مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي   كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:50 am

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تنبيه الغافلين
إلى حكم
شاتم الله والدين




تأليف
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير الطرطوسي "


بسم الله الرحمن الرحيم
ـ المقدمة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مجمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فإن من مظاهر الكفر والاستهانة بحرمات الله  الملحوظة في كثير من أمصار المسلمين، ظاهرة شتم الله تعالى والدين ـ ولأتفه الأسباب ـ بشكل ظاهر وعلى الملأ، ومن دون أن يجد الشاتم أدنى نكير أو حسيب، أو حرج ..‍‍‍‍‍‍!!
فإذا الصاحب أراد أن يمازح صاحبه، يمازحه بشتم الله والدين ..!!
وإذا الوالد أراد أن يلاعب ولده .. أو يؤدبه .. فإنه يلاعبه ويؤدبه بشتم الله والدين، حتى وجدنا أطفالاً كان أول ما تعلموه ونطقوا به، شتم الله والدين والعياذ بالله ..!!
وإذا أراد أحدهم أن يغني ويطرب، تراه يغني بشتم الله والدين[ ]..!!
والبائع لأجل "بصلة" يشتم الله والدين ..!!
والساسة لا ينسون كذلك حظهم ونصيبهم من الاستهانة والاستخفاف بدين الله تعالى .. وذلك عن طريق تسوية الخالق وشرعه .. بالمخلوق وشرعه .. والتصويت عليهما!!
والإعلام المرئي، والمسموع، والمقروء .. مليء بعبارات الطعن، والاستهزاء، والاستخفاف بدين الله  ..[ ]!
وهكذا حتى أصبحت ظاهرة شتم الله والدين مألوفة لدى الجميع، وعلى جميع الأصعدة والمستويات، من غير حسيب ولا نكير.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!!
ولشدة تفريط القوم في هذا الجانب الخطير، فإن الشاتم يجد كل الجرأة في أن يشتم الخالق  متى يشاء، وبعبارات تقشعر منها الجلود والأبدان .. وتهد لها الجبال هدَّا .. من دون أن يتردد لحظة واحدة، بينما تراه يجبن ويحسب ألف حساب لو أراد أن يوجه كلمة طعن واحدة لأناس هم أمثاله وعلى شاكلته ..!!
والخوف يكون على أشده لو كان هذا الطعن موجهاً لشخصيات رسمية من ذوي السلطان أو النفوذ السياسي، أو الجلالات المزيفة .. فإن الطعن بمن كانت هذه صفته يعرض صاحبه ـ وفق قوانين وتشريعات وضعية ـ للسجن، وإلى أشد العقوبات المادية والمعنوية، تحت طائلة التطاول على شخصيات وهيئات ومقامات عليا .. مصانة دبلوماسياً!!
عظموا المخلوق وبجلوه ووقروه .. ورفعوا له المقامات والدرجات العُلا .. أما الخالق  فقد استهانوا به .. ولم يرجو لله الإجلال ولا الوقار ..!!
 مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً . وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً نوح: 13-14.
وهل هناك ـ يا قوم! ـ من هو أعلا شأناً، وأعظم مكانة، وأولى بالوقار والتعظيم والإجلال من الله الخالق  ..؟!
من الذي خلقكم .. من الذي يحييكم ويميتكم .. من الذي يرزقكم في الليل والنهار .. من الذي رباكم وأنشأكم طوراً بعد طور .. من الذي سخر لكم الكائنات .. من الذي هداكم النجدين ..؟!
من الذي تناديه وتستغيث به إذا نزلت بك النوازل .. من الذي له الأسماء الحسنى والصفات العُلا .. آلله تعالى أم أولئك أصحاب المقامات والفخامات والجلالات المزيفة..؟؟!
 أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ النمل:63.
صدق الله العظيم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ البقرة:165.
ومن أغرب ما في الأمر الذي يشتد له العجب، أن هذا الذي تطاوعه نفسه على شتم الله والدين ـ ولأتفه الأسباب ـ قد تجده من المصلين، وربما حج البيت الحرام، زاعماً أنه من المسلمين المؤمنين، حيث لا يرى تعارضاً بين أن يكون شتَّاماً لله والدين، وبين أن يكون من المصلين، فهذا شيء وهذا شيء، وكأن أحدهما لا ينافي الآخر ..!!
هكذا أفهموه مشايخ الإرجاء ـ ومن غير برهان ولا دليل ـ أن شتم الله والدين ليس ناقضاً للإيمان، وأن الشاتم لا ضير عليه .. والكفر لا يطاله .. ما لم يتضمن شتمه الاستحلال والتكذيب، فقيدوا الكفر باستحلال الشتم والطعن، وليس لذات الشتم .. وجعلوا السـبَّ
الصريح معصية من جملة المعاصي[ ]!!
فجرؤوا الناس على الله تعالى، وعلى النيل من جناب النبي  ، والتطاول على حرمات الدين، فأماتوا بذلك الأمة أماتهم الله، وأورثوها الكفر والذل والهوان، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
وفي هذا البحث ألقي الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، التي تفشت في ديارنا وبين أهالينا وأبنائنا، مبيناً حكم الله تعالى ـ بذكر الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح ـ في الشاتم المستهزئ، وما يترتب على الشتم والطعن من تبعات ثقال في الدنيا والآخرة، مريداً بذلك الإصلاح ما استطعت.
 لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:42.
وإني لأهيب بالعلماء العاملين، وجميع الدعاة والوعاظ المخلصين، أن يعنوا هذه الظاهرة الخطيرة المتفشية في الأمصار .. اهتمامهم البالغ في جميع دروسهم .. ونشاطاتهم الدعوية .. فإنها قضية ينبغي أن تكون على رأس قائمة الأولويات التي ينبغي أن لا يُقدم عليها شيء .. لما يترتب عليها من تبعات جسام .. ولما يستحقه الرب  من تعظيم وإجلال وتوقير ..!
فإنه ـ والله ـ لا شيء أجل ولا أعظم ولا أقدس، ولا أحب، ولا أعز على نفوسنا من الله تعالى.
وإنه ـ والله ـ لا يؤذينا شيء، كما يؤذينا التطاول على دين الله تعالى، وعلى حرماته وأسمائه وصفاته بالطعن والشتم، والاستهزاء ..!
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ولا تجعلنا مع القوم الظالمين، إنك رحيم، سميع قريب مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
5 ربيع الثاني/ 1415هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
11 أيلول/ 1994 م. أبو بصير
عفا الله عنه وعن والديه بمنه ورحمته

ـ تنبيه بين يدي المسألة.
قبل بيان حكم شاتم الله والدين، والدخول في فرعيات المسألة، لا بد من أن نلفت انتباه القارئ إلى أن الأدلة التي تدل على كفر شاتم النبي ، أو كفر من يستهزئ أو يطعن ببعض آيات الله تعالى وأحكامه، تصح دليلاً على كفر شاتم الله والدين عموماً، والعكس أيضاً.
ولا فرق بين شاتم الله والدين وبين شاتم الرسول من حيث ما يؤدي إليه الشتم والطعن من كفر وارتداد عن الدين، وإنما يوجد فارق بينهما ـ على الراجح ـ من حيث قبول التوبة من كل منهما، وهذه مسألة سنأتي على ذكرها بشيء من التفصيل، إن شاء الله تعالى.
ـ حكم شاتم الله والدين.
اعلم أن نصوص الكتاب والسنة، وكذلك أقوال علماء الأمة قد دلت دلالة صريحة قطعية لا تحتمل صرفاً ولا تأويلاً على أن شاتم الله والدين كافر مرتد، خارج من الملة الإسلامية، تجرى عليه جميع الأحكام المتعلقة بالردة إن كان قبل ذلك من المسلمين، وهو أسوأ من الكافر كفراً أصلياً كالكتابي ونحوه.
وإليك الأدلة على ذلك:
الدليل الأول: قوله تعالى:  وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ التوبة:12.
فسمى الطاعن في الدين، إماماً في الكفر، وهذا زائد عن الكفر المجرد.
قال ابن تيمية رحمه الله: إنه سماهم أئمة الكفر لطعنهم في الدين، فثبت أن كل طاعن في الدين فهو إمام في الكفر.
وقال: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع، لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له[ ].
فتنبه لقوله" وجب قتله بالإجماع "، وهذا يعني أنه لا خلاف بين أهل العلم على وجوب قتل الشاتم، ثم علل سبب القتل بالكفر والارتداد.
وقال القرطبي في التفسير8/82: من أقدم على نكث العهد والطعن في الدين يكون أصلاً

ورأساً في الكفر؛ فهو من أئمة الكفر على هذا.
واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين؛ إذ هو كافر. والطعن إن ينسب إليه ما لا يليق به، أو يتعرض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه.
وقال ابن كثير في التفسير 2/352: ومن هنا أخذ قتل من سب الرسول  ، أو من طعن في دين الإسلام أو ذكره بنقص.
ومن الطعن ما يكون خفياً، وبالتلميح دون التصريح، لكن له نفس حكم الطعن الصريح، كما قال تعالى عن اليهود:  مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ  إلى قوله  وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً النساء:46.
قال ابن كثير في التفسير:أي يوهمون أنهم يقولون راعنا سمعك بقولهم راعنا، وإنما يريدون الرعونة بسبهم النبي .
قال ابن جرير في التفسير4/122: أخبر الله جل ثناؤه عنهم أنهم يقولون ذلك لرسول الله  ليَّاً بألسنتهم ، يعني تحريكاً منهم بألسنتهم بتحريف منهم لمعناه إلى المكروه من معنييه، واستخفافاً منهم بحق النبي  ، وطعناً في الدين ا- هـ.
وقد روي أن رجلاً قال في مجلس علي: ما قتل كعب بن الأشرف إلا غدراً! فأمر علي بضرب عنقه.
قال القرطبي في الجامع 8/84: قال علماؤنا هذا يقتل ولا ينتسب إن نسب الغدر للنبي  ؛لأن ذلك زندقة ا- هـ.
الدليل الثاني قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ التوبة:65-66.
فهؤلاء كفروا ونافقوا ـ بعد أن كانوا مؤمنين ـ بسبب مقولة قالوها على وجه اللعب والاستهزاء، والترفيه عن النفس يقتطعون بها عناء الطريق والسفر، فيها تهكم بالنبي  ومن معه من المؤمنين، فكيف بالسب والطعن بالشتم القازع الصريح .. لا شك أنه أولى بالكفر والارتداد عن الدين.


وقد روي عن رجال من أهل العلم، منهم: ابن عمر، ومحمد بن كعب، ويزيد بن أسلم، وقتادة أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء؛ يعني الرسول  وأصحابه القراء.
فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله ، فذهب عوف إلى رسول الله  ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه.
فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ، وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق!
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله  وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله : " أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"، ما يلتفت إليه، ولا يزيد عليه[ ].
قال القرطبي في التفسير: قيل كانوا ثلاثة نفرن هزئ اثنان وضحك واحد، فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم. قال خليفة بن خياط في تاريخه:اسمه "مخاشن بن حمير"، وقيل أنه كان مسلماً غلا أنه سمع المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم. وكان يقول: اللهم إني اسمع آية أنا أغنى بها، تقشعر الجلود وتجب منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك، لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت[ ]. فأصيب يوم اليمامة، فما أحد من المسلمين إلى وجد غيره.
قال ابن تيمية في تفسيره للآية 7/272: هذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسوله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله  جاداً أو هازلاً فقد كفر.
وقال: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب. وقول من يقول عن مثل هذه الآيات: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً مع بقلوبهم، لا يصح لأن اليمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم، فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر، وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم وهم مع خواصهم مازالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء صاروا كافرين بعد إيمانهم، ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين ا- هـ.

قال ابن العربي في الأحكام 2/976: لا يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جداً أو هزلاً، وهو كيفما كان كفر فإن الهزل بالكفر كفر، لا خلاف فيه بين الأمة. فإن التحقيق أخو الحق والعلم، والهزل أخ والباطل والجهل.
وقال أبو بكر الجصاص في كتابه" أحكام القرآن" 4/348: فيه الدلالة على أن اللاعب والجاد سواء في إظهار كلمة الكفر على غير وجه الإكراه، لأن هؤلاء المنافقين ذكروا أنهم قالوا ما قالوا لعباً فأخبر الله عن كفرهم باللعب بذلك. وروي عن الحسن وقتادة أنهم قالوا في غزوة تبوك: أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام وحصونها هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه على ذلك، فأخبر أن هذا القول كفرٌ منهم على أي وجه قالوه من جد أو هزل، فدل على استواء حكم الجاد والهازل في إظهار كلمة الكفر، ودل أيضاً على أن الاستهزاء بآيات الله وبشيء من شرائع دينه كفر فاعله.
قلت: ومن دلالات الآية أن الله تعالى اعتبر الاستهزاء بالنبي  وبأصحابه هو استهزاء به  وبآياته، وله نفس الحكم من حيث الكفر وارتداد صاحبه عن الدين.
فإن قيل: أين وجه استهزاء القوم بالله وآياته ..؟
أقول: إن الله تعالى قد زكى أصحاب محمد  في القرآن الكريم .. وكذلك فإن النبي  قد زكاهم تبعاً لتزكية الله تعالى لهم .. وعليه فمن يطعن بالصحابة لزمه أن يطعن بالله وبآياته التي زكى بها الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، كما في قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18. وقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً الفتح:29. وغيرها كثير من الآيات التي أثنى الله تعالى فيها خيراً على أصحاب النبي .
الشاهد: أن الطعن بالصحابة هو طعن بهذه الآيات .. وبالذي أنزل هذه الآيات .. لذلك قال تعالى في حق الذين طعنوا بالصحابة: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  التوبة:65-66.
ثم إذا كان قول أحدهم "أيرجو هذا الرجل أن يفتح قصور الشام" هو كفر ومروق من الدين، فكيف بالذي يأتي بعبارات الفحش واسب الصريح، ولأتفه الأسباب.. لا شك أنه أولى بالكفر والخروج من الدين.
الدليل الثالث: قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ  التوبة:74.
وهذه آية نزلت في رجل قال:" إن كان ما جاء به محمد حقاً، لنحن أشر من الحمر "، فبلغ خبره النبي ، ولما سأله عن مقولته، فحلف ما قال، فأنزل الله الآية. وقيل في سبب نزولها غير ذلك، ومهما يكن فإن الكلمة التي كفروا بسببها هي دون السب الصريح، فدل أن السب الصريح أولى بالكفر وبخروج صاحبه من دائرة الإسلام.
وفي قوله: وكفروا بعد إسلامهم ، قال الشوكاني في الفتح 2/383:أي كفروا بهذه الكلمة بعد إظهارهم للإسلام وإن كانوا كفاراً في الباطن، والمعنى: أنهم فعلوا ما يوجب كفرهم على تقدير صحة إسلامهم ا- هـ.
وقال القرطبي في التفسير:8/206: قال القشيري: كلمة الكفر سب النبي  والطعن في الإسلام، وكفروا بعد إسلامهم أي بعد الحكم بإسلامهم ا- هـ.
وقال الكشميري في كتابه"إكفار الملحدين" ص59: والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً، كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في"الخيانة" و"رد المختار"ا- هـ.
الدليل الرابع: قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النساء:140. فهذه آية دلت على كفر المستهزئين بآيات الله، وكفر من يجالسهم ـ من غير إكراه ولا إنكارـ وإن لم يشاركهم الاستهزاء، فيكون من باب أولى كفر من يطعن بالدين وبآيات الله بالشتم الصريح.
وفيها أيضاً دلالة على القاعدة التي تقول: أن الرضى بالكفر كفر[ ].
قال الشيخ سليمان آل الشيخ[ في مجموعة التوحيد،ص 48]: إن معنى الآية على ظاهرها، وهو أن الرجل إذا سمع آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فجلس عند الكافرين المستهزئين من غير إكراه ولا إنكار ولا قيام عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره فهو كافر مثلهم، وإن لم يفعل فعلهم لأن ذلك يتضمن الرضى بالكفر، والرضى بالكفر كفر. وبهذه الآية ونحوها استدل العلماء على أن الرضى بالذنب كفاعله، فإن ادعى أنه يكره ذلك بقلبه لم يُقبل منه، لأن الحكم على الظاهر وهو قد أظهر الكفر فيكون كافراً ا- هـ.
وقال القرطبي في الجامع 5/418:من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم، والرضى بالكفر كفر، فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية ا- هـ.
قال الكشميري في الإكفار، ص59: قال ابن حجر في "الأعلام" في فصل الكفر المتفق عليه، مما نقله عن كتب الحنفية: من تلفظ بلفظ الكفر يكفر، فكل من استحسنه أو رضي به يكفر.
وعن"البحر" رجل كفر بلسانه طائعاً وقلبه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله مؤمناً، كذا في "فتاوى قاضيخان" وهندية" و"جامع الفصولين" ا- هـ.
الدليل الخامس: قوله تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الحجرات:2. فإذا كان رفع الصوت فوق صوت النبي بالحديث العادي مدعاة لأن يحبط عمل صاحبه، ولا يحبط العمل كلياً إلا الشرك الأكبر، كما قال تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر:65.
وقال: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88. وإذا كان الأمر كذلك فيمن يرفع صوته في الحديث العادي المجرد عن الطعن أو الاستهزاء أو التهكم ولو من طريق خفي، فما يكون القول فيمن يرفع صوته بالطعن واللعن والسب الصريح ..؟! لا شكَّ أنه أولى بالكفر والارتداد، وبأن يحبط عمله[ ].
قال ابن تيمية رحمه الله في تفسير الآية: أي حذر أن تحبط أعمالكم، أو كراهة أن تحبط، ولا يحبط الأعمال غير الكفر، لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقاً إلا الكفر.
فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه، فمن المعلوم أن ذلك لما ينبغي له من التعزيز والتوقير والتشريف والتعظيم والإكرام والإجلال، ولما أن رفع الصوت قد يشتمل على أذى له واستخفاف الذي يحصل في سوء الأدب من غير قصد صاحبه يكون كافراً، فالأذى والاستخفاف المقصود المتعمد كفر بطريق أولى[ ].
وفي السنة: عن ابن عباس، أن أعمى كانت له أم ولد، تشتم النبي ، وتقع فيه، فينهاها فلا تنتهي، ويزجرها فال تنزجر، قال:فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي  وتشتمه، فأخذ المغول فوضعه في بطنها واتكأ عليها فقتلها، فوقع بين رجليها طفل، فلطخت ما هناك بالدم، فلما أصبح ذُكر ذلك لرسول الله  ، فجمع الناس فقال:"أنشد الله رجلاً فعل ما فعل، لي عليه حق، إلا قام" فقام الأعمى يتخطى الناس، وهو يتزلزل حتى قعد بين يدي النبي  فقال: يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تنزجر، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة، فلما كانت البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك، فأخذت المغول فوضعته في بطنها واتكأت عليها حتى قتلتها، فقال النبي  " ألا اشهدوا أن دمها هدر"[ ].
وفي رواية عند أحمد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي قال: كان رجل من المسلمين ـ أعني أعمى ـ يأوي إلى امرأة يهودية، فكانت تطعمه وتحسن إليه، فكانت لا تزال تشتم النبي  وتؤذيه، فلما كانت ليلة من الليالي خنقها فماتت، فلما أصبح ذكر ذلك للنبي ، فأنشد الناس في أمرها، فقام، فقام الأعمى فذكر أمرها، فأطلى ـ أي أهدر ـ النبي  دمها .
قال ابن تيمية في الصارم، ص62: وهذا الحديث نص في جواز قتلها لأجل شتم النبي ، ودليل على قتل الرجل الذمي، وقتل المسلم والمسلمة إذا سبا بطريق الأولى ا- هـ.
وعن ابن عباس قال: هجت امرأة من خطمة ـ وهي العصماء بنت مروا ن ـ النبي ، فقال:"من لي بها ؟"، فقام رجل من قومها وهو عمير بن عدي الحطمي، فقال: أنا يا رسول الله، فنهض فقتلها، فأخبر النبي، فقال:" لا ينطح فيه عنزان"، قال عمير: فالتفت النبي  إلى من حوله فقال: "إذا أحببتم أن تنظروا إلى رجلٍ نصر الله ورسوله بالغيب فانظروا إلى عمير بن عدي"[ ].
وكذلك لما انتدب  رهطاً من الأنصار إلى أبي رافع اليهود ليقتلوه، وذلك لشدة عداوته وأذيته لرسول الله  .. والقصة ثابتة في البخاري وغيره.
قال ابن حجر في الفتح 6/156:فيه جواز اغتيال ذوي الأذية البالغة منهم، وكان أبو رافع يعادي رسول الله  ويؤلب عليه الناس.
ونحوه قوله :" من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله؟" قال محمد بن سلمة: أتحب أن أقتله يا رسول الله؟قال" نعم "متفق عليه.
وعن أبي بكر الصديق  أنه كتب إلى المهاجر بن أبي ربيعة في المرأة التي غنت بهجاء النبي :" لولا ما سبقتني فيها لأمرتك بقتلها، لأن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود، فمن تعاطى ذلك من مسلم فهو مرتد أو معاهد فهو محارب غادر".
فحد الأنبياء لا يُشبه الحدود .. من جهة استحالة إمكانية الشفاعة فيها ـ بعد وفاة النبي  ـ بخلاف الحدود الأخرى ذات العلاقة بحقوق البشر .. فإنه يمكن الشفاعة فيها.
وعن مجاهد: أُتي عمر برجل سبَّ النبي ، فقتله. ثم قال عمر:" من سب الله أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه".
وعن أبي برزة الأسلمي قال: أغلظ رجل لأبي بكر الصديق، فقلت أقتله؟ فانتهرني، وقال:" ليس هذا لأحدٍ بعد رسول الله  "[ ]. أي حكم القتل هو حق خاص بالنبي  فيمن يتطاول عليه بأي نوع من أنواع الأذى .. وهذا الحق ليس لأحدٍ بعده.


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي   كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:51 am

ـ أقوال أهل العلم في شاتم الله والدين:
بعد أن ذكرنا الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على كفر شاتم الله والدين .. يحسن أن نذكر أقوال أئمة العلم في المسألة ـ بشيء من التفصيل ـ زيادة في البيان .. وإقامة الحجة لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عن بيِّنَةٍ الأنفال:42.
قال الإمام إسحاق بن راهويه أحد الأئمة الأعلام: أجمع المسلمون على أن من سب الله
أو سب رسوله ، أو دفع شيئاً مما أنزل الله عز وجل أو قتل نبياً من أنبياء الله عز وجل: أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله.
قال الخطابي: لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله.
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله ـ وهو الإمام أحمد بن حنبل ـ يقول: من شتم النبي  أو ينتقصه ـ مسلماً كان أو كافراً ـ فعليه القتل وأرى أنه يُقتل ولا يستتاب. قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: كل من نقض العهد وأحدث في الإسلام حدثاً مثل هذا رأيت القتل، ليس على هذا أعطوا العهد والذمة.
وكذلك قال أبو الصفراء: سألت أبا عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النبي ، ماذا عليه؟ قال: إذا قامت البينة عليه، يقتل من شتم النبي  مسلماً كان أو كافراً.
وفي رواية: قيل له في أحاديث؟ قال: نعم، أحاديث منها، حديث الأعمى الذي قتل المرأة، قال: سمعتها تشتم النبي  .
وحديث حصين أن ابن عمر قال: من شتم النبي ، قتل.
وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يُقتل، ذلك أن من شتم النبي  فهو مرتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم النبي .
قال عبد الله: سالت أبي عمن شتم النبي ، يستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتل ولا يستتاب، لأن خالد بن الوليد رجلاً شتم النبي  ولم يستتبه.
قال ابن تيمية في الصارم: وتحرير القول فيه أن الساب إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم.
وقال: إن سبَّ الله أو سب رسولَه كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع، لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له.
قال عبد الله، سئل أبي عن رجل قال: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك. قال أبي ـ أحمد بن حنبل ـ: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، نضرب عنقه.
وقد سئل عن يهودي مر بمؤذن فقال له: كذبت، فقال: يقتل لأنه شتم.
وقال: من ذكر شيئاً يعرض بذكر الرب تعالى فعليه القتل، مسلماً كان أو كافراً، وهذا مذهب أهل المدينة" ا- هـ.
قال الكشميري في كتابه " إكفار الملحدين"ص64: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب النبي  يقتل، وحكى الطبري مثله ـ أي مثل القول بأنه ردة ـ عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه  أو بريء منه أو كذبه.
قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء على أن شاتم النبي  المستنقص له كافر، ومن شك في كفره وعذابه كفر ا- هـ.
وفي "الشفا" للقاضي عياض: لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم. وكذلك من أضاف إلى نبينا  تعمد الكذب فيما بلغه وأخبر به، أو شك في صدقة، أو سبه، أو قال: إنه لم يبلغ أو استخف به، أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم، أو آذاهم، أو قتل نبياً، أو حاربه فهو كافر بالإجماع.
وقال: النافي أن يكون الله خالقه أو ربه، أو قال: ليس لي رب، أو المتكلم بما لا يعقل من ذلك في سكره، أو غمرة جنونه، فلا خلاف في كفر قائل ذلك ومدعيه.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: من قال ليس لي رب فهو مرتد.
وقال محمد بن أبي زيد فيمن لعن بارئه وادعى أن لسانه زل، وإنما أراد لعن الشيطان: يقتل ولا يقبل عذره[ ].
قال القاضي عياض: من تكلم من سقط القول وسخف اللفظ ممن لم يضبط كلامه وأهمل لسانه بما يقتضي الاستخفاف بعظمة ربه، وجلاله ومولاه، أو تمثل في بعض الأشياء ببعض ما عظم الله من ملكوته، أو نزع من الكلام لمخلوق بما لا يليق إلا في حق خالقه غير قاصد للكفر والاستخفاف ولا عمد للإلحاد . فإن تكرر هذا منه وعرف به دل على تلاعبه بدبنه، واستخفافه بحرمة ربه وجهله بعظيم عزته وكبريائه، وهذا كفر لا مرية فيه، وكذلك إن كان ما أورده يوجب الاستخفاف والتنقص لربه.
وقد أفتى ابن حبيب وأصبغ بن خليل من فقهاء قرطبة بقتل المعروف بابن أخي عَجَبَ[ ]، وكان خرج يوماً فأخذه المطر فقال:"بدأ الخراز[ ] يرش جلوده!!"، وكان بعض الفقهاء بها قد توقفوا عن سفك دمه. فقال ابن حبيب: دمه في غيض، أيُشتم ربٌ عبدناه ثم لا ننتصر له ؟! إنَّا إذاً لعبيد سوءٍ ما نحن له بعابدين وبكى. ورُفع المجلس إلى الأمير بها عبد الرحمن بن الحكم الأموي وكانت " عَجب" عمة هذا المطلوب من حظاياه[ ]، وأُعلم باختلاف الفقهاء فخرج الإذن من عنده بالأخذ بقول ابن حبيب وصاحبه وأمر بقتله، فقتل وصُلب بحضرة الفقيهين، وعزل القاضي موسى بن زياد لتهمته بالمداهنة في هذه القضية، ووبَّخ بقية الفقهاء وسبهم[ ].
وفي "المحلى" لابن حزم، بعد أن ساق الأدلة على كفر الساب، قال: فصح بما ذكرنا أن كل من سب الله تعالى، أو استهزأ به، أو سب ملكاً من الملائكة أو استهزأ به، أو سب نبياً من الأنبياء أو استهزأ به، أو سب آية من آيات الله تعالى أو استهزأ بها، والشرائع كلها والقرآن من آيات الله تعالى، فهو بذلك كافر مرتد له حكم المرتد، وبهذا نقول.
وفي موضع آخر قال: فصح بهذا أن كل من آذى رسول الله  فهو كافر مرتد يقتل ولا بد، وبالله تعالى التوفيق[ ].
وعن مالك بن أنس أن من سب عائشة قتل، قيل له: لم يقتل في عائشة؟ قال: لأن الله تعالى يقول في عائشة رضي الله عنها:  يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ النور:17.
قال مالك: فمن رماها فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل؟
قال ابن حزم في المحلى 12/440-443: قول مالك هنا صحيح، وهي ردة تامة، وتكذيبه لله تعالى في قطعه ببراءتها، وكذلك القول في سائر أمهات المؤمنين، ولا فرق، لأن الله يقول: الطيبات للطيبين والطيبون للطيبات أولئك مبرءون مما يقولن فكلهن مبرآت من قول إفك، والحمد لله رب العالمين.
وأما الذمي يسب النبي  فإن أصحابنا، ومالكاً وأصحابه، قالوا: يقتل ولا بد، وهو قول الليث بن سعد.
وقد روي عن ابن عمر أنه يقتل ولا بد.
إلى أن قال: وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أنهم إن أعلنوا سب الله تعالى، أو سب رسول الله  أو شيء من دين الإسلام، فقد فارقوا الصغار، بل قد أصغرونا وأذلونا، وطعنوا في ديننا، فنكثوا في ذلك عهدهم، ونقضوا ذمتهم، وإذا نقضوا ذمتهم فقد حلت دماؤهم وسبيهم وأموالهم بلا شك ا- هـ.
وفيمن يستخف بالقرآن الكريم، قال القاضي عياض في الشفا 2/646: اعلم أن من استخف بالقرآن، أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبه، أو جحده، أو حرفاً منه، أو آيةً أو كذب به، أو بشيء منه، أو بشيء مما صرح فيع من حكم، أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك، فهو كافر عند أهل العلم بإجماع ا- هـ.
وللشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ رحمهم الله تعالى، قال: أجمع العلماء على كفر من فعل شيئاً من ذلك فمن استهزأ بالله، أو بكتابه أو برسوله، أو بدينه، كفر ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء إجماعاً[ ].
فتأمل قوله: " ولو هازلاً لم يقصد حقيقة الاستهزاء"، حيث فيه رد على من يتشرط لكفر الساب، استحلال السب واعتقاد جوازه ..!!
ومن كلام الحنفية في كتاب" تبين المحارم المذكورة في القرآن" : من سخر باسم من أسماء الله تعالى، أو أمر من أوامره، أو وعيده، أو وعده، أو أنكرهما، أو سجد لغير الله تعالى، أو سب الله سبحانه، أو أدعى أن له ولداً وصاحبة، أو أشرك بعبادته شيئاً من خلقه، أو افترى على الله سبحانه وتعالى الكذب بادعاء الإلهية والرسالة، أو نفى أن يكون خالقه ربه وقال ليس لي رباً، أو قال لذرة من الذرات هذه خلقت عبثاً ومهملاً، وما أشبه ذلك مما لا يليق به  سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيرا يكفر في هذه الوجوه كلها بالإجماع، سواء فعله عمداً أو هزلاً [ ].
وفي"الزواجر" لابن الهيتمي: فمن أنواع الكفر والشرك أن يعزم الإنسان عليه في زمن بعيد أو قريب، أو يعلقه باللسان أو القلب على شيء ولو محالاً عقلياً فيما يظهر فيكفر حالاً، أو يعتقد ما يوجبه أو يفعل أو يتلفظ بما يدل عليه سواء أصدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء، كأن يسجد لمخلوق كالشمس إن لم تدل قرينة ظاهرة على عذره ويأتي هذا القيد في كثير من المسائل الآتية، وفي معنى ذلك كل من فعل فعلاً أجمع المسلمون على أنه لا يصدر إلا من كافر وإن كان مصرحاً بالإسلام كالمشي إلى الكنائس مع أهلها بزيهم من الزنانير وغيرها، أو يلقى ورقة فيها شيء من قرآن أو علم شرعي أو فيها اسم الله تعالى بل أو اسم نبي أو ملك في نجاسة[ ].
أو يشك في تكفير كل قائل قولاً يتوصل بع إلى تضليل الأمة، أو تكفير الصحابة، أو في مكة أو الكعبة أو المسجد الحرام أو في صفة الحج أو هيئته المعروفة وكذا الصلاة والصوم أو في حكم مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة..
أو يعيب نبينا  ومثله غيره من الأنبياء والملائكة أو يلعنه أو يسبه أو يستخف أو يستهزئ به أو بشيء من أفعاله كلحس الأصابع، أو يلحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو فعله أو يعرض بذلك، أو يشبهه بشيء على طريق الإزراء أو التصغير لشأنه أو لغض منه، أو تمني له مضرة أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجر ومنكر من القول وزور أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوار في البشرية الجائزة والمعهودة لديه، فيكفر بواحد مما ذكر إجماعاً، فيقتل ولا تقبل توبته عند أكثر العلماء، وقد قتل خالد بن الوليد  من قال له"عند صاحبكم" وعد هذه الكلمة تنقيصاً له  .
أو يسخر باسم الله تعالى أو نبيه كأن يقول لو أمرني بكذا لم أفعله، أو لو جعل القبلة هنا ما صليت إليها، أو لو أعطاني الجنة ما دخلتها استخفافاً أو عناداً، أو قال لو شهد عندي ملك أو نبي ما صدقته، أو لو كان فلان نبياً ما آمنت به، أو إن كان ما قاله النبي صدقاً نجونا، أو قيل له قلم أظافرك فإنه سنة فقال لا أفعل وإن كان استهزاء، أو قال" لا حول ولا قوة إلا بالله " لا تغني من جوع، ومثلها في ذلك سائر الأذكار كما هو ظاهر، أو المؤذن يكذب أو صوته كالجرس وأراد تشبيهه بناقوس الكفر أو الاستخفاف بالأذان، أو سمى الله على محرم كخمر استهزاء، أو لا أخاف القيامة استهزاء أيضاً، أو تشبه بالعلماء أو الوعاظ أو العاملين على هيئة مزرية بحضرة جماعة حتى يضحكوا أو يلعبوا استخفافاً[ ]، أو تمنى كفراً ثم إسلاماً حتى يعطى دراهم مثلاً، أو تمنى حل ما لم يحل في زمن قط كالقتل أو الزنا أو الظلم، أو نسب الله إلى جور في التحريم، أو قال اليهود خير من المسلمين، أو قيل له ما الإيمان فقال لا أدري استخفافاً، أو أنكر صحبة أبي بكر، أو قذف عائشة رضي الله عنهما لأنه مكذب للقرآن بخلاف غيرهما، أو قال أنا الله ولو مازحاً، أو قال: الله يعلم أني فعلت كذا وهو كاذب فيه لنسبة الله سبحانه إلى الجهل، أو استخفافاً شبعت من القرآن أو الصلاة أو الذكر أو نحو ذلك، أو أي شيء عملت وقد ارتكب معصية، أو قال أي شيء هذا الشرع وقصد الاستخفاف، أو أن صفاته تبدلت بصفات الحق، أو أن يراه عياناً في الدنيا أو يكلمه شفاهاً، أنه أسقط عنه التكليف، أو قال لغيره دع العبادات الظاهرة الشأن في عمل الأسرار، أو سماع الغناء من الدين، أو أنه يؤثر في القلوب أكثر من القرآن[ ] ا- هـ.
وعدَّ غيرها كثيراً من الحالات والأقوال ـ المتفشية في أمصار المسلمين وعلى ألسنة الكثير منهم ـ المكفرة كفراً بواحاً مخرجاً عن الملة .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: سب دين الإسلام ردة عظيمة عن الإسلام إذا كان الساب ممن يدعي الإسلام[ ].
خلاصة القول: مما تقدم يُعلم علماً يقينياً أن شاتم الدين إمام من أئمة الكفر والضلالة، وهو كافر ظاهراً وباطناً، مرتد عن الدين إن كان ممن يدعي الإسلام، وفي استتابته قول وتفصيل سنأتي على ذكره إن شاء الله، وكفره حاصل لمجرد الشتم والطعن بالدين سواء تضمن الجحود والتكذيب أو كان مجرداً عن ذلك .. وهذه المسألة ـ وغيرها من المسائل ـ سنأتي على ذكرها في الصفحات القادمة إن شاء الله.
ـ هل يعذر الشاتم بالجهل أو بشيء من موانع التكفير ؟
اعلم أن شاتم الله والدين، لا يعذر بالجهل ولا بشيء من موانع التكفير سوى الإكراه، وسبب ذلك أن العذر يكون مع العجز الذي لا يمكن دفعه .. وعدم التمكن من العلم الصحيح، والشاتم ليس كذلك فهو عالم بما يجب لله تعالى من إجلال وتعظيم وتوقير منذ اللحظة الأولى من دخوله الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .. ويعلم ـ منذ اللحظة الأولى ـ أنه لا يجوز له قط أن يشتم الله تعالى أو يسخر بشيء من دينه وآياته .. ومن كان كذلك أنى له أن يعذر بالجهل أو بأي مانع من موانع التكفير الأخرى سوى الإكراه.. وتحت أي عنوانٍ أو مانع يمكن إعذاره[ ]؟!
بل يندر أن تجد كافراً ـ مهما كانت ملته ـ يجهل مثل هذا الحق لله ، وما يصدر عن بعض الكفار من سبٍّ وطعنٍ؛ كقول النصارى أن الله ثالث ثلاثة، ونسبهم له الولد وغير ذلك ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا ـ فرغم أن قولهم يتضمن السب، إلا أنهم لا يعتقدونه سباً ولا يصدر منهم على وجه السب والشتم، بل يعتقدون أنه قربة إلى الله وأن قولهم الفاسد سبب لنيل رضاه!
أما كونه يعذر بالإكراه، لقوله تعالى  مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ النحل:106. فلم يعذر إلا المكره مع شرط سلامة القلب من الكفر، واطمئنانه بالإيمان.
وأفادت الآية كذلك أن كل من كفر ـ بقول أو فعل أو اعتقاد ـ من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدراً .. سواء أقر بذلك أم لم يقر.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله أو عشيرته، أو ماله أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، والآية تدل على هذا من جهتين: الأولى قوله:  إلا من أكره فلم يستثني الله إلا المكره، والثانية قوله تعالى:  ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين[ ].
ولقوله تعالى: إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ آل عمران:28.
ولحديث عمار بن ياسر المعروف، عندما أكرهه الكفار على سبِّ الرسول  فقال له رسول الله : " فكيف تجد قلبك ؟" قال" أجد قلبي مطمئناً بالإيمان. فقال: "فإن عادوا فعد".
ـ استتابة الشاتم؟
اعلم أن السنة في المرتد ردة مجردة أنه يُستتاب، فإن تاب وعاد إلى رشده قُبل منه وخلي عنه، وإلا قُتل كافراً حداً من حدود الله تعالى، لقوله  في الصحيح:" من بدل دينه فاقتلوه".
والدليل على شرعية استتابة المرتد وقبول توبته، قوله تعالى:  فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين إلى قوله:  فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التوبة:5.
قال ابن تيمية في الصارم، ص 318: فإن هذا الخطاب عام في قتال كل مشرك وتخلية سبيله إذا تاب من شركه، وأقام الصلاة وآتى الزكاة سواء كان مشركاً أصلياً أو مشركاً مرتداً ا- هـ.
وروى الإمام أحمد بسنده، عن ابن عباس أن رجلاً من الأنصار ارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين، فأنزل الله تعالى:  كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  إلى قوله تعالى:  إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:86-89.
فبعث بها قومه إليه، فرجع تائباً، فقبل النبي  ذلك منه وخلى عنه.
وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري!، قال: قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى الأشعري، فسأله عن الناس، فأخبره، ثم قال: هل من مغربة خبر؟ قال: نعم، رجل كفر بعد إسلامه، قال: فما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، قال: عمر: فهلا حبستموه ثلاثاً، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، واستبتموه لعله يتوب ويرجع إلى أمر الله، اللهم إني لم أحضر ولم آمر، ولم أرض إذ بلغني[ ].
وعن عبد الله بن عتبة، قال أخذ ابن مسعود قوماً ارتدوا عن الإسلام من أهل العراق، قال: فكتب فيهم إلى عثمان بن عفان ، فكتب إليه أن أعرض عليهم دين الحق وشهادة أن لا إله إلا الله، فإن قبلوا فخل عنهم، وإن لم يقبلوا فاقتلهم، فقبلها بعضهم فتركه، ولم يقبلها بعضهم فقتله[ ].
قال القاضي عياض في الشفا 2/556: ذهب جمهور أهل العلم إلى أن المرتد يستتاب، وحكى ابن القصار: أنه إجماع من الصحابة على تصويب قول عمر في الاستتابة، ولم ينكره واحد منهم وهو قول عثمان، وعلي، وابن مسعود، وبه قال عطاء بن أبي رباح، و النخعي، والثوري، ومالك، وأصحابه، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي ا- هـ.
ولكن لما كان شتم الله تعالى كفراً أغلظ ومركب وهو زيادة عن الردة المجردة، اشتد اختلاف أهل العلم حول استتابته[ ]، فمنهم القائل باستتابته وقبول توبته، لأن الله تعالى " قد علم منه أنه يسقط حقه عن التائب، فإن الرجل لو أتى من الكفر والمعاصي بملء الأرض ثم تاب تاب الله عليه، وهو سبحانه لا تلحقه بالسب غضاضة ولا معرة، وإنما يعود ضرر السب على قائله، وحرمته في قلوب العباد أعظم من أن يهتكها جرأة الساب "[ ].
ومنهم القائل: بقتله وعدم استتابته، مع انتفاعه من توبته النصوح يوم القيامة. ولكلا الفريقين توجه وقوة دليل، والراجح لنا منهما والذي تطمئن إليه النفس، أن شاتم الله تعالى يستتاب مع الحبس والتعزير بالضرب الشديد الموجع حتى تظهر عليه القرآئن الدالة على أنه قد تاب توبة نصوحة، وحتى لا تطاوعه نفسه الشيطانية لحظة الغضب أو تحت أي ذريعة كانت أن
يعود ثانية لمثل هذا الفعل الشنيع.
قال ابن تيمية في الصارم ص555: وإذا قبلنا توبة من سب الله سبحانه فإنه يؤدب أدباً وجعياً حتى يردعه عن العود إلى مثل ذلك ا- هـ.
وقال القاضي عياض في الشفا ص631: لكنه تقبل توبته على المشهور، وتنفعه إنابته وتنجيه من القتل فَيْأتَه، لكنه لا يسلم من عظيم النكال، ولا يُرَفَّه عن شديد العقاب، ليكون ذلك زجراً لمثله عن قوله، وله عن العودة لكفره أو جهله ا- هـ.
قلت وفي حالة توبته النصوح، يتعين عليه أن يتلفظ بشهادة التوحيد" لا إله إلا الله" لأن الكافر لا يدخل الإسلام إلا بها، وأن يغتسل بماء وسدر، وأن يحلق شعره..
لحديث قيس بن عاصم،قال: أتيت النبي  أريد الإسلام:" فأمرني أن أغتسل بماء وسدر"[ ].والسدر هو الصابون.
وعن جد عثيم بن كليب: أنه جاء إلى النبي  فقال: قد أسلمت، فقال له النبي :" ألق عنك شعر الكفر ". يقول احلق.
وقال ابن جريج: وأخبرني آخر أن النبي  قال لآخر معه:" ألق عنك شعر الكفر واختتن "[ ].
وكذلك يستحسن للتائب ـ وبخاصة الشاتم ـ أن يكثر من الاستغفار، وأن يبكي على ذنبه البكاء الشديد لما فرط في جنب الله، وأن يكثر من التصدق وفعل الحسنات.. لعل ذلك ينفعه إن شاء الله.
أما إذا كان الشاتم متهاوناً مستهتراً، يشتم الله مراراً، ولا يتورع من فعل ذلك، وقد هان عليه اسم الله الأعظم، فمثل هذا كفره مغلظ، والراجح فيه أنه يقتل ولا يستتاب، وبخاصة إذا علم أن الاستتابة تكون له بمثابة المنفذ للخلاص من حد القتل من دون أن يتبع ذلك توبة نصوح.
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً النساء:137. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ آل عمران:90.
قال ابن تيمية في الصارم ص368: أخبر سبحانه أن من ازداد كفراً بعد إيمانه لن تقبل توبته، وفرق بين الكفر المزيد كفراً والكفر المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الأول، فمن زعم أن كل كفر بعد الإيمان تقبل منه التوبة فقد خالف نص القرآن ا- هـ.
وفي "منار السبيل" لابن ضويان 2/409: لا تقبل توبة من تكررت ردته، لأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته، وقلة مبالاته بالإسلام ا- هـ.
وقال القاضي عياض ص631-634: من تكرر منه ذلك وعرف استهانته بما أتى به، فهو دليل على سوء طويته، وكذب توبته، وصار كالزنديق الذي لا نأمن باطنه، ولا نقبل رجوعه، وحكم السكران في ذلك حكم الصاحي.
وقال أبو الحسين القابسي في سكران قال: أنا الله أنا الله، إن تاب أدب فإن عاد إلى مثل قوله طولب مطالبة الزنديق لأن هذا كفر المتلاعبين ا- هـ.
وكذلك من جحد كفره بعد قيام البينة القاطعة على كفره، فالراجح أنه يقتل ولا يستتاب، لأن الاستتابة تكون من شيء وهذا لا يعترف بشيء رغم قيام البينة عليه .. فمما يُستتاب ؟!
ثم نكرانه لهو دليل على كذبه وسوء طويته، وعدم صدق توبته .. وكان علي بن أبي طالب  قد قتل الذين جحدوه كفرهم من دون أن يستتيبهم، والله تعالى أعلم.
أما الشاتم للنبي ، فقد تقدم أنه يُقتل ولا بد، ومن دون أن يستتاب .. وأنه يقتل حداً وكفراً، فإن تاب الشاتم من السب وحسنت توبته، نفعه ذلك يوم القيامة، أما في الدنيا يتعين عليه القتل حداً من حدود الله، حصانة لحرمة نبيه .
فإن التوبة تجب ما قبلها مما يتعلق بحق الله عليه، أما ما يتعلق بحق العباد فلا بد من القود والقصاص، إن لم يقابل منهم بالعفو والصفح.
قال ابن تيمية في الصارم: أن قتلَ ساب النبي  وإن كان قتل كافر، فهو حد من الحدود ليس قتلاً على مجرد الكفر والحراب، لما تقد من الأحاديث الدالة على أنه جناية زائدة على مجرد الكفر والمحاربة، ومن أن النبي  وأصحابه أمروا فيه بالقتل عيناً.. وقد ثبت أن حده القتل بالسنة والإجماع ا- هـ.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي   كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:53 am

فإن قيل: قد صح أن النبي  قد عفا عن بعض من سبه ممن حسنت توبته، وهذا دليل على قبول توبة ساب الرسول  ؟!
أقول: العفو وعدمه هو حق خاص بالنبي ، فله أن يعفو وله أن لا يعفو عمن نال من جنابه ، وقد صح عنه الوجهان في حياته .
لكن بعد وفاته  من مخول من الأمة أن يعفو عن حق هو خاص به  ..؟!
لا شك أنه لا أحد يستطيع أن يدعي لنفسه هذا الحق، لذا كان الصحابة لا يرون لساب النبي  أو المنتقص له بشيء .. سوى القتل.
وكان أبو بكر الصديق  يقول:" إن حد الأنبياء ليس يشبه الحدود". من حيث القصاص والجزاء في الدنيا والآخرة، ومن حيث إمكانية العفو؛ فإن أمكن إسقاط بعض الحدود بعفو المحقين عن المحقوقين، فإنه لا يمكن إسقاط حد الأنبياء، لأنه لا أحد بعد وفاتهم مخول بالعفو عن حق هو خاص بهم.
ـ تنبيه: كثير من يخلط بين الاستتابة وبين قيام الحجة، ويظن أن الاستتابة نوع من أنواع قيام الحجة التي لا يمكن تكفير المعين إلا بعد قيامها عليه ..!
والصواب: أن قيام الحجة شيء والاستتابة شيء آخر؛ فقيام الحجة تكون قبل أن يُحمل حكم الكفر أو الردة على المعين، وهي تقوم بإيصال المعلومة الشرعية الصحيحة التي تستأصل عنصر الجهل المعجز الذي كان سبباً في وقوع هذا المعين بالمخالفة.
بينما الاستتابة تكون بعد الحكم على المعين بالكفر والردة، وهي تُعرض على المخالف المرتد لتكون فرصته الأخيرة لمراجعة نفسه وموقفه .. عساه أن يؤوب إلى الحق والهدى من جديد.
ـ حكم شاتم الصحابة رضي الله عنهم ؟
اعلم أن الله تعالى قد أثنى خيراً على أصحاب رسول الله  من الأنصار والمهاجرين في محكم التنزيل، ورضي عنهم ورضوا عنه، وجعل حبهم دينا ًو إيماناً، وبغضهم كفراً ونفاقاً.
قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التوبة:10.
وقال تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً الفتح:18.
وقال تعالى:  لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ التوبة:117.
وقال تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً الفتح:29. فدلت الآية أنه لا يغتاظ منهم ولا يبغضهم إلا كل منافق كافر.
وقال تعالى:  كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ آل عمران:110. وأولى الناس مراداً بهذه الآية هم أصحاب رسول الله  .. فخير قرون هذه الأمة القرن الأول؛ قرن الصحابة .. ثم الثاني، ثم الثالث.
وغيرها كثير من الآيات التي تدل على فضل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .. وعلى رضى الله تعالى عنهم والثناء عليهم خيراً.
وفي السنة فقد صح عن النبي  أنه قال: " لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة"، وفي رواية:" إني لأرجو أن لا يدخل النار أحد ـ إن شاء الله ـ ممن شهد بدراً والحديبية " مسلم.
وقال :" لا تسبوا أحداً من أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه " متفق عليه.
وعن ابن عباس قال:" لا تسبوا أصحاب محمد، فلمقام أحدهم ساعة ـ يعني مع النبي  ـ خير من عمل أحدكم أربعين سنة "[ ]، وفي رواية: " خير من عبادة أحدكم عمره ".
وعنه مرفوعاً:" من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين "[ ].
وقال  في الأنصار:" لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله ". وفي رواية:" لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله وباليوم الآخر" مسلم.
أما حكم شاتم الصحابة فقد تباينت أقوال العلماء فيه، بحسب صيغ الشتم والقرآئن الدالة على قصد الشاتم، فمن كان شتمه مؤداه إلى تكذيب القرآن الكريم ورد النصوص الصحيحة الثابتة في السنة، كأن يشكك في عدالتهم وسلامة دينهم فيصفهم بالكفر أو الفسوق وغير ذلك، أو يُعمم في السب والشتم فلم يستثن منهم إلى بضعة أنفار .. فهذا النوع من الشتم والسب مكفر لصحابه ومخرج له من الملة لتضمنه التشكيك في صحة الرسالة ـ التي نُقلت عن طريقهم ـ والتكذيب للنصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة التي تزكيهم وتثني عليهم خيراً [ ].
أما إن جاء السب والقدح على غير الوجه المتقدم فإن أهل العلم لم يختلفوا على وجوب
تعزير الشاتم بالضرب والزجر والتأديب البليغ الذي يردعه ومن توسل لهم أنفسهم الأمارة بالسوء بالإقدام على مثل هذا الفعل القبيح الذي لا ينم إلا عن نفاق وزندقة.
قال ابن تيمية رحمه الله في الصارم ص590: من سبهم سباً لا يقدح في عدالتهم ولا في دينهم، مثل وصف بعضهم بالبخل، أو الجبن، أو قلة العلم، أو عدم الزهد، ونحو ذلك فهذا هو الذي يستحق التأديب والتعزير، ولا نحكم بكفره بمجرد ذلك، وعلى هذا يحمل كلام من لم يكفرهم من أهل العلم.
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا نفراً قليلاً لا يبلغون بضعة عشر نفساً، أو أنهم فسقوا عامتهم، فهذا لا ريب أيضاً في كفره، لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع: من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين، فإن مضمون هذه المقالة أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فساق، وأن هذه الآية التي هي  كنتم خير أمة أخرجت للناس وخيرها هو القرن الأول، وكان عامتهم كفاراً أو فساقاً، ومضمونها أن هذه الأمة شر الأمم، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارها، وكفر هذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام.
ولهذا تجد عامة من ظهر عليهم شيء من هذه الأقوال، فإنه يتبين أنه زنديق ا- هـ.
وقال القاضي عياض في الشفا 2/610: وكذلك نقطع بتكفير كل قائل قولاً يتوصل به إلى تضليل الأمة، وتكفير الصحابة، فهؤلاء قد كفروا من وجوه، لأنهم أبطلوا الشريعة بأسرها، إذ انقطع نقلها ونقل القرآن، إذ ناقلوه كفرة على زعمهم ا- هـ.
ـ خلاصة القول: أن الشتم إذا كان متعلقاً بدين الصحابة، أو كان شاملاً لعامة الصحابة أو أكثرهم كان الشتم كفراً وصاحبه كافراً، وإذا كان الشتم متعلقاً بذوات الصحابة دون دينهم .. ودون التعرض لعدالتهم .. كان صاحبه غير كافر، لكن يظن به سوءاً ويضرب ويؤدب .. ولا يُستأمن على دين.







* * *

ـ مسائل متفرقة لها علاقة بموضوع البحث:
1ـ المسألة الأولى:شبهة استحلال الشتم، وتقييد الكفر بالجحود والتكذيب القلبي فقط!
قال عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى في كتابه " الكلمات النافعة في المكفرات الواقعة ": هذه فصول وكلمات نقلتها من كلام العلماء المجتهدين من أصحاب الأئمة الأربعة الذين هم أئمة أهل السنة والدين، في بيان بعض الأفعال والأقوال المكفرة للمسلم المخرجة له من الدين، وأن تلفظه بالشهادتين وانتسابه إلى الإسلام وعمله ببعض شرائع الدين لا يمنع من تكفيره وقتله وإلحاقه بالمرتدين، والسبب الحامل على ذلك أن بعض من ينتسب إلى العلم والفقه من أهل هذا الزمان غلط في ذلك غلطاً شنيعاً، ولم يكن لهم بإنكارهم ذلك مستند صحيح لا من كلام الله ولا من كلام رسوله ولا من كلام أئمة العلم والدين، إلا أنه خلاف عاداتهم وأسلافهم عياذاً بالله من الجهل والخذلان والتعصب ا- هـ.
قلت: وفي زماننا أيضاً يوجد هؤلاء الذين ينتسبون إلى العلم والفقه، الذين قيدوا ـ من غير علم ولا دليل ـ كل كفر ظاهر ـ بالفعل أو القول ـ بشرط الاستحلال أو الاعتقاد، فالكفر عندهم للاستحلال أو لاعتقاد الكفر وليس لذات الكفر أو الشرك ولو كان هذا الشرك عبادة صريحة لغير الله  وكفراً أكبر!!
ومن ذلك شتم الله والدين، حيث أن الشاتم عندهم ليس بكافر حتى يضم إلى شتمه وسخريته بالدين استحلال الشتم واعتقاده، ومن دون ذلك لا يكفر ويكون كفره كفراً عملياً أصغر كأي معصية هي دون الكفر[ ]!!
وهذا قول باطل ومردود، لا يقول به إلا كل جاهل بالتوحيد .. وبأصول الإيمان .. وذلك من أوجه:
أولاً: أنه قول محدث، لا دليل عليه من الكتاب والسنة، ولا قولاً لصحابي، أو عالم معتبر، ووجود بعض الأدلة، وكذلك بعض أقوال أهل العلم التي تفيد أن الجحود والاستحلال كفر، هذا لا يعني ولا يستلزم حصر نواقض الإيمان في الاستحلال والتكذيب فقط، ونفي بقية نواقض الإيمان الأخرى!
وقد جاءت بعض العبارات لبعض أهل العلم مقتضبة في هذا المعنى، فليس من الأمانة العلمية والإنصاف أخذها منعزلة عن مجموع أقوالهم في المسألة ومجردة عن نصوص الكتاب والسنة، ثم بناء الأحكام والقواعد على أساسها، متذرعين بنسبتها لأهل العلم[ ]!
ثانياً: أن النصوص الكتاب والسنة ـ منها ما تقدم ذكرها في مطلع هذا البحث ـ تفيد أن من الكفر ما يكون كفراً مخرجاً من الملة لذاته، مجرداً عن قيد الجحود والتكذيب أو الاستحلال، كالشتم والاستهزاء، والإعراض، وعبادة غير الله، وموالاة الكفار ومظاهرتهم على المسلمين وغير ذلك[ ].
وقد أجمع العلماء على أن من الأعمال ما تكون كفراً لذاتها، مجردة عن قيد الجحود والتكذيب، قال القاضي عياض في الشفا 2/611: وكذلك نكفر بكل فعل أجمع المسلمون أنه لا يصدر إلا من كافر، وإن كان صاحبه مصرحاً بالإسلام مع فعله ذلك الفعل، كالسجود للصنم، وللشمس، واقمر، والصليب والنار، والسعي إلى الكنائس والبيع مع أهلها، والتزين بزيهم من أشد الزنانير وفحص الرؤوس[ ]، وقد أجمع المسلمون أن هذا لا يوجد إلا من كافر، وأن هذه الأفعال علامة على كفره، وإن صرح فاعلها بالإسلام ا- هـ.
ثالثاً: أن تقييد كفر الشاتم بشرط الاستحلال أو الاعتقاد، هو بخلاف ما نص عليه هل العلم، وإليك بعض أقوالهم.
قال ابن تيمية في الصارم: إن سب الله أو سب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء
وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل[ ].
ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة.
وفي رده على الذين يشترطون الاستحلال لكفر الساب، قال: الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلاً كفر وإلا فلا، ليس لها أصل..
الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السب حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى كفر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كفر، ولكن لا فرق في ذلك بين سب النبي  وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها، فإنه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاً كفر، مع أنه لا يجوز أن يقال: من قذف مسلماً أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله.
الوجه الثالث: أن اعتقاد حل السب كفر، سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن، فإذاً لا أثر للسبِّ في التكفير وجوداً وعدماً، وإنما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء.
الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن لا يكفر، لاسيما إذا قال: أنا اعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظاًً وسفهاً، أو عبثاً ولعباً، كما قال المنافقون:  إنما كنا نخوض ونلعب  فإن قيل يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السب مكفراً.
قال سبحانه وتعالى:  لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم  ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب.
وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليل على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر الساب، وما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنما هي أدلة بينة في أن نفس أذى الله ورسوله كفر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجوداً وعدماً ا- هـ.
وقال ابن حزم في المحلى 435-437: وأمَّا سب الله تعالى، فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد، إلا أن الجهمية، والأشعرية وهما طائفتان لا يعتد بهما، يصرحون بأن سب الله تعالى، وإعلان الكفر، ليس كفراً، قال بعضهم: ولكنه دليل على أن يعتقد الكفر، لأنه كافر بيقين بسبه الله تعالى، وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام، وهو أنهم يقولون: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، وإن أعلن بالكفر وعبادة الأوثان بغير تقية ولا حكاية...!
ثم قال: وهذا كفر مجرد، لأنه خلاف لإجماع الأمة، ولحكم لله تعالى ورسوله ، وجميع الصحابة ومن بعدهم، لأنه لا يختلف أحد في أن هذا القرآن وهو الذي جاء به محمد  وذكر أنه وحي من الله تعالى... ولم يختلفوا في أن فيه التسمية بالكفر، والحكم بالكفر قطعاً على أن من نطق
بأقوال معروفة، كقوله تعالى:  لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم  وقوله تعالى:  ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم فصح أن الكفر يكون كلاماً .
وقد حكم الله تعالى بالكفر على إبليس، وهو عالم بأن الله خلقه من نار وخلق آدم من طين، وأمره بالسجود لآدم وكرمه عليه، وسأل الله تعالى النظرة إلى يوم يبعثون.
ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس، باستخفافه بآدم عليه السلام كافراً، لأنه إذ قال  أنا خير منه فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره وسماه كافراً بقوله:  وكان من الكافرين  [ ].
ثم يقال لهم: إذ ليس شتم الله تعالى كفراً عندكم، فمن أين قلتم: إنه دليل على الكفر ؟!
فإن قالوا لأنه محكوم عليه بنفس قوله، لا بمغيب ضميره الذي لا يعلمه إلا الله تعالى فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط، فقوله هو الكفر، ومن قطع على أنه في ضميره، وقد أخبر الله تعالى عن قوم:  يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم  فكانوا بذلك كفاراً، كاليهود عرفوا صحة نبوة رسول الله  كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله تعالى قطعاً بيقين، إذ أعلنوا كلمة الكفر ا- هـ.
فتأمل كيف ربط اشتراط الاعتقاد والاستحلال لكفر الساب بعقيدة الجهمية غلاة المرجئة، الذين يقولون الإيمان هو التصديق وبالتالي فالكفر يكون عندهم بالجحود والتكذيب القلبي فقط!
رابعأً: إن اشترط الاستحلال والاعتقاد يكون فيما هو دون الكفر، كالزنى والسرقة وشرب الخمر ونحوها من المعاصي التي هي دون الكفر، فمثل هذه الذنوب لا نكفر صاحبها إلا إذا تبين لنا أنه يمارسها على وجه الاستحلال أو الجحود .. ومن اشترط الاستحلال للتكفير إنما أراد هذا النوع من الذنوب، وليس مطلق الذنوب بما في ذلك الشرك!
فاشتراط الاستحلال لا يجوز أن يقال عند حصول الكفر أو الشرك الأكبر، كأن يقال لا نكفر الكافر حتى يستحل كفره، أو لا نكفر المشرك الذي يعبد الأوثان حتى يستحل شركه، فهذا قيد لم يرد عليه دليل من الكتاب والسنة .. ولم يقل به أحد من علماء أهل السنة والجماعة، وإنما أطلقته الجهمية والمرجئة لفساد أصولهم واعتقادهم في الإيمان كما تقدم.
وأما المقولة التي أطلقها بعض أهل العلم، كما في متن الطحاوية وغيره:" لا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"، أرادوا بذلك ـ كما أشرنا آنفاً ـ الذنب الذي هو دون الكفر والشرك، وأرادوا بذلك أيضاً مخالفة الخوارج الذين يكفرون بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر الأكبر .. ولم يريدوا مطلق الذنب[ ].
لكن بعض ممن ينتسبون إلى العلم والفقه ممن عشعش الإرجاء قي قلوبهم وتربع، الذين لا يحسنون العوم إلا في الماء العكر .. حيث يتتبعون الزلات والشبهات أينما وجدت، قد استغلوا هذه العبارة أسوأ استغلال، وأطلقوها على كل ذنب بما في ذلك الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة!
ودرءاً لهذا الاستغلال السيئ، ومن باب سد الذرائع والطرق أمام أصحاب القلوب المريضة بالإرجاء، أرى أن تقيد هذه العبارة بالقيد التالي، حيث تصبح:" لا نكفر أحداً بذنب دون الكفر ما لم يستحله" والله تعالى أعلم.
خامساً: إن إطلاق مثل هذا القيد لتكفير الكافر، مفاده تعطيل قاعدة شرعية عظيمة دلت عليها نصوص الشريعة، وهي " اعتبار الظاهر في الكفر والإيمان "[ ]. فكما أننا نحكم على المرء بالإيمان من خلال ظاهره، كذلك نحكم عليه بالكفر من خلال ظاهره ومن دون أن نتتبع الباطن ونشق عن القلوب والبطون .. فالله تعالى وحده يتولى السرائر وما انعقدت عليه القلوب.
وكما لا يجوز لنا أن نتوقف عن إسلام المرء إن أظهر لنا إسلاماً وإيماناً، بحجة أننا نجهل عقيدته، ولا بد لنا من معرفة باطنه، وحقيقة ما وقر في قلبه، كذلك لا يجوز لنا أن نتوقف عن تكفيره إن أظهر لنا كفراً بواحاً بحجة أننا نجهل عقيدته وباطنه، وأنه لا بد أولاً من معرفة هل يستحل الكفر في قلبه أم لا..!!
فنحن علينا بالظاهر، والله تعالى وحده يتولى السرائر، ويحاسب عليها .. فمن أظهر لنا الكفر ـ من غير مانعٍ شرعيٍّ معتبر ـ أظهرنا له التكفير ولا بد.
ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب  حيث قال:" إن ناساً كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله ، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيراً أمَّناه وقربناه وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءاً لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة " البخاري.
سادساً: هذا القول ـ وهو تقييد الكفر بالاستحلال والجحود فقط ـ يلزم أصحابه أن يقولوا بقول المرجئة في الإيمان، بل بقول غلاتهم من الجهمية، رضوا بذلك أم أبوا، وسواء تسموا باسمهم أو ادعوا أنهم على غير مناهجهم .. فالعبرة بالتحلي وبواقع الحال .. وليس بالتسمي ومجرد الادعاء، وبيان ذلك من أوجه، منها: أن المرجئة قالوا: إن الإيمان اعتقاد وقول، وغلاتهم من الجهمية قالوا بل هو اعتقاد وحسب، فمن أتى بالاعتقاد نجى وإن لم يأت بالإقرار والعمل.
وأنتم قلتم: الإيمان هو التصديق، وأحسنكم أضاف شرط الإقرار، أما شرط العمـل
فنفيتموه ولم تلتزموا به إلا كتعريف فقط، حتى لا يشار إليكم بالمخالفة لعقيدة السلف في الإيمان!
وبرهان ذلك أن أي كفر لا يتضمن نفي التصديق .. أو لا يُمارس على وجه الاستحلال والاعتقاد .. فصاحبه ليس بكافر عندكم، مهما كان هذا الكفر صريحاً وبواحاً .. وهذا بخلاف عقيدة السلف الذين يقولون أن الإيمان: اعتقاد وقول وعمل[ ].
فانظر مثلاً ماذا يقول ابن تيمية، وكيف يربط بين الكفر الظاهر وبين تعريف السلف للإيمان، ويجعل من لوازم أحدهما القول بالآخر، حيث قال في الصارم 369: لا فرق بين من يعتقد أن الله ربه، وأن الله أمره بهذا الأمر ثم يقول: إنه لا يطيعه، لأن أمره ليس بصواب ولا سداد، وبين من يعتقد أن محمداً رسول الله وأنه صادق واجب الاتباع في خبره وأمره، ثم يسبه أو يعيب أمره أو شيئاً من أحواله، أو تنقصه انتقاصاً لا يجوز أن يستحقه الرسول، وذلك أن الإيمان قول وعمل، فمن اعتقد الوحدانية في الألوهية لله سبحانه وتعالى الرسالة لعبده ورسوله، ثم لا يتبع هذا الاعتقاد موجبه من الإجلال والإكرام الذي هو حال في القلب يظهر أثره على الجوارح؛ بل قارنه الاستخفاف والتسفيه والازدراء بالقول أو بالفعل، كان وجود ذلك الاعتقاد كعدمه، وكان ذلك موجباً لفساد ذلك الاعتقاد ومزيلاً لما فيه من المنفعة والصلاح ا- هـ.
فتأمل كيف اعتبر من لوازم القول بأن الإيمان قول وعمل، القول بكفر الساب أو المستخف المزدري بالقول أو بالفعل، وإن كان معتقداً بوحدانية الله عز وجل وبنبوة محمد  وبوجوب اتباعه.
وقال أيضاً في الفتاوى7/188-193: ومن هنا يظهر خطأ قول:" جهم بن صفوان" ومن اتبعه حيث ظنوا أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه، لم يجعلوا أعما القلب من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بقلبه، وهو مع هذا يسب الله ورسوله، ويعادي الله ورسوله، ويعادي أولياء الله، ويوالي أعداء الله، ويقتل الأنبياء ويهدم المساجد، ويهين المصاحف، ويكرم الكفار غاية الكرامة، ويهين المؤمنين غاية الإهانة، قالوا: وهذه كلها معاص لا تنافي الإيمان الذي في قلبه، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن قالوا: وإنما ثبت له في الدنيا أحكام الكفار، لأن هذه الأقوال إمارة على الكفر ليحكم بالظاهر كما يحكم بالإقرار والشهود، وإن كان في الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به الشهود، فإذا أورد عليهم الكتاب والسنة والإجماع على أن الواحد من هؤلاء كافر في نفس الأمر معذب في الآخرة، قالوا: فهذا دليل على انتفاء التصديق والعلم من قلبه!!
فالكفر عندهم شيء واحد وهو الجهل، والإيمان شيء واحد وهو العلم، أو تكذيب القلب وتصديقه[ ]!!
وهذا القول مع أنه أفسد قول قيل في "الإيمان" فقد ذهب إليه كثير من أهل الكلام المرجئة، وقد كفر السلف كوكيع بن الجراح، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد وغيرهم من يقول بهذا القول.
وقالوا: إبليس كافر بنص القرآن وإنما كفره باستكباره وامتناعه عن السجود لآدم، لا لكونه كذب خبراً[ ]. وكذلك فرعون وقومه، قال الله تعالى فيهم: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً النمل:14. وكذلك اليهود الذين قال الله فيهم:الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ البقرة: 146. وكذلك كثير من المشركين الذين قال الله فيهم:  فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33.
فهؤلاء غلطوا في أصلين: أحدهما ظنهم أن الإيمان مجرد تصديق وعلم فقط، ليس معه عمل، وحال، وحركة، وإرادة، ومحبة، وخشية في القلب، وهذا من أعظم غلظ المرجئة مطلقاً.
والثاني ظنهم أن كل من حكم الشارع بأنه كافر مخلد في النار، فإنما ذلك لأنه لم يكن في قلبه شيء من العلم والتصديق[ ].
وهذا أمر خالفوا به الحس والعقل والشرع، وما أجمع عليه طوائف بني آدم السليمي الفطرة وجماهير النظار؛ فإن الإنسان قد يعرف أن الحق مع غيره، ومع هذا يجحد ذلك لحسده إياه، أولطلب علوه عليه، أو لهوى النفس، ويحمله ذلك الهوى على أن يعتدي عليه ويرد ما يقول بكل طريق، وهو في قلبه يعلم أن الحق معه، وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون، لكن إما لحسدهم وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه وما يحل لهم به من الأغراض كأموال ورياسة وصداقة أقوام وغير ذلك، فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم ويعادونهم فيكونون من أكفر الناس كإبليس وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل والرسل على الحق.
ولهذا لا يذكر الكفار حجة صحيحة تقدح في صدق الرسل، إنما يعتمدون على مخالفة أهوائهم، كقولهم لنوح:  قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ الشعراء:111. ومعلوم أن اتباع الأرذلين له لا يقدح في صدقه؛ لكن كرهوا مشاركة أولئك، كما طلب المشركون من النبي  إبعاد الضعفاء، كسعد بن أبي وقاص، وابن مسعود، وخباب بن الأرت، وعمار بن ياسر، وبلال ونحوهم، وكان ذلك بمكة قبل أن يكون في الصحابة أهل الصفة، فأنزل الله تبارك وتعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَالأنعام:52-53.
ومثل قول فرعون:  فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ المؤمنون:47. قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ الشعراء:18 و19 . ومثل قول مشركي العرب: وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا القصص:57. ومثل قول قوم شعيب له: قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ هود:87. ومثل قول عامة المشركين:  إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَالزخرف:23.
وهذه الأمور وأمثالها ليست حججاً تقدح في صدق الرسل، بل تبين أنها تخالف إرادتهم وأهواءهم وعاداتهم، فلذلك لم يتبعوهم، وهؤلاء هم كفار، بل أبو طالب وغيره كانوا يحبون النبي  ويحبون علو كلمته، وليس عندهم حسد له، وكانوا يعلمون صدقه، ولكن كانوا يعلمون أن في متابعته فراق دين آبائهم وذم قريش لهم، فما احتملت نفوسهم ترك تلك العادة واحتمال هذا الذم، فلم يتركوا الإيمان لعدم العلم بصدق الإيمان به، بل لهوى النفس، فكيف يقال: إن كل كافر إنما كفر لعدم علمه بالله ؟!!! ا- هـ.
ومنها: أن المرجئة يقولون: لا يضر مع التصديق ذنب...!
وأنتم قلتم: لا يضر مع التصديق كفر؛ فالمرء مهما استحل الكفر عملاً لا يمكن أن ينفيه .. وهذا أغلظ وأقبح، وأشنع ..!
فإن قلتم: نحن نقول الإيمان يزداد وينقص، والمرجئة لا يقولون ..؟
قلنا لكم: هذا ادعاء كاذب تتسترون خلفه حتى لا ينكشف إرجاؤكم، ودليل ذلك أن من لوازم القول بأن الإيمان يزداد وينقص، القول بأن المعاصي تؤثر على الإيمان على سلباً ونقصاناً، وتضعفه بحسب نوعها وكمها، فأثر صغائر الذنوب على الإيمان هو أقل من أثر كبائر الذنوب، كشرب الخمر ، والزنا، والسرقة، وقتل النفس بغير حق، وأثر هذه الكبائر مجتمعة على الإيمان، هو أقل من الإشراك بالله منفرداً، ولكي يتميز الشرك عن غيره من الذنوب من حيث الأثر على الإيمان، كان لا بد من أن ينتفي مطلق الإيمان من القلب بالشرك دون غيره من الذنوب .. وهذا الذي دلت عليه النصوص الشرعية، كما في قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر:65، وقوله تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ"[ ].
وأنتم قلتم: بل يجتمع، وأن جميع الذنوب بما في ذلك الشرك والكفر لا تنافي الإيمان من القلب ما لم تتضمن الجحود أو الاستحلال القلبي!!
فسويتم بذلك بين الشرك وغيره من الذنوب من حيث أثرها على الإيمان .. فعلم كذب ادعائكم وكشف تستركم بعقيدة السلف!!
ثم أننا نقول: أي ذنب صغير يمارس على وجه الاستحلال ـ بل لو اعتقد حله من غير ممارسة ـ فإنه كفر يخرج صاحبه من الملة، فكان لا بد من أن يتميز الشرك عن غيره من الذنوب، بحيث يكون كفراً لذاته بغض النظر عن الاستحلال وجوداً وعدماً.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي   كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:54 am

سابعاً: من مزالق هذا الاعتقاد أن يُلزم أصحابه بعدم تكفير الكافر كفراً بواحاً، إلا إذا صرح لهم بفيه أنه مستحل لما حرم الله وجاحد لدين الله، وما سوى ذلك فساحة التأويل تسعه، والكفر العملي الأصغر ينتظره ولو كان من أطغى طغاة الأرض ...!!
ولقد وجدناهم قد أمسكوا عن تكفير طغاة قد اجتمعت فيهم جميع نواقض الإيمان، لا يجهل كفرهم إلا كل أعمى البصر والبصيرة، بحجة أنهم لم يسمعوا منهم عبارة الاستحلال والجحود..!!
بل الكافر على شرطهم؛ المستحل لما حرم الله بالتصريح الظاهر، الجاحد لدين الله، المنتفي عنه جميع موانع التكفير، لا يستحسنون تكفيره بعينه كما قرروه في كتابهم " إحكام التقرير "، متذرعين بالتقوى والورع[ ]!!
ثم بعد كل ذلك يسألونك: أين يمكن إرجاؤنا .. وأين الدليل على إرجائنا؟!
ونحن في هذا الصدد ليس لنا سوى أن نذكرهم بالقاعدة الشرعية الصحيحة، التي أجمع على صحتها علماء الأرض، وهي: "أن من لم يكفر الكافر، أو شك في كفره، فقد كفر". لعلهم يردعوا عن باطلهم وغيهم، ويعودوا إلى رشدهم و صوابهم، ويتقوا الله في أنفسهم والناس من حولهم ..!
ـ افتراء جديد على علماء التوحيد...!
مما يستلفت الانتباه، ويشتد له العجب غمزهم وطعنهم بعقيدة علماء التوحيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأحفاده رحمهم الله تعالى، وذلك أننا عندما نذكر لهم أن ما قرروه من تقييد للكفر بالجحود والاستحلال فقط هو مخالف لما نص عليه الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتبه عندما تكلم عن نواقض الإسلام العشرة ونقل عليها إجماع العلماء[ ]، فسرعان ما يبادرونك القول: اجتهد الشيخ فأخطأ...!!
قلنا لهم: ولكن هذه النواقض نالت القبول والموافقة عند علماء التوحيد في الجزيرة العربية من لدن الشيخ حتى أيامنا هذه، وكثرت مؤلفاتهم في بيانها وشرحها وتحذير الناس منها..!
قالوا: قد اجتهدوا وأخطأوا، ونحن لا نرى التقليد، وهم ليسوا حجة علينا..؟!
أرأيت الغرور والجهل والإرجاء، كيف يخيل لهم إمكانية مناطحة الجبال الشماء الجرداء الضاربة الجذور في الأرض، برؤوس حافية صلعاء...!
وفي هؤلاء يصدق قول الشاعر :
كناطحٍ صخرةً يوماً ليوهِنُها فما أوهاها ولكن أوهى قرنَهُ الوعلُ
وقولهم: اجتهد وأخطأ، يستساغ أن يقال في المسائل الفرعية ونحوها من الأمور المتشابهات، أما أن يقال أن الشيخ اجتهد وأخطأ في مسائل العقيدة والتوحيد، العقيدة التي أكثر من الدندنة حولها، وصرف جل حياته يجاهد في سبيلها .. هذا يستلزم أن الشيخ كان جاهلاً في التوحيد، وعقيدته باطلة، وأنه بالنواقض التي أثبتها كان يكفر الناس من غير علم ولا دليل..!
نعم قولوها هكذا صراحة ومن دون مواربة ولا وجل .. أم أنكم تخشون مسلمي الجزيرة العربية ..؟!
أم أنكم تخشون أن تتوقف مبيعات كتبكم المدعومة .. في الجزيرة؟!
أتخشون على سمعتكم، ونفوذكم، ومصالحكم أن يمسها السوء .. ولا تخشون الله تعالى؟!!
فالله تعالى أجل وأعز وأولى بأن تتقوه وتخشوه فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ التوبة:13.
ـ المسألة الثانية: فيمن يشتم عن غضب..؟
من الشبه التي يثيرها أهل الإرجاء حول المسألة، أن الشاتم عن غضب يعذر، ولا شيء عليه .. فجعلوا الغضب مانعاً من موانع التكفير[ ]!!
وهذا كلام باطل لا دليل عليه من الكتاب والسنة، ولم يقل به عالم سني معتبر .. بل الدليل على خلافه، وإلا لكان من باب أولى أن يعذر القاتل عن غضب, أو الذي يزني عن غضب، أو يسطو على أموال وحرمات الناس عن غضب و غير ذلك, ولما تبين لنا أن الغضب لا يرفع القلم عن صاحبه, ولا يمنع من لحوق الوعيد والعقاب عنه في الدنيا والآخرة علمنا بالضرورة أنه مسؤول ومحاسب على كل ما يبدر عنه من قول أو عمل كفري ولا بد .. وإن زعم أنه كان عن غضب أو ثورة غضبية كما يقول الشيخ!
ولا يصح أن يقاس الغضبان ـ كما يفعل البعض! ـ على حال ذلك الرجل الذي أخطأ من شدة الفرح، فزل لسانه عن غير قصد ولا إرادة للقول الخاطئ، فقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك". وكان يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، لكن لهول المفاجأة، وشدة الفرح أخطأ وزل لسانه.
والخطأ في مثل هذه الحالات نرجو أن يعذر صاحبه، وكذلك من يخطئ في تلاوة القرآن فيزيد وينقص عن غير قصد للزيادة أو النقصان .. ونحوه الذي يقرأ آية يكون فيها لفظ الجلالة مرفوعاً فيجعله عن غير قصد منصوباً، وما ماثلها من الحالات فإن الخطأ فيها يعذر صاحبها بإذن الله.
لقوله تعالى:  وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:5.
وفي الحديث:" رفع عن أمتي الخطأ والنسيان". وفي رواية: " إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه "[ ].
وكذلك المجنون، فاقد العقل، ونحوه المصروع بالجن الذي لا يدري ما يقول، فإنه يعذر لقوله : "رفع القلم عن المجنون المغلوب على عقله حتى يبرأ "[ ].
لكن الذي يحصل و يلاحظ أحياناً أن بعض الأشقياء ـ قليلي التربية ـ يتحرشون بالمجنون بشيء من الأذى والسخرية فيتسببون لذلك المجنون بأن يشتمهم ويشتم الله والدين معهم .. وهم في هذه الحالة يتحملون وزر الشتم وتُجرى عليهم كامل تبعاته، وبخاصة إن علموا أن تحرشهم به سيؤدي إلى شتم الخالق .
ـ المسألة الثالثة: الفرق بين شتم شعيرة من شعائر الدين، وبين شتم المسلم..؟
شتم أي شعيرة من شعائر الدين، كالصلاة، والزكاة، والحج، والصوم، أو الكعبة ونحوها
مما جاء الدليل صريحاً على حرمته .. هو كفر، والشاتم لهذه الشعيرة كافر خارج عن الملة؛ لأنه شتم للدين ولمشرع هذا الدين .. الله .
بينما شتم المسلم إن كان لدينه وإسلامه، فهو كفر، لما يتضمن شتم الدين، وإن كان لذاته أو لسبب مجرد عن الدين، فهو فسوق وليس بكفر.
فإن قيل: حرمة المسلم عند الله تعالى أعظم من حرمة الكعبة، فعلام يكفر شاتم الكعبة ولا يكفر شاتم المسلم؟
قيل: إضافة إلى ما تقدم من أن الكعبة شعيرة من شعائر الدين أمرنا بتعظيمها، فإنه لا يقبل من الشاتم لها عذر سوى أنه شتمها لحرمتها الدينية، وكونها قبلة للمسلمين، لذلك كان شاتمها كافراً.
بينما شاتم المسلم يحتمل أن يكون قد شتمه لذاته أو لسبب شخصي مجرد عن الدين، لذا أمسكنا عن تكفيره، إلا إذا تبين لنا بقرينة جلية أنه يشتمه أو يسخر منه لدينه وإسلامه، فحينها يكون كافراً لطعنه واستهزائه بالدين كما تقدم.
قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ البروج:8. فهم لم ينقموا من المؤمنين لدنيا .. أو لأسباب شخصية خاصة .. بل لأنهم وحدوا الله تعالى وآمنوا به .. ولذلك فهم قد كفروا.
وقال تعالى:  زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ البقرة:212. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ، وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ، وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ  المطففين:29 ـ 32.
فدل أن صفة الاستهزاء بالمؤمنين لدينهم وإيمانهم، هي من صفة الكافرين المجرمين الضالين، ولا يستهزئ بالمؤمنين الموحدين إلا كافر صريح الكفر، أو منافق زنديق، كما قال تعالى عن المنافقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ التوبة:79.
وإذا كان هذا حال من يلمز المؤمنين في الصدقات، فكيف بالذي يشتمهم ويشتم لحاهم، ويجعلهم ـ في مجالسه الخاصة والعامة ـ عرضة للسخرية والتهكم أمام جلسائه.. لا ريب أنه أولى بالكفر والنفاق.
بقي أن نشير إلى أن من يشتم جميع المسلمين بصيغ التعميم كأن يقول: لعن الله المسلمين
وغير ذلك من عبارات الفحش والسب، أو يقول: النصارى أو اليهود أفضل من المسلمين ونحو ذلك من الاطلاقات العامة التي يشمل الطعن جميع المسلمين .. فإن مثل هذا النوع من السب والطعن كفر صريح يخرج صاحبه من الملة، لأنه يستحيل أن يكون سبه لجميع المسلمين في الأرض لخصومات شخصية بينه وبينهم، لذا لم يبق سوى احتمال واحد وهو أنه طعن بهم لدينهم وإيمانهم وتوحيدهم وهذا عين الكفر، وهو إضافة لذلك مغاير لما يتعين على المسلم حبهم وموالاتهم والثناء عليهم خيراً .. وهذا النوع من الشتم لا يصدر إلا من عدو لدود حقود!
قال الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ: الاستهزاء بالإسلام أو بشيء منه كفر أكبر.. ومن يستهزئ بالدين والمحافظين على الصلوات من أجل دينهم ومحافظتهم عليه، يعتبر مستهزئاً بالدين، فلا تجوز مجالسته، ولا مصاحبته بل يجب الإنكار عليه، والتحذير منه ومن صحبته، وهكذا من يخوض في مسائل الدين بالسخرية والاستهزاء يعتبر كافراً [ ].
وفي قوله  المتفق عليه:" ساب المسلم فسوق وقتاله كفر " يقول ابن حزم في الملل 3/237: فهو على عمومه؛ لأن قوله  هاهنا عموم للجنس، ولا خلاف في أن من نابذ جميع المسلمين وقاتلهم لإسلامهم فهو كافر ا- هـ.
وعليه ينبغي التفريق بين من يقاتل المسلمين لدينهم وإسلامهم وبين من يقاتل بعضهم لدنيا أو لتأويل تأوله .. فالأول يكفر، والآخر لا يكفر.
والذي حملنا على الإشارة إلى ذلك أن كثيراً من الإخوان الطيبين يقيسون قتال طواغيت الحكم المعاصرين على قتال الحجاج .. وقتله لبعض كبار التابعين .. مبررين قتالهم للمسلمين بأن الذين قاتلهم وقتلهم الحجاج هم أعظم وأجل ممن يُقتلون اليوم على أيدي طواغيت الحكم المعاصرين .. ومع ذلك كثير من السلف لم يكفر الحجاج .. ولم يُعرف عن أحدٍ منهم أنه كفر أمراءه من الأمويين ؟!
وفات هؤلاء أن قتال طواغيت الحكم المعاصرين وقتلهم للمسلمين ومحاربتهم لهم .. هو لتدينهم وإسلامهم .. ومن قبيل محاربة الإسلام الذي يدينون به ويطالبون بتحكيمه .. بخلاف قتال الحجاج وأمرائه الأمويين لمن خالفهم من المسلمين فإنه كان عن تأويل أو قل من أجل الدنيا، وتثبيت دعائم الملك والحكم .. ولم يكن من أجل إسلامهم والتزامهم بتعاليم الإسلام .. أو من أجل مطالبتهم بتحكيم الشريعة أبدا!
فالفرق شاسع بين الفريقين .. وبين الدوافع لكل منهما على القتل والقتال .. وبالتالي فإن
قياس أحد الفريقين على الآخر قياس باطل وفاسد ولا يجوز.
ـ المسألة الرابعة: شبهة الاستدلال بانتفاء قصد الكفر.
كثر كلام مرجئة العصر على انتفاء " قصد الكفر " كمانع من موانع التكفير .. حيث مما اشترطوه لتكفير المعين أن يقصد الكفر مما يقترفه من الكفر .. وجعلوا سبّ الدين ليس بكفر ما لم يكن صاحبه يقصد الكفر من سبه!
وهذا شرط باطل ما أنزل الله به من سلطان .. ولم يقل به عالم معتبر .. وهو بخلاف ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ التوبة:65-66. وهؤلاء لما قالوا ما قالوه لم يكن على وجه قصد الكفر .. وإنما كان على وجه الخوض واللعب .. ومع ذلك قال تعالى فيهم: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم .
وقال تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً . أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً الكهف:103-105.
فهؤلاء قد أثبت الله تعالى لهم الكفر مع كونهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعاً .. ومع انتفاء كونهم يقصدون الكفر .. فهم لا يقرون أنهم على خطأ فضلاً عن أن يقروا أنهم يقصدون الكفر .. ومع ذلك قال تعالى عنهم: أولئك الذين كفروا فحبطت أعمالهم .
بل لو تأملنا ملل الكفر كلها لما وجدنا منهم ملة تقول وتعترف أنها تقصد وتريد الكفر .. ولو رميتهم بالكفر لأنكروا عليك أشد الإنكار .. ولرموك أنت بالكفر لرميك لهم بالكفر!
قال ابن جرير في التفسير: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن يُقال: إن الله  عنى بقوله: هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً كل عامل عملاً يحسبه فيه مصيباً، وأنه لله بفعله ذلك مطيع مُرضٍ، وهو بفعله ذلك لله مسخط، وعن طريق أهل الإيمان به جائر كالرهبانية والشمامسة، وأمثالهم من أهل الاجتهاد في ضلالهم، وهم مع ذلك من فعلهم واجتهادهم بالله كفرة، من أهل أي دين كانوا.
وقوله: وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً  يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب من عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته ..ا- هـ.
وقال ابن حجر في الفتح تحت باب من ترك قتال الخوارج للتألف 12/315: وفيه أن من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه، ومن غير أن يختار ديناً على دين
الإسلام، وأن الخوارج شر الفرق المبتدعة .. ا- هـ.
وقال ابن تيمية في الصارم، ص177: وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفرَ بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافراً؛ إذ لا يقصد الكفر أحدٌ إلا ما شاء الله ا- هـ.
فإن قيل: كيف تفسر قول ذلك الرجل كما في الصحيح:" اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح " ..؟!
أقول: ذلك الرجل لم يكن يقصد قول الكفر .. كما في عبارته المذكورة أعلاه .. ولو قصد أن يقول قول الكفر كما في مقولته .. لكفر وإن زعم أنه كان يخوض ويلعب ولم يكن يقصد الكفر.
يوجد فرق بين عدم قصد قولِ أو فعل الكفر .. وبين عدم قصد الكفر .. ومن تكلم من أهل العلم عن ضرورة مراعاة القصد أراد النوع الأول من القصد .. وهو هل يقول الكفر أو يفعله عن قصدٍ له أم أنه وقع فيه عن خطأ وزلة لا قدرة له على تفاديها أو دفعها .. كخطأ ذلك الذي قال مقولته الآنفة الذكر .. وأخطأ من شدة الفرح؟!
فأهل السنة يشترطون أن يكون قاصداً للقول أو الفعل .. وأهل الإرجاء والأهواء يشترطون أن يكون قاصداً للكفر من ذلك القول أو الفعل .. والفرق بينهما بيِّن وشاسع!
وعليه فإننا نقول: كل من قصد أن يقول قولاً أو يفعل فعلاً كفرياً فإنه يكفر .. وإن كان قوله أو فعله للكفر كان على وجه الخوض أو اللعب، أو الهزل .. ولم يقصد منه الكفر .. ولم يمارسه على وجه الاعتقاد أو الاستحلال.
ومما ينبغي أن يُراعى فيه القصد كذلك .. عندما يكون الكفر متشابهاً وحمال أوجه .. يحتمل الكفر من وجه، ويحتمل خلافه من وجه آخر .. فهنا قواعد الشريعة تلزمنا أن نتبين من قصد ومراد ذلك المعين ومعرفة الدافع الذي حمله على الوقوع في هذا النوع من الكفر المتشابه الغير محكم قبل أن يُحكم عليه بالكفر .. ولا يجوز أن يُقال ذلك عند ورود الكفر البواح المحكم كالسب والطعن أو الاستهزاء بالدين. ـ المسألة الخامسة: حكم المرتد، وتبعات الارتداد عن الدين..؟
بعد أن بينا بالأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال علماء الأمة على أن شاتم الله والدين كافر مرتد، لا بد للقارئ من أن يدرك خطورة هذا الحكم، وتبعاته على صاحبه في الدنيا والآخرة، ليحذر ويُحذره الآخرين.
والإجابة على هذه المسألة نجملها في النقاط التالية:
1- المرتد عن الإسلام إلى الكفر، حكمه القتل، لقوله  : " من بدل دينه فاقتلوه" سواء كان المرتد عن دينه ذكراً أم أنثى، ومن كانت ردته من جهة الشتم والسب ففي استتابته تفصيل وخلاف كما تقدم.
2- يحرم نكاحه من مسلمة، فلا يعقد له قران، فإن كان متزوجاً يفسخ العقد ويفرق بينهما .. والفسخ على الراجح لا تُحسب من ضمن الطلقات الثلاث .. لأن الكافر لا يجوز أن يزوج من مسلمة، وأن تبقى له عليها ولاية كما قال تعالى:  لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ الممتحنة:10.
كما لا يجوز أن يُقر على الزواج من مشركة لأن دمه هدر.
3- يحرم عليه دخول المسجد، وبخاصة الحرم المكي، لقوله تعالى:  إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا التوبة:28. ولقوله تعالى: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ التوبة:17.ولقوله تعالى:  إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ  لتوبة:18.
4- يفقد بالردة ولا يته على أولاده وبناته، فلا يجوز له أن يتولى تزويج بناته وأبنائه، لأنه لا ولاية للكافر على المسلم، كما قال تعالى:  وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً النساء:141.
وقال ابن عباس: لا نكاح إلا بولي مرشد، وأعظم الرشد وأعلاه دين الإسلام، وأسفه السفه وأدناه الكفر والردة عن الإسلام، قال الله تعالى: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ البقرة:130.[ ].
5- لا يرث المسلم ولا يورثه، لأنه لا توارث بين أهل الإيمان وأهل الكفر، لقوله :" لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم" مسلم. وفي انتقال ميراثه لأبنائه من المسلمين تفصيل وخلاف، فقد نقل عن علي ـ رضي الله عنه ـ أنه دفع ميراثه إلى ولده من المسلمين ومثله عن ابن مسعود[ ]، والله تعالى أعلم.
6- تحريم ذبائحه؛ لأن من شروط صحة الذبح أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً، قال الخازن في تفسيره: أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له.
وقال الإمام أحمد: لا أعلم أحداً قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة.
7- وهو إن مات لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة والمغفرة، ولا يقبر في مقابر المسلمين، وإنما يوارى كما توارى الجيف والكلاب عند النتن، وقد قال النبي  لعلي بن أبي طالب لما مات أبو طالب:" اذهب فواره " ثم أمره بالاغتسال[ ].
ومنه يعلم تفريط كثير من المسلمين في هذه المسائل، حيث أنهم ـ وللأسف ـ لا يميزون بين المرتد وغيره، ولا يوجد عندهم ميت لا تجوز الصلاة عليه، بل لمجرد أن الميت ينتسب لأبوين مسلمين أو أسمه إسماً إسلامياً فهذا كاف لأن يصلوا عليه، وأن يجروا عليه مراسم الدفن الشرعية، وإن كان في حياته عدواً للإسلام والمسلمين، شتاماً للرب والدين.. لا يؤمن بالله ورسوله، ولا باليوم الآخر!!
وكم من مرة رأينا أهل الميت يدفعون ميتهم إلى داخل المسجد ليصلي عليه المشايخ .. وهم ينتظرون ويتفرجون خارج المسجد ..!!
8- ثم في الآخرة فمصيره إلى العذاب الشديد، إلى جهنم وبئس المصير، خالداً فيها أبداً، كما قال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة:217.
ـ المسألة السادسة: كيف ينبغي أن يُعامَل الشاتم للدين، في ظل غياب تطبيق الحدود الشرعية؟
من أشد ما ابتليت به الأمة في هذا الزمان غياب تطبيق الحدود الشرعية في كثير من أمصار المسلمين، مما أتاح للعصاة والمرتدين أن يعيثوا في الأرض فساداً وفجوراً، نهاراً جهاراً، ومن دون نكير أو حسيب، بل من ينكر عليهم يُنكر عليه .. ويؤخذ بالنواصي والأقدام إلى سجون الظالمين لتجرئه على حقوق وحريات الآخرين ..!
والذي يعنينا هنا ـ في هذا البحث ـ من بين العصاة والمرتدين، هو الشاتم المستهزئ بالله والدين؟
أقول: القاعدة الشرعية تقول: " الميسور لا يسقط بالمعسور " لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ  التغابن:16. ولقوله:  لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا َ البقرة:286.
وعليه فإنه يجب أن ينكر على الشاتم المستهزئ .. قدر المستطاع، لقوله  في الصحيح:" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف

الإيمان". وفي رواية:" فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل". لأنه ليس وراء إنكار القلب سوى الإقرار والرضى، والرضى بالكفر كفر بلا خلاف.
فإن وجد أن النصح ينفعه .. يستحب نصحه وتعليمه، وتحذيره من مغبة الكفر الذي هو عليه، فإن أصر وعاند، وجب هجره واعتزاله، وتحذير الناس منه ومن صحبته، ولا تجوز مجالسته، ولا مؤاكلته.. تبكيتا و إصغاراً.
قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ المائدة:79.
روى الطبري بسنده عن ابن مسعود قال، قال رسول الله :" إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر، جعل الرجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر، فينهاه، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ولُعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، قال عبد الله: وكان رسول الله  متكئاً، فاستوى جالساً، فغضب وقال: لا والله، حتى تأخذوا على يدَي الظالم فتأطروه على الحق أطراً"وفي رواية قال:" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهمن عن المنكر، ولتأخذن على يد المسيء، ولتؤطرنه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعننكم كما لعنهم"[ ].
وكذلك لا يجوز تزويجه، ولا السعي في تزويجه، بل يجب تحذير الناس منه ومن أن يزوجوه بناتهم، وتعريفهم بحاله وكفره وردته، وأن الزواج منه باطل ولا يجوز .. لعله يشعر بثقل جرمه وكفره فينزجر.
نشير إلى ذلك لأن كثيراً من الآباء وأولياء الأمور ـ وللأسف ـ لا يهتمون بهذا الجانب، ولا يبالون أن يزوجوا بناتهم من الرجل المقرش الميسور، ولو كان شتاماً للرب والدين، تاركاً للصلاة .. علمانياً ملحداً ..فتأتي النتائج وبالاً عليهم وعلى بناتهم وذرياتهم..!!
وكذلك عند مماته يجب اعتزال جميع مراسم التشييع والدفن والتعزية، و إعلام الناس بالسبب المانع لذلك، تبكيتاً وتصغيراً لأمثاله من الكفرة المرتدين .. عسى أن يحسوا بعظم جرمهم فيتوبوا إلى الله.
وهنا ترد شبهة خبيثة يذكرها الشاتم نفسه، أو من يدافعون عنه ـ قد سمعناها منهم مراراً
ـ وهو قولهم لمن ينكر على الشاتم: أنت تريد أن تدافع عن ربنا، دعه، الله يتولى حسابه ..؟!
وهذا كلام باطل لا يصح، وذلك من وجوه:
أولاً: أن هذا القول كفر بذاته، لتضمنه إنكار وجحود وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وأن العباد لا ينبغي أن يكون لهم سلطان على أهل المنكر والكفر .. وهذا بخلاف عشرات النصوص من الكتاب والسنة التي تلزم المسلمين بأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
ثانياً: لمعارضته لما تقدم من أن المنكر يجب أن ينكر بحسب الاستطاعة، وأن السكوت عن المنكر ـ مع وجود المقدرة على إنكاره ـ فيه هلاك للبلاد والعباد، كما في الصحيح:" فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاًًً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً".
ثالثاً: فإن تقديس الله تعالى وتعظيمه وتوقيره، هو حق عام على جميع الخلق كافرهم ومؤمنهم؛ لذا فإن شتم الخالق سبحانه وتعالى يعتبر اعتداء على حق عام يطال مشاعر جميع الناس، وينال أقدس وأعز ما في نفوسهم، وهذا لا يجوز أن يُسمح به أو يسكت عنه تحت أي طائلة أو ذريعة كانت.
رابعاً: ما تقدم لا يتنافى ولا يتعارض مع كون الله  يتولى حسابه يوم القيامة، كما قال تعالى: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا َ التوبة:52. والذي يكون بأيدينا عندما يظهروا لنا باطلهم وكفرهم .. والذي من عنده يكون يوم القيامة يوم أن يقبضهم إليه  .. فيعذبهم عذاباً أليماً.


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي   كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:56 am



ـ صور من الشتم والاستهزاء والطعن يجدر التنبيه إليها؛ لكثرة وقوع كثير من الناس فيها.
من صور الكفر والاستهزاء الشائعة بين الناس التي يكفر صاحبها، ويخرج بها من الملة .. أن يصف أحدهم حكم الله بأنه لا يصلح لكل زمان ومكان، أو أنه دين رجعي متخلف لا يواكب متطلبات العصر وحاجياته، أو أن الدين أفيون الشعوب.. أو يقول: قتل القاتل، وقطع يد السارق وغيرها من الحدود هي ظلم، وهي ظاهرة غير إنسانية، وغير متحضرة .. أو يقول سواليف البادية وعاداتهم، وكذلك القوانين الوضيعة المغايرة لشرع الله المعمول بها في كثير من البلدان، هي خير من حكم الله، وهي تلبي حاجيات الناس وتواكب التطور أكثر من شرع الله، أو وصف غير شرع الله بأنه الأمثل أو جيد .. فهذا كفر لأنه جود الشرع المضاد لشرع الله تعالى وأثنى عليه خيراً.
أو يقول: بفصل الدين عن السياسة وشؤون الحكم والحياة، أو أن الإسلام ساحته المساجد والمعابد والمواعظ وحسب، وما سوى ذلك فهو من خصوصيات قيصر أو غيره من البشر..!
ومن صور الكفر والاستهزاء كذلك، أن يُطرح شرع الله للتصويت والاختيار، ويخضع لاختيار ورغبة الأكثرية .. وهذا كفر لتسوية شرع الله مع شرع البشر .. بل ورفع شرع البشر وتقديمه على شرع الله لو اختارت الأكثرية شرع البشر..!
ومن ذلك قول الرجل ـ كما عُرف عن القرضاوي وهو يخطب على المنبر من يوم الجمعة في دولة قطر ـ:" لو أن الله عرض نفسه على الناس لما أخذ هذه النسبة .." أي نسبة 99،99% التي يأخذها حكام العرب .. وهذه المقولة كفر وردة لما تتضمنه من استخفاف بالخالق ، وتفضيل المخلوق على الخالق ..!
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن مقولة القرضاوي هذه فقال: هذه ردة .. يجب أن يُستتاب .. فإن لم يتب يُقتل ردةً .. وقد أصاب الشيخ، وبقوله نقول[ ].
ومنها أن يقدم بين يدي الله ورسوله بالتعقيب والاعتراض؛ كأن يُقال: لماذا أباح الله للرجل الزواج من أربعة نسوة، ولم يبح للمرأة أن تجمع في زواجها أكثر من رجل واحد ـ كما يصرحن بذلك بعض المنافقات الزنديقات ـ أو ليس من المساواة أن لا يفضل الرجل على المرأة في الميراث .. أو أن التعدد في الزواج هو ظلم للمرأة، وإن الطلاق ظلم وخطأ.. لتضمنه وصف الخالق  بأنه ظالم ويخطئ!
ومنها الاستهانة بالقرآن الكريم، كإلقاء الكتب والصحف والجرائد، ـ التي تتضمن ذكر بعض الآية من القرآن الكريم، أو اسم واحد من أسماء الله الحسنى ـ في حاويات القمامة، وهو يعلم أنها لا تخلو من ذلك؛ لأن الاستهانة بآية واحدة من كتاب الله كالاستهانة بالقرآن الكريم كاملاً، والاستهانة باسم واحد من أسماء الله الحسنى كالاستهانة بجميع أسماء الله الحسنى ..؟!
ثم لماذا لا يتهيب الناس من أن يلقوا ورقة فيها آية واحدة من القرآن الكريم في حاوية القمامة والأوساخ، ثم يتهيبون من إلقاء المصحف كاملاً فيها، علماً أن حرمة الآية الواحدة، بل الكلمة الواحدة من كلام الله كحرمة المصحف كاملاً، ولها نفس قدسية القرآن كاملاً، لأنه كله كلام الله، ولا فرق بين كلام وكلام ..
ونحو ذلك وضع الأوساخ وفضلات الطعام على صحف وجرائد لا تخلو من ذكر آية من آيات القرآن الكريم، أو اسم من أسماء الله الحسنى، أو وضع الصحف المليئة بالآيات في الأحذية كما يصنع باعة الأحذية المستعملة ..!!
فهذا كله من الكفر البواح، وفاعل ذلك يكفر إن أصر على فعله بعد تذكيره وتنبيهه إلى سوء صنيعه، وقيام الحجة عليه .. ونشترط قيام الحجة في هذا الموضع لاحتمال وجود الغفلة والسهو، وعدم قصد الاستهانة، أو الاستخفاف .. ولأنها بلوة عامة لا يكاد ينفد منها كثير من الناس[ ]!
ومنها التغني بأسماء الله الحسنى ـ أو ببعض آيات القرآن الكريم ـ باستخدام المعازف في مواضع الفحش والفجور، كما يفعل ذلك ممن يسمون أنفسهم فنانين ومطربين ..!
وقد كفَّر الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي ـ بقية الخير في الجزيرة حفظه الله وسلَّمه ـ أحدَ المطربين كانوا قد تغنوا بفاتحة الكتاب مع استخدام المعازف .. وعدّ ذلك استخفافاً بآيات الله، وردة عن الدين .. وقد أصاب الشيخ ـ جزاه الله خيراً ـ وبقوله نقول.
وكذلك ذكر آيات الله عز وجل أو أسمائه الحسنى .. في التمثيل على وجه التهريج والتهكم ليضحكوا بذلك الناس .. كما يفعل ذلك كثير من ممثلي هذا العصر.. تحت عنوان حاجيات الفن والإبداع الفني .. ومن دون أن يجدوا حسيباً أو نكيراً!!
ونحو ذلك التهكم باللحية، أو السواك، والثوب القصير .. مع علمهم المسبق أنها سنن ثابتة عن النبي  .
ومنها استحسان سماع الأغاني على سماع القرآن الكريم .. أو يقول سماع الأغاني أفضل من سماع القرآن ..!
ومنها شتم الحَرَم، ويريد بذلك الحرم المكي .. حرم الكعبة المشرفة .. وهذا النوع من الشتم سائد بين أهالي الأردن وفلسطين ..!!
ومن صور الشتم والاستهزاء كذلك، قول أحدهم أو إحداهن: أن الجلباب ـ اللباس الشرعي للمرأة ـ غير جميل، ولا يليق بالمرأة العصرية المتحضرة، أو أنه يدل على التخلف والتحجر .. وأن الثياب الكاشفة الفاضخة لعورات المرأة، هي أفضل وأحسن، وأجمل وأليق وغير ذلك من عبارات التحسين والتفضيل على اللباس الذي شرعه الله تعالى للمرأة[ ].
أو قول أحدهم: ما الخطأ في أن تكشف المرأة عن رأسها أمام الأجانب، وماذا يحصل لو كشفت عن شيء من جسدها ـ غير الوجه والكفين ـ أمام غير المحارم ..!!
ومنها سرد النوادر لإضحاك الناس، وتكون مادة هذه النوادر دين الله تعالى .. أو أسماؤه الحسنى .. أو آيات من القرآن الكريم .. وما أكثر ما يحصل ذلك!!
ومنها أن يشار إلى مخلوق بصفة هي من صفات وخصوصيات الله تعالى وحده؛ كأن يقال عن إنسان أنه فوق المساءلة، أو لا يُسأل عما يفعل .. كما هو مدون في دساتير الطواغيت .. فهذا من الكفر البواح؛ لأن الذي لا يُسأل عما يفعل هو الله تعالى وحده، كما قال تعالى: لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ  الأنبياء:23. وقال تعالى:  لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  الشورى:11 .
فالله تعالى ليس كمثله شيء .. لا في ذاته ولا في خصائصه وصفاته .. فمن شبه المخلوق بشيء من خصائص وصفات الخالق  فقد كفر.
ومنها القول بالحرية الشخصية باسم الديمقراطية، بحيث يكون للمرأة كامل الحرية في أن تتخذ خليلاً تزانيه متى أرادت .. وغير ذلك مما يدخل دخولاً كلياً في استحلال ما حرم الله تعالى من المنكرات والموبقات!!
ومنها القول بأن الربا ضرورة عصرية لا يمكن الاستغناء عنه، أو أن النظام الربوي للبنوك نظام حضاري جيد يواكب حاجيات العصر الاقتصادية .. أو هو خير من النظام الاقتصادي الإسلامي القائم على إلغاء ومحاربة الربا!!
أو أن الإسلام دين حق، لكن في المجال الاقتصادي يفضل النظام الاشتراكي أو النظام الرأسمالي ..!!
أو يُقال: أن النظام الديمقراطي هو النظام الأمثل والوحيد الذي يصلح للبشرية .. كما يردد ذلك بعض المفتونين بهذا الدين الجديد .. وهذا لا شك أنه من الكفر البواح!
ومنها أن يقال: أن الإسلام لم يعط المرأة حقها، أو أن المرأة قد ظُلمت في الإسلام، أو أن قوانين الأنظمة الوضعية قد أنصفت المرأة والبشرية أكثر من الإسلام ..!!
ومنها أن يتمنى المرء حِل بعض المحرمات كالزنى، والسرقة، وشرب الخمر وغيرها .. وأن الله تعالى لم يكن قد حرمها!!
أو يتمنى إلغاء بعض الواجبات الشرعية كالصلاة، والحج، والزكاة .. وأنها لم تكن قد شُرعت، وإن كان يقوم بها.
وكذلك قول أحدهم: حل عن ربي، أو حل عن سماي، إن كان يقصد عن الذي في السماء، الله..!!
أو قال: يسعد الله .. أو الناس أحرار فيما يعتقدون ويتدينون .. "وكلمين على دينو الله ايعينو " كما هو مشهور ذلك على ألسنة كثير من الناس!
أو قال: فلان لا يقدر الله عليه .. أو عايف ربي .. أو زهقتني ربي .. أو لو أن الله نزل إلى
الأرض لن أفعل كذا، أو لن يكون كذا ..!!
أو قال: لو أمرني فلان ـ لشدة حبه له ـ أن أعبد الأصنام والطواغيت لعبدتها .. أو لو أمرني بترك الإسلام أو الصلاة لأطعته!!
أو قال وهو يريد العدد والكثرة: مررت على حواجز الله، أو رأيت أشجار الله؛ أي مررت على حواجز كثيرة أو رأيت أشجاراً كثيرة عددها كثير كعدد الله .. أو فلان عنده مال ربنا .. كما هو شائع على ألسنة كثير من الناس!!
أو قال: لشدة ضجره من فلان ما: يا ابن الله، أو يا الله .. وهذا كثير ما يحصل!!
أوقال: أشتغل ببيع الصلبان من أجل التكسب والعيش .. !!
أو مسح دبره ـ وهو يعلم ـ بالجرائد والصحف التي لا تخلو من ذكر للآيات .. وهذا ملاحظ بكثرة في المراحيض العامة التي يدخلها الناس ..!!
أو قال معترضاً على الله :فلان حرام أن يموت، أو من الظلم أن يموت في هذا العمر..!!
أو قال لبغضه لجنسية من الجنسيات: لو كان فلان المصري أو السوري نبياً مرسلاً لما آمنت به ولا صدقته، أو لو كان النبي مصرياً لما آمنت به.. ونحو ذلك!!
أو قال لمخاصمه: بدي اجعل الله ما خلقك ..!!
ونحو ذلك: أن يستغيث السجين ـ وهو تحت التعذيب ـ بالله تعالى .. ويسأل الجلاد بالله تعالى أن يرحمه فلا يرحمه .. فيسأله بسيده الطاغوت الحاكم أن يرحمه .. فيرحمه ويُمسك عن جلده كرامة لسيده .. كما يحصل ذلك في سجون الطواغيت الظالمين .. وهذا كفر بواح، والجلاد يكفر بها بعينه مباشرةً.
وكذلك مشاهدة الأفلام والمسلسلات والمسرحيات ـ على وجه الإقرار أو الرضى أو التسلية واللعب ـ المليئة بالكفر والاستهزاء والطعن بالدين، ونحو ذلك السماع إلى الأغاني المحشوة بالكفر والتهكم بالدين ..!!
فهذه الأقوال والصور ـ الآنفة الذكر ـ من الشتم والاستهزاء والاستهانة، والاعتراض كلها تعتبر كفراً بواحاً تخرج صاحبها من الملة .. قد تضافرت أدلة الكتاب والسنة على ذلك .. وقد تقدم ذكر بعضها في مطلع هذا البحث[ ].
لذا ينبغي على كل امرئٍ ينشد السلامة لدينه ودنياه، ويرجو النجاة في الآخرة، أن يحطاط كل الحيطة لنفسه ودينه، ويحفظ لسانه من الكفر والزلل .. أو أن يُطلق له العنان .. وأن لا تغرنَّه شعارات الديمقراطية والحرية من حوله .. فرب كلمة واحدة يطلقها المرء لا يلقي لها بالاً،
ولا يحسب لها حساباً توبقه في نار جهنم أبد الآبدين .. نسأل الله تعالى السلامة وحسن الختام، إنه تعالى سميع مجيب.

ـ خاتمة في حفظ اللسان، وبيان أن هلكة ابن آدم من لسانه.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً  الأحزاب:70-71 .
وقال تعالى:  وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً الإسراء:53.
وقال تعالى: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  قّ:18.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً
يهوي بها سبعين خريفاً في النار"[ ].
وقال : "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب" متفق عليه.
وقال :" إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" البخاري.
وقال :" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه"[ ].
فتأمل قوله :" لا يرى بها بأساً.. ما يتبين فيها .. لا يلقي لها بالاً.. ما كان يظن "، كل ذلك لم يكن مانعاً من لحوق الوعيد بصاحب الكلمة السيئة، وهو درس رادع لمن يوسع ساحة الأعذار على الفجار من غير علم ولا دليل.
ثم هذا الذي يلقي كلمته من دون أن يلقي لها بالاً .. ولا يتبين فيها .. ولا يرى بها بأساً فهو أكيد ممن لا يقصدون بها الكفر .. ومع ذلك فإن انتفاء القصد الباطل لديه لم يتشفع له في شيء .. حيث أن كلمته تهوي به في نار جهنم سبعين خريفاً!!
وعن سفيان بن عبد الله قال: قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه ، ثم قال:" هذا"[ ].
وقال :" من وقاه الله شر ما بين لحييه، وشر ما بين فخديه دخل الجنة"[ ].
ومن حديث معاذ  قال: قلت يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال:" ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم "[ ].
وقال :" من قال في مؤمن ما ليس فيه حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال"[ ].
فما بالك فيمن يقول في الله ما ليس فيه ..؟!
وقال : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت"متفق عليه.
وعن عقبة بن عامر  قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟ قال:" أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك "[ ].
وقال :" إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ـ أي تذل وتخضع ـ تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا"[ ].
وروي عن أبن عباس  أنه كان قائماً بين الركن والباب، آخذاً بثمرة لسانه ـ أي بطرف لسانه ـ وهو يقول: ويحك قل خيراً تغنم، أو أسكت عن شر تسلم، وقيل له: يا ابن عباس مالك آخذ يثمرة لسانك ؟ قال: بلغني أن العبد ليس على شيء من جسده بأحنق منه على لسانه يوم القيامة.
وعن عبد الله بن مسعود  قال: ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان.
وقال أبو الدرداء : أنصف أذنيك من فيك، فإنما جعلت لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم به.
وعن أبي بكر بن ماعز أن الربيع بن خثيم أتته ابنة له فقالت: يا أبتاه! أذهب ألعب؟ فلما أكثرت عليه قال بعض جلسائه لو أمرتها فذهبت، قال: لا يكتب علي اليوم أني آمرها تلعب!
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين: اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة والسلامة لا يعادلها شيء ا- هـ.
وبعد: هذا ما أردت أن أنبه إليه في هذه الرسالة الموجزة، راجياً من الله تعالى القبول، وأن ينفع بها العباد والبلاد .. وأن تكون لمن فرط في جنب الله تعالى سبب هداية ورشاد، إنه تعالى سميع قريب مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي على آله وصحبه وسلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


5 ربيع الثاني/1415 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
11 أيلول/ 1994 م. أبو بصير الطرطوسي

www.abubaseer.bizland.com
ملاحظة: تمَّ ـ بفضل الله تعالى ومنته ـ الانتهاء من مراجعته، وتنقيحه بتاريخ 13 جمادى الأولى من سنة 1422 هـ، الموافق 3/8/20001م.



لاتنسونا من دعائكم
اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب تنبيه الغافلين الى حكم شاتم الله والدين لابو بصير الطرطوسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب خواطرٌ وأفكار في فقهِ الدَّعوَةِ إلى الله لابو بصير الطرطوسي
» كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي
» كتاب فِقْهُ الاختِلافِ عِنْدَ أَهلِ السُّنَّةِ وأهلِ البِدَع لابو بصير الطرطوسي
» كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: