مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:35 am


ـ القاعدة الثامنة:" من حلَّل حراماً، أو حرَّم حلالاً فقد كفر ".
الشرح: اعلم أن استحلال ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله كفر بواح، وردة صريحة عن الدين؛ وذلك أن التشريع ـ التحليل والتحريم، والحظر والإباحة، والاستحسان والتقبيح ـ يعتبر من أخص خصوصيات الله تعالى، وهو حق خالص له سبحانه لا يجوز لأحد من خلقه أن يشركه فيه، أو يدعيه لنفسه، كما قال تعالى: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26. وقال تعالى: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يوسف:40.
وأيما جهة أو امرئٍ يدعي هذا الحق لنفسه من دون الله تعالى فقد جعل من نفسه نداً لله، ورباً على العباد يُعبد من جهة الطاعة والاتباع، وأيما امرئٍ يقر له بهذا الحق ويتبعه عليه فقد اتخذه نداً لله  ومعبوداً ورباً من دون الله.
والأدلة الشرعية الدالة على صحة القاعدة أعلاه، وكفر هذا النوع من الناس كثيرة جداً نذكر منها الأدلة التالية:
قوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ التوبة:31.
قوله تعالى: أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ؛ أي مشرعين يُرجعون خاصية التحليل والتحريم، والحظر والإباحة إليهم من دون الله .. فاتخذوهم بذلك أرباباً من دون الله .. فتلك كانت عبادتهم لهم من دون الله.
قال البغوي في التفسير 3/285: فإن قيل أنهم لم يعبدوا الأحبار والرهبان قلنا: معناه أنهم أطاعوهم في معصية الله واستحلوا ما أحلوا وحرموا ما حرموا، فاتخذوهم كالأرباب.
عن عدي بن حاتم  قال: أتيت رسول الله  وفي عنقي صليب من ذهب فقال لي:" يا عدي اطرح هذا الوثن من عنقك "، فطرحته فلما انتهيت إليه وهو يقرأ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ، حتى فرغ منها قلت: إنا لسنا نعبدهم، فقال:" أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟" قال: قلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم "[ ]ا- هـ.
وعن حذيفة بن اليمان قال: أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم، ولا يصلون لهم، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرموه، فتلك كانت ربوبيتهم[ ].
وكذلك قال أبو البحتري: أما إنهم لم يصلوا لهم، ولو أمروهم أن يعبدوهم من دون الله ما أطاعوهم، ولكن أمروهم فجعلوا حلال الله حرامه وحرامه حلاله فأطاعوهم، فكانت تلك الربوبية[ ]. وتلك كانت عبادتهم لهم من دون الله .. ونحو هذا القول قال غيرهم من أهل العلم والتفسير.
قلت: وما أكثر الأرباب في زماننا الذين يُشرعون للناس الحلال والحرام بغير سلطان من الله .. ويزعمون لأنفسهم من دون الله تعالى خاصية التشريع وسن القوانين .. وأنه حق لهم من دون الله كما هو حال المجالس النيابية التشريعية في الأنظمة الديمقراطية .. وغيرها من الأنظمة السائدة في أمصار المسلمين التي تعبد العبيد للعبيد!
ثم ما أكثر أولئك الذين يدخلون ـ من غير حرج ولا تردد ـ في طاعة واتباع هؤلاء الأرباب .. وفي تمجيدهم وتقديسهم .. ثم هم بعد ذلك يحسبون أنفسهم ـ زوراً ـ أنهم على شيء .. أو أنهم مسلمون ومؤمنون!!
ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ الأنعام:121. أي إن أطعتموهم في تحليل ما يُحلونه لكم من دون الله .. أو تحريم ما يحرمونه عليكم من دون الله .. إنكم لمشركون!
قال البغوي في التفسير 2/127: وذلك أن المشركين قالوا: يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال: الله قتلها، قالوا: أفتزعم أن ما قتلت أنت وأصحابك حلال، وما قتله الكلب والصقر والفهد حلال، وما قتله الله حرام ؟ فوقع في أنفس ناس من المسلمين من ذلك شيء، فأنزل الله هذه الآية: وإن أطعتموهم في أكل الميتة  إنكم لمشركون  ، قال الزجاج: وفيه دليل على أن من أحل شيئاً مما حرم الله أو حرم ما أحل الله فهو مشرك ا- هـ.
وقال ابن كثير في التفسير 2/177:وقوله تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ  أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كقوله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ  ا- هـ. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً.
وقال القرطبي في كتابه"الجامع" 7/77: قوله تعالى: وإن أطعتموهم أي في تحليل الميتة  إنكم لمشركون فدلت الآية على أن من استحل شيئاً مما حرم الله تعالى صار به مشركاً، وقد حرم الله سبحانه الميتة نصاً، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك ا- هـ.
قال ابن تيميه في الفتاوى 3/267: والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ا- هـ.
ومن الأدلة كذلك قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ  محمد:26.
فهؤلاء ارتدوا على أعقابهم كافرين ـ بعد ما تبين لهم الهدى ـ بسبب أنهم قالوا للذين كرهوا شرع الله، سنطيعكم في بعض الأمر " الذي هو خلاف لأمر الله بارك وتعالى،
وأمر رسوله "[ ].
والراجح أن هؤلاء كانوا قبل ذلك مؤمنين أو قد شارفوا الإيمان والهدى ثم طرأ عليهم النفاق والكفر بسبب طاعتهم للذين كرهوا ما نزل الله في بعض الأمر ـ وليس كل أمر ـ الذي هو خلاف ما جاء به محمد  من عند ربه، والذي يدل على ذلك قوله تعالى: إن الذين ارتدوا فلو كانوا قبل ذلك منافقين كافرين لما وصفوا بالارتداد عن الدين، ولما تميزوا عن الذين كرهوا ما نزل الله؛ لأن المنافقين كفار لا يُقال لهم ارتدوا بعد إيمان، وهم ممن يكرهون ما نزل الله وإن كان ظاهرهم أحياناً يوحي خلاف ذلك.
وسواء كانوا قبل ذلك منافقين أم كانوا مؤمنين، فالعبرة بعموم النص لا بخصوص السبب، وعموم النص يدل أن طاعة الكفار والمشركين في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله هو كفر وردة عن الدين سواء كان المطيع لهم قبل ذلك مؤمناً أو منافقاً فلا فرق، والله تعالى أعلم.
وكذلك من الأدلة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ آل عمران:100.
والطاعة المكفرة هنا يراد بها طاعتهم في استحلال ما قد حرم الله، أو طاعتهم في تحسين ما قد قبحه الله تعالى أو تقبيح ما قد حسنه الله[ ].
وكذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ آل عمران:149.
قال ابن جرير الطبري في كتابه جامع البيان 4/122: يعني بذلك، يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله، في وعد الله ووعيده وأمره ونهيه، إن تطيعوا الذين كفروا، يعني: الذين جحدوا نبوة نبيكم محمد  من اليهود والنصارى، فيما يأمرونكم به، وفيما ينهونكم عنه، فتقبلوا رأيهم في ذلك، وتنتصحوهم فيما تزعمون أنهم لكم فيه ناصحون  يردوكم على أعقابكم  يقول: يحملوكم على الردة بعد الإيمان والكفر بالله وآياته وبرسله بعد الإسلام ا- هـ.
ومن الأدلة كذلك، قوله تعالى: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ النحل:116. فكل من حلل أو حرم من تلقاء نفسه من غير سلطان من الله تعالى فقد افترى على الله الكذب، والوعيد الوارد في الآية يطاله.
وكذلك قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ يونس:59.
فالتحليل والتحريم والتحسين والتقبيح من خصوصيات الله تعالى وحده، فالله تعالى هو الذين حمده زين، وذمه شين على الإطلاق دون غيره من خلقه، فالحكم على الأشياء مرده لله تعالى وحده لا لأحد غيره، ولهذا لما قال القائل من بني تميم للنبي : إن حمدي زين، وذمي شين! قال له:" ذاك الله "[ ]. أي الذي يكون مدحه زين على الإطلاق وذمه شين على الإطلاق هو الله تعالى وحده لا أنت ولا غيرك، أما ما يمدحه العباد فإن وافق ما مدحه الله فهو زين وإلا فهو شين .. ولو اجتمعت الخليقة كلها على مدحه .. وكذلك ما يذمه العباد فإن وافق ما ذمه الله فهو شين وإلا فهو زين .. ولو اجتمعت الخليقة كلها على ذمه وتقبيحه .. فمرد الأمر كله لله وحده.
وفي الأثر، عن علي  قال: شرب نفر من أهل الشام الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن أبي سفيان، وقالوا: هي حلال، وتأولوا  لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا . فكتب فيهم إلى عمر، فكتب عمر  أن ابعث بهم إلي قبل أن يفسدوا من قِبَلك، فلما قدموا على عمر ، استشار فيهم الناس، فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم كذبوا على الله، وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاضرب أعناقهم، وعلي  ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فيهم، قال: أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين لشربهم الخمر، وإن لم يتوبوا ضربت أعناقهم؛ قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله. فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين ثمانين[ ].
قال ابن تيمية في الفتاوى 11/405: وهذا الذي اتفق عليه الصحابة، هو متفق عليه بين أئمة الإسلام لا يتنازعون في ذلك، ومن جحد وجود بعض الواجبات الظاهرة المتواترة: كالصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش والظلم والخمر والميسر والربا وغير ذلك. أو جحد حل بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز، واللحم والنكاح فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن أضمر ذلك كان زنديقاً منافقاً، لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه ا- هـ.
وقال في موضع آخر 28/524: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، أو اتباع شريعة غير شريعة محمد  فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا .أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّا .
وقال أيضاً : فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر، فإن ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله كسواليف البادية، ويرون أن هذا الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر، فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار[ ].
وفي هذا يقول سيد قطب رحمه الله: إن الذي يملك حق التحريم والتحليل هو الله وحده، وليس ذلك لأحد من البشر، لا فرد ولا طبقة ولا أمة ولا الناس أجمعين، إلا بسلطان من الله وفق شريعة الله ..
والتحليل والتحريم ـ أي الحظر والإباحة ـ هو الشريعة .. هو الدين .. فإذا كان الذي يحلل هو الله ، فالناس إذاً في دين الله، وإن كان الذي يحرم أو يحلل أحداً غير الله، فالناس إذاً يدينون لهذا الأحد، وهم إذن في دينه لا في دين الله[ ].
والمسألة على هذا الوضع هي مسألة الألوهية وخصائصها، وهي مسألة الدين ومفهومه، وهي مسألة الإيمان وحدوده. فلينظر المسلمون في أنحاء الأرض أين هم من هذا الأمر؟ أين هم من هذا الدين؟ وأين هم من الإسلام وإن كانوا ما يزالون يصرون على ادعائهم للإسلام[ ]؟!
ـ العلة في كفر المستحل لما حرم الله ؟
فإن قيل أين تكمن العلة في كفر المستحل .. ولماذا يعتبر كافراً؟
أقول: المستحل لما حرم الله، وكذلك المحرم لما أحل الله، كافر من وجوه ولأسباب عدة منها:
1- أن المستحل .. يكون باستحلاله لما حرم الله قد رد حكم الله تعالى، وأعرض عنه، وأبى الانصياع والانقياد له.
ومن كان كذلك، فهو كافر كفراً أكبر لانتفاء مطلق الإيمان عنه، كما قال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النساء:65.
قال ابن القيم رحمه الله: أقسم سبحانه بنفسه المقدسة قسماً مؤكداً بالنفي قبله عدم إيمان الخلق حتى يحكموا رسوله في كل ما شجر بينهم من الأصول والفروع وأحكام الشرع وأحكام المعاد وسائر الصفات وغيرها، ولم يثبت لهم الإيمان بمجرد هذا التحكيم حتى ينتفي عنهم الحرج؛ وهو ضيق الصدر، وتنشرح صدورهم لحكمه كل الانشراح وتنفسح له كل الانفساح وتقبله كل القبول، ولم يثبت لهم الإيمان بذلك أيضاً حتى ينضاف إليه مقابلة حكمه بالرضى والتسليم، وعدم المنازعة وانتفاء المعارضة والاعتراض[ ].
وعن عتبة بن ضمرة، قال: حدثني أبي عن رجلين اختصما إلى النبي  فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى! فقال صاحبه: فما تريد؟ قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه، فقال الذي قضي له: قد اختصمنا إلى النبي  فقضى لي عليه، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قضى به النبي . فأبى صاحبه أن يرضى! وقال: نأتي عمر بن الخطاب، فأتياه، فقال المقضي له قد اختصما إلى النبي  فقضى لي عليه، فأبى أن يرضى، ثم أتينا أبا بكر الصديق فقال: أنتما على ما قضى به النبي ، فأبى أن يرضى، فسأله عمر. وفي رواية: قال عمر: أكذلك، للذي قضي عليه؟ قال: نعم، فقال عمر: مكانك حتى أخرج فأقضي بينكما، فخرج مشتملاً على سيفه، فضرب الذي قال ردنا إلى عمر فقتله، وأدبر الآخر إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله قتل عمر صاحبي، ولولا ما أعجزته لقتلني: فقال رسول الله :" ما كنت أظن أن عمر يجترئ على قتل مؤمن" فأنزل الله تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم ، فبرأ الله عمر من قتله[ ].
قال الإمام أحمد: نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول الله  في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَة  النور:63. وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة؟ الشرك .. وتدري ما الفتنة؟ الكفر. لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبه فيهلكه، وجعل يتلو هذه الآية: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم  النساء:65[ ].
قال ابن تيميه: النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحكام إلى غيره[ ].
2- أن المستحل.. يكون باستحلاله لما حرم الله قد عقب على حكم الله تعالى بحكم مغاير لحكمه، كأن يقول الله تعالى عن شيء هو حرام، فيأتي هو ليقول لا؛ بل هو حلال، أو أن الله يقول عن شيء هو حلال، فيقول هو: لا؛ بل هو حرام .. وهذا عين التكذيب والكفر البواح.
قال تعالى: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ الرعد:41.
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ المائدة:1.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ  الحجرات:1 .
فالمؤمن ليس له ـ إن أراد أن يبقى في دائرة الإسلام ويحافظ على إيمانه وإسلامه ـ أن يقدم بين يدي الله ورسوله بحكم، أو قول، أو فهم، أو رأي مخالف لحكم الله ورسوله.
وفي قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ  الحجرات:2.
قال ابن تيميه: أي حذر أن تحبط أعمالكم، أو خشية أن تحبط أعمالكم، أو كراهة أن تحبط .. ولا يحبط الأعمال غير الكفر؛ لأن من مات على الإيمان فإنه لا بد أن يدخل الجنة ويخرج من النار إن دخلها، ولو حبط عمله كله لم يدخل الجنة قط، ولأن الأعمال إنما يحبطها ما ينافيها، ولا ينافي الأعمال مطلقاً إلا الكفر.
فإذا ثبت أن رفع الصوت فوق صوت النبي والجهر له بالقول يخاف منه أن يكفر صاحبه وهو لا يشعر ويحبط عمله بذلك وأنه مظنة لذلك وسبب فيه[ ].
قلت: إحباط العمل أولى وأدعى لمن يجعل حكمه وقوله فوق حكم الله ورسوله، ومقدماً على ما جاء في الكتاب والسنة ..!
قال ابن القيم رحمه الله: فإذا كان رفع أصواتهم فوق صوته سبباً لحبوط أعمالهم، فكيف تقديم آرائهم وعقولهم وأذواقهم وسياستهم ومعارفهم على ما جاء به ورفعها عليه، أليس هذا أولى أن يكون محبطاً لأعمالهم[ ]؟!
3- أن المستحيل .. في استحلاله لما حرم الله يكون قد خطأ الله تعالى فيما شرع من الدين، ونسب إليه القصور والنقص والضعف .. ويكون كذلك قد كذبه أو كذب
عليه .. وهذا لا شك أنه من الكفر البواح.
ومثال ذلك: كأن يقول الله تعالى عن شيء هو حرام، فيأتي هو ليقول ـ ولو بلسان الحال ـ: لا، بل هو حلال، فإن تحريم هذا الشيء لا يصح، ولا يجوز، ولا يناسب زماننا، ولا يليق بتحضر الإنسان ولا يلبي حاجياته .. وغير ذلك من العبارات والاطلاقات التي هي الكفر البواح بعينه.
4- أن المستحل لما حرم الله .. قد جعل من نفسه نداً ، ونسب لنفسه خاصية الحكم والتشريع من دون الله تعالى، وهذا عين الكفر والشرك.
ومثال ذلك: كأن يقول الله تعالى:  إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ  الأنعام:57، فيأتي هو ليقول ـ ولو بلسان الحال: لا، بل إن الحكم إلا لي[ ] من دون الله؛ فما أراه حلالاً فهو الحلال، وما أراه حرماً فهو الحرام، وعلى الناس طاعتي في ذلك، وهذه هي نفس الألوهية التي ادعاها فرعون لنفسه عندما قال: يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي  القصص:38. أي ما علمت لكم من مطاع ومشرع ترجعون إليه في جميع شؤون حياتكم الدينية والدنيوية غيري؛ إذ صلاحيات التشريع والتحليل والتحريم من صلاحياتي وليست لأحدٍ غيري .. تلك كانت ألوهية الطاغية فرعون التي ادعاها لنفسه!
ثم أن الله تعالى يقول: وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً الكهف:26. فيأتي المستحل ليقول ـ ولو بلسان الحال ـ: بل أنا شريك لله في الحكم وسن التشريعات التي على الناس أن يتدينوا بها .. فالحلال ما أحله .. لا ما يحله الله .. والحرام ما أحرمه لا ما يحرمه الله .. وهذا عين الشرك والكفر البواح الذي لا يغفره الله تعالى إلا بالتوبة النصوح.
5- ومنها أن المستحل باستحلاله لما حرم الله، يكون قد تأله هواه، وجعل من هواه إلهاً معبوداً مطاعاً من دون الله؛ فالحلال ما يراه هواه حلالاً، والحرام ما يراه هواه حراماً .. فهو في حقيقة أمره يعبد هواه ولا شيء سواه، كما قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ الجاثـية:23. وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّه القصص:50. وقال تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاه الكهف:28.
قال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى 8/359: فمن كان يعبد ما يهواه فقد اتخذ إلهه هواه، فما هويه إلهه، فهو لا يتأله من يستحق التأله، بل يتأله ما يهواه، وهذا المتخذ إلهه هواه له محبة كمحبة المشركين لآلهتهم، ومحبة عباد العجل له، وهذه محبة مع الله لا محبة لله، وهذه محبة أهل الشرك ا- هـ.
لأجل هذه الأسباب جميعها، اجتمعت الأمة ـ سلفها وخلفها ـ على القول بكفر المستحل لما حرم الله، والمحرم لما أحل الله، اجتماعاً لم يشذ عنه عالم معتبر.
ـ شروط توبة المستحل لما حرم الله.
قد تقدم أن السنة في المرتد أن يستتاب من كفره، لقوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ البقرة:160.
"فأخبر أنه غفور رحيم لمن تاب بعد الردة، وذلك يقتضي مغفرته له في الدنيا والآخرة، ومن هذا حاله لم يعاقب بالقتل "[ ]. أي أن التوبة تُسقط عنه حد القتل وتجب ما قبلها.
وقال تعالى: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ  إلى قوله: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ  التوبة:5.
قال ابن تيمية: فإن هذا الخطاب عام في قتال كل مشرك، وتخلية سبيله إذا تاب من شركه وأقام الصلاة وآتى الزكاة سواء كان مشركاً أصلياً أو مشركاً مرتداً.
وأيضاً فالإجماع من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على ذلك، فإن النبي  لما توفي ارتد أكثر العرب إلا أهل مكة والمدينة والطائف، واتبع قوم من تنبأ لهم مثل مسيلمة والعنسي وطليحة الأسدي، فقاتلهم الصديق وسائر الصحابة رضي الله عنهم، حتى رجع أكثرهم إلى الإسلام، فأقروهم على ذلك ولم يقتلوا واحداً ممن رجع إلى الإٍسلام، ومن رؤوس من كان قد ارتد ورجع طليحة الأسدي المتنبي، والأشعث بين قيس وخلق كثير لا يحصون، والعلم بذلك ظاهره لا خفاء به على أحد[ ].
وفي بيان شروط توبة المستحل لما حرم الله، يقول الكشميري في كتابه "إكفار الملحدين": من كان كفره بإنكار أمر ضروري كحرمة الخمر مثلاً أنه لا بد من تبرئه مما كان يعتقده؛ لأنه كان يقر بالشهادتين معه، فلا بد من تبرئه منه، كما صرح به الشافعين، وهو ظاهر "رد المحتار" من الارتداد، وفي "جامع الفصولين"، ثم لو أتى بكلمة الشهادة على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال، إذ يرتفع بها كفره[ ].
أقول: وسبب ذلك أن كفره جاء من جهة استحلاله للخمر وجحوده لحرمتها، وليس من جهة أنه لا يقر بشهادتي التوحيد، ومن كان كذلك لا تنفعه جميع الطاعات لو أتى بها من دون الإقلاع عن الناقضة التي كانت سبباً في كفره وخروجه من الإسلام، ولكي يرتفع عنه حكم الكفر والردة لا بد له من أن يضم إلى شهادتي التوحيد براءته وتوبته من الناقضة التي كانت سبباً في خروجه من دائرة الإسلام.
ولتوضيح المسألة أكثر نضرب المثال التالي: لو وجد من يقول أن الصلوات الخمس ليست فرضاً، وهي غير واجبة على المسلمين، وهو مع ذلك يصلي[ ]، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويجاهد في سبيل الله، ويقوم بجميع الطاعات الأخرى التي أمر الله بها .. فإن ذلك كله لا ينفعه ولا يدخله ساحة الإسلام من جديد إلا بعد أن يقلع عن
مقولته، ويقر بفريضة الصلاة ووجوبها، وهذا أمر بين ظاهر لا خلاف عليه.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: من صام النهار، وقام الليل، وتعبد وأفرد الله بالعبادة، واتبع الرسول ، ثم بعد ذلك ـ في أي وقت من الأوقات ـ صرف بعض العبادة لغير الله؛ كأن يجعل بعض العبادة للنبي، أو للولي الفلاني، أو للصنم الفلاني، أو للشمس، أو للقمر، أو للكوكب الفلاني، أو نحو ذلك، يدعوه، ويطلب منه النصر، ويستمد منه العون بطلت أعماله التي سبقت كلها، حتى يعود إلى التوبة إلى الله ، كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88 .
وهكذا لو آمن بالله في كل شيء، وصدق الله في كل شيء، إلا في الزنى، فقال: الزنى مباح، أو اللواط مباح، أو الخمر مباحة، صار بهذا كافراً، ولو فعل كل شيء آخر من دين الله، فاستحلاله لما حرم الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة صار باستحلاله هذا كافراً بالله، مرتداً عن الإسلام، فلا تنفعه أعماله ولا توحيده لله، عند جميع المسلمين.
وهكذا لو حرم ما أحله الله، مع التوحيد والإخلاص والإيمان بالرسل، فقال مثلاً: أنا ما أحل الإبل أو البقر أو الغنم أو غيرها مما أحله الله حلاً مجمعاً عليه، وقال إنها حرام، يكون بهذا كافراً مرتداً عن الإسلام، بعد إقامة الحجة عليه، إذا كان مثله قد يجهل ذلك.
أو قال: ما أحل الحنطلة أو الشعير بل هما حرام، أو ما أشبه ذلك صار كافراً.
أو قال: إنه يستبيح البنت أو الأخت، صار بهذا كافراً بالله، مرتداً عن الإسلام، ولو صلى وصام وفعل باقي الطاعات؛ لأن واحدة من هذه الخصال تبطل دينه[ ].
ومما يدل على ذلك استتابة الصحابة لابن مظعون ومن معه ممن شربوا الخمر متأولين حلها، وإجماعهم على كفرهم ووجوب ضرب أعناقهم ـ على أنهم كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله ـ إذا لم يتوبوا ويقروا بحرمة الخمر، علماً أن ابن مظعون كان من أهل بدر، ومعلوم كم لأهل بدر من خصائص وميزات امتازوا عمن سواهم، ومع ذلك فإن حسنة بدر ـ على عظمتها ـ وغيرها من الحسنات لم تشفع له لو
أصر على استحلال الخمر بعد قيام الحجة عليه.
قال ابن تيميه في "الصارم"ص530: حتى أجمع رأي عمر وأهل الشورى أن يستتاب هو وأصحابه؛ فإن أقروا بالتحريم جلدوا، وإن لم يقروا به كفروا[ ].
فعلم أن الحسنات ـ مهما عظمت بما في ذلك شهادتي التوحيد ـ لا تشفع لصاحبها إذا قابلها كفر بواح أو شرك أكبر، وإنما تنفع صاحبها ـ بإذن الله ـ فيما هو دون الكفر والشرك .. وتنفعه كذلك عندما يكون الكفر متشابهاً محتملاً الكفر من وجه ومحتملاً غير ذلك من وجه آخر.
كما قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ  الزمر: 65. وقال تعالى:  وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  الأنعام:88. وقال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً الفرقان:23. فالشرك مبطل لجميع الحسنات ومحبط لها كأنها لم تكن .. وقانا الله وإياكم مزالق الكفر والشرك.
ـ استدراك وتنبيه:
اعلم أن علماء الأمة ـ سلفها وخلفها ـ اختلفوا في كثير من مسائل الحلال والحرام، وما يجب وما لا يجب ـ فيما يُستساغ فيه الخلاف ـ ومع ذلك لم يؤثر عنهم أن الذي حلل كفر الذي حرم، أو أن الذي حرم كفر الذي حلل، وذلك أن ما وقعوا فيه من خطأ في مسائل الحلال والحرام وغيرها، لم يكن ناتجاً عن قصد المخالفة أو التكذيب لشرع الله وإنما كان عن اجتهاد وتأويل ـ مستساغ شرعاً ولغة ـ ظناً منهم أنهم باجتهاداتهم قد أصابوا الحق ووافقوا مراد الشارع .. ومن كان كذلك لا يجوز أن تحمل عليه القاعدة الآنفة الذكر " من حلل حراماً فقد كفر " ، بل من كان خطؤه عن اجتهاد معتبر فله أجر، كما في الحديث:" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " البخاري.
قال ابن تيمية رحمه الله: فتبين أن المجتهد مع خطئه له أجر، وذلك لأجل اجتهاده،
وخطؤه مغفور له، لأن إدراك الصواب في جميع أعيان الأحكام، إما متعذر، أو متعسر[ ].
وقال في موضع آخر: فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم
المحرمات الظاهرة المتواترة، هو من أعظم أصول الإيمان وقواعد الدين والجاحد لها كافر بالاتفاق، مع أن المجتهد في بعضها ليس بكافر بالاتفاق مع خطئه[ ].
وللشيخ رحمه الله كلام نفيس في المسألة، فلينظر في كتابه القيم " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فإنه كتاب يقرأ، وهو من أنفس ما كتب في بابه.
ـ شبهة ورد: من التقسيمات المحدثة التي يثيرها مرجئة العصر، تقسم الاستحلال إلى استحلالين: استحلال قلبي باطني يُخرج من الملة، واستحلال عملي ظاهر لا يُخرج من الملة[ ].

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:37 am

قلت: وهذا تقسيم فاسد محدث لم يُعرف عن السلف الصالح؛ وذلك أن الاستحلال موضعه القلب، فمن استحل الذنب عملاً وظاهراً يكون قد استحله في قلبه وباطنه أيضاً؛ للعلاقة المتبادلة المؤثرة والمتأثرة بين الظاهر والباطن، ولا يُقال لمرتكب الذنب ـ دون الكفر ـ بأنه مستحل للذنب من جراء وقوعه في الذنب .. فالاستحلال شيء باعثه وموطنه القلب وحله معقود فيه، وفعل الذنب مجرداً شيء آخر .. لكن لا يُسمى استحلالاً؛ لأن الاستحلال يعني انعقاد حل الذنب في القلب وليس هكذا كل من أذنب أو وقع في ذنبٍ!
ـ مسائل تتعلق بموضوع كفر الاستحلال: كنا قد أجبنا على بعض الأسئلة الواردة إلينا ذات العلاقة بموضوع كفر الاستحلال .. نقوم بوضعها هنا إتماماً للفائدة، وكجوابٍ على ما يمكن أن يُثار حول الموضوع من اعتراضات أو تساؤلات .. والله المستعان.
ـ المسألة الأولى: هل ترخيص الدولة للبنوك الربوية وسماحها لها بالعمل وسكوتها على ذلك، وحمايتها لها، ودعمها لها في الأزمات المالية يعد استحلالاً فعلياً للربا .. نرجو التوضيح، رفع الله قدرك، وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . عندما تُسن القوانين التي بموجبها يرخص للبنوك الربوية التعامل بالربا .. فيصبح الربا مباحاً لها بعد أن كان محظوراً عليها قبل إصدار هذه القوانين والتشريعات ذات العلاقة .. هذا التصرف ـ بهذا الوصف ـ هو عين استحلال الربا ـ الذي يكفر المرء بموجبه ـ وإن لم يعترف القائمون عليه بلسانهم أنهم قد استحلوا الربا؛ إذ لسان الحال والفعل أصدق وأصرح بياناً من لسان القال .. والله تعالى أعلم.
فإذا ضم إلى فعلهم السابق أن حموا هذا المنكر بقوة السلاح، وسخروا له الجنود والعسكر لحمايته، ولقتال من يقترب من هذا المنكر بسوء .. فهذا كله من الزيادة في الكفر والإثم، والله تعالى أعلم.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتابه الرسائل الشخصية، ص60: نكفر من قام بسيفه دون هذه المشاهد ـ أي القبور ـ التي يُشرك بالله عندها، وقاتل من أنكرها، وسعى في إزالتها .. ا- هـ.
فتأمل كيف اعتبرهم كفاراً لمجرد قيامهم بالسيف دون هذه المشاهد .. وإن لم يُشاركوا في عبادتها، أو يستحلوا ذلك بلسانهم، أو قلوبهم.
قلت: كذلك الذين يقاتلون ويذودون بقوة السلاح عن قوانين الكفر والشرك فهم كفار .. وإن لم يصرحوا بلسانهم ما يدل على استحلالهم لهذه القوانين، فقتالهم دون هذه القوانين، وحربهم لمن يسعى في إزالتها لهو أصدق بياناً وتعبيراً عن كفرهم واستحلالهم للكفر من مجرد استحلال اللسان .. والله تعالى أعلم.
ـ المسألة الثانية: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 3/267:" والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه، أو بدل الشرع المجمع عليه، كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء " ا- هـ.
ما معنى تبديل الشرع .. وماذا يقصد بالشرع المبدل إذا أطلق .. وما الصور التي ينطبق عليها البديل في واقعنا المعاش الآن ؟؟؟
وهل صحيح قول من قال: إن التبديل في لغة الفقهاء وعرف العلماء معناه: الحكم بغير ما أنزل الله على أنه من شرع الله ..؟
نرجو البيان والايضاح، مع ذكر كلام العلماء في هذه المسألة الخطيرة .. وجزاكم الله خيراً.
الجواب: الحمد لله رب العالمين . معنى تبديل الشرع: هو تبديل الشرع المنزل بشرع آخر باطل سواء هذا الشرع الآخر نُسب زوراً إلى شرع الله، أو إلى شرع المخلوق وحكمه وهواه .. ولا فرق بين الاثنين من حيث لحوق الكفر بهما، وبأصحابهما.
وهذا هو مراد شيخ الإسلام ومراد غيره من أهل العلم عندما يطلقون الحديث عن تبديل الشرع وعن كفر المبدل لشرع الله تعالى؛ حيث لا يُعرف عن أحدٍ منهم أنه فرق بين مبدل ومبدل .. فمن بدل الشرع ثم نسب تبديله لشرع الله تعالى يكفر، بينما المبدل الآخر الذي يرد تبديله إلى شريعة البشر وأهوائهم لا يكفر ..!!
هذا التفريق ليس عليه دليل ولم يقل به عالم معتبر من علماء سلفنا الصالح .. ولا أراه إلا شبهة من جملة الشبه التي توحي بها شياطين الجن إلى بعض شيوخ الإرجاء المعاصرين !!
كنت أحسب أن شبه القوم ـ حول المسألة ـ قد انتهت وحسمت بأقوال علمائنا الربانيين .. ولكن أفاجأ بين الفينة والأخرى ببزوغ شبه ما أنزل الله بها من سلطان ـ لم يسمع بها سلفنا الصالح من قبل ـ لا أرى مصدراً لها سوى شياطين الجن يوحون بها إلى من يستأنسون منه قبولها من الإنس .. ومن يدري بما ستفاجئنا به الأيام القادمة من شبه باطلة جديدة تشغل الشباب عن جادة الحق والصواب وما ينبغي أن ينصرفوا له من المهام العظام الكبيرة !!
ثم الذي يثبت صحة هذا التفريق بين مبدل ومبدل هو المطالب بذكر الدليل وبيان من يقول بهذا القول من أهل العلم، وليس النافي .. ومع ذلك سأذكر لك ـ يا أخي ـ من الأدلة وأقوال أهل العلم ما يثبت صحة ما ذهبنا إليه .. لتقر عيون الموحدين بالحق، وتخزى أعين أهل البدع والأهواء والإرجاف ..!
قال تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون .. هم الظالمون .. هم الفاسقون . قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقاً، وكل قتيل قتله الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قَدِمَ النبي  المدينة، فذلَّت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله ، ويومئذٍ لم يظهر ولم يوطئهما عليه وهو الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلاً، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسقٍ، فقالت الذليلة: وهل كان هذا في حيّين قط دينهما واحدٌ، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض ؟! إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفرَقاً منكم، فأما إذا قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسولَ الله  بينهم . ثم ذكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا، وقهراً لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه؛ إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله  ناساً من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله ، فلما جاء رسول الله  أخبر اللهُ رسولَه بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله : يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا  إلى قوله: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون  ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى
الله  [ ].
لنعيد قراءة الحديث من جديد فسوف نجد فيه دليلاً صريحاً على ما ذهبنا إليه وقررناه
في أول الجواب ولله الحمد.
وبيان ذلك أن اليهود عندما وقعوا في هذا التبديل لم ينسبوه لله  وإنما نسبوه إلى أنفسهم المريضة .. وكانت الطائفة العزيزة، وكذلك الذليلة يعلمون أن هذا التبديل هو من الظلم والضيم الذي اخترعوه من عند أنفسهم، وأنه لا يجوز أن يكون بين فئتين كلاهما دين واحد .. قالت الذليلة:" إنما أعطيناكم هذا ضيماً منكم لنا، وفرقاً منكم .." فكانوا يعلمون أن هذا الحكم ليس هو من الدين المنزل الموحى به إليهم، ولم يقل أحد منهم بذلك ..!
ثم أن العزيزة صدقتهم بما قالوا، وأكدوا أن هذا التبديل هو محض ظلم من أنفسهم وأهوائهم ولم ينسبوه لله  قط، فقالوا:" ولقد صدقوا ـ أي الذليلة ـ ما أعطونا هذا إلا ضيماً منا وقهراً لهم " فالذليلة لم تكن تعطي العزيزة على أن هذا العطاء حكماً منزلاً .. ولا العزيزة كانت تأخذه على أنه حكم منزل .. ومع ذلك أنزل الله تعالى فيهم قوله: فأولئك هم الكافرون  إلى آخر الآيات .
فهذا دليل قوي ـ ولله الحمد ـ على إبطال تلك البدعة الحديثة التي تقول: أن من نسب تبديله لشرع الله إلى نفسه وشرع البشر لا يكفر ..!
وهو دليل قوي كذلك على إبطال المقولة التي تقول أن من وقع في تبديل الشريعة مع اعترافه بأنه ظالم فيما قد بدل بأنه لا يكفر، كما يقول الشيخ ابن العثيمين ـ رحمه الله ـ وقد تقدم الرد عليه في مقال مستقل منشور في موقعنا على الإنترنت ..!
ومن شذوذات الشيخ ناصر رحمه الله قوله في تعليقه على هذا الحديث كما في السلسلة: 6/111، تماشياً مع أصوله الفاسدة في الإيمان: إذا عرفت هذا فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية، أقول:لا يجوز تكفيرهم بذلك، وإخراجهم من الملة، إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، لا يجوز ذلك، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور فهم مخالفون لهم من جهة أخرى، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله، بخلاف اليهود الكفار، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم:" .. وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه " .. وسر هذا أن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي، فالاعتقادي مقره القلب، والعملي محله الجوارح، فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله .. وأما إذا كان مخالفاً لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفراً اعتقادياً، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .. ا- هـ.
قلت: الذي حمل الشيخ ـ رحمه الله وعفا عنه ـ على هذا التأويل الفاسد ـ الذي هو أقرب إلى التحريف الظاهر لألفاظ وعبارات الحديث! ـ هي أصوله الفاسدة في الإيمان التي هي أقرب ما تكون إلى أصول أهل التجهم وغلاة المرجئة .. وإليك هذه التعقيبات والإشارات اليسيرة على ما تقدم من كلامه:
1- طواغيت الحكم في زماننا الذين ولجوا نواقض الإيمان من كل أبوابها هم مؤمنون في نظر الشيخ .. لماذا ..؟ لأنهم مصدقون بما أنزل الله ..!!
ولو سألنا الشيخ عن تعريفه الإيمان لربما أجابك من فوره: بأنه اعتقاد، وقول، وعمل .. يزيد وينقص!
والسؤال: كيف نوفق بين هذا التعريف للإيمان وبين قول الشيخ المتقدم عن طواغيت الحكم بأنهم مؤمنون لكونهم جاءوا بالتصديق بما أنزل الله بخلاف اليهود الذين جحدوا .. وهل المسألة تقف عند مجرد التصديق ثم ليكن بعد ذلك ما يكون .. ؟!!
ثم لو بحثنا في أصول جهم بن صفوان الضال .. لوجدناه يعلق الإيمان على تصديق القلب .. كما أنه يعلق الكفر على جحود أو تكذيب القلب .. وهو نفس قول الشيخ ناصر رحمه الله وعفا عنه ؟!!
2- مما يؤكد ما تقدم ذكره تقسيم الشيخ للكفر إلى قسمين: كفر مخرج من الملة مقره القلب فقط، وكفر لا يخرج من الملة ومقره الجوارح؛ أي مهما كان الكفر بواحاً وظاهراً على الجوارح إذا لم يأت بما يدل على موافقة القلب له وتصديقه له فهو ليس بكافر .. وهو من المؤمنين الموحدين ومن أهل الجنان .. وهذا هو نفس قول الضال جهم بن صفوان عليه من الله ما يستحق!!
أعد قراءة قول الشيخ من جديد:" فمن كان عمله كفراً لمخالفته للشرع، وكان مطابقاً لما وقر في قلبه من الكفر فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله " وما سواه فلا ..!
3- كيف نوفق بين أصول أهل السنة ـ التي يقول بها الشيخ! ـ الدالة على العلاقة المتبادلة بين الظاهر والباطن .. وبين قول الشيخ: ظاهر كافر .. وجوارح كافرة .. وباطن مؤمن، وقلب مؤمن .. حاكم كافر متمرد على شرع الله في ظاهره وعلى جوارحه .. مؤمن في قلبه وباطنه ؟!!
4- قول الشيخ أن علة كفر اليهود أنهم كانوا جاحدين مكذبين في قلوبهم بخلاف طواغيت الحكم في بلاد المسلمين فإنهم مصدقون .. ليس صحيحاً .. وليس في الحديث ما يدل على ذلك .. وما أستدل به الشيخ ليس صحيحاً لا لغة ولا حالاً وصفة .. وإليك ما قاله:" كما يدل عليه ـ أي على تكذيبهم وجحودهم القلبي ـ قولهم المتقدم: وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه .." !!
قلت: أين الدلالة من العبارة على أن اليهود كانوا جاحدين مكذبين في قلوبهم .. ؟!
ولو أتينا بمذاهب أهل التأويل كلهم لما استطعنا أن نفسر هذه المقولة بأنها تعني الجحود والتكذيب القلبي ..؟!!
ثم هل من مذهب السلف التأويل .. نقاتل غيرنا لوقوعهم في التأويل والتحريف .. ونشنع عليهم ثم نحن نقع في شر أنواع التأويل ..؟!!
فإن قيل: يجوز التأويل للضرورة .. قلنا وما الضرورة هنا .. إلا إذا اعتبر حمل ألفاظ الحديث على أصول جهم من الضرورات التي تبيح المحظورات !!
هذا وجه، ووجه آخر فإن القرآن يثبت أن اليهود لم يكونوا مكذبين وجاحدين للنبي  وما جاء به من الآيات والذكر الحكيم من قلوبهم .. بل كانوا في يوقنون في قلوبهم أن النبي حق وأن ما جاء به من عند ربه هو الحق، كما قال تعالى عنهم: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً ؛ فهم جحدوا بالآيات بألسنتهم رغم أنهم كانوا يوقنون في قلوبهم أنها الحق، وما حملهم على ذلك الجحود الظاهر إلا الكبر والحسد والعناد ..!
وقال تعالى: فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين  .
وقال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون . وغيرها كثير من الآيات التي تدل على أن اليهود كانوا يقرون في قرارة أنفسهم وقلوبهم بأن النبي  نبي مرسل وهو حق، وأن ما جاء به من عند ربه هو الحق .. ومع ذلك فقد كفروا لتكبرهم على الدخول في الطاعة والمتابعة لهدي الشريعة ظاهراً وباطناً ..!
دليل آخر على كفر من وقع في تبديل الشريعة بشريعة من عند نفسه أو غيره من طواغيت البشر:
قال :" إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتاباً من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم، واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثيرٍ من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن اتبعوكم عليه فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم .."[ ].
وقال :" إن بني إسرائيل كتبوا كتاباً فاتبعوه، وتركوا التوراة ".
وهذا نفس ما يصنعه طواغيت الحكم في هذا الزمان من تبديل لشرع الله؛ حيث ما من طاغوت إلا ويكتب كتاباً من عند نفسه ـ يسميه الدستور ـ يلزم به شعبه بالقوة، ومن يأبى الطاعة والتحاكم إلى هذا الدستور أو الرضى به فحكمه القتل أو السجن والتشريد!
إنها السنن .. واتباع سنن من كان قبلنا حذو القذة بالقذة، وشبراً بشبر، ولو دخلوا
جحر ضب لوجد من هذه الأمة من يفعل فعلهم، ويدخل جحورهم ..!
قال ابن حزم في الإحكام 2/208: لا فرق بين جواز شرع شريعة من إيجاب أو تحريم أو إباحة بالرأي لم ينص تعالى عليه ولا رسوله ، وبين إبطال شريعة شرعها الله على لسان رسوله  بالرأي، والمفرق بين هذين العملين متحكم بالباطل مفتر، وكلاهما كفر لا خفاء فيه ا- هـ.
وقال رحمه الله 2/274: إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه: إما إسقاط فرض لازم؛ كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنى أو حد القذف، أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة في شيء منها، أو إحداث فرض جديد، وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة، وإما تحريم محلل كتحريم لحكم الكبش وما أشبه ذلك، وأي هذه الوجوه كان فالقائل به مشرك لاحق باليهود والنصارى .. ا-هـ.
وقال الجصاص في الأحكام في تفسير قوله تعالى: فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم : في هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله  فهو خارج من الإسلام؛ سواء رده من جهة الشك فيه أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم .. ا- هـ.
وقال ابن تيمية في الفتاوى 7/70: وهؤلاء الذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً حيث أطاعوهم في تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله، يكونون على وجهين: أحدهما أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل فيعتقدون تحليل ما حرم الله وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر وقد جعله الله ورسوله شركاً .. ا- هـ.
فتأمل كيف اعتبرهم مشركين لمجرد اتباعهم على التبديل مع علمهم أنهم خالفوا بذلك دين الرسل، وأن ما أحدثوه من شرائع ليست من دين الله وإنما هي من عند أنفسهم ..
وقال رحمه الله 28/23: هذا هو دين الإسلام الذي أرسل الله به رسوله وأنزل به كتبه، وهو الاستسلام لله وحده، فمن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته، وقد قال
تعالى: إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين .
ومن استسلم لله ولغيره كان مشركاً، فقد قال تعالى: إن الله لا يغفر أن يُشرك به  ا- هـ.
وقال 28/357: فثبت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أنه يقاتل من خرج عن شريعة الإسلام وإن تكلم بالشهادتين .. ا- هـ.
وقال 28/470-471: فكل من خرج عن سنة رسول الله  وشريعته، فقد أقسم الله بنفسه المقدسة أنه لا يؤمن حتى يرضى بحكم رسول الله  في جميع ما شجر بينهم من أمور الدين والدنيا، وحتى لا يبقى في قلوبهم حرج من حكمه، ودلائل القرآن على هذا الأصل كثيرة .
فكل من امتنع من أهل الشوكة عن الدخول في طاعة الله ورسوله فقد حارب الله ورسوله، ومن عمل في الأرض بغير كتاب الله ورسوله فقد سعى في الأرض فساداً ..ا- هـ.
وقال 28/524: ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ اتباع غير دين الإسلام، واتباع شريعة غير شريعة محمد  فهو كافر .. ا- هـ.
وقال .. وقال .. وقال .. ولو جمعت لهم جميع ما قال وقاله أهل العلم لأولوه لك وصرفوه عن دلالاته .. نصرة لطواغيت الحكم المبدلين، والمشرعين، والمحاربين لشرع الله  ، الحاكمين بشرائع الطواغيت .. ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور  ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ـ المسألة الثالثة: ماذا يُقصد بـ " الاستحلال " .. ومتى يُشترط .. ومتى لا يُشترط كي يُحكم على فاعل الذنب بأنه كافر ؟؟
وهل حكم الحاكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام يقتضي أنه مستحل لذلك .. وإن زعم بلسانه أنه غير مستحل ؟!
وهل الإقامة على الذنب مكفراً كان أو غير مكفرٍ تعني الاستحلال .. نرجو التفصيل والبيان، فقد أشكل علينا الأمر بارك الله فيكم، وسدد أقوالكم ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . المراد من الاستحلال .. استحلال فعل ما حرم الله من المحظورات، أو استحلال ترك ما أوجب الله تعالى من الفرائض والشعائر .. فمن وقع في هذا النوع من الاستحلال يكفر باتفاق أهل العلم.
أما متى يُشترط .. فإنه يُشترط عندما يُراد تكفير صاحب الذنب الذي هو دون الكفر والشرك ؛ كأن يقال من شرب الخمر لا يكفر إلا إذا استحله، وكذلك لو سرق أو زنى ..
ومتى لا يُشترط .. عندما يراد تكفير صاحب الذنب الذي يرقى ذنبه درجة الكفر والشرك، فيقال حينئذٍ لا يُشترط الاستحلال لتكفير صاحب هذا الذنب؛ لأن الكفر أو الشرك كفر مستقل لذاته لا يُشترط لتكفير صاحبه أن يأتي بالاستحلال .. فهو كافر مشرك سواء فعله على وجه الاستحلال أم لا .
أما سؤالك: هل الحاكم بغير ما أنزل الله في التشريع العام يقتضي أنه مستحل لذلك .. ؟
أقول: إن كان مرادك أنه لا يحكم بما أنزل الله على الإطلاق .. أو أنه يقوم بطاعة الطواغيت في جميع ما يشرعون ويحكم بذلك .. أو أنه يحكم بتشريع شرعه من عند نفسه وجعل منه دستوراً يتبع .. أقول إن كان مرادك هذه الأحوال، نعم فهو مستحل للحكم بغير ما أنزل الله وإن زعم بلسانه خلاف ذلك .. فواقع عمله يكذبه وهو أصدق.


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:39 am

أما سؤالك: هل الإقامة على الذنب مكفر كان أو غير مكفر تعني الاستحلال ..؟
أقول: الإقامة على الذنب لا يستلزم بالضرورة أن يكون صاحبه مستحلاً للذنب، لكن يخشى عليه مع الزمن والإدمان على الذنب أن يقع بالاستحلال والتزيين للذنب .. فالصغائر بريد إلى الكبائر، والكبائر بريد إلى الكفر والشرك والعياذ بالله .
فتأمل قوله :" مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن " وقال :" لا يدخل الجنة مدمن خمر " نسأل الله تعالى السلامة والعفو والعافية.
ـ المسألة الرابعة: معلوم لديكم حفظكم الله أن الآية الكريمة  ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون  نزلت في كفار أهل الكتاب، وأنها تشمل غيرهم ممن يجحد حكم الله  .. فما المقصود بـ " جحد حكم الله " .. بينوا لنا الأمر، وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . الجحود يعني: التكذيب والرد والإنكار، وهو ثلاثة أنواع كلها مكفرة تخرج صاحبها من الملة .
جحود ظاهر دون الباطن: كجحود اليهود لنبوة النبي  مع علمهم وإقرارهم في باطنهم أنه نبي مرسل وأنه حق كما قال تعالى عنهم: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً
وعلواً .
وجحود باطن دون الظاهر: كجحود المنافقين .. حيث يظهرون التصديق ويبطنون التكذيب والجحود .. وهؤلاء كذلك لا شك ولا خلاف في كفرهم.
وجحود باطن وظاهر: وهذا صاحبه يكون كفره مركب ومغلظ والعياذ بالله ..!
والشاهد مما تقدم: أن جميع أنواع الجحود هي كفر أكبر، وأيما امرئٍ يقع في أي نوع من أنواع الجحود الآنفة الذكر يكفر ويخرج من الملة .. والله تعالى أعلم.
ـ المسألة الخامسة: عن البراء بن عازب  قال:" مر بي خالي أبو بردة ومعه لواء، فقلت: أين تريد ؟ قال: بعثني رسول الله  إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه " رواه الترمذي، ومن رواية أبي داود بزيادة:" أضرب عنقه وآخذ ماله "، وأحمد، وعنده:" فما سألوه ولا كلموه ".
قال ابن القيم: وذكر النسائي في سننه من حديث عبد الله بن أدريس حدثنا بن أبي كريمة عن معاوية بن قرة، عن أبيه أن رسول الله  بعث أباه جد معاوية إلى رجل عرس بامرأة أبيه فضرب عنقه وخمس ماله ا- هـ.
السؤال: كيف نجمع بين هذين الحديثين وألفاظهما خاصة " فضرب عنقه وخمس ماله " ومذاهب العلماء فيهما، مع ما تقرر من أن معتقد أهل السنة والجماعة وسط بين الخوارج والمرجئة؛ فلا يكفرون أهل الكبائر غير المكفرة ما لم يستحلوا، ومنها نكاح الرجل لامرأة أبيه .. وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . اعلم أن وقوع الرجل على امرأة أبيه على وجه الزنى كبيرة من الكبائر .. لا يرقى بصاحبه إلى درجة الكفر البواح، ولا أعرف أحداً من أهل العلم المعتبرين من قال بكفره .. ولكن الذي فعله هذا الرجل الذي أمر النبي  بقتله وتخميس ماله أنه كان قد عقد الزواج على امرأة أبيه، وأعرس بها على أنها زوجته وحلاله .. وهذا عين الاستحلال الذي يكفر صاحبه وإن لم يصرح بفيه أنه يستحل ذلك، أو يعتقد حله في قلبه .. ففعله يدل على ذلك .. وأصدق تعبيراً من لسانه .. لذلك أمر النبي  بقتله وتخميس ماله على أنه كافر مرتد.
وقوله:" فما سألوه ولا كلموه " لأن فعله أصرح دلالة على الاستحلال من تعبير اللسان فلا حاجة أن يستنطقوه: هل أنت تستحل ذلك من قلبك أم لا .. ؟!
وفيه أن العمل أحياناً يكفي قرينة ودليلاً على استحلال المرء للمعاصي .. فيحكم عليه بناء على هذه القرائن العملية الدالة على الاستحلال .. بالكفر والردة .
وفيه كذلك رد على أولئك الملوثين بشبهات الإرجاء الذين قسموا الاستحلال إلى استحلالين: استحلال للمعاصي ـ بل للكفر ـ ظاهر على الجوارح لا يكفِّر، واستحلال باطن قلبي يكفّر، وحتى يكون المرء مستحلاً للذنب ـ بل وللكفر ـ في قلبه لا بد من أن يأتي بالتعبير اللساني الذي يدل على استحلال القلب للمعصية .. وما سوى ذلك لا يكون مستحلاً !
وعليه فأقول: أي امرئ يفعل ما فعله ذلك الرجل؛ فيعقد زواجاً على امرأة أبيه .. فإننا نحكم عليه بالكفر والردة، من جهة استحلاله لما حرم الله، ومن دون أن نستنطقه عما وقر في قلبه من اعتقاد أو استحلال .. ويقتل ردة على ذلك .. فإن قال بلسانه أنه لم يكن مستحلاً لنكاح امرأة أبيه في قلبه لا يُصدق؛ لأن لسان حاله وواقعه أصدق بياناً من لسان فمه .. والله تعالى أعلم.
ـ المسألة السادسة: متى يكون تحليل الحرام وتحريم الحلال كفراً .. وصاحبه يكون كافراً ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. من حلل الحرام المجمع عليه، أو حرم الحلال المجمع عليه ـ من غير مانع شرعي معتبر ـ فهو كافر مرتد .. لتضمنه تكذيب الشارع فيما قد حلل أو حرم، وجحود ما أنزل الله من دين، ولكونه كذلك جعل من نفسه وهواه مصدراً من مصادر التشريع، والتحليل والتحريم ..!!
قال ابن تيمية في الفتاوى 11/405: من جحد وجوب بعض الواجبات الظاهرة المتواترة كالصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، وحج البيت العتيق، أو جحد تحريم بعض المحرمات الظاهرة المتواترة كالفواحش والظلم، والخمر والميسر والزنا وغير ذلك. أو جحد بعض المباحات الظاهرة المتواترة كالخبز، واللحم، والنكاح فهو كافر مرتد يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإن أضمر ذلك كان زنديقاً منافقاً، لا يستتاب عند أكثر العلماء، بل يقتل بلا استتابة إذا ظهر ذلك منه .. ا- هـ.
وقال 3/267: والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كفراً مرتداً باتفاق الفقهاء .. ا- هـ.
وقال في كتابه القيم " رفع الملام ": فإن من نشأ ببادية أو كان حديث عهد بإسلام، وفعل شيئاً من المحرمات غير عالم بتحريمها، لم يأثم، ولم يحدّ، وإن لم يستند في استحلاله إلى دليل شرعي.
فمن لم يبلغه الحديث المحرم، واستند في الإباحة إلى دليل شرعي، أولى أن يكون معذورا .. ا- هـ.
ـ المسألة السابعة: يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة: إذا عرفوا أي المطاعون أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار، وإلا كانوا جهالاً .. ما هو قصد شيخ الإسلام بكلمة استحلوا؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. من صيغ الحكم بغير ما أنزل الله نوع لا يكفر صاحبه إلا إذا كان مستحلاً له؛ وهو الذي يحكم بغير ما أنزل الله في مسألة أبو بعض المسائل، لهوى أو ضعف .. مع اعترافه بالذنب والخطأ، والجرم .. فهذا لا يكفر إلا إذا مارس فعله على وجه الاستحلال أو التكذيب، أو الجحود .. هذا الذي يريده شيخ الإسلام من كلامه الآنف الذكر.
والاستحلال منه ما يكون تعبيراً صريحاً باللسان، ومنه ما يكون تعبيراً صريحاً بالعمل ولسان الحال .. وكلاهما معتبران عند الحكم على الحاكم بأنه مستحل للحكم بغير ما أنزل الله أم لا .. والله تعالى أعلم.
ـ المسألة الثامنة: ألا ترى أن استسهال الزاني للمعصية حتى يعتبرها حقاً من حقوقه أو حتى استسهال الحكم بغير ما أنزل الله يحتاج إلى إقرار الحاكم بلسانه .. إذ لو أني تخيلت نفسي قاضياً لن أحكم على أحد بالردة حتى يقول مثل هذا القول، وسأبتعد عن الحكم بكفره إذا لم يقل شيئاً من هذا القبيل، حتى لو علمت أن هذا في قلبه ..!
ألا ترى أننا لو صنفنا الناس إلى مستسهل ومستحسن وأواب إلى الحق .. سندخل إلى تصنيف ما في القلوب التي الله أعلم بحالها، ونترك الظاهر الذي بين لنا خروجه عن الملة أم لا ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أقول لا يُشترط دائماً للتكفير أو لكي تحكم على معين بالكفر أن يقر لك بالاستحلال بعظمة لسانه .. أو يقول لك صراحة: أنه كافر بالله .. ومكذب لشرع الله .. فهذا قل من يقدم عليه من الزنادقة والمرتدين .. حيث ترى أحدهم يمارس الكفر البواح من أوسع أبوابه .. وبنفس الوقت تراه يقبل منك كل اتهام سوى أن ترميه بالكفر فلا يقبله منك ..!
وقد ثبت في السنة ما يدل على أن من المجرمين من يؤخذون بذنوبهم من دون أن يُقرروا بألسنتهم أو حتى يُستتابوا، كما في الحديث الذي أمر فيه النبي  بأن يُقتل الرجل الذي أعرس بزوجة أبيه .. وان يُخمس ماله .. من دون أن يسأله عن فعله هل هو فعله على وجه الاستحلال أم لا .. وذلك أن عمله أصدق حالاً وتعبيراً عن كفره من عظمة لسانه ..!
وكذلك حكم الزنديق فالراجح فيه أنه يُقتل من دون أن يُستتاب؛ لأنه لو سُئل لأنكر وجحد بلسانه ما دل عليه عمله وواقع حاله من الكفر البواح .. وبذلك عُد زنديقاً .. ولذلك ذهب أكثر أهل العلم على القول بقتله من دون أن يُستتاب أو حتى يُسأل .. لأن الاستتابة تكون من شيء .. وهذا لا يعترف لك بشيء .. ولو أقمت على كفره البينة القاطعة لجادلك على أنه مسلم .. وأول المسلمين .. ولا يسمح لأحد أن يُزاود عليه .. وما أكثر هؤلاء في زماننا!!







ـ كلمات مختارة لسيد قطب رحمه الله في الطاعة والتشريع.
قبل أن نختم الحديث عن هذه القاعدة نؤثر أن نختمها بكلمات طيبات لسيد قطب رحمه الله تتعلق بموضوع ومسائل القاعدة أعلاه، فقال: قال تعالى: فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بقرة:213.
إن الإسلام يضع الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه.. يضع هذا الكتاب قاعدة للحياة البشرية. ثم تمضي الحياة فإما اتفقت مع هذه القاعدة وظلت قائمة عليها فهذا هو الحق، وإما خرجت عنها وقامت على قواعد أخرى فهذا هو الباطل، هذا هو الباطل ولو ارتضاه الناس جميعاً في فترة من فترات التاريخ، فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل، وليس الذي يقرره الناس هو الحق، وليس الذي يقرره الناس هو الدين، إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء وقولهم لشيء، وإقامة حياتهم على شيء، لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للكتاب ولا تجعله أصلاً من أصول الدين، ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين، ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه ..
ومجرد الاعتراف بشرعية منهج أو وضع أو حكم من صنع غير الله هو بذاته خروج من دائرة الإسلام لله، فالإسلام لله هو توحيد الدنيوية له دون سواه ..
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ. َكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ آل عمران:101 .
وأرانا نتلقى نظام حياتنا وشرائعنا وقوانينا من تلك المصادر المدخولة، أرانا نتلقى قواعد سلوكنا وآدابنا وأخلاقنا من ذلك المستنقع الآسن الذي انتهت إليه الحضارة المادية المجردة من روح الدين، أي دين، ثم نزعم ـ والله ـ أننا مسلمون! وهو زعم إثمه أثقل من إثم الكفر الصريح. فنحن نشهد على الإسلام بالفشل والمسخ حيث لا يشهد عليه هذه الشهادة الآثمة من لا يزعمون مثلنا أنهم مسلمون!
إن الله سبحانه لا يقبل من الفرد المسلم، ولا من المجتمع المسلم أن يجعل لحياته مناهج متعددة المصادر: منهجاً للحياة الشخصية وللشعائر والعبادات والأخلاق والآداب مستمداً من كتاب الله، ومنهجاً للمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدولية مستمداً من كتاب أحد آخر، أو من أي تفكير بشري على الإطلاق، وإلا فلا إيمان أصلاً ولا إسلام، ولا إيمان ابتداء ولا إسلام؛ لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد الإيمان ولم يعترفوا بعد بأركان الإسلام، وفي أولها شهادة لا إله إلا الله التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله، ولا مشرع إلا الله ..
والإسلام منهج للحياة كلها، من اتبعه فهو مؤمن وفي دين الله، ومن اتبع غيره ولو في حكم واحد[ ] فقد رفض الإيمان، واعتدى على ألوهية الله، وخرج من دين الله مهما أعلن أنه يحترم العقيدة وأنه مسلم، فاتباعه شريعة غير شريعة الله يكذب زعمه ويدفعه بالخروج من دين الله ..
وأعجب العجب أن ناساً من الناس يزعمون أنهم مسلمون يأخذون في منهج الحياة
البشرية عن فلان وفلان الذين يقول عنهم سبحانه إنهم عمي، ثم يظلون يزعمون بعد ذلك أنهم مسلمون!
قال تعالى: أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى الرعد:
19. فإنه لا ينبغي لمسلم يزعم أنه يؤمن بالله وبرسوله، ويؤمن بأن هذا القرآن وحي من عند الله، لا ينبغي لمسلم يزعم هذا الزعم أن يتلقى في شأن من شؤون الحياة عن أعمى، وخاصة إذا كان هذا الشأن متعلقاًَ بالنظام الذي يحكم حياة الإنسان، أو بالقيم والموازين التي تقوم عليها حياته .. فإنه لا ينبغي قط لمسلم يعرف هدى الله، ويعرف هذا الحق الذي جاء به رسول الله، أن يقعد مقعد التلميذ من أي إنسان لم يستجب لهذا الهدي ولم يعلم أنه الحق ..
وأظهر خصائص الألوهية بالقياس إلى البشرية، تعبيد العبيد والتشريع لهم في حياتهم، وإقامة الموازين لهم، فمن ادعى لنفسه شيئاً من هذا كله فقد أدعى لنفسه أظهر خصائص الألوهية، وأقام نفسه للناس إلهاً من دون الله ..
عندما يدعي عبد من العبيد أن له على الناس حق الطاعة لذاته[ ]، وأن له فيهم حق التشريع لذاته، وأن له كذلك حق إقامة القيم والموازين لذاته. فهذا هو ادعاء الألوهية ولو لم يقل كما قال فرعون: أنا ربكم الأعلى ، والإقرار به هو الشرك بالله أو الكفر به، وهو الفساد في الأرض أقبح الفساد ..
فأيما بشر ادعى لنفسه سلطان التشريع للناس من عند نفسه فقد ادعى الألوهية
اختصاصاً وعملاً، سواء ادعاها قولاً أم لم يعلن عن هذا الادعاء. وأيما بشر آخر اعترف لذلك البشر بذلك الحق فقد اعترف له بحق الألوهية سواء سماها باسمها أم لم يسمها ..
إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله كاملة فهم في نطاق الإيمان .. وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى ما لم يأذن به الله، فهم الكافرون، والظالمون، والفاسقون.
وإن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون وإلا فما هم بالمؤمنين .. ولا وسط بين هذا الطريق وذاك ولا حجة ولا معذرة ولا احتجاج بمصلحة ..
وليس لأحد من عباده أن يقول إنني أرفض شريعة الله، أو إنني أبصر بمصلحة الخلق من الله، فإن قالها ـ بلسان أو بفعل ـ فقد خرج من نطاق الإيمان. فما يمكن أن يجتمع الإيمان وعدم تحكيم شريعة الله، أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة ..
والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم  مؤمنون  ثم هم لا يحكمون شريعة الله في حياتهم، أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم، إنما يدعون، إنما يدعون دعوى كاذبة، وإنما يصدمون بهذا النص القاطع  وما أولئك بالمؤمنين [ ].
فمن شاء أن يقول: إن البشرية في طور من أطوارها لا تجد في هذا الكتاب حاجتها فليقل، ولكن فليقل معه إنه ـ و العياذ بالله ـ كافر بهذا الدين مكذب بقول رب العالمين.
وهكذا تتبين القضية بقول الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُم  المائدة:41.
وهكذا تتبين القضية .. إله واحد، ومالك واحد .. إذن فحاكم واحد ومشرع واحد، ومصرف واحد .. وإذن فشريعة واحدة، ومنهج واحد وقانون واحد .. وإذن فطاعة واتباع وحكم بما أنزل الله، فهو إيمان وإسلام، أو معصية وحكم بغير ما أنزل الله فهو كفر وظلم وفسوق ..
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة ويستبدل بها شريعة الجاهلية وحكم الجاهلية، ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله وفوق شريعة الله؟!
ما الذي يستطيع أن يقوله وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين! الظروف؟! الملابسات؟! عدم رغبة الناس؟! الخوف من الأعداء؟! ألم يكن هذا كله في علم الله وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟
قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والأحوال المتقلبة؟! ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد ويحذر هذا التحذير؟!
يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء، ولكن المسلم أو من يدعون الإسلام ما الذي يقولونه في هذا كله، ثم يبقون على شيء من الإسلام، أو يبقى لهم شيء من الإسلام .. إنه مفرق الطريق الذي لا جدوى عنده من الاختيار، ولا فائدة من المماحكة عنده ولا الجدال .. إما إسلام وإما جاهلية، إما إيمان وإما كفر، إما حكم الله وإما حكم الجاهلية.
ولا يكفي إذن أن يتخذ البشر لأنفسهم شرائع تشابه شريعة الله أو حتى شريعة الله نفسها بنصها إذا هم نسبوها لأنفسهم ووضعوا عليها شاراتهم، ولم يردوها لله ولم يطبقوها باسم الله إذعاناً لسلطانه واعترافاً بألوهيته وبتفرده بهذه الألوهية، التفرد الذي يحرر العباد من حق السلطان والحاكمية إلا تطبيقاً لشريعة الله وتقريراً لسلطانه في الأرض[ ].


يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي   كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:42 am

فمعنى الاستسلام لشريعة الله هو ـ قبل كل شيء ـ رفض الاعتراف لغير الله بألوهية وربوبية وقوامة وسلطان..
ويستوي أن يكون الاستسلام أو الرفض باللسان أو بالفعل[ ] دون القول، وهي من ثم قضية كفر أو إيمان، وجاهلية أو إسلام.. ومن هنا يجيء هذا النص: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.. الظالمون .. الفاسقون.
إن هناك في جميع أنحاء الأرض، في جميع الأزمنة والأعصار، قاعدتين اثنتين لنظام الحياة .. قاعدتين اثنتين لتصور الحياة: قاعدة تفرد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان، ومن ثم يقوم عليها نظام للحياة يتجرد فيه البشر من خصائص الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان، ويعترفون بها لله وحده، فيتلقون منه التصور الاعتقادي، والقيم الإنسانية والإجتماعية، والأخلاقية، والمناهج الأساسية للحياة الواقعية، والشرائع والقوانين التي تحكم هذه الحياة، ولا يتلقونها من أحد سواه، وبذلك يشهدون أن لا إله إلا الله.
وقاعدة ترفض ألوهية الله سبحانه وربوبيته وقوامته وسلطانه .. إما في الوجود كله ـ بإنكار وجوده ـ وإما في شؤون الأرض وحياة الناس، وفي نظام المجتمع وفي شرائعه وقوانينه، فتدعي أن لأحد من البشر: فرداً أو جماعة، هيئة أو طبقة، أن يزاول ـ من دون الله أو مع الله ـ خصائص الألوهية والربوبية والقوامة والسلطان في حياة الناس، وبذلك لا يكون الناس الذين تقوم حياتهم على هذه القاعدة قد شهدوا أن لا إله إلا الله[ ].
هذه قاعدة، وتلك قاعدة، وهما لا تلتقيان؛ لأن إحداهما هي " الجاهلية " والأخرى هي "الإسلام". بغض النظر عن الأشكال المختلفة، والأوضاع المتعددة والأسماء المتنوعة التي يطلقها الناس على جاهليتهم، يسمونها حكم الفرد، أو حكم الشعب، يسمونها شيوعية أو رأسمالية، يسمونها ديمقراطية أو ديكتاتورية، يسمونها أوتوقراطية أو ثيوقراطية!! لا عبرة بهذه التسميات ولا بتلك الأشكال؛ لأنها جميعها تلتقي في القاعدة الأساسية قاعدة عبادة البشر للبشر، ورفض ألوهية الله سبحانه وربوبيته وقوامته وسلطانه متفرداً في حياة البشر. فلا عبرة بتغير الأشكال وتنوع الأسماء، إذا اتحدت القاعدة التي تقوم عليها الأشكال والأسماء.
إن العبرة في اعتبار أي نظام ـ أو عدم اعتباره ـ إسلامياً، هو الجهة التي يصدر عنها هذا النظام، فإن كان صادراً عن الله سبحانه فهو إسلامي، والإسلام هو الدين السائد يومذاك. وإن كان صادراً عن غير الله، فهو جاهلي والجاهلية هي السائدة يومذاك .. وهذا هو مفرق الطريق بين الجاهلية والإسلام، في كل وضع وفي كل نظام دون دخول في جزئيات وتفصيلات هذا النظام[ ]ا- هـ.


يتبع

للكتاب بقية

اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الحادية عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثالثة عشر للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: