مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:45 am


ـ القاعدة التاسعة:" الإسلامُ الصريحُ لا يَنقُضُه إلا الكُفرُ الصريحُ ".
الشرح: يصير المرء مسلماً إذا أقر ـ جاداً غير هازل ـ بشهادتي التوحيد من غير استهانة أو تمثيل[ ]، ولا يجزئ عن شهادتي التوحيد عمل سوى الصلاة؛ لتضمنها الشهادتين، ولقوله :" من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله "رواه البخاري[ ].
قال القرطبي في كتابه"الجامع" 8/207: الإيمان لا يكون إلا بلا إله إلا الله دون غيره من الأقوال والأفعال إلا في الصلاة. قال إسحاق بن راهويه: ولقد أجمعوا في الصلاة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع؛ لأنهم بأجمعهم قالوا: من عرف بالكفر ثم رأوه يصلي الصلاة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة ولم يعلموا منه إقراراً باللسان أنه يحكم له بالإيمان، ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل ذلك ا- هـ.
ومن صار مسلماً لا يجوز إخراجه من دائرة الإسلام إلا إذا جاء بكفر صريح بواح ـ لا يحتمل صرفاً ولا تأويلاً ـ لنا فيه من كتاب الله وسنة رسوله  دليل وبرهان.
فاليقين لا ينقضه الشك، والإسلام الصريح لا ينقضه الكفر المحتمل المتشابه.
وإليك الأدلة على ذلك:
منها الآيات التي تأمر بوجوب التبين والتثبت من كفر المعين قبل الإقدام على تكفيره ومن ثم قتله، والتي تنهى كذلك عن أخذ الناس بالظن والشك دون اليقين عند ورود الشبهات، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً النساء:94.
وفي قوله " فتبينوا "، قال ابن جرير الطبري: يقول فتأنَّوا في قتل من أشكل عليكم أمره، فلم تعلموا حقيقة إسلامه ولا كفره، ولا تعجلوا فتقتلوا من التبس عليكم أمره، ولا تقدموا على قتل أحد إلا على قتل من علمتموه يقيناً حرباً لكم ولله ولرسوله.
وذُكر أن هذه الآية نزلت في سبب قتيل قتلته سرية لرسول الله  بعد ما قال: إني مسلم، أو بعد ما شهد شهادة الحق، أو بعد ما سلم عليهم[ ] لغنيمة كانت معه ، أو غير ذلك من ملكه، فأخذوه منه ا- هـ.
وقد اختلف القراء في قراءة " فتبينوا " فمنهم من قرأها " فتبينوا "، ومنهم من قرأها " فتثبتوا " بمعنى التثبت الذي هو خلاف العجلة[ ].
قال ابن جرير الطبري: والقول عندنا في ذلك أنهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة المسلمين بمعنى واحد، وإن اختلفت بهما الألفاظ؛ لأن المتثبت متبين، والمتبين متثبت، فبأي القراءتين قرأ القارئ، فمصيب، صواب القراءة في ذلك[ ].
ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ الحجرات:6.
قال ابن القيم: نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، لما بعثه رسول الله  إلى بني المصطلق ـ بعد الوقعة ـ مصدقاً[ ]، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقوه تعظيماً لأمر رسول الله . فحدثه الشيطان: أنهم يريدون قتله، فهابهم ورجع من الطريق إلى رسول الله . فقال: إن بني المصطلق منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله  وهمَّ أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله ، فقالوا: يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه، ونؤدي إليه ما قبلنا من حق، فبدا لنا فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله. فاتهمهم رسول الله ، وبعث خالد بن الوليد خفية في العسكر، وأمره أن يخفي عليهم قدومه، وقال له:" أنظر فإن رأيت ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما تستعمل في الكفار " ففعل ذلك خالد، ووافاهم، فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء، فأخذ منهم صدقاتهم، ولم ير منهم إلا الطاعة والخير. فرجع إلى رسول الله  وأخبره الخبر، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا  . والتبين طلب بيان حقيقته، والإحاطة بها علماً[ ].
وفي قوله: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ  قال ابن جرير الطبري: فتبينوا لئلا تصيبوا قوماً برآء مما قُذفوا به بجناية بجهالة منكم[ ].
أقول: وأعظم الجنايات ظلماً قذف الناس البرآء بالكفر والارتداد عن الدين من غير علم ولا تثبت؛ لما يترتب عليه من تبعات خطيرة لا تُحمد عقابها.
وفي الحديث، عن عبادة بن الصامت، قال:" دعانا النبي  فبايعناه، فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان " متفق عليه.
والكفر البواح هو الكفر الصريح الظاهر الذي لا يحتمل تأويلاً ولا صرفاً، الذي لنا فيه دليل صريح من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله .
ومفهوم الحديث أنه إذا رؤي من الحاكم كفر محتمل ومتشابه ليس بواحاً وصريحاً ـ يمكن تأويله وصرفه عن ظاهره المكفر ـ فإنه لا يُكفّر، ولا يُخرج عليه بالسيف؛ لأن الخروج بالسيف على الحاكم من لوازمه التكفير أو أن يكون قد وقع في الكفر البواح، والعكس أيضاً فإن التكفير من لوازمه الخروج بالسيف إذا توفرت الاستطاعة، فكل منهما لازم وملزوم للآخر[ ].
قال الخطابي: معنى قوله بواحاً، يريد ظاهراً بادياً، من باح بالشيء يبوح به بواحاً إذا أذاعه وأظهره.
وفي قوله:"عندكم من الله فيه برهان"، قال ابن حجر: أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل[ ].
قلت: ومن مقتضاه كذلك أنه لا يجوز تكفيرهم ما دام فعلهم الكفري متشابهاً يحتمل الصرف أو التأويل.
وفي صحيح مسلم، عن أم سلمة، قالت: قال رسول الله :" ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع"، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال:" لا، ما صلوا ".
وفي رواية:" وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم"، قالوا: قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك؟ قال:" لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة ".
فهم ما داموا يقيمون الصلاة ويأمرون رعاياهم بها، لا تكفروهم، وبالتالي لا تخرجوا عليهم مهما كان منهم من عمل ـ ما لم يكن كفراً بواحاً ـ ظاهره الكفر لكنه يحتمل التأويل، وذلك لوجود القرينة العظيمة ـ وهي إقامة الصلاة ـ التي تستلزم تحسين الظن بصاحبها، عند ورود الشبهات وحصول العثرات.
وفي الحديث دلالة على أن تارك الصلاة والدعاء إليها من الأئمة ينعزل ـ ولو بالسيف ـ وهو كافر كفراً بواحاً؛ لأن الخروج لا يتعين إلا على من طرأ عليه الكفر البواح كما تقدم في حديث عبادة بن الصامت وغيره.
قال القاضي عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل، وقال: وكذا لو ترك إقامة الصلاة والدعاء إليها[ ].
ومن الأدلة كذلك على صحة القاعدة، الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن أسامة بن زيد، قال: بعثنا رسول الله  في سرية فصبحنا الحرقات من جهينه فأدركت رجلاً، فقال: لا إله إلا الله، فطعنته، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي ، فقال رسول الله :" أقال لا إله إلا الله وقتلته؟!" قال: قلت يا رسول الله إنما قالها خوفاً من السلاح، قال:" أشققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟!" فما زال يكررها علي حتى تمنيت أن أسلمت يومئذٍ.
فأنكر النبي  على أسامة صنيعه لأنه قتل الرجل بالظن والاحتمال بعد أن أصبح إسلامه صريحاً، فرد الصريح بالمحتمل، والإسلام الصريح لا ينقضه الكفر المحتمل القائم على الظن لا اليقين، فإن الظن لا يغني من الحق شيئاً، كما قال تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً النجم:28.
ونحوه الحديث عن المقداد بن الأسود أنه قال:" يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة: فقال: أسلمت لله، أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله : لا تقتلهّ، قال: فقلت يا رسول الله إنه قد قطع يدي، ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله؟ قال رسول الله : لا تقتله، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"[ ].
انظر كيف أن النبي  نهاه عن قتله، علماً أن الصحابي حاول أن يثبت للنبي  احتمال أن الرجل قد يكون قال كلمته تعوذاً من السيف، وأن له المبرر لقتله وهو قطع يده، ولكن النبي  ينهاه عن قتله مبيناً له أن الأحكام لا تبنى على الاحتمال والظن مهما كان الدافع لذلك، و أن الإسلام الصريح إذا تحقق لا ينقضه إلا الكفر الصريح.
قال ابن بطال: من ثبت له عقد الإسلام بيقين لم يخرج منه إلى بيقين[ ].
ومما يدل كذلك على صحة هذه القاعدة، موقف النبي  من الخارجي الذي قال له: اتق الله يا محمد!! فقال له رسول الله :" من يُطيع الله إذا عصيته .."!
فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال:" لا، لعله يكون يصلي" قال خالد: وكم من مصل، يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فقال رسول الله :" إني لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم " متفق عليه.
ونحو ذلك قول النبي  ـ كما في الحديث المتفق عليه ـ للزبير في خلافه مع الأنصاري في شراج الحَرَّة التي يسقون بها:" اسق يا زبير ثم أرسل إلى جارك "، فغضب الأنصاري، وقال: يا رسول الله أن كان ابن عمتك ؟! " فتلون وجه رسول الله  ..!
أي حكمت للزبير وحابيته في الحكم لأنه ابن عمتك .. وهذا كلام خطير جداً يرقى إلى درجة الكفر، لكنه في حق الأنصاري عُد من الكفر المتشابه المحتمل الذي لا يُقاوم ما عليه من الإسلام الصريح .. لذا أقال النبي  عثرته ولم يُعرف عنه أنه استتابه من الكفر أو الردة.
وكذلك موقف النبي  من ابن أبي ومن معه من المنافقين وما كان يظهر منهم من فلتات تدل على نفاقهم وكفرهم لكنها لا ترقى إلى درجة اليقين والكفر الصريح فيقيل عثراتهم لأجل ذلك، ويقبل أعذارهم ..!
وفي الحديث الضعيف:" ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ". فالحديث وإن كان ضعيفاًً إلا أن معناه صحيح قد دلت عليه قواعد الدين ونصوصه.
ومن الحدود التي ينبغي درؤها بالشبهات حد الردة والحكم على أعيان الآخرين بالكفر والردة.
ولو أردنا أن نتتبع أدلة الكتاب والسنة الواردة في هذا المعنى، لوقفنا على عشرات الأدلة والنصوص التي تدلل على صحة القاعدة الآنفة الذكر.
وكذلك موقف خالد من مجاعة، وكيف أنه أقال عثرته؛ لأن كفره لم يكن محكماً وإنما كان متشابهاً محتملاً .. لا يمكن أن يُقاوم ويرد الإسلام الصريح الذي كان عليه مجاعة ومن معه .. وقد تقدمت قصته.
وكذلك موقف علي بن أبي طالب  من الخوارج وتوقفه عن تكفيرهم رغم تكفيرهم له ولغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
ومما يدخل في ذلك موقف سلفنا الصالح من أهل الأهواء، وتوقفهم عن تكفير بعض أعيانهم رغم ما كان يصدر عنهم من أمور مكفرة، وإحصاء ذلك وتتبعه يطيل بنا المقام، ويخرجنا عن الغاية من هذا الكتاب.
ومن هنا جاء قول بعض أهل العلم: بوجوب التوقف عن التكفير عند حصول
التردد، وأن الأمر إذا كان يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجه، ومن وجه واحد يحتمل غير الكفر، فالأولى حينئذٍ الإمساك عن التكفير، والله تعالى أعلم.
ـ مسألة: الخطأ في تكفير المسلم أغلظ من الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام.
ومما يستدعي كذلك التوقف عن تكفير المعين عند حصول الظن والتردد وغياب اليقين الذي تطمئن إليه النفس، أن الخطأ في تكفير المسلم أغلظ من الخطأ في الحكم على كافرٍ بالإسلام، وذلك لوجوه:
منها: أن تكفير المسلم خطأ يستلزم انتهاك جميع الحرمات التي صانها له الإسلام بغير حق، ويعني كذلك قطع جميع روابط الود والموالاة بينه وبين المؤمنين؛ فتكفير المسلم كقتله، كما في الحديث:" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله "[ ].
بينما هذا المحظور لا يحصل عند الخطأ في الحكم على كافر بالإسلام، بل يحصل خلافه حيث يمنح حصانة الإسلام؛ فيحرم دمه وماله وعِرضه، ويعطى الموالاة التي يجب أن تكون بين المسلمين وغير ذلك من الحقوق.
ومنها: أن الخطأ في تكفير المسلم خطأ مضاعف؛ فهو خطأ في حق الله تعالى حيث حكم على المسلم بالكفر بخلاف حكم الله، فهو بذلك لم يُصب حكم الله.
وهو من جهة ثانية خطأ في جانب العبد لما يترتب على تكفيره من سلب لجميع الحقوق التي حفظها له الإسلام .. فالخطأ هنا خطآن: خطأ بحق الله، وخطأ بحق العبد.
بينما الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام، هو خطأ في حق الله فقط؛ حيث حكم عليه بخلاف حكم الله .. فلم يُصب فيه حكم الله[ ].
ولا شك أن الخطأ في حق الله والعباد أغلظ من الخطأ الذي يكون بين العبد وربه وحسب، كما في الحديث:" الظلم ثلاثة، فظلم لم يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله تتعالى فالشرك، قال تعالى:ِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدبر لبعضهم من بعض"[ ].
ومنها: أن الخطأ في تكفير المسلم مشكل على صاحبه، قد يورده موارد الهلكة والكفر وهو لا يدري، وبخاصة إن كان تكفيره للمسلم لا يرتكز إلى مستند شرعي صحيح، وتأويل معتبر.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" أيما امرئ قال لأخيه يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت " مسلم.
وقال :" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[ ].
وهذا مزلق لا يترتب على الخطأ في الحكم على الكافر بالإسلام، وبخاصة إن كان هذا الخطأ ناتجاً عن اجتهاد وتأويل.
قال الغزالي في كتابه" التفرقة بين الإيمان والزندقة ": ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد[ ].
ومنها: أن قواعد ونصوص الشريعة أميل للأخذ بالعفو ما وجد إليه سبيلاً، فالخطأ في العفو والصفح أهون من الخطأ في العقوبة، كما في الحديث عن أبي هريرة  قال: قُتل رجل على عهد النبي ، فرفع ذلك إلى النبي ، فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: يا رسول الله، والله ما أردت قتله. فقال رسول الله  للولي:" أما إنه إن كان صادقاً ثم قتلته دخلت النار " قال: فخلى سبيله[ ].
وعن أنس بن مالك  قال:" ما رأيت النبي  رُفع إليه شيء فيه قصاص إلا أمر به بالعفو "[ ].
وفي قوله تعالى: خُذِ العفْوَ  قال عبد الله بن الزبير: أُمر النبي  أن يأخذ العفو من أخلاق الناس[ ].
وفي الحديث الضعيف:" فإن الإمام إن يُخطئ في العفو خيرٌ من أن يُخطئ في العقوبة "[ ]. فالحديث وإن كان ضعيفاً إلا أن معناه صحيح قد دلت عليه أصول الشريعة وقواعدها.


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:47 am

ـ تنبيه: من مقتضيات العمل بهذه القاعدة "الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر الصريح " الإمساك عن تكفير أهل الكبائر والمعاصي التي هي دون الكفر أو الشرك الأكبر، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء  النساء:48.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" أعطت الشفاعة وهي نائلة من لا يشرك بالله شيئاً "[ ].
وعن ابن عمر قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من في نبينا  يقول:" إن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإني أخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة "، فأمسكنا عن كثير مما كـان في
أنفسنا[ ].
كما أن الإمساك عن تكفير ذوي الكبائر والذنوب من العصاة، يعتبر من أبرز ما يميز أهل السنة والجماعة عن الخوارج الغلاة الذين يكفرون أهل القبلة بالكبائر والذنوب التي هي دون الكفر الأكبر.
وقد تقدم الحديث عن هذه المسألة بشكل متفرق في طيات هذا الكتاب، ما يغني عن إعادته في هذا الموضع.
وكذلك مما يستفاد من هذه" القاعدة " الإمساك عن الخوض في عقائد وأعراض الناس من غير علم ولا تثبت، وبخاصة إن كان هؤلاء الناس ممن يحسن التأويل لهم، وينبغي تحسين الظن بهم .. ممن لهم سابقة علم وابتلاء وجهاد في الإسلام.
فرب كلمة يطلقها المرء لا يلقي لها بالاً، ولا يحسب لها حساباً، توبقه في نار جهنم وبئس المصير، وتوجب عليه غضب الله تعالى وهو لا يدري.
كما قال تعالى: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ النور:15.
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً الأحزاب:58.
وأشد ما يؤذي المؤمنين طعنهم في دينهم وعقيدتهم ـ أعز ما يملكون ـ ورميهم بالكفر والزندقة، وهم من ذلك بُرءاء.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[ ].
وقال :" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق "[ ].
ـ مسألة التوقف والتبين: من المسائل المثارة في هذا الزمان، وشغلت طائفة من طلبة العلم والباحثين، مسألة التوقف والتبين، فقالوا: نتوقف في الحكم على الناس، فلا نحكم عليهم بكفر أو إيمان حتى نتبين منهم ..!
وفريق منهم اشترطوا إضافة إلى التوقف والتبين اختبار الناس وتقريرهم على عقيدة معينة، فإن أجابوهم حكموا بإسلامهم، وإن لم يجيبوهم ـ أو لم يُحسنوا إجابتهم ـ حكموا عليهم بالكفر ..!
أقول: وهذا كله من الشطط والغلو وهو بخلاف ما دلت عليه نصوص الشريعة وقواعدها .. نختصر الرد عليه في النقاط التالية:
1- القول بالتوقف والتبين، وبالمنزلة بين المنزلتين؛ بحيث لا نحكم على أحدٍ بكفرٍ ولا إسلام إلا بعد التبين هو من التكلف الذي نُهينا عنه، وهو قول محدث بخلاف ما كان عليه السلف الصالح، وما دلت عليه نصوص الشريعة، فالناس إما كافر وإما مسلم، وليس هناك منزلة بينهما يكون الواقف فيها لا كافر ولا مسلم، قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ التغابن:2.
2- القول بالتوقف، والمنزلة بين المنزلتين هو أقرب إلى قول المعتزلة الضلال الذين حكموا على مرتكب الكبيرة بالمنزلة بين المنزلتين فقالوا:" لا هو كافر ولا هو مؤمن، وهو بين المنزلتين "، وهذا بخلاف ما تقدم بأن الناس إما كافر وإما مسلم أو مؤمن.
3- ويُقال لأهل التوقف كذلك: هذا الذي لا تحكمون عليه بكفر ولا إسلام، كيف تتعاملون معه في مرحلة ما قبل التبين والتثبت .. وقد تطول لسنة وربما سنوات .. وربما العمر كله؟!
فإن قالوا: نعامله على أنه مسلم ..!
يُقال لهم: كيف تُعاملونه على أنه مسلم وأنتم لا تعتقدون إسلامه؟!
فإن قالوا: نعامله على أنه كافر ..!
يُقال لهم كذلك: كيف تعاملونه على أنه كافر وأنتم لا تعتقدون كفره ؟!
فإن قالوا: نتجاهله .. فلا نعامله على أنه مسلم .. ولا على أنه كافر!
يُقال لهم: هذا غير ممكن عقلاً ولا شرعاً .. فالناس بحاجة إلى بعضهم البعض ولا بد من أن يُعاملوا بعضهم البعض، وهذا من لوازمه أن يعرفوا بعضهم البعض!
ويُقال لهم كذلك: كيف تحيون العمل بعقيدة الولاء والبراء وأنتم تجهلون دين وعقائد الآخرين .. فلا تعتقدون فيهم ما يلزم البراء ولا ما يُلزم الولاء؟!
4- العمل بقول وعقيدة أهل التوقف والتبين غير مقدور عليه وهو فوق القدرة والطاقة البشرية إذ كيف يستطيع إنسان أن يتبين من عقيدة ودين مليار ونصف المليار مسلم يعيشون في أمصار مختلفة ومتعددة ومتباعدة .. فهذا غير ممكن .. وإذا كان غير ممكن فالإسلام أرفع من أن يكلف العباد بما لا يمكن ولا يُقدر عليه، كما قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا البقرة:286. وقال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا التغابن:16. وقال تعالى: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا الأعراف:42.
5- فإن قيل ما هو الضابط الذي يُعين على تحديد الكافر من المسلم، ومعرفة كل واحد منهما؟
أقول: الضابط هو المجتمعات التي يعيش فيها الناس، فأحكامهم تبع للمجتمعات التي يعيشون فيها؛ فإن كانت مجتمعات إسلامية أو يغلب على سكانها الإسلام .. عُومل الناس في تلك المجتمعات معاملة المسلمين وحُكم لهم بالإسلام ما لم تظهر منهم أو من بعضهم قرائن وعلامات تدل على كفرهم وعدم إسلامهم[ ].
وكذلك إن كانت المجتمعات غير إسلامية يغلب على أهلها الكفر والشرك عومل الناس فيها معاملة الكافرين، وأخذوا أحكامهم ما لم تظهر منهم القرائن والعلامات الدالة على إسلامهم وأنهم من المسلمين .. فهذا هو الضابط والميزان الذي نميز به بين المسلمين والكافرين.
فقد صح عن النبي  أنه قال لما سُئل: أي الإسلام خير؟ قال: تُطعم الطعام، وتُقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف " متفق عليه.
فأمر النبي  بالسلام على من لا تعرف ممن يعيش مع المسلمين في مجتمعاتهم .. ما لم تظهر عليهم القرائن الدالة على عدم إسلامهم.
ثم إلقاؤك عليه السلام هو حكم منك عليه بالإسلام ـ رغم أنك لا تعرفه ـ لأن السلام لا يُلقى إلا على مسلم.
وقد عد النبي  اشتراط المعرفة ـ كما هو مذهب أهل التوقف ـ لإلقاء السلام من أشراط الساعة، حيث قد صح عنه  أنه قال:" من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة " وفي رواية:" أن يُسلم الرجل على الرجل لا يُسلم عليه إلا للمعرفة ". أي يسلم عليه لكونه يعرفه أما إذا كان لا يعرفه لا يُسلم عليه .. فهذا الخلُق السيئ من أشراط وعلامات الساعة!
وعن الطفيل بن أُبي بن كعب: أنه كان يأتي عبد الله بن عمر فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقَّط ـ وهو الذي يبيع سقَط المتاع ـ ولا صاحب بيعة، ولا مسكين ولا أحد إلا سلم عليه!
قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، فقلت: ما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق، فاجلس بنا هنا نتحدث، فقال لي عبد الله:" يا أبا بطن ـ وكان الطفيل ذا بطن ـ إنما نغدو من أجل السلام، نسلم على من لقينا "[ ].
وكان  لشدة ما عُرف عنه أنه يُسلم على من يعرف ومن لا يعرف كان يُسلم خطأ على نصارى أهل الذمة وهو لا يعلم، كما في الأثر الصحيح عن عبد الرحمن بن محمد بن زيد بن جُدعان، قال: مر ابن عمر بنصراني فسلم عليه، فرد عليه السلام، فأُخبر أنه نصراني، فلما علم رجع، فقال:" رُد علي سلامي "[ ]. وكان يحصل ذلك لغيره من السلف .. وسبب ذلك أن الناس كانوا يُؤخذون ويُعاملون على أساس المجتمع الذي يعيشون فيه ما لم تظهر منهم القرائن التي تُثبت العكس، وتُخالف هذا الضابط والأصل.
وفي الأثر كذلك عن عقبة بن عامر الجُهني : أنه مرَّ برجل هيئته هيأة مسلم، فسلّم فردَّ عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته، فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عُقبة فتبعه حتى أدركه فقال: إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك وولدك [ ].
فتأمل كيف اعتبر هيئته المشابهة لهيئة المسلمين ـ مع سكناه بين أظهر المسلمين ـ قرينة دالة على إسلامه، مما حمله أن يسلم عليه كما يُسلم على المسلمين .. والخطأ في مثل هذه المواضع وارد لكنه مغفور إن شاء الله لأنه ناتج عن اجتهاد ومن غير تعمد أو قصد، كما في الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" عُفي لأمتي عن الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه ".
خلاصة القول: أن الناس يُحكم عليهم على أساس المجتمعات التي ينتمون ويعيشون فيها، فإن كانت إسلامية حُكم بإسلامهم وعوملوا معاملة المسلمين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على كفره أو أنه من الكافرين .. وإن كانت مجتمعات كافرة حُكم عليهم بالكفر وعُوملوا معاملة الكافرين ما لم يظهر من أحدهم ما يدل على إسلامه أو أنه من المسلمين .. لهذا السبب وغيره حض الشارع على الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام.
ـ القاعدة العاشرة:" العِبرةُ بالخواتِيمِ ".
الشرح: اعلم أن العبرة بالخواتيم وبما يختم به على المرء؛ فإن ختم له بالإيمان فهو مؤمن ومن أهل الجنة مهما كان منه قبل ذلك من عمل طالح، وإن ختم له بالكفر فهو كافر، ومن أهل النار مهما كان منه قبل ذلك من عمل صالح، فالعبرة فيما تكون عليه الموافاة، وبما يُختم به على المرء من عمل.
وإليك الدليل على ذلك:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ البقرة:162. فقيد اللعن والعذاب والخلود فيه، بموتهم وهم كفار.
وكلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ آل عمران:91. فقيد كذلك العذاب بموتهم وهم كفار.
وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ  محمد:34. فعلق عذابهم وانتفاء المغفرة عنهم بموتهم على الكفر، وهم كفار.
وقوله تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيما  النساء:18. فنفى التوبة عمن توافيهم المنية وهم كفار.
وقوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة:217. فقيد إحباط العمل والخلود في نار جهنم بالموافاة على الكفر  فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ، وهذا يعني أن المرء لا يحرم الاستفادة من حسناته مطلقاً إلا بالموافاة على الكفر، وهذه مسألة سنأتي على ذكرها بشيء من التفصيل لاحقاً إن شاء الله.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " مسلم. فانظر كيف اشترط لدخول الجنة الموت على التوحيد .. والعلم بالتوحيد.
ونحوه قوله :" أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة" مسلم.
وقوله :" ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "مسلم. فانظر كيف قيدت هذه الأحاديث دخول الجنة بالموافاة على التوحيد والموت عليه، وهذا معناه أن من مات على غير التوحيد ـ وإن كان قبل موته من أهل التوحيد ـ لا يكون من أهل الجنة، ولا يدخلها.
وكذلك قوله :" فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " متفق عليه. وقوله " فيسبق عليه الكتاب " أي المكتوب في الكتاب، فيعمل بما كُتب عليه وقُدر وتكون موافاته عليه.
وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله :" لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زماناً من دهره أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات عليه دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملاً سيئاً، وإن العبد ليعمل زماناً من دهره بعمل سيئ لو مات عليه دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملاً صالحاً، وإذا أراد الله بعبد خيراً استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه "[ ].
وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله ابن جدعان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم المسكين، فهل ذلك نافعه؟ قال:" لا ينفعه، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين "مسلم.
فتأمل كيف أن حسناته السالفة لم تنفعه لكونه مات على الشرك، بينما الذي يموت على التوحيد، فإن خاتمته الطيبة تنفعه مهما كان منه قبل ذلك من عمل سيئ، كما في صحيح البخاري: أن رجلاً مقنعاً بالحديد أتى النبي  فقال: يا رسول الله، أقاتل أو أسلم؟ قال:" أسلم ثم قاتل " فأسلم ثم قاتل فقتل. فقال رسول الله :" عمل قليلاً وأجر كثيراً ".
وفي رواية عند مسلم: جاء رجل من الأنصار، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم فقاتل حتى قتل، فقال النبي  :" عمل يسيراً وأجر كثيراً ".
ونحو ذلك الحديث الذي في الصحيح أن النبي  قال:" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد، من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب الناس " مسلم.
فانظر كيف قيد كونه من أصحاب النار بالموت على الكفر وجحود النبوة والرسالة.
وقد أثر عن الإمام أحمد أنه حين احتضر جعل يُكثر أن يقول: لا بَعْد، لا بعد، فقال ابنه عبد الله: يا أبت ما هذه اللفظة التي تلهج بها في هذه الساعة؟ فقال: يا بني إن إبليس واقف في زاوية البيت وهو عاض على أصبعه وهو يقول: فتَّني يا أحمد، فأقول لا بعد، لا بعد؛ يعني لا يفوته حتى تخرج نفسه من جسده على التوحيد، أما ما دام على قيد الحياة فإن الفتنة لا تؤمن عليه[ ].
قال النووي رحمه الله: فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة[ ]. نسأل الله تعالى حسن الخاتمة، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها.
ـ ماذا يستفاد من القاعدة ؟
يستفاد من قاعدة "العبرة بالخواتيم" أمور عدة:


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:48 am

منها: الصبر والثبات على الطريق وتبعاته إلى نهايته، ونهاية الطريق تكون بالموت على الإيمان والتوحيد، إذ لا يصح ـ تحت أي ذريعة كانت ـ الوقوف في منتصف الطريق أو في آخره .. تحت عنوان " كفى " قد قمنا بالواجب .. قد كبرنا .. قد تعبنا .. قد مضى على عملنا الدعوي والجهادي عشرات السنين .. آن لنا أن نستريح ونقيل .. وعلى غيرنا أن يُكمل نيابة عنا المسير!
لا .. إنه جهاد وكد وعمل من المهد إلى اللحد .. لا راحة للمسلم ما دام جسده ينبض بالحياة .. وفي عروقه رمق من حياة!
أولئك الذين جاهدوا يوماً أو يومين، أو شهراً أو شهرين، أو سنة أو سنتين .. ثم يستسلمون للاستجمام والاسترخاء، والنوم الطويل .. يمنيهم الشيطان بأنهم قاموا بالواجب .. لا يضرهم بعد جهادهم هذا شيء يفعلونه .. أولئك لم يعرفوا بعد طبيعة هذا الدين .. ولا طبيعة المهام الموكلة إليهم والتي خُلقوا لأجلها!
كم من إنسان طار صيته في الأمصار .. وشُهر عنه التزامه وجهاده .. ثم تراه يُفتن فيُختم له بعمل طالح!
نعرف أناساً صبروا عشرات السنين على الهجرة والجهاد .. ثم قبل موتهم بأيام يُعلنون السآمة والملل .. والركون إلى الطواغيت الظالمين .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
ومنها: أن المرء ـ مهما سبق له من عمل صالح ـ ما دام على قيد الحياة فإن الفتنة لا تؤمَن عليه .. فلا يجوز له أن يزكي نفسه أو غيره على الله .. وإنما عليه دائماً أن ينشد السلامة .. ويسأل الله تعالى الثبات وحسن الخاتمة والموافاة على الإيمان والتوحيد.
ومنها: ضرورة مراعاة خاتمة المعين عند الحكم على آخرته بأنه من أهل النار أو غير ذلك، ومعرفة الخاتمة تكون بمعرفة آخر ما يظهر منه ويُعرف للناس من حوله؛ فمن يُعرف عنه الكفر خلال حياته ولم يظهر منه قبل موته ما يدل على توبته وإيمانه، يحكم عليه بالكفر والخلود في نار جهنم لاعتبار أن الشائع عنه من الكفر لم يظهر لنا ما يجبّه وينقضه .. وبالتالي لا بد من الشهادة عليه بما نعلمه من ظاهره.
فإن قيل: لعل باطنه كان سليماً أو قد تغير إلى الإيمان قبل موته، ومن حوله لا يدرون عنه ذلك؟
أقول: قد تقدم أن معرفة ما في القلوب من خصوصيات الله تعالى وحده، إذ لا سبيل لمخلوق إلى معرفة ما في القلوب إلا من خلال القرائن الظاهرة الدالة على حقيقة الباطن، فنحن علينا بالظاهر والله تعالى يتولى السرائر، والخطأ ـ إن وقع ـ في هذا الجانب فإنه مغفور، وصاحبه له أجر إن شاء الله لاعتماده على قواعد شرعية صحيحة دلت عليها نصوص الكتاب والسنة.
فالذي يحكم على المنافق ـ الذي يبطن الكفر ـ بالإيمان أو الإسلام لاعتبار ظاهره الدال على الإسلام والإيمان، لا يلام على خطئه، ولا يصح أن يقال له: قد حكمت على المنافق الكافر بالإسلام والإيمان وهذا لا يجوز، بل كل مسلم يعلم بالضرورة أنه أصاب الحق عندما اعتمد الظاهر له في الحكم، وأن خطأه حقيقة الباطن مغفور له، وهو يؤجر عليه، كما في الصحيحين:" إذا اجتهد الحاكم فأصاب له أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر".
كما أن الحكم على معين بالكفر ومن ثم بالنار لا يلزم بالضرورة أن يكون هذا المعين من أهل النار إذا كان في علم الله تعالى أنه من أهل الرحمة والجنة، إذ أن الحكم لله العلي القدير وحده.
ومنها: أن الكافر المعين الذي يشهد له بالكفر في حياته، لا يشهد له بالخلود في نار جهنم لاحتمال توبته وحسن خاتمته قبل موته، وإن كان ولا بد من الحكم عليه بالنار، فيجب حينئذٍ تقييد الحكم بالموافاة على الكفر، كأن يقال: هو كافر، وإن مات على كفره فهو في نار جهنم خالد فيها أبداً .. وما سوى ذلك يكون من قبيل التألي على الله تعالى بغير علم لا يقدم عليه إلا مغامر خاسر، والله تعالى أعلم.

ـ مسائل تتعلق بالقاعدة:
1- المسألة الأولى: هل يشهد للمعين من المسلمين بالجنة؟
أقول: يوجد فرق بين الشهادة على عامة موتى المسلمين بأنهم في الجنة ومن أهلها، وأن قتلى المسلمين شهداء وهم في الجنة، وبين الشهادة على الشخص المعين بأنه من أهل الجنة؛ فالأولى جائزة وهي واجبة، وصيغها كأن يقال: قتلى المسلمين شهداء وهم في الجنة، شهداء المسلمين في فلسطين في الجنة، وقتلى المسلمين في حروب الردة، أو في معركة اليرموك، أو في معركة حطين وغيرها شهداء وهم في الجنة، وكذلك من قتل على السنة في سبيل الله فهو شهيد وهو في الجنة .. من قُتل دون دينه .. دون عِرضه .. دون ماله .. دون مظلمته فهو شهيد، وهو من أهل الجنة .. فهذه الإطلاقات العامة جائزة لا حظر فيها ولا حرج، والأدلة عليها من الكتاب والسنة وفعل السلف الصالح متواترة.
أما الشهادة على شخص معين باسمه بأنه شهيد ومن أهل الجنة، فهو المنهي عنه، فلا لا يُشهد لمعين بالجنة إلا من جاء بحقه نص من النبي  أنه من أهل بالجنة، كالمبشرين العشرة بالجنة وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، فمن شهد له النص بأنه من أهل الجنة فنحن نشهد له تباعاً بأنه من أهل الجنة ومن غير زيادة أو نقصان.
والذي يستدعي الإمساك عن الجزم للمعين بأنه شهيد ومن أهل الجنة، الأسباب التالية:
أولاً: أن الأعمال التي توجب لصاحبها الجنة يشترط لها سلامة النية والقصد والاعتقاد؛ فمن لم يأت بالإخلاص والاعتقاد الصحيح لا ينتفع بشيء من عمله، بل يكون عليه سبباً في الهلاك والعذاب.
وقد تقدم أن معرفة حقيقة ما في القلوب وما تنعقد عليه النوايا هو من خصوصيات الله وحده، فلا يعلم ما في القلوب غلا علام الغيوب.
فالله يعلم ونحن لا نعلم  وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ  النور:19. ومن كان لا يعمل لا يصح أن يكون شاهداً على ما لا علم له به.
فكم من معين يُشهد له بالجنة والصلاح، وهو في علم الله قد يكون من أهل الكفر والنفاق الذين يكونون في الدرك الأسفل من النار.
روى البخاري في صحيحه تحت عنوان:"باب لا يقول فلا ن شهيد" قال أبو هريرة، عن النبي :"والله أعلم بمن يجاهد في سبيله، والله أعلم بمن يكلم في سبيله". إذ أن هناك من يجاهد سمعة ورياء، وغضباً لغير الله تعالى .. ولا يعلم ذلك عنه إلا الله تعالى.
وعن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول  التقى هو والمشركون فاقتتلوا، فلما مالَ رسولُ الله  إلى عسكره ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله رجل، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقالوا: ما أجزأ منا اليوم أحد، كما أجزأ فلان، فقال رسول الله :"أما إنه من أهل النار"، فقال رجل من القوم: أنا صاحبه، قال فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، قال: فجرح الرجل جرحاً شديداً، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فخرج الرجل إلى رسول الله  فقال: أشهد أنك رسول الله، قال:" وما ذاك؟" قال: الرجل الذي ذكرت آنفاً أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحاً شديداً. فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه فقتل نفسه. فقال رسول الله  عند ذلك:" إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة "[ ].
قال ابن حجر: قوله "باب لا يقال فلان شهيد" ، أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وكأنه أشار إلى حديث عمر أنه خطب فقال: تقولون في مغازيكم فلان شهيد، ومات فلان شهيداً، ولعله قد يكون قد أوقر راحلته، ألا لا تقولوا ذلكم ولكن قولوا كما قال رسول الله :" من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد " وهو حديث حسن أخرجه أحمد وغيره.
وعلى هذا فالمراد النهي عن تعيين وصف واحد بعينه بأنه شهيد، بل يجوز أن يقال ذلك على طريق الإجمال.
وقوله:"والله أعلم بمن يُكلم في سبيله" أي فلا يعلم ذلك إلا من أعلمه الله، فلا ينبغي إطلاق كون كل مقتول في الجهاد أنه في سبيل الله[ ]ا- هـ.
ونحو ذلك ما رواه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله  يقول:" إن أول الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به، فعرَّفه نعمَهُ، فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار، ورجل تعلَّم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه، فعرفها، قال: فما فعلت فيها؟ قال تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم، وقرأت القرآن ليقال هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن يُنفق فيها، إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه ثم ألقي في النار".
فتأمل هذه الأصناف الثلاثة ـ الشهيد، والعالم القارئ، والمتصدق المنفق في أوجه الخير ـ كيف أن الله تعالى أحبط أعمالهم لعلمه بفساد نيتهم وقصدهم، وهذا علم أنى لنا بمعرفته والإحاطة به، فالله يعلم ونحن لا نعلم، والله لا يقبل من العمل الصائب إلا ما كان خالصاً لوجهه الكريم، كما في الحديث الذي يرويه مسلم في صحيح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :" قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملاً
أشرك فيه معي غيري، تركته وشركته".
وكذلك الذي يأمر الناس بالمعروف ولا يأتيه، وينهاهم عن المنكر ويأتيه، فهو في علم الناس وظنهم أنه من أهل الجنة لصلاحه، وأمره لهم بالمعروف ونهيه عن المنكر، بينما هو في علم الله  من أهل النار.
كما في الحديث، عن أسامة قال: سمعت رسول الله  يقول:" يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان! ما شأنك؟! أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟! قال كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه "متفق عليه.
ثانياً: إن القطع "للمعين" ـ من غير نصٍّ ـ بأنه شهيد ومن أهل الجنة، فيه تزكية لهذا المعين على الله تعالى بغير علم، وهو نوع من التألي على الله .. وهذا أمر قد نهت عنه الشريعة.
قال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ا لنجم:32.
وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً النساء:49.
وفي الحديث، فقد صح عن النبي  أنه قال:" لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم " مسلم. فإذا كان المرء لا يجوز أن يُزكي ـ وهي نفسه التي لا تخفى عليه ـ فكيف له أن يُزكي الآخرين!
وقال :" إن كان أحدكم مادحاً لا محالة، فليقل: أحسب كذا وكذا إن كان يرى أنه كذلك، وحسيبه الله، ولا يزكي على الله أحداً " البخاري.
فقوله"لا محالة" يعني أن الأصل أن لا يمدح، ولكن إذا كان لا مناص منه ولا بد فليمدح بما يعلم ولا يقول ما لا علم له به، ثم هو بعد ذلك يُعلق مدحه بقوله " ولا يزكي على الله أحداً " فالله أعلم بأهل البر والتقوى.
وعن كعب بن عُجرة  قال: فقد النبي  كعباً، فسأل عنه؟ فقالوا: مريض، فخرج يمشي حتى أتاه، فلما دخل عليه قال:" أبشر يا كعبُ " فقالت أُمه: هنيئاً لك الجنة يا كعب! فقال :" من هذه المتأليَّةُ على الله؟! قال: هي أمي يا رسول الله. فقال:" وما يدريك يا أمَّ كعبٍ، لعلَّ كعباً قال مالا يعنيه، أو منع مالا يعنيه!"[ ].
وفي صحيح البخاري، عن ابن مليكة أنه قال: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي ، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل.
فإذا كان هذا شأن الصحابة مع أنفسهم، فإنه لحري بمن هم دونهم أن يتهموا أنفسهم وأن لا يزكوا أنفسهم ـ ولا غيرهم ـ على الله.
ثالثاً: الشهادة للمعين بالجنة ـ من غير دليل ـ يستلزم مساواته بالصحابة الذين شهد لهم النبي  بالجنة، وهذا يعني أنه لم تعد للصحابة المشهود لهم بالجنة ميزة على غيرهم، كما لم تعد لشهادة النبي  لبعض أصحابه بالجنة تلك الميزة والخاصية العظيمة ما دام لغير النبي  يصح له أن يحكم على من يشاء بأنه من أهل الجنة ..!!
وهذا أمر مرفوض بالنقل والعقل .. لا يجوز القول به.
لأجل هذه الأسباب الثلاثة ـ الآنفة الذكر ـ أقول: لا يجوز أن يشهد لشخص معين بأنه شهيد، أو أنه يوم القيامة في الجنة مع الأبرار من الأنبياء والصديقين والشهداء إلا من ورد بحقه نص أو دليل.
والذي يمكن قوله: التعميم لا التعيين، كأن يقال من قاتل في سبيل الله فهو شهيد، قتلانا في الجنة، وقتلى الكفار في النار، شهداء المسلمين في أحد، ومؤته، واليرموك، وفلسطين، والشيشان، وأفغانستان في الجنة .. فهذا التعميم لا حرج فيه إن شاء الله لدلالة السنة عليه.
استدراك: توجد أحياناً قرائن وإمارات تدل على حسن خاتمة المرء، فتكون بشرى خير لصاحبها في الآخرة، تستدعي تحسين الظن به، وأن يرجى له الجنة يوم القيامة إن شاء الله.
من هذه القرائن والعلامات: ثناء المؤمنين عليه بالخير والصلاح، فإن الله تعالى إذا
أحب عبداً وكان عنده من المقبولين، وضع له القبول في الأرض وأحبه العباد، وأجرى على ألسنة الناس الصالحين حسن الثناء عليه.
كما في الحديث، عن أنس  قال: مر على النبي  بجنازة، فأُثني عليها خيراً، وتتابعت الألسن بالخير، فقالوا: كان ـ ما علمنا ـ يحب الله ورسوله، فقال نبي الله :" وجبت وجبت وجبت"، ومُر بجنازة فأثني عليها شراً وتتابعت الألسن لها بالشر، فقالوا: بئس المرء كان في دين الله، فقال نبي الله :" وجبت وجبت وجبت"، فقال عمر: فدىً لك أبي وأمي، مُر بجنازة فأثني عليها خيراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت، ومر على جنازة فأثني عليها شراً، فقلت: وجبت وجبت وجبت؟ فقال رسول الله :" من أثنيتم عليه خيراً وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت له النار، الملائكة شهداء الله في السماء، وأنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض "، وفي رواية:" والمؤمنون شهداء الله في الأرض، إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر"[ ].
وعن أبي الأسود الديلي قال: أتيت المدينة وقد وقع بها مرض، وهم يموتون موتاً ذريعاً، فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت جنازة، فأثني خيراً، فقال: عمر: وجبت، فقلت: ما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي :" أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، قلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، قلنا: واثنان؟ قال: واثنان، ثم لم نسأله في الواحد "[ ].
وقال :" ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الأدنيين أنهم لا يعلمون منه إلا خيراً، إلا قال الله تعالى وتبارك: قد قبلت قولكم، أو قال: بشهادتكم، وغفرت له ما لا تعلمون "[ ].
وعن ابن مسعود قال: قال النبي :" إذا أثنى عليك جيرانك أنك محسن، فأنت محسن، وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء، فأنت مسيء"[ ].
وقال :" إذا أتى الرجل القوم فقالوا له مرحباً، فمرحباً به يوم يلقى ربه، وإذا أتى الرجل القوم فقالوا له: قحطاً، فقحطاً له يوم القيامة "[ ].
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله :"أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيراً، وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شراً وهو يسمع"[ ].
وقال :" إذا صلوا على جنازة فأثنوا خيراً، يقول الرب: أجزت شهادتهم فيما يعلمون، وأغفر له ما لا يعلمون "[ ].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله :" إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل فقال: إني أحب فلان فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله تعالى يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضوه، ثم يوضع له البغضاء في الأرض " مسلم.
وعنه، عن النبي  قال:" ما من عبد إلا وله صيت في السماء، فإذا كان صيته في السماء حسناً وضع في الأرض حسناً، وإذا كان صيته في السماء سيئاً وضع في الأرض سيئاً"[ ].
فإن قيل: فما بال الطواغيت الظالمين عندما يموتون تهتف بأسمائهم آلاف الناس، وتتناول وسائل الإعلام ذكرهم، ويُعلن عليهم الحداد .. فكيف نوفق بين ذلك وبين ما تقدم من أن ثناء الناس قرينة دالة على حسن الخاتمة، وحسن المآل؟!
أقول: الأحاديث الآنفة الذكر محمولة على ثناء المؤمنين الموحدين الصالحين، ولا يجوز أن تُحمل على غير ذلك .. وبالتالي فإن ثناء الجماهير الضالة وعويلهم ـ مهما تكاثر عددهم ـ لا يعني شيئاً، ولا يدل على شيء، وهو في ميزان الحق ليس بشيء.
ويُقال كذلك: أن ثناء كثير من هؤلاء الجماهير الضالة على الظالمين يأتي نتاجاً لضغوط الترهيب والترغيب التي يتعرضون لها .. ونتاجاً لعوامل التضليل التي تقوم بها وسائل الإعلام المختلفة، فيضطرون للمجاملة، والكذب، والنفاق .. وما كان كذلك فإنه لا يُعتبر، وهو غير معني من الأحاديث الآنفة الذكر.
ويُقال كذلك: أن الثناء بالخير منه ما يكون لأمور دينية، ومنه ما يكون لأمور دنيوية بحتة، فمن أُثني عليه خيراً لدينه وعقيدته، وأخلاقه، واستقامته .. فهو الثناء المعتبر عند الله تعالى .. وما سوى ذلك من الثناء فهو غير معتبر والأحاديث الآنفة الذكر لا تشمله؛ كأن يُقال عن المرء: كان نجاراً ماهراً، أو كان طبيباً ومهندساً، أو كاتباً مميزاً، أو خطيباً مفوهاً، أو سياسياً محنكاً .. وغير ذلك من الأمور الدنيوية التي قد يشترك فيها الصالح والطالح .. فهذا كله غير معتبر!
ومن القرائن كذلك التي تدل على حسن الخاتمة قرائن ذكرها الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في كتابه"أحكام الجنائز" وساق الأدلة عليها، منها: نطقه بالشهادة عند الموت، والموت برشح الجبين، والموت ليلة الجمعة أو نهارها، والاستشهاد في ساحة القتال، والموت غازياً في سبيل الله، والموت بالطاعون، والموت بداء البطن والموت بالغرق والهدم، وموت المرأة في نفاسها بسبب ولدها، والموت بالحرق، والموت بداء السِّل، والموت مرابطاً في سبيل الله، والموت على عمل صالح[ ].
فهذه قرائن وعلامات تبشر بالخير لصاحبها، وتستدعي تحسين الظن به، وبحسن خاتمته، لكنها لا تعني أن يُجزم له بالجنة كما يُقطع ويُجزم للصحابة المبشرين بالجنة، لما تقدم من الأدلة التي تمنع ذلك، وهذا ما تقتضيه قاعدة العمل بجميع النصوص ذات العلاقة
بالمسألة، والتوفيق فيما بينها، والله تعالى أعلم.
2- المسألة الثانية: هل يجوز لمعين أن يشهد على نفسه بالإيمان؟
أقول: إن كان يريد من قوله عن نفسه بأنه مؤمن التصديق والرضى والإقرار بجميع ما جاء به النبي  من عند ربه ، ونفي الشك عن نفسه، جاز له ذلك.
وإن كان يريد أنه مؤمن أي أنه من أهل الجنة على اعتبار أن المؤمن جزاؤه الجنة، فالواجب بحقه أن يستثني ويعلق مصيره بمشيئة الله، وأن لا يجزم ولا يزكي نفسه على الله، لأنه لا يدري كيف تكون خاتمته، وبأي عمل يختم له، فكم من امرئٍ يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، ويُصبح مؤمناً ويُمسي كافراًً وهو يحسب نفسه على خير .. نسأل الله تعالى الثبات وحسن الختام.
وكان من السلف من يكره هذا السؤال ويكره الإجابة عليه، ويعده من الابتداع في الدين، وإذا ما سُئله، يقول: آمنت بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، ولا يزيد على ذلك[ ].


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:50 am


3- المسألة الثالثة: هل يشهد للمسلم المعين من أهل الكبائر بالنار؟
أقول: يجب التصديق والقول بعموم الوعيد الوارد في نصوص الكتاب والسنة بالنسبة لأهل الكبائر والذنوب، وأن الذنوب موجبة للعذاب، وأن الوعيد الوارد بحق من فعل كذا وكذا من الذنوب والمعاصي، هو حق نؤمن به، ونرهب به العصاة المجرمين.
ولكن هذا لا يستلزم أن كل شخص فعل شيئاً من تلك الذنوب والمعاصي يطاله الوعيد المترتب عليها، لاحتمال وجود موانع لحوق الوعيد ـ أو بعضها ـ بحقه، وقد تقدم ذكرها والحديث عنها .. ولاحتمال عفو الله تعالى عنه، فقد قضت حكمة الله ورحمته أن كل ذنب عدا الشرك فهو إلى المشيئة؛ إن شاء الله تعالى عفا عنه، وإن شاء عاقب صاحبه عليه، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءالنساء:48.
وفي صحيح البخاري من حديث عبادة بن الصامت:" من أصاب في ذلك شيئاً ثم ستره الله، فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه".
ومن كان أمره إلى المشيئة لا يجوز أن يقطع له بالعذاب أو النار، فالقطع له بالنار أو العذاب يعتبر من التألي على الله تعالى بغير علم.
كما في صحيح مسلم، عن جندب أن رسول الله  حدث:" أن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟‍ فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك".
فتأمل كيف أن هذا الرجل خسر آخرته، وأوبق نفسه دار الخسران بسبب تأليه على الله من غير علم ولا دليل، فالمسلم ينبغي أن يكون أدبه مع الله كما قال عيسى بن مريم: قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ المائدة:116.
4- المسألة الرابعة: هل يشهد للكافر المعين بالنار؟
أقول: من خُتم له بالكفر يُشهد له بالكفر والخلود في نار جهنم، طاعة لله ولرسوله، وعملاً بما أمر الله ورسوله، فقد صح عن النبي  أنه كان يخاطب أهل القليب من قتلى الكفار يوم بدر، بأسمائهم وأسماء آبائهم، قائلاً:" يا أهل القليب، يا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة، ويا أمية بن خلف، ويا أبا جهل بن هشام ـ فعدد من كان منهم في القليب ـ هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقاً".
وفي رواية عند البخاري:" فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم يا فلان ابن فلان، ويا فلان ابن فلان، يسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتهم ما وعد ربكم حقاً ".
وعن عامر بن سعيد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي  فقال: إن أبي كان يصل الرحم، وكان وكان، فأين هو؟ قال:" في النار " فكأن الأعرابي وجد من ذلك، فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ قال:" حيثما مررت بقبر كافر فبشره النار ". قال: فأسلم الأعرابي بعد، فقال: لقد كلفني رسول الله  تعباً ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار[ ].
قال الشيخ ناصر: وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعة تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره[ ].
قلت: وهذا التبشير هو للكافر المعين، وهو دليل صريح على جواز الحكم على الكافر المعين الذي يختم له بالكفر، بالنار والخلود فيها.
شبهة ورد:
لعل قائلاً يقول: عندما نحكم على الكافر المعين بالنار، ألا يعتبر ذلك من باب التألي على الله بغير علم .. ثم أليس من المحتمل أن هذا الذي حكمنا عليه بالكفر والخلود في نار جهنم، أن يكون في علم الله مؤمناً يستحق الجنة، فنكون بذلك قد حكمنا على مؤمنٍ بالكفر، وشهدنا له بالنار وهو من أهل الجنة؟؟
أقول: أما كون ذلك يعتبر تألياً على الله، فلا. وذلك لوجهين: أولهما، أن الحكم على الكافر المعين بالنار هو امتثال لأمر الله ورسوله، فالله تعالى هو الذي أمرنا على لسان نبيه أن نبشر الكافر المعين بالنار، وهذا لا يكون من قبيل التألي؛ لأن التألي يكون عن جهل وبخلاف ما أمر الله به.
ثانياً، أن الله تعالى أعلمنا بالدليل القطعي، أن من يموت على الكفر له حكم واحد لا يتعدد ولا يتخلف وليس له مانع وهو الخلود في نار جهنم أبداً، ونحن إذ نحكم له بالنار نحكم عليه بحكم الله، وبما أمر وقطع على نفسه ، وهذا لا يعتبر تألياً؛ لأن التألي حكم على قضية غيبية ـ بغير دليل ـ تحتمل العفو والعقاب بحكم واحد، وهنا قضية لا تحتمل إلا حكماً واحداً وهو العقاب.
أما كونه في علم الله قد يكون مؤمناً يستحق الجنة، فهذا أمر لا نؤاخذ عليه ما دام الحكم بني على قواعد شرعية صحيحة، والتي منها اعتبار الظاهر. فالخطأ في هذا الجانب ـ إن وقع ـ فهو من جهة مغفور لأنه ناتج عن اجتهاد صحيح، ومن جهة فإنه لا يمنع ذاك المعين أن يستفيد من إيمانه إن كان في علم الله مؤمناً يستحق الجنة؛ لأن الحكم أولاً وآخراً لله تعالى وحده.
ثم لعل قائلاً يقول: لماذا توقفتم عن الجزم بالجنة لمن ظاهره الإيمان، ولم تتوقفوا عن الحكم بالنار لمن ظاهره الكفر ومات عليه؟
أقول: لأن من لوازم دخول المرء الجنة أن يكون مؤمناً في الظاهر والباطن، ومسلماً في الظاهر والباطن، ونحن لا سبيل لنا سوى العلم بالإيمان أو الإسلام الظاهر؛ لذا نتوقف عن الجزم له بالجنة.
بينما من كان ظاهره الكفر البواح فإنه لا يحتمل أن يكون في الباطن مؤمناً، فهو كافر ظاهراً وباطناً، إلا من كان كفره من جهة الإكراه والتقية وقلبه مطمئن بالإيمان، وهذا غالباً ما يعرف فيمسك عن تكفيره إذ يستحيل أن يعيش طيلة حياته تحت الإكراه، فإن تعثر ذلك ولم يُعرف ـ وانتفت عنه الموانع ـ فالكلام فيه ما تقدم، نحكم على الظاهر والله تعالى يتولى السرائر.
5- المسألة الخامسة: هل مجرد الردة تحبط عمل المرء، أم يُشترط لحبوط العمل الموافاة على الكفر؟
أقول: اعلم أن الكفر يحبط العمل كلياً، لكن لا ينتفي الانتفاع مطلقاً من الأعمال الصالحة إلا بالموافاة على الكفر، فالمرتد إذا تاب من كفره وعاد إلى الإسلام عادت إليه حسناته التي كان قد عملها من قبل، وانتفع بها، هذا الذي عليه الدليل من الكتاب والسنة، كما في قوله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ  البقرة:217. فقيد حبوط العمل مطلقاً في الدنيا والآخرة بالموت على الكفر.
قال ابن جرير في التفسير: والتقييد بقوله  فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ، فيمت قبل أن يتوب من كفره، فهم الذين حبطت أعمالهم[ ].
وقال الشوكاني في التفسير: والتقييد بقوله  فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ  يفيد أن عمل من ارتد إنما يبطل إذا مات على الكفر. وقد اختلف أهل العلم في الردة هل تحبط العلم بمجردها أم لا تحبط إلا بالموت على الكفر، والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضوع على ما في هذه الآية من التقييد[ ].
وقال الشافعي رحمه الله: إن من ارتد ثم عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله ولا حجه الذي فرغ منه، بل إن مات على الردة فحينئذ تحبط أعماله[ ].
وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله :" إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد لك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله  عنها"[ ].
قال النووي: والصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالاً جملية كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم، ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له[ ].
قلت: فمن باب أولى أن ينتفع بأعماله الحسنة التي فعلها وهو على الإسلام. قال السندي في حاشيته على النسائي: هذا الحديث يدل على أن حسنات الكفار موقوفه، إن أسلم تقبل، وإلا تُرد. وعلى هذا فنحو قوله تعالى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ  محمول على من مات على الكفر، والظاهر أنه لا دليل على خلافه.
قال الشيخ ناصر: ومثل الآية التي ذكرها السندي رحمه الله سائر الآيات الواردة في إحباط العمل بالشرك، فإنها كلها محمول على من مات مشركاً. ويترتب على ذلك مسألة فقهية وهي أن المسلم إذا حج، ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، لم يحبط حجه، ولم يجب عليه إعادته، وهو مذهب الإمام الشافعي،و أحد قولي الليث بن سعد، واختاره ابن حزم وانتصر له بكلام جيد متين[ ].
ونحو ذلك الحديث في الصحيحين، عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله : أي رسول الله أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله :" أسلمت على ما أسلفت من خير".
قال ابن حزم: فصح أن المرتد إذا أسلم، والكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا أسلما، فقد أسلما على ما أسلفا من الخير[ ].
قال الشيخ ناصر: وإذا تبين هذا فلا منافاة بينه وبين الحديث" أن الكافر يثاب على حسناته ما عمل بها لله في الدنيا " لأن المراد به الكافر الذي سبق في علم الله أنه يموت كافراً بدليل قوله في آخره" حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " وأما الكافر الذي سبق في علم الله أنه يسلم ويموت مؤمناً فهو يجازى على حسناته التي عملها حالة كفره في الآخرة، كما أفادته الأحاديث المتقدمة[ ].
شبهة ورد: قد يشكل على البعض، فيقول: من المعلوم أن من شروط قبول العمل أن يكون خالصاً لله تعالى، وإذا كان كذلك فكيف يقبل عمل الكافر المشرك في حال كفره لو أسلم؟
أقول: لا شك أن أي عمل يُشرك فيه مع الله، فالله تعالى لا يقبله سواء كان هذا
العمل صادراً عن كافر أو عن مسلم، فالله تعالى أغنى الأغنياء عن الشرك، لكن الكافر المشرك يمكن أن يعمل بعض الأعمال الحسنة ـ كالمتقدم ذكرها في حديث حكيم بن حزام ـ من دون أن يشرك فيها مع الله أحد، وتكون خالصة لوجه الله تعالى، كما في الحديث في صحيح مسلم:" إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسناته ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها ".
فتأمل قوله " ما عمل بها لله "، فدل أن الكافر يمكن أن يعمل أعمالاً خالصة لله تعالى، ويكون كفره في جوانب أخرى من غير جهة هذه الأعمال.


يتبع

للكتاب بقية

اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الحادية عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثالثة عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: