مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:37 am



حـكم تـارك الـصـلاة







تأليف
عبد المنعم مصطفى حليمة
" أبو بصير "

بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمدَ لله نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفُسِنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقَّ تقاته ولا تموتنَّ إلا وأنتم مسلمون آل عمران:102.
 يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً النساء:1.
 يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً الأحزاب:70-71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار .
وبعد ، فإن كثيراً من الناس ـ ممن يزعمون أنهم مسلمون ـ قد تركوا الصلاة، واستهانوا بها وبأمرها، وشغلوا عنها بالدنيا وملذاتها، وإغراءاتها وأعمالها، فلا يعرفون الجمعة ولا الجماعات، ولم يتوجهوا ـ في حياتهم ـ مرة نحو القبلة ساجدين أو راكعين لله رب العلمين ..‍‍‍!!
ومما زاد الطينة بلة، والخرق اتساعاً، والجفاء جفاء وتفريطاً، هو ما يشيعه دعاة الإرجاء والتجهم بين الناس من أقاويل وأراجيف مفادها : أنه لا يضر مع التصديق والاعتقاد كفر مهما كان بواحاً، وأن المرء الذي يأتي بالاعتقاد هو مؤمن، وهو من أهل الشفاعة الذين تطالهم وتنفعهم شفاعة الشافعين، وإن لم يأت بشيءٍ من الأعمال الظاهرة، أو كان ظاهره التمرد والعصيان والخروج عن الطاعة لله ولرسوله  .
فهو مادام ينتمي لأبوين مسلمين ـ ولو بالاسم والهوية ـ أو ينطق بشهادة التوحيد ـ ولو باللسان فقط من دون أن يأتي بشيء من متطلباتها ولوازمها الأخرى ـ هو مسلم مهما كان منه من عمل، هكذا أفهموه وعلموه مشايخ الإرجاء والتجهم، فأضلوا بذلك الناس، وهونوا عليهم الكفر البواح، وشأن الصلاة، فزادوهم رهقاً وتفريطاً على تفريط ..!
فدعانا ذلك لأن نتناول هذا الموضوع الهام؛ موضوع الصلاة وحكم تاركها، إبراءً للذمة وتحذيراً للأمة من الهلكة واتباع الغاوين، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة الأنفال:42.
ويتضمن هذا البحث النقاط التالية :
1- أهمية الصلاة .
2- حكم تارك الصلاة كلياً .
3- حكم المصلي الذي لا يحافظ على الصلوات الخمس، والذي يصلي ويقطع .
4- مناقشة أدلة المخالفين في المسألة .
5- معاملة تارك الصلاة .


1- أهمية الصلاة .
اعلم أن الصلاة لها شأن عظيم في الإسلام، فهي عموده الذي لا يقوم بناء صحيح من دونه،والذي بزواله يزول الدين كله.
قال رسول الله  : " رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروةُ سنامه الجهاد " . فكما أن البناء له عمود يزول بزواله وينهار، كذلك الدين فعموده الصلاة يزول بزوالها وينهار ..
وهي أول ما فُرض من العبادات بعد شهادة التوحيد، افترضها الله تعالى على نبيه  كفاحاً يوم أُسري به، ليس بينهما حجاب ولا رسول ..
ولأهميتها أمر الله تعالى نبيه أن يقاتل الناس عليها، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " .
وقد أمر النبي  المسلمين بأن يخرجوا على أئمتهم وولاة أمورهم ـ على ما لهم من حق ـ إن هم تركوا الصلاة أو تركوا الأمر بها، كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه، عن أم سلمة ، قالت : قال رسول الله  : " ستكون أمراء، فتعرفون وتُنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع "، قالوا : أفلا نقاتلهم ؟ قال : " لا، ما صلوا " .مفهوم الحديث أنهم إذا تركوا الصلاة، قاتلوهم ..
وفي الصحيح كذلك، عن عوف بن مالك الأشجعي، عن رسول الله  قال: " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم " قالوا :قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك ؟ قال: " لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة " .
وهي أهم ركنٍ في الإسلام بعد ركن التوحيد، لذا يتعين على العلماء والدعاة أن يعطوها الأولوية بعد التوحيد، من حيث الدعوة والبيان والتعليم، كما في الحديث المتفق عليه، عن ابن عباس، أن معاذاً قال:بعثني رسول الله  قال :" إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة .." متفق عليه .
ومراعاة لهذا الأصل فقد رتب البخاري ـ رحمه الله ـ في كتابه الصحيح أولاً كتاب الإيمان والعلم، ثم رتب بعده كتاب الصلاة ومتعلقاتها ولوازمها ..
وهي آخر ما وصى به النبي  أمته، وهو على فراش الموت : " الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم ..".
وكان عمر بن الخطاب  يكتب إلى عماله في الأمصار: إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن حفظها وحافظ عليها حفـظ
دينه، ومن ضيعها كان لما سواها من عمله أشد إضاعة .
وهي أفضل الأعمال وأحبها إلى الله تعالى إذا أقيمت في ميقاتها من غير تأخير، كما في الحديث عن عبد الله بن مسعود  قال: سألت رسول الله  ، قلت: يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: " الصلاة على ميقاتها "، قلت ثم أي؟ قال: "بر الوالدين "، قلت: ثم أي؟ قال: " الجهاد في سبيل الله " البخاري . وفي رواية عنه: قال: سألت النبي  أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قال:" الصلاة على وقتها "ثم ذكر تتمة الحديث، وهو متفق عليه .
وقال  : " واعلموا أن خير أعمالكم الصلاةُ، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن " .وفي رواية قال  : " واعلموا أن أفضل أعمالكم الصلاة " .
وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن قُبلت قُبل سائر عمله، وإن ردَّت رُد عليه سائر عمله، وخاب وخسر ..
قال رسول الله  : " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائـر عمله " . وقال  : " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، ينظر في صلاته فإن صلحَت فقد أفلح، وإن فسدت خاب وخسر " .وقال  : " فمن أداها بحقها ـ أي الصلاة قُبلت منه، وقُبل منه سائر عمله، ومن رُدت عليه صلاته، رُد عليه سائر عمله" .
والحديث فيه أن الصلاة شرط لقبول الأعمال، وأن حبوطها مؤداه إلى حبوط جميع الأعمال، ولا يحبط جميع الأعمال إلا الشرك والعياذ بالله، كما قال تعالى: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون  الأنعام:88.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  ، أنه قال:" من ترك الصلاة فقد حبط عمله" البخاري .
وهي آخر ما يفقد من الدين، فبفقدها يفقد المرء كل دينه، ولم يعد عنده شيء من الدين..
قال رسول الله  :" أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة " . وفي رواية:" لتنقضنَّ عرى الإسلام عروةً عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهنَّ نقضاً الحكم، وآخرهنَّ الصلاة " .
ومن أجلها يرزق الله العبادَ بالمال، فقد خاب وخسر من شُغل بالدنيا وجمع المال عنها ..
قال رسول الله  :" إن الله قال: إنَّا أنزلنا المال لإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة " .والمال هنا عام وشامل لكل النعم والأرزاق، وما فيه من الخير لابن آدم ..
ومن حسناتها أنها تُسقط الذنوب، وتطهر النفس من درن الآثام، وتطفئ نار المعاصي والذنوب ..
قال تعالى:  لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار المائدة:12.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال: " إن الصلوات الخمس يُذهبن بالذنوب كما يُذهب الماء الدرن " . وقال  :" إن العبد إذا قام يُصلي أُتي بذنوبه كلها فوضعت إلى رأسه وعاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه " . إنها صورة ـ من صور الرحمة والمغفرة ـ ما أجملها وأروعها لو تصورها العبد وهو قائم يصلي بين يدي الله تعالى .
وقوله" بذنوبه كلها "، يفيد أن الصلاة تكفِّرُ جمع الذنوب بمافي ذلك الكبائر إن شاء الله .
وعن عبد الله بن مسعود  قال:قال رسول الله :"تحترقون تحترقون ـ أي بسبب ذنوبكم ومعاصيكم ـ فإذا صليتم الصبح غسَلَتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقـون فـإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا " .
وقال  :" إن لله ملكاً ينادي عند كل صلاة : يابني آدم قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها فأطفئوها " . أي قوموا إلى نيرانكم التي أوقدتموها بذنوبكم ومعاصيكم، فأطفئوها بالوضوء والصلاة .
وفي الصحيحين، قال  :" أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يومٍ خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء" قالوا: لا يبقى من درنه شيء . قال: " فكذلك مثل الصلوات الخمس يمحوا الله بهنَّ الخطايا " .
قال ابن العربي: وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثوبه، ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لاتبقي له ذنباً إلا أسقطته وكفرته .انتهى.

وقال  : " ما من مسلم يتوضأ فيُسبغ الوضوء، ثم يقوم في صلاته، فيعلم مايقول، إلا انفتل وهو كيوم ولدته أمه " .وهذا من جملة الأحاديث التي تقوي ما ذهبنا إليه من أن الصلاة ـ إن أُقيمت بحقها من غير انتقاص لشيء من شروطها وواجباتها ونوافلها ـ تكفر جميع الذنوب بما في ذلك الكبائر إن شاء الله تعالى .
وفي صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود  قال: جاء رجل إلى النبي  ، فقال: يا رسول الله، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا فاقض فيَّ ماشئت. فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال فلم يرد النبي  شيئاً، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي  رجلاً دعاه، وتلا عليه هذه الآية:  أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين  . فقال رجل من القوم: يا نبي الله هذا له خاصة ؟ قال: " بل للناس كافة" . وفي رواية، قال له  : " هل حضرت الصلاة معنا ؟" قال" نعم ، قال: " قد غُفر لك ". وفي رواية عند مسلم، قال له  : " أرأيت حين خرجت من بيتك، أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء ؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: " ثم شهدت الصلاة معنا
؟" فقال نعم يا رسول الله، فقال له رسول الله  : " فإن الله قد غفر لك ذنبك " .
والحديث فيه ذكرى وموعظة لمن يترك الصلاة بحجة أنه يتابع المنكرات، ويقع في الفجـور والمعاصي فيسول له الشيطان الرجيم أنه لا يمكن أن يجمع بين فعل المنكرات وإقام الصلاة، وأن القيام بأحدهما من شروطه ولوازمه الانتهاء عن الآخر، فيضطر لذلك إلى ترك الصلاة، فتجتمع عليه ظلمـة المنكرات وظلمة ترك الصلاة، ظلمات بعضها فوق بعض، فتقتله ويبوء بالهلاك والخسران في الدنيا والآخرة .
وكذلك فإن الصلاة ترفع عن صاحبها السيف، وتتشفع له عند حدوث الزلات وحصول الشبهات، كما في الحديث الذي يرويه مسلم، عن أبي سعيد الخدري  قال: قام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله !! فقال: " ويلك، أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟!" قال: ثم ولى الرجل، فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: " لا، لعله أن يكون يصلي " قال خالد : وكم من مصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله  : " إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم" . فانظر كيف أن الصلاة تشفعت لذلك الخارجي، علماً أنه قال مقولة يستحق عليها ضربة سيف تفصل رأسه عن عنقه .
وكان رسول الله إذا غزا قوماً لم يُغر حتى يُصبح، فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار بعدما يصبح . البخاري. لأن الأذان علامة على أن القوم من أهل الصلاة والملة ..
وقال  :" إني نُهيت عن قتل المصلين " . أي بالشبهات والظنون المرجوحة، والكفر المحتمل، أما إن ظهر منهم الكفر البواح، وتحققت الردة صراحة، فلا يتشفع لهم أمام حد الله شيء .
يدل على ذلك نهي النبي  المسلمين أن يخرجوا على أئمة الجور ما داموا يقيموا الصلاة، كما في صحيح مسلم: " لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة " ، وفي رواية: قالوا يا رسول الله أفلا نقاتلهم ؟ قال: " لا، ما صلوا " .
وفي رواية عند البخاري ومسلم:"إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان "، فسوى  بين الكفر البواح، وترك الصلاة كمبرر وداعٍ للخروج على الحاكم .. فتأمل .

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:39 am

والصلاة قرينة دالة على إسلام المرء، تمنع من تكفيره، أو إساءة الظن فيه، كما في صحيح البخاري: " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله" .
هذه بعض مزايا الصلاة التي تُظهر أهمية الصلاة في الإسلام، أردنا الإشارة إليها كتمهيد ضروري للدخول في موضوع الرسالة، والله تعالى المستعان .

2_ حكم تارك الصلاة كلياً .
أقول: الراجح في تارك الصلاة كلياً أنه كافر بيقين كفراً أكبر، وذلك كله مع الإقرار بوجوبها، هذا ما نصت عليه أدلة الكتاب والسنة، وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الهدى والدين، وإليك بيان ذلك :
أما أدلة الكتاب، فقد قال تعالى:  فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقومٍ يعلمون التوبة: 11.
مفهوم المخالفة يقتضي أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة ليسوا إخواننا في الدين، ولا تنتفي أخوة الدين مطلقاً إلا عن الكافرين. ولكن لما جاءت نصوص أخرى تصرف الكفر عن تارك الزكاة، كقوله  في الحديث الذي يرويه مسلم وغيره:" ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه، إلا جعله الله يوم القيامة يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار" .
قلت: فكونه يترك للمشيئة إما إلى الجنة وإما إلى النار، فهذا من شأن من يموت على التوحيد وليس على الكفر؛ لأن الكافر ليس له يوم القيامة إلا النار.
ومن صوارف الكفر عن تارك الزكاة، قول عبد الله بن شقيق العقيلي  عن الصحابة رضوان الله تعالى عنهم: كان أصحاب محمد ، لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. فدل أنهم كانوا لا يرون ترك الزكاة ـ وهي عمل ـ كفراً يُخرج من الملة، وهذا يدل على بطلان من زعم إجماع الصحابة على كفر تارك الزكاة!!
قال ابن عباس كما في التمهيد لابن عبد البر (4/234): تجده كثير المال ولا يزكي، فلا يقال لذلك:كافر، ولا يحل دمه.انتهى.
والشاهد مما تقدم أنه لما وجدت القرينة الشرعية التي تصرف الكفر عن تارك الزكاة دون تارك الصلاة، تعين القول بكفر تارك الصلاة دون تارك الزكاة .
ومن الأدلة كذلك على كفر تارك الصلاة، قوله تعالى: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون . خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون القلم:42-43. وهذا وعيد بحق الكافرين والمنافقين الذين كانوا يدعون في الحياة الدنيا إلى السجود لله تعالى والصلاة فيأبون ويعرضون، وكل من كان في الحياة الدنيا تاركاً للصلاة فهو معني بهذا الوعيد الوارد في هذه الآية، وصفة الكفر والنفاق تطاله وتشمله .
قال ابن كثير في التفسير(4/435): ولما دُعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة إذا تجلى الرب  فيسجد له المؤمنـون،ولايستطيع أحد من الكافرين والمنافقين أن يسجد بل يعود ظهر أحدهم طبقاً واحداً، كلما أراد أحدهم أن يسجد خرَّ لقفاه عكس السجود كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون . انتهى . وقال البغوي في التفسير: قوله  : يدعون إلى السجود فلا يستطيعون، يعني الكفار والمنافقون، تصير أصلابهم كصياصي البقر فلا يستطيعون السجود . انتهى .
وفي الحديث الذي يرويه مسلم وغيره، وفيه: " أن الله تعالى يلقي في نار جهنم جميع الكفار من عبدة الأصنام وكفار أهل الكتاب وغيرهم، حتى إذا لم يبقى إلا من كان يعبد الله من بَر وفاجر أتاهم رب العالمين في أدنى صورة من التي رأوه فيها، قال: فماذا تنتظرون، لتتبع كل أمة ما كانت تعبد، قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً مرتين أو ثلاثاً، حتى إن بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه بها، فيقولون: نعم، فيكشف عن ساقٍ فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد نفاقاً ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه " .
والسؤال: إذا كان هذا حال من كان يسجد لله من تلقاء نفسه ومن يسجد نفاقاً، فما هو حال الذي لم يسجد لله قط، وأين مكانه ؟
فالحديث يدل على أنه ألقي في نار جهنم مع الكافرين، حيث لم يبق من العباد لمعاينة ذلك المشهد العظيم إلا من كان يسجد لله تعالى طوعاً من تلقاء نفسه، أو من يسجد نفاقاً، ولم يشاركهما صنف آخر من العباد، كما أن تارك الصلاة والسجود لم يعد ممن يعبد الله من بَر أو فاجر، فلزم أن يكون من الكافرين، ومع الكافرين في جهنم وبئس المصير .. فتأمل ذلك .
وفي السنة فقد صح عن النبي  أن تارك الصلاة كافر مشرك، كما في صحيح مسلم:" بين الرجل وبين الشرك والكفر، ترك الصلاة ".وقال :"ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة" .
وقال  : " بين الكفر والإيمان ترك الصلاة " .
وقال  : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر " .
وقال  : " بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك " .
وقال  : " من ترك الصلاة فقد كفر " . وقال  : " لا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله ورسوله " .
وعن معاذ بن جبل  قال: أوصاني رسول الله  بعشر كلمات، قال: " لا تشرك بالله شيئاً وإن قُتلت وحُرقت، ولا تعقنَّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك، ولا تتركنَّ صلاة مكتوبة متعمداً، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله .. " .
وعن عبادة بن الصامت  قال: أوصاني خليلي رسول الله  بسبع خصال، فقال: " لا تشركوا بالله شيئاً وإن قُطِّعتم أو حُرِّقتم أو صُلبتم، ولا تتركوا الصلاة متعمدين، فمن تركها متعمداً فقد خرج من الملة .. " .
وقال  : " آخر ما يُفقد من الدين الصلاة ". وقال  : " آخر عرى الإسلام نقضاً الصلاة" . قال الإمام أحمد : كل شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه، فإذا ذهبت صلاة المرء، ذهب دينه.انتهى.
ومما يدل على كفر تارك الصلاة أنه  أوجب على الأمة الخروج على الحاكم التارك للصلاة والذي لا يلزم رعيته بها، كما في الحديث الذي يرويه مسلم:" لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة " ، كما أوجب الخروج على الحاكم الكافر الذي يُرى منه الكفر البواح، كما في الحديث الذي يرويه البخاري: " إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " ، فسوى  بينهما من حيث وجوب الخروج عليهما، مما دل على أنهما يستويان في الكفر البواح..
ومن الآثار الصحيحة الثابتة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في كفر تارك الصلاة، قول عمر بن الخطاب  :" لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة "، وهذا نفي يفيد الخروج من مطلق الدين، حيث ليس لصاحبه أدنى حظٍ في الإسلام ..
وعن ابن مسعود قال:" من ترك الصلاة فلا دين له " .وعن أبي الدرداء  قال: " لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له " .
فكما أن الوضوء شرط لصحة الصلاة، وأن المرء لا ينتفع من صلاة بغير وضوء ، كذلك الصلاة فهي شرط لصحة الإيمان، يثبت الإيمان بثبوتها وينتفي بانتفائها ..
وعن علي بن أبي طالب  قال: " من لم يصل فهو كافر "
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: " من لم يصل فهو كافر " .
وعن حماد بن زيد، عن أيوب قال: ترك الصلاة كفر، لا يُختلف فيه .
وعن محمد بن نصر المروزي، سمعت إسحاق يقول: صح عن النبي  أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي  أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر . انتهى .
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد  لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .
قلت : والكفر الذي يرونه هنا هو الكفر الأكبر المخرج من الملة، بدليل أنهم يرون كثيراً من الأعمال تركها كفراً أصغر لا تخرج من الملة .
قال ابن حزم : وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد، ولا نعلم لهؤلاء من الصحابة مخالفاً . انتهى .
وقال الحافظ المنذري في الترغيب : قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم . ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى . انتهى .
وقال ابن تيمية في الفتاوى(28/308): وأكثر السلف على أنه يُقتل كافراً، وهذا كله مع الإقرار بوجوبها . انتهى .
وقال رحمه الله (22/49): فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلماً . انتهى .
وقال حنبل: حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمان إذا كان مقراً بالفرائض واستقبال القبلة، فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين . قال تعالى: وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .
وقال حنبل سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله .
قلت: تأمل إذا كان من يقول بهذا القول يكفر كفراً صراحاً، فكيف بمن يتصف بتلك الأوصاف، لا شك أنه أولى بالكفر البواح والصراح .
ثم أن الذي يصلي مستدبر القبلة ـ عن علم وغير جحود لها ـ هو أفضل من الذي لا يصلي مطلقاً، ومع ذلك يكفر ويخرج من الملة كما نص أهل العلم .. فتأمل .
وقال ابن القيم رحمه الله: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال، ومن إثم الزنا، والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه، وخزيه في الدنيا والآخرة .
قلت: ولا شيء أعظم إثماً عند الله من قتل النفس إلا الشرك، كما قال تعالى: والفتنة أشد من القتل البقرة:191.والفتنة هنا يراد بها الشرك، فدل أن إثم ترك الصلاة لا يعدو أن يكون أقل إثماً من الإشراك بالله تعالى؛ لأنه هو ذاته شرك.
وقال رحمه الله في مسألة حبوط أعمال تارك الصلاة: أما تركها بالكلية فإنه لا يقبل معه عمل، كما لا يقبل مع الشرك عمل، فإن الصلاة عمود الإسلام كما صح عن النبي  ، فقبول سائر الأعمال موقوف على قبول الصلاة، فإذا رُدت ردت عليه سائر الأعمال ..
وقال: الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العمل جميعه .. .
قلت: ولا يحبط العمل جميعه أو يمنع سائر الأعمال من القبول إلا الشرك، كما قال تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين الزمر:65. وقال تعالى: ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون الأنعام:88.
فدل أن ترك الصلاة شرك، وأن تاركها مشرك الشرك الأكبر الذي لا ينفع معه عمل ولا اعتقاد ، والله تعالى أعلم .
وقال الشوكاني رحمه الله: فالتارك للصلاة من الرعايا كافر، وفي حكمه من فعلها وهو لا يحسن من أذكارها وأركانها ما لا تتم إلا به، مع إمكانه ووجود من يعرفه بهذه الصلاة .
وقال: من كان تاركاً لأركان الإسلام وجميع فرائضـه، ورافضاً لما يجب عليه من ذلك من الأقوال والأفعال، ولم يكن لديه إلا مجرد التكلم بالشهادتين فلا شك ولا ريب أن هذا كافر شديد الكفر حلال الدم .انتهى.
وبعد، فهذه هي أدلتنا التي ألزمتنا بترجيح القول بكفر تارك الصلاة، ولما رأينا أدلة المخالفين ـ سنأتي على ذكرها ومناقشتها ـ لا يمكن أن تقوم كدليل يصرف كفر تارك الصلاة كلياً إلى الكفر العملي الأصغر، كان لا بد من القول بكفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة .
ولحسم القضية مع القوم من المخالفين، فإننا نقول : نحن ـ كما تقدم ـ في قولنا بكفر تارك الصلاة، قد وقفنا مع أدلة الكتاب والسنة، وجمهور الصحابة الذين لم يُعرف لهم مخالف، ومع أكثر السلف من بعدهم كما يقول ابن تيمية وغيره، فأي الفريقين أحق بالحق والأمن والسلامة، وباتباع منهج السلف الصالح، من كان واقفاً في قوله مع الدليل، والصحابة، وأكثر السلف، أم من كان واقفاً في صف الخلف، ومن هم دون الصحابة مكانة وعلماً ؟!!


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:40 am


3- حكم المصلي الذي لا يحافظ على الصلاة .
إذا كان تارك الصلاة كلياً يكفر كفراً أكبر يخرج به عن الملة كما تقدم بيانه، فما هو حكم من يصلي لكن يترك أحياناً بعض الصلوات، فهل حكمه حكم التارك كلياً، أم أن حكمه يختلف ؟
أقول: الراجح ـ والله تعالى أعلم ـ أن المصلي الذي لا يحافظ على صلاته؛ فيصلي أحياناً ويترك أحياناً، لكن يغلب عليه عدم الترك، فمثل هذا رغم أنه قد أتى بوزرٍ كبير وإثم عظيم إلا أنه لا يبلغ به درجة الكفر الأكبر، هذا ما دلت عليها نصوص الشريعة، وما يقتضيه مبدأ التوفيق بين النصوص من دون ضربها بعضها ببعض، وإليك بعضها :
قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً مريم:59. فسر السلف ـ رضي الله عنهم ـ إضاعة الصلاة بإضاعة وقتها، وقالوا: لو كان تركاً لكان كفراً، وكانوا كفاراً . فدل أن ضياع المواقيت يعتبر ذنباً كبيراً وعظيماً إلا أنه لا يرقى إلى درجة الكفر الأكبر .
وقد صح عن النبي  أنه قال: " أول ما يُحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا  لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم أنقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً، قال: انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم " .
فلو كان انتقاص شيء من فريضة الصلاة يعتبر كفراً، لما نفعه التطوع ولما جبرت صلاته بالنوافل؛ لأنه لا ينفع مع الكفر عمل ولا طاعة .
وقوله  : " انتقص منها شيئاً "، يحتمل أمرين كلاهما دلت عليهما السنة، أحدهما: أنه أقام الصلاة، لكنه أحياناً لم يأتِ بأركانها وفرائضها على الوجه المطلوب . والثاني : أنه ترك صلاة كاملة أو أكثر خلال حياته في الدنيا، فتُجبر صلاته وتكمل من صلاة التطوع إن كان له تطوع .
وقال  : " إنها ستكون عليكم بعدي أمراء، يشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها، حتى يذهب وقتها،فصلوا الصلاة لوقتها "

قال رجل: إن أدركتها معهم أصلي معهم ؟ قال:" نعم إن شئت".
أي يصليها معهم نافلة؛ لأن الفريضة لا تُعاد في اليوم مرتين .
وكونه  أذن للرجل بأن يأتم بهم ويصلي معهم، فدل أنهم ليسوا كفاراً بترك الصلاة حتى يذهب كل وقتها .
وقال  : " فإن ربكم يقول: من صلى الصلاة لوقتها، وحافظ عليها ولم يُضيعها استخفافاً بحقها، فله علي عهد أن أدخله الجنة . ومن لم يصلها لوقتها، ولم يحافظ عليها، وضيعها استخفافاً بحقها، فلا عهد له علي،إن شئت عذبته،وإن شئت غفرت له" .
فكونه يترك للمشيئة فدل أنه غير كافر؛ لأن الكافر ليس له في الآخرة إلا الخلود في النار، أعاذنا الله منها .
وقوله  : " ولم يحافظ عليها، وضيعها استخفافاً بحقها "، لا ينبغي أن يفهم منه مطلق الترك؛ لأن ترك الصلاة كلياً كفر كما تقدم .
قال ابن تيمية: فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظـون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن، حديث عبادة عن النبي  أنه قال:"خمس صلوات كتبهنَّ الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له".
وقال ـ بعد أن ذكر الحديث الآنف الذكر ـ : يظهر أن الاحتجاج بذلك على تارك الصلاة لا يكفر حجة ضعيفة، لكنه يدل على أن تارك المحافظة لا يكفر .
فتأمل كيف فرق بين تارك الصلاة، وبين تارك المحافظة، حيث أن الأول يكفر والآخر لا يكفر .
وقال ابن القيم في تأويل الحبوط الوارد في قوله  " فإن من ترك صلاة العصر، فقد حبط عمله " : والذي يظهر في الحديث ـ والله أعلم بمراد رسوله ـ أن الترك نوعان: ترك كلي لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العمل جميعه، وترك معين في يوم معين، فهذا يحبط عمل ذلك اليوم، فالحبوط العام في مقابلة الترك العام، والحبوط المعين في مقابل الترك المعين .
فتأمل كيف فرق بين الترك الكلي العام المكفر، الذي يؤدي إلى حبوط جميع الأعمال، وبين الترك الجزئي الخاص في يوم معين الغير مكفر، الذي يؤدي إلى حبوط أعمال ذلك اليوم فقط .
ومن الأدلة كذلك، قوله  : " أُمرَ بعبد من عباد الله أن يُضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعوا حتى صارت جلدة واحدة، فجُلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه وأفاق قال: على ما جلدتموني ؟ قالوا: إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره " (1).
أفاد الحديث عدم كفر هذا الرجل رغم أنه صلى صلاة واحدة بغير وضوء، وهو مثله مثل من لم يصلِ، لأن الطهور والوضوء شرط لصحة الصلاة، فالحديث فيه أن تارك صلاة أو بعض الصلوات خلال حياته لا يكفر، وليس فيه أن تارك الصلاة كلياً ـ كما ذهب البعض إلى ذلك ـ لا يكفر، فليس في الحديث ما يدل على ذلك، لا من حيث المنطوق ودلالة الألفاظ، ولا من حيث المفهوم، والله تعالى أعلم .

- شـبهة ورد .
قد ترد شبهة تقول : ما دام الأمر كذلك، كم هي عدد الصلوات التي يكفر صاحبها لو تركها، أم أن باب الترك مفتوح على مصراعيه، ويكفي المرء أن يصلي في حياته بعض الصلوات ليرفع عن نفسه وصف وحكم الكفر، وحتى لا يكون كمن يترك الصلاة كلياً ..؟؟
أقول: الذي دلت عليه السنة ـ كما في حديث أبي هريرة ـ أن من عنده من صلاة التطوع والنوافل بقدر ما ضيع وترك من صلاة الفرض، فهذا على الراجح يؤخذ له من تطوعه ليُتمم له ما أنقص من الفرائض، وهو تحت الوعيد والمشيئة؛ إن شاء الله عذبه وإن شاء رحمه .
أما من غلب عليه ترك الصلاة، وقل عنده التطوع، فأنَّى لهذا وأمثاله من إتمام ما أنقص وترك من الصلوات، لذا لامناص من كفره وتكفيره، والله تعالى أعلم .
وعليه فإننا نقول: من كان لا يصلي إلا الجمعة، أو في رمضان فقط، أو في المناسبات السنوية كالأعياد وغيرها فقط، فهو كافر مرتد، يُستتاب، فإن تاب وإلا يقتل ردة، ويُعامل معاملة المرتد ويأخذ حكمه واسمه، ووصفه .
- تنبيه :
قولنا أن عدم المحافظة على الصلوات الخمس لا يرقى إلى درجة الكفر الأكبر، لا ينبغي أن يفهم منه الاستهانة أو التقليل من قدر الصلاة ـ وقد تقدم الحديث عن أهمية الصلاة ـ بل إن ترك صلاة واحدة لهو أعظم عند الله من جميع الآثام والكبائر عدى الشرك .
قال تعالى:  فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقـون غياً مريم:59. والغي هو الخسران، وقيل: هو وادٍ في جهنم بعيد القعر خبيث الطعم، وقيل: هو وادٍ في جهنم من قيح ودم ، أعاذنا الله من جهنم ووديانها .
وقال تعالى:  فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الماعون:4-5.والويل معناه المشقة في العذاب، وقيل أنه وادٍ في جهنم بين جبلين يهوي فيه الهاوي أربعين خريفاً، وقيل أنه وادٍ يجري بفناء جهنم من صديد أهل النار، وقيل غير ذلك . وهذا كله للمصلين ـ وليس للتاركين ـ الذين يسهون عن صلاتهم فيؤخرونها عن مواقيتها .
عن مصعب بن سعد، قال: قلت لأبي، يا أبتاه أرأيت قوله: الذين هم عن صلاتهم ساهون أينا لا يسهو؟ أينا لا يحدث نفسه؟ قال: ليس ذلك، إنما هو إضاعة الوقت، يلهو حتى يضيع الوقت .
وقال تعالى: ماسلككم في سقر . قالوا لم نكُ من المصلين المدثر:42-43.
وهذه الآية تحمل على الكافر التارك للصلاة كلياً، ولكن شاهدنا منها بيان أهمية وعظمة الصلاة في الإسلام، حيث أول ما عدوا من ذنوبهم التي كانت سبباً في دخولهم" سقر " تركهم للصلاة . أما " سقر " فهي التي وصفها الله تعالى بقوله : وما أدراك ما سقر . لا تُبقي ولا تذر . لواحة للبشر المدثر:27-29. أعاذنا الله منها ومن كل سبب يؤدي إليها .
وفي الحديث، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي  ، أنه ذكر الصلاة يوماً، فقال: " من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون،وهامان وأُبي بن خلف "
قال ابن القيم: تارك المحافظة على الصلاة، إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته، فمن شغله عنها ماله فهو مع قارون، ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف . انتهى .
فتأمل قرناء السوء هؤلاء في المقام البئيس المهين هذا، ثم تأمل السبب إلى كل ذلك .. إنه فقط عدم المحافظة على الصلاة !!
وفي الحديث المتفق عليه:" الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وُتِر أهلَه وماله " . وفي رواية:"من فاتته صلاة، فكأنما وُتِر أهله وماله " . أي فقَدَ أهله وماله وبقي وحيداً، وهذا كله فيمن تفوته صلاة واحدة، فما بالك فيمن تفوته صلوات وصلوات ..؟!
وقال  : " من ترك ثلاث جمعات من غير عذرٍ، كُتب من المنافقين "
وعن ابن عباس قال:من ترك الجمعة ثلاث جُمَعٍ متواليات، فقد نبذ الإسلام وراء ظهره .
قلت: إذا كان من ترك ثلاث جمعات من غير عذر يُكتب من المنافقين، ويكون قد نبذ الإسلام وراء ظهره، فكيف بمن يترك الصلاة أياماً وجمعات عديدة، لا شك أنه أغلظ وأشد إثماً وجرما، وأولى بوصف النفاق والمروق .


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:42 am


4- مناقشة أدلة المخالفين في المسألة .
قال ابن القيم رحمه الله: ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها، ودُعي إلى فعلها على رؤوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويُشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك، فيقول: اقتلوني، ولا أصلي أبداً . ومن لا يُكفِّر تارك الصلاة يقول: هذا مؤمن مسلم يُغسل، ويُصلى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين ! وبعضهم يقول: إنه مؤمن كامل الإيمان، إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، فلا يستحي مَن هذا قوله من إنكاره تكفير من شهد بكفره الكتـاب والسنة واتفـاق الصحابة!! .
قلت: ومع ذلك سنتناول أدلة المخالفين في المسألة بشيء من التفصيل، لنرى مدى دلالتها على صحة مذهبهم المرجوح في تارك الصلاة ، وقد تأملتها فوجدتها لا تخرج عن الأدلة التالية :
الدليل الأول: قال تعالى:  إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء:48. قالوا: ترك الصلاة ذنب دون الشرك، وبالتالي فإن تارك الصلاة تناله المغفرة ويدخل تحت المشيئة؛ لأن الآية شملت أصحاب جميع الذنوب عدا الشرك .
أقول: لا تعارض بين الآية الكريمة وبين القول بأن تارك الصلاة كافر خالد في نار جهنم؛ لأن الأحاديث النبوية الصحيحة ـ وقد تقدم ذكر بعضها ـ قد صرحت وبوضوح أن من ترك الصلاة فقد أشرك ووقع في الكفر والشرك . وبالتالي فإن تارك الصلاة يشمله الشطر الأول من الآية لا الآخر، وهو قوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به  ، فثبت أن الآية الكريمة شاهد عليهم وليست لهم كما زعموا .
فإن قيل: أين يكمن إشراك تارك الصلاة، وهو لم يتخـذ مع الله إلهاً آخر ؟
أقول: لا مناص للحياد عن تسمية الأشياء ووصفها بأسمائها وأوصافها الشرعية، فإذا أطلق الشارع على فعلٍ أو شيء بأنه شرك فلا بد لنا إلا أن نسميه بذلك الاسم والوصف . أما أين يكمن إشراك تارك الصلاة؛ فهو بتركه للصلاة واتباعه لأهوائه وشهواته ونزواته ـ التي كانت سبباً في تركه للصلاة ـ فقد عبد هواه بطاعته واتباعه، واتخذه نداً مع الله  ؛ فهو في حقيقته يعبد ويطيع ما يأمر به هواه ، لا ما يأمر به الله  ، ألم تقرأ قوله تعالى:  أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا  الفرقان:43. فتأليه الهوى هنا وعبادته تأتي من جهة اتباعه وطاعته فيما هو كفر، واعلم أن الشرك لا يطلق في الشرع إلا لنوع عبادة تصرف لغير الله تعالى، يَعرف ذلك من عرف المجالات العديدة التي تدخل في معنى العبادة لغة واصطلاحاً .
الدليل الثاني: روى ابن ماجة بسنده عن أبي معاوية، عن أبي مالك الأشجعي ، عن ربعي، عن حذيفة  قال: قال رسول الله  : " يَدرسُ الإسلام كما يدرس وشي الثوب ، حـتى لا يُدرى ما صيامٌ، ولا صلاة، ولا نسك، ولا صدقة، ولَيُسْرى على كتاب الله  في ليلةٍ، فلا يبقى في الأرض منه آيةٌ، وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءَنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولُها " .
فقال صلة بن زفر لحذيفة: ما تُغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثاً، كل ذلك يُعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة، فقال: ياصِلَةُ تنجيهم من النار، ثلاثاً .
قال الشيخ الألباني: أخرجه ابن ماجة (4049)، والحاكم (4/473) من طريق أبي معاوية .. وقال الحاكم:صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي .
هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لايقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها .
قلت: لفظ الحديث هو من رواية ابن ماجة فقط،أما رواية
الحاكم كما في المستدرك(4/473)، والتي قال عنها ـ أي الحاكم ـ : صحيح على شرط مسلم، ووافقه عليها الذهبي، ليس فيها ذكر للصلاة لا في متن الحديث، ولا في سؤال صلة لحذيفة بن اليمان، وكان ينبغي للشيخ أن يشير إلى ذلك، وبخاصة أنه استشهد بتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له، واعتبر الحديث انتصاراً لمذهبه في عدم كفر تارك الصلاة .
وقد وهم الشيخ الألباني ثانية عندما قوَّل الحافظ ابن حجر، والغزالي مالم يقولا، انتصاراً لمذهبه في تارك الصلاة، فقال: " ويعجبني بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في الفتح(12/300) عن الغزالي أنه قال: والذي ينبغي الاحتراز منه: التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المسلمين المقريـن بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة، أهون من الخطأ في سفك دمٍ لمسلم واحد" .
والصواب كما في الفتح(12/314)، أن الغزالي لم يقل: " فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ "، وإنما قال: " فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ " ، فواضح الفرق بين القولين والنقلين، ولو أثبت الشيخ كلمة المصلين بدلاً من كلمة
المسلمين كما في الأصل، لما كان لاستشهاده بمقولة الغزالي أي معنى أو دليل،لأنه استدل به لبيان حرمة تاركي الصلاة وخطأ تكفيرهم!
عودة إلى الحديث ثانية، فأقول: على افتراض صحة الحديث ، فإنه ليس فيه دليل على عدم كفر تارك الصلاة، أو تارك العمل بأركان الإسلام الخمسة ـ كما زعم الشيخ ـ وإنما يدل على مبدأ العذر بالجهل المعجز الذي لا يمكن دفعه؛ فالقوم لا يدرون، ولا يستطيعون أن يدروا لأن القرآن قد رُفع، واندرست تعاليمه وآثاره من الأرض، فهم ـ بنص الحديث ـ عاجزون عن معرفة الحق، وبالتالي عن العمل به، والعجز الذي لا يمكن دفعـه يرفع التكليف عن صاحبه ـ أياً كان نوع هذا التكليف ـ بلا خلاف، قال تعالى:  فاتقوا الله ما استطعتم التغابن:16.وقال تعالى:  لا يكلف الله نفساً إلا وسعها  البقرة:286.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: فإن الله يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه، فإنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يعذبه على ما لم يستطعه .
لذلك عندما سُئل حذيفة: هل تنفعهم شهادة التوحيد وهم بهذه الحالة من التقصير الذي سببه العجز والجهل، فأجاب أن نعم تنفعهم وتنجيهم من العذاب .
وهم مثلهم مثل من أسلم بالشهادتين ثم مات قبل أن يتمكن من معرفة شيء عن بقية أركان الدين، فضلاً عن أن يعمل بها، ومثلهم كذلك بمن أسلم حديثاً وهو في منطقة نائية تمنعه من أن يصل العلم ويطلبه من مظانه، كما تمنع العلم من أن يصله، ومثل هؤلاء لا خلاف أنهم يعذرون بالجهل ما داموا يعيشون ظروفهم القاهرة تلك، التي لا يستطيعون الفكاك منها، وأن لا إله إلا الله تنفعهم وتنجيهم من نار جهنم .
وعليه فإننا نقول: لا يجوز قياس العاجز على القادر المستطيع أو العكس، وحمل الأحكام التي تقال في الجاهل العاجز على العالم القادر وتعميمها عليه .
ولو سُئل حذيفة  أو غيره من أهل العلم، عن أناس انتشر العلم في زمانهم وظهر، وسهل طلبه لمن يريده ويسعى إليه، ثم هم مع ذلك لا يأتون بشيء من أركان الإسلام وواجباته سوى مجرد التلفظ بشهادة التوحيد.. أتراهم كانوا سيقولون عنهم: أن اكتفاءهم بتلفظ شهادة التوحيد ينفعهم وينجيهم من النار، وإن لم يأتوا بشيء من أركان الإسلام، وأعماله الظاهرة والباطنة ؟! اللهم لا، وألف لا ..!
قال ابن تيمية: إن العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته، وإلا متى أمكن الإنسان معرفة الحق فقصر فيه، لم يكن معذوراً (1).
خلاصة القول: أن الحديث ليس فيه أدنى دلالة على عدم كفر تارك الصلاة، وإنما يدل على مبدأ العذر بالجهل المعجز الذي لا يمكن دفعه، وحمل الحديث على غير هذا المعنى هو من بـاب تحميل المعاني ما لا تحتمل .
وقول الشيخ الألباني أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة، ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها . هو قول أقرب ما يكون إلى قول أهل التجهم والإرجاء، وقد تقدم إغلاظ السلف وتكفيرهم لمن يقول بهذا القول .
قال الإمام أحمد: من قال هذا فقد كفر بالله، ورد على أمره، وعلى الرسول ما جاء به عن الله .انتهى .
وقال ابن تيمية في الفتاوى(7/142): قال تعالى: ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين فنفى الإيمان عمن تولى عن العمل، ففي القرآن والسنة من نفي الإيمان عمن لم يأت بالعمل مواضع كثيرة كما نفى فيها الإيمان عن المنافق.انتهى.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب،كما في مجموعة التوحيد، ص 83: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما . انتهى .
وقال ابن القيم: مجرد الإقرار والإخبار بصحة رسالته لا يوجب الإسلام إلا أن يلتزم طاعته ومتابعته، وإلا فلو قال: أنا أعلم أنه نبي ولكن لا أتبعه ولا أدين بدينه كان من أكفر الكفار كحال هؤلاء المذكورين وغيرهم، وهذا متفق عليه بين الصحابة والتابعين وأئمة السنة أن الإيمان لا يكفي فيه قول اللسان بمجرده، ولا بمعرفة القلب مع ذلك، بل لا بد فيه من عمل القلب وهو حبه لله ورسولـه وانقياده لدينه، والتزامه طاعته ومتابعة رسوله .
وقال الشيخ سليمان آل الشيخ في رده على صاحب المقدمة، في كتابه النافع" توحيد الخلاق ": إنه فهم أن الإيمان يكفي فيه مجرد التصديق القلبي وإن لم يوجد عمله، وقد رد البخاري وغيره من الأئمة الأعلام على هؤلاء القوم اللئام وبينوا غلطهم وسوء اعتقادهم للكتاب والسنة ومذاهب الأئمة ..انتهى .
وقد أخطأ الشيخ ناصر عندما قول ابن القيم ما لم يقل وحرف قوله انتصاراً لمذهبه في الإيمان، وذلك عندما نسب إليه قوله: " أن الكفر نوعان: كفر عمل . وكفر جحود واعتقاد " بينما قول ابن القيم كما في كتابه الصلاة:" أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد " فبدل قوله " جحود وعناد " إلى " جحود واعتقاد " انتصاراً لقوله في حصر الكفر في الجحود والاعتقاد القلبي فقط ..!! .
وقد أخطأ ثانية عندما اجتزأ ـ في رسالته حكم تارك الصلاة ـ كلام ابن القيم وحذف منه مالا ينبغي له ليظهره أنه على قوله في حكم تارك الصلاة ..وبشيء من المتابعة يجد القارئ المنصف الفارق الكبير بين الشيخين من حيث المنهج والاعتقاد، والاستدلال، والتقريرات والأحكام وبخاصة في مسألتنا هذه حكم تارك الصلاة !!
الدليل الثالث: حديث الشفاعة .
روى عبد الرزاق في مصنفه، بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله  : " إذا خلص المؤمنون من النار وأَمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له عليه في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أُدخلوا النار، قال: يقولون ربنا إخواننا كانوا يُصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، فأدخلتهم النار، قال: فيقولون: اذهبوا فأخرجوا من عرفتـم منهم، فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورَهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته إلى كفيه فيخرجون، فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا .
قال: ثم يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتى يقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرةٍ، قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا الحديث فليقرأ هذه الآية: إن الله لا يظلمُ مثقال ذرةٍ وإن تكُ حسنة يضاعفها ويؤتِ من لدنه أجراً عظيماً النساء:40.
قال: فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا فلم يبق في النار أحدٌ فيه خير، قال: ثم يقول الله:شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين، قال: فيقبض قبضة من النار ـ أو قال: قبضتين ـ ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، وقد احترقوا حتى صاروا حُمماً، قال: فيُؤتى بهم إلى ماءٍ يقال له الحياة، فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، قال: فيخرجون من أجسادهم مثل اللؤلؤ وفي أعناقهم الخاتم: عتقاء الله، قال:فيقال لهم :ادخلوا الجنة، فما تمنيتم ورأيتم من شيء فهو لكم، قال: فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تُعط أحداً من العالمين، قال: فيقول: فإن لكم عندي أفضل منه، فيقولون: ربنا وما أفضل من ذلك ؟ فيقول: رضائي عنكم، فلا أسخط عليكم أبداً " . والحديث مخرج في الصحيحين، ولكن آثرنا رواية عبد الرزاق في مصنفه، لأنها الرواية التي اعتمدها الشيخ ناصر في رسالته " حكم تارك الصلاة "، وأقام رسالته كلها على هذا الحديث، حيث اعتبره حجة قاطعة على عدم كفر تارك الصلاة، وهو في استدلاله بهذا الحديث على المسألة، زعم أنه لم يُسبق من الأولين ولا من الآخرين، حيث لم يهتدِ إلى فقه هذا الحديث أحد سواه !
وإليك ما قاله ـ بعد أن ذكر الحديث ـ في رسالته المذكورة: " وهو أن المؤمنين لما شفَّعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى، فأخرجوهم من النار بالعلامة، فلما شُفِّعوا في المرات الأخرى وأخرجوا بشراً، لم يكن فيهم مصلون بداهةً وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانه، وهذا ظاهر جداً لا يخفى على أحد إن شاء الله .." .
" مما يدل على أن شفاعة المؤمنين كانت لغير المصلين في المرة الثانية وما بعدها، وأنهم أخرجوهم من النار . فهذا نص قاطع في المسألة ينبغي أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم.."
" وعلى ذلك فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله أنه لا يخلد في النار مع المشركين . ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى .."، " فإن عجبي لا يكاد ينتهي من إغفال جماهير المؤلفين الذين توسعوا في الكتابة في هذه المسألة الهامة ألا وهي: هل يكفر تارك الصلاة كسلاً أم لا ؟ لقد غفلوا جميعاً ـ فيما اطلعت ـ عن إيراد هذا الحديث الصحيح .. لم يذكره من هو حجة له، ولم يجب عنه من هو حجة عليه " . انتهى الاقتباس من رسالة " حكم تارك الصلاة " .
أجيب على ما تقدم في الحديث، وما قاله الشيخ الألباني وفهِمه من الحديث، من خلال النقاط التالية :
أولاً: عند الحديث عن مسألة الوعد والوعيد، لا بد من الإلمام بجميع النصوص ذات العلاقة بالمسألة، وإعمالها جنباً إلى جنب، مجتهدين قدر الإمكان التوفيق فيما بينها عند ظهور التعارض، وعدم ردها وضربها بعضها ببعض .
فليس من العدل والإنصاف والتقوى النظر إلى نص واحد وغض الطرف عن بقية النصوص ذات العلاقة؛ انتصاراً لحكم، أو رأي، أو مذهب، أو قول، أو شخص، فإن الذين وقعوا في طـرفي النقيض ـ الإفراط والتفريط ـ كان في غالب الأحيان بسبب إعمالهم لنص واحد أو نصوص، وجدوا فيها ضالتهم ـ كما يظنون ـ متجاهلين بقية النصوص الأخرى ذات العلاقة، والتي قد تضيف على المسألة فهماً جديداً، ودلالات أخرى هم لا يريدونها!
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:43 am

من ذلك مثلاً: قولهم في الحديث " أن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة "، أنه دليل على أن كل من قال ـ ولو مجرد القول ـ لا إله إلا الله فإنه من أهل الجنة مهما كان منه من عمل، وكان معرضاً عن الذكر، صارفي الطرف عن النصوص الأخرى الصحيحة التي تفيد أن لا إله إلا الله قد قيدت ـ إضافة إلى شرط النطق ـ بقيود وشروط أخرى لا بد من استيفائها وتحقيقها لمن أراد الانتفاع بها؛ كشرط العلم بها وبمدلولاتها لأن جاهل الشيء لا يكون معتقداً له مؤمناً به، وشرط الكفر بالطاغوت وبعابديه، وشرط الصدق والإخلاص، وشرط انتفاء الشك، وشرط حصول اليقين، وشرط المحبة لها ولأهلها، وشرط الرضى والتسليم والانقياد التام لها، وشرط العمل بها وبلوازمها، ثم بعد كل ذلك شرط الموافاة عليها، لأن العبرة بالخواتيم وبما يختم به على المرء ..
هذه هي شروط الانتفاع بلا إله إلا الله، ومن جراء تذكير القوم أهل الحيف والجور وبتر النصوص بهذه الشروط، وبمبدأ الإلمام بجميع النصوص ذات العلاقة وبخاصة عند الخوض في المسائل الكبار العظام، كمسألتنا هذه .. فإنهم سرعان ما يرمونك بالمروق، والخروج، ومخالفة السنة ..!!
ثانياً: من أصول أهل السنة والجماعة، أن المرء مهما كثرت ذنوبه وقلت حسناته، لا بد أن يكون من الموحدين الذين ماتوا على التوحيد، حتى يفوز بالجنة والرحمة والرضوان، وتناله شفاعة الشافعين. كما في الحديث الذي يرويه مسلم، أن النبي  قال لعمر: " يا ابن الخطاب اذهب فنادِ في الناس: إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " أي الموحدون .
وفي حديث آخر قال: " يا ابن عوف اركب فرسك، ثم نادِ: إن الجنة لا تحل إلا لمؤمنٍ" .
وعند البخاري في صحيحه: " لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة " .
وقال  : " أتاني آتٍ من عند ربي، فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة، وهي لمن مات لا يُشرك بالله شيئاً " . أي مات على التوحيد المنافي لجميع مظاهر الشرك الأكبر .
ونحوه قوله  : " أُعطيت الشفاعة وهي نائلة من لا يشرك بالله شيئاً " .
ومن حديث الشفاعة الذي أخرجه البخاري عن أنس، وفيه أن النبي  بعد أن يتشفع فيمن في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، ثم يعود ثانية فيؤذن له فيمن في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، ثم يعود فيؤذن له أن يشفع فيمن كان في قلبه أدنى مثقال حبة خردلٍ من إيمان فيخرجه من النار ، وفي الرابعة يقول  : يا رب ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله، فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله " .
وفي رواية صحيحة عند ابن أبي عاصم في السنة، قال  : " ما زلت أشفع إلى ربي  ويُشفعني، وأشفع ويُشفعني حتى أقول أي رب، شفعني فيمن قال: لا إله إلا الله . فيقول: هذه ليست لك يا محمد ولا لأحد، هذه لي وعزتي وجلالي ورحمتي لا أدع في النار أحداً يقول لا إله إلا الله " .
فالحديث فيه أن الذين يدخلون الجنة برحمة الله  ـ كما في الحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري ـ عندما يقبض الله سبحانه قبضة أو قبضتين من النار فيخرج ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، هم أنفسهم هؤلاء الموحدين الذين يشهدون أن لا إله إلا الله، والمذكورين في حديث أنس .
وعليه لا يجوز أن نحمل قوله " لم يعملوا لله خيراً قط " على انتفاء
التوحيد عنهم، وأنهم لم يعملوا من الخير شيئاً بما في ذلك التوحيد، فهذا لا يجوز القول به لمعارضته للنصوص الظاهرة الكثيرة التي تفيد أن أهل الشرك والكفر لن تنالهم الرحمة يوم القيامة، ولا شفاعة الشافعين ..
ومن الأدلة التي تفيد أن الذين تدركهم الشفاعة والرحمة يوم القيامة هم من أهل التوحيد لا غير، حديث جابر قال: قال رسول الله  : " يُعذب ناس من أهل التوحيد في النار، حتى يكونوا فيها حُمَمَاً، ثم تدركهم الرحمة، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة، قال: فيَرُش عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون كما ينبت الغثاء في حِمالة السيل ثم يدخلون الجنة " .
فتأمل وصفه  لهم بأنهم من أهل التوحيد، وهؤلاء هم أنفسهم الذين تدركهم الرحمة بعد انتهاء شفاعة الشافعين، والمذكورين في حديث أبي سعيد الخدري المتقدم ذكره .
وعليه فإن شفاعة الشافعين لمن في قلبه مثقال دينار من إيمان أو نصف دينار أو أقل من ذلك، هو لمن زاد عنده إيمانه وعمله عن أصل التوحيد بقدر دينار أو أكثر أو أقل .
أما الذين لم يعملوا لله خيراً قط، ويخصهم الله تعالى برحمته وعفوه، يجب أن يحمل ـ كما دلت النصوص المتقدم ذكرها ـ على أنهم لم يعملوا خيراً قط زائداً عن أصل التوحيد الذي لا بد منه لدخول الجنة، هذا ما يقتضيه مبدأ الأخذ والتوفيق بين جميع النصوص ذات العلاقة بالمسألة .
قال ابن حجر في الفتح(1/73): والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد عن أصل التوحيد ، لقوله في الرواية الأخرى: " أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة " .انتهى .
ثالثاً: فإن عرفت ذلك بقي عليك أن تعرف صفة التوحيد الذي لا بد منه للخروج من النار ودخول الجنة .
أقول: التوحيد ليس مجرد كلمة تطلق على اللسان ـ كما يزعم مرجئة العصر ـ ثم يتبعها شرود وإعراض عن دين الله وقيوده وشروطه، وليس هو اعتقاد محبوس في الصدر لا تظهر آثاره وآياته على الجوارح الظاهرة والباطنة، فالتوحيد ليس كذلك وإنما هو عبادة، وطاعة وانقياد وخضوع
وموالاة ومعاداة في الله ولله، قال تعالى: وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاءَ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيِّمة البينة:5.
فالتوحيد النافع، هو: اعتقاد، وقول، وعمل . لا يجزئ واحد منها عن الآخر، وهذا ما عليه اعتقاد أهل السنة والجماعة .
قال ابن تيمية في الفتاوى(7/209): قال الشافعي  في كتاب الأم: كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم، ومن أدركناهم يقولون: الإيمان قول وعمل ونية، لا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر . انتهى .
وقال الحسن البصري: لا يصح القول إلا بالعمل، ولا يصح قول وعمل إلا بنية، ولا يصح قول وعمل ونية إلا بالسنة .
وقال سفيان بن سعيد الثوري: الإيمان قول وعمل ونية، يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يجوز القول إلا بالعمل، ولا يجوز القول والعمل إلا بالنية، ولا يجوز القول والعمل والنية إلا بموافقة السنة . وقال أحمد بن حنبل: والإيمان قول وعمل على سنة وإصابة ونية، والإيمان يزيد وينقص، وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً . وقال ابن جرير الطبري: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، وبه الخبر عن جماعة من أصحاب رسول الله  ، وعليه مضى أهل الدين والفضل .
هذا ما عليه أهل السنة والجماعة، أما نوع العمل الذي يدخل في شروط صحة التوحيد والإيمان، هو كل عمل تركه يؤدي بصاحبه إلى الشرك والكفر، وحبوط جميع الأعمال، فيكون فعله شرطاً لصحة التوحيد والإيمان . والعكس كذلك كل عمل فعله يؤدي إلى الشرك والكفر، فيكون تركه واجتنابه شرطاً لصحة التوحيد والإيمان .
ولما تبين لنا أن الصلاة ـ كما دلت النصوص المتقدم ذكرها، وكذلك أقوال أهل العلم ـ شرط لصحة التوحيد والإيمان ، وأن تركها كفر وشرك يحبط جميع الأعمال، علمنا بالضرورة أن الصلاة هي من الأعمال التي ينتفي الإيمان بانتفائها، ويثبت بثبوتها وفعلها .
قال ابن تيمية في الفتاوى(7/287): لو قدر أن قوماً قالوا للنبي  : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به، ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم، ولا نحج ولا نصدُق الحديث، ولا نؤدي الأمانة ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهـر ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضاً، ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي  يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك . انتهى .
رابعاً: قول الشيخ الألباني أن شفاعة المؤمنين ـ في المرة الثانية لمن في قلبه مثقال دينار من إيمان ـ كانت لغير المصلين، وأنهم أخرجوهم من النار، هو تقول وظن من عند نفسه، وتحميل للنص مالا يحتمل، قال تعالى:  وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يُغني من الحق شيئاً النجم:28.
خامساً: قد دلت السنة أن هؤلاء الذين يشفع لهم المؤمنون والملائكة في المرة الثانية والثالثة، هم موحدون ومن أهل الصلاة، كما في الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة، عن النبي  ، وجاء فيه: " حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يرحم ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله، أمر الملائكة أن يُخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، قال: وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، قال: فيخرجونهم قد امتحشوا فيُصبُّ عليهم من ماء يقال له الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل .." .
قلت: تأمل كيف يعرفونهم بآثار السجود، مما يدل على أنهم كانوا من أهل الصلاة والسجود ولا أستبعد أن هؤلاء هم أنفسهم الذين جاء ذكرهم في حديث أبي سعيد الخدري، الذين يخرجون من النار برحمة الله، بعد انتهاء شفاعة الشافعين، لتطابق أوصافهما في الحديثين .
جاء وصفهم في حديث أبي سعيد الخدري الذي استدل به الشيخ ناصر وأقام رسالته عليه: " وقد احترقوا حتى صاروا حمماً، قال: فيؤتى بهم إلى ماءٍ يقال له الحياة، فيصب عليهم فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل .."، وذلك بعد المرة الثانية والثالثة وانتهاء شفاعة الشافعين .
وفي حديث أبي هريرة جاء وصفهم: " فيعرفونهم بعلامة آثار السجود .. فيخرجونهم قد امتحشوا فيصب عليهم من ماء يقال له الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل .." .


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:45 am

ألا ترى أنهم هم أنفسهم الذين جاء ذكرهم في حديث أبي سعيد الخدري، إلا أنهم في حديث أبي هريرة جاءت زيادة ـ ظاهرة صريحة ـ توضح أنهم كانوا من أهل السجود والصلاة، وهذا الذي أعرض عن ذكره وبيانه الشيخ ناصر ..؟!
سادساً: فإذا عرفت أن في الحديث الذي استدل به الشيخ الألباني ليس فيه أدنى دلالة علـى عدم كفر تارك الصلاة، ولا يصح كدليل في المسألة بل هو شاهد عليه وضده لو أخذ بمجموع طُرق الحديث ورواياته .. فإذا عرفت ذلك فلك أن تعجب من قوله: بأن الأولين والآخرين قد غفلوا عن دلالة الحديث في المسألة، ليأتي هو فيستدرك على السلف والخلف ما قد فاتهم من فقه لهذا الحديث..!
سابعاً: هب أن في الحديث دلالة على المسألة، فهي لا ترقى أن تكون خفية وظنية مرجوحة ، والظن ـ في شريعتنا ـ لا يقاوم اليقين، كما أن المتشابه المرجوح لا يقاوم المحكم الراجح، والمتمثل في مسألتنا في الأدلة الراجحة المحكمة الدالة على كفر تارك الصلاة، وقد تقدم ذكرها .
بهذا القدر ينتهي الرد على تعلق المخالفين ـ في المسألة ـ بهذا الحديث، لننظر في متعلقهم الرابع الذي يستدلون به على عدم
كفر تارك الصلاة .
الدليل الرابع: حديث البطاقة .
عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله  قال:" إن الله سيخلص رجلاً من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئاً، أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول ألك عذر ؟ فيقول: لا يا رب . فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم . فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . فيقول: احضر وزنك، فيقول: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تُظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء " .
قالوا: هذا حديث صحيح، يدل على أن الرجل ليس عنده من الحسنات شيء سوى شهادة التوحيد، وفي مقابلها ذنوب ومعاصي يصعب حصرها، تملأ تسعة وتسعين سجلاً، كل سجل مثل مد البصر، ومع ذلك فإن الله تعالى يدخله الجنة بفضل حسنة شهادة التوحيد، فدل أن تارك الصلاة ليس كافراً، وأن الرحمة تشمله وتدركه، بدلالة هذا الحديث .
نجيب على هذا الفهم والاستدلال بنقطتين :
أولاً: لا يجوز اعتبار هذه الذنوب الموجودة في التسع والتسعين سجل ـ مهما تعددت وتنوعت ـ أنها تشمل على الشرك الأكبر، أو شيئاً من نواقض الإيمان والتوحيد، والتي منها ترك الصلاة كلياً كما تقدم؛ لأن الشرك لا تنفع معه حسنة، ولا يمكن أن يجتمع معه إيمان ينفع، كما في الحديث: " لا يجتمع إيمان وكفر في قلب امرئٍ " . لأن اجتماعهما يستلزم اجتماع الأضاض؛ الشيء وما ينافيه في آنٍ معاً، وهذا من المستحيل أن يقع، وبالتالي فإن الحديث يخرج عن كونه دليلاً على عدم كفر تارك الصلاة .
ثانياً: إن شهادة التوحيد التي نفعت صاحب تلك الذنوب الكثيرة، أو غيره من أصحاب الذنوب والمعاصي، هي الشهادة التي تتحقق فيها جمع شروط صحة التوحيد، والتي من دونها لا تنفع صاحبها في شيء مهما أكثر من تردادها والتلفظ بها على لسانـه، وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك، ونعيد هنا ذكر الشروط بشيء من التفصيل لتعم الفائدة، ونجمل ذكرها في النقاط التالية:
1- شرط النطق: وهو أن يتلفظ بشهادة التوحيد، قال رسول الله  : " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " متفق عليه .
قال النووي في الشرح(1/212): فيه أن الإيمان شرطه الإقرار بالشهادتين مع اعتقادهما واعتقاد جميع ما أتى به رسول الله  . انتهى.
وقال ابن تيمية في الفتاوى(7/609): الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطناً وظاهراً عند سلف الأمة وأئمتها وجماهير علمائها . انتهى .
2- شرط الكفر بالطاغوت: والطاغوت هو كل ما عُبد من دون الله أو مع الله ولو في وجه أو مجال من مجالات العبادة، ورضي بذلك، قال تعالى: فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليـم
البقرة:256. والعروة الوثقى هنا هي: لا إله إلا الله التي تتضمن جميع معاني ومجالات التوحيد .
مفهوم المخالفة الذي دل عليه منطوق النصوص الشرعية، أن من آمن بالله لكنه لم يكفر بالطاغوت لا يكون قد استمسك بالعروة الوثقى، ولا شهد أن لا إله إلا الله الشهادة التي تنفعه أو تنجيه . وهذا يوضحه قوله  في الحديث الذي أخرجه مسلم: " من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله " .
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: فقوله" وكفر بما يعبد من دون الله" تأكيد للنفي، فلا يكون معصوم الدم والمال إلا بذلك، فلو شك أو تردد لم يعصم دمه وماله. انتهى .
قلت: مَثَل الذي يشهد أن لا إله إلا الله ثم لم يسبق ذلك كفراً بالطاغوت، هو كمن يقول بالشيء وضده في آنٍ معاً، وبالتوحيد والشرك، لذا نجد في الآية الكريمة المتقدمة الذكر أن الكفر بالطاغوت جاء مقدماً على الإيمان بالله لبيان أهمية هذا الأصل .
والكفر بالطاغوت له صفات وأحوال لا يتحقق إلا بها، وهو ليس أماني أو عبارة عن كلمات تردد على اللسان، ثم واقـع
الحال يُبِين عما هو خلاف ما يزعم باللسان .
3- شرط العلم: لقوله تعالى: فاعلم أنه لا إله إلا الله  محمد:19. ولقوله  في الحديث الذي أخرجه مسلم:" من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " .
مفهوم الحديث أن من مات وهو لا يعلم أنه لا إله إلا الله لا يدخل الجنة؛ لأن الجهل بالشيء من لوازمه عدم اعتقاده في القلب، وعدم اعتقاد التوحيد كفر بلا خلاف .
4- شرط الصدق والإخلاص: لقوله  في الحديث الذي أخرجه البخاري: " ما من أحدٍ يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرَّمه الله على النار " . ولقوله  : " أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة " .
مفهوم المخالفة يقتضي أن من يشهد أن لا إله إلا الله كذباً ونفاقاً لا صدقاً، فهو من أهل النار، ولا يدخل الجنة ، وله حكم المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار .
5- شرط انتفاء الشك: قال تعالى: وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه مريب . قالت رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السماوات والأرض إبراهيم:9-10.
ولقوله  في الحديث الذي أخرجه مسلم: " أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة " .
مفهوم المخالفة يقتضي أن من لقي الله بشهادتي التوحيد وهو شاك فيهما أو بشيء من مقتضياتهما لا يدخل الجنة، ولا يكون من أهلها .
6- شرط حصول اليقين: لقوله  في الحديث الذي أخرجه مسلم: " من يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة " .
مفهوم المخالفة يقتضي أن من يشهد أن لا إله إلا الله وهو غير مستيقن بها وبمدلولاتها ومتطلباتها لا يبشر بالجنة ولا يكون من أهلها .
7- شرط المحبة المنافي للكره ما أنزل الله: قال تعالى: ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله البقرة:165.
وقال تعالى: قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين التوبة:24.
وقال تعالى: والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم . ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهممحمد:8-9. فعلل كفرهم وحبوط أعمالهم بأنهم كرهوا ما أنزل الله، وأعظم ما أنزل الله على أنبيائه ورسله شهادة التوحيد، فمن كرهها أو عاداها، أو عادى أهلها ووالى أعداءها فهو من الكافرين الذين كرهوا ما أنزل الله .
وكذلك قوله تعالى: ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون الزخرف: 78. فعلل سبب مكثهم وخلودهم في النار أنهـم كانوا للحق الذي أنزله الله كارهين .
8- شرط الرضى والتسليم، والانقياد التام: لقوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً النساء:65.
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم . يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعضٍ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون الحجرات:1-2.
وقوله تعالى: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم الأحزاب:36.
وقوله تعالى: فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم النور:63. وقد فسر الإمام أحمد وغيره من أهل العلم الفتنة بالشرك، قال تعالى: والفتنة أكبر من القتل أي الشرك والكفر .
ومنه يعلم أن من يتلفظ بشهادة أن لا إله إلا الله لكنه لا يرضاها منهاجاً لحياته، ولا يسلم وينقاد لمعانيها، ولا يحتكم إليها فهو ليس ممن يشهدون أن لا إله إلا الله الشهادة التي تنفعهم يوم القيامة وتنجيهم .
9- شرط العمل بها وبلوازمها ومتطلباتها: فيعمل بالتوحيد، ويجتنب الشرك في الظاهر والباطن، وهو المراد من قوله تعالى: وما أُمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة البينة:5. وقوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون الذاريات: 56.
فمن أبطل العمل بالتوحيد كشرط لصحته لزمه أن يبطل الغاية التي لأجلها خلق الله الخلق، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، ألا وهي عبادة الله تعالى وحده، كما قال تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون  الأنبياء:25. وقال تعالى: ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت النحل:36.
وعليه فإننا نقول: من أبطل العمل بالتوحيد كشرط فقد أبطل الغاية التي من أجلها جاء الرسل، ومن اكتفى بمجرد النطق بشهادة التوحيد من دون العمل بمضمونها ومتطلباتها، فهو كافر مشرك، ومناقض ومكذب لشهادة التوحيد التي يتلفظ بها .
وقد تقدم قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل، فإن اختلف شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما . انتهى .
10- شرط الموافاة عليها: وهو بعد كل ما تقدم لا بد أن يموت على التوحيد حتى تدركه الرحمة، وتطاله شفاعة الشافعين، لأن العبرة بالخواتيم، وبما يختم به على المرء، قال تعالى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون البقرة: 217.
وفي الحديث، فقد أخرج مسلم في صحيحه: " ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة " . مفهوم الحديث أن من قال لا إله إلا الله، لكنه لم يمت عليها، ومات على ضدها من الشرك لا يدخل الجنة، ولا يكون من أهلها، ولا ينتفع بشيء من أعماله السابقة .
وعليه فإننا نقول: من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، وكان عالماً بشهادة التوحيد ومتطلباتها، وصادقاً مخلصاً بها، ومستيقناً غير شاك فيها، ومحباً لها ولأهلها، وعاملاً بها وبمقتضاها، ثم بعد كل ذلك مات عليها، إلا أدخله الله تعالى الجنة . هذا ما يقتضيه مبدأ التوفيق والأخذ بجميع النصوص ذات العلاقة بالمسألة .
أما إعمال نص بمفرده ـ وغض الطرف لهوى أو رهبة أو رغبة ـ عن بقية النصوص الأخرى ذات العلاقة بالمسألة، فهـذا
خلق لا يقدم عليه إلا اللصوص؛ لا أقول لصوص الدرهم والدينار ـ فهؤلاء أمرهم أهون ـ وإنما لصوص العلم والدين .
وبالتالي فإن شهادة التوحيد التي نفعت ذلك الرجل، ورجحت على جميع سجلاته المليئة بالذنوب والمعاصي، هي الشهادة التي يتحقق فيها الشروط العشرة الآنفة الذكر، وليس شهادة اللسان وحركة الشفاه وحسب، فتنبه لهذا ولا يغررك ما يقوله مشايخ التجهم والإرجاء فتهلك .
الدليل الخامس: من الأدلة التي يعتمدونها في عدم كفر تارك الصلاة، قولهم أن الشريعة أطلقت على كثيرٍ من الأعمال حكم الكفر، وأريد به كفر النعمة، أو الكفر الأصغر، أو الكفر دون كفر، وترك الصلاة عمل وهو من جملة الأعمال التي حكم الشارع عليها بالكفر وأراد به كفر النعمة أو الكفر الأصغر.. الخ.
وعلى هذا القول نجيب بالنقاط التالية:
أولاً: كما أن الإيمان ـ عند أهل السنة والجماعة ـ اعتقاد وقول وعمل، كذلك الكفر يكون بالاعتقاد والقول والعمل، ولا يخالف في ذلك إلا من كان على عقيدة التجهم والإرجاء .
ثانياً: ليس كل عمل ليس كفراً لكونه عملاً؛ فإن كثيراً من الأعمال أطلق الشارع عليها حكم الكفر وأريد منه الكفر الأكبر، وإن جاءت مجردة عن الاعتقاد أو الاستحلال القلبي، منها على سبيل المثال: شتم الله والدين، أو الاستهزاء بالدين أو بشيء من فرائضه وواجباته وأحكامه، ومنها السجود للصنم، أو التوجه للمخلوق بأي نوع من أنواع العبادة كالطاعة والمحبة، والدعاء والاستغاثة والنذر والنُّسك وغيرها من ضروب العبادة . ومنها موالاة الكافرين ومظاهرتهم على المسلمين، ومنها الجلوس في مجالس الكفر والشرك من غير إنكار أو إكراه، ومنها معاداة المسلمين وقتالهم والعمل على صدهم عن دينهم، ومنها قتل الأنبياء والرسل أو قتالهم، أو شتمهم، أو الطعن بهم، أو خصهم بأي نوع من أنواع الأذى والطعن، ومنها الصد عن حكم الله تعالى وإرادة التحاكم إلى الطاغوت، ومنها سن التشريعات والقوانين المضاهية لشرع الله، ومنها تزيين الكفر والشرك وتحسينه في أعين الناس، ومنها ـ على الراجح ـ العمل بالسحر، ومنها ترك الصلاة مسألتنا هذه ..
فهذه الأعمال كلها كفر أكبر لذاتها، وإن جاءت مجردة عن الاعتقاد أو الاستحلال، وصاحبها يكفر ويخرج من الملة على أي وجه مارسها سوى الإكراه، ولولا خشية الإطالة والخروج عن الموضوع لذكرنا الأدلة الشرعية ـ بشيء من التفصيل ـ الدالة على كفر هذه الأعمال لذاتها، وكفر أصحابها كفراً أكبر مخرجاً عن الملة .
ثالثاً: إن الأحكام الشرعية ـ ومنها الكفر ـ الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن مدلولها الشرعي الظاهر إلى مدلول آخر إلا بدليل أو قرينة شرعية تفيد هذا الصرف والتأويل، بهذا الضابط نعرف الأحكام الشرعية ومراد الشارع منها، ومن دونه تضيع الأحكام، ونفتح بذلك باباً للتأويل والأهواء ـ تمر منه تأويلات وأهواء الزنادقة وأهل البدع ـ لا يمكن إغلاقه .
قال ابن حزم رحمه الله: لا نسمي في الشريعة اسماً إلا بأن يأمرنا الله تعالى أن نسميه، أو يبيح لنا الله بالنص أن نسميه لأننا لا ندري مراد الله  منا إلا بوحي وارد من عنده علينا، ومع هذا فإن الله  يقول منكراً لمن سمى في الشريعة شيئاً بغير إذنه : إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم مـن ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى  . وقال تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا .
فصح أنه لا تسمية مباحة لملك ولا لإنس دون الله تعالى، ومن خالف هذا فقد افترى على الله  الكذب وخالف القرآن، فنحن لا نسمي مؤمناً إلا من سماه الله  مؤمناً، ولا نُسقط الإيمان بعد وجوبه إلا عمن أسقطه الله  عنه، ووجدنا بعض الأعمال التي سماها الله  إيماناً لم يُسقط الله  اسم الإيمان عن تاركها، فلم يجز لنا أن نسقطه عنه لذلك .
لذا أقول: إذا أطلق الشارع على فعل معين حكم الكفر فالأصل أن يحمل هذا الكفر على ظاهره ومدلولاته الشرعية؛ وهو الكفر المناقض للإيمان الذي يوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم، ولا يجوز صرف هذا الكفر عن ظاهره ومدلوله إلى كفر النعمة أو الكفر العملي الأصغر الرديف للمعصية أو الذنب الذي لا يستوجب الخلود في نار جهنم إلا بدليل شرعي آخر يفيد هذا الصرف والتأويـل،وفي حال انعدام الدليل الصارف يتعين الوقوف على الحكم بمدلوله ومعناه الأول .
ولما انعدم الدليل الشرعي الذي يلزمنا بصرف الكفر عن تارك الصلاة إلى الكفر الأصغر، أو الكفر دون كفر، تعين علينا القول ـ نزولاً عند ظاهر النصوص الشرعية ـ بكفر تارك الصلاة كفراً أكبر مخرجاً عن الملة .
الدليل السادس: من الأدلة التي يعتمدونها، ما رواه أبو هريرة عن النبي  قال: " إن للإسلام صوىً ومناراً كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً، فقد ترك سهماً من الإسلام ، ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره " .
قالوا: هذا دليل على أن تارك الصلاة ليس كافراً ، إذ لو كان كافراً لفقد الإسلام كله وليس سهماً منه وحسب ..!
أقول: لا يوجد في الحديث دليل على عدم كفر تارك الصلاة، ولا حتى مجرد الإشارة إلى ذلك، وإليك بيان ذلك:
أولاً: قوله  " فمن ترك من ذلك شيئاً " لا يشمل جميع ما تقدم ذكره من أركان ومنارات وشرائع، بدلالة نصوص أخرى عديدة ـ لا يجوز أن نعمي الطرف عنها ـ تفيد أن من ترك الإيمان بالله تعالى يكون قد وقع في الكفر البواح وولى الإسلام ظهره، وليس فقط يكون قد ترك سهماً من الإسلام، وكذلك لو وقع في الشرك .
وكذلك لما دلت نصوص أخرى عديدة ـ تقدم ذكر بعضها ـ تفيد كفر تارك الصلاة، علمنا بالضرورة أن الصلاة مستثناة ـ كالإيمان بالله ـ من قوله  " فمن ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام "، وبالتالي فقد بطل تعلق المخالفين بهذه العبارة من الحديث، والله تعالى أعلم.
ثانياً: لما علمنا بالضرورة من ديننا أن ترك الإيمان بالله تعالى كفر أكبر بمفرده ولذاته، وكذلك الوقوع في الشرك، أدركنا وعلمنا أن المراد من قوله  " ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره " هي بقية الشرائع والمنارات ـ غير التوحيد والإيمان ـ المذكورة في الحديث . وهذا بذاته دليل على كفر تارك الصلاة، أو من ينتفي عنه جنس العمل بجميع الأركان والشرائع العملية المذكورة في الحديث، وهو بخلاف ما أراد تقريره مشايخ الإرجاء والتجهم .
ثالثاً: قد دلت النصوص الشرعية الصحيحة ـ وقد تقدم ذكرها ـ أن من ترك الصلاة فقد فقدَ دينه كله، وجعله وراء ظهره، ولم يبق عنده من الإسلام شيء، وهذا نفس الحكم الوارد في هذا الحديث، فيمن يترك جنس العمل بالأركان والشرائع العملية الواردة في الحديث، وهو دليل آخر على كفر تارك الصلاة، أو تارك جنس العمل بالأركان والفرائض .
فدل أن الحديث ليس فيه أدنى تمسك ينتصرون به لمذهبهم في المسألة، بل هو شاهد لنا عليهم، والحمد لله الذي تتم بفضله الطيبات الصالحات .


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالأحد أبريل 10, 2011 4:47 am


وبمناقشة استدلالهم بهذا الحديث نكون قد انتهينا من مناقشة أدلة المخالفين في المسألة، وقد علم القارئ أن القوم ليسوا على شيء، وأن قولهم بعدم كفر تارك الصلاة هو قول ضعيف مرجوح، لا يسنده دليل صريح من الكتاب والسنة .
قال الشيخ ابن عثيمين: وقد تأملت الأدلة التي استدل بها من يقول أنه لا يكفر، فوجدتها لا تخرج عن أحوال أربع:
1-إما أنها لا دليل فيها أصلاً .
2- أو أنها قيدت بوصف يمتنع معه ترك الصلاة .
3- أو أنها قيدت بحال يعذر فيها من ترك هذه الصلاة .
4- أو أنها عامة فتخصص بأحاديث كفر تارك الصلاة .
وقال: ليس في النصوص أن تارك الصلاة مؤمن، أو أنه يدخل الجنة، أو ينجو من النار ونحو ذلك، مما يحوجنا إلى تأويل الكفر الذي حكم به على تارك الصلاة بأنه كفر نعمة أو كفر دون كفر. انتهى .

مسـألـة: هل كل من قال بعدم كفر تارك الصلاة هو على قول المرجئة ومعتقدهم ؟
الجواب: لا نتسرع الإجابة لنرمي المخالفين بأنهم وافقوا المرجئة في بعض قولهم، كما فعل الشيخ ناصر الألباني عندما رمى المخالفين له في المسألة بأنهم التقوا مع الخوارج في بعض قولهم، حيث قال:" فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمـان، وأن تاركها مخلد في النار ؛ فقد التقى مع الخوارج في بعـض قولهـم هذا " . فلزمه بذلك أن يرمي الصحابة وأكثر السلف بأنهم التقوا مـع الخوارج في بعض قولهم ..!!
ولكن نفصل فنقول: من لم يكفر تارك الصلاة ـ من أهل العلم ـ لأن النصوص الشرعية لا تصح عنده كدليل على كفر تارك الصلاة، فمثل هذا لا يجوز أن يُرمى بالإرجاء لسلامة أصوله واعتقاده، فهو أمسك عن التكفير لأن النصوص لا تفيد عنده التكفير..
بينما من أمسك عن القول بكفر تارك الصلاة لأن الصلاة عمل، والأعمال عنده أياً كان نوعها لا يجوز أن تكون سبباً للكفر إلا إذا اقترن بها الاستحلال القلبي، فمثل هذا لا مناص من رميه بالإرجاء، وأنه على قول المرجئة لفساد أصوله واعتقاده .
مسـألـة ثانيـة: كيف تتم توبة تارك الصلاة، وبما يدخل الإسلام ؟
الجواب: من خرج من الإسلام لسبب، لا بد له أن يقلع عن هذا السبب ـ الذي كان سبباً في كفره وردته ـ ويتوب منه، إضافة إلى النطق بالشهادتين لكي يعود إليه دينه ويعود إلى الإسلام من جديد .
فمثلاً من كفر وارتد من جهة قوله أن محمداً  رسول للعرب وليس للعالمين، فهذا لا تنفعه شهادة التوحيد ما دام مصراً على قوله المتقدم والذي كان سبباً في كفره وردته، فهو لم يكفر من جهة امتناعه عن التلفظ بالشهادتين، وإنما كان بسبب قوله الجائر المتقدم ذكره، لذا إذا أراد أن يتوب ويدخل الإسلام من جديد يجب عليه ـ إضافة إلى تلفظه بشهادة التوحيد ـ أن يعلن براءته من قوله ويثبت أن محمداً  رسول للعالمين .
قال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في كتابه إكفار الملحدين:
من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلاً، أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده، لأنه كان يقر بالشهادتين معه، فلا بد من تبرئه منه، كما صرح به الشافعية، وهو ظاهر " رد المحتار " من الارتداد، وفي جامع الفصولين، ثم لو أتى بكلمة الشهادة على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ لا يرتفع بها كفره. انتهى.
وعليه فإن عودة تارك الصلاة إلى الإسلام تتم بالتلفظ بالشهادتين، وبإقامة الصلاة والإقلاع عن تركها، فهو يعود إلى الإسلام من نفس النافذة التي خرج منها من دائرة الإسلام .
أما هذه المناظرة المنسوبة إلى الإمامين الكبيرين الشافعي وأحمد رحمهما الله، وفيها أن الشافعي قال للإمام أحمد: أتقول إنه يكفر أي تارك الصلاة ؟ قال: نعم . قال: إذا كان كافراً فبم يسلم ؟ قال: يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله . قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه . قال: يسلم بأن يصلي . قال: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها، فسكت الإمام أحمد !! .
فإنها قصة لا تصح نسبتها إلى الإمامين الجليلين لا من حيث السند، ولا من حيث المتن والمعنى، وهي تسيء إليهما كثيراً، وتظهرهما على غير الوجه اللائق بهما كإمامين من أئمة العلم والاجتهاد، ولولا اشتهار القصة في بعض كتب أهل العلم لما عنيناها بالذكر والنقاش .
5- معاملة المسلمين لتارك الصلاة .
بعد أن بينا بالأدلة من الكتاب والسنة، وأقوال علماء الأمة أن تارك الصلاة كافر مرتد، لا بد للمسلمين أن يعرفوا خطورة هذا الحكم وتبعاته على صاحبه وعلى من حوله ممن يتعاملون معه، ليدركوا واجبهم نحو تارك الصلاة، وما ينبغي عليهم القيام به، وكيف تكون علاقتهم به، وكيف يتعاملون معه، وغير ذلك .
والإجابة على هذه المسألة الهامة نجملها في النقاط التالية:
1- تارك الصلاة كافر مرتد، حكمه القتل لقوله  : " من بدل دينه فاقتلوه "، سواء كان المرتد عن دينه ذكراً أم أنثى، والسنة في تارك الصلاة أنه يستتاب، فإن تاب وأقام الصلاة فبها ونعمت ، وإلا قتل كفراً وردةً .
2- يحرم نكاحه من المسلمة، فلا يُعقد له قران، فإن كان متزوجاً فُسخ العقد وفُرق بينهما؛ لأن الكافر لا يجوز أن يُقر على الزواج من مسلمة، كما قال تعالى: لا هنَّ حِل لهم ولا هم يحلون لهنَّ  الممتحنة:10 .
ومنه تعلم تفريط كثير من المسلمين في هذا الجانب، حيث لا يبالون أن يزوجوا بناتهم ومَن تحت أيديهم من النساء، من أناس لا يصلون، ولا يعرفون الطهارة ولا الوضوء، يلقون بهن إلى أحضان المشركين الأنجاس من دون أن يعبأوا لتصرفهم هذا وما يترتب عليه من تبعات ونتائج لا تحمد عواقبها، والله تعالى يقول: إنما المشركون نجس  التوبة:28.
فالمهم عندهم الجاه والمال والسمعة، ولو كان ذلك على حساب الدين والذرية التي قد يقدرها الله، وهذا مغاير للتوجيهات النبوية التي تأمر بتزويج من ترضون دينه وخلقه، كما في الحديث: " إذا أتاكم من ترضون خُلُقَه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . وأي فساد أعرض وأكبر من الفساد الذي نراه في هذا الزمان .
وعن سهل، قال: مر رجل غني على رسول الله  فقال: " ما تقولون في هذا ؟ " قالوا: حريٌّ إن خطب أن يُنكح، وإن شفع أن يُشفع، وإن قال أن يُسمع قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: " ما تقولون في هذا ؟ " قالـوا: حري إن خطب أن لا يُنكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يُسمع، فقال رسول الله  : " هذا خير من ملء الأرض من هذا " متفق عليه . فهل يعقل الآباء ذلك .
3- يحرم عليه دخول المساجد، وبخاصة الحرم المكي، لقوله تعالى: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا  التوبة:28. ولقوله تعالى: ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر  التوبة:17. ولقوله تعالى: إنما يعمر مساجد الله مـن آمن بالله واليوم الآخر  التوبة:18.
ومن هوان المسلمين في هذا الزمان، أننا نجد المساجد ـ وبخاصة القديمة منها ـ مرتعاً للسواح الكفار ومن الذكور والإناث، منتعلين عراة، يأخذون فيها الصور التذكارية، متحدين بذلك مشاعر المصلين .. كل ذلك كما زعموا من أجل إدخال العملة الأجنبية إلى البلاد، لا أشبعهم الله ولا أغناهم، أما ما يجلبه هؤلاء السواح على البلاد والعباد من أمراض ودمار للأخلاق فليس مهماً عند زنادقة الحكم ..!!
4- يفقد تارك الصلاة ولايته على أبنائه وبناته، فلا يجوز له أن يتولى تزويج بناته وأبنائه، لأنه لا ولاية لكافرٍ على مسلم، كما قال تعالى:  ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً النساء:141.
قال ابن عباس: لا نكاح إلا بولي مرشد، وأعظم الرشد وأعلاه دين الإسلام، وأسفه السفه وأدناه الكفر والردة عن الإسلام قال تعالى:ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه.
5- لا يرث المسلم ولا يورثه؛ لأنه لا توارث بين أهل الإيمان وأهل الكفر، لقوله في الحديث الذي أخرجه مسلم: " لا يرث المسلم الكافر، ولا يرث الكافر المسلم " .
وفي انتقال ميراثه لأبنائه من المسلمين تفصيل وخلاف، فقد نقل عن علي أنه دفع ميراثه إلى ولده من المسلمين، ومثله عن ابن مسعود (2) .
6- تارك الصلاة لا تؤكل ذبيحته، فذبائحه حرام؛ لأن من شروط صحة الذبح أن يكون الذابح مسلماً أو كتابياً، قال الخازن في تفسيره: أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له .
وقال الإمام أحمد: لا أعلم أحداً قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة .
7- وهو إن مات ـ على تركه للصلاة ـ لا يُغسل، ولا يكفن، ولا يُصلى عليه، ولا يُدعى له بالرحمة والمغفرة، ولا يقبر في مقابر المسلمين، وإنما يوارى في حفرة كما تُوارى الجيف والكلاب عندما تموت وتعم رائحتها الكريهة، ولما مات أبو طالب: قال علي للنبي  : إن عمك الشيخ الضال قد مات، قال:" اذهب فوارِ أباك "، ثم أمره بالاغتسال .
ومنه تعلم التفريط الكبير الذي عليه المسلمين في هذا الزمان ـ بفعل سموم الإرجاء ـ حيث تجدهم لا يميزون بين الكافر المرتد وغيره؛ فلا يوجد عندهم ميت لا تجوز الصلاة عليه، بل لمجرد أن الميت ينتسب لأبوين مسلمين أو اسمه اسماً إسلامياً فهذا كافٍ عندهم لأن يصلوا عليه، وأن يقبروه في مقابر المسلمين، ويجروا له بقية مراسم الدفن الشرعية المعروفة، مهما كان في حياته الدنيا كافراً ومظهراً العداوة للإسلام والمسلمين، شتَّامـاً للـرب والدين، لا يعرف صلاة، ولا صوماً ولا شيئاً من أركان هذا الدين وواجباته ..!!
8- ثم هو في الآخرة مصيره إلى العذاب الشديد، إلى جهنم وبئس المصير، خالداً فيها أبداً، كما قال تعالى: ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون البقرة:217.
9- ما تقدم ـ وبخاصة أننا في زمان غياب تطبيق الحدود الشرعية ـ لا يمنع من نصحه وتعليمه، وتحذيره من مغبة تركه للصلاة وما يمكن أن يجر عليه من ويلات في الدنيا والآخرة، إن وجد أن النصح ينفعه، أو يلقي له سمعاً، أما إن أصر على ترك الصلاة، وعاند وكابر، فإن هجره واعتزاله يتعين، كما يجب تحذير الناس منه ومن صحبته، ومن معاملته والتقرب منه، وكذلك اعتزال مجالسته ومؤاكلته عساه يشعر بعظم الجرم الذي هو عليه فيتوب وينردع .
قال تعالى: لُعِن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون المائدة:78-79.
روى الطبري ـ في تفسير الآية ـ بسنده عن ابن مسعود قال، قال رسول الله  : " إن بني إسرائيل لما ظهر منهم المنكر، جعل الرجل يرى أخاه وجاره وصاحبه على المنكر، فينهاه، ثم لا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه ونديمه، فضرب الله قلوب بعضهم على بعض، ولعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، قال عبد الله: وكان رسول الله  متكئاً، فاستوى جالساً، فغضب وقال: لا والله، حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأطروه على الحق أطراً " وفي رواية قال: " والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذنَّ على يدَي المسيء، ولتؤطرنه على الحق أطراً، أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم على بعض، وليلعننكم كما لعنهم " . والنصوص الشرعية التي تحض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي أكثر من أن تحصرفي هذا المبحث.
تنبيـه: استتابة تارك الصلاة وإقامة الحد عليه موكول إلى إمام المسلمين، أو السلطان المسلم الذي يملك الشوكة والقوة التي تمكنه من تنفيذ الحدود الشرعية من دون أن تتحقق فتنة أكبر، وعليه نؤكد أنه لا يجوز لآحاد المسلمين أن يستشرف لهذه المهمة الكبيرة، لما يترتب عليه من الفتن التي لا يمكن احتواؤها،أو تفاديها.

وبعد، هذا ما أردت ذكره من مسائل في هذا المبحث الموجز الهام، راجياً أن أكون قد وفقت في الإجابة على ما يدور في خلد القارئ الحريص على دينه من مسائل وتساؤلات حول مسألة حكم تارك الصلاة .
كما أرجو من الله تعالى القبول، وأن يبارك في هذه الرسالة، ويجعلها سبباً لهداية الداشرين التاركين للصلاة .. إنه تعالى سميع قريب مجيب .

وصلى الله على محمد النبي الأمي ، وعلى آله وصحبه وسلم .

7/4/1418 هـ. عبد المنعم مصطفى حليمة
11/8/1997 م . أبو بصير

لاتنسونا من خالص دعائكم

اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب حكم تارك الصلاة للسيخ ابو بصير الطرطوسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الحادية عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثالثة عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: