله".. قلت: وفيه إطلاق اسم المسجد على الكنيسة لكونها مكان يعبد فيه ويسجد، وأن الصلاة على القبور من فعل شرار الخلق عند الله.. ومنه تعلم أن من كره الصلاة في الكنيسة فلأجل مظنة مثل هذا أو للتصاوير كما تقدم.. قال الشوكاني: (ولعل وجه الكراهية –أي الصلاة في الكنائس- هو ما تقدم من اتخاذ قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد، لأنه يصير جميع البيع والكنائس مظنه لذلك)أهـ فالصلاة على القبر محرمة( ) سواء كان هذا في مسجد أو كنيسة للنصوص الصريحة في لعن فاعلها والنهي عنه.. كما في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" والنبي صلى الله عليه وسلم لا يلعن إلا على محرم من الكبائر أو على مكفر من المكفرات . وفيهما أيضاً عن ابن عمر مرفوعاً: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً) فقوله: (لا تتخذوها قبوراً) دليل على أن القبور ليست محل صلاة.. والأحاديث في هذا الباب كثيرة وصحيحة لا مطعن فيها، وهي تدل دلالة ظاهرة على تحريم الصلاة في المقبرة..( ) فعلم من هذا كله أن المسجد أو البيعة أو الكنيسة أو أي بقعة في الأرض مبنية أو غير مبنية؛ الأصل اليقيني فيها أنها مما تفضّل الله به على هذه الأمة حين جعل لها الأرض مسجداً وطهوراً.. وأنه قد يطرأ عليها طارئ أو مانع نص الله تعالى أو نص رسوله صلى الله عليه وسلم عليه، فتخرج من هذا الأصل.. الخلاصة: إذا تقرر هذا، فالأصل أن للموحد أن يصلي أينما أدركته الصلاة.. دونما تردد أو تشكك في المكان، هل بناه كافر أو مشرك أو منافق ؟ أو هل كان فيه قبر أو وثن أو نحوه..؟ لأن الأصل المتقرر باليقين ( وهو هنا أن الأرض كلها جعلت لنا مسجدا وطهورا ) لا يزول بمجرد الشك.. فلا تكفي الشكوك والتخرصات لمنع الصلاة في المسجد حتى يتيقن أنه مسجد ضرار.. وذلك لأن الأصل اليقيني الذي تقرر في ديننا أن الأرض كلها مسجد لنا، ولا يخرج ويخص من ذلك الأصل اليقيني إلا ما ثبت باليقين أنه مما نهي عن الصلاة فيه.. وهذه قاعدة من قواعد ديننا العظيم التي تضافرت عليها الدلائل والتي يعبر عنها الفقهاء بقولهم (اليقين لا يزول بالشك.. بل لا يزال اليقين إلا بيقين مثله).. – فإن تيقن أن المسجد مسجد ضرار لكونه قد جمع صفات مسجد الضرار حرمت الصلاة فيه.. أما لو شك، فلا قيمة لهذا الشك لأن الأصل مقدم عليه.. *وكذلك لو تيقن أن المسجد ضرار ولكن بعدما صلى فيه.. فلا يعيد الصلاة لأن القول بالإعادة لا يثبت إلا بدليل.. ولا دليل هنا عليه.. بل قد دل الدليل على خلافه.. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا ممن صلوا في مسجد الضرار الأول بإعادة الصلاة.. ولو أمرهم لنقل لنا.. ولو وجبت الإعادة عليهم لما أخر النبي صلى الله عليه وسلم بيانها والأمر بها عن وقت الحاجة إليه.. سواء للذين أظهروا الندم على فعلتهم منهم أو غيرهم ممن غرر بهم كمجمع بن جارية.. ( ) وكذا من صلى في مسجد أو كنيسة ثم تبين له أن فيها قبوراً أو تصاوير فكذلك لا دليل على القول بالإعادة أو بطلان الصلاة.. والأصل براءة الذمة والإجزاء، ومن قال بعدم الإجزاء أو بالبطلان فهو المطالب بالدليل.. والله تعالى أعلم.. ولذلك فما أحسن ما جاء في المصنف (1/412) عن عبد الرزاق عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير بن مطعم؛ أن سلمان ( الفارسي ) كان يلتمس مكانا يصلي فيه؛ فقالت له علجة: ( التمس قلبا طاهرا وصل حيث شئت ) فقال: (فَقُهْتِ) ( ) **ومن هذا تعرف أن قضية المساجد أو المصليات التي يصلى فيها وهل أسست على التقوى أم هي ضرار ونحو ذلك من الشكوك والظنون التي يدندن حولها بعض الشباب، قد اعطيت أكبر من حجمها في زماننا؛ إذ ليست هي بالقضية الخطيرة التي تستحق أن تثار حولها المعارك أو ينشغل بها المسلمون في ظل استضعافهم وتشرذمهم هذا.. فقضية مسجد الضرار واعتزاله وهدمه لم ترد ولم تذكر إلا بعد التمكين والتمكّن من ذلك .. بخلاف مسألة الاقتداء والائتمام بالكافر وأوليائه والقعود معهم حال خوضهم في دين الله وممالأتهم في الصد عنه والمكر بأهله فهذه زبدة موضوع مسجد الضرار وخطره وضرره على المؤمنين ودينهم وهي متعلقة باجتناب الطاغوت وأوليائه والبراءة من الشرك وأهله والبراءة منهم ومما يعبدون من دون الله والكفر بباطلهم، والتباعد عنهم وقطع الوشائج معهم وبغضهم ومعاداتهم.. وهذا كله متعلق بملة إبراهيم ودعوة الأنبياء والمرسلين التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها منذ فجر الدعوة وفي ظل الاستضعاف والتمكين.. وسيأتي تفصيلها..
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:03 pm | |
| شبهات والجواب عليها 1- وقبل أن نغادر هذا الموضع نرد على شبهة قد يتعلل بها المخالف فيقول: قد قررتم فيما مضى أن المسجد يكون ضراراً وتحرم الصلاة فيه إذا ما اتصف بصفات مسجد الضرار ومن الصفات التي ذكرتموها كون مؤسسيه كفاراً.. ثم أوردتم أقاويل أهل العلم في إباحة الصلاة في البيعة أو الكنيسة ما لم تكن مبنية على قبر أو فيها تماثيل أو تصاوير وأقررتم تلك الأقاويل، فلماذا لم يشمل ما قررتموه في مسجد الضرار الكنيسة مع أن مؤسسيها كفار أيضا، ومسمى المسجد اللغوي قد شملها كما قد أشرتم إليه عند حديث أم سلمة المتقدم.. فنقول وبالله تعالى التوفيق: إن ما قررناه سابقاً لم نقرره من تلقاء أنفسنا ولا من محض اختيارنا، فليس لأحد أن يسمي أو يصف أو يختار في دين الله ما يشاء من تلقاء نفسه دون وحي من الله، قال تعالى ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وإنما هو أمر الله أنزله إلينا وليس لنا عند أمر الله إلا أن نقول سمعنا وأطعنا. فمولانا تباركت أسماؤه قد وصف لنا في كتابه صفات مسجد الضرار ففهمنا من كلام ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم، أنه كان مسجداً مما يتخذه أهل الإسلام للصلاة، وليس مما يتخذه أهل الكتاب ولا غيرهم، فالمراد حقيقته الشرعية لا مسماه اللغوي العام.. ووجدنا في ديننا أنه يُقرّ ما كان مبنياً من كنائس أهل الذمة وبيعهم ولم يأمر بهدمها( ) بينما لم يقر مسجد الضرار وأمر بهدمه.. وكذلك أقر أهل الكتاب في العيش في دار الإسلام وأخذ منهم الجزية، بينما لم يقر الكفار الطاعنين في دين الله الساعين في حرب المؤمنين والإرصاد لهم، ولا قبل منهم الجزية خصوصاً بعد نزول آية السيف وأمره تعالى بعد غزوة تبوك بقتال الكفار والمنافقين والإغلاظ عليهم.. ووجدنا مولانا تباركت أسماؤه قد تفضل وامتن علينا من بين سائر الأمم أن جعل لنا الأرض كلها مسجداً وطهوراً فحمدناه جل ذكره وشكرناه. ثم وجدناه ( )سبحانه فد استثنى في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك مواضع، منها المقبرة ونحوها ومنها مسجد الضرار، فقلنا سمعاً وطاعة لكتاب الله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.. ثم نظرنا في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فما وجدناه سبحانه استثنى بيع أهل الكتاب ولا كنائسهم التي يتخذونها لأهل دينهم مع شركهم البين الذي لا يلتبس على أهل الإسلام، فأبقينا ذلك في عموم ما تفضل به ربنا علينا.. إذ ليس لنا أن نخص أو نقيد من عموم كلام الله إلا ما خصصه أو قيده هو سبحانه في كتابه أو في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فحمدناه وشكرناه على ما وسع علينا، وسمعنا له وأطعناه سبحانه فيما حده لنا فلم نميّعه أو نتعداه.. * * * وفي هذا فائدة بأن الشرك والكفر الذي يحاول أهله أن يلبسوه ثوب الإسلام أو أن يموّهوا؛ فيرفعوا عليه لافتات إسلامية زائفة؛ هو أشد خبثاً وخطراً من الشرك والكفر المعروف عند أهل الكتاب أو غيرهم والذي لا يخفى أو يلتبس على أهل الإسلام.. - ولعل من هذا ما يُروى من أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف أن يتخذوا مسجدهم في المكان الذي كان فيه طاغوتهم قبل إسلامهم وذلك بعدما أزهق وهدم وغير( )؛ ومثل ذلك ما رواه ابن حبان والنسائي وأحمد وغيرهم عن قيس بنِ طَلْقٍ عن أبيه، قال: خَرَجْنَا سِتَّةُ وَفْدٍ إلى رسولِ اللَّهِ، خَمْسَةٌ من بَنِي حَنِيفَةَ، والسَّادِسُ رَجُلٌ مِنْ ضُبَيْعَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، حَتَّى قَدِمْنَا على رسولِ اللَّهِ، فَبَايَعْنَاهُ وصلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرْناهُ أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيْعَةً لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَتَمَضْمَضَ، ثمَّ صَبَّهُ لَنا في إدَاوَةٍ، ثمَّ قال: «اذْهَبُوا بِهٰذا الماءِ، فَإِذا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ، فَاكْسِرُوا بَـِيْعَتَكُمْ، ثمَّ انْضَحُوا مكانَها مِنْ هٰذا الماء، واتَّخِذُوا مكانَها مَسْجِداً»، فقلنا: يا رسولَ اللَّهِ، البَلَدُ بَعِيدٌ، والماءُ يَنْشَفُ، قال: «فَأَمِدُّوهُ مِنَ الماءِ، فَإِنَّهُ لَا يزيدُهُ إِلَّا طِيباً»، فخرجنا، فَتَشَاحَحْنا على حَمْلِ الإِدَاوَةِ أيُّنا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلَهَا رسولُ اللَّهِ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْماً وَلَيْلَةً، فَخَرَجْنَا بِهَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا، فَعَمِلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا وَرَاهِبُ ذٰلِكَ القَوْمِ رَجُلٌ مِنْ طَيِّىءٍ، فَنَادَيْنَاهُ بالصَّلاةِ، فقالَ الرَّاهِبُ: دَعْوَةُ حَقَ، ثمَّ هَرَبَ، فَلْمَ يُرَ بَعْدُ». بينما لم يقر مسجد الضرار ولا صلى فيه، بل هدمه وما اتخذ مكانه مسجداً، وحرم الله القيام فيه أبداً.. * * * 2- وشبهة أخرى: فقد يقال: أنكم ذكرتم عن أهل العلم كراهة الصلاة في البيعة أو الكنيسة أو نحوها إن كان فيها تماثيل أو تصاوير.. ثم ذكرتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى في عمرة القضاء في البيت ثلاثة أيام وفيه الأصنام والتماثيل.. فيقال: شأن البيت الحرام ليس كغيره، إذ ليس فيه مجال للاختيار خصوصاً في الحج والاعتمار، بخلاف سائر بقاع الأرض فمجال الاختيار فيها واسع .. وما دام سلطان الإسلام غير حاكم على البيت الحرام أو نحوه من المساجد ذات الأفضلية والخصوصية، فللموحد أن يصلي فيها وإن وُجد فيها ما وجد من الشرك والأوثان إن اجتنب أوقات عيدهم أو ذكر طواغيتهم وتعظيمها ومدحها، أواستهزائهم بدين الله وطعنهم في أوليائه وأنصاره كما سيأتي بيانه.. أما عند وجود سلطان الإسلام عليها، فلا يحل إقرار تلك التصاوير والأوثان، ولذلك لم يدخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة عام الفتح حتى غيرت تلك التصاوير التي كانت فيها...( ) *** تنبيه: هذا وقد عد العلماء من الأمور التي قد تطرأ على الأرض أو المسجد أو المكان الذي يُصلى فيه فتخرجه عن الأصل الذي تقرر من قبل.. أن تكون الأرض مغصوبة.. أو المكان مبنياً بمال مغصوب أو طوب مغصوب أو خشب مغصوب( ) أو نحوه؛ من معصوم مسلماً كان أو ذميا أو مستأمناً أو نحوه .. لأن اللبث فيها من غير إنكار ولا إكراه أو اضطرار حرام فإن فيه إقرارا للغصب وسكوتا عن منكر ملابس له من غير ضرورة، ولذا حرم العلماء الصلاة فيه، وزعم بعض العلماء الإجماع على ذلك..( ) بل ذهب الإمام أحمد في أصح الروايات عنه إلى أنها باطلة لعدم انفكاك جهة الأمر عن جهة النهي، والجمهور على أنه لو صلى في أرض مغصوبة فصلاته صحيحة مع الإثم، لانفكاك جهة الأمر عن جهة النهي فهو آثم بمعصيته، مطيع بصلاته، كالمصلي في ثوب من حرير.. وهذا الخلاف في بطلان الصلاة، مع الاتفاق على تحريمها في مثل هذا، ينسحب أيضاً على الصلاة في المسجد المبني على القبر ( ) والصلاة في مسجد الضرار .. ونحو ذلك من المواضع التي ثبت النهي عن الصلاة فيها.. فمن قال ببطلانها احتج بأن النهي يقتضي الفساد، والصواب أنه ليس كل نهي يستلزم ويقتضي الفساد إلا نهياً دل على الشرطية بدلالته على الفساد المرادف للبطلان، بكون النهي عن ذلك الشيء لذاته أو لجزء منه، لا لأمر خارج عنه.. والشرط: هو ما يلزم من عدمه عدم المشروط، ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، ولذلك فهو لا يثبت بأي أمر واجب أو نهي محرم.. وإنما بدليل صريح يدل على أن المشروط يعدم بعدمه؛ إما بعبارة مفيدة لنفي الذات أو الصحة، كأن يقال: لا صلاة لمن لا يفعل كذا..( ) أو لا تقبل صلاة من فعل كذا.. وعلى هذا فإن كان النهي عن الصلاة في مثل تلك الأماكن يستلزم فساد الصلاة أو ردها وعدم قبولها فالتباعد عن مثلها عندئذ شرط لصحة الصلاة.. ولمن ينصر هذا القول ها هنا أن يستدل بحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) إذ الصلاة في المقبرة والأرض المغصوبة ومسجد الضرار ونحوه ليست من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا على الوجه الذي شرعه لنا صلى الله عليه وسلم، فهي على ذلك مردودة ومن شروط العبادة أن تؤدى على الوجه الذي شرعه لنا صلوات الله وسلامه عليه، وهو ما يسمى بشرط المتابعة أو الإتباع.. فالله أعلم ونسبة العلم إليه أسلم.. ونحن لم نتعرض لبطلان الصلاة في مساجد اليوم لا قبل هذا ولا بعده، ولا شغلنا أنفسنا بمثله لا في هذا الكتاب ولا في غيره، ومن نسبه إلينا من الخصوم فمفتر كذاب.. وإنما أشرنا ها هنا إشارات إلى خلاف العلماء في أشياء منه .. ومن أراد التفصيل فليراجعه في مظانه..
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:05 pm | |
| المبحث الثاني في الصلاة خلف الطواغيت وأوليائهم * إعلم رحمنا الله تعالى وإياك أن رأس وأول ما افترض الله على ابن آدم تعلمه والعمل به قبل الصلاة والزكاة والصيام وسائر العبادات، هو الكفر بالطاغوت وتجريد التوحيد لله تعالى، فلأجل ذلك خلق سبحانه الخلق وبعث الرسل وأنزل الكتب وشرع الجهاد والاستشهاد.. قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي: ليوحدون.. وقال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ).. * وهذا الأمر هو أعظم عروة في عرى الإسلام؛ ولا يمكن النجاة إلا بالاستمساك بها، إذ هي العروة الوحيدة التي ضمن الله تعالى لنا ألا تنفصم.. أما ما سواها من عرى الدين فلا تكفي للنجاة.. قال تعالى: (قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ..).. وتأمل كيف قدم الله تعالى بالذكر الكفر بالطاغوت على الإيمان به سبحانه، كما قدم النفي على الإثبات في كلمة التوحيد، وما ذلك إلا تنبيها على أهميته، إذ لا يصح الإيمان بالله إلا بالكفر بالطاغوت. * والطاغوت الذي يجب عليك أن تكفر به لتستمسك بهذه العروة العظيمة فتنجو؛ هو كل معبود عبد من دون الله بأي نوع من أنواع العبادة وهو راض بالعبادة( ) فالطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة المخلوق حده الذي خلق له قال تعالى: (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ). يقول مجاهد: (الطاغوت: الشيطان في صورة الإنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم). ويقول ابن تيمية: (ولهذا سُمّي من تحوكم إليه من حاكم بغير كتاب الله: طاغوت) الفتاوى (28/201). ويقول ابن القيم: (الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة ) ويقول أيضاً في اعلام الموقعين: (من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه) أهـ. * فمن أنواع الطواغيت المعبودة من دون الله في هذا الزمان والواجب على كل موحد أن يكفر بها ويتبرأ من عبادها ليستمسك بالعروة الوثقى وينجو من الخسران المبين؛ الآلهة الزائفة والأرباب المزعومين الذين اتخذهم كثير من الخلق شركاء مشرعين من دون الله وتابعوهم على جعل التشريع حقاً لهم أو حقاً لبرلماناتهم أو هيئاتهم الحاكمة الدولية أو الإقليمية، ونصوا على ذلك في قوانينهم المحلية والدولية وهو معروف مشهور عندهم( ) فكانوا بذلك أرباباً لكل من أطاعهم في هذا الكفر وتواطأ معهم على هذا الشرك كما كان حال أهل الكتاب مع أحبارهم ورهباهم، بل هو شر وأخبث لأن أولئك الأحبار فعلوه وتواطئوا عليه فقط ولم يقننوه و يأطروا الخلق عليه بقوة السلاح وبشوكة الجنود كما فعل ورثتهم هؤلاء. * واعلم أن أعظم درجات الاستمساك بالعروة الوثقى، وأعلى مراتب الكفر بالطاغوت؛ الإعداد والسعي الجاد لهدمه وجهاده والعمل على إخراج الناس من عبادته إلى عبادة الله وحده، إذ هذه ذروة سنام الإسلام، ويلتحق به دون شك جهاد أهله وأنصاره وأشياعه ومعاداتهم وبغضهم والبراءة منهم وتكفيرهم، نصرة لله ولشرعه ولعباده الموحدين.. * وأن أدنى تلك الدرجات والمراتب الواجبة على كل مكلف لأجل النجاة؛ ومن تركها كان من الهالكين، هي اجتناب عبادة الطاغوت واجتناب مشاركته في كفره واجتناب توليه أو تولي كفره .. قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ) وقال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ، الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ). * وتأمل كيف عبر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات كلها بلفظ الاجتناب، وهذا مبالغة في الابتعاد والتوقي والاحتراز، وهذا يقتضي على أقل الأحوال ترك عبادة الطاغوت وعدم نصرته أو توليه وعدم نصرة أتباعه وأوليائه، والبراءة من دينهم وشرعهم الباطل( )، وبغضهم والبراءة منهم والكفر بهم واجب لا يسقط عن العبد اعتقاده وإبطانه إن عجز عن إظهاره وإبدائه . ويدخل في ذلك وقاية الأهل والذرية من شركهم وباطلهم قال تعالى عن إمام الحنفاء (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً.. الآية)( ) وهذا إن لم يحققه المرء في الدنيا فيجتنب الطاغوت ويتبرأ من أوليائه ويترك مودتهم في الحياة الدنيا؛ فإنه سيندم في الآخرة ساعة لا ينفع الندم، ولذلك سيتبرأ منهم ويكفر بشركهم عبثا هناك؛ ظناً منه أن ذلك نافعه وما هو بنافعه (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ) ولقد كان ذلك أهم وأول مطلب طلبه منهم الرسل في الحياة الدنيا وقد فرّطوا فيه.. ولذلك سيكون أسمى أمانيهم أن يرجعوا إلى الدنيا لتحقيق ذلك والاستمساك بعروة النجاة الوثقى قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ..) ولكن هيهات هيهات، فقد فات الأوان وما من رجعة إلى الدنيا.. فإن كنت يا عبد الله تروم النجاة وترجو رحمة ربك التي كتبها للذين يتقون، فاجتنب أعداء الله واتقهم واجتنب شركهم الآن الآن، فإنه لا يجتنبهم ويجتنب مصيرهم في الآخرة إلا من فارقهم وفارق شركهم في الدنيا.. أما من رضي وتابع فإن منادياً في عرصات القيامة ينادي (من كان يعبد شيئاً فليتّبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت...) وفي رواية: [فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم وأصحاب الأوثان مع أوثانهم وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم] حتى يبقى من كان يعبد الله( ) من برّ أو فاجر فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا منادياً ينادى ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا... الحديث) وفي هذا يقول تعالى: (وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ) ويقول سبحانه: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ، مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ). (وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: أشياعهم في الشرك والباطل وقرناءهم.. إلى أن قال جل ذكره: (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ، إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ).. نعم والله، ها هم إن يخاطبوا بالتوحيد الحق القاضي بإبطال شركهم، وإن يكلّموا بمعاني لا إله إلا الله المستلزمة للكفر بطواغيتهم ومعبوداتهم؛ استكبروا وأعرضوا وازدروا المؤمنين وطعنوا فيهم ورموهم بكل شنيعة وقبيح بل وآذوهم وعذبوهم وسجنوهم وقتلوهم ( اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) *** وبعد هذه المقدمة المهمة والإشارات السريعة.. نقول عوداً على بدء: * ومن الأمور التي قد تطرأ على المسجد أو الكنيسة أو المكان( ) فتخرجه عن الأصل الذي تقرر من قبل فيكون ذلك مانعاً من الصلاة فيه: - أن يوافق المصلي فيه وقت معصيتهم إذا كانت شركاً أو تعظيماً لمعبود من دون الله أو تسويغا لعبادة غير الله، أو استهزاء بشيء من دين الله، أو أن يوافق وقت عيد من أعيادهم الكفرية أو ما يجتمعون عليه من مظاهر دينهم الباطل.. قال تعالى: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) قيل: الرجز: الأوثان والطواغيت، وقيل المآثم وقيل العذاب؛ أي العمل المؤدي إلى العذاب وأهله المعذبين، هذا ملخص ما ذكره المفسرون . وقال جل ذكره: (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) وقال سبحانه: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) ..(مَرُّوا كِرَاماً) معناه: معرضين منكرين لا يرضونه ولا يمالئون عليه ولا يجالسون أهله.. وقال تعالى عن إمام الحنفاء ودعوته: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي) وقال عن الفتية الموحدين أصحاب الكهف: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ).. قلت: ومن باب أولى أن تشمل هذه الآيات وغيرها ترك الصلاة خلفهم إن كانوا طواغيت أو من أولياء الطاغوت وأنصارهم وعبيدهم .. إذ كيف يقال للمرء أنه مجتنب للطاغوت متبرئ منه ؟ وهو يتخذه أو يتخذ أحداً من أوليائه وأنصاره إماما يقتدى به في أمور الدين..؟؟ قال تعالى لإمام الحنفاء: ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي الكافرين ومن تولاهم.. ومعلوم في دين المسلمين أن أعظم الظلم هو الافتراء على الله والشرك بالله؛ قال تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )، وقال تعالى (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وأي سبيل أعظم من أن يصيّر الكافر المشرك إماما للمسلمين في أمور الدين ؟! فلا يحل أن يدخل المؤمنون تحت ولاية الكفار وسبيلهم ومنهجهم، أو أن يتخذوهم متبوعين وأئمة.. وهل يقال لمن اتخذ الطاغوت أو أحداً من أوليائه وأنصاره إماماً أو قدوة ومتبوعاً؛ هل يقال له؛ أنه معتزل للطاغوت مبتعد عن سبيله مجتنب لزوره هاجر لرجزه؟؟ ولقد علمت أن الله قد أوجب وافترض لأجل النجاة وسلوك سبيل المؤمنين اجتناب الطاغوت والكفر به والبراءة من أوليائه.. وهل أولياؤه إلا الذين يناصرونه ويبايعونه أو يتولونه ويجادلون عنه ويعادون من عاداه ويدعون لنصرته وطول بقائه.. وغير ذلك من طرائقهم وسبلهم التي تودي إلى جهنم وساءت مصيراً.. قال تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً، إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ... الآية). (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) وعكسوا الأمر فاجتنبوا سبيل المؤمنين الموحدين، واتبعوا سبل الطواغيت وأوليائهم المشركين وقاعدوهم فاستمعوا للغوهم وأنصتوا لشركهم وتعظيمهم وتمجيدهم للطاغوت (وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ).. * وعلى هذا يحرم الاقتداء بالطواغيت المشرعين مهما كان مسمّاهم، سواء كانوا حكاماً( ) أم نواباً مشرعين أو من أنابوهم عن أنفسهم من الناخبين ووكلوهم في التشريع وهم يعلمون حقيقة هذه الإنابة والتوكيل، أو نحوهم ممن تواطؤوا واصطلحوا معهم على دين الديمقراطية واللعبة التشريعية الكفرية أو سوغوها وحسنوها ودعوا إليها وهم يعلمون حقيقتها. * ولقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (مِّن دُونِكُمْ): أي: من غيركم.( ) * ولقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي موسى الأشعري مرفوعا: (إذا صليتم فأقيموا صفوفكم ثم ليؤمكم أحدكم)( ) * ولما رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي من حديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم وأحقهم بالإمامة أقرؤهم) فقول الله تعالى: (لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ) وقوله صلى الله عليه وسلم (ليؤمكم أحدكم) أمر بأن لا يؤمنا إلا واحد من أهل الإسلام، أما الكفار والمشركون من المشرعين أو المتواطئين معهم على التشريع أو المحسّنين لدين الديمقراطية وأمثالهم؛ فليسوا من أهل الإسلام.. لذا فلا يحل أن يؤمونا في الصلاة أو نقتدي بهم مختارين غير مكرهين، لأنهم إن كانوا طواغيت أو مشركين فليسوا منا ولسنا منهم ونحن منهم ومن شركهم برؤاء مادمنا موحدين.. * ومن هذا تعرف أن اتخاذهم أئمة في الدين والاقتداء بهم منافٍ للبراءة منهم والكفر بهم؛ الذي لا بد منه للتمسك بالعروة الوثقى والنجاة إن كانوا طواغيت مشرعين .. ولا يأتم بهم أمرؤ كافر بهم متبرؤ من سبيلهم، اللهم إلا أن يتقي منهم تقاة كما سيأتي بيانه، وفي حالة التقاة لا بد من إعادة الصلاة لأن الصلاة خلف الكفار ليست من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا هي من دينه وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) . * ومن هذا تعرف أن مسألتنا هذه ليست من فروع الفقه، كما يتناولها كثير من أهل العصر فيذكرون فيها مقالات لبعض أهل العلم ينـزلونها في غير مقامها ويمرون عليها مرور الكرام وكفى.. وإنما هي أمر مرتبط بالتوحيد وعروته الوثقى فإياك والتساهل به أو إهماله.. * ويُستدل لما نحن فيه أيضا بقول الله تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) وبقوله سبحانه: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ) فهذه الآيات تدل على بطلان صلاة الكافر وسائر أعماله .. فإذا تقرر أن صلاة الكافر حابطة باطلة كسائر عمله .. وأن الصحيح الراجح أن صلاة المسلم لا تصح إلا بقراءة الفاتحه، وإنما تسقط عنه عند بعض أهل العلم اذا صلي مأموما، فتجبرها عنه قراءة الإمام، قال ابن قدامه في العمدة: ( ولا صلاه لمن لم يقرأ بها إلا المأموم فإن قراءة الإمام له قراءة ) واحتج له شارحه بكون القراءه ( لو كانت واجبه عليه لم تسقط عن المسبوق كبقية الاركان )انتهي ( ) . قلت: فيتفرع من هذا بطلان صلاة المأموم المؤتم بالكافر إن لم يقرأ بفاتحة الكتاب لبطلان عمل الكافر كما تقدم في الآيات، وهذه فائدة في الكلام على مسألتنا من جهة الفروع الفقهية؛ وقد عرفناك أننا لا نرضى أن نتكلم عليها إلا بربطها بالأصول، ولذلك احتججنا بقوله تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) ومعلوم أن الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان ولذلك قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)؛ فتأمل كيف جعل الله تعالى التفريط في هذه العرى الوثقى من الفتنه في الأرض والفساد الكبير؛ فكيف بمن يعكس مطلب الشارع في البراءة من الكفار فيتولاهم؛ ويزيد على توليهم تقديمهم والائتمام بهم والصلاه خلفهم ؟؟ وقد أُمر أن يؤخرهم ويهينهم ويبرأ منهم ! * ويقول تعالى آمراً النبي صلى الله عليه وسلم وأتباعه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ) وتأمل قوله تعالى (وَلاَ تَرْكَنُواْ) ثم اعلم أن الركون: هو الميل اليسير.. فكيف بما نحن في صدده مما يدخل في كل الميل؟؟ - قال سفيان الثوري: (من لاق لهم دواة أو برى لهم قلماً، أو ناولهم قرطاساً دخل في هذا) أهـ. قلت: فكيف بمن اتخذهم أئمة في الدين واقتدى بهم وتابعهم مختاراً دونما إكراه..؟؟ - وقال القرطبي: الصحيح في معنى هذه الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم. فإن صحبتهم كفر أو معصية، إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة) أهـ قلت: وهذا في الصحبة فقط.. وليس في التقديم والتصدير والمتابعة والاقتداء.. * وقال تعالى: (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً، إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً) قلت: وإذا كان هذا الخطاب وذلك الوعيد لإمام المتقين وخاتم الأنبياء والمرسلين وفي (الركون في الشيء القليل) فكيف بغيره وفيما نحن فيه من هذه الأمور العظام والفتن الطوام نسأل الله السلامة والعافية؟؟ * وقال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) إلى قوله تعالى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا)الأنعام. فأمرنا تعالى بالإعراض والابتعاد عن الخائضين في دين الله الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرّتهم الحياة الدنيا.. فبدّل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم فاتبعوهم وصدّروهم وقدّموهم أئمة يقتدون بهم وخطباء يسمعون وينصتون لهم ولباطلهم.. ولا يقال إنما يحرم مقاعدتهم والإنصات لهم فقط حال استهزائهم وخوضهم في دين الله، بل الحق أنه لا تحل مجالسة كل من عرف بالخوض في آيات الله تعالى ولا مصاحبته أو مقاعدته لغيرما دعوة أو إنكار، فالله قد أمرنا بالابتعاد عنهم في آخر الآيات فقال (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً..) قال الحسن البصري: (لا يجوز له القعود معهم خاضوا أولم يخوضوا، لقوله تعالى: (وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أهـ. قلت: ومن هذا الباب كثير من آيات الكتاب التي تأمر بالتباعد عن المشركين وهجرانهم والإعراض عنهم كقوله تعالى: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الأنعام106. وقوله سبحانه: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر 94. وقوله جل ذكره: (فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى) النجم 30، 29. فهذه كلها أوامر بالإعراض عن المشركين والمتولين عن حكم الله وشريعته، فكيف يحل لمسلم أن يبدل هذا بالإقبال عليهم ومتابعتهم والائتمام بهم ..؟؟ * يقول ابن حزم رحمه الله تعالى في محلاه (4/51): (مسألة: والصلاة خلف من يدري المرء أنه كافر باطل وكذلك خلف من يدري أنه متعمد للصلاة بلا طهارة أو متعمد للعبث في صلاته. وهذا لا خلاف فيه من أحد مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم "وليؤمكم أحدكم" في حديث أبي موسى، والكافر ليس أحدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافاً إليهم، وليس العابث مصلياً ولا في صلاة. فالمؤتم بواحد منهما لم يصل كما أمر ) أهـ. * ويدخل في هذا الذي ذكرناه ويتبعه دون شك؛ الائتمام بمن بايعهم أو تولاهم وناصرهم سواء كان من العسكر والأجناد الذين يدفعون عن الطاغوت باليد والسنان وهم له جند محضرون.. أو من يدفعون عنه وعن شركه وقانونه وحكمه بالقلم واللسان والتلبيس والبهتان من علماء الفتنة وأئمة الضلال، الذين أضلوا الخلق في أعظم أصول الدين فبايعوا الطاغوت الذي أمرهم الله أن يكفروا به، وتولوه وناصروه وجادلوا عنه ودفعوا في نحر كل من كفره أو طعن فيه أو خرج عليه، ودعوا له بالنصر والعز وطول البقاء.. بل هؤلاء أعظم في الدفع عن الطاغوت ونصرته وتثبيت أركانه من عساكره وأجناده( ) ولذا جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون)( ) وجاء (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان)( ) فلعنة الله على الظالمين.. * وذلك لأن الله جل ذكره يقول: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) والتولي: تعني النصرة، وقد تكون كما عرفت باليد والسنان أو بالقلم واللسان.. وهذا حكم عام.. فنصير الطاغوت ومتوليه؛ الذي بايعه فأعطاه صفقة يده وثمرة فؤاده وصيّره ولي أمر المسلمين يدعو لموالاته ونصرته بدلا من الدعوة إلى البراءة منه وعداوته !! ويدعو لظهوره ويتمنى طول بقائه وبقاء حكمه، هو واحد من الكفار بنص كلام الله وحكمه هذا، وليس بواحد منا حتى نتخذه إماماً ونقتدي به.. قال القرطبي: (فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) أي: (حكمه حكمهم) وقال: (وجبت معاداته كما وجبت معاداتهم)أهـ. قلت: وهل يعقل أن تجتمع معاداتهم والبراءة منهم مع اتخاذهم أئمة وبطانة يقتدى بهم في الدين؟؟ ((كيف ومن معاني العداوة: أن يكون الموحد في عدوة والضد في عدوة أخرى كما أن أصل البراءة المقاطعة بالقلب واللسان والبدن..))( ) قال تعالى مخاطباً كل حنيف موحد: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة4]. * يقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (صاحب كتاب فتح المجيد): (فمن تدبر هذه الآيات عرف التوحيد الذي بعث الله به رسله وأنزل به كتبه وعرف حال المخالفين لما عليه الرسل وأتباعهم من الجهلة المغرورين الأخسرين) أهـ. من الدرر السنية جزء الجهاد ص93 - وجاء فيه أيضا ص221: (فهذه هي ملة إبراهيم التي قال الله فيها (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) فعلى المسلم أن يعادي أعداء الله ويظهر عداوتهم ويتباعد عنهم كل التباعد وأن لا يواليهم ولا يعاشرهم ولا يخالطهم...) أهـ. قلت: فكيف باتباع سبيلهم واتخاذهم أئمة في أعظم شعائر الدين..؟؟ - ويقول الشيخ حمد بن عتيق: (فقوله "وبدا" أي ظهر وبان، وتأمل تقديم العداوة على البغضاء، لأن الأولى أهم من الثانية، فإن الإنسان قد يبغض المشركين ولا يعاديهم فلا يكون آتيا بالواجب عليه حتى تحصل منه العداوة والبغضاء، ولا بد أيضاً من أن تكون العداوة والبغضاء باديتين ظاهرتين بينتين، واعلم أنه وإن كانت البغضاء متعلقة بالقلب، فإنها لا تنفعه حتى تظهر آثارها وتتبين علاماتها، ولا تكون كذلك حتى تقترن بالعداوة والمقاطعة، فحينئذ تكون العداوة والبغضاء ظاهرتين) أهـ من كتاب سبيل النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك. وتأمل قول الله تعالى في هذه الآيات (إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وكيف قدم سبحانه البراءة من المشركين العابدين غير الله على البراءة من معبوداتهم التي أشركوها مع الله؛ وفي هذا تنبيه على أن الأول أهم من الثاني، لأن كثيراً من الناس قد يتبرأ من الأرباب المعبودة مع الله؛ ولكنه لا يتبرأ ممن عبدها وناصرها وتولاها من المشركين، فلا يكون بهذا وحده على ملة إبراهيم وطريق الأنبياء والمرسلين، أما إذا تبرأ من المشركين فإن هذا يستلزم البراءة من معبوداتهم وهذا كقوله تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وقوله (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وقوله عن الفتية أصحاب الكهف: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) فقدم اعتزال المشركين على اعتزال معبوداتهم في ذلك كله، تنبيها على هذا الركن العظيم.. فافهمه وعض عليه بالنواجذ، فإنه سبيل النجاة والفكاك، ومن أعظم ما يقربك إلى الله.. وما نال خليل الرحمن تلك المنزلة المقربة من الله إلا بتباعده عن المشركين ومعاداته ومباينته لهم...( ) * وقال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً، الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً، وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً). وقال الله تعالى في الآية التي بعدها: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (النساء). فلا يحل لمن شم رائحة التوحيد وعرف قدره وخطر الشرك وضرره، وقدر الله حق قدره، أن يقعد حيث يستمع لمدح وتعظيم من اتخذه الناس نداً لخالقه ومولاه، فضلاً عن أن يتخذهم أئمة يقتدي بهم في الدين.. يقول ابن حزم رحمه الله تعالى في محلاه (4/45): (مسألة: ولا تجزىء الصلاة في مكان يستهزأ فيه بالله عز وجل أو برسوله صلى الله عليه وسلم أو بشيء من الدين، أو في مكان يكفر بشيء من ذلك فيه، فإن لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته، قال الله تعالى: ((أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ)) وقال تعالى: ((وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ )) فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزىء الكافر بشهادة الله تعالى، فمن أقام حيث حرم الله عز وجل عليه الإقامة وقعد حيث حرم الله عز وجل عليه القعود فقعوده وإقامته معصية، وقعود الصلاة طاعة، ومن الباطل أن تجزىء المعاصي عن الطاعات وأن تنوب المحارم عن الفرائض، وأما من عجز فقد قال تعالى: ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)). )أهـ
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:16 pm | |
| وقوله: [إن لم يمكنه الزوال ولا قدر صلى وأجزأته صلاته] وكذا في آخره [وأما من عجز فقد قال تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) ] إشارة إلى الضرورة والحرج في بعض الأحوال والظروف، ومع ذلك فليس في ذلك أنه يصلي خلف المستهزئين الكافرين أو أنصارهم وأوليائهم، وإنما المقصود الصلاة في مكان الاستهزاء عند الضرورة، فإياك أن تخلط المسائل بعضها ببعض، وعليك بالفقه والفهم؛ فمثل ذلك لا يقوله عاقل فضلا عن أن يصدر من عالم أو فقيه.. ثم تأمل قوله تعالى عمن يستمع لاستهزاء الكفار وطعنهم في الدين وينصت دونما إكراه أو إنكار: (إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) لتعلم خطورة ما نحن في صدده، وأن الأمر ليس بالهزل.. فمن جامعهم على ذلك في الدنيا اجتمع معهم في جهنم وبئس المصير؛ والجزاء من جنس العمل .. - وارجع إلى قول ابن حزم فيه: (فمن استجاز القعود في مكان هذه صفته فهو مثل المستهزىء الكافر بشهادة الله تعالى). - ومثله قول الشيخ سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الآية نفسها: (الآية على ظاهرها وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم وإن لم يفعل فعلهم..) أهـ من الدرر السنية في الأجوبة النجدية ص79. والحقيقة أن هذا أمر واضح بيّن قد نص الله تعالى عليه بمحكم كتابه.. وكلامه ووحيه هو الحجة دونما سواه، ونحن لا نذكر ها هنا ما نذكره من كلام العلماء استدلالاً أو احتجاجاً به.. وإنما نذكره ليستأنس به طالب الحق فلا يستوحش في هذه الغربة العظيمة أو يظن نفسه وحيداً في المضمار.. * ويقول الله تعالى عن الذين آتاهم الله العلم والكتاب فانحرفوا عن هداه ولم يرفعوا به رأساً: (تَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) المائدة80، 81. * يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (في هذه الآيات بيان من الله سبحانه وتعالى أن الإيمان بالله والنبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل إليه، يقتضي عدم ولاية الكفار، فثبوت موالاتهم، يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم) أهـ عن مجموعة التوحيد ص259 فهذا نص جلي واضح من الله تعالى أن من تولى الكفار وناصرهم وبايعهم أنه ليس بمؤمن بالله ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بما أنزل إليه، ومن كان كذلك فهو من جملة الكفار الذين سخط الله عليهم، وفي العذاب هم خالدون إن ماتوا على هذه الحال.. وقد علمت أنه لا يجوز أن يؤمنا إلا واحد منا؛ أي من أهل الإسلام.. والخلاصة أن كل من تلطخ ببدعة مكفرة عصرية أو قديمة فلا تجوز ولا تصح الصلاة خلفه .. وهذا ليس ببدع من القول نتفرد به بل قد وافقنا على هذا أكثر العلماء قديما وحديثا حتى أدخل كثير منهم في ذلك بدع القدرية والروافض ونحوهم ... فمن الأوائل: - رُوي عن الإمام مالك أنه: يُعيد من صلَّى الجمعة وراء القَدَري ظهراً ( ) وهذه بعض النقول من ( سيرة الإمام أحمد بن حنبل ) لابنه صالح: - (50) سألت أبي: يصلي الرجل خلف القدري إذا قال: إن الله لا يعلم ما يعمل العباد حتى يعملوا ؟ قال ( لا يصلى خلفه ) - (51) قال أبي ( لا يصلى خلف الرافضي إذا كان يتناول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) - ( 47) قلت لأبي فإذا اجتمع رجلان أحدهما قد امتحن والآخر لم يمتحن ثم حضرت الصلاة ؟ قال ( يتقدم الذي لم يمتحن ) وهذا فيمن أقر بخلق القرآن في المحنة، فتأمل . - (45) قلت لأبي من قال لفظي بالقرآن مخلوق يكلم ؟ قال ( هذا لا يكلم ولا يصلى خلفه وإن صلى رجل أعاد ). - وقال أبو بكر الأثرم: ( سئل أحمد عن الصلاة خلف بشر المريسي، فقال: لا تصل خلفه . ) سير أعلام النبلاء - وجاء في البحر الرائق، لابن نجيم الحنفي: ( فَإِنْ كَانَتْ تُكَفِّرُهُ فَالصَّلَاةُ خَلْفَهُ لَا تَجُوزُ، وَعِبَارَةُ الْخُلَاصَةِ هَكَذَا، وَفِي الْأَصْلِ الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْأَهْوَاءِ جَائِزٌ، إلَّا الْجَهْمِيَّةَ وَالْقَدَرِيَّةَ وَالرَّوَافِضَ الْغَالِية، وَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، وَالْخَطَّابِيَّةَ، وَالْمُشَبِّهَةَ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ فِي هَوَاهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُنْكِرُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، أَوْ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ )اهـ. وأمثال هذا كثير ... أما المتأخرون فهاك أمثلة مثلوا فيها ببدع يسلّمون بكونها مكفرة كبدعة القول بوحدة الوجود ودعوى أن الخالق هو عين المخلوق وبدع دعاء الأموات وعبادتهم والاستغاثة بهم والطواف بقبورهم ونحوها .. وإليك بعضها: - ( السؤال: ما هو حكم من يصلي وراء عباد أهل القبور، وما هو موقف المسلم من الذي يصلي وراء عباد القبور حتى ولو كان الذي يصلي وراءهم لا يرتكب شركا ولا يقرأ رسائل التوحيد مطلقا ..... الجواب: : لا تصح الصلاة وراء عباد القبور وعلي المسلم أن يناصح أخاه الذي يجهل حكم الصلاة وراء عباد القبور، ويبين له الحكم بدليله لعل الله أن يهديه ..............مصدر الفتوى: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (ج 7/ ص 355 ـ 356) [ رقم الفتوى في مصدرها: 6371 ] - ( سؤال: هل تجوز الصلاة خلف إمام واقع في بعض الشركيات وان كان جاهلاً لحكم ما وقع فيه؟ فكان من جواب الشيخ عبد العزيز بن باز: ( ...... فإن علم أن هذا الإمام يتعاطى بعض الأعمال الشركية لم تجز الصلاة خلفه، فإذا علم أنه يدعو غير الله كالبدوي، أو الحسين، أو الحسن، أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، أو الشيخ عبد القادر الجيلاني، أو غير ذلك من الناس، أو يدعو الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أو غيره من الأنبياء، هذا لا يصلى خلفه، هذا كافر، لا يصلى خلفه، أما إذا كان حلف بغير الله، فهذا ليس بشرك أكبر، بل هو شرك أصغر، كالذي يقول بالكعبة، أو بالنبي، أو بالأمانة، هذا الصلاة خلفه صحيحة؛ لأن هذا شرك أصغر لا يخرجه من الإسلام، ولا ينبغي أن يبقى إماماً هذا ينبغي أن يعزل من الإمامة إلا أن يتوب ويعرف الحكم الشرعي، فإذا تاب تاب الله عليه، لكن ما دام مصر على الحلف بغير الله، أو على المعاصي الظاهرة، فإنه لا ينبغي أن يبقى إماماً، وهو يتعاطى بعض المعاصي الظاهرة، أو بعض الشركيات من الشرك الأصغر ينبغي أن يزال، ويستبدل بمن هو أصلح منه، ................. ) اهـ.
السؤال: ( ما حكم الصلاة خلف من يذهب إلى قبور الصالحين للتبرك بها وتلاوة القرآن في الموالد وغيرها بأجر على ذلك؟ أجابة الشيخ عبد العزيز بن باز: ( هذا فيه تفصيل إن كان مجرد الاحتفال بالموالد من دون شرك فهذا مبتدع فينبغي أن لا يكون إماماً لما ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)) والاحتفال بالموالد من البدع، أما إذا كان يدعو الأموات ويستغيث بهم، أو بالجن، أو غيرهم من المخلوقات فيقول: يا رسول الله انصرني، أو اشف مريضي، أو يقول: يا سيدي الحسين، أو يا سيدي البدوي، أو غيرهم من الأموات، أو الجمادات كالأصنام، المدد المدد، فهذا مشرك شركاً أكبر لا يصلى خلفه، ولا تصح إمامته - نسأل الله العافية - أما إذا كان يرتكب بدعة كأن يحضر المولد ولكن لا يأتي بالشرك، أو يقرأ القرآن عند القبور، أو يصلي عندها، ولا يأتي بشرك فهذا يكون قد ابتدع في الدين فيعلم ويوجه إلى الخير وصلاته صحيحة إذا لم يفعلها عند القبور، أما الصلاة في المقبرة فلا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) متفق عليه. )اهـ. وقال: كل إمام عُلم أنه يغلو في آل البيت فإنه لا يُصلى خلفه، ومن لم يُعرف بذلك أو غيرهم من المسلمين فإنه يصلى خلفه . فتاوى الشيخ ابن باز م/12 ص/107 - وفي سؤال آخر أجاب: ( نعم تصح الصلاة خلف المبتدع وخلف المسبل إزاره وغيرهما من العصاة في أصح قولي العلماء ما لم تكن البدعة مكفرة لصاحبها، فإن كانت مكفرة له كالجهمي ونحوه ممن بدعتهم تخرجهم عن دائرة الإسلام، فلا تصح الصلاة خلفه ) اهـ. - وقال الشيخ ابن عثيمين: ( الصلاة خلف الإمام المبتدع إن كانت بدعته مكفرة فإنه لايجوز أن تصلي خلفه لأن صاحب البدعة المكفرة لا تقبل له صلاة لأن الكفر يمنع من قبول الصلاة وإذا كانت لا تقبل صلاته فكيف تقتدي أو فكيف تأتم بإمام لا صلاة له لكن إذا كنت لا تدري عنه وصليت خلفه ثم تبين لك بعد ذلك أنه متبدع بدعة مكفرة فإن صلاتك صحيحة لقول الله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) والإنسان لا يعلم الغيب أما إذا كانت البدعة مفسقة لا تخرج الإنسان من الإسلام فإن الصلاة خلفه صحيحة على القول الراجح وهو أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة لأنه أعني الفاسق تصح صلاته وتقبل صلاته وفسقه وعدالته لنفسه ليس علينا منها شيء مادام يأتي بالصلاة على الوجه المطلوب أما إذا كان يخل بالصلاة فإنك لا تصلي خلفه ولو كان سليماً من البدعة والفسوق هذا هو حاصل ما يقال عن الرجل المبتدع على أن بعض العلماء يقول إن الفاسق مطلقاً لا تجوز الصلاة خلفه ولكن هذا قول مرجوح والراجح أن الصلاة خلف الفاسق صحيحة ولكن كما قلت لك إذا كان يخل بالصلاة فلا تصل خلفه نعم وكذلك أيضاً إن أمكنك أن تجد إماماً عدلاً مستقيماً في دينه فأن صلاتك خلفه أولى من صلاتك خلف هذا الرجل الفاسق.) اهـ. - السؤال: من الفتوى رقم (1619) ( هل تصح الصلاة خلف صاحب بدعة كصاحب الطريقة التيجانية ؟ الجواب: (عقيدة التيجانية عقيدة كفر وضلال فلا تصح الصلاة خلف من يعتقد هذه الطريقة . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ) . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبدالله بن قعود عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز الفتوى رقم (6825( السؤال: ( في هذه القرية مسجد مبسط ويجتمع فيه حوالى خمسمائه من المسلمين ولكن للأسف فإن إمام هذا المسجد يعتقد عقيدة فاسدة وحلولية، يعتقد أن الله في كل مكان. وهناك كثير من الخرافات والبدع تقام بهذا المسجد غلبتني نفسي حتى تناقشت مع إمام هذا المسجد وطرحت عليه الأدلة والبراهين بأن الله في السماء مستو على عرشه .... ولم يقتنع بل ظل في عتوه وعقيدته هذه وبالعلم أن هناك مسجد آخر في هذه القرية ويحمل نفس الخرافات والبدع، حتى الآن لم أطرح سؤالي، وسؤالي هو، هل يجوز لي أن أصلي خلف هذا الإمام أم لا ومع أني أحب أن أصلي صلاة الجماعة ؟ الجواب: ( إنهم كفار، ولا تجوز الصلاة خلفهم ولا تصح . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم) . اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عبدالله بن قعود عبدالرزاق عفيفي عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:18 pm | |
| وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز: ( هل يجوز الصلاة خلف أولئك الذين يدعون إلى زيارات الأضرحة؟ الجواب: ( من عرف أنه من عباد الأضرحة، من عرف بأنه يأتي القبور ويستغيث بأهلها، ويسألهم شفاء المرضى ونحو ذلك فهذا لا يصلى خلفه، لأن ظاهره الشرك، والمشرك لا يصلى خلفه، والصلاة خلفه باطلة، فلا يجوز أن يُصلى خلف هؤلاء، بل يجب أن ينبهوا وأن يحذروا من الشرك، وأن ينصحوا، فإذا تابوا ورجعوا عن الباطل ووحدوا الله سبحانه وتعالى وقبلوا النصيحة، صلى خلفهم، أما ما داموا يعبدون غير الله، ما داموا يتعلقون بالقبور ويسألونها شفاء المرضى والمدد وقضاء الحاجات، هؤلاء لا يصلى خلفهم، بل شركهم ظاهر، وكفرهم ظاهر، وإن كان بعضهم قد يكون غره الجهل أو غره شكوك العلماء فإن هذا لا يعذره بل يجب عليه أن يسأل ويتفقه في دين الله ويسأل أهل العلم ويتوصى في ذلك ولا يتساهل. )اهـ. وسئل الشيخ ابن باز: " هل تجوز الصلاة خلف إمام مشعوذ ودجال، علما بأن منهم من يجيد قراءة القرآن ؟ وجهونا جزاكم الله خيرا . فأجاب: إذا كان الإمام مشعوذا يدعي علم الغيب أو يقوم بخرافات ومنكرات، فلا يجوز أن يتخذ إماما ولا يصلى خلفه؛ لأن من ادعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية، يقول جل وعلا: ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) [النمل/65] وهكذا من يتعاطى السحر حكمه حكم الكفار لقول الله تعالى: ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ) الآية من سورة البقرة/102 . أما إذا كان عنده شيء من المعاصي وليس عنده شيء من أعمال الكفر كالسحر ودعوى علم الغيب ولكن عنده شيء من المعاصي فالصلاة خلفه صحيحة، والأفضل التماس غيره من أهل العدالة والاستقامة احتياطا للدين وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم جواز الصلاة خلفه . أما العصاة فلا ينبغي أن يتخذوا أئمة، لكن متى وُجدوا أئمة صحت الصلاة خلفهم لأنهم قد يبتلى بهم الناس وقد تدعو الحاجة للصلاة خلفهم . أما من يدعو غير الله أو يستنجد بالموتى ويستغيث بهم ويطلبهم المدد فهذا لا يصلى خلفه؛ لأنه يكون بهذا الأمر من جملة الكفار لأن هذا هو عمل المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وغيرها . ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يمنحهم الفقه في الدين وأن يولي عليهم خيارهم إنه سميع قريب " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (9/278). بل أفتى بعض المتأخرين من علماء نجد، وهم عبد الله وإبراهيم ابنا الشيخ عبد اللطيف وسليمان بن سحمان كما في الدرر السنية (جزء حكم المرتد) ص245 بقولهم: (لا تصح إمامة من لا يكفر الجهمية والقبوريين أو يشك في تكفيرهم، وهذه مسألة من أوضح الواضحات عند طلبة العلم والأثر...)أهـ. وإن كان مرادهم أن تكفير الجهمية والقبوريين من أوضح الواضحات ! فلعله؛ وأما إن كان مرادهم بأوضح الواضحات عدم صحة إمامة من لا يكفرهم؛ فلا أظنه كذلك مع خلاف الناس في مسألة إعذارهم بالجهل. السؤال: هل يصح أن أصلي خلف من يستغيث بغير الله ويتلفظ بمثل هذه الكلمات: ( أغثنا يا غوث، مدد يا جيلاني ) ؟ وإذا لم أجد غيره فهل لي أن أصلي في بيتي ؟ الجواب: ( لا تجوز الصلاة خلف جميع المشركين ومنهم من يستغيث بغير الله ويطلب منه المدد؛ لأن الاستغاثة بغير الله من الأموات والأصنام والجن وغير ذلك من الشرك بالله سبحانه، أما الاستغاثة بالمخلوق الحي الحاضر الذي يقدر على إغاثتك فلا بأس بها؛ لقول الله عز وجل في قصة موسى: {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ}[1]، وإذا لم تجد إماما مسلما تصلي خلفه جاز لك أن تصلي في بيتك، وإن وجدت جماعة مسلمين يستطيعون الصلاة في المسجد قبل الإمام المشرك أو بعده فصل معهم، وإن استطاع المسلمون عزل الإمام المشرك وتعيين إمام مسلم يصلي بالناس وجب عليهم ذلك؛ لأن ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة شرع الله في أرضه إذا أمكن ذلك بدون فتنة. لقول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} الآية، وقوله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم في صحيحه. السؤال: ( هل معذور الذي يصلي خلف الإمام المشرك وهو عارف أن الإمام مشرك، وهو يتأول ويقول: يجوز الصلاة خلف المشرك من ناحية الدعوة، لأننا إذا تركنا المسجد سوف لا يصلي فيه أحد من الشباب، وهذا لا يجوز إذا قلنا: صلوا في البيت، أو في مسجد آخر إذا كان يعيد، لأنه احتمال يترك الصلاة، ونحو ذلك من الشبه الباطلة. فهل هذا يا فضيلة الشيخ معذور في صلاته خلف الإمام المشرك؟ وعلى كل من اتبعه؟ علمًا نحن قلنا له: لا يجوز أن تصلي خلف الإمام المشرك أبدًا، ولا توجد مصلحة في ذلك أبدًا، بل هو يُصِرُّ ولم يُعْرِض عن الصلاة خلفه، فما حكمه يا فضيلة الشيخ؟ وما حكم من يتوقف في تكفير الذي يُصِرُّ على الصلاة خلف المشرك، والذي يعتذر للذي يصلي خلفه؟ وهل يدخل التأويل في تلك المسائل أم لا؟ ( الاجابة للشيخ ابن جبرين : ( إذا كان ذلك الإمام مشرك شركًا ظاهرًا بأن يدعو غير الله، ويصرف شيئا من عبادته للأولياء، وأهل القبور، ثم نُبِّه على ذلك فَأَصَرَّ واستكبر وعاند ولم يقبل الحق بغير دليل، وليس له شبهة يتمسك بها، فلا تصح الصلاة خلفه؛ لأن صلاته في نفسها باطلة، فتبطل صلاة المأمومين، فإن اضطر إنسان للصلاة خلفهم من باب التأليف جاز ذلك، لكن تلزم إعادتها! فكثير من البلاد يعاقبون الشباب الصالح إذا لم يصلوا خلف هذا الإمام، مُتَّهِمين لهم بأنهم ثوريون أو إرهابيون، أو يُكَفِّرون الدولة، أو يحاولون الانقلاب أو نحو ذلك! فعلى هذا نقول: لا بأس بالصلاة في هذه المساجد كجماعة أخرى، ويدَّعون العذر في التأخر، أو يُصَلُّون خلف ذلك الإمام، ثم يعيدون الصلاة في منازلهم، أو يذهبون إلى مسجد آخر ولو كان بعيدًا إذا كان سالمًا من المعابد الشركية، وإمامه من أهل التوحيد. ولا يجوز تكفير الذي يُصلي خلف المشركين من باب التأليف- مع التزامه بإعادة الصلاة، أو يجهل شركهم- أو لا يكون شركهم صريحًا، بل هو محتمل للتأويل، وأما إذا عُرف شرك هذا الإمام، وإصراره على الشرك، فلا يُتَوَقَّف في تكفيره، وفي خطأ من يُصلي خلفه، أو يعتذر لمن يصلي خلفه. )اهـ. - وقال شيخنا حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله تعالى في حكم إمامة من ينكر علو الله؛ بعد أن بين أنه ( يكفر بذلك إذا لم يكن جاهلا بالنصوص الشرعية الدالة على صفة العلو، وقد حكم بكفر منكر العلو كثير من العلماء: فمنهم الإمام أبو حنيفة حينما سأله أبو مطيِع البلْخي عمن ينفي استواء الله على عرشه وعلوه على خلقه؟ فقال: (هو كافر)، قال أبو مطيع، قلت له: (فإن كان يقول الله مستوي على العرش ولا أدري عرشه في السماء أم في الأرض؟)، قال: (هو كافر). وقال إمام الأئمة محمد ابن خزيمة عمن ينفي علو الله على خلقه، فقال: (هو كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه وألقيت جثته في المزابل مع جيف الميتات). ) ثم قال شيخنا رحمه الله: ( أما حكم إمامة من ينكر علو الله: فهي باطلة ولا يصح الائتمام به ولا تنصيبه إماما في الصلاة لما تقدم من أقوال العلماء في تكفيره. ) اهـ. من رسالة ( صفة العلو وحكم الصلاة خلف من أنكرها ) وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الصلاة خلف من يكتب التمائم للناس فأجابت: " تجوز الصلاة خلف الذي يكتب التمائم من القرآن والأدعية المشروعة، ولا ينبغي له أن يكتبها لأنه لا يجوز تعليقها، وأما إذا كانت التمائم تشتمل على أمور شركية، فلا يصلى خلف الذي يكتبها، ويجب أن يبين له أن هذا شرك، والذي يجب عليه البيان هو الذي يعلمها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/65). فقس على هذا من يكتب التشريعات الشركية أو يشرعها ويسنها ويدعو إليها من خلال دين الديمقراطية أو حاكمية الشعب !!
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:23 pm | |
| الصلاة خلف الفاسق أو العاصي أو الظالم أو الفاجر أو المبتدع بدعة غير مكفرة الأصل أن منصب الإمامة بالناس من المناصب الدينية المهمة عند أهل الإسلام .. التي يجب أن يوليها المسلمون اهتمامهم فلا يولون أمر إمامتهم إلا الصالحين منهم كما قيل ( إن كنت إمامي فكن أمامي ) يقول السرخسي: ( والأصل فيه: أنَّ مكانة الإمامة ميراث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أول من تقدَّم للإمامة، فَيُختار لها مَن يكون أشبه به خلْقاً وخلُقاً، ثم هو مكان استُنبط منه الخلافة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر أبا بكر رضي الله عنه أنْ يُصلي بالناس، قالت الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم: إنه اختار أبا بكر لأمر دينكم، فهو المُختار لأمر دنياكم، فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس ) ( ) . ولكن هذا لا يعني أنه في حال تولي الفساق لهذا المنصب سواء لتفريط المسلمين في هذا الأمر أو لتسلط الطواغيت على أوقاف المسلمين؛ أن الصلاة لا تصح خلف الفساق أو العصاة أو أهل البدع غير المكفرة ونحوهم .. فكثير من الشباب المتحمس والمبتديء يلج إلى هذا الباب بحماس ويتشدد فيه من غير أدلة وبينات، وترى كثيرا منهم يتركون الصلاة خلف الفساق والعصاة ابتداء بدافع إنكار منكراتهم ثم يؤول الأمر ببعضهم إلى القول ببطلان الصلاة خلفهم بلسان المقال دون أدلة يعتمد عليها، أو بلسان الحال حين يهجرون صلاة الجماعة في المساجد لأن كثيرا من أئمة المساجد في زماننا إلا من رحم الله من الأصناف المذكورة في عنوان هذا المبحث .. وفي مثل هذا يقول العلامة ابن القيم: ( وإذا عمَّ الفسوق وغلب على أهل الأرض فلو مُنِعت إمامة الفُسَّاق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعُطّلت الأحكام وفَسَد نظام الخلق، وبطلت أكثرالحقوق، ومع هذا فالواجب اعتبار الأصلح فالأصلح) ( ). والقاعدة الفقهية التي هي عمدة هذا المبحث هي تلك التي يذكرها العلماء استنباطا من استقرائهم لأدلة الشرع في هذا الباب، والتي ذكرها الشوكانى في نيل الأوطار في باب إمامة الفاسق: (كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره ). أي صحت إمامته وجاز الائتمام به، وقال الشوكاني: [والحق جواز الائتمام بالفاسق لأن الأحاديث الدالة على المنع كحديث: (لا يؤمنكم ذو جراءة في دينه) وحديث: (لا يؤمنَّ فاجرٌ مؤمناً ) ونحوهما ضعيفة لا تقوم بها حجة وكذلك الأحاديث الدالة على جواز الائتمام بالفاسق كحديث: (صلوا مع من قال لا إله إلا اللَّه) وحديث: (صلوا خلف كل بر وفاجر) ونحوهما ضعيفة أيضًا ولكنها متأيدة بما هو الأصل الأصيل وهو أن من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره فلا ننتقل عن هذا الأصل إلى غيره إلا لدليل ناهض، وقد جمعنا في هذا البحث رسالة مستقلة وليس المقام مقام بسط الكلام في ذلك.] نيل الأوطار 2/28. وقال الشوكاني أيضاً [ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعلياً ولا يبعد أن يكون قولياً على الصلاة خلف الجائرين لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى، وقد أخرج البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج، وأخرج مسلم وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة، ولأنه قد ثبت أنه أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ويصلونها لغير وقتها، فقالوا: يارسول الله فما تأمرنا؟ فقال: صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة. ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل، وقد أذن النبي بالصلاة خلفه نافلة، ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك. قال الأمير اليماني بعد ذكر هذا الحديث: فقد أذن بالصلاة خلفهم، وجعلها نافلة؛ لأنهم أخرجوها عن وقتها. وظاهره أنهم لو صلوها في وقتها لكان مأمورا بصلاتها خلفهم فريضة .. والحاصل أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به فالقائل بأن العدالة شرط ... محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل ] نيل الأوطار 3/185- 186. أما حديث مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: الجهاد واجب عليكم مع كل أمير براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر ). فرواه أبو داود، ورواه الدارقطني بمعناه، ورواه البيهقي وغيره بلفظ ( صلوا خلف كل برٍ وفاجر وصلوا على كل برٍ وفاجر وجاهدوا مع كل برٍ وفاجر ). فهذا الحديث حديث ضعيف لا يصح الاحتجاج به، قال الدارقطني: ليس في هذه الأحاديث شيء يثبت، وقد فصَّل الزيلعي الكلام على هذا الحديث في نصب الراية 2/26-29. والتحقيق أنه لا دليل على عدم صحة الصلاة وراء الفاسق أو الظالم أو الجائر أو المبتدع بدعة غير مكفرة وحديث " لا يؤم فاجر مؤمناً " لا يصح أيضاً كما بينه علماء الحديث ..وكذا حديث " اجعلوا أئمتكم خياركم " إسناده ضعيف جداً كما ذكر العلماء، قالوا: ولو صح فلا دليل فيه إلا على وجوب اختيار الأئمة من الأخيار وهذا شيء، وبطلان الصلاة وراء الفاسق شيء آخر .. ولذلك فالصحيح الواضح والراجح من أقوال أهل العلم أن الصلاة تصح خلف الفاسق وعلى هذا جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية في المعتمد عندهم وهو رواية في مذهب الحنابلة وهو قول أهل الظاهر، ولذلك قال الإمام أبو جعفر الطحاوي - صاحب العقيدة الطحاوية: [ ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة وعلى من مات منهم]. وفي أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي بعد أن ذكر اعتقاد أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري (2/154) قال سفيان في آخره لشعيب بن حرب: ( يا شعيب: لا ينفعك ما كتبت حتى ترى: الصلاة خلف كل بر وفاجر والجهاد ماض إلى يوم القيامة، والصبر تحت لواء السلطان جار أم عدل، قال شعيب: فقلت لسفيان يا أبا عبد الله: الصلاة كلها ؟ قال: لا، ولكن الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة )( ). ومجرد تجويزه بعض الصلاة خلفهم بل جعله ذلك شرطا في انتفاع من يتحرى عقيدة أهل السنة كاف للتدليل على ما نقول؛ وأما تفريقه بين الجمعة والعيدين وبين سائر الصلوات فسيأتي توجيهه . ويقول ابن حزم في المحلى (3/129): ( ما نعلم أحداً من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار، وعبيد الله بن زياد، والحجاج؛ ولا فاسق أفسق من هؤلاء. وكل هذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان) اهـ. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ( وقــد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره، كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقد كان يشرب الخمر، وصلى مرة الصبح أربعاً وجلده عثمان بن عفان رضي الله عنه على ذلك، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهماً بالإلحاد ( ) وداعياً إلى الضلال ( إهـ. الفتاوي (3 / 281(. وقال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي في شرح كلمة أبي جعفر الطحاوي أعلاه: ( وفي صحيح البخاري أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي، وكذا أنس بن مالك وكان الحجاج فاسقاً ظالماً، وفي صحيحه أيضاً أن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: قال: ( يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وأن أخطأوا فلكم وعليهم ) وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم: قال: ( صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من مات من أهل لا إله إلا الله ) أخرجه الدارقطني من طرق وضعفها. اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد بل يصلي خلف المستور الحال ولو صلى خلف مبتدع يدعو إلى بدعته أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا يمكنه الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف. ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند أكثر العلماء والصحيح أنه يصليها ولا يعيدها فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون كما كان عبدُ الله بنُ عمر يُصلي خلف الحجاج بن يوسف ( )، وكذلك أنسُ رضي الله عنه كما تقدَّم، وكذلك عبد الله بنُ مسعود رضي الله عنه وغيره يُصلُّون خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم الصبح مرة أربعاً، ثم قال: أزيدكم، فقال له ابن مسعود: ما زلنا معك منذ اليوم في زيادة ( )، وفي الصحيح: ( أنَّ عثمان بنَ عفان رضي الله عنه لما حُصر صلَّى بالناس شخصٌ، فسَأل سائلٌ عثمانَ: إنك إمامُ عامة، وهذا الذي يُصلي بالناس إمامُ فتنة ؟! فقال: يا ابن أخي، إنَّ الصلاة من أحسن ما يعملُ الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم ) ( ) والفاسق والمبتدع صلاته في نفسها صحيحة فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب. ومن ذلك أن من أظهر بدعةً وفجوراً لا يترتب إماماً للمسلمين فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة وأما إذا كان ترك الصلاة خلفه يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا لا يترك الصلاة خلفه إلا مبتدع مخالف للصحابة رضي الله عنهم وكذلك إذا كان الإمام قد رتبه ولاة الأمور ليس في ترك الصلاة خلفه مصلحة شرعية فهنا لا يترك الصلاة خلفه بل الصلاة خلفه أفضل فإذا أمكن الإنسان أن لا يقدم مظهراً للمنكر في الإمامة وجب عليه ذلك لكن إذا ولاه غيره ولم يمكنه صرفه عن الإمامة أو كان لا يتمكن من صرفه عن الإمامة إلا بشر أعظم ضرراً من ضرر ما أظهر من المنكر فلا يجوز دفع الفساد القليل بالفساد الكثير ولا دفع أخف الضررين بحصول أعظمهما فإن الشرائع جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها بحسب الإمكان فتفويت الجمع والجماعات أعظم فساداً من الإقتداء فيهما بالإمام الفاجر لا سيما إذا كان التخلف عنها لا يدفع فجوراً فيبقى تعطيل المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة. وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر وحينئذ فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر فهو موضع اجتهاد العلماء منهم من قال يعيد ومنهم من قال لا يعيد وموضع بسط ذلك في كتب الفروع ) اهـ. شرح العقيدة الطحاوية من صفحة 421إلى 423. والمتأمل لكلامه يرى فيه نقلا كثيرا من كلام شيخ الاسلام ابن تيمية دون عزو . وقال أبو بكر الإسماعيلي في اعتقاد أهل الحديث: [ ويرون الصلاةَ الجمعة وغيرها خلف كل إمام مسلم، براً كان أو فاجراً، فإن الله عزَّ وجلَّ فرضَ الجمعة، وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت، ولا أمراً بالنِّداء للجمعة دون أمر.] ص75-76. • فائدة مهمة: في بيان أن قول العلماء: لا تجوز الصلاة في مسجد الضرار، أو خلف الفاسق أو خلف المبتدع أو لا تجوز تولية الفاسق للإمامة ونحو ذلك من العبارات، لا يلزم من ذلك بطلان الصلاة .. أولا: لاخلاف في وجوب تقديم الأكمل والأفضل للإمامة والأذان .. قال الإمام أحمد رحمه الله: ( ومن الحقِّ الواجب على المسلمين: أن يُقدِّموا خيارهم وأهل الدين والأفضل منهم، أهل العلم بالله الذين يخافون الله ويراقبونه ) رسالة الإمام أحمد في الصلاة ص14 . - وقال السرخسي رحمه الله: ( والأصل .. أنَّ مكانة الإمامة ميراث من النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أول من تقدَّم للإمامة، فَيُختار لها مَن يكون أشبه به خلْقاً وخلُقاً، ثم هو مكان استُنبط منه الخلافة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا أمر أبا بكر رضي الله عنه أنْ يُصلي بالناس، قالت الصحابة رضي الله عنهم بعد موته صلى الله عليه وسلم: إنه اختار أبا بكر لأمر دينكم، فهو المُختار لأمر دنياكم، فإنما يختار لهذا المكان من هو أعظم في الناس ) المبسوط ج1/40 للسرخسي . - وقال الإمام الماوردي: ( ينبغي أن يَتقدَّم إلى الإمامة مَنْ جَمَعَ أوصافها، وهي خمسة: القراءة، والفقه، والنسب، والسنّ، والهجرة، بعد صحَّة الدين وحسن الاعتقاد، فمَنْ جمعها وكملت فيه، فهو أحقُّ بالإمامة ممَّن أخلَّ ببعضها، لأنَّ الإمامة منزلة اتباع واقتداء، فاقتضى أن يكون متحمِّلها كامل الأوصاف المعتبرة فيها، فإن لم تجتمع في واحد، فأحقُّهم بالإمامة من اختصَّ بأفضلها ) الحاوي الكبير للماوردي ج2/352 . ثانيا: أقوال تشكل على البعض في حكم الصلاة خلف الفاسق .. أحببت إيرادها هنا وتحقيق القول فيها حتى لا تبقى متمسكا لكل من وقع أو سيقع عليها: * قال شيخ الإسلام: ( الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق، لكن اختلفوا في صحتها ... ولم يتنازعوا: أنه لا ينبغي توليته ) . الفتاوى الكبرى ج1/129، مجموع الفتاوى ج23/351-352 . أقول: التحقيق في ذلك هو القول بصحتها كما تقدم؛ فلا ينبغي التعويل على مثل هذا الخلاف أو التعلق به والتمسك بمثل هذا النقل وترك ما دلت عليه الأدلة الصحيحة ونطق به جماهير العلماء، وعدم جواز توليته ووجوب اهانته وتعزيره بتأخيره عن هذا المنصب؛ ذلك كله؛ شيء غير عدم صحة الصلاة خلفه حين يولى؛ فتنبه لهذا ولا تخلط هذا بذلك، وعليك بالتحقيق والتدقيق في الاستدلال فهذا هو سبيل طلب العلم لا الجمع والاحتطاب بليل من غير تحقيق ولا تدقيق .. ومثل ذلك قول الطحاوي: ( فتجب إهانته شرعاً، فلا يُعظَّم بتقديمه للإمامة ) حاشية الطحاوي ج1/204 وقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله تعالى: ( ومن ذلكَ: أنَّ من أظهر بدعة وفجوراً لا يُرتَّبُ إماماً للمسلمين، فإنه يستحق التعزير حتى يتوب فإن أمكن هجره حتى يتوب كان حسناً وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلف غيره أثر ذلك في إنكار المنكر حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان في ذلك مصلحة شرعية ولم تفت المأموم جمعة ولا جماعة ) اهـ.( ) . * وقول ابن عابدين: ( إنَّ في تقديمه للإمامة تعظيمهُ، وقد وجب علينا إهانته ) حاشية رد المحتار على الدر المختار ج2/299 لابن عابدين . * وقال شيخ الاسلام: ( فإن كان مظهراً للفجور والبدع يجب الإنكار عليه، ونهيُه عن ذلك، وأقلُّ مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته ) مجموع الفتاوى ج23/341-344 . *وقال شيخ الإسلام أيضا: ( ولهذا يقبلون شهادة أهل الأهواء ويصلون خلفهم، ومن ردها كمالك وأحمد فليس مستلزماً لإثمهما، لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، ولهذا فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره . ) (الفتاوى 13/125) قلت: فهذا تعليل واضح لمن قال بهجر الصلاة خلف الفاجر والمبتدع بدعة غير مكفرة؛ فلا يجوز تحميل مثل هذه النقول ما لا تحتمله كما يفعله بعض الناس من القول ببطلان الصلاة خلف هؤلاء ومن ثم ترك الجمع والجماعات بسببه فإن فاعل ذلك قد وقع بمنكر أشد من ترك الانكار عليهم وترك إهانتهم .. ثم وجوب الإنكار عليه ووجوب إهانته أو وجوب عزله وعدم جواز تقديمه شيء غير بطلان الصلاة خلفه التي يبنيها كثير من المبتدئين في العلم الشرعي على هذه الإطلاقات ! فعليك بالتحقيق والتدقيق، ودع عنك التقليد والتشديد .. ومن ذلك قول شيخ الإسلام: ( فصل: وأما الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع، وخلف أهل الفجور: ففيه نزاع مشهور، وتفصيل ليس هذا موضع بسطه، لكن أوسط الأقوال في هؤلاء: أن تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره .. ) ( ) . ويوضح ذلك قوله في فتوى له في إمامة متعاطي الحشيش: فقد سئل رحمه الله عن رجل استفاض عنه أنه يأكل الحشيشة وهو إمام ... فقال في الجواب: ( لا يجوز أن يولى في الإمامة بالناس من يأكل الحشيشة أو يفعل من المنكرات المحرمة مع إمكان تولية من هو خير منه كيف وفي الحديث: [ من قلد رجلا عملا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين ] ...... وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال: [ يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا ] فأمر النبي بتقديم الأفضل بالعلم بالكتاب ثم بالسنة ثم الأسبق إلى العمل الصالح بنفسه ثم بفعل الله تعالى وفي سنن أبي داود وغيره: [ أن رجلا من الأنصار كان يصلى بقوم إماما فبصق في القبلة فأمرهم النبي أن يعزلوه عن الإمامة ولا يصلوا خلفه فجاء إلى النبي فسأله هل أمرهم بعزله؟ فقال: نعم إنك آذيت الله ورسوله ] فإذا كان المرء يعزل لأجل إساءته في الصلاة وبصاقه في القبلة فكيف المصر على أكل الحشيشة .... وأما احتجاج المعارض بقوله: تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر فهذا غلط منه لوجوه: أحدها: أن هذا الحديث لم يثبت عن النبي بل في سنن ابن ماجه عنه: [ لا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسوط أو عصا ] وفي إسناد الآخر مقال أيضا. الثاني: أنه يجوز للمأموم أن يصلي خلف من ولى وإن كان تولية ذلك المولى لا تجوز . فليس للناس أن يولوا عليهم الفساق وإن كان قد ينفذ حكمه أو تصح الصلاة خلفه . ) اهـ. ثالثا: تفريق الأئمة بين الداعية للبدعة وغيره في التشديد في ترك الصلاة خلفه، والقول بالإعادة محمول على أصحاب البدع المكفرة غالبا: *وهاهنا فائدة تستحق أن ينبّه عليها أيضا وهي تفريق أئمة أهل السنة بين الداعية لبدعته ومن ليس بداعية في موضوع الزجر بالهجر وإنكار المنكر ومن ذلك التغليظ عليه بترك الصلاة خلفه، ومن زاد وقال بالإعادة يكون قد فرّع في ذلك وفرق بين البدع المكفرة وغيرها .. فقد تقدم قول شيخ الإسلام: (لكن المقصود إنكار المنكر وهجر من أظهر البدعة، ولهذا فرق أحمد وغيره بين الداعية للبدعة المظهر لها وغيره، وتتمة كلامه: كذلك قال الخرقي: ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد وبسط هذا له موضع آخر). (الفتاوى 13/125) ومن هذا ما جاء عن إسحاق بن هانئ سأل الإمام أحمد عن من قال: الإيمان قول؛ يصلى خلفه ؟ قال: إذا كان داعية إليه لا يصلى خلفه، وإذا كان لا علم لديه، أرجو أن لا يكون به بأس .)اهـ. المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة (2/370). فتأمل تفريق أحمد بين الداعية وغيره في النهي عن الصلاة خلف أهل البدع لتتعرف على تفاصيل مذهبه وتنقل عنه بعلم، ولا تحتطب من أقواله بليل . ومنه ما جاء عن أبي بكر المروذي قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (المرجئ إذا كان يخاصم فلا يصلى خلفه) المرجع السابق نفس الموضع . وروى أبو بكر الخلال عن سليمان بن الأشعث قال: قلت لأحمد: يُصلى خلف المرجئ ؟ قال: (إذا كان داعية فلا تصلي خلفه) المسائل والرسائل 2/370 وفيه أيضا عن حرب بن إسماعيل قال: سمعت أحمد يقول: ( لا يصلى خلف من زعم أن الإيمان قول إذا كان داعية ). تأمل هذا ! مع أن أبا بكر الخلال روى عن إسماعيل بن سعيد قال سألت أحمد: هل تخاف أن يدخل الكفر من قال: الإيمان قول بلا عمل ؟ فقال: لا يكفرون بذلك ) اهـ.المرجع نفسه (2/370) ومع ذلك ينهى عن الصلاة خلف الداعية منهم، ومنه تعرف أن نهي الإمام أحمد عن الصلاة خلف بعض طوائف المبتدعة لا يستلزم ولا بد كفر المنهي عن الصلاة خلفهم كما لا يستلزم بطلان الصلاة دائما والقول بإعادتها إلا أن تكون البدعة مكفرة.. ولذلك فلعله على هذا يحمل ما رواه اللالكائي (5/1067 ) عن محمد بن أسلم قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: ( من كان داعية إلى الإرجاء فإن الصلاة خلفه تعاد) اهـ. فلعله يعني غلاتهم الذين كفرهم الأئمة والله أعلم. ومثله ما نقله شيخ الإسلام أعلاه عن الخرقي: ( ومن صلى خلف من يجهر ببدعة أو منكر أعاد ) والشاهد أن مثل هذه المرويات لا ينبغي لبعض المتسرعين تناولها بسطحية؛ بالفرح ببعضها دون جمعها مع أخواتها التي تفصّلها وتبيّنها بل الواجب تمحيصها ومعرفة حقيقة مراد الأئمة منها فإعمال كل في مناطه، أولى من الفرح بالبعض وإهمال البعض، ومن ثم تنـزيل أقاويل الأئمة على غير مناطاتها وتحميلها ما لاتحتمل، كما هو واقع كثير من المبتدين والغلاة. رابعا: خلاصة أقاويل من قال بعدم صحة الصلاة خلف الفاسق : وقد ذهب الإمام مالك في رواية ( )، والإمام أحمد في رواية ( ): إلى عدم صحة الصلاة خلف الفاسق في غير الجمعة والعيدين . وهذه الرواية هي عمدة من قلدهم من أتباع المذهبين .. مع أن للإمامين رواية أخرى بصحتها . وأيضا هي عمدة من غلا في هذا الباب ونقب وقرأ فوقع عليها فظن بإيرادها أن عنده شيء من التحقيق .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها: فقيل لا تصح كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما وقيل: بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته )اهـ. ولقد تابع بعض أتباع المذهبين تلك الرواية وفرعوا عليها حتى قال بعض المالكية بوجوب إعادتها إن بقي وقتها، فإن خرج الوقت استُحبَّ القضاء ؟ . وقال ابن العربي: ( .. ثم كان من الناس من إذا صلى معهم تقية أعادوا الصلاة لله، ومنهم من كان يجعلها صلاته، وبوجوب الإعادة أقول، فلا ينبغي لأحد أن يترك الصلاة مع من لا يرضى من الأئمة، ولكن يُعيد سراً في نفسه .. )
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:26 pm | |
| بل قال الشيخ خليل: ( وبطلت ( الصلاةُ ) باقتداء بمن كان كافراً وفاسقاً بجارحة ) ( ). ولا شك أن التسوية ببطلان الصلاة بين الصلاة خلف الكافر والفاسق، من المجازفات التي لا ينبغي التعويل عليها أو الفرح بها والتقليد فيها؛ فكم يجد من قلب كتب الفروع ببصيرة من مثل هذه الأخطاء والسقطات، فتمنعه بصيرته وبصره من متابعتها؛ لكن عين الهوى والتعصب تصحح الفاسد وتحق الباطل وتفرح بكل ما ينصر مذهبها ولو افتقر للعلم الصريح والدليل الصحيح . ولو استويا لما كانت في الصلاة خلف الفاسق عن هذين الإمامين روايتان .. قال ابن قدامة: ( النصوصُ عن أحمد تدلُّ على أنه لا يُصلَّى خلف الفاسق، وعنه رواية أخرى ) ( ) . ومع ذلك فقد بالغ اتباع المذهب في تفريعاتهم على الرواية الأولى حتى جعلوها الأصل وشدد بعضهم في ذلك تشديدا لم يشدده الإمام أحمد نفسه .. فقال المرداوي: ( أمَّا الفاسق ففيه روايتان: إحداهما لا تصحُّ، وهو المذهبُ، سواءٌ كان فسقه من جهة الاعتقاد أو من جهة الأفعال من حيثُ الجملة، وعليه أكثر الأصحاب، قال ابن الزَّاغُونيِّ: هي اختيارُ المشايخ، قال الزركشيُّ: هي المشهورةُ ....... قال الشيخُ تقيُّ الدين: لا تصحُّ خلف أهل الأهواء والبدع والفَسَقة مع القدرة، والرواية الثانية: تصحُّ وتكره، وعنه: تصحُّ في النفل، جزم به جماعة، قال ابنُ تميم: ويصحُّ النفل خلف الفاسق روايةً واحدة، قاله بعض الأصحاب، .... وعنه: لا تصحُّ خلف فاسق بالاعتقاد بحال، فعلى المذهب: يلزمُ من صلى خلفه الإعادةُ، سواءٌ عَلِمَ بفسقه وقتَ الصلاة أو بعدها، وسواءٌ كان فسقه ظاهراً أو لا، وهذا الصحيحُ من المذهب، قدَّمه في الفروع، والزركشي، وابن تميم، ومجمع البحرين، ونصَّ عليه في رواية صالح، والأثرم، وهو ظاهر كلامه في الكافي، وقال ابنُ عقيل: لا إعادةَ إذا جَهِلَ حالَه مطلقاً، كالحدث والنجاسة، وفرَّق بينهما في مجمع البحرين: بأن الفاسقَ يَعلَمُ بالمانع، بخلاف المحدِث الناسي، إذ لو علِمَ لم تصحَّ خلفه بحال، وقيل: إنْ كان فسقه ظاهراً، أعادَ وإلا فلا للعذر، وصحَّحه المصنف والمجد، وجزم به الخرقي والوجيز وقال في الرعاية: الأصحُّ أن يُعيد خلف المعلن، وفي غيره روايتان، وقيل: إن علم لَمَّا سلَّم، فوجهان وإن علم قبله فروايتان قال في المحرَّر والفائق: وإن ائتمَّ بفاسقٍ من يَعلمُ فسقَه فعلى روايتين .. ) ( ) . وكما قلنا فمجرد وجود الرواية الأخرى التي تصحح الصلاة خلف الفاسق؛ ينقض على من يحاول الاستدلال بالرواية الأولى ويحرفها على غير مراد الإمام .. ويجب على طالب العلم أن يمحص أقوال الأئمة ويفهم مرادهم في قولهم ( لا يُصلَّى خلف الفاسق ) و( لا ينبغي أن يكون إماما) و (لا يجوز أن يقدم ) ونحوها .. فقد قدمنا لك أن كل ذلك شيء غير القول ببطلان الصلاة خلفه وإعادتها كما يتعسف في فهمه بعض الغلاة في زماننا، ويوضح ذلك ويفسره رواية المَرٌوذي قال سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: إذا عرف الرجل بالكذب فيما بينه وبين الناس، ولا يَتوقى في منطقه، فكيف يؤتمن هذا على ما استتر فيما بينه وبين الله تعالى ؟! مثل هذا لا يكون إماما، ولا يصلى خلفه، قلت: يا أبا عبد الله، فيعيد من يصلي خلفه ؟ قال: لا أدري، ولكن أحب أن يعتزل الصلاة خلفه . فتأمل قول الإمام ( لا أدري ) في شأن الاعادة، مقابل تشديده في ترك الصلاة خلفه .. فكل ذلك محمول على الردع والزجر للفساق وأمر المصلين والولاة بتقديم الأفضل والأكمل والأولى، وليس في ذلك ما يمت إلى مذهب الغلاة بصلة .. وقارن ورعه في هذا النص وقوله ( لا أدري ) مع تهور الغلاة الجهال في ابطالهم صلاة الفساق وغيرهم .. شتان والله بين نور العلم وظلمات الجهل . وقد جاء في رواية عبدوس عن الإمام أحمد في إعادة الصلاة خلف الفاجر قوله: ( من أعادها فهو مبتدع ) نقل ذلك عنه شيخ الاسلام ابن تيمية وقال تعليقا عليه: ( وهذا أظهر القولين لأن الصحابة لم يعيدوا الصلاة إذا صلوا خلف أهل الفجور والبدع )اهـ. فتأمل ترجيحه للرواية الثانية عن أحمد . وقال الشيخ: مرعي بن يوسف الحنبلي ت 1033هـ: ( ولا تصحُّ إمامة الفاسق إلا في جمعة وعيد، تعَذَّرَا خلف غيره ) ( ) . قلت وتصحيح صلاته في الجمعة والعيد ينبهك إلى أن القول بالبطلان في غيرها غير صحيح لأن من صحت الصلاة خلفه مرة فهو المسلم الذي لا تبطل الصلاة خلفه . وقال ابن الهُمَام: ( لا ينبغي أن يُقتدى بالفاسق إلا في الجمعة، لأنَّ في غيرها يجدُ إماماً غيره ) ( ) . وقال الرازي: ( فثبت بدلالة الآية: بُطلان إمامة الفاسق ) ( ) . ولا شك أن بطلان إمامته وكراهيتها والنهي عن توليته ونحو ذلك كلها أشياء غير بطلان صلاة من صلى خلفه كما هو معلوم .. ومراد الكثير من الفقهاء بذلك نهي ولاة الأمور وغيرهم وزجرهم عن توليته الإمامة .. قال الرملي: ( فصلٌ: قوله يُقدَّم العدل على الفاسق، قال الماوردي: لا يجوز لأحد من أولياء الأمور أن يُنصِّب إماماً فاسقاً للصلوات، وإن صحَّحنا الصلاة خلف الفاسق، أي: لأنَّ إمامة الفاسق مكروهة، وولي الأمر مأمور بمراعاة المصلحة، وليس من المصلحة أن يُوقع الناس في صلاة مكروهة .. ) ( ) . ولذلك فمن كره إمامته من المحققين كالشافعي رحمه الله تعالى، لم يأمروا من صلى خلفه بالإعادة؛ قال في الأم: ( وكذلك أكره إمامة الفاسق والمظهر البدع، ومن صلى خلف واحد منهم أجزأته صلاته، ولم تكن عليه إعادة إذا أقام الصلاة ) ( ) . وقال النووي: ( قال أصحابنا: الصلاة وراء الفساق صحيحة، ليست محرَّمةً، لكنها مكروهة .. نصّ الشافعي في المختصر: على كراهة الصلاة خلف الفاسق والمبتدع، فإن فعلَها صحَّت ) ( ) . وقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ( أَجَازَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ خَلْفَ مَنْ أَقَامَهَا، يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْمُودٍ فِي دِينِهِ ... ) وكلام من تقدم من المالكية والحنابلة يدل على صحة الصلاة خلف الفاسق وإجزائها في الجمعة والعيدين وإنما جاءت الرواية عنهم وتفرع الخلاف في الاعادة أو عدمها في غير ذلك؛ وهو دليل على أن منشأ الخلاف عندهم ومنـزعه ليس ما يدعيه الغلاة من ابطال الصلاة خلف الفساق مطلقا وقولا واحدا .. ومثل ذلك خلافهم في الصلاة خلف أهل البدع فقد تفرع من اختلاف السلف فيهم .. ولذلك بين القاضي عياض في الشفا أن اختلاف قولي مالك في ذلك؛ مرده إلى اختلاف السلف في إكفار المتأولين من أهل البدع فقال ( 2/ 672): ( فصل في تحقيق القول في إكفار المتأولين * قد ذكرنا مذاهب السلف في إكفار أصحاب البدع والأهواء المتأولين ممن قال قولا يؤديه مساقه إلى كفر هو إذا وقف عليه لا يقول بما يؤديه قوله إليه، وعلى اختلافهم اختلف الفقهاء والمتكلمون في ذلك؛ فمنهم من صوّب التكفير الذى قال به الجمهور من السلف ومنهم من أباه ولم ير إخراجهم من سواد المؤمنين وهو قول أكثر الفقهاء والمتكلمين، وقالوا؛ هم فساق عصاة ضلال ونورثهم من المسلمين ونحكم لهم بأحكامهم ولهذا قال سحنون: لا إعادة على من صلى خلفهم، قال وهو قول جميع أصحاب مالك؛ المغيرة وابن كنانة وأشهب قال؛ لأنه مسلم وذنبه لم يخرجه من الإسلام، واضطرب آخرون في ذلك ووقفوا عن القول بالتكفير أو ضده، واختلاف قولي مالك في ذلك وتوقفه عن إعادة الصلاة خلفهم منه) اهـ. وفي هذا النص أن الإمام مالك قد توقف عن إعادة الصلاة خلفهم، فلعل ما استقر قوله عليه من الروايتين هو القول بعدم إعادتها والله أعلم . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( فإنَّ الصلاة خلف الفاسق منهيٌ عنها نهى تحريم عند بعض العلماء، ونهى تنـزيه عند بعضهم، وقد جاء في الحديث: ( لا يَؤُمنَّ فاجر مؤمناً، إلا أن يقهره بسوط أو عصا ) ( )، ولا يجوز تولية الفاسق مع إمكان تولية البر، والله أعلم )اهـ. وإليك الخلاصة والتحقيق من كلام شيخ الإسلام: فقد سئل رحمه الله عن خطيب قد حضر صلاة الجمعة فامتنعوا عن الصلاة خلفه لأجل بدعة فيه فما هي البدعة التي تمنع الصلاة خلفه؟ فقال رحمه الله ( الجواب: ليس لهم أن يمنعوا أحدا من صلاة العيد والجمعة وإن كان الإمام فاسقا وكذلك ليس لهم ترك الجمعة ونحوها لأجل فسق الإمام بل عليهم فعل ذلك خلف الإمام وإن كان فاسقا وإن عطلوها لأجل فسق الإمام كانوا من أهل البدع وهذا مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وإنما تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلي خلف عدل فقيل: تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا وهذا مذهب الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وأبي حنيفة وقيل: لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد والله أعلم)اهـ. فتأمل إلى مراد من قال بهذا القول فليس هو كما يزعمه ويطلقه الجهال؛ وتأمل موضع نزاع العلماء في هذه المسألة (وإنما تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقا أو مبتدعا وأمكن أن يصلي خلف عدل ) فإحدى الروايتين عن مالك وأحمد في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق؛ هي فيما إذا أمكن الصلاة خلف العدل؛ وليس على الإطلاق كما يظنها ويفرح بها من يفرح، ومع ذلك فالراجح هو الرواية الأخرى التي عليها جماهير العلماء وصارت مذهبا لأهل السنة وشعارا خالفوا فيه أهل البدع من صحة الصلاة خلف الفاسق والفاجر على كل حال، فالواجب على كل سني أن يظهر هذا المذهب والشعار ويجاهر به حين يظهر الغلاة والجهال مخالفته .. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( إذا ظهر من المصلى بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم )اهـ. - وجاء في البحر الرائق لابن نجيم الحنفي: ( مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ قِبْلَتِنَا وَلَمْ يَغْلُ فِي هَوَاهُ حَتَّى يُحْكَمَ بِكُفْرِهِ تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ وَتُكْرَهُ، وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ يُنْكِرُ شَفَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُنْكِرُ الْكِرَامَ الْكَاتِبِينَ، أَوْ يُنْكِرُ الرُّؤْيَةَ؛ لِأَنَّهُ كَافِرٌ )اهـ. فتأمل التفريق بين البدع المكفرة وغيرها . وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: ( الفاسق من جاهر بالمعاصي، أما صحة الصلاة خلفه ففيها الخلاف المشهور، قيل: إنه كالكافر لا تصح خلفه، وقيل تصح . والراجح عند العلماء والأدلة أنها تصح، لكنها ناقصة بكل حال، فينبغي العدول عنه إذا كانت صلاة فيها تعدُّد، أو الجمعة إذا كان فيها تعدُّد، وإلا صلى خلفه ولو مع فسقه، لأن الأمر دائرٌ بين فعلها خلف فاسق، وترك الجماعة فيه الوعيد الشديد، فصلاة ناقصة، ساقط بها الفرض، خير من صلاة لا تصح بحال، لكن كونه يُقدَّم، أو: لا ؟ هذا معلومٌ في النصوص أنه لا يُقدَّم، بل يجبُ عزله ولا كرامة، ويحرم ابتداء ترتيبه ) ( ) . وتفصيل الشيخ في التعدد وفي غيره؛ يبين سبب تساهل جمهور الأئمة في صلاة الجمعة والعيدين خلف الفساق وذلك لكونها لم تكن تتعدد قديما، بل يؤديها الولاة أو نوابهم؛ فتفوت الصلاة على من تركها، وأيضا لما في ذلك من إثارة للفتنة وإيهام نزع اليد من الطاعة والطعن في ولاية الأئمة والولاة بترك الصلاة خلفهم، وترتب الأذى على من فعل ذلك .. بخلاف سائر الصلوات فالمساجد تتعدد وفي كل حي جماعة فالاختيار واسع فلأي شيء يصلى خلف الفاسق !؟ ولذلك قال البربهاري: ( وإن كان إمامك يوم الجمعة جهمياً، وهو سلطان، فصل خلفه، وأعد صلاتك ) شرح السنة: صـ( 49) والإعادة هنا لأجل أن بدعة الجهمية مكفرة. وقد تقدم تفريق سفيان الثوري في الصلاة خلف كل بر وفاجر لما سأله شعيب: الصلاة كلها ؟ قال: لا، ولكن الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ). وهذا معنى قول من قيد قوله من الفقهاء بعبارة ( ولم يستطع أن يُصلي خلف غيره من العدول بغير ضرر أو أذى ) أو نحوها .. فقد أخذوا ذلك من فعل الصحابة رضي الله عنهم، حيث صلوا خلف أئمة الجور كالحجاج ومروان وغيرهما، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى: ( وفعلُ الصحابة محمولٌ على أنهم خافوا الضرر بترك الصلاة معهم، فقد رَوَيْنا عن عطاء، وسعيد بن جبير: أنهما كانا في المسجد، والحجاج يخطُبُ، فصلَّيا بالإيماء، وإنما فعلا ذلك لخوفهما على أنفسهما إن صلَّيا على وجهٍ يَعلمُ بهما ) المغني ج3/21 . ويصدّق هذا التعليل (خافوا الضرر بترك الصلاة معهم ) قول حذيفة كما في الصحيح بعد أن ذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أحصوا لي كم يلفظ الإسلام قال فقلنا يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الست مائة إلى السبع مائة ؟ قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا . قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرا ) قال ابن حجر: ( وأما قول حذيفة ( فلقد رأيتنا ابتلينا الخ ) فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة ..... وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الأخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره. ) اهـ. الفتح(6/178) وجاء في اعتقاد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ( وصلاة الجمعة خلفه ( ) وخلف من وَلِيَ، جائزة إمامته ركعتين، من أعادهما فهو مبتدعٌ، تاركٌ للآثار، مخالفٌ للسنة .. ) ( ) . وقال سهل بن عبدالله التستري رحمه الله تعالى في اعتقاده: ( ولا يترك الجماعة خلف كلِّ والٍ جائر أو عدل ) أخرجه اللاكائي ج1/183، كما قرَّر ذلك أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة ص71، وابن بطة في كتابه الإبانة الصغرى ص278، والبربهاري في كتابه شرح السنة ص29، وقوام السنة الأصفهاني في كتابه الحجة في بيان المحجة ج2/477 وغيرهم كثير لا يكاد يحصى من أئمة أهل السنة والجماعة رحمهم الله تعالى . وهذا يبين أن الصلاة خلف الفاسق أولى من ترك صلاة الجماعة، والجمعة والعيدين ونحوهما من باب أولى .. ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( ولهذا قالوا في العقائد: إنه يُصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام، برَّاً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمامٌ واحد، فإنها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده، وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما ) ( ). وقال الشوكاني رحمه الله تعالى: ( قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعلياً، ولا يبعد أن يكون قولياً: على الصلاة خلف الجائرين، لأنَّ الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس، فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية، وحالهم وحالُ أمرائهم لا يخفى ) ( ) . وقال الشوكاني في السيل الجرار ( 1/247) ردا على من منع من الصلاة خلف الفاسق أو قال بعدم إجزائها: ( الفاسق من المسلمين المتعبدين بالتكاليف الشرعية من الصلاة وغيرها فمن زعم أنه قد حصل فيه مانع من صلاحيته لإمامة الصلاة وغيرها مع كونه قارئا عارفا بما يحتاج إليه في صلاته؛ فعليه تقرير ذلك المانع بالدليل المقبول الذي تقوم به الحجة، وليس في المقام شيء من ذلك أصلا لا من كتاب ولا من سنة ولا قياس صحيح، فعلى المنصف أن يقوم في مقام المنع عند كل دعوى يأتي بها بعض أهل العلم في المسائل الشرعية . وما استدل به على المنع من تلك الأحاديث الباطلة المكذوبة فليس ذلك من دأب أهل الإنصاف بل هو صنع أرباب التعصب والتعنت، وإياك أن تغتر بما لفقه الجلال في هذا البحث وجمع فيه بين المتردية والنطيحة وما أكل السبع فإن هذا دأبه في المواطن التي لم ينتهض فيها الدليل . ومن تتبع شرحه لهذا الكتاب عرف صحة ما ذكرناه . وإذا عرفت هذا فلا تحتاج إلى الاستدلال على جواز إمامة الفاسق في الصلاة ولا إلى معارضه ما يستدل به المانعون، فليس هنا ما يصلح للمعارضة وإيراد الحجج وبيان ما كان عليه السلف الصالح من الصلاة خلف الأمراء المشتهرين بظلم العباد والإفساد في البلاد . نعم يحسن أن يجعل المصلون إمامهم من خيارهم كما أخرجه الدارقطني عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ) وفي إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف .) اهـ.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:36 pm | |
| المبحث الرابع في الدعاء للطواغيت في الخطب والقنوت أو تولي الولايات الدينية لهم وخطابة الجمعة وغيرها لهم قد علمت فيما تقدم أن أعظم فرائض الإسلام وأولها هو توحيد الله تعالى بجميع أنواع العبادة والكفر والبراءة من الطواغيت كلها، وأن مدار النجاة على هذه العروة الوثقى التي لا انفصام لها.. فمن تركها أو أهملها وأعرض عنها ولم يستمسك بها كان من الهالكين مهما تعلق بغيرها من العرى الأخرى التي هي دونها.. والتي قد تنفصم ولا تكفي للنجاة.. فإذا تقرر هذا، فاعلم أن الدعاء للطواغيت أو لبعض أوليائهم وأنصارهم بالعز والنصر وطول البقاء ووصفهم بإمام المسلمين أو بولاة أمور المسلمين وإسباغ الصبغة الشرعية عليهم وإعطائهم البيعة ومنحهم صفقة اليد وثمرة الفؤاد، والرضى بولايتهم الدينية والدنيوية ونحوه؛ منكر عظيم وباطل مبين لا يصدر ممن جرد لربه التوحيد أو شم رائحة الكفر بالطواغيت.. وأن من استبدل تلك العروة العظيمة التي لا سبيل للنجاة إلا بها، وما تحويه من البراءة والكفر بالطواغيت المختلفة واجتنابها وبغضها وعداوتها، بالدعاء لهم بالعز والنصر وطول البقاء دونما إكراه حقيقي، لا شك أنه غير متبرىء منهم؛ بل هو متول لهم يحب بقاءهم وظهورهم وانتصارهم على الموحدين وأنصار الشريعة الذين هم اليوم ألد أعدائهم .. ويتمنى بقاء دينهم الكفري وحكمهم القانوني الطاغوتي واستمرار خياناتهم وعمالتهم لليهود والنصارى .. وهذا ليس رجماً بالغيب أو محض الظن والتخمين، وإنما هو حقيقة ما يتضمنه الدعاء بمثل هذا لكل من يعمل على هدم التوحيد وحربه ليل نهار.. ومعلوم أننا مأمورون أن نحكم بالظاهر، ولم نؤمر بأن نشق عن قلوب الناس لنبحث وننقب فيها عما يضمرون..( ) هذا وقد عرفت فيما تقدم أن طريق الأنبياء والمرسلين وملة أبينا إبراهيم تستلزم البراءة والتباعد عن سبيل المشركين، والتقرب إلى الله بمقتهم وبغضهم وعداوتهم وجهادهم، وأن العبد يقترب من الله ومن رضوانه بقدر ما يتباعد عنهم وعن طواغيتهم ومعبوداتهم الباطلة، وما نال خليل الرحمن تلك المرتبة العلية فاتخذه الله خليلا، بل أحب رسولنا صلى الله عليه وسلم أن نصلي عليه كما صلى الله على إبراهيم وعلى آل إبراهيم؛ إلا بعداوة المشركين وإسخاطهم، وبعيب آلهتهم وطواغيتهم والبراءة منها وتسفيهها والكفر بها، قال سبحانه عن قوم إبراهيم (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ) الأنبياء. (يَذْكُرُهُمْ): أي يعيب طواغيتكم ويسفهها ويتبرأ منها ومن عابديها.. وقد أمرنا الله تعالى وأمر نبينا أن يتأسى بإبراهيم في مواضع عديدة من كتابه فكان صلوات الله وسلامه عليه مقتفيا طريقته متبعاً سبيله، ولذلك وصفه قومه بذات الوصف الذي وُصِف إبراهيم به من قبل، فقال تعالى في سورة الأنبياء أيضا، ليدلنا ويعرّفنا بطريق الأنبياء الحقيقي: (وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ). قال المفسرون: (يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي بالسوء والعيب، وفي سنة المصطفى وسيرته مع الكفار ما يبين هذا ويوضحه، وقد فصلناه بفضل الله ومنّه في كتابنا (ملة إبراهيم) منذ أمد طويل؛ فراجعها وتأمل طريق المرسلين وملة إبراهيم وطريقته هو والذين معه، ثم انظر إلى أحوال كثير من المفتونين الذين سخّروا المنابر والخطابة والدين للطاغوت، لتعرف مقدار الغربة الحقيقية التي يعايشها ويكتوي بنارها أهل التوحيد الحق في هذه الأيام، وتفهم بجلاء أحاديث المصطفى عليه السلام في غربة الإسلام في مثل هذه الأزمان.. فكم ممن يعتلي المنابر اليوم وهو في معزل تام عن دعوة الأنبياء والمرسلين هذه، بل هم ورب الكعبة في العدوة المعادية لها وفي الجهة المضادة والمعاكسة لطريقهم ومنهجهم.. فالمرسلون يدعون إلى هدم الطواغيت ويعيبونها ويسفهونها ويطعنون فيها ويتبرؤون منها ويدعون الناس إلى اجتنابها والكفر بها.. وهؤلاء الأراذل المتمسحين بدين الأنبياء زوراً وبهتاناً، المشوهين للإسلام والتوحيد يعكسون ذلك ويضادون طريق الأنبياء، فيدعون للطواغيت بالعز والنصر وطول العمر .. ويكيلون ويعزفون لهم المديح والثناء.. فمنهم من يقول بعد أن ينزع جلباب الحياء ورداء التوحيد قبله، (اللهم انصر إمام المسلمين!! أو اللهم أعزه وارزقه البطانة الصالحة) وكأن الفساد فقط في بطانته، أما بطنه ورأسه هو وقلبه الذي هو مجمع الشرك والكفر والفساد، فهم في معزل عن ذكره والكلام فيه.. ومنهم من يقول: ( اللهم أعز فلاناً من الطواغيت ويسميه باسمه أو بلقبه أميراً كان أو ملكاً أو رئيساً - أو يعمم فيقول - وفق ولاة أمور المسلمين!! وانصرهم على من عاداهم ) !! وهم يعلمون أن ألدّ أعدائهم اليوم هم الموحدون، الذين يسمونهم بالارهابيين والمتطرفين أو الخوارج والفئة الضالة أو غيره من زخرفهم وزورهم.. فلعنة الله على الكافرين.. * ويمكن أن نقسم الدعاء للطواغيت إلى قسمين: - الأول: ما كان من قبيل توليهم ونصرتهم باللسان وتمني ظهورهم وبقاءهم، والدعاء لهم بالنصر والغلبة على كل من عاداهم وطول العمر أو طول البقاء، فهذا ظاهره التولي.. وقد قال تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) ومن كان كذلك فلا يحل الاقتداء أو الائتمام به ومتابعته والصلاة خلفه، لأنه (منهم) أي من الطواغيت، وليس منا ولا هو أحدنا حتى نصلي خلفه.. إذ نحن نتقرب إلى الله بالبراءة من الطواغيت وأوليائهم.. وقد عرفت فيما تقدم أن المصطفى قد أمرنا بأن يكون إمامنا (أحدنا) فالائتمام بأمثال هؤلاء محدث ليس من أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).. - الثاني: ما كان من قبيل المداهنة والميل والجدال عنهم لشبهة؛ كأن يدعو لهم بأن يرزقوا البطانة الصالحة وكأن الخلل في بطانتهم وليس فيهم.. وكذا الدعاء بالهداية أو الصلاح والتوفيق لما يحب الله ويرضى مع ذكرهم بأسمائهم وألقابهم وربما بوصفهم ولاة الأمور .. فهم وإن كان مسمى ولاة الأمور لغة قد يشملهم من حيث أنهم ولاة جبريين، إلا أن الناس لا تفهم هذه التفاصيل التي يرقع بعض الناس دعاءهم للطاغوت بها.. والمتبادر لذهن السامع –خصوصاً العامي- أن الشيخ الداعي بذلك يراهم ولاة أمورنا حقاً أي شرعيين – لا في شرع الدستور بل في شرع الله – ولذلك فأمثال هؤلاء الأئمة يشاركون في التلبيس والتدليس بقصد أو بغير قصد ولا يرتجى من خطبهم نصرة للتوحيد أو دعوة للبراءة من الطواغيت، ولا شك أننا نكره الصلاة خلف أمثالهم ونحرص على تحري الصلاة خلف أهل الحق المتبرئين من الطواغيت، ولكن ما دامت هذه الأمور لا يحكم على صاحبها بالكفر؛ فالكلام في حكم الصلاة خلفهم على ما تقدم من جوازها خلف كل بر وفاجر .. ولكننا ننهى عن أمثال هذه الدعوات ولا نفتي بجوازها لأننا نعدها ذريعة قد توصل إلى المودة والموالاة، ولذلك نخاف على الموغل في هذا الباب من هؤلاء الأئمة أن يصل حالهم مع التمادي في الباطل والدعاء للطواغيت بأمثال هذه الأدعية إلى المودة والتولي الحقيقي للطواغيت؛ لأن ذلك من الآثار التي قد يؤدي إدامة الدعاء وإفشاؤه إليها .. ومما يُظهر ويبين أن إدمان الدعاء لهم بأمثال هذا قد يجلب مودتهم المنهي عنها وقد يوصل في النهاية إلى توليهم في الظاهر، ما رواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه عن أبي هريرة مرفوعاً: (.. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم).. والسلام ما هو إلا دعاء( ) ولذلك كان إفشاؤه مجلبة للمحبة والمودة بين المتسالمين، ولذلك فالمقصود الأمر بإفشائه بين المسلمين لا الكفار كما هو معروف من سنة المصطفى، وهو ظاهر في هذا الحديث نفسه؛ إذ قوله (بينكم) أي بينكم أنتم أيها المسلمون، لأن الضمير للمخاطبين، والخطاب للمسلمين.. وإذا كان السلام مجلبة للمودة مع أنه في الحقيقة دعاء ضمني يعتاده الناس فلا يرفعوا أيديهم عند إفشائه؛ لدرجة أن كثيراً منهم يغفلون عن معناه وأنه دعاء.. ومع هذا كان في إفشائه مجلبة للمحبة والمودة.. فكيف بالدعاء المباشر والصريح للطواغيت بالتوفيق والتسديد ونحوه، وكيف بإفشائه على مسامع الخلق وتكريره على المنابر وفي المساجد في الجمع أو في غيرها استرضاء للطواغيت وأذنابهم ؟؟ وقد عرفت حقيقة هؤلاء الحكام وأنهم ليسوا كفاراً عاديين بل هم طواغيت تعبد من دون الله تعالى، فموقف الداعية الموحد الذي يقتدي بنهج الرسل؛ أن يحذر الناس منهم ويدعوهم إلى البراءة منهم والكفر بهم واجتنابهم.. وإذا لم يقدر على هذا الموقف الحق.. فليعمل بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).. نعم إن عجز عن طريق الأنبياء فليصمت، بدلاً من أن يلبس على الناس بكلام غير واضح ولا جلي، بل ملتبس يؤول ويفهم وفقاً لما تواطأ الناس والطاغوت عليه، فإن؛ (من صمت نجا) أما من لبّس ودلس فهو على طريق المغضوب عليهم الذين أنكر الله تعالى عليهم فقال: ( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ).. والواقع شاهد على أن مواصلة الدعاء لهم بمثل هذا يورث القرب والألف منهم والمودة لهم؛ لذلك تراهم يقرون أمثال هؤلاء الداعين بذلك على منابر الخطابة ولايعزلونهم؛ فيكفي أنهم يرددون اسم الطاغوت في كل جمعة ولو بالدعاء له بالهداية والتوفيق لتحكيم الكتاب والسنة، في مقابل السكوت عن بيان باطله وكفره وعدم التعرض لكشف شركيات قوانينه .. فالخلاصة كما تقدم أن مثل هؤلاء، نكره الصلاة خلفهم ونجتنبهم قدر الإمكان وإن تيسر ووجد صاحب السنة والفاضل فلا نصلي خلفهم، وفي الوقت نفسه لا نكفرهم ما لم يظهروا كفراً بواحاً، لأن هذا الذي يقارفونه وإن كان تدليساً وتلبيساً فليس هو بالكفر البواح، وما دام ليس كذلك ففاعله من العصاة أو الفساق المليّين الذين لا يخرجون عن عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (وليؤمكم أحدكم) إذ هم يبقون من آحاد المسلمين، ولذلك فنحن لا نقول ولم نقل في يوم من الأيام ببطلان صلاة من صلى خلف أمثالهم، وإن كنا نكرهها وننكرها ما دام مجال الإختيار موجوداً وليس ثم أذى أو فتنة أو خوف.. وذلك لشناعة البدعة التي يقارفها هؤلاء القوم وفداحة التلبيس الذي يمارسونه في أصل الدين وعروته الوثقى وكون دعائهم ذريعة قد توصل إلى شر أعظم .. *ومن أسباب كراهيتنا للدعاء ولو بالهداية للطواغيت على المنابر ونهينا عنه: - أولا: أن الدعاء على منبر الجمعة للحكام عموما ولو كانوا من الخلفاء الراشدين، من بدع الجمعة المحدثة في الدين والتي ليست عليها أثارة من علم، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار )( ) قال في المجموع شرح المهذب ( 4/393) .. ( وأما الدعاء للسلطان فاتفق أصحابنا على أنه لا يجب ولا يستحب وظاهر كلام المصنف وغيره أنه بدعة، إما مكروه وإما خلاف الأولى .. )أهـ وقال ابن حجر العسقلاني رحمه الله: وَقَدْ اِسْتَثْنَى مِنْ الْإِنْصَات فِي الْخُطْبَة مَا إِذَا اِنْتَهَى الْخَطِيب إِلَى كُلّ مَا لَمْ يُشْرَع مِثْل الدُّعَاء لِلسُّلْطَانِ مَثَلًا، بَلْ جَزَمَ صَاحِب التَّهْذِيب بِأَنَّ الدُّعَاء لِلسُّلْطَانِ مَكْرُوه. [ فتح الباري (2/533-534)، كتاب الجمعة-باب الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب ونقل الشاطبي في كتاب الاعتصام (1/29) عن أصبغ، وهو من فقهاء المالكية (273هـ) أنه قال عن دعاء الخطيب للخلفاء المتقدمين: ( هو بدعة ولا ينبغي العمل به، وأحسنه أن يدعو للمسلمين عامة ) أهـ
ونقل عن عز الدين بن عبد السلام (660هـ): ( أن الدعاء للخلفاء في الخطبة بدعة غير محبوبة) أهـ (1/30). تأمل ! فكيف إذا كان الولاة والحكام المدعو لهم كفاراً أو مرتدين ؟ وكيف إذا زاد الخطيب فدعى لهم بالنصر وطول البقاء ؟؟ • لطيفة: قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ( 10/13 ): في ترجمة ( ابن الشاطبي ناظم الشاطبية؛ أبو محمد القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير، مصنف (الشاطبية) في القراءات السبع، فلم يسبق إليها ولا يلحق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدي إليها إلا كل ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير ولد سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة.وبلده شاطبة - قرية شرقي الأندلس -. كان فقيرا، وقد أريد أن يلي خطابة بلده فامتنع من ذلك لأجل مبالغة الخطباء على المنابر في وصف الملوك ...) اهـ. -ثانيا: أن بدعة الدعاء للولاة على منبر الجمعة كانت فيما مضى؛ إمارة على الدخول في ولايتهم وطاعتهم: وقد تقدم أن أحداً من الصحابة لم يفعل هذه البدعة ولا كانت في زمن الخلفاء الراشدين، وإنما وجدت وأحدثت بعد ذلك، وتوارثها الناس.. والولاة حتى أمست فيهم سنة، شب فيها الصغير وهرم فيها الكبير، بل أصبحت بعد ذلك علامة على الدخول في بيعة السلطان أو الخليفة، وإمارة على إقرار حكمه والدخول في طاعته وولايته.. وصار السلطان إذا ما تولى منصبه سواء عن غلبة وقهر أو بعهد سلفه إليه أو بغير ذلك.. يستبدل الدعاء في خطب الجمعة لسلفه بالدعاء له، ويجعل ذلك تأريخاً لبيعته وابتداء ولايته وإقرار الناس لحكمه، واعتاد الناس ذلك وتوارثوه، حتى آل الأمر إلى أن المسجد أو الإمام أو البلد والجماعة التي لا يُدعى للسلطان فيها؛ تعد عند سائر الناس خارجة عن طاعته، طاعنة في ولايته.. وعكس ذلك بالعكس.. ولو نظرت في كتب التاريخ والسير كالطبري والكامل والبداية والنهاية، وسير أعلام النبلاء ونحوها، لوجدت هذا الأمر واضحاً بيناً معروفاً.. فيقال مثلاً.. - (وفيها - أي سنة خمس وستين وثلاثمائة- أسقط الخطبة من الكوفة لعز الدولة وأقيمت لعضد الدولة)( ) - (وفي سنة خمسين وأربعمائة للهجرة انقطعت خطبة بني العباس ببغداد وخطب فيها للمستنصر معد العبيدي وورد الخبر المستنصر ففرح بذلك فرحاً شديداً وزُينت مصر وغنّت (نسب) بالطبل بين يديه فكان فيما قالت: يا بني العباس ردوا *** ملك الأمر معد ملككم ملك معار *** والعواري تسترد وذلك في نوبة أرسلان البساسيري الذي خرج على خلافة العباسيين ودعا للعبيديين.. ولكن ذلك لم يدم طويلاً حيث انقطعت الخطبة للعبيديين بهلاك البساسيري وأعيدت للخليفة العباسي وذلك سنة إحدى وخمسين وأربعمائة)( ) وجاء في البداية والنهاية: (ثم أقام جوهر( ) الخطبة للمعز الفاطمي!! في سنة اثنتين وستين وثلاثمائة –أي في القاهرة-) أهـ (11/284) وفيها أيضا: (وأول ما دعي له على منابر رقادة( ) والقيروان يوم الجمعة لسبع بقين من ربيع الآخر سنة سبع وتسعين ومائتين) أهـ (11/180) وفي سير أعلام النبلاء (175/15) يقول الذهبي في مدح (المعز بن باديس) أمير المغرب في زمن العبيديين: ( قطع خطبة المستنصر –العبيدي- وخلع طاعته، وخطب للقائم بأمر الله الخليفة العباسي –ولذا بعث المستنصر إليه يتهدده فما التفت، فجهّز لحربه.. الخ، توفي سنة 454 بالقيروان..) وأيضاً ص(187/15)( ) وينقل الذهبي عن ابن الأثير في الكامل أيضا قوله: (وبالغ ابن حمدان في إهانة المستنصر –العبيدي-... وكان غرضه أن يخطب لأمير المؤمنين القائم ويزيل دولة الباطنية...) السير (192/15) وانظر أمثال هذا كثير ص118، 119، 164، 169، 190، 193، 196 وغيرها.. قال الذهبي (20/533): (ثم جهز نور الدين (محمود) جيشاً لجياً.. فافتتح مصر وقهر دولتها الرافضية.. وصفت الديار المصرية لشيركوه نائب نور الدين ثم لصلاح الدين فأباد العبيديين واستأصلهم وأقام الدعوة العباسية) أهـ وانظر 211/15 وقال: (تلاشى أمر العاضد –العبيدي- مع صلاح الدين إلى أن خلعه وخطب لبني العباس واستأصل شأفة بني عبيد ومحق دولة الرفض) (211، 212/ 15) وقال ص (213/15): هلك العاضد يوم عاشوراء سنة سبع وستين وخمس مئة... وقيل مات غمّاً لما سمع بقطع خطبته وإقامة الدعوة للمستضيء –العباسي- )أهـ وفي البداية والنهاية في سنة سبع وستين وخمسمائة (فيها كانت وفاة العاضد صاحب مصر. في أول جمعة منها، فأمر صلاح الدين بإقامة الخطبة لبني العباس بمصر وأعمالها في الجمعة الثانية، وكان يوما مشهودا، ..... وفرح المسلمون فرحا شديدا، وكانت قد قطعت الخطبة لبني العباس من ديار مصر سنة تسع وخمسين وثلاثمائة في خلافة المطيع العباسي، حين تغلب الفاطميون على مصر أيام المعز الفاطمي، باني القاهرة، إلى هذا الآن، وذلك مائتا سنة وثمان سنين. قال ابن الجوزي: وقد ألفت في ذلك كتابا سميته (النصر على مصر).)اهـ. ( 12/264) ومن كتاب من إنشاء القاضي الفاضل( ) إلى بغداد: (وقد توالت الفتوح غرباً، ويمناَ وشاماً وصارت البلاد بل الدنيا، والشهر بل والدهر حرماً وحراماً، وأضحى الدين واحداً بعد أن كان أدياناً، والخلافة إذا ذُكر بها أهل الخلاف لم يخروا عليها صماً وعمياناً، والبدعة خاشعة والجمعة جامعة، والمذلة في شيع الضلال شائعة، ذلك بأنهم اتخذوا عباد الله من دونه أولياء، وسموا أعداء الله أصفياء، وتقطعوا أمرهم بينهم شيعاً، وفرقوا أمر الأمة وكان مجتمعاً، وقُطع دابرهم، ورغِمت أنوفهم ومنابرهم.. ) إلى آخر كلامه في مَحق دولة العبيديين في السير (214/15) وتأمل قوله: (والجمعة جامعة) وقوله (ورغمت أنوفهم ومنابرهم).. فإنها إشارات إلى ما نحن في صدده.. بل بالغ بعض الحكام في قمة سطوتهم فطالبوا أن يدعى لهم في أرض الروم علامة على الهيمنة والغلبة والعلو؛ فقد جاء في سير أعلام النبلاء (15/172): ( وفي سنة 377 تهيأ العزيز –العبيدي- لغزو الروم .. ثم وصلت رسل طاغية الروم بهدية، تطلب الهدنة، فأجاب بشرط أن لا يبقى في مملكتهم أسير، وبأن يخطبوا للعزيز بقسطنطينية في جامعها، وعقدت سبعة أعوام )أهـ. ومرادنا من هذا أن العرف مضى عند الناس على أن الغالب في الداعي للسلطان على المنبر، أنه داخل في ولايته وبيعته غير غامز ولا طاعن فيها.. وهذا وإن كان عرفا قديما قد مضى ولكنه في الحقيقة عين الشيء الذي يفهمه الناس اليوم عندما يسمعون من خطيب الجمعة الثناء المبالغ على (الطاغوت) أو الدعاء له بالنصر والعز والتأييد .. ويحصل شيئ من التلبيس القريب من هذا في عموم الدعاء له .. ولا يزول هذا التلبيس في دعاء الخطيب للطاغوت، إلا بصورة تنكر باطله وتنبه الناس قل من يفعلها؛ كتلك الصورة التي سمعتها عن خطيب ضغطوه وأزعجوه ليدعو للحاكم فوعدهم بالدعاء في الجمعة القادمة؛ فكان دعاؤه هكذا ( اللهم وفق ملك البلاد للحكم بالكتاب والسنة وترك الحكم بالقوانين الوضعية واهده لموالاة المؤمنين وترك موالاة الكافرين .. ) فما كان منهم إلا أن طلبوا منه أن يكف عن الدعاء .. وهذه نادرة من النوادر لم أسمعها إلا عن واحد .. وإلا فعموم الخطباء إن لم يبالغوا في الدعاء المظهر للولاء؛ دعوا بدعاء يلبس على الطغام ويخلط النور بالظلام .. ولذلك فنحن نكره الدعاء عموما للحكام على المنابر بأي صورة كانت، ويتأكد ذلك ويدخل في التولي إذا كان الدعاء بالنصر والتأييد وليس بالهداية فقط ؟؟ وأسوأ منه إذا سمى الطاغوت إمام المسلمين أو ولي أمر المسلمين ونحوها من المسميات الشرعية .. ثالثا: ومن الأسباب التي تجعلنا نكره الدعاء للحكام على المنابر ونكره الصلاة خلف فاعله كون ( المؤمن شريك للداعي ): هذا واعلم أن المؤمِّن على مثل ذلك شريك لقائله فيه، إن كان كفراً أو شركاً أو حراماً فهم يقتسمونه بينهم الداعي والمؤمِّنون والحكم طبعا لا يتنزل على الأعيان إلا بعد اجتماع الشروط وانتفاء الموانع .. إذ أن المؤمّن والداعي سواء .. يدل عليه قول الله تعالى لموسى وأخيه هارون عليهما السلام: (قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) مع أن الداعي المتكلم كان موسى وذلك لأن هارون كان يؤمّن كما ذكره أهل التفسير .. ومن المناسب هنا أن نسوق الآيات من أولها فإن لها وجه مناسبة فيما نحن في صدده... قال تعالى في سورة يونس: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ، قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) ففي هذه الآيات تأكيد لما أسلفناه من أن أصل طريق الأنبياء وقطب رحاها هو اجتناب الطواغيت والبراءة منهم والكفر بهم ومعاداتهم وبغضهم هم وأتباعهم.. فأنت ترى موسى ها هنا يصف طاغوت زمانه وملأه بالضلال والإضلال ويدعو هو وأخيه ربهما أن يطمس على أموالهم ويشدد على قلوبهم.. إلى آخر دعائه.. وليس كما يفعل المفتونون اليوم ممن ينتسبون إلى دعوة الأنبياء زوراَ وبهتاناً حيث يعكسون ويضادون منهجهم، فربما وصفوا الطاغوت بالحكمة والحنكة بل والعدالة أو بالقيادة الفذة أو بإمام المسلمين وولي أمرهم أو يدعون له بالنصر والتأييد ونحو ذلك من ضلالاتهم .. ولما كانت براءة موسى ومن معه من طاغوت زمانهم وملئه ومعاداتهم وبغضهم هو الحق المبين وملة إبراهيم وسبيل الأنبياء أجمعين وأتباعهم من المؤمنين الصادقين؛ استجاب الله لدعائه هو وأخيه، وأمرهما سبحانه أن يستقيما على ذلك المنهاج القويم وأن لا ينحرفا عنه إلى سبيل الذين لا يعلمون... وتأمل وصف الله تعالى لغير سبيل الأنبياء أياً كان بسبيل الذين لا يعلمون.. فسبيل الأنبياء هو السبيل الذي تجتنب فيه الطواغيت وهو سبيل البراءة من كل ما يعبد من دون الله ومن عابديه وأنصاره وأشياعه وبغضهم وعداوتهم وهي سبيل الحكمة وسبيل العلم وسبيل المؤمنين.. (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً).. وكل سبيل يركن إلى الطواغيت فلا يجتنبها، أو يتولاها وينصرها ويدعو لها ولا يكفر بها، فهو سبيل الجاهلين الذين لا يعلمون وسبيل المغضوب عليهم والضالين، وسبيل المجرمين.. (وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) * واعلم أن في آية سورة يونس المذكورة فائدة أخرى.. وهي أن للمسلم إذا ما اضطهده الطواغيت أو ضيقوا عليه وطاردوه وطلبوه؛ أن يتخفى ويتخذ مسجده في بيته أو في بيت من بيوت إخوانه، وأن لا يخرج إلى المسجد ولو كان مما أسس على التقوى لا لجمعه أو جماعة.. إذ (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد أشار ابن حزم فيما تقدم إلى نحو هذا وسيأتيك عن الإمام أحمد وغيره مثله، والضرورات تبيح المحظورات المتفق عليها؛ فكيف بغ
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 8:58 pm | |
| تنبيهان: الأول: من باب الترجيح بين المفاسد.. وهو أنه إن كان الموحد ممن يتهم من قبل أهل البدع بالتكفير بالمعاصي أو التكفير لعموم الناس فالأولى أن يظهر الصلاة خلف الصنف الذي لا يصل فعله ودعاؤه إلى الكفر دفعاً لمفسدة تكريسه لهذه التهمة الجائرة؛ فإن هذه المفسدة أعظم من مفسدة صلاته خلف العاصي أو خلف المبتدع الذي لا يكفر ببدعته. ومصلحة دفعها والتبري منها أعظم من مصلحة زجر الفساق والفجار بترك الصلاة خلفهم، ومعلوم أنه حين تتزاحم مصلحتان تترك أدناهما في سبيل تحصيل أعلاهما، وحين تتزاحم المفاسد تحتمل الأقل في سبيل دفع الأعظم .. التنبيه الثاني: ( قياس فاسد واستدلال ساقط ) بعض المفتونين ممن يتولون للطاغوت اليوم شيئاً من ولاياته الدينية الباطلة يقولون: نحن ندعوا إذا ما دعونا لهم بالهداية والتوفيق لتحكيم كتاب الله ونحو ذلك.. وربما احتج بعضهم بمقولة بعض الأنبياء (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) وبما جاء في البخاري ( باب الدعاء للمشركين ) وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللهم اهد دوساً وأت بهم) ويعرضون عن الباب الذي قبله مباشرة في البخاري (باب الدعاء على المشركين).. ونحن لن نناقشهم في فقه هذه الأحاديث حتى يجيبونا أولاً.. هل دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمشركين بذلك وهو متولٍ لهم ولاية دينية، يمدحهم ويجادل عنهم ويسميهم أئمة المسلمين وولاة أمورهم ؟؟.. أم كان مجاهرا بتكفيرهم وديدنه كان عيب دينهم والبراءة منهم وعداوتهم وتسفيه طواغيتهم؟؟ فإن كان ثم وجه شبه لسبيله القويم بسبيلهم المنحرف وسنته البيضاء بطرقهم المظلمة فليقيسوا عليه.. سارت مشرقة وسرت مغربا *** شتان بين مشرق ومغرب والله ما اشتبها ولن يتلاقيا *** حتى تشيب مفارق الغربان • لطيفة ومنقبة للشيخ عبد الله البوتاني ذكرها الحافظ ابن كثير: ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية ( 13/ 59) حكاية في ترجمته للشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة كان على مذهب السلف الصالح سمتا وهديا وهو أخو الشيخ موفق الدين ابن قدامة المقدسي، وكان أبو عمر أسن منه، فنقل ابن كثير عن أبي المظفر: أنه حضر يوما عنده الجمعة وكان الشيخ عبد الله البوتاني حاضرا الجمعة أيضا عنده، فلما انتهى في خطبته إلى الدعاء للسلطان قال: ( اللهم اصلح عبدك الملك العادل سيف الدين أبا بكر بن أيوب ) فلما قال ذلك نهض الشيخ عبد الله البوتاني وأخذ نعليه وخرج من الجامع وترك صلاة الجمعة، فلما فرغنا ذهبت إلى البوتاني فقلت له: ماذا نقمت عليه في قوله ؟ فقال يقول لهذا الظالم العادل ؟ لا صليت معه. قال فبينما نحن في الحديث إذ أقبل الشيخ أبو عمر ومعه رغيف وخيارتان فكسر ذلك الرغيف وقال الصلاة، ثم قال: قال النبي: «بعثت في زمن الملك العادل كسرى» فتبسم الشيخ عبد الله البوتاني ومد يده فأكل، فلما فرغوا قام الشيخ أبو عمر فذهب، فلما ذهب قال لي البوتاني: يا سيدنا ما ذا إلا رجل صالح. قال أبو شامة: كان البوتاني من الصالحين الكبار، وقد رأيته وكانت وفاته بعد أبي عمر بعشر سنين فلم يسامح الشيخ أبا عمر في تساهله مع ورعه، ولعله كان مسافرا والمسافر لا جمعة عليه، وعذر الشيخ أبي عمر أن هذا قد جرى مجرى الأعلام: العادل الكامل الأشرف ونحوه، كما يقال سالم وغانم ومسعود ومحمود، وقد يكون ذلك على الضد والعكس في هذه الأسماء، فلا يكون سالما ولا غانما ولا مسعودا ولا محمودا، وكذلك اسم العادل ونحوه من أسماء الملوك وألقابهم، والتجار وغيرهم، كما يقال شمس الدين وبدر الدين وعز الدين وتاج الدين ونحو ذلك قد يكون معكوسا على الضد والانقلاب ومثله الشافعي والحنبلي وغيرهم. وقد تكون أعماله ضد ما كان عليه إمامه الأول من الزهد والعبادة ونحو ذلك، وكذلك العادل يدخل إطلاقه على المشترك والله اعلم. قلت (أي الحافظ ابن كثير ): هذا الحديث الذي احتج به الشيخ أبو عمر لا أصل له، وليس هو في شيء من الكتب المشهورة، وعجبا له ولأبي المظفر ثم لأبي شامة في قبول مثل هذا وأخذه منه مسلما إليه فيه والله أعلم. ) اهـ. وتأمل إلى اعتذار الحافظ ابن كثير للشيخ البوتاني في تركه صلاة الجمعة لأجل هذا الدعاء؛ بقوله: (ولعله كان مسافرا والمسافر لا جمعة عليه ) اهـ . فاحتياجه للاعتذار له بذلك دال على ان صلاة الجمعة لا تترك لمثل هذا الدعاء مادام السلطان مسلما، حتى ولو كان ظالما .. شبهة لبعض الغلاة وهي تعلقهم بكلام أخينا الشيخ أبي قتادة الفلسطيني فك الله أسره في كتابه: ( فتوى خطيرة عظيمة الشأن في حكم الخطباء والمشايخ الذين دخلوا في نصرة وتأييد المبدلين لشريعة الرحمن ) إعلم عافانا الله وإياك من مهاوي التفريط والإفراط؛ أنه قد تعلق بعض من يكفر الشيخ أبي قتادة لكونه لا يكفّر النواب الإسلاميين في البرلمان ولا يكفّر عساكر الطواغيت بالأعيان؛ تعلق بعض هؤلاء بتعليقات أخينا أبي قتادة على فتوى علماء المغرب التي أوردها الشيخ في كتابه الماتع النافع ( فتوى خطيرة عظيمة الشان ...) فجعلوا جميع أئمة زماننا وخطبائهم الذين يعملون في وزارات الأوقاف كأولئك الذين قيلت فيهم تلك الفتوى، ولذلك فقد تركوا صلاة الجمعة والجماعة في المساجد كلها .. وكان الأولى بهم لو كانوا محقين في قياسهم الفاسد وفهمهم الكاسد أن ينـزلوها على من دخل في دين الطاغوت وتولاه، أو من يدعو له على أقل تقدير، إذن لصوبنا قولهم في أولياء الطاغوت، ولعذرناهم في خطئهم إن أطلقوا القول في الداعين ولم يفصلوه، لأن في ثنايا الكتاب ما قد يوهم مثل هذا؛ ولكنهم اشتطوا وحملوها على مذهبهم الفاسد في تكفير جميع أئمة الأوقاف وعدم تجويز الصلاة خلفهم فضلوا وأضلوا .. ومع علمي وتيقني أن أخانا الشيخ الحبيب فك الله أسره وفرج كربه ممن يبرأ من فهمهم الفاسد هذا ولا يؤيده ولا يراه بحال، ولم يرم إليه قط في كتابه المشار إليه، إلا أنني سأقف قليلا عند الفتوى التي نقلها لنا الشيخ في كتابه المذكور لتوضيح بعض المسائل عسى الله أن يهدي بوقفتي هذه قلوبا غلفا .. قال الشيخ أبو قتادة فك الله أسره: ( الفتوى كما ذكرها القاضي عياض في كتابه "ترتيب المدارك وتقريب المسالك". قال القاضي الإمام عياض بن موسى بن عياض السبتي، المتوفى سنة 544 هجرية، في كتابه المذكور، في المجلد السابع صفحة 274 وما يليها: - أبو بكر إسماعيل بن إسحاق بن عذرة الأنوي: أثنى عليه ابن أبي يزيد في شبيبته في كتابه معه، لأنه سُئل (أي ابن عذرة) عن خطباء بني عُبيد، وقيل له: إنهم سُنِّية. فقال: أليس يقولون: اللهم صلِّ على عبدك الحاكم وورثة الأرض؟ قالوا: نعم. قال: أرأيتم لو أنّ خطيبا خطب فأثنى على الله ورسوله، فأحسن الثناء ثم قال: أبو جهل في الجنة.. أيكون كافرا ؟ قالوا: نعم. قال: فالحاكم أشد من أبي جهل. ) أهـ. قلت: أولا؛ لا شك أن الحكم بالجنة للكافر المنصوص على كفره باسمه والمنصوص على كونه من أصحاب النار من الكفر الواضح المستبين لأنه يتضمن تكذيب النصوص الصريحة الصحيحة، بخلاف تكفير من كان تكفيره غير منصوص عليه باسمه بل كفره أهل العلم باجتهادهم، فثناء الخطيب على الحاكم الذي يكفره العلماء ليس أشد قطعا من ثنائه وحكمه بالجنة لأبي جهل .. اللهم إلا أن يريد قائل هذا أن كفر الحاكم أشد حين ادعى الربوبية وأبو جهل لم يدعيها، وهذا بيان مهم؛ أحببت أن أنبه إليه من يأخذ مثل هذه المقالة ثم يطلقها فيمن لا يكفر حكام الزمان أو فيمن يدعو لهم بالهداية ونحوها .. ثانيا: تأمل إلى الدعاء الذي ذكر عن خطباء بني عبيد هنا، وأنزله من التفصيل الذي قدمناه منـزله؛ فهم يقولون ( اللهم صلِّ على عبدك الحاكم وورثة الأرض ) فالصلاة عليهم هي طلب الرحمة من الله لهم وطلب استغفار الملائكة لهم وطلب ثناء الله على المدعو له وتنـزل الرحمة عليه كما هو في معنى صلاة الله وملائكته على المؤمنين وهذا لا يجوز للكافر بحال وفيه من التلبيس الذي ذكره الشيخ ما فيه من جعل الطاغوت ولي أمر المسلمين وفيه من إظهار الدخول في طاعتهم في زمن كان عرف الناس في الدعوة للسلاطين على المنابر يعني ذلك ويُفْهمه ويؤكده كما قدمنا لك، وأما دعاؤهم بقولهم (وورّثة الأرض ) فصريح بالدعاء بالتمكين والنصرة والدوام للكافر ودوام حكمه الكفري ودعاء لدوام تعطيل الشريعة الذي كان يفعله بنو عبيد وهذا لا شك كفر واضح صريح .. ولذلك نقل الشيخ فك الله أسره بعد ذلك عن ( عياض قوله: وسُئل الداودي عن المسألة، فقال: خطيبهم الذي يخطب لهم ويدعو لهم يوم الجمعة كافرٌ يُقتل، ولا يُستتاب، وتحرم عليه زوجته، ولا يرث ولا يورث، وماله فيء للمسلمين، ............ واحكامه كلها أحكام الكفر، فإن تاب قبل أن يُعزل، إظهارا للندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم قُبلت توبته، وإن كان بعد العزل أو بشيء منعه لم تُقبل، ومن صلى وراءه خوفا أعاد الظهر أربعا، ثم لا يقيم إذا أمكنه الخروج، ولا عذر له بكثرة عيال ولا غيره. قال عياض: وعلى هذا كان جبلة بن حمود ونظرائه: ربيع القطان، وأبو الفضل الحمصي، ومروان ابن نصرون، والسبّائي، والجبيناني، يقولون ويفتون. ) اهـ . فاعرف سبب تكفيرهم ومناطه ولا تخلط كما يفعل جهال الغلاة فيخلطون العدس بالأرز بالفول والحمص ثم يخرجون بعقيدة بل عصيدة عجيبة غريبة !! فليست المسألة في عموم الدعاء أو في مجرد العمل في الأوقاف كما يهرف من لا يعرف، بل هي في دعاء يقتضي ويتضمن الكفر الصراح وفي الدخول في دين الطاغوت .. وأما قولهم في الفتوى: (فإن تاب قبل أن يُعزل، إظهارا للندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم قُبلت توبته، وإن كان بعد العزل أو بشيء منعه لم تُقبل، ومن صلى وراءه خوفا أعاد الظهر أربعا، ثم لا يقيم إذا أمكنه الخروج، ولا عذر له بكثرة عيال ولا غيره.) اهـ. فهذا عين قولنا في أنصار الطواغيت وأوليائهم الذين يتولونهم باللسان أو بالسنان سواء أكانوا في لباس الأئمة أوالخطباء أو العساكر أوالزبالين أو غيرهم؛ فلا يصلى خلفهم، وعلى من صلى خلفهم لخوف الإعادة؛ والقول في توبتهم مثل ما قاله العلماء في هذه الفتوى ماداموا ينصرونهم باللسان أو بالسنان ويمتنعون معهم وبشوكتهم عن الشريعة. ولذلك قال الشيخ فك الله أسره بعد أن بين أن بني عبيد جمعوا بين الردة الظاهرة والزندقة الباطنة قال في: ( فوائد من الفتوى: 5 ـ التوبة إن شابها عدم الندم وكان فيها تهمة الهوى والشهوة لا تُقبل. قال الداودي: "فإن تاب ـ أي الخطيب او القاضي أو المفتي أو وزير الأوقاف ـ قبل أن يُعزل إظهارا للندم، ولم يكن أخذ دعوة القوم (الزندقة) قُبلت توبته، وإن كان بعد العزل أو بشيء منعه لم تُقبل")اهـ. قلت: وأنا مع الشيخ في إنزال فتوى المشايخ هذه على كل نصير من أنصار الطواغيت ممتنع بشوكتهم ( آخذ دعوتهم ) أي داخل في دينهم الكفري منحاز إليهم ضد أنصار الشريعة مهما كان مسمى وظيفته، وأن توبته لا تكون بمجرد انتهاء مدة ولايته بل لا بد معها من إظهار الندم وبدوّ البراءة من ملة الكفر ودين الطاغوت على الأقل لمن أراد أن يحكم عليه بالإسلام، وتركه لعمله بغضا له قبل عزله بانتهاء مدته وتقاعده؛ علامة على ذلك ولذلك اعتبرها العلماء في فتواهم .... وقال الشيخ فرج الله كربه: ( ثم قال عياض: أبو محمد الكبراني: من القيروان، سُئل عمن أكرهه بنو عبيد على الدخول في دعوتهم أو يُقتل؟ قال: يختار القتل، ولا يعذر أحد بهذا إلا من كان أول دخولهم البلد قبل أن يعرف أمرهم، وأما بعد فقد وجب الفرار، ولا يُعذر أحد بالخوف بعد إقامته لأن المقام في موضع يُطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز، وإنما أقام فيها من العلماء والمتعبدين على المباينة لهم، يخلو بالمسلمين عدوهم فيفتنونهم عن دينهم. )اهـ. فتأمل إلى قوله: (لأن المقام في موضع يُطلب من أهله تعطيل الشرائع لا يجوز)اهـ. فهذا ما كان يطلبه العبيديون من الناس؛ صراحة بعد ان استتب حكمهم وأظهروا شنيع كفرهم؛ فمن دعا لهم بوراثة الأرض وطول البقاء فقد دعا بدوام تعطيل الشريعة ودخول الناس في دين الطاغوت . ثم قال الشيخ فك الله أسره: ( لماذا كفر العلماء ....خطباء العبيديين، وما هو مناط التكفير؟ وأما كفر خطبائهم فهو: لدعائهم لهؤلاء الكفار بما يوهم أنّهم مسلمون. قال ابن عذرة: أليس يقولون: "اللهم صلِّ على عبدك الحاكم وورثة الأرض"؟ فالدعاء لهؤلاء الكفرة بما يدعى به للمسلم هو كفر وردّة.) اهـ. قلت: قد تقدم أن الأدق في هذا والصواب أن يقال أنهم كفروهم لأنهم دعوا للكافر وحكمه الكفري وتعطيله للشريعة بالدوام (وورّثة الأرض) وهذا هو الكلام المانع، الذي يشرق به أهل الغلو ولا يفرحون، ولا يمكنهم أن يدخلوا فيه إلا من يستحق التكفير .. ومن تناقضهم أن يفرحوا بكلام الشيخ هذا مع أنهم يكفّرونه بأشياء يسع فيها الخلاف والاجتهاد مثل عدم تكفيره لأعيان النواب المنتسبين للحركات الإسلامية وأشياء من هذا القبيل .. ثم قال الشيخ فك الله أسره: ( ولنتذكر أنّ كفر الحاكم من أجل تعطيله الشريعة، أما زندقته فمن أجل عقيدته في التعطيل، وقد يتحمل متحمل، ويراوغ ثعلب فيقول: "ألا يجوز للخطيب أن يدعو للكفرة بالهداية؟". فالجواب قد تقدم بعضه، وللتفصيل نقول: إنّ الدعاء المتضمن شهادة لهم بالإسلام، وتلبيس حالهم على العوام بكونهم من أهل الملة فهذا هو حكمه، مثل أن يقول الخطيب: "اللهم وفّق عبدك فلان" حاكم من الطواغيت. أو قوله: "اللهم انصر أمير المؤمنين" وأمثالها من الأدعية. لكن لا يمنع أن يقول: (اللهم اهد دوسا وائت بهم مسلمين)اهـ. قلت: أما قول الشيخ فرج الله عنه وثبته الله على الحق المبين: ( إنّ الدعاء المتضمن شهادة لهم بالإسلام، وتلبيس حالهم على العوام بكونهم من أهل الملة فهذا هو حكمه، مثل أن يقول الخطيب: "اللهم وفّق عبدك فلان" حاكم من الطواغيت. أو قوله: "اللهم انصر أمير المؤمنين")اهـ. فقد قدمنا لك أن الدعاء بالتوفيق لما يحبه الله ويرضاه أو إلى تحكيم شرع الله مع ما فيه من التلبيس الذي ذكره الشيخ وذكرناه أيضا؛ إلا أننا لا نرى أنه مكفر، بخلاف ما ذكره الشيخ بعد ذلك من دعاء للطاغوت بالنصر وتسميته بأمير المؤمنين فهذا يدخل في التولي باللسان .. ثم قال الشيخ في الفوائد أيضا: ( 6 ـ عدم جواز الصلاة وراء خطباء الطواغيت والداخلين في دينهم ونُظمهم. قال الداودي: "ومن صلى وراءه خوفا ـ أي صلاة الجمعة ـ أعاد الظهر أربعا". ) اهـ. قلت: فهذا مناط كونهم كفار وهو دخولهم في دين الطاغوت، كما كفّر علماء المغرب من دخل من الخطباء في دين العبيديين ودعا لهم بالبقاء ووراثة الأرض، وتسمية الشيخ فك الله أسره لمن يقصدهم بـ (خطباء الطواغيت ) مجمل يحتاج إلى تفصيل، وهو من جنس تسميتنا للعاملين في وظيفة الإمامة عند الطواغيت ( نواب الطواغيت ) للتنفير عنها وتشبيهها بالنيابة عن المرتدين في ولايتهم وتسلّطهم على أوقاف المسلمين، وهذا الإجمال قد فصلناه في كتابنا هذا، وعلمت من نكفر منهم ومن لا نكفر وأن العبرة ليست بالمسميات بل بالحقائق، وأن للوعيد وإنكار المنكر والتنفير عنه ألفاظ وطرق غير ألفاظ التكفير التي تناط بأسباب واضحة جلية صريحة منضبطة . وقال الشيخ: ( 2 ـ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 15/154: "وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما شهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه، وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا". وعُوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي (من إباضية الخوارج) فقال: "وكيف لا أخرج وقد سمعت الكفر بأذني؟". وخرج أبو إسحق الفقيه مع أبي يزيد، وقال: "هم أهل القبلة، أولئك ليسوا أهل القبلة، وهم بنو عبيد، وإن ظفرنا بهم لم ندخل تحت راية أبي يزيد، لأنه خارجي". ............وتسارع الفقهاء والعبّاد في أهبة كاملة ... وخطبهم في الجمعة أحمد بن أبي وليد، وحرّضهم وقال: "جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله، وغيّر أحكام الله، وسبّ نبيه، وأصحاب نبيه" فبكى الناس بكاء شديدا. ) اهـ. وفي هذا بيان لوضوح كفر حكام بني عبيد فكيف لا يكفر من جعلهم ولاة أمور المسلمين ودعا الخلق للدخول في طاعتهم و دعا لهم بالنصرة والبقاء ووراثة الأرض .. وفي هذا البيان والرد كفاية؛ على من حرّف الكلم عن مواضعه طلبا للغواية .. والله الموفق والهادي للصواب . يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:10 pm | |
| في نواب الطواغيت وأقسامهم إذا عرفت ما تقدم وفهمته فلا تعرض عنه فتتبع وتصلي خلف من خان الله ورسوله ودينه كما يفعل كثير ممن هم كسائمة الأنعام، ثم يحتجون ببعض نصوص العلماء في الصلاة خلف أهل الملة، ومع أنه لا حجة بغير كلام الله وبيان رسوله صلى الله عليه وسلم، فالعلماء يريدون ملة إبراهيم وملة الإسلام لا ملة الطاغوت وعبيده وأوليائه.. واعلم أن من يتولون للطغاة اليوم هذه الولايات الدينية وينوبون عنهم فيها على خطر عظيم.. فلا شك أن فيهم الكافر الذي يسخر المنابر لنصرة وخدمة الطاغوت وتعبيد الناس له وإدخالهم في دينه .. وفيهم المبتدع الذي يدعو إلى بدع مكفرة قديمة أو حديثة كالديمقراطية، وفيهم الفاسق وغيره .. ونحن مشروع لنا في أحكام الدنيا أن نعامل كلا بما يظهره.. إذ هذا هو مناط الأحكام في الدنيا أما بواطنهم فلا دخل لنا بها ولا تنفعهم ها هنا ما لم يظهروها أو يعتزلوا ويجتنبوا نصرة وتولي الطاغوت، إذ لا سبيل إلى الاطلاع عليها أو معرفتها إلا بمثل ذلك.. هذا واعلم أن هؤلاء الذين تولوا للكفرة والمرتدين والمشركين هذه الولايات الدينية أكثرهم قد أعطوا الطاغوت بذلك الصبغة الدينية الشرعية، ولبّسوا الحق بالباطل وشوهوا الدين في أوقات وظروف هي أحلك ما تكون على الأمة.. هم على أقسام..: * فمنهم من قد خلع ربقة الإسلام عن نفسه فأصبح جنديا وولياً وفياً للطواغيت يظاهرهم على المؤمنين ويدفع عن باطلهم ويجادل دونهم بكل ما أوتي من قوة وبيان، ويرى أنهم ولاة الأمور الشرعيين للمسلمين، ولذلك فإنك تجده وفي مقابل دفعه عن الطاغوت ونصرته له يحارب الموحدين الطاعنين في طاغوته المكفّرين له أو الخارجين عليه.. فيصمهم بالتكفير والتطرف والغلو والتشدد ويسميهم بالخوارج، بل ربما كفرهم كما يفعل كثير من علماء السوء مع الموحدين الذين يخرجون على طواغيتهم.. وفتنة هؤلاء وشرهم على الإسلام وأثرهم في نصرة الطاغوت أعظم بكثير من فتنة أجناده وشر وأثر عساكره الذين ينصرونه بالسلاح والنطاح، إذ في كثير من الأحيان لا يجرّد ذلك السلاح ولا يكون ذلك النطاح إلا عن فتوى من أولئك المفتونين أخزاهم الله.. يقول شيخنا أبو الحسن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهو يذكر بعض الطواغيت في زمانه..: [ومن جادل عنهم أو أنكر على من كفرهم أو زعم أن فعلهم هذا لو كان باطلاً فلا يخرجهم إلى الكفر، فأقل أحوال هذا المجادل أنه فاسق لا يقبل خطه ولا شهادته ولا يصلى خلفه بل لا يصح دين الإسلام إلا بالبراءة من هؤلاء وتكفيرهم كما قال تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ) ]أهـ. من حكم المرتد من الدرر السنية ص71. قلت: وإذا كان كلام الشيخ هذا فيمن جادل في تكفيرهم وأنكر على من كفرهم فقط.. فكيف بالله عليكم يا أولي الألباب بمن بايعهم وتولاهم وناصرهم وسماهم أئمة المسلمين وجعلهم ولاة الأمور الشرعيين.. في الوقت الذي يصف فيه الموحدين بأنهم غلاة أو متطرفون أو خوارج.. أو إذا ما تأدّب وتعقّل قال: (بغاة) لأنهم خرجوا على إمامه الذي هو الطاغوت..؟؟ قال أبو محمد ابن حزم في المحلى ( 4/52) : ( 411 - مسألة: والصلاة خلف من يدري المرء أنه كافر باطل وكذلك خلف من يدري أنه متعمد للصلاة بلا طهارة، .... وهذا لا خلاف فيه من أحد مع النص الثابت بأن يؤم القوم أقرؤهم { وليؤمكم أحدكم } في حديث أبي موسى، والكافر ليس أحدنا وليس الكافر من المصلين ولا مضافا إليهم .... ) انتهى مختصرا * ومنهم من يزعم أنه يكره الطواغيت وأنه يبغضهم بل ربما يدّعي تكفيرهم، وإنما اتخذ تلك الولاية وذلك المنصب وظيفة وعملاً يتقوت به –لا بارك الله فيها من وظيفة في مثل هذا الزمان- ومثل هؤلاء إذا ما أنكر عليهم فغالباً ما يتعذرون بالرزق ونحوه، وهذا في الحقيقة ضعف في اليقين والتوكل على الله وتوحيد الربوبية الذي كان كفار قريش يؤمنون به، قال تعالى عنهم (قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ) يونس31، فلو أنهم استقاموا على منهاج النبوة واجتنبوا سبيل الذين لا يعلمون وفقهوا التوحيد فتوكلوا على الله حق توكله لرزقوا كما ترزق الطير تغدوا خماصاً وتروح بطاناً ولكن أكثرهم لا يعقلون.. ولذلك فإنك تجد أكثر أهل هذا الصنف يدعون للطاغوت على المنابر أيضا.. إذ هذا من تكاليف هذه الوظيفة المشؤومة.. وإذا ما روجعوا في ذلك احتج من لا يتبجّح ويتواقح منهم بالإكراه والاستضعاف والضرورات ونحوها مما يتلاعب به أهل الأهواء في هذا الزمان.. ومعلوم أن للإكراه حدودا وشروطا مبسوطة ومفصلة في كتب أهل العلم( ) خصوصاً في مثل هذه الأبواب التي فيها مشايعة للكفار وإظهار للدخول في ولايتهم وأمرهم( ).. ثم إن استطاعوا أن يموّهوا في ادعاء الإكراه والاضطرار في دعائهم للطاغوت.. فمن ذا الذي يجرؤ منهم على ادعاء مثله في تولي تلك الولايات أصلاً، وهل يكره الطاغوت أحداً على مثل تلكم الوظائف في زماننا هذا !؟ أم أن أولئك المفتونين هم الذين يتكالبون عليها ويسعون إليها زرافات ووحداناً.. بل ربما استصحبوا معهم شفاعة ووساطة وتوصية من بعض المعروفين أو الرؤوس من الملأ، كل هذا حرصاً منهم على تحصيل مثل تلك الولايات الخبيثة.. ثم يدعون أنهم مكرهون ومضطرون ومستضعفون.. فبعداً.. بعداً.. ونحن هنا لا نناقش مسألة هؤلاء كما يناقشها بعض الفقهاء بمعزل عن واقعنا على أنها قضية فقهية منحصرة في حكم أخذ الأجرة على الإمامة أو على القرآن والأذان ونحوها من الوظائف الدينية.. فذلك إنما يكون عندنا حين ترد هذه المسألة في ظل دولة الشريعة والإسلام.. أما والحال كما ترى في ظل دول الردة والشرك والطغيان، فما هكذا تورد الإبل.. وكم كان يحزننا أن نرى ونسمع من يناقش المسألة بهذه الصورة السطحية، فيستدل ببعض الأحاديث التي فيها ذم أخذ الأجرة على القرآن أو على الأذان أو ما يشير منها إلى أن من عمل من أعمال الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة نصيب، ونحو ذلك.. ثم يوالي ويعادي في ذلك ويهجر الصلاة خلف بعض إخوانه لأجل توليه شيئاً من تلك الولايات حاصراً القضية في هذه الزاوية في واقع كواقعنا هذا.. إذ أن من مقتضيات هذا الاستدلال ومن لوازم ذلك الإيراد أن لا غضاضة على من تولى في زماننا للطاغوت وناب عنه في ولاية دينية متطوعاً من غير أجر.. أوردها سعد وسعد مشتمل *** ما هكذا يا سعد تورد الإبل فالأمر عند من تدبر واقعنا وتدبر حقيقة مثل هذه الوظيفة، أعظم وأطم من هذا التناول الفقهي الفرعي المجرد المعزول عن الواقع .. فلكل شيء حقيقة.. والحكم على الشيء فرع من تصور حقيقته.. وحقيقة هذا العمل في أصله وقبل أن يتهاون الناس في الصلاة والمسجد والجماعة؛ أنه ولاية أو نيابة دينية عن الحاكم أو الإمام أو ولي الأمر؛ ويتأكد هذا المعنى أكثر ما يتأكد في صلاة الجمعة وخطبتها. ولذلك اشترط من اشترط من الفقهاء فيها إذن الإمام القوام على أهل الإسلام واحتجوا بقول الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا...) وبقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ...) وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله... إلى قوله: ولا يؤم الرجل في سلطانه ولا يجلس على تكرمته في بيته إلا بإذنه)( ) قال سهل بن عبد الله التستري: (أطيعوا السلطان في سبعة: ضرب الدراهم والدنانير والمكاييل والموازين والأحكام والحج والجمعة والعيدين والجهاد)( ) وقال ابن العربي المالكي: (الصلاة إمارة واحتكام وهي مخصوصة بالإمام ونائب الإمام إمام) أهـ. واستدلوا أيضاً بأن المهاجرين أقاموها في المدينة حين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، قال ابن قدامة: (روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى مصعب بن عمير بالمدينة فأمره أن يصلي الجمعة عند الزوال ركعتين وأن يخطب فيهما فجمع مصعب بن عمير في بيت سعد بن خيثمة باثني عشر رجلا... روي ذلك عن الحسن والأوزاعي وحبيب بن أبي ثابت.. لأنه لا يقيمها إلا الأئمة في كل عصر فصار ذلك إجماعاً..) أهـ من المغني. قلت: وفي دعوى الإجماع نظر..!! روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري أن مسلمة بن عبد الملك كتب إليه: أني في قرية فيها أموال كثير وأهل وناس، أفأجمع بهم ولست بأمير ؟ فكتب إليه: إن مصعب بن عمير استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجمع بأهل المدينة، فأذن له فجمع بهم وهم يومئذ قليل، فإن رأيت أن تكتب إلى هشام( ) حتى يأذن لك فافعل. *والذي نعتقده والله تعالى أعلم أن اشتراطهم مثل هذا الأمر ليس معناه أنها لا تصح بغير إذن الإمام، إذ هذا لا دليل عليه من كتاب الله أو سنة رسوله وقد رده أهل العلم( ) وقد عرفت فيما تقدم أن الشروط لا تثبت بكل دليل ولو كان صحيحاً.. إلا دليلاً خاصاً يدل على انعدام المشروط عند انعدام شرطه.. وليس في هذا المقام ما يدل على مثل هذا.. وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط.. *وإنما المعنى المعتبر في هذا، أنه عند وجود الإمام القوام على أهل الإسلام فإن صلاة الجمعة حينئذ تكون من الولايات الدينية التي يختص بها الإمام.. فإما أن يؤم فيها هو.. أو يُنيب عنه من يرى و يختار من الولاة أو القضاة أو العلماء أو غيرهم من أهل الفضل والدين.. فالمعنى أن إذنه ورضاه واجب عند وجوده.. وليس هو بشرط في صحة الصلاة.. إذ ليس كل واجب شرط.. وإنما اعتبر أهل العلم رضاه وإذنه ها هنا لأن هذه عبادة من العبادات الدينية التي ترتبط باجتماع عدد كبير وجمع غفير ولذلك ألحقوا بها في الذكر الأعياد والحج وكذلك الجهاد.. وفرقوا بينها وبين العبادات التي لا تتعلق باجتماع كالأذان وعقد الجماعات فيما عدا الجمعة من الصلوات...( ) (ولذلك أمّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة أبا بكر رضي الله عنه على الحجيج، ثم استمرت تلك السُنّة في كل سنة فلم يخل حج عن إمام أو مستناب من جهة إمام، ولذلك صدّر الخلفاء الأمراء وذوي الألوية بإقامة الجمع، فإنها تجمع الجماعات، وهي إن لم تُصَن عرضة الفتن والآفات)( ) وقال القاضي أبو يعلى الفراء (في الأحكام السلطانية): [ أما المساجد السلطانية: فهي الجوامع.. وما عظم وكثر أهله، من المساجد التي يقوم السلطان بمراعاتها، فلا يجوز أن ينتدب للإمامة فيها إلا من يندبه السلطان لها، لئلا تفتات الرعية عليه فيما هو موكول إليه( ). وقد أومأ أحمد إلى هذا في رواية مهنا، وقد سأله: هل يُجمع القاضي إذا لم يخرج الوالي؟ فقال: (إذا أمره، فإن لم يأمره لا يخرج إلا بإذنه)]. أهـ ص94 وقال ابن عبد البر في التمهيد (10/288): (وقد ذكرنا في باب حديث ابن شهاب عن عبيد الله عن جماعة من التابعين أن الحدود والجمعة إلى السلطان، ولا يختلف العلماء في أن الذي يقيم الجمعة السلطان وأن ذلك سنة مسنونة)أهـ. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (جـ35/ص38): (ولهذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور في الدولة الأموية والعباسية أن الإمام يكون إماماً في هذين الأصلين جميعاً: الصلاة والجهاد فالذي يؤمهم في الصلاة يؤمهم في الجهاد، وأمر الجهاد والصلاة واحد في المقام والسفر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استعمل رجلاً على بلد: مثل عتاب بن أسيد على مكة وعثمان بن أبي العاص على الطائف وغيرهما: كان هو الذي يصلي بهم ويقيم الحدود... الخ) وقال: (وكذلك كان أمراء (الصديق) كيزيد بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة، وعمرو بن العاص وغيرهم، أمير الحرب هو إمام الصلاة...) أهـ. من الموضع نفسه. ولذا كان المتولي لمثل هذه الولايات العامة من غير إذن الإمام المسلم القوام على أهل الإسلام لغيرما طارئ أو ضرورة( ) قد شابه الخوارج الذين ينازعون الأئمة ولاياتهم ويخرجون عليهم وعلى طاعتهم دون مبرّر شرعي وهو الكفر البواح، فيأمّرون عليهم أميراً يسمونه أمير المؤمنين فيجمعون وحدهم ويخطبون لأميرهم.. وينازعون الإمام القوام على أهل الإسلام ولاياته ويطعنون في إمرته ويخرجون من طاعته.. فهذه هي النكتة في اعتبار إذن الإمام، عند من ذكره من أهل العلم والله تعالى أعلم.. ولأجل ذلك كان كثير من علماء أهل السنة يضمنون تلك المعاني كتب العقيدة تمييزاً لطريقة أهل السنة عن طرائق أهل الأهواء من الخوارج وغيرهم.. انظر على سبيل المثال العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام حيث نص على أن من طريقة أهل السنة المخالفة لأهل البدع: ( إقامتهم الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم – أي ولاة الأمور - أبراراً كانوا أو فجاراً ) أهـ ( ) ومن قبله قال القحطاني الأندلسي في نونيته التي ضمنها ملخص عقيدة أهل السنة والجماعة.. والوِترُ بعد الفرض آكد سنةٍ *** والجمعة الزهراء والعيدان مع كل بر صلها أو فاجر *** ما لم يكن في دينه بمُشان ولنا ها هنا.. وقفات.. * أحدها.. تنبيه لبعض من أخطأوا في فهم مقصود أهل العلم في ذكرهم لإذن الإمام في ولاية صلاة الجمعة وخطبتها ونحوها كالعيدين أو الجهاد .. فقد علمت مما تقدم.. أن المقصود من ذلك ليس هو ربط الفريضة بالإمام بحيث إذا ما عدم الإمام عدمت وألغيت الفريضة كما هو الشأن عند الرافضة.. كلا.. فإنه كما يقول الإمام مالك رحمه الله: (لله في أرضه فرائض لا يقطعها موت الوالي). - فالزكاة التي يجمعها الإمام عند وجوده عن طريق نوابه أو الجباة الذين يعملون عندهم ولا ينبغي لأحد أن يفتئت عليه بتولي جمعها وتصريفها من غير إذنه في ظل ولايته.. ومع ذلك فهي لا تعطل إذا ما عدم الإمام أو أسر أو حصر.. بل يخرجها من وجبت في حقه ويصرفها في مصارفها التي ذكرها الله في كتابه.. ولذلك لم يمتنع عنها بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الإمام القوام آنذاك) إلا الذين زاغوا من أهل الردة، أما الصحابة فلم يتغير عندهم شيء من الفرائض بوفاة إمامهم، وما لبثوا أن أقاموا خليفة له صلى الله عليه وسلم.. - وكذلك الأمر بالنسبة لفريضة الجهاد.. ففي غزوة أحد وعندما صاح الشيطان: أن محمداً قد قتل.. كان قول خلاصة أصحاب رسول الله وعِلْيَتهم: أن قاتلوا على ما قاتل عليه نبيكم حتى تلحقوا به، أما المنافقون فقد قالوا: قتل محمد، فالحقوا بدينكم الأول.. فنـزل قول الله تعالى: ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) - وكذلك فعل أبو بصير وأبو جندل وعصابتهم من الصحابة الذين عجزوا عن الهجرة والدخول تحت ولاية الإمام وحكمه، وذلك بسبب ما كان من شروط العهد الذي عاهد النبي صلى الله عليه وسلم قريشا عليه.. فلم يمنعهم كونهم ليسوا تحت ولاية إمام أو ليسوا في دار هجرة وتمكين من جهاد الكفار وقتالهم وغنم أموالهم، فكانوا يقاتلون من يظفرون به من الكفار، ويغيرون على قوافلهم ويغنموا ما يقع تحت أيديهم من أموال المشركين.. وما أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم قتالهم بلا إمام ولا دار هجرة أو تمكين أو نحوه؛ مما يشترطه الجهال لتعطيل هذه الفريضة العظيمة اليوم..( ) - وكذلك الأمر في الحج وصلاة العيدين والاستسقاء ونحوه.. ومن ذلك صلاة الجمعة ومثله سواء بسواء فإن الأوامر بها في حقنا محكمة غير منسوخة، مطلقة غير مقيدة أو مشروطة بوجود الإمام.. وقد تواترت الأحاديث في التحذير من تركها والتهاون في أمرها..، وليس من رخصة في تركها إلا في حدود حدها الشارع للمسافر ( ) والمرأة والعبد والمريض ونحوه من خوف ضرر أو فتنة؛ وقد قال تعالى: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) فما دام في وسعنا أداؤها، عدم الإمام أو وجد، حصر أو أسر.. لم تسقط عنا.. وهذا ما كان عليه العمل عند الصحابة رضوان الله عليهم ففي حصر عثمان جاء العيد والإمام محصور ولا سبيل إلى إذنه وحتى لو كان هناك من سبيل فالوقت وقت فتنة ولا سلطان له ولا طاعة عند أكثر الناس.. ومع هذا صلى علي رضي الله عنه العيد بالناس، ولم ينقل أنه طلب الإذن وقتها من عثمان..( ) ولذا قال الجويني في الغياثي في الموضع الذي افترض فيه ( شغور الدهر عن وال ): [553 – أما ما يسوغ استقلال الناس فيه بأنفسهم، ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر، ومراجعة مرموق العصر، كعقد الجمع وجرّ العساكر إلى الجهاد، واستيفاء القصاص في النفس والطرفِ، فيتولاه الناس عند خلو الدهر ] أهـ ص386 وقال ابن عبد البر في التمهيد (10/286) بعد أن ذكر أبا حنيفة وأبا يوسف وغيرهم ممن قالوا: (لا تجزئ الجمعة إذا لم يكن سلطان ) قال: [وروي عن محمد بن الحسن أن أهل مصر لو مات واليهم جاز لهم أن يقدموا رجلاً يصلي لهم الجمعة حتى يقدم عليهم وال]أهـ. - وذكر ابن عبد البر في التمهيد أيضاً بإسناده عن العباس بن عبد العظيم [ أنه سأل أبا عبد الله أحمد بن حنبل فقال: إن لم يكن إمام أترى أن يصلي وراء من جمع بالناس وصلى ركعتين ؟ فقال: أليس قد صلى علي بن أبي طالب بالناس وعثمان محصور. ثم قال أبو عمر: قد ذكرنا أن حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر( ) أصل في هذه المسألة وإن كان ذلك في صلاة العيد، والأصل في ذلك ما فعله المسلمون يوم مؤتة لما قتل الأمراء وأجمعوا على خالد بن الوليد وأمروه، وأيضاً فإن المتغلب والخارج على الإمام تجوز الجمعة خلفه فمن كان في طاعة الإمام أحرى بجوازها خلفه] أهـ( ) * ونقول في الوقفة الثانية: قد عرف الموحد فيما مضى أن المتولي للطاغوت ولاية دينية بأمره وإذنه، هو في الحقيقة التي يجهلها أكثر الناس اليوم؛ نائب عنه في ولايته الباطلة على دين المسلمين، مختاراً دون إجبار أو إكراه بل بكد وتعب واستشراف وخوض للاختبارات التي يضعها ولاة الطغاة لنوال مثل تلك الولايات، فإقرار هذا النائب للطواغيت على ولايتهم على دين المسلمين بعمله هذا، وقبوله منهم تلبيس عظيم على العوام وتمويه شديد على الطغام، الذين يجب أن يُدعون أول ما يدعون إلى الكفر بالطاغوت واجتنابه.. ويؤمرون أول ما يؤمرون بالبراءة منه وبغضه ومعاداته هو وأوليائه وأنصاره.. (فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ) فأظهروا طاعته واختاروا النيابة عنه في هذه الولاية .. وقد أمروا أن يكفروا به ويبرؤوا منه ويعادوه .. ومثل هذا الأمر لولا استضعاف المسلمين ولولا أن الديار ديار كفر ولا دار إسلام يمكن للمسلمين الهجرة إليها لكان متولي مثل هذه الولايات مجروح في دينه وليس بمستور، ولكن لما كان لا بد للمسلمين في ظل هذا الواقع الذي يعيشونه من إقامة الجمعة والجماعة، كان متولوا ذلك لا يستوون فمن سدد وقارب منهم وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر قدر الامكان؛ ليس كمن تعصب لهذه الولاية وامتنع بها وبقوانينها عن الحق وصد عن سبيل الله وعامل الحكام وأنزلهم منزلة ولاة أمور المسلمين الذين كان أهل السنة فيما مضى يرون الصلاة والحج والجهاد خلفهم وبإذنهم، فلا يخرجون عليهم ولا ينزعون يداً من طاعتهم فجاراً كان أولئك الأمراء أم أبراراً مخافة الإفتئات على ما هو من حقوقهم أو إثارة الفتنة دون مبرر من كفر بواح فيقعوا بذلك فيما وقعت فيه الخوارج.. بل بلغنا عن بعض أرباب هذه الولاية في بعض البلدان أكثر من ذلك فذكر لنا أنهم لا يتولون وظيفتهم هذه إلا بعد أن يوقّعوا على تعهد بأن يتعاونوا مع مخابرات أو مباحث الطاغوت والجهات المختصة إذا ما رأوا أو سمعوا بشيء يضر بالطاغوت أو بنظامه .. فهم بذلك لهم جند محضرون.. ومثل هؤلاء إن وصل بهم الأمر إلى هذا الحد لم تجز الصلاة خلفهم ولا نعمة ولا كرامة لتقديمهم وإمامتهم .. فهؤلاء في حقيقتهم ولاة الطاغوت ونوابه على الحقيقة وهم بدون هذه الوظيفة الزائدة التي يمارسونها في بعض البلدان؛ يقارفون منكرا عظيما بإقرارهم ولاية الطاغوت على دين المسلمين، وجدالهم عنها وصدهم للدعاة عن فضحها وإظهار البراءة منها؛ ويعملون على تقرير ولاية الطواغيت على المسلمين ونشر ذلك بين الناس .. فهذه هي حقيقة وواقع هذا الصنف من نواب الطواغيت في مثل هذه الولايات.. بل ويشارك في نشر هذا المنكر العظيم وتقريره أيضا كل من جادل عن هؤلاء النواب، ونزّل فيهم كلام الأئمة في الصلاة خلف مستور الحال، أو استشهد بكلام العلماء في الصلاة والحج والجهاد خلف البر والفاجر من الأمراء، وطعن على من ترك الصلاة خلفهم وبدّعه وشبهه بأهل الأهواء.. إذ هذا في الحقيقة من القياس المنتن الذي يسميه ابن حزم بقياس الضراط( ).. لأنه قياس لطريقة السلف في النفرة من منازعة الولاة المسلمين – وإن جاروا- وعدم الإفتيات على حقوقهم وولاياتهم، وتشبيهها زورا بطرائق المفتونين والضلال مع الطواغيت ونوابهم المجادلين عنهم وعن ولاياتهم الدينية الباطلة.. فيقابل ويشبه الطواغيت ونوابهم بالأمراء المسلمين الأبرار، أو قل على أقل الأحوال الفجار( ) ويرقّع للمتابع المجادل عن هؤلاء الطواغيت والمقر لهم في ولايتهم على دين المسلمين والمتواطىء معهم على هذا الباطل والتلبيس العظيم، ويشبهه بالسلف الذين كانوا لا ينازعون الأئمة المسلمين ونوابهم ولاياتهم ولا يخرجون عن طاعتهم.. ويشبه الموحدين المجتنبين للطواغيت الكافرين بشركهم المتبرئين من إفكهم وزورهم وولايتهم؛ بتركهم الصلاة خلفهم وخلف أوليائهم وطعنهم في ولايتهم ومنازعتهم ويساويهم بالخوارج الضلال الذين كانوا ينازعون أمراء الإسلام ولاياتهم وحقوقهم الشرعية.. هذا هو حاصل هذا القياس الفاسد، وهذه هي ثمرته المنتنة وأركانه المتهافتة.. قياس الطواغيت على أئمة الإسلام، وقياس أوليائهم ونوابهم وأتباعهم على السلف الصالح.. وقياس الموحدين الكافرين بالطواغيت على الخوارج المكفرين للمسلمين.. وتنزيل كلام أهل العلم في غير منزله.. وكفى بذلك تلبيساً عظيماً وإفكاً مبيناً.. فكن على حذر من هذا أيها السني، وتقرب إلى الله بكل ما يسخط الطواغيت ويعيب دينهم ويطعن في ولايتهم الكفرية على أهل الإسلام.. وتحبب إليه سبحانه بمنازعتهم أمرهم وبمخالفة شرعهم الباطل وتسفيه أحلامهم وعيب ولايتهم ونوابهم عليها.. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (1/130): حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: ( لو أن خمسين يؤمون الناس يوم الجمعة لا يقولون القرآن مخلوق، يأمر بعضهم بعضاً بالإمامة، إلا إن الرأس الذي يأمرهم يقول هذا، رأيت الإعادة لأن الجمعة إنما تثبت بالرأس..) قائل هذا أبو عبيد الإمام، ومعلوم من هو أبو عبيد.. وكلامه هذا في الجهمية؛ فكيف بمن هم شر وأخبث وأوضح في الضلال عن سواء السبيل .. ولا شك أن في هذا تشديد أنكره الإمام أحمد، في بقية الرواية؛ فقال عبد الله: ( فأخبرت أبي بقول أبي عبيد فقال: هذا يضيق على الناس إذا كان الذي يصلي بنا لا يقول بشئ من هذا صليت خلفه فإذا كان يصلي بنا يقول بشئ من هذا القول أعدت الصلاة خلفه ) إهـ. وإنما ذكرته على سبيل معرفة خطر الائتمار برأس خبيث والدخول في طاعته مختارا وتشنيع السلف على تولي الولاية الدينية عند رؤوس الضلالة فضلا عن الطواغيت !! وتأمل قوله في ذلك (لأن الجمعة إنما تثبت بالرأس ) هذا وقد كان فيما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عليه كما في صحيح البخاري وغيره: (وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) ولذا نص أهل العلم مستندين إلى هذا الحديث وأمثاله أن الحاكم إذا أظهر كفرا بواحاً؛ فيجب على كل مسلم القيام عليه والعمل على عزله وأن الناس في ذلك أقسام.. من قوي على ذلك فله الأجر والثواب ومن عجز وجبت عليه الهجرة. ومن داهن فعليه الإثم..( ) فهل يعقل إذا لم يقدر المسلمون على الموقف الحق من كفرة الحكام، أن يبدلوا قولاً غير الذي قيل لهم، فيركنوا إليهم ويتابعونهم ويولونهم صلاتهم أو يتخذون أولياءهم أئمة وقدوة..؟ ( )
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:13 pm | |
| أليس دون المنازعة والقتال مرتبة وضعها الله تعالى للعاجزين عن ذلك وهي الهجرة؛ وإذ لم تتوفر دار إسلام يهاجر ويأوي إليها المسلم؛ فإن عليه هجرة أخرى واجبة في كل زمان ومكان، هي هجرة ما نهى الله عنه . فقد جاءنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (.. المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)( ) وقد نهينا في ديننا أن نتأسى أو نقتدي أو نتابع أئمة الضلالة والطواغيت وأوليائهم، وقد عرفت أن من تابعهم في الدنيا فإنه سيتبعهم يوم القيامة حيث سيورد كل إمام ضلالة أتباعه النار.. كما أننا لم نؤمر بالنيابة عنهم في باطلهم وإفكهم أو بمتابعة نوابهم الذين يتولونهم .. بل الذي أمرنا به في محكم التنزيل نحن ونبينا صلوات الله وسلامه عليه هو التأسي والاقتداء بإمام الحنفاء إبراهيم ومتابعته هو والذين معه وعلى طريقته من المرسلين والحواريين والأنصار؛ وهو الكفر بأئمة الضلالة والبراءة منهم ومن أوليائهم ومما يعبدون من دون الله.. قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)[الممتحنة4] وذروة سنام هذه البراءة وأعلى مراتبها كما هو مقرر في ديننا جهاد أئمة الكفر وأوليائهم والاجتهاد في هدم الطواغيت وأديانهم الباطلة، فإن عجزنا عن هذه المرتبة العلية في وقت من الأوقات؛ وجب مداومة تحديث النفس بها وذلك بالإعداد والتهيئ لها، ودونها مرتبة أخرى لا تسقط عن أحد، ومن أسقطها، فالهلاك الهلاك؛ لأنه قد فرط بالعروة الوثقى التي عليها مدار النجاة .. وهذه المرتبة: هي اجتناب الطواغيت وأئمة الكفر واعتزالهم هم وأوليائهم وما يعبدون من دون الله.. فذلك ما بعثت به الرسل كافة وأُمِر به الموحدون من قبلنا قال تعالى: ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ). وقال سبحانه عن إمام الحنفاء: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وقال جل ذكره: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ) وقال عن الفتية الموحدين الذين فروا بدينهم إلى الكهف ولم يتابعوا أئمة الضلالة: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) ومن اعتزالهم واعتزال ما يعبدون أن لا يتابع تشريعاتهم أو شيئاً من باطلهم، وألا يتحاكم إليهم أو يُسلم ذراريه إليهم أو إلى أوليائهم ليحرفوهم عن ملة التوحيد إلى ملة الشرك والتنديد.. ومن ذلك أيضا أن لا نأمنهم على شيء من ديننا فلا نتابعهم مختارين غير مكرهين، أو نقتدي بهم أو بأوليائهم في الصلاة.. فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فاقتدوا بهم وتابعوهم وأمّنوهم على دينهم وعلى ذراريهم، وأشربت قلوبهم هذا الباطل العظيم والإفك المبين واستمرؤوه وتواطؤوا عليه؛ حتى صار عندهم معروفاً، وأصبح الموحد المتبرّء منه فيهم غريبا وتوحيده مستنكراً فإنا لله وإنا إليه راجعون.. أما نحن ولله الحمد على هدايته وتوحيده.. بعد أن رأينا من القوم كفراً بواحاً مختلفاً ألوانه، وأظهروا شركاً مبيناً أوضح من الشمس في رابعة النهار( ) فإنا نسلك فيهم طريق الأنبياء والموحدين من قبلنا فنتقرب إلى الله بمقتهم وبكل ما فيه إسخاط لهم، أو منازعة في أمرهم فنكفر بهم ونبرأ من شرعهم ودينهم الباطل، ونستنقذ ذرارينا من براثن ذئابهم وأوليائهم الضالين، ولا نتحاكم إليهم ولا إلى شرائعهم التي تضاد شرع الله؛ بل نتباعد عنهم في كل شيء قدر وسعنا، فلا نؤدي إليهم زكاة أموالنا، لأن الله نهانا في محكم التنزيل أن نؤتي السفهاء أموالنا، وهذا في السفاهة الصغرى وهي ضعف التدبير والإدراك فكيف بالسفاهة الكبرى التي هي الإعراض عن ملة إبراهيم والتزام ملة الطواغيت.. فنخرجها إلى أهلها مباشرة.. وننظر بعين الريبة والحذر وعدم الثقة إلى كل ما يأتي منهم أو يصدر عنهم، ومن تمام براءتنا منهم وكفرنا بباطلهم أن لا نوليهم شيئا من أمر ديننا .. ولذا فنحن لا نتابعهم ولا نقتدي بأوليائهم في جمعة أو جماعة أو عيد أو غير ذلك بل نعتزلهم في ذلك كله، ونسعى جاهدين إلى جهادهم وهدم شركهم ومنازعتهم في أمرهم كله ليهدم الطاغوت ويعبد الله وحده.. هذه طريقتنا وهذا سبيلنا، إليه ندعوا ومن أجله نقاتل ونجاهد حتى يأتي أمر الله.. وهو جريمتنا التي من أجلها رمانا الناس بقوس العداوة ولمزونا وعادونا فيها.. فنعمة الجريمة هي إن كانت جريمة، ونحن متشبثون بها مهما سماها الناس؛ لأن أعيننا ورب الكعبة لا تقر إلا بها، ونفوسنا لا تهنأ ولا تسعد إلا بلزومها، ونجأر إلى مولانا بالليل والنهار ونسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن لا يميتنا إلا عليها.. * أما الوقفة الثالثة: فبعد أن عرفت مراد السلف من ذكر إذن السلطان في بعض الفرائض، وتميّزهم عن أهل الأهواء بالصلاة والحج والجهاد خلف الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً.. وذلك لأن أئمة الصلاة كانوا في الغالب ولاة أو أمراء أو نواباً من طرف الولاة.. ولذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (260/28) وهو يتكلم عن الولايات: ( وقد كانت السنة أن الذي يصلي بالمسلمين الجمعة والجماعة ويخطب بهم: هم أمراء الحرب، الذين هم نواب ذي السلطان على الأجناد، ولهذا لما قدّم النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر في الصلاة، قدمه المسلمون في إمارة الحرب وغيرها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميراً على حرب، كان هو الذي يؤمره للصلاة بأصحابه، وكذلك إذا استعمل رجلاً نائباً على مدينة، كما استعمل عتاب بن أسيد على مكة، وعثمان بن أبي العاص على الطائف، وعلياً ومعاذاً وأبا موسى على اليمن، وعمرو بن حزم على نجران: كان نائبه هو الذي يصلي بهم، ويقيم فيهم الحدود وغيرها مما يفعله أمير الحرب، وكذلك خلفاؤه بعده، ومن بعدهم من الملوك الأمويين وبعض العباسيين، وذلك لأن أهم أمر الدين الصلاة والجهاد...) أهـ. فمن أجل هذا كان تارك الصلاة خلفهم يعد طاعناً في ولايتهم غامزاً في بيعتهم متهماً بمنازعة الأمر أهله.. وهذه هي الفتنة التي كان كثير من السلف يحاذر منها ويتقيها بعدم تركه الصلاة خلف أئمة زمانه وإن كانوا فسقة أو فجاراً.. لأن مثل ذلك لا يحل ( إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان )( ) وقد بلغ الأمر بالخلفاء والسلاطين لحساسية هذا الأمر أن يحلفوا الناس أصلوا خلفهم أم لا حين يشكون في أمرهم ! ففي سير أعلام النبلاء (5/162): ( قال سعيد بن عبد العزيز كانوا يؤخرون الصلاة زمن الوليد، ويستحلفون الناس أنهم ما صلوا ، فأتى عبد الله بن أبي زكريا فاستُحلِف ما صلى؛ فحلف، وأتى مكحول فقال: فلم جئنا إذا ! قال فترك . ) اهـ. وفي هذا الأثر إشارة إلى أنه حتى حين كان يؤخّر أمراء الجور الصلوات؛ فلم يكن من هدي السلف ترك الصلاة خلفهم بالكلية حذرا من هذه المفسدة؛ بل كانوا يصلّون الصلاة لوقتها، ثم يصلون مع الأمراء ونوابهم نافلة، حتى لا يظن بهم الخروج عن الطاعة وشق جماعة المسلمين ومنازعة الأمر أهله .. ونصوصهم على مثل هذا معروفة .. بل هذا منهم عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كما في حديث: ( سيكون بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ثم اجعلوا صلاتكم معهم نافلة ) روى ابن أبي شيبة في مصنفه (1/475) عن الزبرقان قال قلت لشقيق أن الحجاج يخيب الجمعة . قال: تكتم ؟ قال قلت: نعم . قال: صلها في بيتك لوقتها ولا تدع الجماعة.( ) يقول شيخ الإسلام: ( إن الذي مضت به السنة أن الصلاة يصليها بالمسلمين الأمراء وولاة الحرب. فوالي الجهاد: كان هو أمير الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وما بعد ذلك إلى أثناء دولة بني العباس. والخليفة هو الذي يصلي بالناس الصلوات الخمس والجمعة، لا يعرف المسلمون غير ذلك وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما سيكون بعده من تغيّر الأمراء، حتى قال: "سيكون من بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة"...) (582/22) ويقول ابن القيم في الباب العاشر من كتابه إغاثة اللهفان: ( في علامات مرض القلب وصحته): " قال عمرو بن ميمون الأودي: ( صحبت معاذاً بـاليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بـالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس؛ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فسمعته يقول: عليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ثم سمعته يوماً من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فصلوا الصلاة لميقاتها، فهي الفريضة وصلوا معهم، فإنها لكم نافلة، قال: قلت: يا أصحاب محمد! ما أدري ما تحدثونا، قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صلِّ الصلاة وحدك، وهي الفريضة، وصلِّ مع الجماعة، وهي نافلة؟! قال: يا عمرو بن ميمون، قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية، تدري ما الجماعة؟ قلت: لا، قال: إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة! الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك )، وفي طريق أخرى: ( فضرب على فخذي وقال: ويحك، إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله عز وجل )، قال نعيم بن حماد: ( يعني إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك، فإنك أنت الجماعة حينئذ ) اهـ. فتأمل إلى فقه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف لا يفارقون جماعة المسلمين ولو كانت المسألة التي خالفوا الجماعة فيها هم الجماعة فيها، والحق معهم، فيؤدون الحق ويعملون ما يجنب الجماعة شق الصف ويدرأ عنها المفاسد والفتن .. ويتأكد ذلك وتكون مظنة الفتنة فيه أعظم حين يكون تارك الصلاة خلف الأمراء من الرؤوس أو العلماء و الأئمة أو الدعاة المشهورين أو نحوهم ممن يشار إليهم بالبنان.. وكذلك الأمر بل هو أشد؛ إن أضاف تارك الصلاة خلفهم، أن انحاز عنهم وأقام جمعة وخطبة بلا إذنهم .. * فعلم أن مثل ذلك إنما يفعل مع الولاة أو من كان لهم شوكة وكان في ترك الصلاة خلفهم ضرراً وفتنة.. أما إن كان الإمام، كموظفي زماننا مثلاً، وحيث تتعدد الجمعة والجماعة فالحال مختلفة.. ولذا جاء في مسائل (عبد الملك الميموني) للإمام أحمد أنه قال: ( إذا كان الإمام من أئمة الأحياء يسكر هذا لا تقبل صلاته أربعين يوماً، كيف أصلي خلف هذا؟ لي أن أختار، ليس هو والي المسلمين، والصلاة خلف الولاة لا بد، والصلاة خلف أئمة الأحياء لنا أن نختار)أهـ( ) قلت: وهذا في إظهار السكر؛ فكيف في إظهار الكفر، أو إظهار نصرته وتولي أربابه ؟ كالدخول في دين الطواغيت ونصرتهم وإظهار توليهم من غير إكراه حقيقي .. وتأمل قوله ( والصلاة خلف الولاة لا بد، والصلاة خلف أئمة الأحياء لنا أن نختار ) ولذلك قال لما سأله رجلٌ: ( رأيتُ رجلاً سكران أُصلي خلفه ؟ قال: لا، قال: فأُصلي وحدي ؟ قال: أين أنتَ ؟ في البادية ؟ المساجدُ كثيرة، قال: أنا في حانوتي، قال: تخطَّاه إلى غيره من المساجد ) ( ) . وتقدم أيضا تفريق سفيان الثوري في الصلاة خلف كل بر وفاجر لما سأله شعيب: الصلاة كلها ؟ قال: لا، ولكن الجمعة والعيدين صل خلف من أدركت، وأما سائر ذلك فأنت مخير لا تصل إلا خلف من تثق به وتعلم أنه من أهل السنة والجماعة ). إذا تبين لك هذا وفهمته.. عرفت أن ما يفعله بعض الناس أو الجماعات، من الصلاة خلف أئمة مساجد هذا الزمان من غير إكراه أو خوف ضرر أو فتنة، ثم الإعادة.. ليس عليه أثارة من علم، وأن الاستدلال له بالأحاديث المذكورة آنفاً المرفوعة منها والموقوفة لا يصح؛ لأن الفوارق بين الحالتين كثيرة بينة.. - ومن أهم تلك الفوارق المعتبرة أن السلف كانوا يصلون الجمعة ونحوها خلف ولاة الأمور في أغلب الأحوال، ولذلك كان في ترك الصلاة خلفهم نوع منازعة مذمومة وفتنة غير محمودة وذلك لأنهم ولاة أمور ومسلمين أو نواب رتبهم ولاة الأمور المسلمين.. ولذلك كان بعض السلف إذا أمن هذه الفتنة صلى قبل من يؤخر الصلاة من الولاة ولا ينتظره .. كما في سنن البيهقي(3/123) (باب الإمام يؤخر الصلاة والقوم لا يخشونه) 5096 - ....عن القاسم بن عبد الرحمن أن أباه أخبره: ( أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة بالكوفة وأنا جالس مع أبي في المسجد فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة فصلى بالناس فأرسل إليه الوليد ما حملك على ما صنعت أجاءك من أمير المؤمنين أمر فسمع وطاعة، أم ابتدعت الذي صنعت ؟ قال: لم يأتنا من أمير المؤمنين أمر ومعاذ الله أن أكون ابتدعت؛ أبى الله علينا ورسوله أن ننتظرك في صلاتنا ونتبع حاجتك ) فالعلة المعتبرة التي يمكن أن يلحق بها ما يفعله هؤلاء المتأخرين بفعل السلف هي.. - إما مخافة إثارة فتنة الاختلاف على الأمراء المسلمين ومنازعتهم ولايتهم وقد نهينا عن مثله إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا من الله فيه برهان.. فإذا تقرر أن حكام الزمان الجبريين كفرة مشرعون قد أظهروا ألواناً مختلفة من الكفر البواح، فتلك العلة في حقهم منتفية ساقطة، لأن منازعتهم والطعن في ولايتهم عند ذلك محمودة ممدوحة وليس بمذمومة، والفتنة كل الفتنة بالسكوت عن شركهم وكفرهم.. فضلا عن توليهم وإضفاء الصبغة الشرعية الدينية على ولايتهم الكفرية .. - أو أن يقال أن العلة المعتبرة ها هنا هي خوف الأذى والضرر على تارك الصلاة خلفهم، وهذه أيضاً علة في الغالب منتفية للفارق بين الحالين.. إذ قلما كانت الصلاة في الجمعة ونحوها تتعدد عندهم( ) فلم يكن للمرء في زمانهم مجالاً للاختيار.. أما اليوم فمجال الاختيار واسع، فلا ضرر أو أذى غالبا على تارك الصلاة خلف أولياء الطاغوت.. وله أن يختار الصلاة خلف غيرهم .. ومن هذا تفهم كثيراً من عبارات الأئمة التي تدور حول هذا المعنى، ومرادهم حين يقولون على سبيل المثال: ( الإمام الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه) أو قولهم: (إذا لم يوجد إمام غيره) أو قولهم: (لا تصح الصلاة خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل، وهو إحدى الروايتين عن مالك وأحمد)( ). وكذا قولهم: ( وأما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر، فهذا أولى من فعلها خلف الفاجر، وحينئذ، فإذا صلى خلف الفاجر من غير عذر( )، فهو موضع اجتهاد العلماء: منهم من قال: يعيد، ومنهم من قال: لا يعيد. وموضع بسط ذلك في كتب الفروع). ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (ولو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو فاسق ظاهر الفسق وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة ونحو ذلك. فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف وهو مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم، ولهذا قالوا في العقائد: إنه يصلي الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلي خلفه الجماعات، فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده( ) وإن كان الإمام فاسقاً) (23/353) ويقول: ( وأما الصلاة خلف المبتدع فهذه المسألة فيها نزاع وتفصيل، فإذا لم تجد إماماً غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان واحد، وكالعيدين وكصلوات الحج، خلف إمام الموسم( ) فهذه تفعل خلف كل بر وفاجر باتفاق أهل السنة والجماعة. وإنما يدع مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهل البدع كالرافضة ونحوهم، ممن لا يرى الجمعة والجماعة، إذا لم يكن في القرية إلا مسجد واحد؛ فصلاته في الجماعة خلف الفاجر خير من صلاته في بيته منفرداً؛ لئلا يفضي إلى ترك الجماعة مطلقاً. وأما إذا أمكنه أن يصلي خلف غير المبتدع فهو أحسن وأفضل بلا ريب لكن إن صلى خلفه ففي صلاته نزاع بين العلماء...) (23/355). ومثل ذلك ما تقدم عن الإمام مالك وأحمد رحمهما الله تعالى في إحدى الروايتين من أنه ( لا تصح الصلاة خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل)( ) وكذا قول شيخ الإسلام فيمن قتل مسلماً متعمداً بغير حق (23/362): ( ينبغي أن يعزل عن الإمامة، ولا يصلى خلفه إلا لضرورة، مثل أن لا يكون هناك إمام غيره..)أهـ. وقد قال ابن خُوَيْز مَنْدَاد وهو يتكلم عن ولاة زمانه بعد أن بين أنه لا تجوز طاعتهم ولا معاونتهم ولا تعظيمهم لجورهم وفجورهم وإن وجب الغزو معهم لأنهم ليسوا بكفار قال: ( وإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يُخافوا فيصلى معهم تقيّة وتعاد الصلاة) أهـ( ) وقد تقدم تفريقنا بين من كانت بدعته مكفرة فنقول في الصلاة خلفه ما قاله الشيخ، ومن كانت بدعته غير مكفرة فالصلاة خلفه كالصلاة خلف الفاسق .. وتقدم ما جاء في المدونة ( 1/84 ) عن الإمام مالك أنه سئل عن الصلاة خلف الإمام القدري؛ فقال للسائل: ( إن استفتيت فلا تصل خلفه، فقال السائل ولا الجمعة ؟ قال: ولا الجمعة، وأرى إن كنت تتقيه وتخافه على نفسك أن تصلي معه وتعيدها ظهراً )اهـ. عوداً على بدء نقول أن هذا كله يظهر لك خطأ ما يفعله بعض الناس من الصلاة خلف أولياء الطواغيت أو غيرهم من أئمة الأحياء ونحوهم من غير ضرر أو أذى أو فتنة ثم يعيدون، وأن هذا العمل ليس عليه أثارة من علم.. إذ لو قال فاعله أنهم فجار وزعم أن لا مجال للصلاة خلف غيرهم، فلا معنى للإعادة هنا لأن الصلاة خلفهم عندئذ صحيحة، بل قد نص شيخ الإسلام أن إعادتها في مثل هذه الحالة من فعل أهل البدع..( ) وإن قال: هم عندي كفار ولذلك أعيد الصلاة؛ قلنا: ومن ذا الذي أجبرك على الصلاة خلفهم ابتداء حتى تضطر للإعادة، فلا هم أمراء ولا ولاة ولا ذووا شوكة يخشى منهم، والجمع والجماعات متعددة، والصلاة خلف غيرهم من أهل التقوى والصلاح ممكنة ومتيسرة.. وخلاصة هذه الوقفة أن يقال: * إن كان الإمام مسلماً فاجراً أو فاسقا، وهو الإمام الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه كأن يكون من ولاة الأمور أو نوابهم أو لا تعدد في الجمعة فلا سبيل للإختيار، صلى خلفه ولا يعيد.. وفي مثل هذا النوع تتنزل كثير من الأحاديث والآثار.. كقوله صلى الله عليه وسلم: (يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم)( ) ولأجله أفتى عثمان بن عفان رضي الله عنه من استفتاه وهو محصور بالصلاة خلف إمام الفتنة الذي تصدّر لإمامة الجماعة التي لم يكن يقام غيرها في زمنه( ) وقال: (الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساؤوا فاجتنب إساءتهم). وفي مثل هذا يتنزل قول كثير من أهل العلم.. ( أنه لا يترك الجمعة والجماعة، لأجل فسوق الإمام أو فجوره إلا أهل البدع كالخوارج والرافضة ونحوهم...) * وحالة أخرى، أن يكون الإمام كصفة الذي تقدم إلا أنه يؤخر الصلاة عن مواقيتها، فها هنا لا يمكن الصلاة خلف غيره لأن الجمعة واحدة لا تتعدد مثلا، ولأن الإمام فيها وليّ الأمر أو الوالي أو المقصود أنه ذو شوكة وفي ترك الصلاة خلفه فتنة كما تقدم.. ففي هذه الحالة يصلي المرء الصلاة لوقتها، ثم يصلي معهم نافلة، وقد تقدم الحديث فيه.. * أما إذا كان الحاكم أو الوالي كافراً أو بدعة الإمام مكفرة، فلا تحل الصلاة خلفه، لما تقدم، والمصلي خلفه وهو يعلم أنه كافر ليس بمصل بل لاعب، فلا هو صلى كما أُمر؛ (وليأمكم أحدكم) ولا كما كان النبي يصلي (صلو كما رأيتموني أصلي)، فالصلاة خلف الكافر ليست من أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا من فعله وطريقته؛ ولذا فهي محدثة مردودة وبدعة ضلالة، ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) لذا فالحق أن لا يصلى خلف الكافر أو صاحب البدعة المكفرة سواء أتعددت الجمعة أم لم تتعدد، وإنما يصلي خلفه إن كان ذا شوكة، من خشي الضرر والأذى على نفسه ثم يعيد، أو يصلي بنيّة المنفرد فيوافقه في الركوع والسجود دون أن يأتم به وهذه الموافقة مع نية المفارقة؛ لا تضر الصلاة ان شاء الله كما ذكر ابن قدامة في المغني (2/15) مع الشرح الكبير. وقد قدمنا لك الأدلة على عدم صحة الصلاة خلف الكافر ووجوب إعادتها من كلام الله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.. وهذه هي الأدلة التي يرفع بها الرأس، وهذه هي الحجة ولا حجة في سواها. ولكن لا بأس أن نورد لك آثاراً وأخباراً عن بعض الأئمة والعلماء في مثله، على سبيل الاستئناس لكي لا يستوحش طالب الحق في هذه الغربة المظلمة حين يرى نفسه وحيداً ومن يوافقه على مثل هذا قليلا.. فيقول أين ذهب الناس ولماذا أنا وحدي ؟ وربما قال له الشيطان: إن لك بهم أسوة، ولو كان خيراً لوافقوك عليه ولسبقوك إليه.. فليستحضر قبل كل شيء معية الدليل وقوة الحق لتظهر له هزالة الباطل وتناقضاته وظلماته.. ثم ليتذكر من سبقه على هذا الدرب من أولئك الركب الكرام؛ الأنبياء وأتباعهم والأئمة وأشياعهم من العلماء.. فليثبت ولا يلتفت لمخالف أو مخذل حتى يأتي أمر الله فعند الصباح يحمد القوم السرى.. * قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ( إنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ، وَإِلَّا فَتَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى ) اهـ. * وجاء في كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ص (130/1): وحدثني أحمد بن إبراهيم أخبرني يحيى بن معين: [ أنه يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر عبد الله بن هارون (المأمون) ما أظهر يعني القرآن مخلوق ]. * وفيه (1/103) قال الإمام أحمد: ( من قال ذلك القول؛ لا يصلى خلفه الجمعة ولا غيرها إلا إنا لا ندع اتيانها، فإن صلى رجل أعاد الصلاة يعني خلف من قال؛ القرآن مخلوق ) . * وفيه أيضا ( رقم 817) قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: ( لا يصلى خلف القدرية والمعتزلة والجهمية ). * فيه (1/103) قال عبد الله سألت أبي عن الصلاة خلف أهل البدع ؟ قال: (لا يصلى خلفهم مثل الجهمية والمعتزلة ). * وفيه (1/105) عن سلام بن أبي مطيع قال: ( الجهمية كفار لا يصلى خلفهم ). * (وفيه رقم 818) وقال سألت أبي مرة أخرى عن الصلاة خلف القدرية ؟ فقال: ( إن كان ممن يخاصم فيه ويدعو إليه فلا يصلى خلفه ) وهذا تفريق منه بين الداعية وغيره . * وفي كتاب السنة أيضا رقم (823) عن معاذ بن معاذ أنه قال: ( صليت خلف رجل من بني سعد، ثم بلغني أنه قدري، فأعدت الصلاة بعد أربعين سنة أو ثلاثين سنة) . * وفيه ( 1/113) أن عبد الله بن إدريس سئل عن الجهمية هل يصلى خلفهم ؟ فقال: أمسلمون هؤلاء ؟ لا، ولا كرامة لا يصلى خلفهم . * وفي السنة أيضاً (1/115 ) عن وكيع بن الجراح أنه قال في الجهمية: ( لا يصلى خلفهم ). * وفيه أيضاً (1/130 ) عن يحيى بن معين أنه كان يعيد صلاة الجمعة مذ أظهر المأمون ما أظهر؛ يعني القرآن مخلوق ) * وروى اللالكائي عن واثلة بن السقع أنه سئل عن الصلاة خلف القدري ؟ فقال: ( لا يصلى خلفه، أما لو صليتُ خلفه لأعدت) . شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (2/731 ) . * وقال البربهاري: ( والصلوات الخمس جائزة خلف من صليت إلا أن يكون جهمياً، فإنه معطل، وإن صليت خلفه فأعد صلاتك ) . * وقال أيضاً: ( وإن كان إمامك يوم الجمعة جهمياً، وهو سلطان، فصل خلفه، وأعد صلاتك ) شرح السنة: (ص 49) * وقال أبو يوسف القاضي: ( لا أصلي خلف جهمي، ولا رافضي، ولا قدري .) شرح أصول السنة (2/733 ) . * وجاء في المدونة الكبرى ( 1/84 ) أن الإمام مالك سئل عن الصلاة خلف الإمام القدري؛ فقال للسائل: ( إن استفتيت فلا تصل خلفه، فقال السائل ولا الجمعة ؟ قال: ولا الجمعة، وأرى إن كنت تتقيه وتخافه على نفسك أن تصلي معه وتعيدها ظهراً ). * وعن أبي ثور سئل عن القدرية فقال: ( القدرية من قال إن الله لم يخلق أفاعيل العباد، وأن المعاصي لم يقدرها على العباد ولم يخلقها، فهؤلاء قدرية، لا يصلى خلفهم، ولا يعاد مريضهم، ولا تشهد جنائزهم، ويستتابون من هذه المقالة، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم ) . شرح أصول السنة (2/720 ) * وروى ابن أبي يعلى أن الإمام أحمد سئل عن الصلاة خلف المبتدعة فقال: ( أما الجهمية فلا، وأما الرافضة الذين يردون الحديث فلا ) طبقات الحنابلة (1/168 ) . * وجاء في سير أعلام النبلاء ص (263 -264/11) قال حنبل: [ لم يزل أبو عبد الله بعد أن برىء من الضرب يحضر الجمعة والجماعة، ويحدث ويفتي، حتى مات المعتصم، وولي ابنه الواثق فأظهر ما أظهر من المحنة والميل إلى أحمد بن أبي دُوَاد وأصحابه، فلما اشتد الأمر على أهل بغداد، وأظهرت القضاة المحنة بخلق القرآن، وفُرِّق بين فضل الأنماطي وبين امرأته، وبين أبي صالح وبين امرأته، كان أبو عبد الله يشهد الجمعة، ويعيد الصلاة إذا رجع، ويقول تؤتى الجمعة لفضلها، والصلاة تعاد خلف من قال بهذه المقالة.]( ) وقال الإمام أبو بكر الآجري في الشريعة: حدثنا أبو بكر محمد بن هارون العسكري الفقيه، قال حدثنا محمد بن يوسف بن الطباع قال سمعت رجلاً سأل أحمد بن حنبل فقال: "يا أبا عبد الله؛ أصلي خلف من يشرب المسكر؟ فقال: لا. قال: فأصلي خلف من يقول القرآن مخلوق؟ فقال: سبحان الله أنهاك عن مسلم وتسألني عن كافر؟)) أهـ وفي هذا بيان أن مذهب الامام أحمد يفرق كما تقدم بين الصلاة خلف الفاسق والصلاة خلف الكافر، وأن نهيه المعروف عن الأول لا يقتضي بطلان الصلاة على الصحيح كما تقدم، بخلاف نهيه عن الثاني . * وجاء في خلق أفعال العباد للإمام محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: - قال علي بن عبد الله المديني: [ القرآن كلام الله، من قال إنه مخلوق فهو كافر لا يصلى خلفه] ص18 رقم32. - وفيه عن سليمان بن داود الهاشمي وسهل بن مزاحم قالا: [ من صلى خلف من يقول "القرآن مخلوق" أعاد الصلاة ] ص21 رقم49. - وفيه أيضاً عنه – أي أبي عبد الله البخاري قال: [ ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلّم عليهم ولا يعادون( ) ولا يناكحون ولا يشهدون ولا تؤكل ذبائحهم ] ص22 رقم53. - وفيه: [ سئل عبد الله بن أدريس عن الصلاة خلف أهل البدع فقال: لم يزل في الناس إذا كان منهم مرْض أو عدل فصل خلفه. قلت: فالجهمية؟ قال: لا، هذه من المقاتِل، هؤلاء لا يصلى خلفهم، ولا يناكحون وعليهم التوبة] ص28 رقم78. وتأمل تفريقه بينه بدعة الجهمية المكفرة وغيرها . * وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة أيضا (1/123): حدثني إسحاق بن بهلول قال قلت ليزيد بن هارون: [ أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا. قلت: أصلي خلف المرجئة؟ قال: إنهم لخبثاء] ( ). - وقال أيضا فيه (1/129) حدثني إسحاق بن البهلول قال: قلت لأنس بن عياض أبي ضمرة: أصلي خلف الجهمية؟ قال: لا "وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ". - وفيه أيضا (1/113) عن عبد الله بن إدريس رحمه الله تعالى أنه سئل عن ما تقول في الجهمية؛ يصلى خلفهم ؟ فقال للسائل: أمسلمون هؤلاء؟ لا، ولا كرامة، ولا يصلى خلفهم. - وفيه أيضا (1/118) عن معتمر بن سليمان أنه سئل عن إمام لقوم يقول القرآن مخلوق. أصلي خلفه؟ فقال: ينبغي أن تضرب عنقه( ). - وفيه (1/164) قال: حدثني ابن شبويه سمعت أبي يقول من قال شيء من الله عز وجل مخلوق، علمه أو كلامه، فهو زنديق كافر لا يصلى عليه ولا يصلى خلفه، ويجعل ماله كمال المرتد، ويذهب في مال المرتد مذهب أهل المدينة أنه في بيت المال. - وفيه (1/130) قال حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: لو أن خمسين يؤمون الناس يوم الجمعة لا يقولون القرآن مخلوق، يأمر بعضهم بعضاً بالإمامة إلا أن الرأس الذي يأمرهم يقول هذا. رأيت الإعادة لأن الجمعة إنما تثبت بالرأس.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:17 pm | |
| من دان بالديمقراطية لا يصلى خلفه ومن صلى خلفه لخوف أو درءا لفتنة فعليه الإعادة وعلى هذا فكل من اتبع دينا غير دين الله أو دان بمنهج غير شرع الله كالديمقراطية ونحوها من المذاهب العلمانية الكفرية أو كان داعية إليها .. فلا يجوز لمؤمن يعرف التوحيد أن يأتمّ به أو يصلي وراءه؛ لأنه إما أن يكون كافراً خارجاً عن ملة الإسلام.. والمصلي خلف الكافر ليس بمصل بل لاعب.. أو أن يكون مقارفاً لبدعة مكفرة يمكن أن يقوم مانع من موانع التكفير في حقه... فنحن نعامل صاحب البدعة المكفرة الذي لا نجزم بتكفيره على التعيين؛ بما كان يعامل به سادات علمائنا من قبل الجهمية وأضرابهم.. فقد علمت أن الإمام أحمد ومن ذهب مذهبه كانوا يكفرون الجهمية لكن عند كلامهم على الأعيان يرون فيهم التفصيل؛ ومع ذلك كانوا لا يصلون وراءهم ويأمرون من صلى خلفهم بالإعادة.. فكذلك كل من قارف بدعة مكفرة.. مع أن بدعة الجهمية جنح إليها أربابها بدعوى التنزيه؛ أما أرباب الديمقراطية وأتباع الشرعية الدستورية والدولية؛ فأكثرهم يجنح إليها لأنه يراها خيرا من أحكام الإسلام التي لا تناسب العصر زعموا؛ كبرت كلمة تخرج من أفواههم. وطائفة من المنتسبين للدعوة لا تقول بهذا ولكنها تلبيس على الناس فتخلط الديمقراطية بالشورى؛ وترفع يافطات تغر بها الناس كتب عليها ( الإسلام هو الحل ) فتنادى بتحكيم شرع الله وإقامة حكم الله من خلال الديمقراطية ونحوها من الوسائل الشركية، فتحتكم للقوانين الوضعية وتقسم على احترام الدساتير الأرضية وتتعهد بالولاء لأربابها، فهؤلاء أيضا لا يصلى خلفهم لأنهم تلطخوا ببدعة مكفرة . ومتابعة بعض الناس لهم على اللعبة الديمقراطية سواء كانوا من المنتخبين لهم أو غيرهم من المؤيدين لأجل ذلك، أي: طمعاً في تحكيم شرع الله ورغبة في استئناف حكم إسلامي؛ دون علم بماهية وحقيقة الآلية الشركية التي ينتهجها القوم؛ يقوم دون الحكم عليهم بالكفر لمانع الخطأ ( انتفاء القصد ) ( ) والجهل .. وهذا يعني استثناؤهم من الحكم أعلاه .. المختار بن أبي عبيد الكذاب وشبهة صلاة بعض الصحابة والتابعين خلفه وقبل أن أنتقل إلى مبحث جديد؛ أتوقف قليلا هنا لأرد على شبهة سمعتها من بعض مرجئة العصر يستدلون بها على جواز الصلاة خلف الطواغيت وأوليائهم ونوابهم.. مفادها أن الصحابة كانوا يصلون خلف المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب وهو قد ادعى النبوة وكفره العلماء، فيجيزون باستدلالهم الفاسد هذا الصلاة خلف الكفرة والمرتدين.. فيقال: بادىء ذي بدء لا بد من التعريف بالمختار هذا وبيان أمره وحاله ومآله، فأقول باختصار: - هو المختار بن أبي عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير الثقفي. - أسلم أبوه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فلهذا لم يذكره أكثر العلماء في الصحابة ولكنه معدود في قادة المسلمين الشجعان الأفاضل؛ بعثه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جيش كثيف لقتال الفرس بالعراق سنة ثلاث عشرة فقتل يومئذ شهيداً، تصدى لقتل فيل عظيم من فيلة الفرس وقطع ذلومه فحميَ الفيل وهاج ووقف فوق أبي عبيد وتخبطه برجليه فقتله، وقتل معه يومئذ خلق من المسلمين على جسر فوق دجلة، فعرف ذلك اليوم بوقعة جسر أبي عبيد.. [أنظر البداية والنهاية (7/27) (8/289)]. - وأخت المختار هي صفية بنت أبي عبيد، من الثقات واختلف في إدراكها للنبي صلى الله عليه وسلم [التهذيب 12/431] وقد كانت زوجة للصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما [السير 3/544] [البداية والنهاية 290/8] - وزوجة المختار هي عمرة بنت الصحابي النعمان بن بشير رضي الله عنه وكذا أم ثابت بنت سمرة بن جندب الصحابي أيضاً..( ) - فهذا وما يأتي يدل دلالة ظاهرة أنه لم يكن مجاهراً بالكفر والكذب من أول يوم، بل كان ظاهره في مبدأ أمره أنه رجل من التابعين، وصهر لعبد الله بن عمر، وبعلٌ لامرأتين من بنات الصحابة وأبوه من أفاضل قادة المسلمين ورجالاتهم، وقد نشأ المختار في المدينة وكان متلوناً متقلب الأوضاع يتتبع الرياسة والإمارة فتارة كان ناصبياً يبغض علياً حتى إنه أشار على عمه بتسليم الحسن بن علي إلى معاوية لما خذله أهل العراق وفر إلى المدائن وكان عمه نائباً عليها – طمعاً في القرب من معاوية - فلم يفعل عمه وأنكر عليه، وأبغضته الشيعة، ثم سار إلى البصرة يظهر فيها ذكر الحسين حتى كان من أمر مسلم بن عقيل بن أبي طالب وكان المختار قد صار من الأمراء في الكوفة فجعل يتكلم في نصرته حتى حبسه عبيد الله بن زياد( ) فشفع في إخراجه من السجن عبد الله بن عمر الصحابي لمكان اخته منه( ) ولما عاذ ابن الزبير بالبيت خرج المختار إليه وقاتل معه قتالاً شديداً لما حاصره أهل الشام( ) ثم عرف بالميل إلى بني هاشم وجعل يتقرب من محمد بن الحنفية وأظهر التشيع فلما بلغه موت يزيد بن معاوية واضطراب أهل العراق خرج إلى الكوفة واستغوى الشيعة فيها ونادى بنصرة الحسين والأخذ بثاراته، وادعى مراسلة محمد بن الحنفية والدعوة إلى إمامته ولقبه بالمهدي وحشد الشيعة ووعدهم بالأخذ بثارات الحسين وأهل بيته فتغلب على الكوفة، وكانت وقتها تحت ولاية ابن الزبير فعزل عامله ابن مطيع وكتب إلى ابن الزبير يعتذر إليه ويسترضيه ويدعي أن ابن مطيع كان مداهنا لبني أمية وقد خرج من الكوفة وأنا ومن بها في طاعتك، فصدّقه ابن الزبير لأنه كان يدعو إليه على المنبر يوم الجمعة على رؤوس الناس ويظهر طاعته( ) - فإن صلى خلفه من صلى من الصحابة أو التابعين في هذه الفترة فلا غرابة خصوصاً وهو أمير، وقد عرفت طريقة السلف مع الأمراء في هذا ولو كانوا فجاراً.. وخصوصا وهو يظهر ولايته لابن الزبير ويدعو له على منبره .. ثم رأى كثرة الشيعة والأتباع من حوله فطمع وصعد المنبر وخطب الناس خطبة بليغة دعاهم فيها إلى بيعته وقال: فوالذي جعل السماء سقفاً مكفوفاً والأرض فجاجاً سبلا ما بايعتم بعد بيعة علي أهدى منها، ثم نزل فدخل الناس المسجد يبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله والطلب بثأر أهل البيت( ). وشرع يتحبب إلى الناس بحسن السيرة ووجد في بيت المال تسعة آلاف ألف فأعطى الجيش نفقات كثيرة وبعث الأمراء إلى النواحي والبلدان من أرض العراق وخراسان وعقد الألوية والرايات وجعل يجلس للناس غدوة وعشية يحكم بينهم فلما طال ذلك عليه استقضى شريحاً القاضي مدة( ).. وأظهر شرائع الإسلام ونصب الأئمة والقضاة من أصحاب ابن مسعود وكان هو الذي يصلي بالناس الجمعة والجماعة( ) وبنى المساجد( ) وكان يراسل محمد بن الحنفية ويظهر للشيعة أنه لا ينفذ شيئاَ إلا عن أمره.. ثم جعل يتتبع قتلة الحسين من شريف ووضيع فيقتله.. فقتل خلقاً كثيراً ممن شهد مقتل الحسين وظفر برؤوس كبار منهم كعمر بن سعد بن أبي وقاص أمير جيش زياد الذي أنفذه لقتال الحسين، وعمرو بن ذي الجوشن أمير الألف أو السرية التي وليت قتل الحسين( ) وبعث سيف نقمته إبراهيم بن الأشتر على عشرين ألفاً فلقوا عبيد الله بن زياد فهزموهم وقتلوا عبيد الله بن زياد نفسه، وبعث المختار برأسه إلى عبد الله بن الزبير بمكة، إذ كان يصانعه ويرسل له بالطاعة وربما أظهر مسبّته أمام الشيعة .. إلى أن طمع بأخذ المدينة من ابن الزبير ليستنقذ بزعمه محمد بن الحنفية وأصحابه فبدأت العداوة بينه وبين ابن الزبير.. وطابت نفسه بالملك وظن أنه لم يبق له عدو ولا منازع فبغى وطغى.. وأخرج لجيشه كرسياً ليستنصروا به زعم أن عليا كان يجلس عليه شبهه بتابوت بني إسرائيل( ) ثم زعم أن جبريل يأتيه وأنه يعلم الغيب( ) فلما تبين لابن الزبير خداعه ومكره وسوء مذهبه( ) واشتدت العداوة بينهما بعث أخاه مصعب إلى البصرة وأمره عليها، فكان كل من فرّ من المختار لقلة دينه ودعواه النبوة والوحي يقدم على البصرة وينضم لمصعب( ) فجهز مصعب جيشاً وخرج إلى لقاء المختار بالكوفة فهزمه وقتل المختار وخلقاً كثيراً من جيشه ودخل مصعب قصر إمارة المختار وأتي برأس المختار فوضع بين يديه كما وضع رأس ابن زياد بين يدي المختار، وكما وضع رأس الحسين بين يدي ابن زياد، وكما سيوضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان( ) وزالت دولة المختار كأن لم تكن وفرح المسلمون بذلك.. وقد ذكر ابن كثير حديث الإمام أحمد ومسلم أن في ثقيف كذاباَ ومبيراً.. وقال (8/292): (وقد ذكر العلماء أن الكذاب هو المختار بن أبي عبيد وكان يظهر التشيع ويبطن الكهانة، وأسر إلى أخصائه أنه يوحى إليه، ولكن لا أدري هل كان يدعي النبوة أم لا – وذكر كرسيه الذي ضاهى به تابوت بني إسرائيل- ثم قال: ولا شك أنه كان ضالاً مضلاً أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من قوم آخرين من الظالمين كما قال تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) وأما المبير؛ فهو القتال وهو الحجاج بن يوسف الثقفي نائب العراق لعبد الملك بن مروان الذي انتزع العراق من يد مصعب بن الزبير)أهـ( ) * إذا عرفت هذا وتبين لك حال المختار هذا؛ وأنه قد تدرّج من الستر والصلاح؛ إلى النصب فالتشيع فطلب الإمارة وإظهار طاعة ابن الزبير تارة والدعوة إلى الأخذ بثارات الحسين وأهل بيته وتتبع قتلته تارة أخرى، والدعوة إلى محمد بن الحنفية ثم الخروج على ابن الزبير ثم في خاتمة المطاف لما طغى وتجبر ادعى علم الغيب وأن الوحي يأتيه.. فعلى من ينسب إلى الصحابة الصلاة خلفه، أن يحدد لنا في أي مرحلة كانت صلاتهم تلك، بالدليل، وليس بمحض التحكم العقلي.. وإذ لم يحدد التاريخ ليثبت أنهم قد صلوا خلفه حال ادعائه علم الغيب والوحي؛ فستبقى دعواهم احتمالا (والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال).. وهذا تنـزلاً مع الخصوم ومداراة لهم لبيان فساد دعواهم وضعفها، وإلا فليس في قول أو فعل من هو دون النبي صلى الله عليه وسلم حجة في دين الله، كائنا من كان القائل أو الفاعل.. وليس هذا بتنقص ولا طعن في الصحابة الكرام كما يظن كثير من الجهال.. بل هو ورب الكعبة حفظ لقدرهم وجلالتهم، وإنما المتنقص لهم في الحقيقة من يكذب عليهم وينسب إليهم أو يقوّلهم ما لا يرتضونه أو يدينون به فيزعم أن أفعالهم دليل أو حجة أو تشريع في دين الله.. ولذلك اشتد نكير ابن عباس وغضبه لما كان يحتج على بعض الناس بالأدلة فيحتجون عليه بقول أبي بكر وقول عمر وقال: ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر، وعمر ) وعلى كل حال فنحن ننزه الصحابة من أن يقتدوا في الصلاة بكافر كذاب يدعي علم الغيب فهم أجل عندنا من أن يفعلوا مثل ذلك، ومن نسب إليهم مثل ذلك فهو متنقص لهم متقول عليهم بلا دليل صحيح، ولو ثبت الدليل بأنهم صلوا خلف المختار فمن حسن الظن بهم أن يحمل ذلك على أنهم فعلوه قبل أن يظهر كذبه ويجاهر بكفره.. وكل هذا دليل على إجلالنا للصحابة واحترامنا وتقديرنا لهم مع اعتقادنا أنهم بشر ليست لهم العصمة، ويجوز عليهم الخطأ.. واعلم أن هذا الذي رجحناه هو ما كان مقرراً عند شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء فهم لم يحملوا صلاة الصحابة خلف المختار إلا على الصلاة خلف الأمراء الفجار وعلى ذلك مثلوا بها في كلامهم، من ذلك قول شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى (23/343): ( فإذا لم يمكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته، لم يجز ذلك، بل يصلي خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه كالجمع والأعياد والجماعة إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويت الجمعة والجماعة أعظم فساداً من الاقتداء فيهما بإمام فاجر لا سيما إذا كان التخلف عنهما لا يدفع فجوره. فيبقى ترك المصلحة الشرعية بدون دفع تلك المفسدة، ولهذا كان التاركون للجمعة والجماعات خلف أئمة الجور مطلقاً معدودين عند السلف، والأئمة من أهل البدع. أما إذا أمكن فعل الجمعة والجماعة خلف البر فهو أولى من فعلها خلف الفاجر)أهـ( ) فتأمل كيف يقرن المختار بالحجاج حين يذكر صلاة الصحابة خلفه، ويمثل بكليهما للأئمة الفجار أو أئمة الجور، هذا مع العلم أن الصحابة كانوا في زمن تغلب المختار وإمارته على الكوفة قلة متفرقون في الأمصار.. وتقدم قول ابن حزم في المحلى (3/129): ( ما نعلم أحداً من الصحابة رضي الله عنهم امتنع من الصلاة خلف المختار، وعبيد الله بن زياد، والحجاج؛ ولا فاسق أفسق من هؤلاء. وكل هذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وأبي سليمان) اهـ. فتأمل إلى وصفه لهم وفيهم المختار .. ومع هذا فقد اجتهدت لأسند دعوى أن الصحابة صلوا خلف المختار حال ادعائه النبوة، فما وجدت فيما وقع بين يدي من كتب شيئاً في ذلك مسنداً، نعم ذكر ابن عبد البر في التمهيد (10/285) عن الأثرم قال حدثنا عفان ثنا عبد العزيز بن مسلم ثنا أبو سنان ضرار بن مرة عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: ( تذاكرنا الجمعة ليالي المختار الكذاب، فاجتمع رأيهم على أن يأتوه فإنما كذبه عليه )أهـ. إلا أن هذا ليس عن الصحابة فعبد الله بن أبي الهذيل هو أبو المغيرة الغزي الكوفي تابعي ثقة توفي في ولاية خالد القسري.. وإذا كان فعل الصحابة ليس حجة في دين الله عند التحقيق؛ فكيف بمن هو دونهم..؟؟ أضف إلى هذا أنها قد جاءت آثار أوضح من هذا تدل على تركهم الصلاة خلف هؤلاء حين يظهر منهم الكفر .. فروى أبوداود عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ خَالِدٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَخْطُبُ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ : رَسُولُ أَحَدِكُمْ فِي حَاجَتِهِ أَكْرَمُ عَلَيْهِ أَمْ خَلِيفَتُهُ فِي أَهْلِهِ ؟ فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لِلَّهِ عَلَيَّ أَلَّا أُصَلِّيَ خَلْفَكَ صَلَاةً أَبَدًا، وَإِنْ وَجَدْتُ قَوْمًا يُجَاهِدُونَكَ لَأُجَاهِدَنَّكَ مَعَهُمْ . زَادَ إِسْحَقُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: فَقَاتَلَ فِي الْجَمَاجِمِ حَتَّى قُتِلَ . ورواته ثقات واعل بالانقطاع . وقال الحافظُ ابنُ كثيرٍ في " البداية والنهاية " (9/137): ( فإن صح هذا عنه فظاهرهُ كفرٌ إن أراد تفضيلَ منصبِ الخلافةِ على الرسالةِ، أو أراد أن الخليفةَ من بني أميةَ أفضلُ من الرسولِ ) اهـ.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:20 pm | |
| المبحث السادس في الصلاة خلف مستور الحال يقسم العلماء الناس إلى: - مجهول الحال: هو من لا يُعرف حاله، ولا تُعرف عدالته . - ومعلوم الحال: ويجعلونه ثلاثة أقسام: العدل ومستور الحال والفاسق. وقد تقدم الكلام على الصلاة خلف الفاسق وبينا لك الأدلة وكلام العلماء على جوازها وصحتها . وأما مستور الحال: ففي الاصطلاح عَرَّفه ابن الصلاح بقوله: ( وأما المستور وهو من كان ظاهرُهُ العدالة ولم تعرف عدالته الباطنة)( ). وعلى هذا التعريف فمستور الحال لا شك هو خير في أحكام الدنيا وأعلى درجة من الفاسق، وهذا يعرفك ابتداء أن الصلاة خلفه تصح وتجوز من باب أولى .. وعرّفه النووي بقوله: ( وأما المستور، وهو الذي ظاهره العدالة ولم تختبر عدالته باطنا)( ). يقول صاحب الجامع في طلب العلم الشريف: ( ومعلوم أن مدار الأحكام الدنيا على الظاهر، فلا يُحكم على أحدٍ إلا بما ظهر منه، ونكل سرائر الناس إلى الله تعالى، هذا ما دلَّ عليه الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع الأمة. فليس المقصود بالعدالة الباطنة - في الكلام السابق - الاطلاع علي سرائر الناس فهذا ليس إلا إلى الله تعالى، ولكن المقصود بها اختبار حال الشخص عن قرب عن طريق الصحبة والمعاملة وطول المعاشرة. ويدل على هذا مارواه سليمان بن حرب قال ]شهد رجلٌ عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له عمر: إنى لستُ أعرفك، ولايضرك أنى لا أعرفك فائتنى بمن يعرفك، فقال رجل: أنا أعرفه ياأمير المؤمنين، قال: بأى شئ تعرفه؟، فقال: بالعدالة، قال: هو جارك الأدنى تعرف ليله ونهاره ومدخله ومخرجه؟، قال: لا، قال: فعامَلَك بالدرهم والدينار الذي يُستدل بهما على الورع؟، قال: لا، قال: فصاحَبَك في السفر الذي يُستدل به على مكارم الأخلاق؟، قال: لا، قال: فلستَ تعرفه، ثم قال للرجل: ائتني بمن يعرفك[( ). وما لم يختبر حال المسلم وتعرف عدالته فهو مستور الحال؛ وعليه فيمكن تعريفه بأنه من أظهر الإسلام أو بعض خصائصه كالصلاة ولم يظهر منه ناقض من نواقض الاسلام فهذا هو المسلم مستور الحال، فيدخل فيه حتى من كان منافقاً أو كافراً في الباطن، فيبقى مسلما حكما ( مستور الحال ) في أحكام الدنيا؛ يعامل بما يعامل به المسلمون من عصمة الدم والمال ومن صحة صلاتهم وإمامتهم، كما كان الصحابة يعاملون المنافقين بما يظهرون . قال تعالى عن المنافقين: ( اتخذوا أيمانهم جُنة ) فبين أن إظهار الإسلام نفعهم وصار لهم جنة ووقاية. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قَال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تُخفروا الله في ذمته) رواه البخاري. قال في المغني (2/32): (فصل: قال أصحابنا يحكم بإسلامه بالصلاة سواءا كان في دار الحرب أو في دار الإسلام، وسواء صلى في جماعة أو فرادى .. وذكر بعض الأقوال المخالفة ثم قال: ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: نهيت عن قتل المصلين، وقال: بيننا وبينهم الصلاة، فجعل الصلاة حدا بين الإسلام والكفر فمن صلى فقد دخل في حد الاسلام، وقال في المملوك: فإذا صلى فهو أخوك، ولأنها عبادة تختص بالمسلمين فالإتيان بها إسلام كالشهادتين ..) اهـ. قال شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي: ( اعلم رحمك الله وإيانا أنه يجوز للرجل أن يصلي خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقاً باتفاق الأئمة وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه ولا أن يمتحنه فيقول ماذا تعتقد بل يصلي خلف المستور الحال )اهـ. وقال أبو محمد ابن حزم في المحلى ( 4/52): ( 412 - مسألة: فإن صلى خلف من يظن أنه مسلم ثم علم أنه كافر، أو أنه عابث، أو أنه لم يبلغ؛ فصلاته تامة؛ لأنه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام: ( لم أبعث لأشق عن قلوب الناس ) وإنما كلفنا ظاهر أمرهم، فأمرنا إذا حضرت الصلاة أن يؤمنا بعضنا في ظاهر أمره فمن فعل ذلك فقد صلى كما أمر، وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه - وبالله تعالى التوفيق ) اهـ. وقال ابن قدامة: ( إذا صلى خلف من شك في إسلامه ... فصلاته صحيحة ما لم يبن كفره ... لأن الظاهر من المصلين الإسلام سيما إذا كان إماماً ... فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرا ... فعليه الإعادة على ما بينا وإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم على أي دين هو، فإن صلى خلفه وهو لم يعلم ما هو عليه؛ نظرنا فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته فهو مسلم ( ) وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح صلاته ..) إهـ المغني ( 2/34) يقول ابن حزم رحمه الله تعالى في رسالة الإمامة ص 123: (.. ذكرت - وفقنا الله وإياك لعلم يقرب منه وعمل يرضيه – أنك رأيت الرجل يصلي خلف الرجل الإمام أياماً كثيرة لا يدري مذهبه. فاعلم _ عافنا الله وإياك_ أن البحث عن مثل هذا أحدثه الخوارج فهي التي كشفت الناس مذاهبهم وامتحنتهم في ذلك، وسلك سبيلهم المأمون والمعتصم والواثق مع ابن أبي دُوَاد وبشر المريسي ومن هنالك وما امتنع قط أحد الصحابة رضي الله عنهم ولا خيار التابعين من الصلاة خلف كل إمام صلى بهم حتى خلف الحجاج وحبيش بن دُلْجة ( ) ونجدة الحروري والمختار وكل متهم بالكفر ( )... إلى أن قال: فإن كنت لا تستجيز الصلاة خلف من سميت لك فقد خسرت صفقتك ) اهـ . رسالة في الامامة. وقد تقدم ما رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب السنة (1/130): حدثني أحمد بن إبراهيم الدورقي قال: سمعت أبا عبيد القاسم بن سلام يقول: ( لو أن خمسين يؤمون الناس يوم الجمعة لا يقولون القرآن مخلوق، يأمر بعضهم بعضاً بالإمامة، إلا إن الرأس الذي يأمرهم يقول هذا، رأيت الإعادة لأن الجمعة إنما تثبت بالرأس. فقال عبد الله: فأخبرت أبي بقول أبي عبيد فقال: هذا يضيق على الناس إذا كان الذي يصلي بنا لا يقول بشئ من هذا صليت خلفه فإذا كان يصلي بنا يقول بشئ من هذا القول أعدت الصلاة خلفه ) إهـ. فأنت ترى أن الإمام أحمد قد خالف أبي عبيد في قوله هذا وعده تضييقا، ورأى أن الصلاة خلف مستور الحال تجوز رغم فشو القول بخلق القرآن في ذلك الوقت .. وذكر ابن عبد البر في التمهيد (10/288) بسنده عن أبي بكر الأثرم قال حدثنا العباس بن عبد العظيم أنه سأل أبا عبد الله – يعني أحمد بن حنبل – عن الصلاة خلف الخوارج والفساق من الأمراء والسلاطين، فقال: ( أما الجمعة فينبغي شهودها، فإن كان الذي يصلي منهم أو مثلهم – يعني في الفسق والمذهب – أعاد الصلاة بعد شهودها معهم. فإن كان لا يدري أنه يقول بقولهم ولا هو مثلهم فلا يعيد، قال قلت: فإن كان يقال أنه قال بقولهم، فقال: حتى تعلم ذلك وتستيقن )اهـ وليس مرادي هنا الجزء الأول منه فقد تقدم الكلام على هذا في الصلاة خلف الفساق والفجار ورجحنا إجزاء الصلاة خلفهم وعدم الإعادة . وإنما محل الشاهد منه قوله ( فإن كان لا يدري أنه يقول بقولهم ولا هو مثلهم فلا يعيد، قال قلت: فإن كان يقال أنه قال بقولهم، فقال: حتى تعلم ذلك وتستيقن ) ففيه الاعتبار بصلاة مستور الحال وجواز الصلاة خلفه حتى في الأزمنة التي تفشوا فيها البدع كما كان زمن الامام . وقال شيخ الإسلام رحمه الله: ( ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات لا يدعون الجمعة والجماعة كما يفعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلى خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره بل مازال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور ).... إلى أن قال وهو كلامه الذي يستدل به البعض للمنع من الصلاة خلف مستور الحال في زماننا: ( وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الإستحباب؛ كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله ولم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع وكانوا باطنية ملاحدة وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية، أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك، ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة ثم صار العلم والسنة يكثر بها ويظهر، فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة ) إهـ ( 3/175-176( فهذا النص من شيخ الإسلام مفسر لما يروى عن الامام أحمد مما قد يتوهمه بعض الناس مانعا من الصلاة خلف المستور أو مبطلا لها .. ومن ذلك ما رواه أبو بكر المروذي قال: سئل أحمد: ( أمُرُّ في الطريق فأسمع الإقامة؛ ترى أن أُصلي ؟ فقال: " قد كنتُ أُسهِّلُ، فأما إذا كثرت البدع فلا تُصَلِّ إلا خلف من تعرف " ! وهي رواية كتاب انتقاها ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة (1/59) ولا شك أن شيخ الإسلام من أعرف الناس بمذهب أحمد وما استقر عليه وما توفى عليه رحمه الله؛ فقوله: (كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله ولم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله ) فتنبه لهذا ودعك من بنيات الطريق .. وتأمل آخر كلام شيخ الإسلام: (فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة ) إهـ وقال أيضا: ( وتجوز الصلاة خلف كل مستور، باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال: لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن، فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم والله تعالى أعلم ) أهـ . مجموع الفتاوى ( 4/331). وقال ايضا (23/199 ): ( يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا، باتفاق الأئمة الأربعة، وغيرهم من أئمة المسلمين، وليس من شرط الإتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه فيقول: ماذا تعتقد ؟ بل يصلي خلف مستور الحال ) أهـ . وقال: ( وقول القائل لا أسلم مالي إلا لمن أعرف؛ ومراده لا أصلي خلف من لا أعرف، كما لا أسلم مالي إلا لمن أعرف، كلام جاهل لم يقله أحد من أئمة الإسلام، فإن المال إذا أودعه الرجل لا لمجهول فقد يخونه فيه، وقد يضيعه. وأما الإمام فلو أخطأ أو نسي لم يؤاخذ بذلك المأموم، كما في البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أئمتكم يصلون لكم ولهم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم"، فجعل خطأ الإمام على نفسه دونهم، وقد صلى عمر وغيره من الصحابة رضي الله عنهم وهو جنب ناسياً للجنابة، فأعاد ولم يأمر المأمومين بالإعادة، وهذا مذهب جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه)اهـ. ومع ذلك فنحن لا ننكر جواز حرص المسلم على الصلاة خلف الفاضل من أهل السنة، ولا ننكر جواز هجر المبتدع لزجره وإنكار بدعته، إنما الكلام في منع الصلاة وعدم تجويزها، أو إعادتها خلف من لا يكفر ببدعته .. فضلا عن منعها أو إعادتها خلف مستور الحال بحجة انتشار البدع والكفر أو الردة . بل الأصل جواز الصلاة خلف المسلم مستور الحال الذي الأصل فيه الإسلام، ما لم يظهر منه ناقض، - فإن أظهر ناقضا لم يعد حاله مستورا – فإذا تصادفت صلاتنا خلف المستور صلينا ولم نتحرج، وهذا لا يمنعنا من الحرص في الظروف المعتادة على الصلاة خلف الأفاضل وتحري أصحاب السنة، خصوصا في الجمعة حتى لا نفاجأ في الخطب بما يسوؤنا ..
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:24 pm | |
| المبحث السابع في أسئلة تتكرر عمت بها البلوى وأختم بهذا الفصل الذي جمعت فيه طائفة من الأجوبة على أسئلة تتكرر حول هذا المبحث، بعض هذه الأسئلة قديم منشور على صفحات المنبر وبعضه حديث، وربما علقت على بعض هذه الفتاوى لتوضيح مسألة أو للتنبيه على أمر، وجعلت ذلك في خاتمة الكتاب كتطبيق عملي لما تقدم تأصيله وتأسيسه؛ فأسأل الله تعالى أن ينفع به .. السؤال الأول: حكم العمل كإمام في مساجد الأوقاف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... أما بعد، فهل يجوز لي أن أقبل التعيين إماما وخطيبا في أحد مساجد الأوقاف فى مصر وما هي شروط وضوابط هذا القبول؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته *** الجواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. الأخ الفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبعد، وصلتني رسالتك وصلك الله بحفظه وتوفيقه وتسأل فيها هل يجوز لك أن تقبل التعيين إماما وخطيبا في أحد مساجد الأوقاف فى مصر وما هي شروط وضوابط هذا القبول؟ فقد بينت شروط العمل عند الحكومات المرتدة في كتابي (كشف النقاب عن شريعة الغاب) وفي أجوبتي على سؤالات سواقة .. فنحن أخي الفاضل نكره عموم العمل عند هذه الحكومات المرتدة ولكننا لا نحرمه كله أو نطلق التكفير فيه كله .. بل ينظر في الوظيفة فإن لم تكن من نصرة الطاغوت أو التحاكم إليه والتشريع معه أوتوليه على كفره ومظاهرته على المسلمين ونحوها من المكفرات، ولم يكن فيها حرام أو إعانة على حرام أو إذلال للمسلم أو كشف عورات المسلمين أو ظلمهم والإعانة عليه أو غير ذلك من المحرمات؛ فلا نقول بحرمتها فضلا عن أن نكفر العامل بها؛ لكننا نكره العمل على كل حال عند الكفار عموما وعند المرتدين على وجه الخصوص، والعمل في مناصبهم الدينية أشد كراهة عندنا حتى ولو سلمت من الحرام لما في الدخول في ولاياتهم الدينية من التلبيس ولما في ذلك من ذرائع قد تجعل لهم سبيلا على دين المسلمين وفيه تكميم أفواه الدعاة والخطباء وإذلال الدين وتسخيره لخدمة الطواغيت وإضفاء الشرعية على حكوماتهم وباطلهم؛ هذا إذا سلمت من المنكرات والمحرمات بل والمكفرات كما في بعض البلدان التي لا يتولى الإمام وظيفته حتى يقسم على احترام القانون والولاء للطاغوت وهو موجود في بلادنا ولا ينجو ويسلم منه إلا القليل وبشق الأنفس !! ولو تخيلت هذا السؤال موجها بطريقة أخرى: هل يجوز العمل إماما أو نحوه من الولايات الدينية عند مسيلمة الكذاب أو سجاح أو الأسود العنسي ونحوهم من مدعي النبوة ؟ لعظم ذلك عندك ولنفرت منه أشد النفور؛ وهو فيمن أشرك نفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم في النبوة !! فكيف بالعمل في مثل ذلك عند من أشرك نفسه في الألوهية والتشريع ؟؟ لا شك أن ذلك أفحش، وينبغي أن يكون أنفر، ولكن جريمة الطواغيت ونسبتهم أنفسهم للألوهية بممارسة التشريع المطلق ومنح سلطاته لغيرهم؛ لمّا لم تكن عند كثير من الناس بصراحة ادعاء أولئك الكذابين للنبوة صارت عندهم أهون من ذلك ولم يستعظموها .. وإلا فإن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ وحقيقة هذا المنصب أنه قبول للولاية الدينية للمرتد بل للطواغيت الذين يشرك بهم مع الله وتسويغها للكفار على دين المسلمين !! وقد قال تعالى: { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } فإن كان مرادك أخي الفاضل السؤال عن الشروط التي ذكرها العلماء في العمل عند الكفار فقد لخصتها لك وراجعها في كتاباتي التي أشرت إليها .. وإن شئت نصحي وتوجيهي فلا أنصحك بالعمل بمثل هذه الوظيفة والله يبدلك خيرا منها؛ فمن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .. ولا تلتفت إلى استصلاحات واستحسانات أصحاب العقول المعيشية أوالمهونين لجرائم الطواغيت من دعاوى استغلال هذه الوظيفة للدعوة ونحو ذلك، فإن الدعوة وغيرها من المصالح المزعومة في هذه الوظائف غير منحصرة بهذه المناصب وممكنة متيسرة بدونها؛ بل هي فيها مقيدة ملجمة مهددة متوعدة بقطع الراتب والفصل والنقل والمنع وغير ذلك .. وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى وجعلنا من أنصار دينه .. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين تنبيه: قد تعلق بعض الحمقى من غلاة المكفرة الذين هجروا الصلاة في المساجد بحجة أنها تحت ولاية الحكومات الكافرة، ومنعوا من الصلاة خلف أئمة الأوقاف وكفروهم، وتمسك بعض سفهائهم في تسميتنا لأمة الأوقاف بأنهم نواب للطواغيت وتشنيعنا على وظيفتهم بتوصيف حقيقتها وكونها عمل عند من ينسب لنفسه خصيصة من خصائص الألوهية وأن ذلك أشنع ممن وصف لنفسه النبوة .. وهذا من إفلاسهم وجهلهم، فالكلام في الترغيب والترهيب والتنفير عن بعض ما نكرهه من الأعمال شيء؛ غير أحكام التكفير بها أو إنزال الكفر على أهلها، وهؤلاء لا يفرقون بين الوعيد العام وبين تنـزيل الأحكام على الأعيان، وأكثر من ضل من غلاة المكفرة وقعوا بهذا كما وقع أسلافهم الخوارج من قبل فيه .. وفتواي في تولي وظيفة الإمامة واضحة بينة فأنا لم أقل بحرمتها فضلا عن قولي بكفرها، ولكني كرهتها وحاولت تكريهها وتقبيحها للسائل بوصفي لها بأنها نيابة دينية عن المرتدين؛ واستعملت لأجل ذلك أيضا بعض هذه الألفاظ في رسالة ( عقيدتنا )، ولكن الأمر كما بيناه في هذا الكتاب؛ فلم تعد هذه المسألة حاضرة في عرف الناس، لأن الإمامة لم تعد مختصة بالولاة والقادة والقضاة ونحوهم، بل صار يتولاها كل من هب ودب؛ فصارت كعموم وظائف الحكومات، ولكنني ومن معرفتي للذل الذي يتعرض له الإمام وما يطلب منه من الدعاء للطواغيت، وما يملى عليه أحيانا من مواضيع في مناسبات الدولة المختلفة كي يخطب بها؛ كرهت للسائل هذه الوظيفة ونهيته وأحببت له ألا يتولاها؛ ولا يعني هذا أن كل من تولاها فهو ملتزم بسياسات الطواغيت وأوامر أوقافهم، ولو كان الأمر كذالك لما عوقب خطيب بالنقل أو بالعزل أو بالمساءلة والمراجعة والتهديد بالفصل ونحوه وهو كثير دال على أن حكم من يتولى هذه الولاية أو الوظيفة ليس سواء، ولذلك يجب التفريق بين كراهيتنا لتولي هذه الوظيفة ونصحنا لمن استفتانا بعدم العمل بها؛ وبين حكمنا عليها وعلى العاملين بها .. *** السؤال الثاني: الصلاة في مساجد الاوقاف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته هل يجوز الصلاة في المساجد التي هي تحت اشراف وزارة الأوقاف ..? وجزاكم الله خيرا .. الجـواب : بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أخي الفاضل/ .. حفظه الله وسدد على نصر الدين خطاه .. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته تسأل عن حكم الصلاة في المساجد التي هي تحت إشراف وزارة الأوقاف . فإن كنت تقصد الأئمة التابعين لوزارات الأوقاف فيها، فكل بحسب حاله وليس عندنا في ذلك حكم عام في منع الصلاة خلفهم مادامت وظيفتهم لا تحوي سببا من أسباب التكفير الظاهرة والتي هي المانع الحقيقي للصلاة خلفهم إن وجدت .. وبالتالي ينظر إلى كل واحد منهم وما يظهر منه؛ فمن كان منهم لا يُظهر نُصرة الطواغيت أو توليهم فلا نُحرِّم الصلاة خلفهم، فضلاً عن أن نُبطلها مع كراهيتنا وبُغضنا للعمل بمثل هذا المنصب الذي يسبغ الولاية الدينية على الطواغيت. وأما من أظهر شيئا من المكفرات الظاهرة كنصرة مشركي القوانين على شركهم أو مظاهرتهم على الموحدين فلا نعمة ولا كرامة للصلاة خلفه، والمصلي خلفه إن كان يعلم بكفره؛ لم يصل كما أمر ولاكما شرع له، فهو ليس بمصل بل هو ممن اتخذوا دينهم لعبا وصلاته مردودة عليه إذ قد أتى ببدعة محدثة ما أنزل الله بها من سلطان، وهي الصلاة خلف الكافر؛ وفي الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). و قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لبعض أصحابه ( إذا سافرتما فأذنا وليؤمكما أكبركما ) وفي رواية ( أحدكما ) والكافر المتولي للمشركين ليس منا ولسنا منه، بل هو في عِداد المشركين الذين تولاهم، قال تعالى: ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) .. أما إن كنت تقصد السؤال عن المساجد نفسها وكونها تابعة لوزارات أوقاف الدول الكافرة وتحت ولايتها، فقد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وهو تحت ولاية وسدانة قريش الكافرة في مكة، فعل ذلك في زمن استضعافه هو وأصحابه قبل الهجرة، وفعله بعد الهجرة في عمرة القضاء، وكذلك صلى في مسجد بيت المقدس وهو تحت ولاية هرقل الروم، فما ضرّ ذلك المسجد ولا أثّر في حكم الصلاة فيه . والأصل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (جُعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً). وهو نصٌ عامٌ يشمل كلّ مسجد في بقاع الأرض إلا ما ورد النص باستثنائه كالمسجد المبني على القبر ومرابض الإبل وقارعة الطريق ونحو ذلك، ومنه مسجد الضِرار الذي جاءت صفاته في سورة التوبة، وليس كلّ مسجد تحت ولاية الأوقاف الجبرية في زماننا يكون كذلك؛ إلا ما اجتمعت فيه صفات مسجد الضرار .. أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياك ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين *** السؤال الثالث: الصلاة خلف من يدعو للحاكم المرتد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الشيخ الفاضل: ما حكم الصلاة - الجمعة وباقي الصلوات - وراء الأئمة الذين يدعون للحاكم المرتد؟ فإن الأقوال قد كثرت علي في هذا الباب، وأين أصلي إن كان هذا حال جميع أو معظم الأئمة والخطباء؟ وجزاكم الله خيرا. الجواب: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. الأخ الفاضل: السلام عليكم. لا ينبغي أن تترك صلاة الجماعة إلا خلف من تحقق عندك وقوعه بمكفر مخرج من الملة، أما ما هو دون ذلك من المعاصي والبدع أو المداهنات؛ فلا يجوز أن يكون مدعاة أو سببا لترك صلاة الجماعة. ودعاء الخطيب للحاكم المرتد بالهداية أو بالتوفيق لتحكيم الكتاب والسنة أو لما يحبه الله و يرضاه أو لما فيه خير البلاد والعباد ونحو ذلك من الأدعية التي لا تندرج تحت نصرة الطاغوت أو نصرة قانونه الكفري أو مظاهرته على الموحدين؛ هذا كله وإن كان من البدع التي لم تكن في القرون المفضلة فقد عد العلماء الدعاء للسلطان المسلم المحكم لشرع الله على منبر الجمعة من البدع المحدثة؛ فكيف بغيرهم من الحكام الكفرة المرتدين؟! إلا أن ذلك لا يمنع من صلاة الجماعة خلف أولئك الأئمة الذين يدعون به، ما دام لا يندرج تحت نصرة الطاغوت أو نصرة شركه - كما قدمنا - فلا ينبغي أن تكون مثل هذه البدع غير المكفرة ذريعة لترك صلاة الجماعة والتهاون بها. اللهم إلا أن يثبت لديك بالدليل القاطع أن الإمام أو الخطيب من أولياء الطاغوت وأنصاره، فهذا لا تحل الصلاة خلفه لأنه ليس من المسلمين - لا أبرارهم ولا فجارهم - حتى تسوغ الصلاة خلفه، بمقولة أهل السنة في الصلاة خلف البر والفاجر. والسلام. *** السؤال الرابع: عن حكم الصلاة خلف أئمة المساجد الذين يدعون للطاغوت على المنابر الجواب: قد علمت فيما تقدم أن أصل دين الإسلام هو قوله تعالى: {اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وأن عبادة الله تعالى وحده يلزم منها مولاة أوليائه الموحدين ومحبتهم ونصرتهم، وكذلك اجتناب الطاغوت يلزم منه بغض أوليائه وأنصاره وأشياعه واجتنابهم وعدم مظاهرتهم أو تكثير سوادهم، حتى يؤمنوا بالله وحده، وعدم الجلوس معهم إذا خاضوا في آيات الله، لقوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}. على هذا فإن مدح الخطيب الطاغوت على المنبر وأثنى عليه ودعا له بالنصرة والتأييد، فلا يحل الجلوس والاستماع إليه دون إنكار، فضلاً عن الصلاة والاقتداء به، بنص قوله تعالى: {فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم}، وبمفهوم قوله تعالى: {واجتنبوا الطاغوت}، فهذا يشمل اجتناب عبادته أو مدحه أو الثناء عليه أو موالاة أوليائه أو إتباع عبيده وأنصاره. ومن دعا للطاغوت بالنصرة والتأييد ومدحه وأثنى عليه( ) فهذا من أنصاره وأوليائه، ولا يقال؛ أنه مكره، لأنهم لا يكرهونه على الدعاء بكيفية معينة ولا يكرهونه على مدح الطاغوت، بل لو دعا مثلاً بأن قال: (وفقه الله لتحكيم كتابه، أو لكل خير)، لأجازوه وتركوه في أغلب الأحوال( )، فإن دعا لهم بالنصرة وأثنى عليهم دون إكراه حقيقي فليس من الله في شيء، بل وهو من أوليائهم، لأن التولي؛ هو النصرة باللسان والسنان، وقد قال تعالى: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم}. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (المحاربة نوعان محاربة باليد ومحاربة باللسان...)، إلى قوله: (وكذلك الإفساد قد يكون باليد وقد يكون باللسان، وما يفسده اللسان من الأديان أضعاف ما تفسده اليد) أهـ [الصارم المسلول: ص385]. فمن كانت هذه حاله، فهو من أولياء الطاغوت، فلا تحل الصلاة خلفه ولا الإقتداء أو الإئتمام به، لقوله تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لبعض أصحابه: (إذا سافرتما فأذنا وليؤمكما أكبركم)، وفي رواية: (أحدكما)، ومن كان من أولياء الطاغوت فهو ليس بواحد منا - أي الموحدين - ولا هو من أصاغرنا فضلا عن أن يكون من أكابرنا. ويدخل في هذا دون شك من سوّغ الشرك والتشريع مع الله العزيز، ودعا إلى بدعة العصر "الديموقراطية" أو "تشريع الشعب"، فلا نعمة ولا كرامة لهؤلاء مهما كبرت عمائمهم وطالت لحاهم. ولا يُصلى خلفهم، إذ هذه بدعة العصر الكفرية. وراجع في هذا الباب كلام الإمام أحمد في أصحاب البدع المكفرة كالجهمية، وكيف كان ينهى عن الصلاة خلفهم ويأمر من صلى خلفهم بالإعادة، مع أنه لم يكن يكفر أعيانهم إلا بعد إقامة الحجة. أما من كان مستور الحال، بمعنى؛ أنه لا يدعو لهم، أو دعا لهم بالهداية وتحكيم كتاب الله ونحو ذلك، أو التوفيق لكل خير، وإن كنا نكره ذلك، فلا ننهى عن الصلاة خلفه أو ننكر على من صلى خلفه، لكن نحب لإخواننا الموحدين أن يكون لهم مساجدهم المتحررة من الأوقاف، يصلون بها، لأنه ما دامت المساجد متعددة أصلاً فما المانع أن يكون للموحدين مسجداً يصلون فيه الجمعة دون تحكم وزارة الأوقاف الطاغوتية وسيطرتها ( ). وهاهنا تنبيه هام؛ حول قول العلماء في متون العقيدة ونحوها: (ونرى الصلاة والجهاد والحج خلف أئمتنا أبراراً كانوا أو فجاراً): فإنهم يريدون بذلك أئمة الحكم وولاتهم ونوابهم الذين كانت تناط بهم إمامة الصلاة والجهاد والحج، لا أئمة الأحياء ونحوهم، فهؤلاء مجال الاختيار فيهم واسع ولا يلزم المرء بالصلاة خلف إمام بعينه، لذلك لا يستحب له الصلاة خلف المفضول إن وجد الفاضل. بخلاف الإمام العام الذي كان يصلي بالناس الجمعة والعيدين ونحوهما، لما لم تكن تتعدد صلاة الجمع والأعياد في زمانهم، فكان ترك الصلاة خلفهم فيه نوع من منازعتهم لحكمهم وطعن في إمارتهم، ولذلك ضمنه أهل السنة في كتب عقائدهم ليتميزوا بذلك عن أهل البدع - كالخوارج ونحوهم - ممن كانوا يرون الخروج على الأئمة إن قصروا أو جاروا. فإذا كان هذا سيما الخوارج في أزمنة الخلافة وتطبيق الشريعة، فقد أمسى سيما أهل التوحيد في أزمنة الردة والطواغيت، فنحن نتقرب إلى الله بترك الصلاة خلف عساكر الطواغيت وأوليائه وأنصاره وسدنته الذين يسوغون باطله، وإن كان هذا طعناً في إمارتهم وولايتهم؛ فحبذا به ونعماً هو، ولذلك فنحن نظهره ونعلنه ونربطه بالتوحيد والكفر بالطواغيت وبغضهم ومعاداتهم ومعاداة أوليائهم وأنصارهم. *** السؤال الخامس: حكم من يدعو للسلاطين بالصلاح والهداية أحد الائمة يدعو لرئيس بلاد الحرمين بالصلاح والهداية ويعتبره اماما شرعيا مع ما يظهر له أنه يحكم بالشريعة وجهله عن غير ذلك فهل يعتبر كافرا
الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد .. فنحن نكره الدعاء للسلاطين على المنابر ولو كانوا مسلمين بل وخلفاء راشدين، لأن الدعاء للسلاطين على المنابر لم يكن معهودا عند سلفنا وإنما ابتدع بعد ذلك وتنافس الخطباء بعد تفكك الدولة الاسلامية إلى دويلات؛ تنافسوا في الدعاء كلٌ لسلطان دويلته بعد الدعاء للخليفة وصار ذلك عندهم شعارا للطاعة وعلامة على الدخول في الولاية .. ولأجل هذا فنحن نزيد من كراهية هذا الدعاء ونعده أشنع من البدعة حين يكون الدعاء لسلاطين لا يحكمون بالشرع؛ بل يعملون على هدم الشريعة ويوالون أعداء الله ويعادون أولياء الله ونعده من التلبيس على الأمة وتضليلها بإظهار المدعو له بصورة ولي الأمر الشرعي المرضي عنه وكفى بذلك إضلالا للأمة وحرفا لها إلى الباطل وإدخالا لها في دين الملوك، وهذا كله ربما كان من لوازم الدعاء الخفية عند كثير من الناس ومعلوم أن التكفير بلوازم القول دون التزام صاحبها لها من أخطاء التكفير فليتنبه لهذا ولتراجع فيه رسالتنا ( الثلاثينية في التحذير من أخطاء التكفير..( وعليه فينكر على الإمام المذكور وينصح ويبين له حال المدعو له؛ وإن أصر فالصلاة خلف غيره ممن لا يدعو للسلاطين أحب إلينا، لكن لو صلى خلفه فلا تبطل الصلاة على الصحيح من مذاهب الأئمة في حكم الصلاة خلف الفاسق أو المبتدع الذي لا يكفر ببدعته .. لأن مجرد الدعاء للحاكم المذكور بالصلاح والهداية غير مكفر، وكذا الضلال في حكمه باعتباره إماما شرعيا لا يكفر بمجرد هذا الضلال، ولكن إن تولاه وبايعه ففعله هذا كفر لأن الله تعالى يقول: ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) ويجب التفريق بين تكفير الفعل وتكفير الفاعل .. فلأجل التلبيس الحاصل من هذه الدولة على الناس بدعوى تحكيم الشريعة وإقامة الحدود؛ صرنا نعذر من لا يكفرهم ما لم يرتب على ذلك فعلا مكفرا، ونشترط للتكفير في ذلك أيضا إقامة الحجة وإزالة التلبيس .. والله أعلم
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:33 pm | |
| *** السؤال السادس: عن حكم الصلاة خلف من يجيز الدخول في الانتخابات التشريعية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإني - والله - أحبكم في الله، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا في الدنيا، وفي الآخرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راية الموحدين. أما بعد؛ ما حكم الصلاة خلف من يجيز الدخول في الانتخابات التشريعية، ممن هم من أئمة المساجد - كبعض أفراد الإخوان -؟ وإذا كان الجواب؛ أنه لا تجوز الصلاة خلفهم، ماذا أفعل تجاه صلاة الجماعة... أأتركها؟ *** الجواب: بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. الاخ الفاضل: السلام عليكم. أحبك الله الذي أحببتني من أجله. بالنسبة للصلاة خلف من يجيز الدخول في الانتخابات البرلمانية؛ فنحن نكرهها ولا نبطلها، ما لم يصرح المفتي بتجويز المشاركة بالتشريع الكفري، أو تجويز التحاكم إلى القوانين الوضعية، أو تجويز القسم على احترامها، أو على موالاة الطواغيت. وذلك؛ لأننا لا نبطل الصلاة أو نمنعها إلا خلف من ارتكب سببا من أسباب التكفير الظاهرة والمنضبطة والقطعية غير المحتملة. والقول بتجويز المشاركة بالانتخابات - هكذا دون تفصيل - قول محتمل ويتردد بين معان مكفرة وأخرى غير مكفرة، فقد قرأنا لمن يجيز المشاركة بالانتخابات التشريعية والبرلمانات من يشترط في فتواه أن لا يرتكب المشارك عملا مكفرا. ولا يعترض؛ بأن هذا محال لا يمكن تطبيقه في واقع البرلمانات! لأن كلامنا على المفتي، لا المباشر للعمل، والمفتي مادام اشترط ذلك فلا يحل تكفيره ولا يحمّل ما لم يقله ولا يلزم بما لم يلتزمه. أضف إلى هذا؛ أنا وجدنا - من معرفة حال الناس - أن ممن يفتي بمثل ذلك لا يقصد الإفتاء بتجويز الأعمال المكفرة في البرلمان؛ وإنما يقصد جواز انتخاب نواب للخدمات العامة، كما هو شأن كثير من العوام عند مشاركتهم في ذلك، فلا بد من التعريف بذلك لمن شارك أو أفتى بالمشاركة وبيان حقيقة هذه المشاركة قبل الحكم بالتكفير لأن انتفاء القصد من موانع التكفير. ومثل ذلك من يفتى من المذكورين بالمشاركة لانتخاب نواب إسلاميين دعوة منه إلى تحكيم شرع الله، وهو لا يعرف آلية عمل النواب في هذه البرلمانات وأنها آلية كفرية فيها احتكام لشرائع الكفر وتشريع ما لم يأذن به الله. فمع فساد مطلب أمثال هذا المفتي - شرعا وعقلا - كما بيناه في فتوى بعنوان "الجواب المفيد في أن المشاركة في البرلمان وانتخاباته مناقضة للتوحيد"، إلا أننا لا نكفره لانتفاء قصده للعمل المكفر، حتى يبين له حقيقة العمل الذي يفتي به ويسوغه وأنه عمل كفري فيصر عليه ويتعمده، فهذا كافر لا تحل الصلاة خلفه. فلا بد من التفصيل في مثل هذا. وما لم يرتكب الإمام سببا ظاهرا ومنضبطا قطعيا غير محتمل للتكفير فلا يحل تكفيره، وما دام لم يخرج من دائرة الإسلام فالصلاة خلفه جائزة. وأما إذا تعين كفر الإمام؛ فلا تحل الصلاة خلف الكافر، لأن ذلك ليس من دين محمد صلى الله عليه وسلم، وقد قال: ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والإسلام يعلو ولا يعلى، وقد قال تعالى: {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}. وليس هذا مدعاة إلى ترك صلاة الجماعة؛ لأنها متعددة والمساجد كثيرة، وإذا كان المسلم في مكان لا يوجد فيه غير مسجد إمامه كافر لم يحل له الصلاة خلفه، فيصلي إن أمن الفتنة جماعة مع إخوانه أو أهله، إلا أن يقهره الإمام بسلطان فيصلي خلفه ثم يعيد، كما كان إمام أهل السنة أحمد بن حنبل يأمر مع الجهمية. *** السؤال السابع: حكم الصلاة خلف امام يروج ويدعو للانتخابات التشريعية ولحزب مشارك في الحكومة العراقية السلام عليكم سؤالي عن حكم الصلاة خلف امام مبتدع ويدعو للانتخابات ويروج لحزب داخل في الحكومة العراقبة وفي البرلمان علما انه الجامع الوحيد في المنطقة الإجابة: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أخانا الفاضل من دعا للانتخابات التشريعية أو كان من أعضاء البرلمان أو يدعو إلى الديمقراطية أو كان مشاركا في الحكم بغير ما أنزل الله فلا يصلى خلفه، لأن هذه الأشياء من بدع العصر المكفرة ومن كان متلطخا ببدعة مكفرة فلا يصلى خلفه ومن صلى فيعيد؛ كما هو مذهب الإمام أحمد في الصلاة خلف الجهمية القائلين بخلق القرآن . فالمسلم مأمور أن يصلي خلف المسلمين لا خلف غيرهم، كما في حديث أبي موسى الأشعري: ( إذا سافرتما فأذنا وأقيما وليؤمكما أحدكما ) ومن يصرف الحكم والتشريع للشعب ولا يجرده لله فهذا ليس ( أحدنا ) فلا يصلى خلفه، فإذا تيسر لك مسجد آخر فيه مسلم مستور الحال فصلّ فيه وإلا فصلّ جماعة مع إخوانك أوجيرانك أو أهلك ولا تصل خلف من وصفت حالهم .. والله يوفقك للصواب *** * تعقيب علی مسألة (حكم الصلاة خلف امام يروج ويدعو للانتخابات التشريعية) التعقيب: السلام عليکم و رحمة الله و برکاته هل اذا کان هذا الإمام بذاک الوصف فی بلاد ايران التی لم ينشر فيها دعوة التوحيد يدعو الی الديموقراطية لينجی اهل السنة من ظلم و ديکتاتورية آل خامئنه و يدعوا للمشارکة فی الإنتخابات ليخفف بهذا من آلام اهل السنة بدخول بعض السنة فی البارلمان حتی يدافع عن حقوق اهل السنة؛ يکون کافرا لا يصلی خلفه؟ أو کان جاهلاً من ضالين الاخوان المسلمين يظن دعاة التوحيد جهلة و يسمی القرضاوی اماما للمسلمين، هل يکون بتبعيته للاخوان المسلمين و ظنه فيهم خيرا يکون کافرا؟ وهل بمجرد سماعه لدعوة التوحيد نستطيع ان ندعی انه قام عليه الحجة التی من خالفها يکون کافرا؟ و جراکم الله خيرا. الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أخانا الفاضل لا يكفر الإمام المذكور، إن كان كما قلت: ( جاهلاً من ضالين الاخوان المسلمين يظن دعاة التوحيد جهلة و يسمي القرضاوي اماما للمسلمين )اهـ . فهذا الجهل والضلال لا يكفر به المسلم، وليس كل خطأ وجهل يكفر صاحبه، بل ليس كل من وقع بالكفر لابد أن يقع الكفر عليه، كلا حتى ينظر في شروط التكفير وموانعه .. ونحن في إجابتنا التي عقبت عليها، قلنا: ( من دعا للانتخابات التشريعية أو كان من أعضاء البرلمان أو يدعو إلى الديمقراطية أو كان مشاركا في الحكم بغير ما أنزل الله فلا يصلى خلفه، لأن هذه الأشياء من بدع العصر المكفرة ومن كان متلطخا ببدعة مكفرة فلا يصلى خلفه ومن صلى فيعيد؛ كما هو مذهب الإمام أحمد في الصلاة خلف الجهمية القائلين بخلق القرآن . ) اهـ ومعلوم أن الإمام أحمد لم يكن يكفر أعيان الجهمية، ومع ذلك كان ينهى عن الصلاة خلفهم؛ لأن بدعتهم مكفرة .. ويجب أن تميز الفرق بين قلولنا بأن المذكور وقع ببدعة مكفرة وبين القول بأنه كفر بها، وإنما احتطنا في كلامنا لأننا ذكرنا في إجابتنا أشياء تتفاوت في الحكم .. فبعضها لا يعذر الجاهل بها كالحكم بغير ما أنزل الله والمشاركة في التشريع) البرلمان ( وبعضها يعذر الجاهل فيها ولا بد من التفصيل فيها كالدعوة إلى الديمقراطية فكثير من الناس يمدحون هذه الكلمة الأعجمية ويدعون إليها وربما ذهلوا عن معناها أو جهلوه فمن دعا إليها ظنا منه أنها تعني الشورى فهذا ضال وليس بكافر، ومن مدحها على أنها تعني كفالة الحقوق وما يقابل الدكتاتورية ونحو ذلك مما يظنه الناس، ولم يمدحها لكونها حاكمية الجماهير؛ لم يكفر حتى يعرف بمعنى الديمقراطية الحقيقي الذي هو حكم وتشريع الشعب للشعب وليس حكم الله للشعب، يعني أنها دين شركي وليس من دين الاسلام ولا تمت إلى الشورى بصلة .. وبيان ذلك وشرحه ليس بالأمر العسير خصوصا مع انفتاح الاتصالات اليوم وتجاوز الكتب التي تتكلم عن هذا لكل القيود والحدود، فبإمكانكم بيان هذه الأمور للإمام المذكور من خلال إيصال بعض كتابات العلماء الثقات حول الديمقراطية وبرلماناتها، فإن أصر على باطله وأصر على دعوة الناس إلى دين الديمقراطية الشركي فلا يصلى خلفه .. وما ذكرته من حجج واستحسانات يحتج بها المشاركون في المنهج الديمقراطي وبرلماناته، كلها حجج واهية وسراب يحسبه الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .. وقد بينا ذلك في كتابنا ( الديمقراطية دين ) فراجعه .. وهو واضح أيضا في تجارب المشاركين في البرلمانات في شتى الدول، فجميع الدول ومنها إيران لا تسمح لدخول معارضيها في برلماناتها لتمكنهم من التغيير الحقيقي الذي لا ترتضيه؛ بل تلهيهم باللعبة الديمقراطية وتشاغلهم بها كي لا يسلكوا النهج الحقيقي الذي يخلصهم من االذل والطغيان، وهو نهج التوحيد والجهاد في سبيل تحقيقه .. والراسخون في العلم لا تنطلي عليهم مثل هذه الألاعيب، ولا يرتضون الوسائل الشركية أويقدمونها على الوسائل الشرعية والنبوية؛ ولذلك فهم لا يبدلون ولا يغيرون ولا يبغون بدلا عن نهج التوحيد والجهاد .. حتى لا يكونوا ممن يذادوا عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم لما يرى آثار الوضوء عليهم: أمتي أمتي، فتقول الملائكة: إنهم بدلوا وغيروا، أو إنك لا تدري ما أحدثوا من بعدك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( سحقا سحقا لمن بدل بعدي). نسأل الله تعالى لنا ولإخواننا الثبات وحسن الختام *** السؤال الثامن: الصلاة خلف الكافر درءا لفتنة أو خوفا من شره بنية المنفرد. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شيخنا الفاضل: إذا ابتلي مسلم بالصلاة خلف إمام مرتد لخوف مفسدة أو ضرر، هل ينوي صلاته نافلة أو ينوي الإنفراد أم يصليها معه ثم يعيدها؟ وإن صلاها بنية الإفراد لوحده هل تصح ؟ وجزاكم الله عنا وعن الإسلام والمسلمين كل خير. الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد .. فلا تصح صلاة النافلة ولا الفريضة خلف الكافر وقد بسطنا الأدلة على ذلك في كتابنا ( مساجد الضرار .. ) وعليه فلا تجوز الصلاة خلف كافر لا في فريضة ولا في نافلة، إلا أن يفعلها المسلم دفعا لشر مرتد ذو شوكة أو سلطان يحسب نفسه مسلما، وفي هذه الحالة نرجح ما سألت عنه من الصلاة بنية المنفرد .. وفي مثل هذا يقول ابن قدامة في المغني (2/29): ( فَصْلٌ: وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَالْإِنْسَانُ فِي الْمَسْجِدِ، وَالْإِمَامُ مِمَّنْ لَا يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ، فَإِنْ شَاءَ صَلَّى خَلْفَهُ وَأَعَادَ، وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ وَحْدَهُ، وَوَافَقَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِأَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا عَلَى الْكَمَالِ، فَلَا تَفْسُدُ بِمُوَافَقَتِهِ غَيْرَهُ فِي الْأَفْعَالِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقْصِدْ الْمُوَافَقَةَ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعِيدُ . قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: الرَّجُلُ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ، فَتُقَامُ الصَّلَاةُ، وَيَكُونُ الرَّجُلُ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ لَا يَرَى الصَّلَاةَ خَلْفَهُ، وَيُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ عليه السلام؛ كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ قَالَ: إنْ خَرَجَ كَانَ فِي ذَلِكَ شُنْعَةٌ، وَلَكِنْ يُصَلِّي مَعَهُ، وَيُعِيدُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ بِصَلَاتِهِ، وَيَكُونَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ لِنَفْسِهِ وَيَرْكَعُ لِنَفْسِهِ، وَيَسْجُدُ لِنَفْسِهِ، وَلَا يُبَالِي أَنْ يَكُونَ سُجُودُهُ مَعَ سُجُودِهِ، وَتَكْبِيرُهُ مَعَ تَكْبِيرِهِ . قُلْت: فَإِنْ فَعَلَ هَذَا لِنَفْسِهِ أَيُعِيدُ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قُلْت: فَكَيْفَ يُعِيدُ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَوْلَى، وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { اجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ سُبْحَةً } . قَالَ: إنَّمَا ذَاكَ إذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَنَوَى الْفَرْضَ، أَمَّا إذَا صَلَّى مَعَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهَا فَلَيْسَ هَذَا مِثْلَ هَذَا . فَقَدْ نَصَّ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَلَكِنَّ تَعْلِيلَهُ إفْسَادَهَا بِكَوْنِهِ نَوَى أَنْ لَا يَعْتَدَّ بِهَا، يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا وَإِجْزَائِهَا إذَا نَوَى الِاعْتِدَادَ بِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا . وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الَّذِينَ لَا يَرْضَوْنَ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ جَمَاعَةً، فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَوَافَقُوا الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، كَانَ جَائِزًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ )اهـ من المغني مع الشرح الكبير . فالراجح عدم الإعادة إن نوى الفريضة منفردا .. وتأمل إلى مجاوزة ابن قدامة مشروعية هذا الذي سألت عنه إلى مشروعية ما هو أكثر من ذلك أعني الصلاة جماعة لمن يرون كفر الإمام فيقدمون أحدهم يصلون خلفه جماعة، ويوافقون الإمام الذي لا يرتضونه في ركوعه وسجوده وقيامه دفعا لشره .. ومعلوم أن مثل هذا لا ينبغي أن يفعله المسلم إلا حين يتحتم عليه مثله ولا يجد منه مخرجا بحيث لو أنه جاهر بالخروج من المسجد أو ترك الصلاة خلف هذا الإمام؛ لتعرض للأذى والفتنة والبلاء .. وإلا فالأصل في صاحب الدعوة أن يجاهر بترك الصلاة خلف الإمام الكافر ويعلن براءته منه ويظهر ذلك ويبدي سببه للناس؛ فهذا هو إظهار الدين وإبداؤه الذي تتضمنه ملة إبراهيم كما ذكرها الله تعالى في القرآن: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) ***
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:36 pm | |
| السؤال التاسع: ما حكم الصلاة خلف الإمام المسبل ثوبه ؟ . الجواب: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من أسبلَ إزارهُ في صلاته خيلاء، فليس من الله جلَّ ذكره في حلٍّ ولا حرام ) رواه أبو داود وغيره وحسنه موقوفاً ابن حجر في الفتح (10/256) وقال: ( مثل هذا لا يُقال بالرأي ) وصححه غيره . وهذا الحديث يقتضي عدم تقديم أمثال هذا الإمام كما هو مقرر من أقوال أهل العلم في عدم تقديم الفساق والمجاهرين بالمعاصي للإمامة، ولكنه لا يدل على بطلان الصلاة خلفه أو عدم جوازها، كما هو الراجح والصحيح في حكم الصلاة خلف الفساق ونحوهم، بل هو عند جمهور العلماء غير دال على بطلان صلاة المسبل نفسه؛ وإنما محمول على التغليظ وعلى تحريم الصلاة في الاسبال، وليس كل مصل تلبس بمحرم كان ذلك المحرم مبطلا لصلاته كما هو معلوم عند المحققين من أهل العلم، فكم من مصلي متختم بالذهب أو حالق للحيته أو متعاط لغير ذلك من المعاصي لا تبطل صلاته ! وأما حديث أبي هريرة: ( بينما رجلٌ يُصلي مُسبلاً إزارَه، إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ، ثمَّ جاء، ثمَّ قال: اذهب فتوضأ، فذهب فتوضأ، ثمَّ جاء، فقال له رجلٌ: يا رسول الله مالَكَ أمرته أن يتوضأ، فقال صلى الله عليه وسلم: إنه كان يُصلي وهو مسبلٌ إزاره، وإنَّ الله تعالى لا يقبل صلاةَ رجلٍ مسبلٍ إزارَه ) فرواه أبو داود، وصحح اسناده النووي في المجموع وفي رياض الصالحين وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المحلَّى (4/102) والصواب أن إسناده ضعيف وليس على شرط مسلم، فقد ذكر له أهل الفن علتين: الأولى: أنه من رواية أبي جعفر وهو مجهول. و الثانية: أنه من رواية يحيى بن أبي كثير وهو مدلس، عن أبي جعفر المذكور وقد عنعنه. ولو صح فيحمل على التغليظ والتشديد؛ ونفي القبول في االصلاة لا يلزم منه بطلان الصلاة كما هو مقرر .. وعلى كل حال فما دام الحديث لا يصح فلا داعي للكلام في تأويله لأن التأويل فرع التصحيح . وقد ذهب ابن حزم لأجل هذا وآثار عن بعض التابعين: إلى عدم صحة صلاة المسبل؛ وهذا من أخطائه . فقال في محلاه (4/73-75 ): ( مسألة: ولا تُجزئ الصلاة ممن جرَّ ثوبه خيلاء من الرجال .. وعن ابن عباس: ( لا ينظر الله إلى مسبل ) وعن مجاهد: ( كان يُقال: مَنْ مسَّ إزاره كعبه، لم يقبل الله له صلاة ) فهذا مجاهد يحكي ذلك عمن قبله، وليسوا إلا الصحابة رضي الله عنهم، لأنه ليس من صغار التابعين، بل من أوساطهم، وعن ذر بن عبد الله المرهبي، وهو من كبار التابعين: ( كان يُقال: مَنْ جرَّ ثيابه لم تُقبل له صلاة ) ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفاً من الصحابة رضي الله عنهم، قال علي: ( فمن فعل في صلاته ما حرم عليه فعله فلم يُصلِّ كما أُمر، ومن لم يُصلِّ كما أُمر فلا صلاة له .. ) اهـ. وقوله رحمه الله: (ومن لم يُصلِّ كما أُمر فلا صلاة له ) اهـ. ليس على إطلاقه: فكم من تارك لواجب من واجبات الصلاة لا تبطل صلاته بتركه، وكم من مرتكب لبعض منهيات الصلاة لا تبطل صلاته بذلك، وإنما تبطل الصلاة باختلال شيئ من أركانها أو شروطها .. قال الشوكاني في السيل الجرار (1/361 ): ( وأما مجرد الأوامر فغاية ما يدل عليه الوجوب والواجب ما يستحق فاعله الثواب بفعله والعقاب بتركه وذلك لا يستلزم أن يكون ذلك الواجب شرطا بل يكون التارك له آثما وأما أنه يلزم من عدمه العدم فلا. وهكذا يصح الاستدلال على الشرطية بالنهي الذي يدل على الفساد المرادف للبطلان إذا كان النهي عن ذلك الشيء لذاته أو لجزئه لا لأمر خارج عنه ) اهـ. وهذا هو التحقيق العلمي .. وإنما أوردت قول ابن حزم لأني أحب أن أنقل لطالب العلم الآراء المخالفة وأطلعه على أقوال العلماء حتى المرجوحة منها لكي لا يفاجأ بها، فلكل جواد كبوة فحاذر من التقليد في الكبوات .. فالصلاة تصح خلف الفساق والعصاة كما تقدم وإن كان الأصل عدم توليتهم وتقديمهم للإمامة، وكذلك يشرع ويستحب هجرانهم بالصلاة خلف غيرهم من الأفاضل .. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ( إنَّ تقديم الواحد من هؤلاء في الإمامة لا يجوز مع القدرة على غيره، فإن كان مُظهراً للفجور والبدع يجبُ الإنكار عليه، ونهيُه عن ذلك، وأقلُّ مراتب الإنكار هجره لينتهي عن فجوره وبدعته ) مجموع الفتاوى (23/341-344). ولكن تحقيق القول أن يفهم الطالب أن ذلك لا يعني عند جماهير الفقهاء بطلان الصلاة خلفهم وعدم جوازها .. ***
السؤال العاشر: ما حكم الصلاة خلف من كان من الوزراء أو النواب، ثم انتهت فترة وزارته أو نيابته .. ولو صليت دون أن أعلم إلا بعد تمام الصلاة فهل أعيد الصلاة ؟ الجـواب: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله بالنسبة لمن كان من النواب المنتسبين إلى الإسلام لا المحاربين للدين، ثم انتهت فترة نيابته .. فإن حكمه إن كان مظهرا للإسلام حكم من كان يظهر لنا سببا من أسباب التكفير وكنا نكفره به ثم زال ذلك السبب الذي كفرناه به؛ فالأصل أن يزول معه حكم التكفير لأن المسببات تدور مع أسبابها والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، فنحن كفرناه بسبب ظاهر من أسباب التكفير فإن لم يعد هذا السبب ظاهرا لنا، وبقي مظهرا للإسلام وخصائصه فبأي شيء نكفره بعد ذلك ؟ وهل همنا فقط هو أن يبقى الكفر لاصقا بمن كفرناه ؟؟ فإن قيل: لكن لم يبلغنا عنهم توبة من ذلك .. قلنا: نحن لا نتكلم عن أحكام الآخرة، وصحة توبتهم وصدق بواطنهم ليست إلينا بل هي لمن يعلم السر وأخفى سبحانه، أما نحن فيهمنا في الإسلام الحكمي أي في أحكام الدنيا أن ينخلع المرء عن سبب التكفير؛ فإن فعل ذلك حكمنا له بالإسلام ما لم يظهر ناقضا .. ويتفرع عن هذا الصلاة خلفهم فالأصل فيها الجواز ما دام الواحد منهم قد أقلع عن سبب التكفير الذي كان يقارفه، ولا إعادة على من صلى خلفهم، لأن من صحت صلاته لنفسه صحت صلاته لغيره، وإن كان تجوز عقوبته بتأخيره وعدم تقديمه في الإمامة كما فعل الفاروق مع مجمع بن جارية إمام مسجد الضرار لما أريد على الإمامة في خلافته، لكن هذا شيء غير الحكم بالتكفير وإبطال الصلاة خلفه . اللهم إلا إذا كنت تعرف من حاله وتعلم عنه من أقواله أو أفعاله أنه لا زال يرتضي هذه البرلمانات وأنه لو دعي للمشاركة فيها لأجاب أو أنه يستحسن ذلك ويسوّغه ويدين به؛ فهذا لم يبرأ من كفرهم ولم يكفر بشركهم حتى يرجع إلى إسلامه؛ ومن ثم فلا تحل الصلاة خلفه بمجرد انتهاء مدة دورته إن كان لا زال على حاله وهو خارج وظيفته؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه ) فجعل الكفر بما يعبد من دون الله شرطا في الإسلام وعصمة المال والدم، وهذا المذكور أظهر عدم كفره بشركه الذي كان يقارفه من قبل فهو لم يحقق شرط الإسلام والعصمة، ولو أنه لم يظهر شيئا من ذلك لاكتفينا منه بمفارقته لسبب التكفير وإظهاره للإسلام ولم نفتش عما وراء ذلك أو نلزمه إعلان توبته بعد أن فارق السبب المكفر مادام ليس محسوبا من الطائفة المحاربة الممتنعة بشوكة؛ بل يحسب نفسه من الطائفة المعارضة للنظام كحال كثير من الإسلاميين المشاركين في هذه البرلمانات وهؤلاء من أعني في هذا الكلام .. أما الوزراء ونحوهم ممن هم من الطائفة المحاربة الممتنعة بشوكتها كالعساكر وغيرهم من أنصار الطواغيت؛ فهؤلاء لا ينطبق عليهم كلامي أعلاه بل لا بد لتوبتهم من بيان براءتهم من الكفر الذي كانوا عليه وبراءتهم من الطائفة المحاربة لدين الله كما كانت سيرة الصديق والصحابة في أنصار المرتدين في اشتراطهم لتوبتهم البراءة من كفرهم السابق والشهادة على قتلاهم أنهم في النار .. ولكن لأنه لا يوجد دار إسلام ولا مكان يأويي إليه من أراد إعلان توبته من هؤلاء؛ فلا ينبغي التوقف في إسلامهم إن توفرت أركانه حتى يعلنوا ويجاهروا ببراءتهم مما كانوا فيه أو يشترط عليهم أن يظهروا تكفيرهم للطواغيت؛ فهذا قد يعجزوا عنه ماداموا في سلطان الكفار وتحت حكمهم؛ والصحابة إنما كلفوا التائبين من المرتدين بذلك في دار الإسلام وتحت حكم المسلمين وسلطانهم؛ ولذلك يكتفي في زماننا من علم توبة وندما من أحدهم واطلع عليه؛ أن يحكم له بالإسلام ولا يشترط عليه إظهار ذلك وإبداءه إن كان في ذلك ضرر عليه ويمكن معرفة صدق التائب من هؤلاء من غيره؛ بقرائن حاله من ندم على ما أسلف والتبري منه أوالذم له ولأهله والإقبال على الأعمال الصالحة كنصرة الدعاة والمجاهدين ولو بالدعاء .. والله الموفق للصواب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين *** السؤال الحادي عشر: هل لو صلى المسلم خلف مستور الحال ثم تبين له بعد الصلاة أنه كافر أو مرتد من أنصار الطواغيت أو نواب البرلمان فعليه إعادة ؟ الجواب: هذه المسألة محل خلاف بين أهل العلم منهم من قال بصحة صلاة المأموم إن تبين له كفر إمامه بعد تمام الصلاة وبعدم الاعادة، ومنهم من قال بالإعادة .. قال أبو محمد ابن حزم في المحلى ( 4/52): ( 412 - مسألة: فإن صلى خلف من يظن أنه مسلم ثم علم أنه كافر، أو أنه عابث، أو أنه لم يبلغ؛ فصلاته تامة؛ لأنه لم يكلفه الله تعالى معرفة ما في قلوب الناس وقد قال عليه السلام: ( لم أبعث لأشق عن قلوب الناس ) وإنما كلفنا ظاهر أمرهم، فأمرنا إذا حضرت الصلاة أن يؤمنا بعضنا في ظاهر أمره فمن فعل ذلك فقد صلى كما أمر، وكذلك العابث في نيته أيضا لا سبيل إلى معرفة ذلك منه - وبالله تعالى التوفيق ) اهـ. وقال أيضا في المحلى مقايسا ! للمسألة على من صلى خلف المصلي بغير وضوء أو بجنابة (4/218): ( ومن ائتم بمن لم يؤمر أن يؤتم به - وهو عالم بحاله - فصلاته باطل، فإن لم يعلم بأنه لم يبلغ، وظنه رجلا بالغا -: فصلاة المؤتم به تامة، كمن صلى خلف جنب، أو كافر - لا يعلم بهما - ولا فرق وبالله التوفيق ) اهـ وقال في المحلى أيضا: ( ومَن صلى جُنباً أو على غير وضوء عمداً أو نسياناً فصلاة مَن ائتم به صحيحة تامة، إلا أن يكون عَلِمَ ذلك يقيناً فلا صلاة له; لأنه ليس مصلياً، فإذا لم يكن مصلياً، فالمؤتم بمن لا يصلي عابث عاص مُخالف لما أمر به، ومن هذه صفته في صلاته فلا صلاة له، وقال الشافعي، وأبو سليمان، كما قلنا، قال علي ابن حزم: برهان صحة قولنا: قول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وليس في وسعنا علم الغيب من طهارته؟ وكل إمام يصلى وراءه في العالم: ففي الممكن أن يكون على غير طهارة عامداً أو ناسياً، فصحَّ أننا لم نكلف علم يقين طهارتهم وكل أحد يصلي لنفسه، ولا يبطل صلاة المأموم إن صحت؛ بطلان صلاة الإمام، ولا يصحّ صلاة المأموم إن بطلت؛ صحة صلاة الإمام.عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم". وقال علي ابن حزم: "وعمدتنا في هذا هو ما حدثناه عن أبي بكرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل في صلاة الفجر فكبَّر فأومأ إليهم: أن مكانكم ثم جاء ورأسه يقطر، فصلى بهم، فلما قضى الصلاة قال: "إنما أنا بشر مثلكم، وإني كنت جُنبا"، فقد اعتدوا بتكبيرهم خلفه وهو صلى الله عليه وسلم جُنب، وروينا من طريق هشام بن عروة عن أبيه، أن عمر بن الخطاب صلى بالناس وهو جنب فأعاد، ولم يبلغنا أن الناس أعادوا، وعن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر، أن أباه صلى بالناس صلاة العصر وهو على غير وضوء، فأعاد ولم يعد أصحابه، وعن إبراهيم النخعي، والحسن، وسعيد بن جبير، فيمن أم قوما وهو على غير طهارة: أنه يعيد ولا يعيدون، ولم يفرقوا بين ناسٍ وعامد . ) اهـ. وهذا الذي قاله ابن حزم في عدم بطلان صلاة المأموم إن تبيّن أن إمامه فاقد للطهارة، هو قول جمهور الأئمة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضا حيث قال في ( رجل صلى بغير وضوء إماما وهو لا يعلم أو عليه نجاسة لا يعلم بها؛ فهل صلاته جائزة أم لا؟ وإن كانت صلاته جائزة فهل صلاة المأمومين خلفه تصح؟ الجواب: أما المأموم إذا لم يعلم بحدث الإمام أو النجاسة التي عليه حتى قضيت الصلاة فلا إعادة عليه عند الشافعي وكذلك عند مالك وأحمد إذا كان الإمام غير عالم ويعيد وحده إذا كان محدثا، وبذلك مضت سنة الخلفاء الراشدين فإنهم صلوا بالناس ثم رأوا الجنابة بعد الصلاة فأعادوا ولم يأمروا الناس بالإعادة والله أعلم )اهـ. وقال ابن قدامة: ( إذا صلى خلف من شك في إسلامه ... فصلاته صحيحة ما لم يبن كفره ... لأن الظاهر من المصلين الإسلام سيما إذا كان إماماً ... فإن تبين بعد الصلاة أنه كان كافرا ... فعليه الإعادة .. وإن كان الإمام ممن يسلم تارة ويرتد أخرى لم يصل خلفه حتى يعلم على أي دين هو، فإن صلى خلفه وهو لم يعلم ما هو عليه؛ نظرنا فإن كان قد علم قبل الصلاة إسلامه وشك في ردته فهو مسلم وإن علم ردته وشك في إسلامه لم تصح صلاته ..) إهـ المغني ( 2/34) ومن شاء أن يأخذ بالاحتياط أعاد ولا يشنّع على من لم يعد في موضع يسوغ فيه الاجتهاد، والله أعلم .
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي السبت أبريل 16, 2011 9:42 pm | |
| السؤال الثاني عشر: نحن من إيران وأكثر المساجد في منطقتنا للرافضة فهل نصلي خلفهم ؟ الجواب: لا يصلى خلف الرافضة الذين ينتحلون عقائد الشيعة الشنيعة من القول بتحريف القرآن وتخوين نساء النبي وتكفير أصحابه صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر فاش في إيران مستعلن به عندهم، فلا يجوز لكم والحالة كذلك الصلاة خلف الروافض .. قال البخاري رحمه الله: ) لا أبالي صليت وراء الرافضي أم صليت وراء اليهودي( خلق أفعال العباد ص129. وروى ابن أبي يعلى أن الإمام أحمد سئل عن الصلاة خلف المبتدعة فقال: ( أما الجهمية فلا، وأما الرافضة الذين يردون الحديث فلا ) طبقات الحنابلة (1/168 ) . عن البويطي يقول: سألت الشافعي: أصلي خلف الرافضي ؟ قال: ( لا تصل خلف الرافضي، ولا القدري، ولا المرجئ. قلت: صفهم لنا. قال: من قال: الايمان قول، فهو مرجئ، ومن قال: إن أبا بكر وعمر ليسا بإمامين، فهو رافضي، ومن جعل المشيئة إلى نفسه، فهو قدري ) . سير أعلام النبلاء (10 / 31) وعن إبراهيم بن المغيرة قال: (سألت الثوري؛ يُصلى خلف من يسب أبا بكر وعمر؟ قال: لا ). ودولة إيران في زماننا تشبه إلى حد كبير دولة العبيديين التي نشرت الالحاد وسب الصحابة، ولذلك فإن لم تقدر على التحول عن منطقتك إلى مناطق السنة وهو الواجب عليك؛ فلا حرج عليك أن تأخذ بما أوصى به الشيخ أبي عمرو عثمان بن مرزوق أتباعه، حين جاء إلى مصر في أيام الدولة العبيدية الباطنية، التي نشرت الإلحاد وسب الصحابة فكان يأمر أصحابه ألا يصلوا إلا خلف من يعرفون من أهل السنة كي لا يصلوا خلف الباطنية ( ).. يقول شيخ الإسلام بن تيمية: ( لم يقل أحد من الأئمة: أنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره، بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم يصلون خلف المسلم المستور .... إلى قوله: وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب، كما نُقِلَ ذلك عن أحمد رحمه الله أنه ذكر ذلك لمن سأله، ولم يقل أحمد رحمه الله أنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله. ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر، وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع، وكانوا باطنية ملاحدة، وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع، وظهرت بالديار المصرية، أمر أصحابه ألا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك، ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين رحمه الله، وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة، ثم صار العلو للسنة يكثر بها ويظهر ) (الفتاوى 3/280-281) وهذه الفتوى يتعلق بها بعض الناس لترك الصلاة خلف المسلم مستور الحال وهي عليهم لا لهم؛ فإن الذين دعا أبو عثمان أتباعه بترك الصلاة خلفهم هم أتباع العبيديين وأنصارهم وأئمتهم وخطباؤهم الذين يظهرون موالاتهم والدخول في إلحادهم؛ لا المسلم مستور الحال الذي لم يؤثر عنه إلحاد؛ ولذلك قدّم شيخ الإسلام بين يدي كلامه على فعل المرازقة بقوله: (لم يقل أحد من الأئمة: أنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره، بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم يصلون خلف المسلم المستور.) اهـ. *** السؤال الثالث عشر: حكم الصلاة خلف حالق اللحية وشارب الدخان ؟ أنقل في هذا فتوى للشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ: ( لا ريب في تحريم شرب الدخان الخبيث، وكذا حلق اللحية، ومثل هذا لا يجوز أن يُوَلَّى الإمامة، لأنه فاسق، والفاسق ليس أهلاً للإمامة، لكنَّ الصلاة خلفه صحيحة مجزئة، من صلاها إذا ابتُليَ به الناس على ما فيها من النقص، فإن الصحابة ثبت أنهم صلوا خلف الفاسق ولم يكونوا يعيدون الصلاة التي صلوها ولا يأمرون غيرهم بإعادتها ) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ (2/294) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( ولهذا قالوا في العقائد: إنه يُصلِّي الجمعة والعيد خلف كل إمام، برَّاً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمامٌ واحد، فإنها تُصلَّى خلفه الجماعات، فإنَّ الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء: أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما ) اهـ . مجموع الفتاوى (23/353)
والحمد لله رب العالمين
لا تنسونا من خالص دعائكم
اخوكم العبد الفقير الى ربه
ابو عزام الانصاري
وحدة الرصد والمتابعة
عنواني ( الغريب ) | |
|
| |
| تحفة الأبرار في أحكام مساجد الضرار للشيخ أبو محمد المقدسي | |
|