| كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:02 am | |
| الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام
عبد المنعم مصطفى حليمة " أبو بصير الطرطوسي " إهـداء إلى ضحايا ظلم وعنف الرجال من نسائنا .. وما أكثرهنَّ! إلى النّساء اللاتي يُعتَدَى على حقوقِهنَّ باسم الشَّريعة ـ بخاصة منهنَّ اللاتي يَعِشْنَ في البلاد العربية والأسوية ـ والشريعة من ذلك براء ..! إلى التي تُغْلَب على حقها الشرعي .. تغليباً لحكم العادات والتقاليد! إلى التي يخونها التعبير الصحيح في الدفاع عن نفسها وحقوقها .. فلا تأخذ حقها إلا وهي تُتَعْتِع .. وفي كثير من الأحيان تخونها الحجة أو المعلومة فلا تحصل على شيء من حقوقها .. وبدلاً من أن تكون صاحبة حقٍّ تُصبح محقوقةً، ومُلزمة بتسديد فاتورة تعجز عنها خزائن قارون! إلى المرأة التي لا تجد الجهة القضائية التي تُنصِفها، فتبقى مُعضَلةً معلَّقةً طيلة حياتها! إلى الرجل الذي لا يفقه من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله ـ فيما يتعلق بالحقوق والحياة الزوجية ـ سوى هذه الكلمة من قوله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ النساء:34. فيضعها في غير موضعها، ويُسيء إليها أيما إساءة! إلى الرجل الذي يفقه الحياة الزوجية عبارة عن استعباد واسترقاق وإذلال لشريكة عمره، وأمّ أولاده ..! إلى هؤلاء الذين ينسون الفضل بينهم؛ فلا يمسكون بإحسانٍ، ولا يُسرّحون بإحسان .. فتغلبهم الأنفسُ الشُّح على الإضرار، والظلم والعدوان! إلى هؤلاء ـ سواء منهم الرجال أم النساء ـ الذين لا يرون من الحياة الزوجية إلا حظوظهم، وحقوقهم .. ضارببين عرض الحائط حقوق الطرف الآخر عليهم! إلى هؤلاء جميعاً أهدي كتابي هذا نصرة للمظلوم على الظالم، وحقٌّ له أن يُنصَر .. ثم عساه أن يكون للجميع سبب هداية ورشاد، والله تعالى يهدي من يشاء. " أبو بصير الطرطوسي "
ـ مقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ آل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب:70-71. أما بعد: فإن أصدَقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ ، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثَةٍ بدعة، وكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار. الذي حملني على كتابة هذا البحث جملة من الأمور: منها: كثرة مراجعة الناس لي حول مشاكل الزواج والطلاق .. فهي ـ عما يبدو ـ مشاكل مستمرة ومتجدّدة مع تتجدد حصول كل زواج أو طلاق، تُلامس واقع وحياة الناس، لا يمكن التغاضي عنها أو إهمالها .. فمادام الزواج والطلاق قائمين ومستمرين إلى قيام الساعة، فهذا يعني أن مشاكل الزواج والطلاق مستمرة استمرار وجود الزواج والطلاق وإلى قيام الساعة .. وهي متجددة من حيث الكم والنوع .. بالتالي فهي تحتاج إلى نظَرٍ وحلٍّ وعلاج يواكب تنوع وتجدد المشاكل! ومنها: إشاعة الظلم، وبخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة .. وفي كثير من الأحيان يحصل هذا الظلم باسم الشريعة الإسلامية، والشريعة من ذلك براء! ومنها: غياب المحاكم والمرجعيات الفاعلة العادلة التي تحكم بشرع الله تعالى فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ومشاكل الحياة الزوجية .. والموجود منها في كثير من الأحيان يحكمون بحكم الهوى والجاهلية .. والعادات والتقاليد .. ويُسيئون إلى الشريعة باسم الشريعة .. ولعل ذلك يكون مقصوداً ومتعمّداً من قِبل الطغاة الحاكمين؛ ليقولوا للناس في النهاية: انظروا حتى في الأحوال الشخصية ـ مسائل الزواج والطلاق ومتعلقاتها ـ لا تصلح شريعة الإسلام أن تكون حكَماً بين الناس .. وبالتالي لا بد من أن تلتمسوا حقوقكم والحل لمشاكلكم عن طريق القوانين والمحاكم الوضعية! ومنها: تغليب العادات والتقاليد ـ في كثير من المجتمعات والحالات ـ على حكم الشريعة .. وفي كثير من الأحيان تكون لهذه العادات والتقاليد من القدسية والهالة في أعين الناس ما ليس لحكم الله تعالى! ومنها: غياب البحث الشرعي المستقل ـ بحسب علمي ـ المنضبط بضوابط الكتاب والسنة، بعيداً عن تعقيدات الخلافات المذهبية والفقهية .. الذي يتناول مسائل الزواج والطلاق ومتعلقاتها بطريقة سهلة ومبسّطة .. وبشكل نقاط متسلسلة .. يبدأ من مرحلة ما قبل الخطوبة .. إلى مرحلة الحضانة وما بعدها .. والذي يتضمن حلاً وجواباً لكثير من المشاكل الواقعية والمستجدة التي تواجه الأزواج في حياتهم الزوجية .. والذي يسهل على الأزواج ـ على اختلاف مستوياتهم العلمية والثقافيّة ـ مراجعته وفهمه، والوقوف عليه. هذه الأوجه مجتمعة هي التي حملتني على الشروع في كتابة هذا البحث، الذي أسميته " الزَّواجُ والطلاقُ في الإسلام، مسائل وأحكام "، وأن أعطيه الأولوية ـ على ما بين يدي من أعمال ـ راجياً من الله تعالى العون والسداد والقبول .. وأن يجعل من عملي هذا مفتاح خير مغلاق شرٍّ .. وأن يكون سبب هداية ورشاد لكثير من العباد .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ وجوب رد المنازعات إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله . يجب على المسلمين رد منازعاتهم وخصوماتهم ـ بما في ذلك الخصومات والمنازعات التي تحصل بين الأزواج ـ إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً النساء:59. دلت الآية على جملة من الأمور: منها: وجوب رد المنازعات والخصومات إلى الله تعالى وإلى رسوله ؛ ويكون ذلك بالرد إلى الكتاب والسنة. ومنها: أن الكتاب والسنة فيهما حلّ لكل نزاع يقع بين المؤمنين؛ إذ حاشى الخالق أن يأمر عباده برد منازعاتهم وخصوماتهم إلى الكتاب والسنة، ثم لا يجدون في الكتاب والسنة حلا لمنازعاتهم وخصوماتهم. ومنها: أن هذا الرد ـ ومن ثم الرضى والتسليم بما قضى به كتاب الله تعالى وقضت به السنة ـ شرط لصحة الإيمان بالله واليوم الآخر، لا يصح الإيمان إلا به، أفاد هذا المعنى قوله تعالى: إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ . وهذا الشرط دلت عليه نصوص عدة، منها قوله تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً النساء:65. وقوله تعالى: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ آل عمران:31. فعلى قدر المتابعة للنبي ولسنته تتحقق المحبة؛ فالمتابعة والمحبة كل منهما لازم وملزوم للآخر، وعلامة دالة عليه، ينتفي أحدهما بانتفاء الآخر، ويوجد بوجود الآخر. وقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ إلى أمر غيره أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أي شرك وكفر أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ النور:63. وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50. وغيرها كثير من النصوص الدالة على المعنى الوارد أعلاه. ـ المنهج في الترجيح والاستدلال: كثير من مسائل الزواج والطلاق، ومتعلقاتها .. يوجد فيها أقوال عدة ومتباينة لأهل العلم .. وهي متفاوتة فيما بينها من حيث القوة والضعف، ومن حيث موافقة النص أو البعد عنه .. وبالتالي ليس من الأمانة والتقوى أن يُتعامَل معها بانتقائية وهوى؛ بحيث كل طرف من أطراف النزاع تراه يبحث عن القول ـ من أقوالهم ـ الذي يتحقق فيه مبتغاه أو فيه نصرة لنفسه وهواه .. بغض النظر عن مدى صحة هذا القول أو ضعفه، ومدى موافقته لأدلة الكتاب والسنة أو مخالفته .. ليقول في النهاية: أنا معي العالم فلان وفلان .. ودليلي هو قول العالم فلان .. فهذا منهج خاطئ، إن تمكن من صاحبه قد يوبقه، ويوقعه في الظلم، والعدوان، ومن قبل قِيل: من تتبع زلات أهل العلم فقد تزندق! والمنهج الحق في هذا الأمر: يتحقق في الميل مع القول الموافق للدليل من الكتاب والسنة حيثما مال، وحيثما وجد .. ويكون أكثر قرباً لمراد ومقاصد النص من غيره .. وإن كان في ذلك مخالفة لأهواء ورغبات المتنازعين .. فالنفس وحظوظها تبع للنص؛ خاضعة له، منقادة إليه .. ولا يجوز أن يكون العكس .. والأدلة التي سقناها على وجوب رد المنازعات إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله أعلاه .. كافية للتدليل على صحة هذا المنهج في الاستدلال والترجيح بين الأقوال. ومما يُقال في هذا الصدد أيضاً: أن من الباحثين المعاصرين مَن يملك قدرات فائقة على تشويش القارئ، بينما لا يملك قدرة على الترجيح، ومن ثم التعليل والبرهنة على صحة ترجيحه .. إذ ترى أحدهم ينثر الأقوال المختلفة والمتباينة في المسألة الواحدة نثراً .. ويسوّد في ذلك عشرات الصفحات .. من دون أن يراجح بينها، وبين أدلتها، ليقول ـ في النهاية ـ للقارئ: ها أنذا قد أتيتك بأقوال أهل العلم، وفرشتها أمامك فرشاً، فاحذر أي الأقوال منها أقرب للحق والصواب .. فالتزمه وخذ به .. فأنت ونصيبك وما تختاره .. فيزيد القارئ تشوشاً واضطراباً أكثر مما كان عليه قبل أن يقرأ بحثَه .. وهؤلاء لعمر الحق ليسوا بباحثين وإنما هم قمَّاشون؛ كحاطب ليل! ـ ظاهرة لا تليق بالمؤمنين. إذ أن من الأزواج من تراه يحتكم ـ ويُطالب بالتحاكم ـ إلى شرع الله تعالى على قدر ما يتحقق له من مصالح وحظوظ مادية وشخصية .. فإن انتفت تلك المصالح والحظوظ .. أعرض ونأى بجانبه .. وطالب بالتحاكم إلى القوانين والمحاكم الوضعية عساه يجد فيها من المصالح والمكاسب والحظوظ لنفسه ما لم يجده في شرع الله تعالى .. أو عساه أن يجد فيها منفذاً ومهرباً مما يوجبه عليه شرع الله تعالى نحو الطرف الآخر .. وهذا من خلق المنافقين والعياذ بالله الذين يؤمنون ببعض الكتاب؛ وهو الجانب من الكتاب الذي يرون فيه أنه يحقق لهم بعض مصالحهم .. ويكفرون ببعض الكتاب الآخر؛ وهو الجانب من الكتاب الذي يرون فيه أنه لا يحقق مصالحهم، ولا يستجيب لمطامعهم وحظوظ أنفسهم الباطلة، كما قال تعالى: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ البقرة:85. ـ الحض على الزّاوج. مما تستمر به الحياة، وتعمر به الأرض وتزدان وتزدهر، العمل بسنة الزواج، لذا قد حض الشارع على التزاوج، فقال تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً النساء:3. وقال تعالى: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً النحل:72. وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً الروم:21. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج " متفق عليه. وقال :" تزوجوا الولودَ الودود فإنّي مكاثر بكم الأمم "[ ]. وفي رواية:" فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ". وقال :" تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانيَّة النصارى "[ ]. وقال :" النكاح من سُنَّتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا فإنّي مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ومن كان ذا طَولٍ فليَنكِحْ "[ ]. وعن عائشة رضي الله عنها:" أن رسول الله نهى عن التَّبَتُّلِ "[ ]. والتبتل؛ هو الانقطاع عن الزواج من أجل التعبّد! وعن سعد بن هشام أنه دخل على أم المؤمنين عائشة، قال: قلت إني أريد أن أسألك عن التبتّل، فما ترين فيه؟ قالت: فلا تفعل؛ أما سمعت الله عز وجل يقول: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً الرعد:38. فلا تتبتّل [ ]. وهو ـ أي الزواج ـ واجب على القادر الميسور الذي يخشى على نفسه الفتنة، أما من كان قادراً لكن لا يخشى على نفسه الفتنة؛ فهو بحقه سنة مؤكدة يُندب إليه، إن شاء تزوج وإن شاء ترك، والزواج أفضل له، فإن كان عاجزاً لا يستطيع القيام بواجبات الحياة الزوجية، فحينئذٍ لا يجوز له أن يقتحم غمار الزواج؛ لأنه سيقع في التقصير والحرج والإثم ولا بد، والبديل بحقه ـ إلى أن تتوفر لديه الاستطاعة، إن كان عجزه من جهة الباءة ـ الصوم، كما في الحديث المتفق عليه:" ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ". ـ ما قبل الزواج يتعين حسن الانتقاء والإختيار. الزواج هو الخطوة الأولى لما بعدها؛ إما لحياة سعيدة، وعائلة مثالية، ومجتمع راقٍ متحضر .. وإما لحياة شقية، وعائلة متخلفة تسودها المشاكل والخصومات، ومن ثم مجتمع متخلف تسوده الجريمة والمنكرات؛ فالأسرة هي النواة الأولى للمجتمع، والمجتمع ما هو إلا مجموعة من الأسر والعوائل، إن صلحت صلح المجتمع، وإن فسدت فسد المجتمع وهلك من فيه. للزواج رسالة إنسانية عظيمة بها تعمر الأرض، وتقوم الحضارات .. لا ينبغي ولا يجوز حصرها في قضاء الشهوة .. فقضاء الشهوة ساعة .. وهي وسيلة لغاية .. بينما المسؤوليات الجسام الناجمة عن الزواج لها كل ساعة وساعة .. وهي الغاية .. عليها ينبغي التعويل والاهتمام والتفكير. من هنا حضّ الإسلام كلاًّ من الزوجين على حسن اختيار الشريك؛ فينظر كلٌّ منهما لنفسه الشريك ذا الخلق والدين، الذي يتقي الله ويُحسِن إذا أمسك وعاشر، كما يتقي الله ويُحسِن إذا طلّق وفارق. قال رسولُ الله :" :" تُنكَحُ المرأةُ لأربع: لمالِها، ولحسَبِها، وجمالِها، ولدينها، فاظفَرْ بذاتِ الدين تربت يداك[ ]" متفق عليه. وقال :" الدُّنيا متاعٌ وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصالحة " مسلم. وقال :" تخيَّروا لِنُطَفِكُم، فأنكحوا الأكفاءَ، وأَنكِحوا إليهم "[ ]. الأكفاء من جهة الخلق والدين لكل منهما. وعن عمر، قال: يا رسولَ الله أيُّ المالِ نتخذ؟ فقال:" ليتخذَ أحدُكم قَلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وزوجةً مؤمنةً تُعين أحدَكُم على أمرِ الآخرِة "[ ]. وقال :" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأَنكحوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفساد " قالوا: يا رسولَ الله وإن كان فيه ـ أي من العيوب والصفات المنفرة من غير جهة الرجولة والخلق والدين ـ؟ قال:" إذا جاءكم من ترضون دينَه وخُلُقَه فأنكحوه، ثلاث مرات "[ ]. وقال :" إذا خطَبَ إليكم من ترضون دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ "[ ]. " فتنة في الأرض وفسادٌ عريض "؛ أي واسع الانتشار من جهة فشو ظاهرة العنوسة عند الرجال والنساء سواء .. وقد تحقق من ذلك الشيء الكثير .. ومن جهة تصدير أُسَر متخلّفة وفاسدة للمجتمع تُهلِكه وتغمره بالفساد والجرائم والانحرافات .. وقد تحقق من ذلك الشيء الكثير .. وهذا كله بسبب غياب جانب الخلُق والدين كمقياس للقبول أو الرد .. واستبداله بمقاييس وموازين أخرى، ما أنزل الله بها من سلطان، منها: من أتاكم ترضون غناه .. ومالَه .. ووظيفتَه .. فزوجوه على ما كان منه من خُلقٍ ودين .. وما أكثر الذين يفعلون ذلك، وللأسف .. فتأتي العواقب عليهم بالخسران والندم .. ولات حين مندم! قال رسولُ الله :" إنَّ أحسابَ أهل الدنيا الذي يذهبون إليه: المال "[ ]. هذه أحساب أهل الدنيا، أما أحساب أهل الدنيا والآخرة: الاستقامة، والتقوى، والصلاح، والخلُق الرفيع! يُروى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قولها:" النّكاح رِقٌّ، فلينظر أحدُكم أين يرق كريمته ". وعن بعض السلف:" من زوَّجَ كريمته من فاسقٍ فقد قطَعَ رحمَها ". لأنه لسوء أخلاقه ودينه إما أنه يمنعها عن أهلها، أو يمنع أهلها عنها! فإن قِيل: عبارة " الدين والخلق " عبارة عامة غير محددة المعالم فهلا حددت لنا صفات تكون لنا كحدٍّ أدنى لا نتجاوزها عند قبول أي طرفٍ للطرف الآخر؟ أقول: نعم؛ يجب على البنت ووليها أن يتحققا ويتثبتا من ثلاثة أشياء من دين وأخلاق الرجل الذي يتقدم للخطوبة، وذلك كحدٍّ أدنى: أولها: أن يكون من أهل الصلاة؛ لا يُعرَف عنه ترك الصلاة. ثانيها: أن لا يكون جاسوساً للعدو، أو لا يعمل كجاسوس لصالح الطغاة الكافرين على الإسلام والمسلمين. ثالثاً: أن لا يُعرَف عنه أنه يشتم الله والدين عند الغضبٍ أو لأي سببٍ من الأسباب. هذه ثلاث خصال لا يجوز تجاوزها أو التهاون بها عند قبول طرف للطرف الآخر كشريك وزوج له؛ فكما أن على النساء أن يتحققن لأنفسهنّ ودينهن من هذه الخصال عند الرجال، كذلك على الرجال أن يتحققوا لأنفسهم ودينهم من هذه الصفات عند النساء؛ إذ أن من النساء كذلك ـ وللأسف ـ من يتركن الصلاة، ويعملن كمخبرات وجاسوسات في صفوف وأجهزة الطغاة الكافرين، ومنهن كذلك ـ والعياذ بالله ـ من يشتمن الله والدين عند الغضب ولأتفه سبب .. ومن كان كذلك لا يجوز العقد عليها البتّة، وهذه مسألة سنأتي ـ إن شاء الله ـ للحديث عنها بأدلتها، وبشيء من التفصيل. ـ سُنَّةٌ غائبة. من سُنن النكاح الغائبة سُنة أن يعرض الولي ابنته أو وليته للزواج ممن يرضى دينه وخُلُقَه .. فتواطأ الناس ـ لجهلهم ـ على استهجان هذه السنة واستنكارها .. وكثير منهم عدوها من خوارم المروءة والشرف .. ثم أنهم تعارفوا فيما بينهم على إسلوب انتظر المجهول الغائب .. الذي يتكايس ويتكلف الخلق والدين في فترة الخطوبة .. حتى إذا حصل على مراده، وتمّ الأمر انكشف الغطاء، وظهر المخبوء من سوء الخلق والدين .. ووقع المحظور! والنص قد دلَّ على هذه السنّة المهجورة، قال تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ القصص:27. وهذا عرض تقدم به صالح مدين ولي البنتين إلى نبي الله تعالى موسى على أن يزوجه من إحدى ابنتيه .. وموسى قد قبل منه عرضه ولم ينكر عليه. وقال تعالى: وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ الأحزاب:50. فدل النص أن المرأة يجوز لها أن تهب نفسها ـ عن طريق وليها ـ ابتداءً لمن ترتضي دينه وخُلقه. كما في الحديث، عن أنس بن مالك:" أن امرأةً عرَضت نفسها على النبيِّ ، فضحكت ابنة أنس، فقالت: ما كان أقلَّ حياءها! فقال أنس: هي خير منك؛ عرَضت نفسها على النبيِّ "[ ]. كذلك قد ثبت عن عمر بن الخطاب أنه عرَض ابنته صفية على عثمان بن عفان ، فقال:" أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة؟ فقال: سأنظر في أمري هذا، فلبثت ليالي، ثم لقيني، فقال: قد بدا لي ألا أتزوج يومي هذا. قال عمر فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر؟ فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئاً، وكنتُ أوجَدُ عليه مني على عثمان، ثم خطبها رسولُ الله فأنكحته إياها، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً؟ قال: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليكَ فيما عرضتَ عليَّ، إلا أني كنت علمت أن رسولَ الله قد ذكرها، فلم أكن لأفشِي سرَّ رسول الله ، ولو تركها رسولُ الله قبلتها " البخاري. وكذلك ثبت عن سيدٍ من سادات التابعين العالم الزاهد سعيد من المسيب أنه عرَض تزويج ابنته ـ التي استشرف لخطبتها الخلفاء أبناء الخلفاء ـ على أحد تلامذته الفقراء، ويُدعى كثير بن أبي وداعة .. فما كاد أن يُصدق وابنته هي التي يحتال لخطبتها الخلفاء! هؤلاء هم سادة القوم وكبرائهم .. ومع ذلك كان أحدهم يعرض ابنته على من يرضى دينه وخُلقه، ولا يجد في ذلك حرجاً .. فأين نحن منهم .. ومن سنتهم .. وهديهم .. وطريقتهم؟! قال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ :" فيه عرض الولي ابنته على الرجل؛ وهذه سنة قائمة؛ عرَض صالح مَدين ابنته على صالح بني إسرائيل، وعرض عمر بن الخطاب ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي ؛ فمن الحسن عرض الرجل وليته، والمرأة نفسها على الرجل الصالح، اقتداء بالسلف الصالح "ا- هـ. ـ تنبيه هام: نُبلٌ عظيم .. وخُلُقٌ رفيع .. وجودٌ لا يماثله جود .. أن يعرض الرجل ابنته ـ كريمته وفلذة كبده ـ أو وليَّته للزواج ممن يرضى دينه وخلقه .. لكن على هذا الولي أن يكون شديد الاحتراز في أن يضع هذا الأمر في الموضع الخطأ؛ عند من لا يقدر له قدره .. ولا يشكره .. بل ويكفره، وهو عند أدنى خلاف مع زوجته ـ وأحياناً بلا خلاف ـ يعيرها بأن أباها قد رماها عليه .. وعرضها عليه .. وهو تمنّنا وكرماً قد وافق عليها .. فيجعل ذلك سُبةً يسبها به كلما حلا له إهانتها وشتمها .. وهذا خسيس لئيم وضيع ـ يُسيء لمن بعده من الخطّاب والأزواج ـ لا يستحق مثل هذا الكرم والجود والنبل .. وعلى الآباء أن يحذروه ومن كان على شاكلته أشد الحذر من أن يضعوا كريماتهم عنده .. وعند من يماثله .. وما حملني على كتابة هذا التنبيه سوى أنّي أعلم كثيراً من القصص المخجلة عن هؤلاء الأخسّاء! ـ قد كَثُرَ الخَبَث: نعيش في الزمان الذي فُقدَت فيه الأمانة .. حتى يُقال في بني فلان رجل أمين .. وفشا فيه الكذب والغدر والخيانة .. وكثر الطالحون والطالحات .. والخبيثون والخبيثات .. وقلَّ فيه الطيبون والطيبات .. والمرء ـ سواء كان رجلاً أم امرأة ـ بمفرده قد يعجز عن معرفة هذا الفريق من ذاك، ليُمايز بينهما .. ومن ثم يُحسن الاختيار .. مما يعني أن كثيراً من حالات الزواج يكون من نصيب الصالحة طالحاً .. ومن نصيب الصالح طالحة .. فيترتب على ذلك مشاكل الزواج ومظالمه وآثاره المتنوعة التي نكابدها ونعايشها .. والتي تنتهي في كثير من الأحيان إلى الطلاق، والتفريق بين الزوجين .. وحتى لا يقع ذلك ـ أو نقلل من هذه الظاهرة الخطيرة ما استطعنا ـ ونتمكن من عزل الخبيثين والخبيثات .. عن الطيبين والطيبات .. ولنحقق العمل بقوله تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ النور:26. أنصح أن يكون في كل حي، وفي كل قرية، ومدينة .. أن تتشكل لجان من النساء والرجال الأمناء .. يقومون بمهمة تحديد الصالحين والصالحات، والطيبين والطيبات في مناطقهم .. ومن ثم تحديد الأكفاء من الطرفين ليتبع ذلك مرحلة التعريف فيما بينهما وفق الطرق الشرعية المباحة والصحيحة .. وهذا من التعاون على البر والتقوى، كما قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ المائدة:2. وفي الحديث:" إن الدال على الخير كفاعله "[ ]. يتبع
| |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:03 am | |
| ـ التعريف بحال الخاطِب: من الأمانة والسنة أن يتضافَر الجميع ـ ممن لهم صلة أو معرفة بالخطيبين ـ أن يُعرِّفوا ـ بصدق وإخلاص ـ بحال الخاطب، وبدينه، وأخلاقه، وبمستواه العلمي والثقافي، والاجتماعي، والاقتصادي .. وكذلك بحال المخطوبة .. ليكون كل طرف من طرفي النكاح على بينة من حال ومستوى الطرف المقابل؛ هل هو مناسب ومكافئ له أم لا .. وذلك قبل أن يمضوا عقدَ النكاح .. وقبل أن يقع المحظور والندم؛ ولات حين مندم. ومن حديث فاطمة بنت قيس، قال رسولُ الله :" فإذا حلَلْتِ، فآذنيني "، قالت: فلما حلَلْتُ آذنْتُه، فقال رسول الله :" ومَن خطَبَك؟"، فقلت: معاوية، ورجل آخر من قريش، فقال النبي :" أمَّا معاويةُ؛ فإنه غلامٌ من غلمان قُريش لا شيء له، وأمَّا الآخرُ فإنه صاحبُ شرٍّ لا خير فيه، ولكن أنكحي اسامة بن زيد "، قالت: فكرهته، فقال لها ذلك ثلاث مرات فنكحته[ ]. وفي رواية:" أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاهُ عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن أنكحي أسامة بن زيد "، فكرهته، ثم قال:" أنكحي أسامة بن زيد "، فنكحته، فجعل الله فيه خيراً، واغتَبَطْتُ به[ ]. فعرَّفها النبيُّ بحال من تقدم إليها من الخطاب .. لكي تكون على بينة من أمرها .. ثم نصحها بالأفضل. ـ استئذان البنت أو المرأة في النكاح. إن تقدم الخاطب لخطبة إحدى النساء، لا بد لوليها من استئذانها والتماس رضاها وموافقتها ـ ابتداءً ـ على من تقدَّم لخطبتها، سواء كانت المرأة ثيباً أم بكراً. قال رسولُ الله :" لا تُنكَح الأيم حتى تُستأمَر، ولا تُنكَح البكر حتى تُستأذَن "، قالوا: يا رسولَ الله، وكيف إذنها؟ قال:" أن تسكت " متفق عليه. لأن في السكوت علامة على الرضى، وهو الذي يليق بحيائها .. أما إن كانت غير موافقة فهي أجرأ في التعبير والإفصاح عن رفضها منها على الموافقة[ ]. وقال :" البِكرُ تُستأذَن ". قالت عائشة رضي الله عنها: إن البكر تستحي؟ قال:" إذنها صماتها " البخاري. وقال :" الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تُستأذَن في نفسها؛ وإذنها صماتها " مسلم. وفي رواية:" وصمتها إقرارها ". وقال :" الأيم أولى بأمرها، واليتيمة تُستأمَر، وإذنها في نفسها؛ وإذنها صُماتها "[ ]. وفي رواية:" فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبَت فلا جوازَ عليها ". أي إن أبت لا يمضي عليها عقد النكاح، ولا تُكرَه عليه. قال ابن الأثير في النهاية:" وإن أبَت فلا جوازَ عليها "؛ أي لا ولاية عليها مع الامتناع ا- هـ. قال ابن تيمية في الفتاوى 32/48: فيجوز تزويجها بإذنها، ومنعه بدون إذنها ا- هـ. وعن عدي الكندي، عن النبي قال:" أشيروا على النساء في أنفسهنّ "، فقال: إن البكر تستحي يا رسولَ الله؟ قال: الثيّب تُعرِبُ عن نفسها بلسانها، والبِكر رضاها صماتها "[ ]. وعن خنساء بنت خِدام، أن أباها زوجها وهي ثيّب، فكرهت ذلك، فأتت رسولَ الله فردَّ نِكاحَه[ ]. وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: جاءت فتاة إلى رسول الله فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسِيسَتَه ـ أي دناءته ووضاعته فيجعله بي عزيزاً ـ قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء[ ]. وعن ابن عباس:" أن جاريةً بكراً أتت النبيَّ فذكرت: أنَّ أباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي "[ ]. أي خيرها بين أن تبقي عقد النكاح ـ إن شاءت ـ أو تردَّه، فتفسخه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا أراد أن يزوجَ بنتاً من بناته، جلس إلى خِدرِها، فقال:" إنَّ فلاناً يذكرُ فلانة ـ يسميها، ويُسمي الرجل الذي يذكُرها ـ فإن هي سكتَت؛ زوَّجها، أو إن كرهت نقرَت السِّترَ؛ فإذا نقرَتْه لم يزوجْها "[ ]. فالنبي هو ولي المؤمنين .. وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم .. خيرته للمؤمنين خير ألف ألف مرة من خيرتهم لأنفسهم .. ومع ذلك يستأمر ابنته في زواجها؛ فلا يكرهها على زواج هي لا تُريده ليكون بذلك قدوة للآباء من بعده .. صلوات ربي وسلامه عليه. ثم إن بريرة حين أعتقتها عائشة رضي الله عنها كان زوجها عبداً يُقال له " مُغِيثٌ "، فجعل رسولُ الله يحضها عليه ـ أي يرغبها به وأن تبقى في ذمته ـ فجعلت تقول لرسول الله أليس لي أن أفارقه؟ قال:" بلى "، قالت: قد فارقته[ ]. فكان مغيث بعد ذلك يطوف خلف " بريرة " يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي للعباس:" يا عبَّاس ألا تعجبْ من حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ ومن بغض بريرة مُغِيثاً؟!" فقال لها النبي :" لو راجعتِه فإنه أبو ولدك؟". قالت: يا رسولَ الله أتأمُرني؟ ( وهذا من فقه وأدب بريرة مع رسول الله .. فهي أرادت أن تستجلي طلب رسول الله قبل أن تجيب، فإن كان طلبه على وجه الأمر، فأمر النبي مكانه السمع والطاعة، لا يُرَد .. ولا يُناقَش .. وإن كان على غير وجه الأمر .. فالمسألة بالنسبة لها فيها سعة ). قال :" إنما أنا شَفيعٌ "! قالت: فلا حاجة لي فيه[ ]. وفي ذلك عِظة للآباء .. ومن خلفهم قضاة هذا الزمان .. أن أمر النكاح لا إكراه فيه .. وأن أساسه قائم على الحب والتراضي والتوافق بين الطرفين. قال الشوكاني في نيل الأوطار 6/123: ظاهر أحاديث الباب أن البكر البالغة إذا زُوّجَت بغير إذنها لم يصح العقد، وإليه ذهب الأوزاعي والثوري، والعترة، والحنفية، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم ا- هـ. ـ الرؤية الشرعية: إن تقدَّم الخاطب، وحصلت الموافقة الأولية، تعيّنت رؤية كل من الخاطب والمخطوبة لبعضهما البعض ـ من غير اختلاء ـ قبل العقد، وقبل أن يدخلا قفص الحياة الزوجية. عن أبي هريرة قال: خطَبَ رجلٌ امرأة من الأنصار، فقال له رسولُ الله :" هل نظَرْتَ إليها ؟" قال: لا، فأمره أن ينظرَ إليها[ ]. وعن المغيرة بن شعبة، قال: خطبتُ امرأة على عهد رسولِ الله ، فقال النبي :" أنظَرْتَ إليها؟" قلت: لا، قال:" فانظر إليها فإنه أجْدَرُ أن يُؤدَمَ بينكُما "[ ]. قال الشوكاني في نيل الأوطار: قوله" أن يُؤدَمَ بينكُما "؛ أي تحصل الموافقة والملاءمة بينكما ا- هـ. وقال :" إذا خطَب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها، إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتِه، وإن كانت لا تعلم "[ ]. وصفة الرؤية الشرعية التي بها يزول الالتباس، وتحصل الموافقة والملاءمة بين الطرفين؛ هي الرؤية التي تُحقق العلم عند كل طرف بصفات الطرف الآخر، وهذا قد يستدعي أكثر من لقاء ومجلس ـ من غير اختلاء ـ ينظر كل طرف للآخر ويسمع منه .. إذ في الغالب يتسم اللقاء الأول والثاني بكثير من الحياء، الذي يمنع من تحقيق الرؤية الشرعية الصحيحة .. وعليه لو طالب أحد الطرفين بتكرار اللقاء بالطرف الآخر أكثر من مرة .. وإلى أن تزول عنه جميع الإشكالات والالتباسات حول الطرف الآخر .. ينبغي أن يُلبى طلبه .. لا حرج في ذلك إن شاء الله. لكن عند الرؤية ينبغي مراعاة أمرين: أولهما انتفاء الخلوة، لورود النهي عن اختلاء الرجال بالنساء، فقد صح عن النبي أنه قال:" لا يخلون رجل بامرأةٍ إلا مع محرَم " البخاري. وقال :" ألا لا يخلونَّ رجلٌ بامرأةٍ إلا كان ثالثهما الشيطانُ "[ ]. ثانيهما: أن تكون المرأة بكامل حجابها بحيث لا يُرى منها إلا وجهها وكفيها؛ لأنها في مرحلة الخطوبة التي تتقدم مرحلة العقد .. لا تزال أحكام الأجنبية سارية عليها .. لكن لو استطاع الخاطب أن يرى من خطيبته خلسة ما يستدعي الموافقة على الزواج منها، ومن دون علمها أو تواطئ معها .. لا حرج في ذلك إن شاء الله، فقد صحّ عن النبيّ أنه قال:" إذا خطبَ أحدكم المرأةَ، فإن استطاع أن ينظر منه ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "[ ]. وذلك من دون علمها أو تواطئ معها. ولما أرسل عليٌّ ابنته أم كلثوم إلى عمر لينظر إليها، فإن رضيها فهي زوجته، كشف عمر عن ساقها، فقالت:" لولا أنك أمير المؤمنين لصككتُ عينيك "؛ أي للطمت عينيك .. إنها ابنة أبيها! ـ الحديث مع الخطيبة عبر الهاتف أو المراسلات الالكترونية. الرؤية الشرعية المشار إليها سابقاً تُغني عن المحادثة بين الخطيبين في الهاتف .. لكن إن كان كل من الخطيبين في بلدٍ، والرؤية الشرعية غير محققة أو كانت ناقصة .. ثم وجد ما يمكن إكماله ـ مما هو حق للخطيبين ـ عن طريق الهاتف .. أو المراسلة الالكترونية بينهما .. أرجو أن لا يكون في ذلك حرج، بشرط عدم التوسّع ـ أكثر مما يحتاجه الخطيبان من التعارف في مرحلة الخطوبة ـ وأن يكون ذلك بعلم ورقابة الوالدين، والله تعالى أعلم. ـ خطبة الرجل على خطبة أخيه المسلم. لا يجوز للمسلم أن يخطب على خطبة أخيه المسلم، حتى يترك أو يأذن له، فقد صحّ عن النبي أنه قال:" لا يخطب الرجلُ على خطبة أخيه " مسلم. وقال :" لا يخطبُ أحدُكم على خطبة بعضٍ "[ ]. وقال :" لا يخطب أحدُكُم على خطبة أخيه حتى ينكِحَ أو يترُك "[ ]. وعن عبد الله بن عمر قال: نهى رسولُ الله أن يخطبَ الرجلُ على خطبة الرجل، حتى يتركَ الخاطبُ قبله، أو يأذن له "[ ]. قلت: لما في خطبة المسلم على خطبة أخيه المسلم من إيغار للصدور، ومدعاة للتشاحن والتباغض، والحسد، وتنافر الأنفس .. وهذا يتنافى مع تعاليم الإسلام التي تحض على المودة والإخاء والمحبة فيما بين الإخوان. ـ فَسخ الخطوبة. لا يترتب على فسخ الخطوبة شيء؛ لأن الخطوبة ليست عقداً يحل به النكاح .. فإن دفع الخاطب لخطيبته ـ خلال فترة الخطوبة ـ المهر أو شيئاً منه استرد له؛ لأن المهر من أجل النكاح، والنكاح لم يقع .. وما أعطاه لخطيبته على وجه الإهداء والهبة؛ لا يجوز للخاطب أن يسترد ما وهب، لقوله :" ليس لنا مثل السوء؛ الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه " البخاري. وفي رواية:" العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه " البخاري. وقال :" العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه " مسلم. وقال :" مثل الذي يرجع في صدقته، كمثل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه؛ فيأكله " مسلم. وقال :" لا يحِلُّ لرجل أن يُعطي عطيةً، أو يَهبَ هِبةً فيرجعَ فيها، إلا الوالدَ فيما يُعطي ولده، ومثَلُ الذي يُعطي العطية، ثم يرجع فيها كمثل الكلب يأكل، فإذا شبِع قاء ثم عادَ في قَيئِه "[ ]. لكن إن أبى الواهِبُ إلا أن يركب المحظور ويكون مثله مثل الكلب الذي يقيء ثم يأكل قيئه .. فيُطالِب بما وهب وأعطى، هنا يوقف ويُعرَّف للناس قبح صنيعه؛ وأنه أراد أن يسترد ما وهب، ليكون موضع ازدرائهم واحتقارهم له، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" مثَلُ الذي يَستردُّ ما وهبَ كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه، فإذا استردَّ الواهِبُ، فليُوَقَّفْ فليُعَرَّفْ بما استردَّ، ثم ليُدفَع إليه ما وهَبَ "[ ]. هذا إذا كان عين ما وهب لم يُستهلَك، ولم يهلَك، أو كان الموهوب قادراً على أن يرد قيمة الهبة .. أما إذا استُهلك، وهلك، وكان الموهوب عاجزاً عن رد قيمة الهبة .. فالراجح حينئذٍ سقوطها، واعتبارها كالصدقات التي لا تُرَد، إذ لا يجوز أن تُعامَل الهبة معاملة الدَّين الذي يجب أن يُرَد ولو بعد حين .. ومهما كانت ظروف المدين، والله تعالى أعلم. ـ نصيحتي: نصيحتي لبناتي وبنات المسلمين، أجملها في لاءاتٍ أربع: لا للشرك، ومظانه وأسبابه .. إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً النساء:48. إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13. فالشرك ـ وكذلك الكفر ـ يقلب ما بين الأزواج من حلال فيجعله حراماً. لا لترك الصلاة .. مهما اشتدت الظروف، وكانت المواقف محرجة؛ فمن ترك الصلاة فقد كفر، وأشرك .. كما ورد ذلك في الحديث. لا لتركِ الحجاب؛ فهو سِترٌ ـ جمَّلك الله به ـ فلا تهتكيه .. فتشمِّتي بكِ وبدينكِ العِدا .. ويطمعُ فيكِ الذي في نفسه مرض، وما أكثرهم! لا للاختلاط ومجالس السَّمر مع الأجانب .. فكم أفسد الاختلاط من بيوت .. فتركها بلاقِعَ بعد أن كانت عامرة بالمحبة والخير والرفق .. واعلمي أن الله تعالى غيور .. لا أحَدَ أغيرَ من الله .. فلا يُحب أن يراكِ حيث لا يرضى. هذه لاءات أربع اجعليها لكِ بمثابة قانون في هذه الحياة .. تفوزين بخيرَي الدنيا والآخرة بإذن الله .. ثم جميل منكِ أن تستطلعي رأي خطيبُك حولها قبل أن تنتقلا إلى العِش الزوجية .. وتوقعا على عقد الزواج .. فإن آنَستِ منه رشداً .. أمضيتِ على العقدِ .. وأكملت معه المشوار .. وإن آنست منه غير ذلك .. فدعيه .. لا خير لكِ فيه .. فالله يُغنيكِ من فضلِه .. واعلمي أن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه.
* * * * *
ـ عقد الزواج[ ]. فإن تمت الرؤية، وحصلت الموافقة الأولية بين الطرفين، أُجري ـ بعد ذلك ـ عقد النكاح، الذي به ينعقد الزواج، ويحل لكل طرفٍ من الآخر ـ باسم الله وإذنه ومشيئته ـ ما كان محظوراً عليه قبل العقد. فعقد النكاح بمثابة استئذان الخالق في إباحة كل طرف من الزوجين للطرف الآخر ما كان محظوراً عليهما قبل العقد .. فالله تعالى هو الخالق .. وهو المالك .. وهو الرازق .. وهو المتصرف بهذا الكون وما فيه كما يشاء .. لا شريك له .. وهو سبحانه وتعالى غيور؛ لا أحد أغير منه .. من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .. وبالتالي لا بد من استئذانه في كل ما تمتد إليه اليد .. ويريد الإنسان أن يتناوله سواء كان طعاماً أم شراباً، أم لباساً، أم نكاحاً .. فيُقبِل على المباح منه، ويُمسِك عن المحظور .. وصورة استئذان الخالق فيما يتعلّق بالنكاح .. تكون بإمضاء عقد النكاح على الصورة والكيفية ـ بشروطه ـ المبينة في الكتاب والسنّة .. وهو ما سنتناوله ـ بإذن الله ـ في الأسطر التالية: ـ شروط عقد النكاح: لعقد النكاح شروط عدة لا يصح النكاح إلا بها: أولا: أن يكون الزوج مسلماً، والزوجة مسلمة أو كتابية: فإذا كان الرجل كافراً أصلياً ـ أياً كانت ملته ـ أو كافراً من جهة الردة؛ فطرأ عليه الكفر بعد أن كان مسلماً، لا يجوز أن يعقد على مسلمة، وكذلك لا يجوز للمسلم أن يتزوج من المرأة المشركة أو المرتدة، باستثناء المرأة الكتابية؛ اليهودية أو النصرانية، وبشروطه. قال تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ البقرة:221.
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ الممتحنة:10. وفي قوله تعالى: لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ قال القرطبي في التفسير: أي لم يحل الله مؤمنة لكافر، ولا نكاح مؤمن لمشركة ا- هـ. وقال ابن كثير: قوله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن ا- هـ. وقال الطبري في التفسير: وقوله: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ يقول جلّ ثناؤه للمؤمنين به من أصحاب رسول الله : لا تمسكوا أيها المؤمنون بحبال النساء الكوافر وأسبابهنّ، والكوافر: جمع كافرة، والعصم: جمع عصمة؛ وهي ما اعتصم به من العقد والسبب، وهذا نهي من الله للمؤمنين عن الإقدام على نكاح النساء المشركات من أهل الأوثان، وأمر لهم بفراقهنّ، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ا- هـ. وعن أنس قال: خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرَد، ولكنَّك رجل كافرٌ، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجَك، فإن تُسلِم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلَم فكان ذلك مهرها[ ]. قال سيد سابق في كتابه فقه السنة: أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم؛ سواء كان مشركاً، أم من أهل الكتاب ا- هـ. أما استثناء الزواج من نساء أهل الكتاب من الكافرات والمشركات، فهو لقوله تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ المائدة:5. فالزواج من الكتابية جائز بشرطه؛ أن تكون من المحصنات العفيفات لا تقترف الزنى، وليس لها أخلاء بالحرام، كما لا يجوز اتخاذهن من قبل المسلمين أخدان وخليلات بالحرام، وإنما أزواج تُدفَع إليهن صدقاتهن؛ أي مهورهن، وحقوقهن من النفقة وغير ذلك[ ]. ثانياً: أن لا يكون أحد طرفي النكاح محرم على الآخر من جهة النسب، أو المصاهرة، أو الرضاعة: فإن حصل الزواج ـ عن جهل ـ بمن هو محرم عليه من جهة النسب، أو المصاهرة، أو الرضاعة .. ثم عُلِم ذلك .. تعيَّن فسخ الزواج مباشرة .. وهذا مالا يُعلَم فيه خلاف. ثالثاً: أن لا تكون المرأة المعقود عليها في عِدَّتها: سواء كانت عدتها من جهة وفاة زوجها، أو من جهة عدة الطلاق، أو من جهة عدة الخلع، أو فسخ عقد الزواج .. فإن حصل الزواج وهي لا تزال في عدتها فُسِخ العقد ورُد .. إلى ما بعد انقضاء العدة .. وجُدّد العقد من جديد[ ]. قال تعالى: وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ البقرة:235. قال ابن كثير في التفسير: وقوله وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ؛ يعني ولا تعقدوا العقدة بالنكاح حتى تنقضي العدة. قال ابن عباس ومجاهد والشعبي وقتادة والربيع بن أنس وأبو مالك وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان والزهري وعطاء الخراساني والسدي والثوري والضحاك: حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ يعني ولا تعقدوا العقد بالنكاح حتى تنقضي العدة، وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في العدة ا- هـ. رابعاً: الإيجاب والقبول، والرضى والموافقة بين طرفي النكاح: وقد عدَّ أهل العلم هذا الشرط الركن الأساس لعقد الزواج؛ إذ لا يمكن أن يتم الزواج، ويكتب له القبول والاستمرار إلا بعد الإيجاب والقبول، والرضى والموافقة ـ مسبقاً ـ بين طرفي النكاح، وقد تقدم معنا ذكر الأدلة الدالة على وجوب استئذان المرأة في زواجها ـ سواء كانت بكراً أم ثيباً ـ وأن الزواج القائم على إكراه أحد طرفي النكاح من غير رضاه لا يُقبل ولا يمكن أن يُكتب له النجاح أو الاستمرار. عن عقبة بن عامر، أن النبيّ قال لرجل:" أترضى أن أزوّجك فلانة؟ " قال: نعم، وقال للمرأة:" أترضين أن أزوّجك فلاناً؟" قالت: نعم، فزوَّج أحدهما الآخر[ ]. فتأمل كيف أن النبيَّ تحرى رضى كل طرف بالزواج من الطرف الآخر .. وبناء على رضاهما أتم زواجهما. ثم أن العلاقة الزوجية؛ هي علاقة قائمة على الحب والود والاحترام المتبادل .. هي علاقة قائمة على أداء الحقوق المتبادلة بين الزوجين طواعيةً .. هي علاقة يترتب عليها حقوق وواجبات جِثام .. وهذا لا يمكن أداؤه بنجاح من غير رضى وقناعة وتوافق بين طرفي النكاح قبل عقد النكاح .. وبعد عقد النكاح. غالب حالات الطلاق والتفريق التي تقع بين الأزواج تكون لهذا السبب؛ سبب عدم اقتناع كل طرف من طرفي النكاح بصلاحيته للطرف الآخر، وعدم صلاحية الطرف الآخر له، والاستمرار في العيش معه .. فيُكرَه ـ لسببٍ أو آخر ـ على زواجٍ هو لا يريده .. ولا يُحبه .. فيقع المحظور .. ويقع التقصير والجفاء .. ومن ثم تقع المشاكل ـ بعد عقد الزواج بقليل أو كثير ـ الذي لا فكاك ولا حل لها إلا بالطلاق والتفريق بين الزوجين! خامساً: الولي بالنسبة للمرأة: إذ لا يصح نكاح إلا بولي؛ سواء كانت المرأة ثيباً أم بكراً، قال تعالى: فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ النساء:25. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" لا نكاح إلا بولي "[ ]. وقال :" أيما امرأة نُكِحَت بغير إذن مواليها، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها، فإن تشاجروا فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له "[ ]. وقال :" لا نكاح إلا بإذن وليٍّ مرشد أو سلطان "[ ]. وعن عمر قال:" لا نكاح إلا بولي، وشاهدَي عدل ". وعن علي قال:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، لا نكاح إلا بإذن ولي ". وعن ابن عباس قال:" لا نكاح إلا بشاهدي عدل، وولي مرشد ". والآثار عن الصحابة والتابعين لهم بإحسان الدالة على هذا المعنى أكثر من أن تُحصَر في هذا الموضع. قال الترمذي في السنن: والعمل في هذا الباب على حديث النبي :" لا نكاح إلا بولي " عند أهل العلم من أصحاب النبي ، منهم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم. وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين؛ أنهم قالوا: ولا نكاح إلا بولي "، منهم سعيد بين المسيب، والحسن البصري، وشريح، وإبراهيم النخغي، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وبهذا يقول سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك، وعبد الله بن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق[ ]. ـ ما يُشترَط في الولي: ولاية النكاح رعاية وأمانة ومسؤولية .. وهي ولاية تكليف لا تشريف واستعلاء، لذا يُشترَط في الولي جملة من الشروط: 1- أن يكون مسلماً: فيخرج بهذا الشرط الولي الكافر؛ سواء كان كفره أصلياً أم كان من جهة الردة .. وممن يفقد ولايته بسبب كفر الردة: تارك الصلاة وإن لم يكن جاحداً لها، والطاعن المستهزئ بالدين، والذي يدخل في موالاة الكافرين، والطغاة المجرمين على الإسلام والمسلمين. قال تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً النساء:141. وبالتالي عندما نجعل الكافر ولياً على المؤمنات؛ يتحكّم بنكاحهن، ومَن ينكَحن، ومن لا ينكحن .. نكون بذلك قد جعلنا له على المؤمنين والمؤمنات سبيلاً .. وهذا لا يجوز بنص الآية. وقال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:28. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً النساء:144. فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين .. ومن ولايتهم وتوليهم ـ التي نُهينا عنها ـ أن نجعل لهم ولاية وسلطاناً على النساء المؤمنات؛ يتحكمون بنكاحهن كيفما يشاؤون! وكذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ التوبة:23. فالنهي يشمل مطلق الولايات؛ بما في ذلك ولاية النكاح .. بل من أعظمها وأجلها ولاية النكاح .. وهي ـ بنص الآية ـ مما لا يجوز إيكاله للآباء والإخوان إن استحبوا الكفر على الإيمان. وقال تعالى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ الممتحنة:10. وبالتالي فإن جميع صور الولاية والتولي مقطوعة بين المؤمنات وبين أقاربهن من الكافرين، وكان الصحابة يعقدون على من هاجر من المؤمنات من دون الرجوع إلى آبائهم وأقاربهم من الكافرين، وقد تزوج النبي من أم حبيبة بنت أبي سفيان من دون أن يُراجع فيها أبيها؛ لأنه كان لا يزال على الكفر، كما في الحديث عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش، فمات بأرض الحبشة، فزوَّجها النجاشيُّ النبيَّ ، وأمهرها عنه أربعة آلاف، وبعث بها إلى رسولِ الله مع شرحبيل ابن حسنة[ ].
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:07 am | |
| 2- أن يكون ذكراً: فالأنثى لا تُزِّوج نفسها، ولا غيرها، لقوله :" لا تُزوّجُ المرأةُ المرأةَ، ولا تُزوّج المرأةُ نفسها "[ ]. 3- أن يكون بالغاً عاقلاً راشداً: فيخرج بهذا الشرط الصبي دون سن البلوغ، كما يخرج الولي السفيه شديد الفسوق والسفَه الذي لا يُحسن تقدير الأمور ولا عواقبها. كما في الحديث:" رُفع القلم عن ثلاث ـ منهم ـ: وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل "، وفي رواية:" وعن الصبيّ حتى يشب "[ ]. أما الدليل على خروج السفيه الشديد السفه والفسوق، الذي لا يُحسن تقدير الأمور ولا عواقبها، فهو لقوله تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً النساء:5. فإذا فقدوا الولاية على المال بسبب السّفاهة، فمن باب أولى أن يفقدوا الولاية على الأعراض بسبب السفاهة .. وإن من السفهاء من يُقامر مع المقامرين على ابنته ووليته .. فإن خسر في القمار أعطى فلانة إلى فلان .. وباع فلانة إلى فلان .. ومنهم من يزوج وليته من أجل وظيفة أو مصلحة مادية ترتد عليه من قِبل من سيزوجه، بغض النظر عن دينه وأخلاقه ومدى كفاءته لوليته .. وهذا حدث ويحدث وللأسف .. ومثل هؤلاء لا ولاية لهم على النساء والأعراض. وكذلك قوله تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ النساء:6. لا يكفي أن يبلغوا سن النكاح لكي تُدفَع إليهم أموالهم، ويكونوا عليها أولياء، بل لا بد مع ذلك التماس الرشد فيهم الذي يحملهم على حسن التصرف بالمال .. ثم بعد ذلك تُدفع إليهم أموالهم .. وإذا كانت ولاية التصرف بأموالهم لا تتحقق لهم إلا بعد التماس الرشد فيهم المنافي للسفه، فمن باب أولى أن لا تتحقق لهم الولاية على الأعراض إلا بعد استئناس الرشد فيهم. ولقوله في الحديث المتقدم:" لا نكاح إلا بإذن وليٍّ مرشد أو سلطان ". فقيّد الولي بصفة الرشد المنافية للسفه وشدة الفسوق. 4- أن لا يكون مُعضلاً: أي يمتنع عن تزويج وليته ممن يتقدم إليها ويكون كفأ لها .. للانتقام .. أو لكي يستفيد من راتب وليته أكبر قدر ممكن إن كانت من ذوي الرواتب أو الدخل .. أو لأي سبب آخر غير شرعي يعضلها عن الزواج من أجله .. فمثل هذا لا ولاية له .. يُنْظَر غيره ممن يليه من الأولياء .. لقوله تعالى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ البقرة:232. ولقوله تعالى في سورة النساء: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ النساء:19. ولقوله :" لا ضَرر، ولا ضِرار "[ ]. وقال :" مَن ضَارَّ أضرَّ اللهُ به "[ ]. وفي إعضالهن عن الزواج ضرر أيما ضرر؛ على النساء والرجال سواء .. ومعهم المجتمع المسلم برمته .. كما قال :" إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عريضٌ ". هذا فيمن يأبى أن يزوج وليته ممن يُرتَضى دينه وخلقه .. فكيف بمن لا يزوجها مطلقاً .. لأغراضٍ مادية وشخصية .. لا شك أن ذلك أدعى لأن يكون فتنة في الأرض وفساداً عريضاً.
ـ من هم الأولياء؟ من هم الأولياء، ومن لهم حق الولاية ـ من الأولياء ـ في تزويج النساء؟ هم أكثر الأقارب التصاقاً، وشفقة، ورعاية بالمرأة، وأكثرهم غضاضة لو أصابها مكروه أو عار؛ وهم على الترتيب: الآباء، ثم الأبناء، ثم الإخوان، ثم الأعمام .. كما قال تعالى: قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ التوبة:24. فذكر ألصق الأقارب وأشدها متانة على الترتيب، وهم: الآباء، ثم الأبناء، ثم الإخوان. ونحو ذلك قوله تعالى: لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ المجادلة:22. وفي الحديث:" البكر يستأمرها أبوها "[ ]. فخصَّ الأبَ أولاً من بين الأولياء .. فلا ولاية لأحدٍ مع وجود الأب المستوفي لشروط الولاية الآنفة الذكر أعلاه. أما الأعمام، فهو لقوله :" عم الرجل صنو الأب، أو صنو أبيه "[ ]. أي أن العم مثل الأب في المكانة والحق، ومتانة الصلة والقرابة. قال الإمام أحمد: أحقهم بالمرأة أن يزوجها أبوها، ثم الابن، ثم الأخ، ثم ابنه، ثم العم ا- هـ. فإن انتفى وجود الولي ـ المستوفي الشروط الآنفة الذكر ـ ممن تقدم ذكرهم، التمس الولي في والد الأب؛ فوالد الوالد والد، ثم في ولد الولد؛ فولد الولد ولد، ثم في ولد الأخ، ثم في ولد العم. فإن انتفى وجود الولي ـ المستوفي الشروط الآنفة الذكر ـ ممن تقدم ذكرهم، التُمس الولي في الأقارب الذكور من جهة الأم: الجد؛ والد الأم، ثم الأخ؛ الخال.. لدخولهم في عموم قوله تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الأنفال:75. ونحوه قوله تعالى في سورة الأحزاب: وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ الأحزاب:6. هذا الترتيب قد يتقدم أو يتأخر بحسب درجة تحقق شروط الولاية ـ الآنفة الذكر ـ في الولي .. وبحسب التصاق ورعاية وكفالة وعطف ورحمة الولي لوليته .. وحرصه على نصحها، وإرادة الخير لها .. فهذا وذاك .. معتبر جداً في تقديم ولي ـ أو تأخير ولي ـ على آخر .. فالغرض من الولاية رعاية المرأة وحمايتها من الخطأ والابتزاز .. والعدوان .. وتوجيهها نحو خيرها ومصلحتها قدر المستطاع .. فهي ولاية تكليف وأمانة ومسؤولية .. لا ولاية تسلط وقهر وإعضال، وابتزاز! فإن انتفى وجود الولي ـ المستوفي الشروط الآنفة الذكر ـ ممن تقدم ذكرهم .. تنتقل الولاية إلى السلطان المسلم، أو القضاء الإسلامي الذي ينوب عن السلطان ويتكلم باسمه، كما في الحديث:" فالسلطان وليُّ من لا وليَّ له "[ ]. فإن انتفى وجود السلطان المسلم، والقضاء الإسلامي .. فحينئذٍ تُولي المرأة أمر نكاحها أيّ مسلم ترتضي دينه وخلقه وأمانته، لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ التوبة:71. وقال تعالى: بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ النساء:25. قال القرطبي في كتابه الجامع 3/76: إذا كانت المرأة بموضع لا سلطان فيه ولا ولي لها فإنها تصيِّر أمرها إلى من يُوثق به من جيرانها؛ فيزوِّجها ويكون هو وليها في هذه الحال؛ لأن الناس لا بد لهم من التزويج، وإنما يعملون فيه بأحسن ما يمكن، وعلى هذا قال مالك في المرأة الضعيفة الحال: إنه يزوجها من تُسنِد أمرها إليه؛ لأنها ممن تضعف عن السلطان فأشبهت من لا سلطان بحضرتها، فرجعت في الجملة إلى أن المسلمين أولياؤها ا- هـ. فإذا كانت المرأة غير مسلمة وهي من أهل الذمة والعهد .. تُولي أمر نكاحها من أهل دينها وملتها وقرابتها بحسب التسلسل الآنف الذكر المتعلق بأولياء المرأة المسلمة، لقوله تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:28. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ النساء:144. وقال تعالى: بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ المائدة:51. فإن تعثرت الولاية ممن تقدم ذكرهم من أقاربها وذويها .. يلي أمرها حينئذٍ السلطان المسلم ومن ينوب عنه؛ إن كانت هذه المرأة الذمية ممن تعيش في سلطانه، وداخلة في ذمته وعهده وأمانه؛ فهي بذلك تكون من جملة رعاياه المسؤول عنهم، لقوله :" ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته " متفق عليه. ومن رعايته لها أن لا يتركها بلا نكاح. ـ ولاية الغائب أو السجين: إن كان الولي الأقرب غائباً أو سجيناً ثم تعثّرت مراجعته ومعرفة رأيه أو أخذ قوله في الكفء الذي يتقدم للزواج .. آلت الولاية لمن يليه من الأولياء، ولا يحق بعد ذلك للولي الأقرب الغائب الاعتراض .. وذلك تفويتاً لفرصة الاعضال من التحقق. قال القرطبي في الجامع 3/79: لو كان الولي الأقرب محبوساً أو سفيهاً زوّجها من يليه من أوليائها، وعُد كالميت منهم، وكذلك إذا غاب الأقرب من أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة لا يُرجى لها أوبةٌ سريعة زوَّجها من يليه من الأولياء .. وهو قول مالك ا- هـ. وقال سيد سابق في فقه السنة:إذا كان الولي الأقرب المستوفي شروط الولاية موجوداً فلا ولاية للبعيد معه .. أما إذا غاب الأقرب؛ بحيث لا يَنتظر الخاطب الكفء استطلاع رأيه، فإن الولاية تنتقل إلى من يليه، حتى لا تفوت المصلحة، وليس للغائب بعد عودته أن يعترض على ما باشره من يليه؛ لأنه لغيبته اعتبر كالمعدوم، وصارت حقَّ مَن يليه، وهذا مذهب الأحناف ا- هـ. خامساً: شاهدا عدلٍ: الذي بهما يتحقق إعلان النكاح، وهو شرط لصحة عقد النكاح؛ إذ لا نكاح إلا بشاهدي عدل، كما في الحديث:" لا نكاح إلا بوليّ، وشاهدي عدل "[ ]. وعن ابن عباس قال:" لا نكاح إلا بشاهدي عدلٍ، وولي مرشد ". وقال:" لا نكاح إلا ببيّنة "[ ]. أي إلا ما يبين به النكاح ويُعرف، وهذا لا يتحقق حده الأدنى إلا بشاهدي عدل. قال الترمذي في سننه تحت عنوان " لا نكاح إلا ببينة ": وفي الباب عن عمران بن حصين، وأنس، وأبي هريرة، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم؛ قالوا:" لا نكاح إلا بشهود " ا- هـ. وعليه لا يجوز التكتم على عقد النكاح أو الطلب من الشهود بأن يكتموا شهادتهم عن الناس؛ ليبقى الزواج سراً .. فهذا لا يجوز لمخالفته للدليل، وللغرض من الإشهاد .. ولما في إخفاء الشهادة من ضياع لحقوق الزوجين وأبنائهما .. وبخاصة عند وفاة أحدهما .. أو حصول المشاجرات وتنكر أحدهما لحقوق الطرف الآخر عليه .. أو لعلاقته مع الطرف الآخر .. فيصعب حينئذٍ إثبات العلاقة الشرعية، وبالتالي إثبات الحقوق والواجبات المترتبة عن هذه العلاقة .. وما أكثر القصص والمظالم والمشاكل الناجمة عن كتمان الشهادة، والإسرار في عقد النكاح .. وسبب ذلك كله مرده إلى مخالفة أمر النبي بإشهار النكاح. من أجل ذلك حضت الشريعة على ما هو أوسع من الاكتفاء بشاهدي عدل؛ لغرض الإشهار، واللهو المباح الذي يتحقق به مزيد من الإشهار .. فقد صح عن النبي أنه قال:" أعلنوا النكاح "[ ]. وقال :" فصلُ ما بين الحرام والحلال الدفّ والصوت "[ ]. أي والغناء. وفي رواية حسنها بعض أهل العلم:" أعلنوا هذا النكاح، واجعلوه في المساجد، واضربوا عليه بالدفوف ". لما في ذلك من الإشهار بحال العروسين وما استجد عليهما .. وهو مطلب من مطالب إعلان النكاح .. ثم هو أذهب للريب وظن السوء بهما من قبل الناس. ـ المهر: المهر واجب، وهو حق للمرأة لا بد من سداده ولو بعد حين .. لكن لا يرقى إلى درجة الشرط؛ الذي لا يصح العقد إلا به، والذي ينتفي بانتفائه. أما أنه واجب، فهو لقوله تعالى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً النساء:24. وقال تعالى: وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء:25. أي مهورهن المتقدم منها والمتأخر من غير تقصير ولا مماطلة أو ظلم .. والأمر يُفيد الوجوب. ونحو ذلك قوله تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً النساء:4. قال ابن كثير في التفسير: عن عائشة: نحلة؛ فريضة، وقال مقاتل وقتادة وابن جريج: نحلة أي فريضة. وقال ابن زيد: النحلة في كلام العرب: الواجب، يقول: لا تنكحها إلا بشيء واجب لها ا- هـ. وقال تعالى: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة:10. أي إذا آتيتموهن مهورهن. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " متفق عليه. وقال :" فالتمس ولو خاتماً من حديد " متفق عليه. هذا التوكيد على التماس المهر مهما قل؛ ولو خاتم من حديد يُفيد الوجوب. وقال :" أيُّما رجلٍ تزوَّج امرأةً على ما قلَّ من المهرِ أو كثُرَ، ليس في نفسه أن يؤدِّيَ إليها حقَّها؛ خدَعها، فمات ولم يؤدِّ إليها حقَّها؛ لقي اللهَ يومَ القيامة وهو زانٍ "[ ]. وقال :" إن أعظمَ الذنوبِ عند الله رجلٌ تزوَّجَ امرأةً، فلمَّا قضى حاجتَه منها طلَّقها وذَهبَ بمهرها "[ ]. أما أنه ليس بشرط، فهو للحديث عن ابن مسعود : أنه سُئل عن رجل تزوج امرأة ولم يفرض لها شيئاً، ولم يدخل بها حتى ماتَ، فقال ابن مسعود: لها مثل صداق نسائها، لا وكْس ولا شطط، وعليها العدة، ولها الميراث. فقام معقِل بن سنان الأشجعي، فقال: قضى رسولُ الله في بِرْوَعَ بنت واشِقٍ امرأةٍ منا بمثلِ ما قضيتَ، ففرح بها ابن مسعود[ ]. فكونه لم يفرض لها شيئاً ـ ثم هي مع ذلك زوجته ـ دل أن المهر ليس شرطاً .. وكون ابن مسعود قضى لها بمهر مثيلاتها من النساء ـ وقد وافق بذلك السنة ـ فهو دليل على الوجوب، وأن ترك المهر كلياً لا يجوز. ـ التغالي في المهور: لم تحدد الشريعة السقف الأعلى لما يجب أن يكون عليه المهر .. وإنما تركت الأمر على التيسير والسعة، لمن شاء أن يزيد أو ينقص، بحسب رغبة وإمكانيات الزوج، وقدرته على العطاء والإنفاق، قال تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً النساء:20. والقنطار المال الكثير. وقال تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ البقرة:236. لكن في المقابل حضت الشريعة على عدم التغالي في المهور .. وأمرت بالتيسير وعدم التعسير؛ إذ لا ينبغي ولا يجوز أن يكون التغالي في المهور عقبة كأداء أمام الزواج، والحلال، فقد صح عن النبي أنه قال:" يسروا ولا تُعسّروا " متفق عليه. وهذا عام وشامل لكل ما ينبغي فيه التيسير شرعاً. وقال :" من يَسَّر على مُعسرٍ، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة "[ ]. ومن المعسرين الذي ينبغي لهم التيسير ـ ويشملهم الحديث ـ من يتقدم للزواج وهو معسور فقير الحال. وقال :" إن أعظمِ النكاح بركةً أيسره مؤنةً "[ ]. وقال :" خير النكاح أيسرُه "[ ]. ـ المهر لا يحدد قيمة الفتاة أو المرأة: المهر سنة من سنن النكاح، لا ينبغي ولا يجوز أن يكون مقياساً لتحديد قيمة الفتاة أو المرأة؛ بحيث كلما كان المهر غالياً ومرتفعاً كلما كان ذلك دليلاً على قيمة المرأة كما يُخيل للبعض أو يظنون .. فتراهم من أجل ذلك يحرصون على رفع المهور والتغالي فيها .. والتباهي بها .. ويتنافسون في ذلك .. وكأن وليتهم سلعة ـ كأي سلعة أخرى ـ تُباع وتُشترى، قادمة على البيع والاستملاك وليس على زواج .. وهذا ظن باطل مردود بالنقل والعقل، فيه امتهان وانتقاص من قدر المرأة؛ فالمرأة المسلمة ـ إذا نُظر للأمر من جانبه المادي ـ لا تُباع بملء الأرض ذهباً .. وقيمتها لا تُقدر ولا تُقاس بالمال .. وإنما بمعايير أخرى منها الخلق، والدين، والالتزام .. ولو كان المهر مقياساً لقدر المرأة وقيمتها لكانت نساء وبنات النبي صلوات الله وسلامه عليه أغلى نساء الأرض مهراً .. والأمر ليس كذلك، كما في الحديث عن ابن عباس قال: لما تزوّج علي فاطمةَ، قال له رسولُ الله :" أعطِها شيئاً "، قال: وما عندي من شيء، قال:" أين درعك الحَطَميَّة "[ ]. أي التي تُحطّم السيوف. وفي رواية:" قال: هي عندي. فقال :" فاعْطِها إيَّاه ". فهذه ـ يا قوم! ـ سيدة نساء المؤمنين .. بنت سيد الخلق صلوات ربي وسلامه عليه .. مهرها لا يتعدّى درعاً يحطم السيوف .. ولما تزوجت من علي كان لا يملك شيئاً غير درعه الحَطَميَّة .. فهل أنتم منتهون عن التغالي في المهور؟! قال عمر بن الخطاب : ألا لا تغلوا صُدُق النساء؛ فإنه لو كان مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله عز وجل، كان أولاكم به النبي ، ما أصدق رسول الله امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية. وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه[ ]. قال الترمذي في كتابه السنن: هذا حديث حسن صحيح. والوقية عند أهل العلم: أربعون درهماً. واثنتا عشرة وقية: هو أربعمائة وثمانون درهماً ا- هـ. ـ آثار التغالي في المهور: للتغالي في المهور آثار ضارة وسيئة، قبل أن يتم الزواج، وبعد أن يتم الزواج. فقبل أن يتم الزواج: فإنه سبب لتأخير سن الزواج عند الرجال والنساء سواء، وفشو ظاهرة العنوسة عند الطرفين معاً، وبخاصة النساء .. وهذا يؤدي إلى التماس الحرام، والحوم حول الفواحش والمنكرات، وربما الوقوع فيها! تغالى الناس في المهور، وشددوا فيها .. فكانت عاقبتهم ـ من جنس مخالفتهم ـ أن تباع فتياتهم في الحرام وللحرام بثمن بخس .. وأحياناً بلا ثمن .. وما أكثر القصص والشواهد، والدراسات البحثية الدالة على هذا المعنى لو أردنا الاستدلال، والاستطراد! الطاغوت وحزبه ونظامه .. لا تهمه ولا تُقلقه هذه الظاهرة .. بل تسره أيما سرور .. وهو ينفق في سبيلها الغالي والنفيس؛ وكيف لا وهو لا يهمه من أمر المرأة إلا كيف يغويها ويغوي بها .. ليدوم له ملكه وسلطانه .. ويُشغل الناس بحاجاتهم الأساسية الضرورية عنه وعن نظامه وطريقة حكمه، وأهم وأكثر تلك الحاجيات إلحاحاً على الإنسان: حاجة البطن، وحاجة الفرج .. وهذا من لوازمه تأخير سن الزواج عند الفتيات والشباب سواء ـ بأي سببٍ من الأسباب ـ لتمارس الحاجة الجنسية خارج إطار الحياة الزوجية .. وخارج بيت الزوجية .. وتُتاح أكبر فرصة لشيوع الفتنة والفساد، والفوضى الجنسية التي يعيشها الناس في هذا الزمان! المرأة إذا دخلت عش الحياة الزوجية .. وعرفت الاستقرار النفسي والجنسي .. لم يعد للطاغوت القدرة على غوايتها .. والإغواء بها .. كما لو أنها لا تزال من غير زواج .. وكذلك يُقال في الشباب .. لذا نراهم يحدثون العقبات الكأداء المادية والقانونية سواء .. أمام الزواج المبكر للشباب والشابات، لتطول فترة استثمارهم في الفساد والإفساد أكبر قدر ممكن! أما بعد الزواج: بعد أن يكون الذبول قد علا الوجوه .. والملامح .. وقُتِل الحماس .. وذهب بريق وعطاء الشباب .. فإن الرجل ينتابه شعور بأن هذه التي هي أمامه قد بيعت لها بيعاً .. وأن ثمنها الغالي .. كان السبب في حصول هذا التأخير في الزواج .. وحصول مضاعفاته .. ثم إن قدر الله له بعد ذلك الولد .. أنَّى يفرح به ويكون قد بلغ من العمر عتياً .. بينما ولده لم يتجاوز بعد سن المراهقة .. وهو لا يزال يحتاج للعناية والنفقة .. وقد ضعف عظمه عن ذلك؟! لا شك أن هذه الأمور مجتمعة تُضعف العلاقة بين الزوجين .. وتوغر الصدور بعضها على بعض .. كما تقدم من كلام عمر ، حيث قال:" وإن الرجل ليغلي بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه "، فأي هناءة بمهر، ينتهي بمثل هذه النهايات المأساوية المحزنة .. لو كانوا يعقلون؟! ـ يجوز أن يكون المهر عملاً. يجوز أن يكون المهر ـ إن تعثر وجود المال ـ أن يكون حفظاً لبعض ما تيسّر من القرآن الكريم، فقد قال رسول الله لرجلٍ أراد الزواج من امرأة:" هل عندك من شيء؟" فقال: لا والله يا رسول الله، فقال:" اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً ؟" فذهب، ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ما وجدت شيئاً، فقال:" اذهب فالتمس ولو خاتماً من حديد "، فذهب ثم رجع، فقال: لا والله يا رسول الله ولا خاتم من حديد، ولكن هذا إزاري فلها نصفه، فقال رسول الله :" وما تصنع بإزارك؛ إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء "، فجلس الرجل حتى طال مجلسه، ثم قام، فرآه رسول الله مولياً فأمر به فدُعي، فلما جاء قال:" ماذا معك من القرآن؟" قال: معي سورة كذا، وسورة كذا، عددها، فقال:" أتقرؤهنَّ عن ظهر قلبك "، قال نعم، قال:" اذهب فقد زوجتكها بما معك من القرآن " البخاري. كما يجوز التزويج على الإسلام؛ فيكون مهر المرأة أن يُسلم الرجل الذي يتقدم لزواجها إن كان كافراً، كما في الحديث عن أنس، قال: تزوج أبو طلحة أمَّ سُليم، فكان صداق ما بينهما: الإسلام؛ أسلمت أمُّ سُليم قبل أبي طلحة فخطبها، فقالت: إني قد أسلمتُ، فإن أسلمتَ نكحتُك، فأسلمَ فكان صداق ما بينهما. وفي رواية: قالت أمُّ سُليم: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرَد، ولكنك رجلٌ كافر، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحل لي أن أتزوَّجك، فإن تُسلم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها. قال ثابت ـ وهو راوي الحديث عن أنس ـ: فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهراً من أم سُليم: الإسلام، فدخل بها، فولدت له[ ]. ـ معونة الله تعالى لمن يريد العفاف: لمن يتهيب من نفقة النكاح فيؤخر زواجه خشية الفقر أو شكاية من الفقر، أقول له: لا تفعل، فالله تعالى قد تكفّل بعونك، ومن تكفل الله بعونه فلا خوف ولا ضيعة عليه، فقد صح عن النبي أنه قال:" ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم؛ المكاتَبُ الذي يريد الأداء، والنَّاكحُ الذي يريد العفافَ، والمجاهد في سبيل الله "[ ]. ـ صيغة العقد: يجب أن تدل صيغة العقد على رضا طرفي النكاح بعقد التزواج، وأن تكون ناجزة في الحال غير مقيدة بقيد يمنع من إنجاز العقد لحظة انعقاده، أو يمنع من تمليك المتعة ـ بين طرفي النكاح ـ في الحال .. ولا يُشترط لصيغة العقد لغة معينة؛ فهي تصح بأي لغة يتفاهم بها المتعاقدون[ ]. كأن يقول ولي البنت للخاطب: زوجتك وليتي، فيقول الخاطب في الحال: قبلت أو رضيت. أو أن يقول الخاطب للولي: زوجني وليتك، فيقول الولي: قد زوجتك أو قبلت أو رضيت زواجك من وليتي، فهذه الألفاظ يتم بها العقد، وتترتب عليه آثاره. ولو قال له سوف أزوجك بعد شهر أو يوم .. أو ساعة .. أو رضيت الزواج من وليتك بعد شهرٍ أو زمن محدد .. أو كانت الصيغة تفيد الوعد في المستقبل .. فالعقد في هذه الحالة لا يُنجز؛ لأنه مشروط بأمر غيبي معدوم، لا تُؤمَن عواقبه ومآلاته " والمعلّق على معدوم معدم " لا يُفيد ولا يوجب تمليك المتعة في الحال. قال سيد سابق في فقه السنة:" الصيغة المضافة إلى زمنٍ مستقبلٍ، مثل أن يقول الخاطب: تزوجت ابنتك غداً أو بعد شهر، فيقول الأب: قبلت. فهذه الصيغة لا ينعقد بها الزواج، لا في الحال ولا عند حلول الزمن المضاف إليه؛ لأن الإضافة إلى المستقبل تنافي عقد الزواج، الذي يوجب تمليك الاستمتاع في الحال ا- هـ. ومنه تعلم خطأ بعض الآباء عندما يعقدون لبناتهم وهن أطفالاً؛ فيقولون للطرف الآخر: عندما تبلغ ابنتي وتكبر فهي زوجة لك أو سوف أزوجها لك .. فهذه الصيغ ومثيلاتها لا ينعقد بها النكاح، ولا يترتب عليها آثاره .. وهو ضرب من ضروب العبَث .. وبالتالي لا بد من إحداث عقدٍ جديد مستوف الشروط عند كبر البنت وبلوغها سن النكاح. ـ خطبة النكاح: للنكاح خطبة يُسن أن يُقال فيها:" إن الحمد لله، نستعينه ونستغفره، ونعوذُ به من شرور أنفسنا، من يهد اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يا أيها الذين آمنوا اتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً النساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ آل عمران:102. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً الأحزاب:70-71.[ ]. ـ الشرط في العقد: وهو نوعان: شرط صحيح، وشرط باطل. أما الشرط الصحيح: هو كل شرط وافق الشرع، أو ليس فيه مخالفة للشرع، كأن تشترط المرأة لنفسها أو وليها بالنيابة عنها: أن يعاشرها الزوج بإحسان؛ فلا يعصي اللهَ فيها، ولا يجبرها على معصية، أو يُجبرها على العمل من أجل النفقة عليه وعلى أبنائه .. أو أن يمنعها عن رحمها وزيارة والديها .. أو يمنعها عن المساجد وشهود الجمعة والجماعات .. وحلقات العلم .. فإن حصل شيء من ذلك فلها حق فسخ عقد الزواج. كذلك لو اشترطت أن تكمل تعليمها الشرعي والمشروع، وأن يُعينها على طلب العلم .. فإن وافق ثم لم يلتزم بذلك .. فلها حق فسخ عقد الزواج. أو اشترطت عليه بأن لا يتزوج عليها من ثانية .. فإن تزوج عليها من ثانية لها حق فسخ عقد الزواج .. فهذه الشروط شرعية لا تتعارض مع الشرع .. فللمرأة أن تشترطها لنفسها إن شاءت .. ثم لو اشترطتها لنفسها وعلقت الزواج والاستمرار فيه على الوفاء بها .. والطرف الآخر وافق على ذلك .. ثم أنه نقضها بعد الزواج؛ فلم يلتزم بها .. فللزوجة الخيار بأن تفسخ عقد الزواج إن شاءت. والدليل على ذلك قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ المائدة:1. وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً الإسراء:34. وقال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ البقرة:177. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج " متفق عليه. وقال :" المسلمون عند شروطهم "[ ]. وفي رواية:" المسلمون على شروطهم "[ ]. أي وقافون عند شروطهم بالوفاء والالتزام .. وهم على شروطهم ماضون بالالتزوام والوفاء لا ينقضون منها شيئاً. وقد عد الإسلام الغدر بالعهد، وعدم الوفاء بالوعد من خصال النفاق والمنافقين، كما في الحديث الصحيح:" أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ـ منها ـ: وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف " متفق عليه. أما الشرط الباطل: هو كل شرط تشترطه المرأة أو الرجل يخالف شرع الله تعالى أو فيه معصية؛ كأن تشترط المرأة على زوجها أن لا يأمرها بالحجاب إن كانت قبل الزواج من ذوي السفور .. أو أن لا يمنعها من الاختلاط والاختلاء بالأجانب .. أو تشترط عليه بأن يقطع والديه .. أو أحدهما .. أو رحمه .. أو أن لا ينفق على أحد من رحمه إلا بعلمها وبعد موافقتها .. أو أن لا يذهب إلى الجهاد في سبيل الله في حال تعين عليه الجهاد .. أو أن تتنفل في الصيام من دون إذنه وموافقته .. أو أن تدخل بيته من لا يرضى من الناس .. أو أن يُطلق زوجته ـ إن كان متزوجاً من غيرها ـ كشرط لزواجها .. كذلك لو اشترط الرجل على المرأة سقوط النفقة .. أو اشترط عدم المبيت عندها إلا في الشهر أو الإسبوع مرة واحدة .. أو المبيت عندها في النهار دون الليل .. أو أن تنفق على نفسها وبيتها من كسبها وعملها .. أو اشترط أحدهما على الآخر بأن لا يتزوج بعد وفاته .. فهذه شروط باطلة لا يجوز الوفاء بها لمخالفتها للشرع .. ولمنافاتها لمقاصد الحياة الزوجية، كما أنه لا يترتب على عدم الالتزام بها شيء؛ فعقد الزواج يبقى، والشرط الفاسد يُلغَى، فقد صح عن النبي أنه قال:" المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك "[ ]. وقال :" المسلمون على شروطهم فيما أحلَّ "[ ]. وقال :" المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً "[ ]. فلا يجوز إمضاؤه ولا الوفاء به. وقال :" ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرطٍ، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق " البخاري. وقال :" ما بال أقوامٍ يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط " البخاري. ـ الوكالة في العقد: يجوز لطرفي النكاح أن يوكلا من ينوب عنهما في عقد الزواج، كما في الحديث أن النبي قال لرجل:" أترضى أن أزوّجك فلانة "؟ قال: نعم، وقال للمرأة أترضَينَ أن أزوجك فلاناً "؟ قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه "[ ]. ففوضا أمر نكاحهما إلى النبي ، ومنه استدل أهل العلم على جواز الوكالة في عقد النكاح.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:09 am | |
| ـ الزواج المؤقّت: وهو الزواج على نية الطلاق بعد إسبوع أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين أو أكثر من ذلك أو أقل .. من دون علم المرأة .. كما يفعله بعض الطلاب والتجار والسائحين الوافدين إلى بلاد الغرب .. وهذا لا يجوز .. وهو نكاح باطل؛ لأنه ضرب من ضروب نكاح المتعة المحرَّم والباطل .. والذي من أركانه تحديد مدة وزمن النكاح، كما في الحديث عن علي بن أبي طالب أنَّ رسولَ الله نهى عن متعة النساء يوم خيبر " متفق عليه. وعن سَبْرَة الجهني أنه كان مع رسول الله فقال:" يا أيها الناس إنِّي قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء فليخلّ سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً " مسلم. وعن محمد الباقر بن علي بن الحسين، أنَّ علياً بلغه أن رجلاً لا يرى بالمتعة بأساً، فقال:" إنّك تائه؛ إنه نهى رسولُ الله عنها وعن لحوم الحُمُر الأهلية يوم خيبر "[ ]. وعن ابن عمر، قال: لما ولِّي عمر بن الخطاب، خطَب الناسَ فقال:" إنَّ رسولَ الله أذِنَ لنا في المتعة ثلاثاً، ثم حرمها؛ والله! لا أعلم أحداً يتمتّع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة يشهدون أن رسولَ الله أحلّها بعد إذ حرّمها "[ ]. وقوله " خطب الناس "؛ أي أنه قال مقولته هذه على مرأى ومسمع من الصحابة رضي الله عنهم من دون أن ينكر عليه أحد؛ فدل على إجماع الصحابة على التحريم. وعن عبد الله بن الزُّبير أنه قام بمكة فقال: إن ناساً أعمى الله قلوبَهم، كما أعمى أبصارَهم؛ يُفتون بالمتعة، يُعَرّضُ برجل. فناداه فقال: إنك لجِلْفٌ جافٍ؛ فلعمري لقد كانت المتعةُ تُفعَلُ على عهدِ إمام المتقين ـ يريد به رسولَ الله ـ فقال له ابنُ الزبير: فجرّب بنفسك؛ فوالله! لئن فعلتها لأرجمنّك بأحجارِكَ. مسلم. بل هو ـ أي الزواج على نية الطلاق ـ أسوأ من نكاح المتعة من جهة تضمنه الغدر بالمرأة وغشها، والكذب عليها .. ولما يترتب عليه من ضرر وأذى للمرأة التي لو علمت بنية الرجل من زواجه لما وافقت على الزواج منه .. فنكاح المتعة المحرم باتفاق أهل العلم؛ المرأة تعلم مسبقاً بنية صاحبها أنه سيفارقها بعد زمنٍ محددٍ من قضاء وطره .. وهنا لا تعلم .. فيكون من هذا الوجه أشد ضرراً وحرجاً عليها مما لو أنها كانت تعلم من قبل! كما أن هذه الصورة من الزواج تُفقد الثقة بين المسلمين والمسلمات .. إذ لو كان جائزاً .. فهذا يعني أن كل زوج من الممكن أن يُضمر الطلاق في زمنٍ محددٍ بعد الزواج .. وهذا مما لا شك أنه يورث العداوة والبغضاء والشك، وسوء الظن .. وانتفاء الثقة الواجبة فيما بين الأزواج .. وهذا كله يتنافى مع غايات ومقاصد الزواج. ومن الأوجه الموجبة لتحريم الزواج على نية الطلاق بعد زمنٍ محدد .. أن العمل به مؤداه إلى العمل والقول بتحليل المطلقة ثلاثاً لزوجها الأول؛ بحيث يعقد عليها رجل ثانٍ وفي نيته أنه سيطلقها بعد ساعة لتحل ثانية لزوجها الأول البائنة منه بتطليقاته الثلاث، وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" لعنَ الله المحلِّلَ، والمُحَلَّلَ له "[ ]. وقال :" ألا أخبركم بالتَّيس المُستعار؟" قالوا: بلى يا رسولَ الله. قال:" هو المُحَلِّلُ. لعنَ الله المُحَلَِّ والمُحَلَّلَ له "[ ]. والمحَلِّلُ هو الرجل الثاني الذي يتزوج من المرأة المطلقة ثلاثاً على نية طلاقها بعد زمن محددٍ لتحل لزوجها الأول ثانية؛ وهو المُحَلَّل له .. فهذان بنص الحديث ملعونان .. مطرودان من رحمة الله. ـ نِكاحُ الشِّغَارِ: صفته أن يزوّج الرجلُ وليته لآخر، على أن يزوجه الآخر وليته من غير مهرٍ يُفرَض للوليتين، وهذا نكاحٌ باطل قد نهى عنه النبي ، فقال :" لا شِغارَ في الإسلام ". وفي رواية عند البخاري، عن ابن عمر رضي الله عنهما:" أن رسولَ الله نهى عن الشِّغار؛ والشِّغارُ أن يزوِّج الرجلُ ابنتَهُ على أن يزوّجه الآخرُ ابنَتَه، ليس بينهما صَداقٌ ". ـ الزواج من زانيةٍ أو زانٍ: الزاني المقيم على زناه، والذي لا تُعرف عنه توبة من الزنى، لا يجوز أن يزوّج أو يعقد من مسلمة طاهرة من وزر الزنى، وكذلك الزانية المقيمة على فعل الفاحشة، ولا يعرف عنها توبة من الزنى لا يجوز أن تزوَّج من مسلم طاهر من وزر الزنى، لقوله تعالى: الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ النور:3. ولقوله :" لا ينكحُ الزاني المجلود إلا مثلَه "[ ]. فإن عُرِف عن الزاني أو الزانية توبة صادقة عن الزنى، فإنه حينئذٍ يجوز للزاني التائب أن يتزوج من غير زانية، كما يجوز للزانية التائبة أن تتزوج من غير زانٍ، لقوله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً الفرقان:70. ولقوله :" التائب من الذنب كمن لا ذنب له "[ ]. وفي رواية:" الندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له "[ ]. فالتوبة الصادقة ـ ولله الحمد ـ تجبُّ ما قبلها من الذنوب.
* * * * *
ـ مرحلة ما بعد عقد الزواج. فإن تمّ الزواج بشروطه .. تُسَن أمور تعتبر من متمّمات ومكملات الزواج الشرعي، منها: ـ اللهو المباح: حيث يسن بعد عقد الزواج الفرح واللهو المباح، كما في الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: زُفَّت امرأة إلى رجلٍ من الأنصار فقال نبيُّ الله :" ما كان معكم لهوٌ؟ فإنَّ الأنصار يُعجبهُم اللهو " البخاري. وعنها قالت: كان عندنا جارية يتيمة من الأنصار، فزوَّجناها رجلاً من الأنصار، فكنت فيمن أهداها إلى زوجها، فقال رسولُ الله :" يا عائشة إنَّ الأنصار أناسٌ فيهم غزَل، فما قلتِ؟ قالت: دعونا بالبركة، قال: أفلا قلتم: أتينكام أتيناكم فحيّونا نُحييكم، ولولا الذهبُ الأحمرُ ما حلّت بواديكم، ولولا الحبةُ السمراء لم تُسمن عذاراكم "[ ]. وعن عامر بن سعد، قال: دخلتُ على قُرَظَة بن كعب، وأبي مسعود الأنصاري في عرسٍ، وإذا جوارٍ يغنين، فقلتُ: أي صاحبي رسولِ الله وأهل بدر ـ أي وأنتما من أهل بدر ـ يُفعل هذا عندكم؟! فقالا: اجلِس إن شِئتَ فاسمَعْ معنا، وإن شئت فاذهب؛ فإنَّه قد رُخِّص لنا في اللهو عند العرس[ ]. وهذا لا يعني التوسع في استغلال المباح في هذه المناسبة لتمارس المحظورات كاختلاط الرجال بالنساء، وبخاصة أن من النساء يكن في هذه المناسبة بكامل زينتهن .. واستخدام المعازف ـ سوى الدف ـ وبخاصة منها الماجنة الصاخبة اقتداء بما يفعله النصارى في بلاد الغرب .. وكذلك دخول الفرقة الموسيقية من الرجال إلى مجالس النساء حيث تكون العروس جالسة في كامل زينتها .. كما يحصل في بعض الأعراس المنتشرة في بلاد المسلمين .. فهذا لا يجوز .. والرخصة باللهو في الأعراس لا يبرر مثل هذه السلوكيات الخاطئة المحرمة .. فلزم التنبيه. ـ الوليمة: كما يُسنّ الإيلام بطعام، بحسب سعة الرجل، فقد صحَّ عن النبي أنه قال لعبد الرحمن بن عوف لما تزوّج:" باركَ اللهُ لكَ، أولِمْ ولو بشاة " متفق عليه. ومن أهل العلم من حمل فعل الأمر " أولِم " على الوجوب، ولقوله :" إنه لا بد للعُرسِ من وليمة "[ ]. فحملوا التوكيد على الوجوب، والله تعالى أعلم. وعن أنس، قال: أولمَ رسولُ الله حين بنى بزينب بنت جحشٍ فأشبَعَ الناسَ خبزاً ولحماً " البخاري. وعن صفية بنت شيبةَ، قالت:" أولَمَ النبيُّ على بعض نسائه بمدَّين من شعير " البخاري. ومن يُدعى من المسلمين إلى وليمة طعام يجب عليه أن يلبي الدعوة ما لم يوجد مانع شرعي، فقد صح عن النبي أنه قال:" إذا دُعي أحدُكم إلى الوليمة فلْيأتِها " متفق عليه. والأمر هنا يُفيد الوجوب. وقال :" إذا دُعي أحدُكم إلى طعامٍ فليُجِب، فإن شاء طعِمَ وإن شاء تركَ " مسلم. وقال :" من تركَ الدعوة فقد عصى اللهَ ورسولَه " متفق عليه. فإن وجهت إليه دعوتين أجاب أسبقهما دعوة، فإن كانتا في آنٍ واحد، قدَّم أقربهما إليه باباً، كما في الحديث:" إذا اجتمعَ الداعيان فأجب أقربهما باباً، وإن سبق أحدهما فأجِبْ الذي سبق "[ ]. وقولنا: ما لم يوجد مانع شرعي؛ فهو لقوله :" المتباريان لا يُجابان، ولا يُؤكل طعامهما "[ ]. وهما اللذان يتباريان بالضيافة فخراً ورياءً أيهما أكثر وأجود ضيافة .. وهذا وللأسف يحصل عند بعض العوائل العربية المتنافسة فيما بينها؛ حيث أن كل عائلة تريد أن تثبت للناس أن وليمة عرس ابنها أكثر كلفة من ولائم أعراس العوائل الأخرى .. وهؤلاء لا يُؤكل طعامهم ولا تُجاب دعوتهم. فإذا انتهى المدعو من طعامه؛ من السّنة أن يقول للداعي وأهله:" اللهم اغفر لهم وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم .. أكل طعامكم الأبرار، وصلَّت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون "، وهذا أدب يغفل عنه كثير من الناس إذ أن منهم من يأكل حتى التّخمة ـ فيتجشّأ من فوق ومن تحت ـ ثم هو مع ذلك يستكثر على مُضيفه أن يخصه بدعاء أو كلمات كالواردة أعلاه .. فينصرف من دون أن يقول له شيئاً! ـ ماذا يُقال للعروسين: عن أبي هريرة، أن النبيَّ كان إذا رَفَّأ الإنسانَ، إذا تزوَّج، قال:" باركَ اللهُ لكَ، وبارَكَ عليك، وجمع بينكما في خير "[ ]. وفي رواية:" على خير ". وقوله " رفَّأ الإنسانَ "؛ أي يهنئه، ويدعو له. وقال :" إذا تزوَّجَ أحدُكم فليُقَل له: بارك اللهُ لك، وباركَ عليك "[ ]. أما القول الشائع بين الناس " بالرفاء والبنين "، فقد نهى عنه رسولُ الله ، كما في الحديث عن عُقيل بن أبي طالب، أنه تزوج امرأة من بني جُشم، فقالوا: بالرفاء والبنين. فقال: لا تقولوا هكذا، ولكن قولوا كما قال رسول الله :" اللهم بارك لهم، وبارك عليهم "[ ]. وفي رواية:" لا تفعلوا ذلك؛ فإن رسولَ الله نهى عن ذلك ". ـ الأعمال التي تُبتَدأ بها الحياة الزوجية: يُستحسن للعريس أن يبتدئ حياته الزوجية بصلاة ركعتين جماعة مع عروسه، فإذا انتهى من صلاته، انفتل إليها، ووضع يده على ناصيتها ـ مقدمة الرأس ـ وسمّ الله ، ودعا بالبركة، وقال:" اللهمَّ إنِّي أسألك من خيرها وخير ما جبَلْتَها عليه، وأعوذ بك من شرِّها وشرِّ ما جبلْتَها عليه "[ ]. أي من شر ما خلقتها وطبعتها عليه، كما في " النهاية ". وعن أبي سعيد مولى أبي أسيد، قال: تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفراً من أصحاب النبي فيهم ابن مسعود، وأبو ذر، وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم ـ أي ليس من حقك أن تؤم المرء في بيته من غير إذنه ـ فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلموني فقالوا:" إذا دخل عليك أهلك فصلِّ ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك وتعوذ به من شره، ثم شأنك وشأن أهلك "[ ]. وقال :" لو أنَّ أحدَكم إذا أرادَ أن يأتي أهله، قال: بسم الله، اللهمَّ حنِّبنا الشيطانَ، وجنِّب الشيطانَ ما رزقتَنا، ثم قُدِّرَ أن يكون بينهما ولدٌ في ذلك؛ لم يضرَّهُ شيطانٌ أبداً "[ ]. ـ حقوق الزوجية: اعلموا أن الحياة الزوجية لها معنى ورسالة أوسع بكثير من أن تُحصَر في الجانب الجنسي وحسب .. وهي تقوم على حقوق وواجبات متبادلة بين طرفي الزواج سواء، فلا هي حقوق وحسب، ولا هي واجبات وحسب، وإنما هي حقوق وواجبات معاً .. وعلى قدر ما تُراعَى هذه الحقوق والواجبات ويُعمَل بها على قدر ما تعمر البيوت بالمحبة والود والخير والعطاء .. وإليكم التذكير ببعض حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها. ـ حق الزوج على زوجته: قال رسولُ الله :" كلُّ نفسٍ من بني آدمَ سيِّدٌ؛ فالرَّجُلُ سيِّدُ أهله، والمرأةُ سيِّدةُ بيتها "[ ]. وقال :" إذا صلَّت المرأةُ خَمسَها[ ]، وصامَت شهرَها، وحَصَّنت فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنَّةَ من أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ "[ ]. وقال :" خيُر النساءِ التي تَسرُّهُ إذا نظَر، وتُطيعُه إذا أمَرَ، ولا تُخالِفُه في نفسِها ولا مالها بما يكره "[ ]. وقال :" خير نسائكم الودود الولود، المواتية[ ] المواسية، إذا اتقينَ الله، وشرُّ نسائكم المتبرِّجات المتخيلات، وهنَّ المنافقات، لا يدخلُ الجنة مِنهنّ إلا مثلُ الغراب الأعصَم "[ ]. وقال :" إذا دعا الرَّجُلُ زوجتَهُ لحاجته فلْتأتِه، وإن كانت على التنُّورِ[ ]"[ ]. وقال :" لو تعلمُ المرأةُ حقَّ الزوجِ، لم تقعد ما حضرَ غداؤهُ وعشاؤه، حتى يَفرغَ منه "[ ]. وعن زيد بن أرقم، أن معاذاً قال: يا رسولَ الله أرأيتَ أهلَ الكتاب يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، أفلا نسجد لك؟ قال:" لو كنت آمراً أحداً أن يسجدَ لأحدٍ لأمرتُ المرأةَ أن تسجدَ لزوجها، ولا تؤدي المرأةُ حقَّ زوجها حتى لو سألها نفسها على قَتَبٍ لأعطته "[ ]. وفي رواية عنه، قال :" لو أمرتُ أحداً أن يسجدَ لأحدٍ؛ لأمرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجها؛ مِن عِظَمِ حقِّه عليها، ولا تجدُ امرأةٌ حلاوةَ الإيمان؛ حتى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها، ولو سألها نفسَها وهي على ظهرِ قَتَبٍ "[ ]. وقال :" والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا تُؤدي المرأةُ حقَّ رَبها حتى تُؤدِّي حَقَّ زوجِها كُلَّه "[ ]. وعن حُصين بن مُحصن، قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسولَ الله في بعض الحاجة، فقال:" أي هذه أذاتُ بعلٍ؟[ ]". قلت: نعم، قال:" كيف أنتِ له؟" قالت: ما آلوه[ ]، إلا ماعجزت عنه، قال:" فانظري أين أنت منه؛ فإنما هو جنَّتُكِ ونارُكِ[ ]"[ ]. وقال :" لا ينظرُ الله إلى امرأة لا تَشكُر لزوجِها[ ]، وهي لا تَستغني عنه "[ ]. وقال :" إذا دعا الرجلُ امرأتَهُ إلى فراشه فأبت، فبات غَضبانَ عليها؛ لعنتها الملائكةُ حتى تُصبحَ " متفق عليه. وقال :" والذي نفسي بيده، ما من رجل يدعو امرأتَهُ إلى فراشه فتأبى عليه[ ]؛ إلا كان الذي في السماءِ ساخِطاً عليها، حتى يرضى عنها " مسلم. أي زوجها. وقال :" اثنان لا تجاوز صلاتُهما رؤوسَهما: عبدٌ آبِقٌ من مواليه حتى يرجِعَ، وامرأةٌ عصَت زوجَها حتى ترجِعَ "[ ]. وقال :" ثلاثةٌ لا تُجاوز صلاتُهم آذانَهم ـ منهم ـ: وامرأةٌ باتت وزوجُها عليها ساخِطٌ "[ ]. وقال :" لا تصُمْ المرأةُ وبعلُها شاهِدٌ إلا بإذنه غير رمضان، ولا تأذن في بيته وهو شاهدٌ إلا بإذنه[ ]" متفق عليه. وغيرها كثير من النصوص التي تدل على عِظَم حق الزوج على زوجته .. قد تناولنا كثيراً منها في كتابنا " حقوق وواجبات " فليراجعه من شاء. ـ حق الزوجة على زوجها: في المقابل فللزوجة حق على زوجها، فكما أن حقه عليها واجب عليها، كذلك حقها عليه هو واجب عليه .. قال تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:228. أي ولهنَّ على أزواجهنَّ من الحقوق مثل الذي عليهن من الواجبات نحو أزوجهن.[ ]. قال ابن كثير في التفسير: أي ولهنَّ على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤدّ كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف ا- هـ. وقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوف النساء:19. وفي الحديث: عن معاوية بن حيدة، قال: قلت يا رسولَ الله ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟قال:" أن تطعمَها إذا طَعمتَ، وتَكسوها إذا اكتَسيتَ، ولا تَضرِبْ الوجهَ، ولا تُقبِّحْ[ ] ولا تهجرْ إلا في البيتِ [ ]". وعنه قال: قلت يا رسولَ الله نساؤنا ما نأتي منهنَّ وما نَذَر؟ قال:" ائتِ حرثكَ أنَّى شِئتَ، وأطعمها إذا طعِمتَ، واكسها إذا اكتَسَيْتَ، ولا تُقبِّح الوجهَ، ولا تضرب "[ ]. وقال :" كفَى بالمرء إثماً أن يُضيِّعَ من يَقُوت "[ ]. أي من يُعيل من النساء، والأبناء، وغيرهم ممن يدخل في رعايته. وقال :" اللهم إني أحَرِّجُ [ ] حق الضعيفين: اليتيم، والمرأة "[ ]. وعن عمرو بن الأحوص الجشمي، أنه سمعَ النبَّي في حَجَّة الوداع، يقول بعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه ووعظ، ثم قال:" ألا واستوصوا بالنِّساءِ خيراً، فإنما هنَّ عَوانٍ[ ] عندكم ليس تملكون منهنَّ شيئاً غير ذلك[ ]، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة، فإن فعلْنَ فاهجروهن في المضاجِع واضربوهن ضَرباً غيرَ مُبرِّحٍ، فإن أطعنَكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً[ ]، ألا إن لكم على نسائكم حقاً ولنسائكم عليكم حقَّاً؛ فحقكم عليهن أن لا يُوطِئن فرُشَكُم مَن تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تَكرهون، ألا وحقهُنَّ عليكم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كسوتِهِنَّ وطعامهِنَّ "[ ]. وقال :" إن اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاهُ؛ حَفِظَ أم ضيَّعَ، حتى يسألَ الرجلَ عن أهلِ بيته "[ ]. وقال :" إن أعظمَ الذنوبِ عند الله رجلٌ تزوَّجَ امرأةً، فلمَّا قضى حاجتَه منها طلَّقها وذَهبَ بمهرها، ورجلٌ استعملَ رجلاً فذهبَ بأجرته، وآخَرُ يقتلُ دابَّةً عَبَثاً "[ ]. عن المقدام بن معدي كرب، أن رسولَ الله قامَ في الناسٍ فحمدَ اللهَ وأثنى عليه، ثم قال:" إن اللهَ يوصيكم بالنساء خيراً، إن اللهَ يوصيكم بالنساء خيراً؛ فإنهنَّ أمهاتُكم، وبناتُكُم وخالاتُكم، إن الرجلَ من أهلِ الكتابِ يتزوجُ المرأةَ وما يعلُقُ يَداها الخيطَ، فما يرغبُ واحدٌ منهما عن صاحبه حتى يموتا هَرَماً "[ ]. وقال :" لا يَفرَكُ[ ] مؤمنٌ مؤمنةً، إن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخر " مسلم. وقال :" إن النساءَ شقائِقُ الرجال "[ ]. وقال :" خيارُكم خيارُكم لنسائهم "[ ]. وقال :" خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي "[ ]. وقال :" خيركُم ، خيركُم للنساء "[ ]. وقال :" أكملُ المؤمنين إيماناً أحسنُهم خُلُقاً، وخِيارُهم خِيارُهم لنسائهم "[ ]. وقال :" دينارٌ أنفقتَه في سبيلِ الله، ودينارٌ أنفقته في رقبةٍ[ ]، ودينارٌ تصدَّقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلِك؛ أعظمُها أجراً الذي أنفقتَه على أهلِك " مسلم. وعن عرباض بن سارية، قال: قال رسولُ الله :" إذا سَقى الرجلُ امرأتَه الماءَ أُجِرَ "، فقمت إليها فسقيتها وأخبرتها بما سمعت[ ]. وعن عائشة رضي الله عنها أنها سئُلت عن النبي ما كان يَصنعُ في بيته؟ قالت:" كان يكون في مهنةِ أهلِه ـ تعني في خدمة أهلِه[ ]ـ فإذا حضرَت الصلاةُ، خرجَ إلى الصلاة " البخاري. ومن الحقوق التي يجب أن تُؤدَّى للمرأة أن يعلمها زوجها الدين وأن لا يكتمها علماً نافعاً ـ ينفعها في دينها وآخرتها ـ يعلمه .. فإن لم يكن من أهل العلم، أتاح لها الفرصة للتعلم وسؤال أهل العلم، كما قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا طه:132[ ]. وقال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ النحل:43. فالأمر في قوله تعالى فَاسْأَلُواْ ؛ يطال الرجال والنساء سواء. وقال :" من كتمَ عِلماً عن أهله، أُلجِمَ يومَ القيامةِ لجاماً من نارٍ "[ ]. وعن علي ، في قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ، قال: علِّموا أهليكم الخيرَ[ ]. وقال :" لا تمنعوا النساءَ حظوظَهُنَّ مِن المساجِد[ ]، إذا استأذَنَّكُم " مسلم. وغيرها كثير من الحقوق التي يجب أن تُراعَى وتُؤدّى من قبل الزوج إلى زوجته، قد تناولناها في كتابنا " حقوق وواجبات " فليراجعه من شاء. ـ الحقوق متبادلة: كما هو ملاحظ فالحقوق متبادلة بين الطرفين؛ إذ لكل منهما حق على الطرف الآخر .. ومن الأخطاء القاتلة التي يقع بها بعض الأزواج ـ سواء كانوا من الرجال أم من النساء ـ أنهم ينظرون إلى حقوقهم دون حقوق الطرف المقابل .. فلا يرون من الحياة الزوجية إلا حقوقهم ومصالحهم .. ولا يحفظون من الأحاديث والتوجيهات النبوية إلا ما يعني حقوقهم وحسب .. فتراهم يُطالبون ويذَكّرون بحقوقهم على الطرف الآخر .. من دون أن يكلفوا أنفسهم النظر فيما يجب للطرف المقابل عليهم من الحقوق .. فيقع بسبب ذلك الظلم، والتفريط بحقوق الطرف الآخر .. ومن ثم يقع المحظور الأكبر؛ ألا وهو الطلاق والفراق! وأحياناً يحصل في العلاقة الزوجية .. أن طرفاً يعرف للطرف المقابل حقوقَه، ويُؤديها له .. بينما الطرف الآخر لا يعرف للطرف الذي يقابله حقوقه فضلاً عن أن يؤديها إليه .. وهذا أيضاً من الظلم والتفريط الذي لا تُرجى عواقبه! والواجب في هذه الحالة أن يحفظ كل طرف ما للطرف المقابل من حقوق أكثر مما يحفظ ما له على الطرف المقابل من حقوق .. وأن يحرص على أداء حقوق الطرف المقابل أكثر مما يحرص على تحصيل حقه منه .. ولو تمَّ ذلك على الوجه الأكمل ـ وترفّعت الأنفس عن شحها وأنانيتها ـ تيقّنوا أن البيوت لعمرت بالمحبة والود والخير والتفاهم .. وأن الشقاق والطلاق لما عرفا سبيلهما إلى كثير من بيوت المسلمين التي عاشت تجربة الطلاق والفراق! ونقول كذلك: يجب أن تُمارس هذه الحقوق، وأن تؤدّى من كل طرف إلى الطرف المقابل طواعية .. على أنها طاعة وعبادة لله تعالى، يلتمس عليها الأجر والمثوبة من الله تعالى .. يرجو منها الفوز برضى الله تعالى وجناته ونعيمه .. فهذا مما ـ لا شك فيه ـ يهوّن الأمر على الزوجين معاً .. ويجعلهما يتسابقان في أداء الحقوق نحو بعضهما البعض بشيء من اللذة والسعادة .. لعلمهما أن في أداء هذه الحقوق ـ نحو بعضهما البعض ـ يتعبدان لله تعالى .. كما يتعبد الناسك العابد في مسجده وزيادة .. وأنهما بذلك يفوزان برضى الله عليهما .. فيبارك الله لهما في زواجهما وذرياتهما. ـ استغلال خاطئ: من الأخطاء القاتلة والشائعة في الحياة الزوجية التي يقع فيها بعض الأزواج من الرجال .. أن منهم من يُطالب بحقوقه من زوجته بنوع استعلاء واحتقار واستعباد .. فيستغل ما له من حق استغلالاً خاطئاً؛ فيشعر زوجتَه أنها أمَةٌ له من دون الله تعالى .. وأنها يجب عليها طاعته من دون الله تعالى .. وأن هذه الحقوق تُؤدَّى له لذاته لأنه هو هو .. وليس طاعة وعبادة لله .. وكأنه هو المقصود من العبادة من دون الله .. والعياذ بالله .. وهذا المسلك الطغياني الباطل، يُضعِف العلاقة فيما بين الزوجين .. ويجعل المرأة تؤدي حقوق زوجها عليها بمزيد من الفتور والنفور .. والغش .. واللامبالاة .. ثم هي لو وجدت فرصة للتهرب من القيام بحقوقه عليها فلا تقصِّر جهداً .. والمخطئ الملام حينئذٍ هو الزوج الذي أفهم زوجته أنها بأدائها لحقوقه عليها هي أمَة له من دون الله تعالى! ـ مراعاة الاستطاعة: وإن كان الأصل في الحقوق أن تؤدَّى كاملة من كل طرف نحو الطرف المقابل؛ إلا أن ذلك مشروطاً بالاستطاعة والقدرة، فإن حصل لدى طرف من الطرفين ـ في مرحلة من المراحل ـ العجز عن أداء كامل الحقوق يجب على الطرف المقابل أن يتفهم ذلك، وأن يُقيل العثرات، وأن يخفض من ثقف طلباته من الطرف الآخر .. لأن التكاليف الشرعية كلها؛ سواء منها المتعلق بحق الله تعالى أم المتعلق منها بحق العباد .. يُشترَط فيها الاستطاعة، فإن حصل العجز، رُفع التكليف إلى حين تحقق القدرة، لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16. وقوله تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم " البخاري. وبخاصة إن قضى الله بين الزوجين عشرة طويلة؛ فلا ينبغي حينئذٍ أن ينسيا الفضل بينهما، أو أن يكفر أحدهما نعمة ومعروف وفضل الآخر لأدنى خلاف أو تقصير يقع من أحدهما نحو الآخر، قال تعالى: وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ البقرة:237. وقال في النساء:" أُريت النارَ فإذا أكثر أهلها النساء يكْفُرْنَ ". قيل أيكفرن بالله؟! قال:" يكفُرْن العشير، ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهنّ الدهرَ ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيتُ منك حيراً قط " البخاري. وصفة كفران العشير والإحسان وإن كانت هي ألصق بالنساء ـ كما أفاد الحديث الشريف ـ إلا أن هذا لا يعني خلو الرجال ممن يكفر العشيرة والإحسان، ولأدنى خلاف مع زوجته .. وهذا لا يجوز .. ولا يليق بين الأكابر من الأزواج!
يتبع[center] | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:10 am | |
| ـ القناعة، القناعة: صدَق من قال: القناعة كنز لا يفنى .. وقِيل: القناعة مال لا ينفد .. ومن لوازم القناعة أن لا يحرص الزوجان ـ بأنانية مفرطة ـ على أن يُطالب كل واحد منهما الطرف الآخر بأقصى ما له من حقّ عليه .. بحيث لو أن أحدهما لم يأتِ بالكمال أو أتى بالحقوق منقوصة بعض الشيء أقام الدنيا وما أقعدها على الطرف المقابل .. وأكثر من المعاتبة والشكاية .. والصخب .. وأثار المشاكل، والقلاقل .. لماذا حقوقه لم تأته كاملة .. أو جاءته ناقصة بعض الشيء؟! أقول: هذه الأنانية المفرطة التي يتصف بها بعض الأزواج .. من الرجال والنساء سواء .. تُسيء للحياة الزوجية أيما إساءة .. وتُثير المشاكل التي لا تُحمد عقباها .. والواجب في هذه الحالة أن تُقال العثرات .. وتُستَر الكبوات والغفلات .. والسهوات .. وتتوسع ساحة الأعذار فيما بين الزوجين المتحابين .. فمن علامات صدق المحبة أن يجد الحبيب لمحبوبه ألف عذر وعذر، عند حصول التقصير .. وأن لا يُكثر من شكايته للآخرين .. كما ينبغي ـ عند مورد التقصير ـ أن تُذكَر حسنات المقصّر .. والجوانب التي أجاد وأحسن فيها .. والصفات الحميدة التي يتحلى بها .. وعلى مبدأ إن الحسنات يُذهبن السيئات .. فهذا أدعى للإنصاف .. والرضى .. ولبقاء الود بين الزوجين، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" لا يَفرَكُ مؤمنٌ مؤمنة؛ إن كرِه منها خلُقاً رضي منها آخر " مسلم. وقوله " لا يَفرَكُ "؛ أي لا يبغضها إلى حد الطلاق. وكذلك يُقال للمؤمنة: لا تفركُ مؤمنة مؤمناً فتسعى في خلعه والخلاص منه؛ إن كرهت منه خلقاً رضيت منه آخر .. وتذكّرت ما له عليها من فضل، فترضى وتقنع! ـ خطأ قاتل: من الأخطاء القاتلة المدمرة للحياة الزوجية التي يقع فيها بعض الأزواج ـ من الرجال والنساء سواء ـ عدم احترام كل طرف لأبوَي الطرف المقابل .. وحرص كلا الطرفين أو أحدهما ـ حسداً وأنانية وغيرة من عند نفسه الأمارة بالسوء ـ كيف يبعد الطرف المقابل عن أبويه .. وكيف يحمله على استعداء ومجافاة أبويه! ولهؤلاء أقول: الأبوان نسَب لأبنائهما، وهما ألصق الرحم بالزوجين وبحياتهما .. لا يجوز ولا يمكن شرعاً ولا عقلاً ولا تربوياً تجاوزهما أو الاستهانة بحقوقهما .. ومن أبى إلا أن يفعل فإن النتائج ـ لا محالة ـ ستنعكس سلباً عليهما وعلى حياتهما الزوجية .. ومستقبل أبنائهما التربوي والنفسي .. وما أكثر الأدلة الدالة على ذلك لو أردنا الاستطراد والاستدلال! ـ الرّفق، الرفق عبادَ الله: لا شيء يُعمّر البيوت بالخير والمحبة والسعادة والرزق كالرفق .. ولا شيء يُشين البيوت كالعنف والشدة، وانتفاء الرفق، وإذا أحب الله بيتاً أدخل إليه الرفق، وإذا أراد بأهله خيراً أدخل عليهم الرفق، كما في الحديث:" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ في الأمرِ كُلِّه " البخاري. وقال :" إنَّ اللهَ رفيقٌ يُحبُّ الرِّفقَ، ويُعطِي على الرفقِ ما لا يُعطي على العنفِ، ومَا لا يُعطي على ما سواهُ " مسلم. وقال :" إنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيءٍ إلا زانَهُ، ولا يُنزَعُ من شيءٍ إلا شانَه " مسلم. وقال :" مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحْرَمِ الخيرَ " مسلم. وقال :" من أُعطي حظَّهُ من الرفق فقد أُعطي حظّه من الخير، ومن حُرِم حظه من الرفقِ فقد حُرِم حظه من الخير "[ ]. وقال :" إن اللهَ إذا أحبَّ أهل بيتٍ أدخلَ عليهم الرفق "[ ]. وقال :" إذا أراد الله بأهل بيتٍ خيراً أدخل عليهم الرفق "[ ]. وقال :" ما أُعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم، ولا منعوه إلا ضرَّهم "[ ]. وقال :" ما من أهل بيتٍ يحرمون الرفقَ إلا حُرِموا الخيرَ "[ ]. وفي رواية عند أبي دواد:" إلا حُرِموا الخيرَ كله ". وقال :" لا تُنزَع الرحمةُ إلا من شَقيٍّ "[ ]. وقال :" ثلاثة كلهم ضامن على الله إن عاش رُزِق وكُفِي، وإن ماتَ أدخلَه الله الجنَّة ـ منهم ـ: مَن دخلَ بيتَه فسلَّمَ، فهو ضامِنٌ على الله .. "[ ]. تصوروا؛ مجرد أن يدخل الرجل بيته فيسلم على أهله ـ وفي ذلك من الرفق ما فيه ـ فقد تكفَّل الله بأن يكفيه مؤونة الرزق ما عاش، وإن مات أدخله الله الجنة .. كل هذا الخير والعطاء مقابل مجرد أن يسلم المرء على أهل بيته .. إن دخل عليهم! حقاَ ثم حقاً من حُرِم الرفق .. فقد حُرِم خيراً كثيراً .. لا حرمنا الله وإياكم الرفق ولا بركات الرفق. والرفق وإن كان المعني من المطالبة به بالدرجة الأولى هم الرجال لقرب طبيعتهم إلى العنف والخشونة والشدة أكثر من النساء، إلا أن النساء أيضاً لا يُستَثنين من مطالبتهن بالرفق .. فالرفق ـ وكذلك ضده العنف والشدة والفجور في الخصام ـ هو خُلُق؛ فكما أن الرجال يتخلقون به، كذلك فالنساء يمكن أن يتخلقن به .. وبالتالي فهنّ مطالبات بالرفق .. وبتعزيز خلق الرفق في البيت كما يُطالب بذلك الرجال سواء .. والعنف وما يُضاد الرفق بحقهن أقبح منه في الرجال. ـ أثر المعصية على الحياة الزوجية: كلنا بحاجة إلى الله تعالى .. وهو الغني عنا وعن خلقه .. وما عند الله تعالى لا يُطلب بمعصيته، وإنما بطاعته وامتثال أمره .. فكم من خير يتنزل، فتصده المعصية، وتمنع من اتمام نزوله .. وكم من خير ممنوع تتنزَّله الطاعة بإذن الله .. وكان من السلف يخاف من معاصيه على نفسه، أكثر مما يخاف أن يُؤتَى من قبل العدو .. ومنهم من كان يقول: إني لأجد أثر معصيتي في خلق دابتي وامرأتي! فمن جوالِب السعادة في الحياة الزوجية طاعة الله تعالى .. ومن جوالب الشقاء، والنكد، والكآبة، والمشاكل في الحياة الزوجية معصية الله تعالى .. وقد خاب وخسر وندم من استبدل المعصية بالطاعة .. ولات حين مندم! قال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ الطلاق:2-3. وقال تعالى: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطلاق:4. قال ابن القيم: كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسراً، فمن عطَّل التقوى جعلَ له من أمره عسراً ا- هـ. وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ الشورى:30. قال علي بن أبي طالب :" ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة ". وقال رسول :" إن الرجلَ ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه "[ ]. وفي الحلية عن ابن عباس، أنه قال:" يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته، وما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته: قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب، وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب، ويحك هل تدري ما كان ذنب أيوب فابتلاه الله بالبلاء في جسده وذهاب ماله؟! استغاث به مسكين على ظالم يدرؤه عنه، فلم يعنه، ولم ينه الظالم عن ظلمه، فابتلاه الله ". وعن محمد بن سيرين:" أنه لما ركبه الدَّين اغتُمّ لذلك، فقال: إنّي لأعرف هذا الغم بذنبٍ أصبته منذ أربعين سنة ". فالعاصي قد لا تنزل به عقوبة معصيته في الحال .. بل قد تُؤخَّر ـ ما شاء الله لها أن تتأخر ـ حتى يظن العاصي أنه في مأمن من العقوبة، وأن ذنبه مرّ من غير عقوبة .. تنزَّلت العقوبة، وأصابته آثارها .. فإن كان من أهل الفطانة واليقظة عرف السبب .. وتذكّره .. وإن كان من أهل الغفلة والنسيان تساءل من أنَّى هذا .. قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:165. ـ مسألة القَوَامة: الأسرة من أعظم مؤسسات المجتمع .. والتي بنجاحها تعمر المجتمعات بالرقي والتحضر والخير .. وبتخلفها وفشلها .. تتخلف المجتمعات عن ركب التحضر والتقدم والإزدهار .. وهي كأي مؤسسة لا بد لها من مدير وقيّم يدير ويرعى شؤونها .. لا يجوز أن تُترَك من دون ذلك .. كما لا يجوز أن يرأسها أكثر من رئيس أو مدير .. وإلا لتعارضت إرادات المدراء والرؤساء .. وتضاربت وتناقضت .. وتعرضت مؤسساتهم للفشل والدمار .. والأسرة من تلك المؤسسات بل من أعظمها إن لم تكن أعظمها .. والناس كما يقبلون من غير اعتراض ولا نقاش أن يكون لكل مؤسسة من مؤسسات حياتهم ومجتمعاتهم رئيساً ومديراً واحداً .. يجب عليهم كذلك أن يقبلوا من غير تعقيب ولا نقاش أن يكون لمؤسسة البيت والأسرة رئيساً ومديراً واحداً لا أكثر. وقد قدَّر الله تعالى وشاءت مشيئته بأن يكون القيم المدير في المؤسسة الاجتماعية الأهم والتي اسمها الأسرة هو " الرجل "، كما قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ النساء:34. وقال تعالى: وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ البقرة:228. والمراد بالدرجة قد فسرتها الآية التي قبلها في سورة النساء. وفي الحديث فقد صحّ عن النبي أنه قال:" كلُّ نفسٍ من بني آدم سيّدٌ، فالرجلُ سيدُ أهله، والمرأةُ سيدة بيتها "[ ]. وقال :" كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، والرجلُ راعٍ على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده " متفق عليه. هذه مشيئة الله تعالى وحكمته قضت بأن تكون القوامة في الأسرة للرجل .. فمن أبى إلا المماحكة والجدال، والاصطياد في الماء العكر باسم حقوق المرأة .. نقول له: اخرس ... خسِئت .. لن تعدو قَدْرَك ... أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ البقرة:140. وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ البقرة:216. ـ معنى القوامة: قال تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ؛ أي قائمون على النساء بالرعاية، والنفقة، والحماية، والتوجيه الحسن، والتعليم، وتلبية حوائجهن الدينية والدنيوية .. وبما يحقق مصالحهن الدينية والدنيوية معاً .. وهو المراد من قوله في الحديث المتقدم:" والرجلُ راعٍ على أهل بيته ". فالقوامة من هذا الوجه مسؤولية وأمانة، وجهد وجهاد، ورعاية تكليف لا تشريف فيها ولا استعلاء، فالشّرف والكرامة لا يُقاسان بالذكورة أو الأنوثة، لمجرد الذكورة أو الأنوثة، وإنما بالأعمال، والتقوى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ الحجرات:13. فالأكرم هو الأتقى ـ بغض النظر عن جنسه ـ ومن كان الأكرم عند الله تعالى فهو الأكرم عند عبد الله. لذا قد جاء الوعيد والترهيب بحق مَن يُفرّط من الرجال بمتطلبات هذه الأمانة والقوامة والرعاية فقال :" كفى بالمرء إثماً أن يُضيع مَن يقوت "[ ]. أي من يُعيل ويرعى من النساء والولدان، والضياع هنا يشمل المعنيين: تضييعهم في دينهم، وتضييعهم في أمور دنياهم ومعيشتهم .. والضياع الأول أخطر وأشد من الثاني. وقال :" من قُتِل دون أهلِه فهو شهيد "[ ]. فمما تعنيه القوامة وتشمله القتال دونهن في سبيل الله. قال القرطبي في التفسير: قوله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ابتداء وخبر؛ أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضاً فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء ا- هـ. وقال عبد الرحمن السعدي في التفسير: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء أي؛ قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه، وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك، وقوامون عليهن أيضا بالإنفاق عليهن، والكسوة ، والمسكن ا- هـ. وقال الشوكاني في التفسير: فقال: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ إلخ، والمراد أنهم يقومون بالذب عنهن كما تقوم الحكام والأمراء بالذب عن الرعايا، وهم أيضاً يقومون ما يحتجن إليه من النفقة والكسوة والمسكن وجاء بصيغة المبالغة في قوله قَوَّامُونَ ليدل على أصالتهم في هذا الأمر ا- هـ. ـ سبب القوامَة: يظهر من خلال الآية الكريمة الآنفة الذكر أعلاه أن القوامة في البيت كُتبت للرجل، وذلك لسببين: أولهما: بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ؛ والتفضيل مرده إلى أمرين: تفضيل الرجال على النساء من جهة بعض الأعمال؛ فيقوم الرجال بها من دون النساء: من ذلك الجهاد، والإمارة العامة، والقضاء، والضرب في الأرض .. فالرجال منهم الأنبياء والرسل، والحكام، والقضاة .. وليس للنساء من ذلك شيء. ومن جهة النفس: فنفس الرجل ـ بشكل عام ـ أقوى من نفس المرأة من جهة الجسد، والعقل، والدين، والعاطفة .. تمكنه من مهام القوامة أكثر من المرأة .. فالمرأة محاطة بمجموعة من التقلبات الجسدية والسلوكيات الاضطرارية والعاطفية ـ لا يحصل منها شيء للرجل ـ تؤثر على مهامها القيادية .. من ذلك: الحمل، والولادة، والإحاضة، والنفاس، والإرضاع، وترك الصلاة والصيام في حالتي الحيض والنفاس .. وترك الصيام كلياً في حالتي الحمل والرضاعة .. وترك الجمَع والجماعات فلا يجب عليها في ذلك ما يجب على الرجل .. كما قال تعالى: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى آل عمران:36. فكل منهما له خصائصه وصفاته الخاصة به والتي تميزه عن الآخر .. هذا أمر واقع وحق مشاهد لا مجال للمرية والمماحكة فيه! لكن هذه التقلبات والسلوكيات التي تحصل للمرأة من دون الرجل .. وإن كان لها أثرها على المهام القيادية العامة، والتي منها القوامة على الأسرة .. إلا أنها سبب رئيسي لاستمرار وعمران الحياة .. لذلك فهذه الصفات الأنثوية ليست صفات نقص على الإطلاق .. فهي وإن كانت من وجه صفات نقص أو ضعف إلا أنها من جهات عدة تعتبر صفات كمال لا قوام ولا عمران ولا استمرار للدنيا والحياة إلا بها .. بها استحقت المرأة أن يكون حقها على ولدها الرجل ـ سواء كان حاكماً أو أميراً أو قاضياً ـ أعظم وأغلظ حق بعد حق الخالق وحق نبيه محمد .. وهو مجبر ـ شاء أم أبى ـ أن يلتمس الجنة عند رجلها! قال القرطبي في التفسير: قيل: للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء؛ لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف؛ فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك ا- هـ. وقال عبد الرحمن السعدي في التفسير: فتفضيل الرجال على النساء، من وجوه متعددة؛ من كون الولايات مختصة بالرجال، والنبوة، والرسالة، واختصاصهم بكثير من العبادات؛ كالجهاد، والأعياد، والجمَع. وبما خصهم الله به، من العقل، والرزانة، والصبر، والجلَد، الذي ليس للنساء مثله ا- هـ. ثانيهما: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ؛ فالنفقة الواجبة على الرجل نحو أهله ـ إضافة لما تقدم ـ سبب ثانٍ في القوامة. فإذا توقف أو امتنع الرجل عن النفقة سقطت نصف قوامته على أهله .. وأصبح ناقص القوامة، بل من أهل العلم من أسقط كامل القوامة عن الرجل بسقوط نفقته عن امرأته. قال القرطبي في التفسير: فهم العلماء من قوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة؛ وهو مذهب مالك والشَّافعي ا- هـ. وقال الشوكاني في التفسير: قوله وَبِمَا أَنفَقُواْ أي: وبسبب ما أنفقوا من أموالهم .. والمراد ما أنفقوه في الإنفاق على النساء، وبما دفعوه في مهورهن من أموالهم، وكذلك ما ينفقونه في الجهاد وما يلزمهم في العَقل. وقد استدل جماعة من العلماء بهذه الآية على جواز فسخ النكاح إذا عجز الزوج عن نفقة زوجته وكسوتها، وبه قال مالك والشافعي وغيرهما ا- هـ. قلت: من رجالات هذا الزمان ـ وما أكثرهم ـ من يشترط ـ قبل الزواج ـ في زوجته أن تكون موظفة وعاملة تدر عليه وعلى بيته مالاً وراتباً شهرياً .. ومنهم من يُطالِب زوجته ـ بعد الزواج إن لم تكن من ذوات الوظيفة ـ بالعمل عند الناس، والضرب في الأرض ـ وفي ذلك من المحاذير ما فيه ـ لتنفق على نفسها، وعليه، وعلى بيته وأبنائه .. ثم هو مع ذلك في المقابل تراه يُطالب بكامل القوامة عليها، والويل لها لو قصرت في شيء مما تستلزمه القوامة .. فهو سرعان ما يذكرها بأنه القيم في البيت .. وما عليها إلا الطاعة والامتثال .. وهذا ـ في ميزان الحق والعدل ـ لا يصح، ولا يجوز .. وما أكثر المشاكل الزوجية الناجمة عن هذا الفهم والسلوك الخاطئين لمعنى ومفهوم القوامة ولوازمها! فمن أراد لزوجته أن تعمل موظفة عند الناس لكي تنفق على نفسها وعليه، وعلى أبنائه .. فعليه أن يتقبل ـ بنفس طيبة راضية ـ فكرة التنازل عن نصف القوامة على أهله .. إن لم تكم كلها ـ كما تقدم عن بعض أهل العلم ـ كما عليه أن يخفض من ثقف مطالبه بحقوقه كزوج .. إذ ليس من العدل والإمكان أن يُطالبها بالعمل، والضرب في الأرض، ومن ثم يُلزمها بالنفقة على نفسها والبيت .. ثم بعد ذلك يُطالبها بكامل الحقوق الزوجية غير منقوصة .. وبكامل الرعاية لأبنائه .. فهذا لا يمكن تحقيقه .. وهو ظلم وأنانية من الزوج .. والملام ـ على حصول التقصير والمشاكل الناجمة من جراء ذلك ـ حينئذٍ هو لا غيره!
ـ خوارم القوامة: مما يُنقِص ويُضعِف من قوامة الرجل على أهله، أمران: أحدهما: عدم مراعاة الكفاءة بين الزوجين؛ بحيث تكون المرأة من ذوات تحصيل العلم العالي .. ومن ذوات العلم والفقه والأدب .. ومن بيت يُعرَف بالعلم والشَّرف والاستقامة .. بينما زوجها جاهل .. فاسق .. صعلوك .. لا يُحسِن القراءة والكتابة جيداً .. لا اجتهاد ولا جهاد .. من ذوي الاهتمامات والسلوكيات الوضيعة .. لا يعرف ولا يُحسن أن يُنزل الناس منازلهم .. فمثل هذا الاختيار غير الموفّق سيُربك الزوج كثيراً عندما يُطالَب بأن يتعامل مع زوجته بطريقة لائقة صحيحة .. وأن يُمارس عليها مهام القوامة الشرعية الكاملة .. ولو حاول سيقع في كثير من الأخطاء والمشاكل وهو يدري أو لا يدري .. التي لا سبيل للفكاك منها إلا بالطلاق أو بمزيد من المشاكل لتتراكم بعضها فوق بعض؛ لأنه فاقد لمقومات القوامة على هكذا زوجة .. وفاقد الشيء لا يُعطيه .. بل ربما يُعطي عكسه .. فيتحقق عكس المراد من القوامة[ ]. من هنا حضَّت السنة على مراعاة الكفاءة في الزواج، فقال :" تخيَّروا لنطفكم، وأنكحوا الأكفاءَ، وأنكحوا إليهم "[ ]. وقد تقدم معنا الحديث، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، قال: جاءت فتاة إلى رسول الله فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خَسِيسَتَه، قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن أُعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء[ ]. وقولها " ليرفع بي خَسِيسَتَه "؛ أي زوجني منه ليرفع بي دناءته وخِسته، ووضاعته فيجعله بي عزيزاً ذا مكانة .. وهو ليس كفأً لي، فخيرها النبي " فجعل الأمر إليها " إن شاءت أمضت عقد أبيها .. وإن شاءت فسخت العقد .. وذلك مراعاة منه لأهمية الكفاءة .. وأن قوامة الرجل على أهله لا يمكن أن تتحقق على وجه الأكمل إلا بعد تحقق الكفاءة.
ـ تنبيه: لا مشكلة في ممارسة قوامة الرجل على أهله إن كان فارق الكفاءة لصالحه .. أو كانت الكفاءة متماثلة بين الطرفين .. فحينئذٍ يُمارس الرجل القوامة بكل جدارة ومسؤولية .. ومن دون مشاكل تُذكَر .. وكلما كانت الكفاءة تميل لصالح الرجل كلما كان ذلك أحسن .. بينما لو كان الفارق في الكفاءة لصالح الزوجة .. وكان الفارق كبيراً فحينئذٍ يصعب أن يوضع العالِم في موضع التلميذ المتلقي، والجاهل في موضع العالم والأستاذ الملقِّن .. وبالتالي ينبغي أن نتوقع حصول بعض المشاكل والصعوبات عند ممارسة القوامة من هكذا رجل على هكذا امرأة، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك أعلاه. فإن قيل: هذه ظاهرة موجودة وتتكرر .. وبالتالي ألا يمكن علاجها من دون حصول المشاكل، أو اللجوء إلى الطلاق والتفريق ..؟! أقول: إن حصل الخطأ في التقدير فتزوجت المرأة بمن هو أقل منها كفاءة .. وكان الفارق بينها وبين زوجها في الكفاءة كبيراً .. حينئذٍ يمكن لهما أن يتعايشا من دون مشاكل، ومن دون أن يلتجئا إلى الطلاق، في حالة واحدة، وهي: عندما يتفهم الزوج هذا الفارق في الكفاءة بينه وبين زوجته؛ فينزل زوجته منزلتها التي تليق بها .. وينصف الحق لو جاء من جهتها .. ويجتهد في أن يستفيد من علمها وفقهها ونصائحها من دون أن يجد في نفسه أدنى غضاضة أو حرج .. فالحق ضالة المؤمن أينما وجده، ومن أي طريق جاءه أخذه ولاذ به .. ومن جهة ثانية تعمل المرأة بتواضع وحب وإخلاص وصبر ـ من غير منة ولا شكاية ولا أذى ـ على رفع مستوى كفاءة زوجها العلمية والدينية والإيمانية .. وعلى نصحه فيما يتعين فيه النصح .. فإن قبل كل منهما بأن يقوما بهذا الدور .. يعيشا ـ بإذن الله تعالى ـ بوئام وحب واحترام متبادل ما قدر الله لهما أن يعيشا .. ومع الزمن والتدريب قد ترتفع كفاءة الرجل لتوازي كفاءة زوجته .. وربما تزيد .. ويحصل بذلك المراد والمطلوب .. فإن لم يفعلا ذلك .. وبقي الرجل يعيش في عالم كبريائه وكبره وجهله وتخبطاته .. فيحتقر زوجته .. ويرد الحق لو جاء منها لكونها امرأة أو زوجته .. وبقيت المرأة تُعاني من انعدام التفاهم .. للفارق في الكفاءة فيما بينها وبين زوجها .. فحينئذٍ ينبغي أن نتوقع حصول المكروه، الذي أشرنا إليه من قبل. ثانياً: كذلك من خوارم القوامة ونقصانها عندما تُلزم المرأة بالعمل ومن ثم بالنفقة على نفسها وبيتها وأبنائها .. فحينئذٍ تنقص القوامة وتضعف كثيراً .. وربما تزول كلياً .. كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. فمن يحرص من الرجال على القوامة كاملة .. ويُطالب بها كاملة غير منقوصة .. عليه أن يتنبه لهذين الأمرين المشار إليهما أعلاه .. وأن يرتفع بنفسه إلى مستوى ومسؤوليات القوامة الشرعية، والمطلوبة. ـ تنبيه آخر: المرأة إن كانت من ذوي المال والسَّعة .. لها أن تنفق ـ لو شاءت ـ على بيتها وزوجها وأبنائه كمعروف وصدقة منها .. فلها أجر في ذلك، وتُكتب لها صدقة بإذن الله .. فهي إن شاءت فعلت وإن شاءت أمسكت .. وهذا لا يضر الزوج في شيء، كما لا يُنقِص من قوامته على أهله في شيء .. لكن الأهم في المسألة أن لا تُلزَم المرأة بالنفقة على وجه الإجبار أو الوجوب .. أو الإكراه .. مهما كانت غنية وكان زوجها فقيراً، قال تعالى: وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً النساء:4. فشرطه أن يخرج المال منهن عن طيب نفس، من غير إكراه ولا إحراج .. أما أن يُؤخَذ منهن شيء على وجه الإكراه، أو الإحراج، أو الحياء .. فهو حرام لا يجوز. قال ابن عباس: فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً ؛ يقول: إذا كان من غير ضرار ولا خديعة فهو هنيء مريء. وقال الشوكاني في التفسير: وفي قوله طِبْنَ ؛ دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم إنما هو طيبة النفس لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس، فإذا ظهر منها ما يدل على عدم طيبة نفسها لم يحل للزوج ولا للولي وإن كانت قد تلفظت بالهبة أو النذر أو نحوهما ا- هـ. فإن طابت أنفسهن بالعطاء فلا حرج من قبول ما تطيب به أنفسهن، قال تعالى: وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ الأنفال:75. في أي معروف يُبذَل، ينبغي أن يُلتمَسُ الأقرب فالأقرب من الرحم، فالأقربون أولى بالمعروف. وفي الحديث، عن زينب، امرأة عبد الله بن مسعود قالت: كنت في المسجد، فرأيت النبي فقال:" تصَدَّقنَ ولو من حُلِيِّكن". وكانت زينت تُنفق على عبد الله وأيتامٍ في حَجرها، قال: فقالت لعبد الله: سل رسولَ الله : أيجزي عني أن أنفق عليك وعلى أيتامٍ في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنتِ رسولَ الله ، فانطلَقَتُ إلى النبي ، فوَجَدتُ امرأةً من الأنصار على الباب، حاجَتها مثل حاجتي، فمرَّ علينا بلال، فقلنا: سلِ النبي : أيجزي عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري، وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل فسأله، فقال:" من هما ". قال: زينب. قال:" أيُّ الزيانب؟". قال: امرأة عبد الله. قال:" نعم لها أجران؛ أجر القرابة وأجر الصدقة "[ ]متفق عليه. وفي رواية:" فلما صار النبي إلى منزله، جاءت زينب، امرأة ابن مسعود، تستأذن عليه، فقيل: يا رسول الله، هذه زينب، فقال:" أيُّ الزيانب". فقيل: امرأة ابن مسعود، قال:" نعم، ائذنوا لها ". فأُذِن لها، قالت: يا نبيَّ الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حليٌُّ لي، فأردت أن أتصدق به، فزعم ابن مسعود: أنه وولدَهُ أحقُّ من تصدقتُ به عليهم، فقال النبيُّ :" صدق ابن مسعود؛ زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم " متفق عليه. وعن أم سلمة، قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، ألي أجرٌ أن أُنفقَ على بني أبي سَلَمَة؛ إنما هم بَنِيَّ؟! فقال :" أنفقي عليهم، فلك أجرُ ما أنفقتِ عليهم " متفق عليه.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:12 am | |
| ـ استغلال خاطئ للقوامة: قد تقدم معنا أن من معاني ودلالات القوامة الرعاية والحماية، والنفقة والسهر على خدمة الأهل، ونصيحتهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر .. إلا أن من الرجال ـ وهم كثر في بلادنا ـ من يفهم القوامة عبارة عن تسلط، واستعلاء، وإذلال للتي هي أمامه .. وله أن يأمرها بالمنكر وينهاها عن المعروف، ويحملها على معصية الله تعالى لو شاء .. وليس لها ـ وفق قانون القوامة كما يفهمه ـ إلا أن تطيعه في كل ما يأمرها به .. وتنفذ له رغباته وأهواءه ما وافق الحق منها وما خالف ...! ولهؤلاء نقول: ليس لكم هذا الحق .. وليس من معاني ودلالات القوامة أن تطيعكم نساؤكم في معصية الله .. وفي المنكر .. والواجب عليهن في هذه الحالة أن يُقدمن طاعة الله تعالى على طاعتكم .. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أيَّاً كان هذا المخلوق. قال :" لا طاعة في معصية الله؛ إنما الطاعة في المعروف " متفق عليه. وقال :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "[ ]. ليس هذا فقط؛ إذ لا يكفي من النساء أن لا يُطِعْنَ أزواجهنّ في معصية الله تعالى .. بل يجب عليهنَّ أيضاً أن يأمرنَ أزواجهن بالمعروف، وينهونهم عن المنكر إذا ما رأوا منهم خطأ أو انحرافاً عن الحق، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ التوبة:71. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما هو واجب على المؤمنين فهو كذلك واجب على المؤمنات .. وعلى المؤمنات أن لا يتهيبن أو يخفن من عواقب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فإن السكوت عن منكر ومعصية الزوج، وإقراره عليها .. لهو أضر عليها وعلى الحياة الزوجية من أمرها له بالمعروف ونهيها له عن معصية الله بكثير .. بل ما كانت طاعة الله ورسوله إلا خيراً .. وما جلبت على صاحبها إلا خيراً .. ولكن الذي ننصح به: التزام الرفق في الأمر والنهي، والتذكير .. واجتناب العنف والشدة ما أمكن لذلك سبيلاً. والزوج الصالح هو الذي يُسَر أيما سرور عندما يلمس من زوجته غيرة على دين الله تعالى وعلى حرماته .. وأنها تذكّره إذا ما سها، وتأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر .. كلما رأت منه غفلةً أو خطأ أو تفريطاً .. فهذا زوج موفّق .. فليحمد الله على هكذا زوجة صالحة .. لا ينبغي ولا يجوز له أن يُسَاء لكون الذي يُذكّره وينصحه، ويقول له: اتق الله .. هي زوجته .. ويظن أن ذلك من خوارم القوامة كما يخيل الشيطان ذلك لكثير من الرجال .. بل يجب عليه أن يُشجعها ويُعزّز عندها صفة الغضب لله تعالى ولحرماته، وصفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. تأملوا معي هذا الحديث: استأذنَ رهطٌ من اليهود على النبيِّ فقالوا: السَّامُ عليك ـ والسّام الموت! ـ فقالت الذكية النّقية الفقيهة العالمة أمُّنا؛ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ففهمتها! فقلت: بل عليكم السَّام واللعنة! فقال النبي :" مهلاً يا عائشة! إن الله يحب الرفقَ في الأمر كلّه "، فقالت: يا رسولَ الله، أولم تسمع ما قالوا؟! قال رسولُ الله :" فقد قلت: وعليكم " متفق عليه. تأملوا .. فالنبي لم ينه عائشة رضي الله عنها عن غضبها لحرمات الله تعالى وحرمات رسوله .. وإنكارها وردها على منكر وكفر أولئك الرهط من اليهود .. وإنما طالبها بأن تلتزم الرفق في ردها وإنكارها عليهم .. وكان الرفق يتمثل في قول النبي :" وعليكم " فقط؛ أي وعليكم يرتد السّام .. فدعاء النبي فيهم مستجاب .. ودعاؤهم في النبي لا يُستجاب؛ وهو كفر، يرتد عليهم بالخزي والخسران. يؤسفني أن أقول: أن كثيراً من النساء إذا ما انتُهكت حرمات الله تعالى أمامهنّ من قِبَل أزواجهن .. لا يغضبن لحرمات الله، ولا يحركن ساكناً .. ولا يُنكِرن .. وكثير من هؤلاء الكثير يُطاوعن أزواجهنّ على المعصية وفعل المنكر .. بينما لو اقترب الزوج من حقوق زوجته الشخصية .. أو علمت عنه أنه يفكر جاداً بالتعدد والزواج من ثانية .. أقامت عليه دنياه وما أقعدتها .. واعترضت ونخرت .. وصعَّدت خلافها مع زوجها إلى درجة لا ينفع معها أن يُرسَل حكماً من أهله، وحكماً من أهلها .. ومن يغضب لنفسه وحقوقه .. من دون الله تعالى وحرماته .. أنَّى أن يُبارك الله له في زواجه .. وبيته .. وحياته؟! ـ القوامة والشورى: كذلك ينبغي إحياء العمل بمبدأ الشورى بين الزوجين فيما يخص البيت، والأبناء، وكل ما يتعلق بحياتهما الزوجية، فهذا مما يقوي الرابطة الزوجية بين الزوجين، ويحبب النفوس إلى بعضها البعض، ويجعل الطرفين شركاء في السراء والضراء، وفي تحمل تبعات الأشياء. قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ الشورى:38. وهذا عام يشمل جميع العلاقات والمجالات، والتعاملات، بما في ذلك الحياة الزوجية، والعلاقة بين الزوجين، ينبغي أن تقوم على الشورى والتشاور فيما يستحسن التشاور فيه. فالمرأة كما قال النبي :" سيدة بيتها "؛ ومن لوازم السيادة أن تُستشار فيما هي سيدة فيه، وفيما كل ما هي أهل لأن تُستشار فيه .. وهذا لا يتعارض مع مبدأ قوامة الرجل .. كما يفهم البعض ويظن! لكن هذا أيضاً لا يعني أن تتدخل المرأة في الشاردة والواردة من حياة زوجها، وفيما يعنيها وما لا يعنيها .. وتعمل رقيبة عليه وعلى أنفاسه وكلماته وحركاته داخل البيت وخارجه .. فلا ذهاب ولا إياب له .. ولا حركة .. إلا بعد إذنها وعلمها ورقابتها .. كما يفعل ذلك بعض النسوة .. فهذا مما يُفسد على الزوجين حياتهما .. ويدخل بينهما الشك والريبة .. وانعدام الثقة .. وفي ذلك من المفاسد ما لا يخفى على أحد، وفي الحديث:" إنّ من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "[ ]. المسألة ـ وللأسف ـ بين إفراط وتفريط؛ فريق يتجاهل زوجته كلياً فلا يستشيرها في شيء بزعم القوامة، وحقوق القوامة .. وفريق مقابل محكوم على مدار الوقت بقرارات وأوامر وتوجيهات زوجته .. لا فكاك له من سلطانها .. وكلاهما باطل .. والعدل وسط بينهما. ـ القوامة والقدوة: من لوازم ومقتضيات قوامة الرجل على أهله أن يكون لهم قدوة حسنة .. فلا يرون منه، ولا يُريهم من نفسه إلا خيراً .. فالمرأة ـ في الغالِب ـ هي على دين زوجها .. تتأثر بسلوكياته وأخلاقه، سواء كانت حسنة أم سيئة. لا يمكن للرجل أن يأمر أهله بمعروف وهو لا يأتيه، أو ينهاهم عن منكر وهو يأتيه .. فالمرأة التي ترى زوجها يُخالط النساء، ويُمازحهن، ويُشاركهن الضحكات .. لا يُمكن أن ينهى زوجته عن مخالطة الرجال، وممازحتهم، ومشاركتهم الضحكات .. والمرأة التي ترى زوجها يُتابع الأفلام والمسلسلات الساقطة الهابطة .. لا يمكن أن ينهاها عن فعل ذلك .. ولو فعل .. سرعان ما تستدل على فعلها بفعله .. فإن لم تفعل، فأثر أمره ونهيه عليها حينئذٍ سيكون ضعيفاً جداً؛ لفقدانها الثقة به، ولأنه لا يمتثل في نفسه بما يأمر به، ولا ينتهي عما ينهى عنه، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ . كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ الصف :2-3. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" يُجاء بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلقُ أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلاناً ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه " البخاري. ثم من كان في مرحلة من مراحل الزواج قدوة سيئة لزوجته .. يحملها على معصية الله تعالى .. ثم هداه الله تعالى فيما بعد؛ فعاد إلى رشده وصوابه .. فإنه حينئذٍ سيجد صعوبة كبيرة في إصلاح ما أفسد بحق زوجته، كما سيجد صعوبة في إعادتها إلى الرشد والحق .. وبخاصة إن طالت فترة القدوة السيئة من حياتهما الزوجية[ ]. ـ الاحترام المتبادل: أهاتف الرجل فأقول له: لا تجرئ زوجتك عليك .. لا تحملنّها ـ رغماً عن أنفها ـ على عدم احترامك .. لا يغرنَّك منها أدبها ودينها وأخلاقها .. ولا تُراهن على ذلك منها .. فيحملك ذلك على التطاول عليها بالسب، والقذف، واللعن، والتحقير .. لأتفه سبب وأحياناً من دون سبب .. طمعاً منك بأن دينها .. وأخلاقها .. وعلمها بحقوق الزوج عليها يمنعها من الرد .. والانتصاف لنفسها! اعلم أن صنيعك هذا لا يليق بالرجال المحترمين .. وهو يتنافى مع بدهيات توجيهات وأخلاق ديننا الحنيف .. فالمسلم لا يكون بذَّاءً ولا لعَّاناً ولا طعَّاناً .. وفي الحديث عن أنس بن مالك:" لم يكن رسولُ الله فاحشاً، ولا لعَّاناً، ولا سبَّاباً، كان يقول عند المعاتبة:" ما له تَربَ جبينُه " البخاري. وقال :" لا ينبغي لصدِّيقٍ أن يكون لعَّاناً " مسلم. وقال :" لا يكون المؤمنُ لعَّاناً "[ ]. ثم اعلم أن المرأة لصبرها حدود .. وأن من حرائر النساء من إذا جُرِحن لا يلتئم جرحهنَّ بسهولة .. ثم هي بعد ذلك لو نفد صبرها فردت عليك بعض بضاعتك وكلماتك وعباراتك .. وبعض سوء أخلاقك .. وأخذت تتصرف على طريقتك اقتداء بك .. فلا تلومنَّ حينئذٍ إلا نفسك .. فكما تدين تُدان .. والبادئ أظلم. ونحن هنا لا نحض المرأة على أن تُقابل سيئة زوجها بسيئة .. لا؛ معاذ الله .. وإنما نطالبها بالصفح والصبر، والدفع بالتي هي أحسن .. إلى أقصى حد تقدر عليه .. وأجرها على الله .. وبخاصة إن كان خطأ زوجها بحقها قليلاً أو نادر الوقوع .. ولكن الذي أردنا الإشارة إليه أن لا يُراهن الرجل على ما له من حق، وعلى صبر وأدب وأخلاق زوجته .. فيحمله ذلك على الظلم، وعلى أن ينفلت من حدود وقيود الأدب والأخلاق، والاحترام المتبادل الذي ينبغي أن يكون بين الأزواج المحترمين .. فليس كل النساء في الصبر على أذى وبذاءة وفجور الرجل سواء .. فإن لم يتنبه الرجل لذلك .. ثم حصل ما يكدِّر عليه حياته الزوجية .. فلا يلومَنَّ حينئذٍ إلا نفسه. وهذا الذي قلناه للرجل نقوله للمرأة كذلك؛ فلا يحملنّك حلم وصبر وخلق زوجكِ على أن تتطاولي عليه بسوء القول .. أو ترفعي صوتَكِ عليه .. فتجرّئيه عليكِ .. وعلى عدم احترامك .. وحينئذٍ تكونين أنت السبب، وأنت الملامة، وأنتِ البادئة، والبادئ أظلم .. فأنتِ معنية بالدرجة الأولى باحترام زوجِك، واحترام خصوصياته، وعدم التطاول عليه بما يُسيئه! قال رسولُ الله :" خير نسائكم الودود الولود، المواتية[ ] المواسية، إذا اتقينَ الله، وشرُّ نسائكم المتبرِّجات المتخيلات، وهنَّ المنافقات، لا يدخلُ الجنة مِنهنّ إلا مثلُ الغراب الأعصَم "[ ]. الاحترام يجب أن يكون متبادلاً بين الطرفين .. فكل طرف يُعامِل الطرف المقابل بما يحب أن يُعامله به الطرف المقابل .. فإن لم يحصل ذلك .. وانتفى الاحترام المتبادل .. وانفلت لسان كل طرف على الطرف المقابل .. تُرِكَت فرجة واسعة للشيطان يتسلل من خلالها إلى حياة الأزواج .. ليفسدها عليهم، ويزرع فيما بينهم الفتن والمشاكل، والقلاقل! وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" المستبَّان شيطانان، يتهاتران، ويتكاذبان "[ ]. قال النبي :" المستبَّان "؛ فردّ المسؤولية عليهما معاً وليس على أحدهما دون الآخر .. لاشتراكهما بوزر السباب! ـ مسألة ضرب النساء: هذه مسألة قد كثر عليها الكلام والاختلاف، وخاض فيها الخائضون؛ فريق منهم جنح إلى الإفراط؛ فتوسّعوا؛ فوضعوا الضرب في غير موضعه، والتجؤوا إليه فيما لا يجوز اللجوء إليه .. وأدخلوا فيه من أنواع الضرب مالا يجوز إدخاله .. وفريق مقابل جنح إلى التفريط؛ فأنكروا وجحدوا شرعية الضرب مطلقاً .. وفريق ثالث هُدي للوسط بينهما، وهو الحق الذي نعتقده، ودلت عليه نصوص الشريعة، وصورته وبيانه كالتالي: دلت نصوص الشريعة أن الأصل في تعامل الرجال مع نسائهم عدم اللجوء إلى الضرب .. وعدم جواز الضرب .. إلا في حالة استثنائية خاصة، يجوز فيها الضرب؛ كرخصة وليس كواجب .. يُلجَأ إليها وفق قيود وشروط لا بد من التقيد بها؛ تنتفي الرخصة بانتفائها .. وتوجد بوجودها. أما أن الأصل لا يجوز ضرب الرجال لنسائهم، فهو لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ النساء:19. ومن المعاشرة بالمعروف عدم اللجوء إلى الضرب. وقال تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الروم:21. والضرب يتنافى مع المودة والرحمة التي ينبغي أن تكون بين الأزواج. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" لا تضربوا إماءَ الله "[ ]. هذا هو الأصل، الذي يجب العمل به. وقال :" يعمدُ أحدُكم فيجلدُ امرأتَه جلْدَ العبدِ، فلعلَّه يُضاجِعُها في آخرِ يومه!" متفق عليه. أي جلداً مبرحاً كما يجلد السيد عبده .. وهذا لا يجوز ولا يليق .. ولا ينبغي أن يكون بين الأزواج، والنبي ذكر ذلك على وجه الكراهة والاستقباح! وعن معاوية القشيري، قال: أتيت رسولَ الله ، فقلت: ما تقول في نسائنا؟ قال :" أطعموهن مما تأكلون، واكسوهنّ مما تكسون، ولا تضربوهنّ، ولا تقبحوهنّ "[ ]. وقوله :" ولا تقبحوهنّ "؛ أي ولا تقولوا لهنّ قبحكنّ الله .. وهو كذلك نهي عن كل إطلاقٍ يُفيد معنى التقبيح والاحتقار، واللعن .. واللعن أشد! وقد أطافَ بآل رسولِ الله نساءٌ كثير يشكون ضرب أزواجَهنَّ لهنّ، فقال النبيُّ :" لقد طافَ بآلِ محمد نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهنَّ، ليس أولئكَ بخيارِكم "[ ]. أي الذين يضربون نساءهم ليسوا من خيار الصحابة والمسلمين .. وهذا وصف منفر مخيف يستدعي الابتعاد عن مقتضاه وأسبابه. وكذلك الأحاديث الكثيرة ـ وقد تقدم ذكر بعضها ـ التي تدعو وتُلزم بخيار الرفق .. واجتناب العنف والشدة ما أمكن .. والعمل بمقتضى هذه الأحاديث يُلزم الرجال باجتناب الضرب، واللجوء إلى العنف والشدة. ثم أنه لا يُعرَف عن النبي قط .. ولا عن كبار الصحابة كالعشرة المبشرين بالجنة وغيرهم .. أنهم ضربوا امرأة قط .. لا من نسائهم ولا من غير نسائهم .. بل كانوا خير أزواج لخير زوجات .. كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" خيركم؛ خيركم للنساء "[ ]. وقال :" خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي "[ ]. وقالت عائشة رضي الله عنها:" ما ضربَ رسولُ الله شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله " مسلم. وفي رواية عند أبي دواد وغيره:" ما ضرَبَ رسولُ الله ، خادماً ، ولا امرأةً قط ". هذا هو الأصل الذي لا يجوز ولا ينبغي العدول عنه. إلا في حالة واحدة .. وهي حالة النشوز والإعراض عن الطاعة الواجبة، والترفع عن أداء الحقوق الزوجية، واستخفاف المرأة بزوجها وبحقه عليها .. ونفورها منه .. وهذا مؤداه إلى تعطيل الغرض والرسالة من الحياة الزوجية .. وتهديدها بالفشل .. ففي هذه الحالة، يُعالَج هذا الخلل الطارئ وفق الخطوات التالية: كما قال تعالى: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ النساء:34. فالخطوة الأولى في علاج هذا الخلل والعوج الموعظة، وتذكير المرأة بحق زوجها عليها .. وتخويفها من وعيد الله الحق فيمن تعصي وتؤذي زوجها .. والموعظة هنا ينبغي أن تأخذ حقها من حيث الزمن والكم والنوع .. فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها. فإن أبت المرأة بعد الموعظة .. وبعد أن تكون الموعظة قد أخذت حقها .. إلا أن تستمر في النشوز والعصيان والتمرّد .. فهنا تأتي المرحلة الثانية في معالجة هذا الخلل والعوج: وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ النساء34. فلا يُجامعها ولا يُكلمها .. ولا يُحادثها .. عساها بعد ذلك تعود إلى رشدها وصوابها .. والهجر هنا كذلك ينبغي أن يأخذ حقه من حيث الزمن .. على قدر ما يلمس الرجل الفائدة من وراء ذلك .. كما يجب أن يكون الهجر في البيت وليس خارجه؛ لقوله :" ولا تهجر إلا في البيت "[ ]. فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها. فإن لم ينفع معها هذا ولا ذاك .. فهنا تأتي المرحلة الثالثة في تقويم الاعوجاج: واضربوهنَّ النساء:34. والضرب هنا رخصة ليست واجبة، يُشترَط لها شروطاً: 1- أن يكون الضرب غير مبرِّح؛ فلا يكسر عظماً .. ولا يترك أثراً على جسم، لقوله :" واضربوهنّ ضرباً غير مبرّح "[ ]؛ والضرب غير المبرح؛ هو الذي لا يترك أثراً على جسم. قال عطاء: قلت لابن عبَّاس، ما الضرب غير المبرِّح؟ قال: بالسِّواك، ونحوه! 2- أن يعتزل في الضرب الوجهَ؛ فلا يجوز أن يُقصد الوجه بالضرب .. لقوله :" ولا تضرب الوجهَ "[ ]. 3- أن يرجح الظنّ لدى الرجل أن في استخدامه للضرب ـ بشرطيه الآنفي الذكر أعلاه ـ إنهاء لنشوز وعصيان زوجته .. أما إذا رجح لديه أن ضرب زوجته مما يزيد في نشوزها وعصيانها .. وأنها من النوع التي يزيدها الضرب نشوزاً وعصياناً .. فحينئذٍ لا يجوز له أن يلتجئ إلى وسيلة الضرب .. لأن الضرب لم يُشرَع لذاته وإنما شُرِع لغاية يزول بزوال الغاية المرجوة منه. فإن أقلعت المرأة عن نشوزها .. وعادت إلى رشدها .. وفراش زوجها .. فقد تحقق المراد ولله الحمد .. وعلى الرجل هنا أن يُمسك عن المعاتبة والمؤاخذة .. ومراجعة زوجته فيما كان منه ومنها .. وغير ذلك مما يُفسد هذه النتيجة الطيبة .. ثم هو بعد ذلك يحمد الله تعالى على هداية زوجته وتوفيقه لها .. وهو المراد من قوله تعالى: فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً النساء:34. أي فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ ؛ فأمسكن عن نشوزِهنّ وعصيانهن فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ؛ أي فلا تظلموهن ولا تعتدوا عليهن بقولٍ أو فعل. قال القرطبي في التفسير: وقِيل: المعنى لا تُكلفوهن الحبَّ لكم فإنه ليس إليهنَّ ا- هـ. وقال السعدي في التفسير: أي؛ فقد حصل لكم ما تحبون، فاتركوا معاتبتها على الأمور الماضية، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها، ويحدث بسببه الشر ا- هـ. إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً النساء:34. قال ابن كثير: تهديد للرجال إذا بغوا على النساء من غير سبب، فإنَّ الله العلي الكبير وليهنّ، وهو ينتقم ممن ظلمهنّ، وبغى عليهنّ ا- هـ. بهذه القيود والشروط والضوابط الآنفة الذكر أعلاه يجوز اللجوء إلى خيار الضرب .. وينبغي أن يُفهم ويُفسَّر قوله تعالى: وَاضْرِبُوهُنَّ النساء:34. ونضيف فنقول: إن لم يكن الرجل فقيهاً بهذه القيود والضوابط والشروط .. قادراً على الالتزام بها .. وبالتالي قد يستخدم رخصة الضرب استخداماً خاطئاً مخالفاً للشرع .. ولغير غاياتها الشرعية .. ويضعها في غير موضعها الصحيح .. فحينئذٍ هذا وأمثاله .. لا يُفتَون بجواز ضرب نسائهم .. لا لأن الضرب لا يجوز بشروطه وقيوده كما تقدم .. وإنما لأن هذه النوعية من الرجال لا تفقه هذه القيود والشروط .. أو قد تستغلها استغلالاً خاطئاً لأغراضها النفسية والشخصية .. فإن ترتب على إمساكهم عن الضرب نوع خطأ أو نشوز؛ فالخطأ الناجم عن التقصير من جهة العفو والرفق أهون عليهم بكثير من الخطأ الناجم من جهة العنف والشدة. وهذا قد حصل شيء منه في عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .. فلما نهى النبي عن ضرب النساء .. استغل هذا النهي من قبل بعض النساء استغلالاً خاطئاً فزئرن على رجالهنّ، وتطاولن عليهم، فجاء عمر إلى رسولِ الله ، فقال:" ذئِرن النساءُ على أزواجهنَّ، فرخَّص في ضربهنَّ " .. إلا أن هذه الرخصة أيضاً قد فُهمت خطأ واستغلت استغلالاً خاطئاً من قبل بعض الرجال .. فأطافَ بآل رسولِ الله نساءٌ كثير يشكون أزواجَهنَّ، فغضب النبي ؛ لأنه لم يرخّص بالضرب ـ بعد أن نهى عنه ـ لتستخدم الرخصة بهذه الطريقة العنيفة الخاطئة .. فقال :" لقد طافَ بآلِ محمد نساءٌ كثير يشكونَ أزواجَهنَّ، ليس أولئكَ بخيارِكم ". وذلك لأن هؤلاء النفر من الرجال استخدموا الرخصة استخداماً خاطئاً .. واستغلوها استغلالاً خاطئاً .. ولم يلتزموا بشروطها وقيودها .. وهذا يتكرر في زماننا وغير زماننا .. وعلى من يفتي برخصة الضرب ـ بشروطها الآنفة الذكر ـ عليه أيضاً أن يتنبه إلى هذا المزلق .. وإلى الشخص الذي يُفتيه .. وإلى أين سيؤول العمل بفتواه .. وليتقِ الله ربّه[ ]. فإن وجد الرجل أن خيار الضرب بشروطه وقيوده ـ سواء قبل اللجوء إليه أو بعد اللجوء إليه ـ لا يجدي نفعاً في أوبة زوجته عن نشوزها وعصيانها .. كما أنه لم ينفع معها ـ من قبل ـ الوعظ والهجر .. وتوسّع الشقاق والخلاف بينهما .. ولم يعد كل طرفٍ منهما يُؤدي حقوق الطرف الآخر عليه .. هنا تأتي الخطوة الرابعة لحل المشكلة، كما قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا النساء:35. أي أتى كل طرف منهما بما يشق على الآخر؛ فالمرأة ناشز لا تؤدي حق زوجها عليها .. والرجل يشق على زوجته؛ فلا هو يُمسكها بمعروف وإحسان، ولا هو يسرحها بمعروف وإحسان .. وأصبح كل منهما وكأنه في شِقٍّ آخر مغاير ومخالف لِشق الطرف المقابل. قال الطبري في التفسير: يعني بقوله جلّ ثناؤه: وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور، فأما من المرأة فالنشوز وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها، وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف، أو تسريحها بإحسان ا- هـ. وقال السعدي: أي وإن خفتم الشقاق بين الزوجين، والمباعدة والمجانبة، حتى يكون كل منهما في شِقٍّ ا- هـ. فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا النساء:35. أي حكمان صادقان عدلان، يكونان على قدر من العلم والتقوى، والدراية بواقع الشقاق الحاصل بين الزوجين .. فينظران في أسباب الشّقاق .. ويعملان جاهدان ما أمكنهما على الإصلاح بين الزوجين، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الشِّقاق .. فإن وجدا ذلك متعسراً، وأن أحدهما لم يعد قادراً على أداء ما أوجب الله عليه نحو الطرف المقابل .. وكان التفريق بين الزوجين هو الأسلم لهما في دينهما، ومعاشهما .. حكما بينهما بالتفريق، وحكمهما لازم للزوجين في الجمع والتفريق سواء .. والزوج ليس له الامتناع .. أما إن اختلفا وكان لكل منهما حكمه المختلف .. فحكم الواحد منهما منفرداً غير لازم، وهذا محل اتفاق بين أهل العلم. أخرج الطبري في التفسير، بسنده عن علي بن أبي طالب : أن رجلاً جاءه وامرأته بينهما شقاق مع كل واحد منهما فئام من الناس، فقال عليّ : ابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها، ثم قال للحكمين: تدريان ما عليكما؟ عليكما إن رأيتما أن تجمعا أن تجمعا، وإن رأيتما أن تفرّقا أن تفرّقا. قالت المرأة: رضيت بكتاب الله بما عليّ فيه ولي. وقال الرجل: أما الفرقة فلا! فقال عليّ رضي الله عنه: كذبتَ، والله لا تنقلب حتى تقرّ بمثل الذي أقرّت به. وفي رواية: كذبت، والله لا تبرح حتى ترضى بمثل ما رضيت به ا- هـ. قال ابن القيم في الزاد 5/191: بعث عثمان بن عفَّان عبد الله بن عباس ومعاوية حكَمين بين عقيل بن أبي طالب وامرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة، فقيل لهما: إن رأيتما أن تُفرِّقا فرقتما. وصحَّ عن علي بن أبي طالب أنه قال للحكمين بين الزوجين: عليكما إن رأيتما أن تفرِّقا فرَّقتما، وإن رأيتما أن تجمعا جمعتُما. فهذا عثمان، وعليٌّ، وابن عباس، ومعاوية، جعلوا الحكم إلى الحكمين، ولا يُعرَف لهم من الصحابة مخالف ا- هـ. وقال السعدي: فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا ؛ أي رجلين مكلفين، مسلمين عدلين، عاقلين، يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق. وهذا مستفاد من لفظ " الحكم " لأنه لا يصلح حكماً إلا من اتصف بتلك الصفات، فينظران ما ينقم كل منهما على صاحبه، ثم يلزمان كلا منهما ما يجب .. ومهما أمكنهما الجمع والإصلاح، فلا يعدلا عنه. فإن وصلت الحال، إلى أنه لا يمكن اجتماعهما وإصلاحهما، إلا على وجه المعاداة والمقاطعة، ومعصية الله، ورأيا أن التفريق بينهما أصلح، فرقا بينهما، ولا يشترط رضا الزوج، كما يدل عليه، أن الله سماهما الحكمين، والحكَم يحكم، وإن لم يرض المحكوم عليه. ولهذا قال: إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا النساء:35. أي بسبب الرأي الميمون والكلام الذي يجذب القلوب، ويؤلّف بين القرينين ا- هـ. فإن جنح قرارهما للتفريق .. وكان الزوج هو السبب في حصول المشاققة .. فرقا بينهما من دون أن ترد المرأة له شيئاً من مهرها .. وإن كانت هي السبب .. خلعاها منه، وردت له المهر الذي أعطاها إياه .. وإن كانا كلاهما ـ الرجل والمرأة ـ سبب في حصول المشاققة .. ردت المرأة له بعض مهرها الذي أخذته منه بحسب ما يرى الحكمان .. والأتقى والأسلم في هذه الحالة أن لا يأخذ الرجل منه شيئاً؛ لأنه مال شبهة؛ شابه نوع ظلم وبغي من الرجل .. قد لا يكون له حق فيه، كما قال تعالى: فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً النساء:21. وهذا ما سنتناوله بشيء من التفصيل ـ إن شاء الله ـ في المسائل المدرجة تحت عنوان " صور إنهاء الحياة الزوجية بين الزوجين ".
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:14 am | |
| ـ صور إنهاء الحياة الزوجية بين الزوجين. من خلال ما تقدم ندرك أن الإسلام حريص على إقامة حياة زوجية مثالية راقية جداً، تملؤها المحبة والرحمة، ويسودها الود والاحترام .. وحريص على استدامتها ما أمكن لذلك سبيلاً .. لكن أحياناً لا يرقى الزوجان ـ أو أحدهما ـ إلى هذا المستوى من الرقي الذي يريده ويحرص عليه الإسلام .. فحينئذٍ تجد المشاكل طريقها إلى عشّهما وحياتهما .. لتعكر عليهما صفو ما بينهما من الود والاحترام والرحمة! ومع ذلك حاول الإسلام ـ قبل اللجوء إلى التفريق والطلاق ـ علاج الأمر وفق الخطوات المشار إليها آنفاً .. وكعلاج أخير للموقف .. فإن لم تُجْدِ نفعاً .. وسُكرت أبواب الإصلاح كلها .. وكان لا بد من الجنوح إلى الطلاق أو التفريق بينهما .. عُمِلَ به؛ فكما أن الزواج من سنة النبي ، كذلك الطلاق فهو من سنة النبي .. ومن يرغب عن سنته فليس منه، قال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" إن من سُنتي أن أصلي وأنامَ، وأصومَ وأَطعَم، وأنكِحَ وأطلِّقَ، فمن رَغِب عن سُنتي فليس مني "[ ]. وقال :" ثلاثة يدعون الله فلا يُستجاب لهم ـ منهم ـ: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يُطلقها "[ ]. لكن يُكرَه اللجوء إلى الطلاق من غير سببٍ شرعي يستدعيه، فقد أثنى النبي على التَّماسك والترابط، والحفاظ على دوام العشرة الزوجية عند أهل الكتاب، كما في الحديث عن المقدام بن معدي كرب، أن رسولَ الله قامَ في الناسٍ فحمدَ اللهَ وأثنى عليه، ثم قال:" إن اللهَ يوصيكم بالنساء خيراً، إن اللهَ يوصيكم بالنساء خيراً؛ فإنهنَّ أمهاتُكم، وبناتُكُم وخالاتُكم، إن الرجلَ من أهلِ الكتابِ يتزوجُ المرأةَ وما يعلُقُ يَداها الخيطَ، فما يرغبُ واحدٌ منهما عن صاحبه حتى يموتا هَرَماً "[ ]. وقال :" لا يَفْرَكُ مؤمن مؤمنةً، إن كَرِه منها خُلُقاً رضي منها آخر " مسلم. وقوله " لا يفرك "؛ أي لا يبغضها إلى حد الطلاق. وقال تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً النساء:19.
فالطلاق خيار صعب .. لكنه شُرِع لدفع ما هو أشد منه صعوبة .. ودفع ما هو أشد منه ضرراً على الزوجين لو بقيا معاً؛ إذ يستحيل إلزامهما بالرابطة الزوجية وهما لا يراعيان ـ ولا يقدران على أن يراعيا ـ حدود الله تعالى في حياتهما .. ولا يعرف أحدهما ما للآخر من حق عليه .. فالزواج شُرِع ـ كما تقدم ـ لرسالة عظيمة .. ولأغراض عدة نبيلة .. فإذا انتفت الرسالة منه .. وتعطلت أغراضه .. حينئذٍ يكون من الظلم والعبث ـ والحال كما ذُكِر ـ أن يلزم الطرفان بالعلاقة الزوجية على ما بينهما من تنافر، وتباغض، وتفريط بالحقوق الزوجية .. لذا كان اللجوء في هذه الحالة إلى الطلاق أو التفريق بين الزوجين هو الخيار الشرعي الأمثل .. والأقل ضرراً وحرجاً .. عسى الله تعالى أن يُغني كلاً منهما من فضله .. ويستبدله بحياة زوجية أفضل وأكثر سعادة مما سبق، كما قال تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً حَكِيماً النساء:130. وقال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ البقرة:216. ـ الرجل بين خيارين لا ثالث لهما: إما أنه يُمسك ويُعاشر زوجته بمعروف وإحسان، أو أنه يُطلق ويُسرِّح بمعروف وإحسان؛ من غير فجور ولا ظلم .. أما أنه لا يفعل هذا ولا ذاك؛ فلا هو يُمسك بمعروف وإحسان، ولا هو يسرّح ويطلق بمعروف وإحسان، وإنما يُبقي زوجته في ذمته ضراراً، وللتشفي والانتقام؛ فلا هو يُعاشرها معاشرة الأزواج، ويعرف لها حقوقها الزوجية .. ولا هو يُطلقها ويسرحها سراحاً جميلاً .. فهذا ليس له، ولا لغيره .. وهو ظلم وعدوان لا يجوز اللجوء إليه، كما قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطلاق:2. هذا أو ذاك، وليس شيئاً آخر بعدهما إلا الإضرار، وهو ما لا يجوز اللجوء إليه، كما قال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً الأحزاب:28. وقال تعالى: فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً الأحزاب:49. هذا فعل المؤمنين الأكابر الأخيار .. أما فعل الأصاغر الفجّار؛ فهم يمسكون ضراراً، ويُسرّحون ضِراراً؛ فلا هم يُمسكون بمعروف، ولا هم يُسرّحون بمعروف .. وإنما يتركونها كالمعلّقة؛ لا هي ذات زوج ولا هي مطلّقة؛ لتجد لنفسها سبيلاً .. ولو وجدوا القدرة على الهروب من عين القضاء العادل .. لما ترددوا أن يُمسكوا نساءهم طيلة حياتهم ضراراً وأذى .. وما أكثر من يفعل ذلك في بلداننا المسماة بالعربية والإسلامية! فإن عُلِم ذلك .. ننتقل ـ بإذن الله تعالى ـ لبيان الحالات التي تنتهي بها الحياة الزوجية بين الزوجين: 1- الطَّلاق: وهو حقٌّ للرجل، وصيغته أن يتلفظ الرجل حراً مختاراً بعبارة الطلاق لزوجته، أو ما يُماثلها من الكلمات والمعاني، سواء كان ذلك بالكتابة أو النطق؛ كأن يقول لها: أنت طالق أو مطلقة .. أو إن فعلتِ كذا وكذا أفارقك وأسرحك ويعني بذلك الحياة الزوجية .. وهذه صيغ كلها قد وردت في القرآن الكريم، كما قال تعالى: وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً الأحزاب:49. وقال تعالى: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ الطلاق:1. وقال تعالى: أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ الطلاق:2. أمَّا إن أتى بعبارة متشابهة حمّالة أوجه، تعني من وجه الطلاق، ومن وجه آخر تعني غير ذلك، كقول الرجل لامرأته: لن أساكنك بعد اليوم .. فقد يكون مراده الطلاق .. وقد يكون مراده أنه لن يُساكنها بعد اليوم في بيت محدد أو بلدة محددة، ونحو ذلك .. أو كأن يقول لها: الحقي بأهلِك .. فقد يكون مراده الطلاق، وقد يكون مراده الحقي بهم في سفر أو سُكْنَةٍ أو نحو ذلك .. كذلك لو قال: لا حاجة لي فيكِ .. أو ما أنت بامرأتي .. ونحو هذه الاطلاقات حمالة الأوجه والمعاني .. ففي مثل هذه الحالات والاطلاقات ينبغي أن يُراعى قصد ومراد الرجل، ويُسأل عن قصده من إطلاقه، فإن قال: أراد منه الطلاق فقد وقع الطلاق، وإن قال: أنه لم يرد منه الطلاق .. فالطلاق لا يقع، لأن الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، والله تعالى أعلم. ـ طلاق المكرَه، والغضبان، والسَّكران: طلاق المكره لا يقع، وصورته أن يُحمَل الرجل بالقوة على أن يتلفّظ بالطلاق، فإن لم يفعل هُدِّد بالقتل أو الضرب أو السجن، وكان المهدِّد المُكرِه له قادراً على إنزال تهديده فيه، لقوله تعالى: مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ النحل:106. فإذا كان الإكراه مانعاً من موانع لحوق الكفر وتبعاته بصاحبه، فمن باب أولى أن يكون مانعاً من موانع لحوق الطلاق وتبعاته بصاحبه. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" إنَّ اللهَ وضَعَ عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استُكرهوا عليه "[ ]. أما طلاقُ الغضبان: فإن كان الرجل يعي ويعني ما يقول في حالة غضبه .. فطلاقه يَقع، فالغضب بهذه الصورة لا يمنع من وقوع الطلاق، كما لا يمنع من لحوق الوعيد أو المسؤولية في كل ما يصدر عن صاحبه من أقوال أو أعمال بسببه، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رجلاً قال للنبي : أوصني. قال :" لا تغضَب "، فردَّد مراراً، والنبي يقول له:" لا تغضَب ". أما إن كان الغضب يرقى إلى درجة الإغلاق؛ بحيث أن صاحبه لم يعد يعي ويريد ما يقول .. فلو وقع الطلاق في هذه الحالة .. فالطلاق لا يَقع؛ لأن هذه الحالة هي أقرب للجنون منها إلى التعقل، وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" رُفِع القلم عن ثلاثة ـ منهم ـ: عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق .. "[ ]. وقال :" لا طلاقَ ولا عتاق في إغلاق "[ ]. والإغلاق أعلى درجات الغضَب؛ يُغلَق فيه على ذهن وعقل صاحبه بحيث لم يعد يدري ويعي ما يقول وما يبدر منه. وفي الأثر عن علي قال:" كل طلاق جائز إلا طلاق المغلوب على عقله ". وفي رواية عن البخاري:" كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه ". وفي البخاري أيضاً، عن عُقبة بن عامر:" لا يجوز طلاقُ الموسوِسِ "، وطلاق الموسوس هو ما يقتصر على حديث النفس وحسب، ومن الوسوسة أن يُخيل للمرء أنه طلق زوجته، وفي الحقيقة أنه لم يُطلقها، فهذا طلاقه لا يقع، كما في الحديث المتفق عليه:" إنّ الله تجاوز لأمتي ما توسوس به صدورُها ما لم تعمل به أو تكلَّم ". ونحوه الذي يبدر منه الطلاق كزلّة وسَبق لسان .. صاحبه لا يريده ولا يقصده .. فهذا من الخطأ الذي لا يُؤاخَذ عليه المرء، ولا يترتب عليه أحكام وتبعات، كما قال تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً الأحزاب:5. وهذا النوع من الخطأ هو المراد من قوله الآنف الذكر:" وضِعَ عن أمتي الخطأ "، والله تعالى أعلم. أما طلاق السّكران: فيه نزاع قوي، والراجح أنه لا يقع[ ]؛ لأنه يكون في حالة السكر أشبه بالمعتوه أو المجنون الذي لا يعقل ما يقول، ولصحة الأثر عن عثمان أنه لا يرى طلاق السكران، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عثمان بن عفان أنه قال:" ليس لمجنون ولا سكران طلاق ". وفي رواية عند البيهقي:" كل الطلاق جائز إلا طلاق النَّشوان، وطلاق المجنون "[ ]. وقال ابن عباس:" طلاق السكران والمستكره ليس بجائز " البخاري. قال ابن حجر في الفتح 9/303: ذهب إلى عدم وقوع طلاق السكران أيضاً أبو الشعثاء، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، والقاسم، وعمر بن عبد العزيز، ذكره ابن شيبة عنهم بأسانيد صحيحة، وبه قال ربيعة، والليث، وإسحاق، والمزنيُّ، واختاره الطحاوي واحتج على أن طلاق المعتوه لا يقع، قال: والسكران معتوه بسكره ا- هـ. وأضاف البيهقي فقال: وبه قال أُبانُ بنُ عثمان، وأبو ثور. فإن قيل: ما حد السكر الذي لا يجوز معه الطلاق؟ أقول: السكر الذي لا يعي معه المرء ما يقول، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ النساء:43. قال ابن حجر في الفتح: فإن فيها دلالة على أن من علم ما يقول لا يكون سكراناً ا- هـ. وفي الحديث:" رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصغير حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ ". قال ابن كثير في إرشاد الفقيه 2/191: قال الشافعي: والسكران، فما لم يكن واحداً من هؤلاء الثلاثة وقع طلاقه، وهو قولُ أكثر من لقيت من المفتين ا- هـ. فالشافعي رحمه الله يرى السكر الذي لا يجوز معه الطلاق؛ هو السكر الذي يرقى بصاحبه إلى درجة العتَه والجنون، المفقد للوعي والإدراك، والله تعالى أعلم. ـ طلاق الهازِل: طلاقُ الهازِل يقع، لورود النص، كما في الحديث:" ثلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌ، وهزلهنَّ جِد: النكاحُ، والطّلاقُ، والرَّجعةُ "[ ]. قال ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين 3/124: وأما طلاق الهازل فيقع عند الجمهور، وكذلك نكاحه صحيح، كما صرّح به النص، وهذا هو المحفوظ عن الصحابة والتابعين، وهو قول الجمهور ا- هـ. ـ الطلاق الصوري الذي يحصل أمام المحاكم الوضعية: كأن يُظهِر الرجل أمام المحاكم الوضعية أنه قد طلّق زوجته، وأن زوجته بائنة منه .. أو أن التي معه ليست زوجته .. وهو في الحقيقة غير ذلك؟ أقول: إن كان مكرهاً على التظاهر بذلك، لكي يدفع عن نفسه أو عن أهله شراً محققاً، كالسجن أو القتل أو التسفير إلى بلد الفتنة والتعذيب الذي هاجر منه .. ونحو ذلك .. فطلاقه لا يقع .. وهو معذور بالإكره .. ولا حرج عليه لو فعل، ومما يُستدل به على هذه المسألة، حديث النبي عن إبراهيم ، قال :" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ـ منها ـ: بينما هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبّار من الجبابرة، فقيل له: إنّ ها هنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس، فأرسَلَ إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال إبراهيم : أختي ـ ولو قال له زوجته ربما لهم بقتله ليغلبه عليها ـ فأتى سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرِك، وإن هذا سألني فأخبرته أنكِ أختي، فلا تكذبينني ... " البخاري. وفي رواية عند مسلم:" فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إنّ هذا الجبار إن يعلم أنَّكِ امرأتي يغلبني عليكِ، فإن سألكِ فأخبريه أنَّكِ أختي؛ فإنَّك أُختي في الإسلام، فإني لا أعلمُ في الأرض مسلماً غيري وغيرِكِ ... ". أما إن كان السبب الذي يحمل الرجل على التظاهر بالطلاق .. وأن التي معه لم تعد زوجته .. من أجل أمور مادية، كتحصيل بيت إضافي أو راتبٍ إضافي .. أو لكي يتهرَّب من النفقة على أهله وأطفاله .. كما يحصل في بعض البلاد الأوربية وللأسف .. حيث أن الرجل تراه يُقدم على طلاق زوجته ـ طلاقاً صورياً غير حقيقي ـ في محاكمهم من أجل أن يحصل على بيت إضافي؛ بيت لزوجته وأبنائها، وبيت له .. ليؤجّره فيما بعد ويستفيد منه مادياً .. أو لكي يحصل على نفقات إضافية ومضاعفة لزوجته المطلقة طلاقاً صورياً، ولأبنائه!! أقول: أولاً هذا الفعل لا يجوز الإقدام عليه؛ لأنه يدخل في خانة الكذب، والغش، والاحتيال، والغدر .. كما فيه اقتطاع لحق صادق محتاج .. ينتظر أشهراً لكي يحصل على سكن يستحقه، وهذا من الظلم. ثانياً: فإن الطلاق الصوري الذي يقع على هذا الوجه .. ومن أجل هذه الأساب .. يقع حقيقة .. ويتحمل الرجل تبعات طلاقه كما لو طلق حقيقة، والدليل على ذلك هو الحديث الآنف الذكر:" ثلاثٌ جِدُّهنَّ جِد، وهزلهنَّ جِد: النكاح، والطلاق، والرجعة "، والله تعالى أعلم. وكذلك يُقال فيمن يتزوج من نصرانية زواجاً صورياً ـ مستوفي الشروط والأركان الشرعية ـ أمام المحاكم الوضعية لكي يحصل على جنسية بلدها .. وغير ذلك من الخصائص المادية .. فإن زواجه يقع على الحقيقة .. وتلزمه تبعاته .. فهذه الأمور ـ وبخاصة منها التي تتعلق بالأعراض والأنساب والنسل ـ لا تقبل الهزل ولا الكذب، ولا التلاعب .. فالهزل فيها جِد .. ولا أرى شافعاً يبرر للمرء الوقوع في مثل هذه الأعمال سوى الإكراه المحقَّق، أو الراجح التحقيق، والله تعالى أعلم. ـ الطلاقُ السُّني: يجب أن يكون الطلاق على السنة؛ وصفته أن يُقدِم الرجل على طلاق زوجته وهي في حالة طهر من الحيض، أو النفاس إن كانت نفساء، وقبل أن يقربها بجماع، فإن طلقها وهي حائض، أو طلقها بعد طهرها من دورتها، وبعد أن يكون قد اقتربها بجماع، فقد خالف السنة في الطلاق، وبالتالي فعليه أن يُراجعها .. وينتظر إلى أن تحيض، ثم تطهر من حيضتها .. وقبل أن يقتربها بجماع يُعطيها الطلاق إن شاء أن يُمضي الطلاق، لتُحسِن المرأة عدَّ العدة من غير زيادة ولا نقصان، وهي عبارة عن ثلاثة قروء، أي ثلاث دورات شهرية، وهو المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ؛ أي مستقبلات العدة، والمرأة تكون مستقبلة العدة بعد طهر من حيض أو نفاس، وقبل أن تُمَسَّ بجماع وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ الطلاق:1. قال ابن حجر في الفتح 9/259: والمراد الأمر بحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر بطول العدة فتتأذى بذلك المرأة ا- هـ. وفي الحديث، عن نافع، عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض، في عهدِ رسولِ الله ، فسألَ عمرُ بنُ الخطاب رسولَ الله عن ذلك؟ فقال له رسولُ الله :" مُرْهُ فليراجعُها، ثم ليتركها حتى تطهرَ، ثم تحيضَ، ثم تطهُرَ، ثم إن شاء أمسَكَ بعدُ، وإن شاء طلَّقَ قبلَ أن يمسَّ، فتلك العِدَّة التي أمرَ الله أن يُطلَّقَ لها النساء " مسلم. وفي رواية:" مُرْه فليُراجعها، ثم ليدَعَها حتى تطهرَ، ثم تحيضَ حيضةً اُخرى، فإذا طهرت فليُطلقها قَبل أن يُجامعها، أو يُمسِكها؛ فإنها العدةُ التي أمرَ الله أن يُطلَّقَ لها النساء "، وقرأ النبي : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ " مسلم. وفي رواية: فتغيَّظَ رسولُ الله ، ثم قال:" مُرهُ فليُراجعها، حتى تحيضَ حيضةً أخرى مُستَقْبَلَةً سوى حيضتها التي طلقها فيها، فإن بدا له أن يُطلقها، فليُطلقها طاهراً من حيضتها قبل أن يمسها، فذلك الطلاق للعدة كما أمرَ الله " مسلم. وفي رواية: " مُرْه فليُراجعها ثم ليُطلقها طاهراً أو حاملاً " مسلم. ـ مسألة: فإن قيل: إن وقع الطلاق على خلاف السنة، هل يقع وتُحسب على صاحبها طلقة واحدة .. أم أنها لا تقع، لكونه طلاقاً بدعياً مخالفاً للسنة؟ أقول: في المسألة خلاف، والراجح الذي دلّ عليه النص أن الرجل الذي يطلق زوجته وهي حائض أو في طهر بعد جماع أن طلاقه يقع، وتُحسَب عليه طلقة واحدة .. فهو حالف السنة من جهة كيفية وقوع الطلاق، ومخالفته هذه لا تمنع عنه احتساب الطلقة، وتحمل تبعاتها. كما في الحديث، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر قال:" طلقت امرأتي على عهد رسول الله وهي حائض ... قال عُبيد الله: قلتُ لنافع: ما صُنِعَت التطليقةُ؟ قال: واحدة اعتُدَّ بها " مسلم. وعن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، قال: فراجعتها، وحُسِبَت لها التطليقةُ التي طلَّقتها " مسلم. وعن سالم بن عبد الله قال: وكان عبد الله طلقها تطليقة واحدة فحُسِبَت من طلاقها، وراجعها عبد الله كما أمرَهُ رسولُ الله . مسلم وعن يونُس بن جُبير قال: قلت لابن عمر: إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض، أيعتد بتلك التطليقة؟ فقال: فمَه أو إن عَجَزَ واستحمَق؟ مسلم. وفي رواية عنه: قلت لابن عمر افتُحسَبُ بها؟ فقال: ما يمنَعُهُ، أرأيت إن عجَزَ واستحمَقَ؟" مسلم. وعن أنس بن سيرين، قال: سألت ابن عمر عن امرأته التي طلَّق .. قلت: فاعتدَدْت بتلك التطليقةِ التي طلَّقتَ وهي حائضٌ؟ قال: ما لي لا أعتدّ بها؟ وإن كنت عجَزْتُ واستحمَقت. مسلم. وفي رواية عند البخاري ـ تحت عنوان:" إذا طُلّقَت الحائض تعتدُّ بذلك الطلاق " عن أنس بن سيرين، قلتُ: تُحتَسَب؟ قال ابن عمر: فمَه؟"[ ]. قلتُ ـ يونس بن جبير ـ فهل عدَّ ذلك طلاقاً؟ قال: أرأيتَ إن عجَزَ أو استحمق؟! وفي رواية: تحت عنوان باب " مراجعة الحائض " قلت ـ يُونس بن جبير ـ: فتعتدُّ بتلك التطليقة؟ قال: أرأيتَ إن عجَزَ واستحمَقَ . البخاري. وعن سعيد بن جُبير، عن ابن عمر قال:" حُسِبَت عليَّ بتطليقةٍ " البخاري. قال ابن حجر في الفتح 9/266: وعند الدارقطني في رواية شعبة عن أنس بن سيرين، عن ابن عمر في القصة، فقال عمر: يا رسولَ الله أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال:" نعم ". ورجاله إلى شعبة ثقات. وأخرج الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن أبي ذئب، وابن إسحق جميعاً عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي قال:" هي واحدة ". وهذا نص في موضع الخلاف فيجب المصير إليه ا- هـ. ومما يدل على وقوع الطلاق في حالة الحيض، أن ابن عمر إذا سُئل عن ذلك، قال لأحدهم:" أما أنت ـ أي إن كنت أنت ـ طلقت امرأتك مرةً أو مرتين، فإن رسولَ الله أمرني بهذا، وإن كنت طلقتها ثلاثاً فقد حُرّمت عليك حتى تنكح زوجاً غيرَك، وعصيتَ الله فيما أمرَكَ من طلاق امرأتك " مسلم. أي قد عصيت الله تعالى في طريقة الطلاق التي أمرك الله بها .. فلم تراع السنة في طلاقك .. وطلاقك لامرأتك قد وقع، وهي بائنة منك، محرمة عليك حتى تنكح زوجاً غيرك. فالمسألة كما ترى ـ أيها القارئ ـ مردها للنص .. ولا اجتهاد ولا قياس في مورد النص. فإن قيل: كيف يُجَاب عن دليل المخالفين الذي رواه أبو داود، وفيه:" قال عبد الله: فردها عليّ ولم يرَها شيئاً .."؟[ ] أقول: يُجاب عنه من وجهين: أولهما: من حيث السند، فيُقال: اتفاق البخاري ومسلم على رواية مقدم على رواية غيرهما في حال المخالفة واستحالة التوفيق. ويُقال كذلك: راوي هذه العبارة " ولم يرها شيئاً " عن ابن عمر هو أبو الزبير محمد بن مسلم المكي .. ورواية نافع عن ابن عمر التي تُفيد وقوع الطلاق، واحتسابه طلقة واحدة أقوى وأثبت من حيث السند .. فكيف إذا أُضيف إلى نافع، رواية يونس بن جبير، وسعيد بن جبير، وأنس بن سيرين، والزهري، وسالم بن عبد الله عن ابن عمر .. كما تقدم بيانها .. لا شك أن رواية هؤلاء مجتمعين من حيث السند أقوى بكثير من رواية أبي الزبير منفرداً. قال ابن حجر في الفتح 9/266: قال أبو داود: روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة، وأحاديثهم كلها على خلاف ما قال أبو الزبير. وقال ابن عبد البَر: قوله " ولم يرها شيئاً " منكر لم يقله غير أبي الزبير، وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بمن هو أثبت منه. وقال الخطابي: قال أهل الحديث: لم يروِ أبو الزبير حديثاً أنكَرَ من هذا. ونقل البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي أنه ذكر رواية أبي الزبير، فقال: نافع أثبت من ابي الزبير، والأثبت من الحديثين أولى أن يُؤخذ به إذا تخالفا، وقد وافق نافع غيره من أهل الثبت ا- هـ. ثانياً: من حيث المعنى والدلالة، فقوله " ولم يرها شيئاً "؛ يمكن تأويله وحمله على معنى لا يتعارض مع النصوص والروايات الأخرى التي تفيد وقوع الطلاق طلقة واحدة .. وهو المطلوب في حال القدرة على التوفيق قبل اللجوء إلى اسقاط أحد القولين أو إحدى الروايتين، دفعاً للتعارض. فقوله " ولم يرها شيئاً "؛ أي لم يرها شيئاً صحيحاً تبتدئ المرأة به احتساب عدتها، أو يجوز اللجوء إليه؛ لاحتمال وقوع الخطأ أو الظلم في احتساب العدة .. فالنهي الوارد يعني النهي عن الفعل واللجوء إليه، لا النهي عما يترتب عليه من أحكام. قال ابن حجر في الفتح 9/266: قال ابن عبد البَر: ولو صحّ فمعناه عندي والله أعلم: ولم يرها شيئاً مستقيماً لكونها لم تقع على السنة. وقال الخطابي: يُحتمَل أن يكون معناه: ولم يرها شيئاً تحرم معه المراجعة، أو لم يرها شيئاً جائزاً في السنة ماضياً في الاختيار، وإن كان لازماً له مع الكراهة. وقال الشافعي:" لم يرها شيئاً "؛ لم يعدها شيئاً صواباً غير خطأ، بل يُؤمر صاحبه أن لا يُقيم عليه لأنه أمره بالمراجعة، ولو كان طلقها طاهراً لم يُؤمر بذلك، فهو كما يُقال للرجل إذا أخطأ في فعله أو أخطأ في جوابه لم يصنع شيئاً؛ أي لم يصنع شيئاً صواباً ا- هـ. ويُقال كذلك: من لوازم القول بأن الطلاق البدعي لا يقع، القول بأن طلاق الهازل لا يقع، وهذا مخالف للنص الدال على أن طلاق الهزل يقع. فالهازل في طلاقه لا يمكن أن يقع على السنّة ثم يُسمى في طلاقه أنه هازل أو طلاق هزل، فالطلاق السني لا يصدر عن صاحبه إلا بعد طول تأمل، ومراجعة للنفس، وطول انتظار وترقّب لحال المرأة، وطهرها .. وأنَّى للهازل وطلاقه .. أن يقع على هذا الوجه والصفة .. ومع ذلك دل النص على أن طلاقه يقع، والله تعالى أعلم. ـ خطأ يقع به المخالفون: من الأخطاء الشائعة التي يقع بها بعض المخالفين المعاصرين في المسألة .. أنهم يُفتون من طلّق طلاقاً بدعياً .. ويكون قد مضى على طلاقه عدة أشهر .. أن يُراجع زوجته .. من دون أن تُحسَب له طلقة .. وأن يُعاود ـ إن شاء ـ فيُطلق طلاقاً سنياً .. ويبتدئ العد للعدّة من جديد .. وهذا مخالف للنص وللسنة .. وللقصد من العمل بالطلاق السني، وهو عدم ظلم المرأة باعتدادها العدة لفترة أطول مما هو مقرر عليها في الكتاب والسنة. فالأمر بالمراجعة يكون في الأيام الأولى من وقوع الطلاق البدعي؛ والمرأة لا تزال في حيضتها .. أو قبل أن تحيض، وتستقبل طهراً جديداً .. أما إن حاضت وطهرت .. ثم حاضت وطهرت .. فحينئذٍ لا يجوز أن يُقال لها ارجعي إلى الوراء .. وابتدئي العد للعدة من جديد .. بعد أن يُطلقك زوجك ـ من جديد ـ طلاقاً سنياً .. فتكون المرأة حينئذٍ وكأنها حقل تجارب لجهل الرجل .. وما أكثر الجهال والفساق المتهاونين بأحكام في زماننا .. فهذا لا يجوز لما فيه من ظلم للمرأة، ومخالفة للنص الذي أمر بإحصاء العدة، والله تعالى أعلم. قال ابن حجر في الفتح 9/261: فلو تمادى الذي طلق في الحيض حتى طهرت، قال مالك وأصحابه: يُجبَر على الرجعة أيضاً، وقال أشهب منهم: إذا طهرت انتهى الأمر بالرجعة، واتفقوا على أنها إذا انقضت عدتها أن لا رجعة ا- هـ. فتأمل قول أهل العلم وخلافهم في تحديد الفترة التي يُؤمَر فيها الرجلُ بالمراجعة .. فهو يدور حول أيام من طهر المرأة من حيضتها الأولى من زمن الطلاق .. وليس بعد أشهر من زمن وقوع الطلاق! فإن قيل: ما هي الغاية من الطلاق السني، وأمر الرجل بأن يُراجع زوجته ويُطلقها طلاقاً سنياً؟ أقول: أمر الرجل بأن يُرجِع زوجته ويطلقها طلاقاً سنياً .. له أغراض عدة: منها: إحصاء العدة، وتحديد ابتداؤها من غير زيادة ولا نقصان، كما قال تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ البقرة:228. أي ثلاث دورات شهرية يبتدئ عدها من حين بدئ الطلاق. ومنها: التأكد من براءة الرحم من الحمل، وحتى لا تختلط الأنساب. ومنها: أن الأمر بالرجعة وموافقة السنة في الطلاق .. فيه إعطاء فرصة كافية للرجل لمراجعة نفسه، وتقدير العواقب، والمصالح من المفاسد .. قبل أن يُصدر قراره بالإمساك أو الطلاق. ومنها: أن الأمر بالرجعة وموافقة السنة في الطلاق .. هو أمر بإمساك الزوجة فترة عدتها .. عسى أن يرى فيها خلال هذه الفترة من طهرها ما يحمله على مراجعتها .. لذا فإن الحديث قدّم الإمساك على الطلاق، كما في قوله :" ثم إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمس "؛ فهي إذاً فرصة أخيرة للإمساك، والمحافظة على الحياة الزوجية، والله تعالى أعلم.
يتبع
| |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:16 am | |
| ـ طلاق الثلاثة في وقت واحدٍ ومجلس واحد: كأن يتلفظ الرجل بالطلاق ثلاثاً، أو أن يقول لزوجته أنت طالق بالثلاثة .. فهذا النوع من الطلاق خطأ .. لا يجوز .. وهو مخالف للسنة .. لكنه من حيث الاحتساب يُحسب طلقة واحدة فقط، كما في الحديث، عن ابن عباس قال: كان الطلاقُ على عهدِ رسولِ الله ، وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمرَ، طلاقُ الثلاثة واحدةً، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم " مسلم. فأمضاه عليهم تأديباً وزجراً لهم، على استخفافهم بالأحكام الشرعية، وبالسعة التي منحهم إياها الشارع[ ]. وفي مسند الإمام أحمد، عن ابن عباس قال: طلَّق رُكانةُ بنُ يزيد أخو بني مُطَّلِب امرأتَه ثلاثاً في مجلس واحد، فحزن عليها حزناً شديداً، قال: فسأله رسولُ الله :" كيف طلَّقتها؟" قال: طلقتها ثلاثاً، قال: فقال:" في مجلسٍ واحدٍ؟" قال: نعم. قال:" فإنما تلك واحدةٌ، فارجِعْها إن شئت "، قال: فرَجَعَها، فكان ابن عباس يرى أنّما الطلاق عند كل طهرٍ[ ]. ـ طلاق الحامل، أو المرأة التي لا تحيض: لا يُشترط في طلاق المرأة الحامل أو المرأة التي لا تحيض، ما يُشترط في طلاق المرأة التي تحيض .. لأن احتساب العدة للمرأة الحامل أو المرأة التي لا تحيض يختلف عن احتسابها عند المرأة التي تحيض .. وبالتالي فإن طلاق المرأة الحامل أو المرأة التي لا تحيض يَقع ويُحتسب في أي وقت يقع الطلاق باتفاق جميع أهل العلم، لقوله :" " مُرْه فليُراجعها ثم ليُطلقها طاهراً أو حاملاً " مسلم. وعِدّة المرأة الحامل إلى أن تضع حملها .. سواء استغرق ذلك منها ثمانية أشهر .. أو عدة أسابيع أو أيام من حين طلاقها، أما المرأة التي لا تحيض أو يأست من المحيض فعدتها ثلاثة أشهر من حين طلاقها، كما قال تعالى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً الطلاق:4. فلو كرر الرجل الطلاق خلال الحمل أو خلال عدتها .. قبل أن يُراجعها ويُعيدها إلى ذمته .. فطلاقه الثاني والثالث والعاشر لا يُحتَسب؛ وهو مثله مثل من يطلق ثلاثاً في وقت ومجلس واحد؛ لأنه يُطلق من ليس في ذمته وما لا يملك .. وقبل أن يُعيدها إلى ذمته .. وقبل أن تُنهي المرأة عدتها من الطلقة الأولى، إذ لا يجوز إدخال عدة على عدة قبل أن تنتهي عدة الطلقة الأولى إما بالمراجعة وإما بانقضاء الأجَل .. وقد تقدم معنا قول ابن عباس:" أنما الطّلاق عند كل طهرٍ ". وفي الحديث:" لا طلاق فيما لا يملك "[ ]. وفي رواية:" لا طلاق قبل نكاح ". أي قبل عقد نكاح يجعل المرأة في ذمة زوجها. فمثلاً: لو طلق الرجل زوجته الحامل ـ أو المعتدة لثلاثة أشهر ـ ثم بعد أيام راجعها وأعادها إلى ذمته .. ثم بعد أن راجعها بأيام أو بساعات عاد فطلقها .. فطلاقه الثاني يقع .. ثم هو بعد أيام لو راجعها وأعادها إلى ذمته .. ثم بعد أن راجعها بأيام أو بساعات عاد فطلقها .. فطلاقه الثالث يقع .. وحينئذٍ تبين منه زوجته بينونة كبرى؛ إذ لم يعد يحق له أن يراجعها .. كما لا يكون للمرأة حينئذٍ عدة تعتدها من أجل المراجعة .. ولا أن يعقد عليها ثانية إلا بعد أن تتزوج من رجل آخر .. ثم أن الآخر يُطلقها على غير ميعاد أو اتفاق بينه وبين الزوج الأول، كما قال تعالى: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ البقرة:229. فهاتان الطلقتان هما اللتان تجوز فيهما المراجعة، والإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. فَإِن طَلَّقَهَا في الثالثة فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فيذوق عُسيلَتها وتذوق عُسيلَته؛ إذ لا يجوز أن يكون عقد النكاح صورياً، كما في الحديث:"لا تحلُّ للأول حتى تذوقَ عُسَيْلَةَ الآخر، ويذوق عُسَيْلَتَها " متفق عليه. فَإِن طَلَّقَهَا أي الزوج الثاني فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا فترجع المرأة إلى زوجها الأول بعقد جديد إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:230. ـ طلاق المرأة التي لم يُدخَل بها: وهي المرأة التي يُعقَد عليها ثم تُطلّق قبل أن تنتقل للبيت الزوجية مع زوجها، وقبل الدخول بها .. فهذه ليست عليها عدة تعتد بها .. وبالتالي لا يحق للرجل مراجعتها إلا بعقدٍ جديد .. وحقها من مهرها المتفق عليه النصف، إلا أن تعفو المرأة فتتنازل عن حقها، أو يعفو الرجل الذي بيده عقدة النكاح؛ فيعطيها كامل المهر، متنازلاً لها عن النصف الذي يستحقه .. والذي يعفو منهما يكون السبَّاق إلى الخير، وهو الأقرب للتقوى، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً الأحزاب:49. وقال تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ هذا هو الواجب؛ نصف المهر إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أي النساء أو المرأة فتتنازل عن نصف المهر الذي تستحقه أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وهو الزوج فيعفو عن حقه؛ فلا يسترد النصف الآخر من المهر وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وهذا لمن سبق منهما للعفو وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ البقرة:237. وهذه حالة تختلف عن حالة المرأة التي يتوفى عنها زوجها من غير طلاق ولا دخول بها .. فهذه لها الصداق كاملاً، ولها الميراث، وعليها العدة، كما في الحديث عن عبد الله بن مسعود أنه سُئل عن رجل تزوّج امرأة فمات عنها، ولم يدخل بها، ولم يفرض لها. قال: فقال عبد الله: لها الصداق، ولها الميراث، وعليها العدة. فقال معقل بن سنان الأشْجَعيُّ: شهدتُ رسولَ الله قضى في بِرْوَع بنتِ واشِقٍ بمثل ذلك[ ]. ـ أين تُقضَى العِدَّة: المطلقة تقضي عدتها في بيت زوجها، لا يجوز إخراجها منه، كما يفعل كثير من العوام؛ لمجرد أن يتلفظ أحدهم بالطلاق، يرسل امرأته إلى بيت أبيها لتقضي عدتها فيه، وهذا خطأ كبير يتنافى مع غايات ومقاصد العِدّة، والتي منها إعطاء فرصة أخيرة للزوج في أن يُراجع نفسه وقراره، عسَاه أن يُراجع زوجته، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ فلا يجوز للرجل أن يُخرج امرأته من بيتها فترة العدة وَلَا يَخْرُجْنَ ؛ ولا هي أيضاً تخرج من بيتها لاحتمال أن يعود إليها زوجها فيراجعها إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ كالنشوز والعصيان والتطاول الذي تستحيل معه المراجعة، وقيل: خروجها من بيتها في العدة ـ من تلقاء نفسها ـ بغير حق .. قال القرطبي في التفسير: وعن ابن عمر أيضا والسدي: الفاحشة خروجها من بيتها في العدة. وتقدير الآية: إلا أن يأتين بفاحشة مبينة بخروجهن من بيوتهن بغير حق؛ أي لو خرجت كانت عاصية ... قال ابن العربي: وأما من قال ـ أي فسر الفاحشة ـ: إنه الخروج بغير حق؛ فهو صحيح. وتقدير الكلام: لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن شرعاً إلا أن يخرجن تعدياً ا- هـ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراًالطلاق:1. أي لعل الله يُقدِّر أن يراجع الرجل امرأته، فتلتئم بمراجعته لها الحياة الزوجية من جديد. ومن حديث ابن عمر المتفق عليه:" مُرْهُ فليُراجعها، ثم ليُمْسِكْها حتى تطهُر ". وهذا دليل في وجوب بقاء المرأة في بيتها؛ بيت الزوجية طيلة فترة عدة الطلاق. ـ وجوب النفقة: ثم كما تجب لها السكنى، كذلك تجب لها النفقة، وهي ترث زوجها لو مات عنها في فترة العدة قبل انقضائها، وهذا باتفاق جميع أهل العلم .. وهذه النفقة هي بمثابة دين في رقبة الرجل من ساعة بدئ الطلاق إلى ساعة انقضاء العدة، لا يسقطها قضاء قاضٍ، كما لا تسقط بالتقادم وطول الزمن. قال رسول الله :" إنما النفقة والسُّكنى للمرأة، إذا كان لزوجها عليها الرجعَةُ "[ ]. أما إن كان زوجها ليس له عليها رجعة؛ فطلقها ثلاثاً، وبانت منه بينونة كبرى، فليس عليها عدة المطلقة طلاقاً رجعياً، وبالتالي ليس لها عليه نفقة ولا سكنى، كما في الحديث عن فاطمة بنت قيس:" أن زوجها طلقها ثلاثاً، فلم يجعل لها النبيُّ نفقة ولا سكنى "[ ]. وفي رواية: فانطلق خالد بن الوليد في نفرٍ من بني مخزوم إلى رسولِ الله فقال: يا رسولَ الله إن أبا عمرو بن حفص طلّق فاطمة ثلاثاً، فهل لها نفقة؟ فقال:" ليس لها نفقة، ولا سُكنى "[ ]. إلا إذا كانت حاملاً، فحينئذٍ تجب لها النفقة إلى أن تضع حملها، كما قال تعالى: فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطلاق:6. قال ابن كثير في التفسير: قال كثير من العلماء منهم ابن عباس وطائفة من السلف وجماعات من الخلف: هذه في البائن إن كانت حاملاً أنفق عليها حتى تضع حملها، قالوا بدليل أن الرجعية تجب نفقتها سواء كانت حاملاً أو حائلاً ا- هـ. ـ كيف تقضي المطلقة عدتها في بيتها؟ قيل في المسألة كلام كثير؛ فمن أهل العلم ـ كالمالكية ـ مَن منع من الخلوة بها، وأن لا يدخل عليها إلا بإذنها، ولا أن ينظر إلى شعرها، وأن لا يبيت معها في بيت، وينتقل عنها وغير ذلك .. والحق أن هذا القول ليس عليه دليل، وهو يتنافى مع الحكمة من الإمساك، والترغيب بالمراجعة والإصلاح .. ومن أهل العلم من ارتأى أن تبقى المرأة على عادتها من اللباس، والتزين .. من غير تكلف ولا تهتك .. والرجل كذلك يبقى كعادته في الدخول والخروج والمبيت .. إلا أنه لا يبيت معها في غرفة واحدة، ولا على فراش واحد ولا يقربها بوطئٍ أو نحوه إلا إذا شاء أن يُرجعها إلى ذمته .. ولعل هذا القول هو الأقرب إلى الحق والصواب، والموافق لدلالات ومعنى قوله تعالى: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً الطلاق:1. ومعنى قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم الطلاق:6. ولمعنى وغايات " الإمساك " الذي أمر به النبي . قال القرطبي في التفسير: قال سعيد بن المسيب: إذا طلق الرجل امرأته تطليقة فإنه يستأذن عليها، وتلبس ما شاءت من الثياب والحلي، فإن لم يكن لهما إلا بيت واحد فليجعلا بينهما ستراً، ويسلم إذا دخل، ونحوه عن قتادة، ويشعرها إذا دخل بالتنخم والتنحنح ا- هـ. ـ كيف تتم مراجعة الرجل لامرأته؟ للزوج حق مراجعة امرأته إلى ذمته، لقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً البقرة:228. ويتم الإرجاع بما ينكسر به الطلاق ويلغيه، ولا ينكسر الطلاق الرجعي إلا بتعبير صريح يُضاده، كقوله: راجعتك أو أرجعتك إلى ذمتي كزوجة، أو عودي إلي كزوجة، فقد تراجعت عن طلاقي، ونحو ذلك من العبارات المتقاربة في المعنى والدلالة. أو بالوطئ والجماع .. فإن حصل واحد من الأمرين ـ قبل انقضاء العدة ـ انكسر الطلاق، وتمَّت المراجعة، وعادت المرأة إلى زوجها، ليستأنفا معاً حياة زوجية من جديد. وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره، عن عمران بن حُصين، سُئل عن الرجل يُطلّق امرأته، ثم يقع بها، ولم يُشهِد على طلاقها، ولا على رجعتها، فقال: طلَّقت لغير سنَّة، وراجعتَ لغير سنَّة، أشهِد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تَعُدْ [ ]. فتأمل قوله " ثم يقع بها " كيف اعتبره بمثابة إرجاع لها .. حيث أن الصحابي عمران بن حصين لم يقل أن مجرد الوقوع بها لا يُعد ولا يُعتبر إرجاعاً لها إلى زوجها. وقوله تعالى: إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ؛ شرط يفيد أن حق الرد للرجل مقيد ومشروط بإرادة الإصلاح؛ ومن الإصلاح أن ترجع إليه امرأته كزوجة يعرف لها حقوقها الشرعية .. أما إن أراد من الإرجاع الأذى والضرر والإعضال .. ويجعلها كالمعلَّقة؛ فلا هي زوجة، ولا هي مُطلَّقة .. فهذا ليس ممن أرادوا إصلاحاً .. وبالتالي لا يحق له أن يُرجع زوجته على هذه النية وهذا القصد؛ قصد الإضرار والإعضال، ولو أرجعها على هذا القصد، وعُرِف عنه ذلك لا يُقبل منه، وطُلِّقَت منه رغماً عن أنفه، لقوله تعالى: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. ولقوله تعالى: وَلَا تُضَارُّوهُنَّ الطلاق:6. ولقوله تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ النساء:19. قال ابن كثير في التفسير: إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ؛ أي زوجها الذي طلقها أحق بردها ما دامت في عدتها، إذا كان مراده بردها الإصلاح والخير ا- هـ. وقال الشوكاني: إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ؛ أي بالمراجعة: أي إصلاح حاله معها، وحالها معه، فإن قصد الإضرار بها فهي محرمة لقوله تعالى: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ .ا- هـ. وقال البغوي: إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ؛ أي إن أرادوا بالرجعة الصلاح وحسن العشرة، لا الإضرار كما كانوا يفعلونه في الجاهلية ا- هـ. وقال عبد الرحمن السعدي في التفسير: إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحاً ؛ أي رغبة وإلفة ومودة، ومفهوم الآية أنهم إن لم يريدوا الإصلاح، فليسوا بأحق بردهنّ؛ فلا يحل لهم ان يُراجعوهن لقضاء المضرة لها، وتطويل العدة عليها. وهل يملك ذلك مع هذا القصد؟ فيه قولان: الجمهور على أنه يملك ذلك مع التحريم، والصحيح أنه إذا لم يرد الإصلاح لا يملك ذلك، كما هو ظاهر الآية الكريمة ا- هـ. قلت: والصحيح ما رجحه وصححه الشيخ السعدي رحمه الله؛ لأن ليس الغرض من الإرجاع مجرد الإرجاع وعلى أي وصف كان .. فهكذا إرجاع لا تُحَل به مشكلة .. ولا يتحقق منه المراد الشرعي من الإرجاع؛ وهو استئناف حياة زوجية جديدة صالحة، قائمة على الود والإلفة والخير، وخالية من المشاكل التي أوصلت الزوجين إلى مرحلة الطلاق ومن ثم مرحلة الإرجاع .. بل هو يُفاقم المشاكل ويُكثرها .. ويُطيل من أمدها .. ويزيدها تعقيداً .. والله لا يرضى بهكذا إرجاع قائم على الضرر والظلم .. ثم هو مع ذلك لا يؤدي الغرض المرجو منه .. وفي الحديث القدسي:" يا عبادي إني حرَّمت الظلمَ على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا " مسلم. ـ تنبيه: إذا جحد الرجل طلاقه، وأنه لم يُطلّق امرأته .. فهذا لا حق له في الإرجاع؛ لأن الإرجاع يكون بعد طلاق، وبعد الاعتراف بالطلاق .. وهذا يُنكر أنه قد طلّق .. فكيف يُرجِع من لم يطلّق .. ولا يعترف بأنه طلَّقَ .. وبالتالي لا تُجرى عليه أحكام الإرجاع، الواردة أعلاه! ـ الإشهاد على الطلاق، وعلى الرجعة: يجب الإشهاد على الطلاق، وعلى الرجعة بشاهدي عَدلٍ، لألاّ يجحد الرجل طلاقه إذا طلق، أو إذا بلغت عدد طلقاته ثلاث طلقات، أو يجحد إرجاعه لزوجته في حال أرجعها .. فتضيع بذلك الحقوق، ويختلط النسل، وبخاصة أننا في الزمان الذي فُقِدت فيه الأمانة ومنذ أمدٍ بعيد، كما قال تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ الطلاق:2. أي على الطلاق أو الإمساك والإرجاع. وقد تقدم معنا حديث عمران بن حُصين، عندما سُئل عن الرجل يُطلّق امرأته، ثم يقع بها، ولم يُشهِد على طلاقها، ولا على رجعتها، فقال: طلَّقت لغير سنَّة، وراجعتَ لغير سنَّة، أشهِد على طلاقها، وعلى رجعتها، ولا تَعُدْ [ ]. قال القرطبي في التفسير: قال المهلب: وكل من راجع في العدة فإنه لا يلزمه شيء من أحكام النكاح غير الإشهاد على المراجعة فقط، وهذا إجماع من العلماء، لقوله تعالى: فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ . فقال مالك: وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد، وبه قال إسحاق ا- هـ. وقال ابن كثير: ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة كما يجب عنده في ابتداء النكاح، وقد قال بهذا طائفة من العلماء ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها ا- هـ. ـ الوكالة والتفويض في الطلاق: يجوز للرجل أن يكل أمر طلاقه إلى غيره، كما يجوز له أن يخير زوجته ويجعل خيار الطلاق بيدها إن شاءته، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً . وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:29. فخيرهن النبي وجعل الأمر إليهن، فاخترنَ النبيَّ ، وقالت عائشة رضي الله عنها:" بل أريدُ الله، ورسولَه، والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي مثل ما فعلت " البخاري. فكلهنّ اخترن الله ورسولَه، والدار الآخرة. وقالت رضي الله عنها:" خيَّرَنا رسولُ الله فاخترناهُ، فلم يعدَّهُ طلاقاً " مسلم. قال محمد صديق خان في الروضة الندية 2/119: وقد سُئل أبو هريرة، وابن عباس، وعمرو بن العاص عن رجلٍ جعل أمر امرأته بيد أبيه فأجازوا طلاقه، كما أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرّج على الصحيحين ا- هـ. ـ في حال انتهاء العدة: إذا انتهت العدة من غير مراجعة انتهت العلاقة الزوجية بين الزوجين، وفُرِّق بينهما، واحتجبت المرأة عن الرجل كلياً، وأصبح كل منهما أجنبياً على الآخر، ولا يتوارثان، ولا يحل أحدهما للآخر إلا بعقد جديد مستوفي الشروط والأركان، كما قال تعالى: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي اقتربن من إنهاء عدتهنّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ فراجعوهن وعاشروهن بمعروف من غير إضرار أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ؛ أي اتركوهنّ بانقضاء نهاية العدة، من غير أذى ولا ضرر، ولا فجور في خصام، ليغني الله كلاً من سعته وفضله، إذ لم يعد لكم عليهن ـ بعد انقضاء العدة ـ سلطاناً ولا حقاً، لذلك قال بعد ذلك: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. قال ابن كثير في التفسير: هذا أمر من الله للرجال، إذا طلق أحدهم المرأة طلاقاً له عليها فيه رجعة، أن يحسن في أمرها إذا انقضت عدتها، ولم يبق منها إلا مقدار ما يمكنه فيه رجعتها، فإما أن يمسكها؛ أي يرتجعها إلى عصمة نكاحه بمعروفٍ وهو أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف، أو يسرحها؛ أي يتركها حتى تنقضي عدتها ويخرجها من منزله بالتي هي أحسن من غير شقاقٍ ولا مخاصمة ولا تقابح ا- هـ. ـ تمتيع المطلّقة: يجب أن تُمتَّع المرأة المطلقة بمالٍ غير المهر المستحق، جبراً لخاطرها، وعوناً لها على مرحلة ما بعد الطلاق، كما قال تعالى: وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ البقرة:241. أي فرضاً واجباً على المؤمنين. قال ابن كثير: قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما نزل قوله تعالى: مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ، قال رجل: إن شئت أحسنت ففعلت، وإن شئت لم أفعل، فأنزل الله هذه الاَية وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ . وقد استدل بهذه الاَية من ذهب من العلماء إلى وجوب المتعة لكل مطلقة سواء كانت مفوضة، أو مفروضاً لها، أو مطلقة قبل المسيس، أو مدخولاً بها وهو قول عن الشافعي رحمه الله، وإليه ذهب سعيد بن جبير، وغيره من السلف، واختاره ابن جرير ا- هـ. قال ابن حزم في المحلى 10/3: المتعة فرض على كل مُطلِّق واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، أو آخر ثلاث، وطئها أو لم يطأها، فرَض لها صداقها أو لم يفرض لها شيئاً، أن يمتعها، وكذلك المفتدية أيضاً، ويجبره الحاكم على ذلك، أحبَّ أم كره ا- هـ. فإن قيل: كم قدر هذا المبلغ أو المال الذي تُمتَّع به المرأة المطلّقة؟ أقول: لم تحدده الشريعة، وإنما تركته بحسب قدرة واستطاعة الرجل؛ إن كان غنياً زاد بما يتناسب مع غناه، وإن كان فقيراً متَّع على قدر طاقته، كما قال تعالى: وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ البقرة:236. قلت: وما أقل الرجال في زماننا الذين يلتزمون بهذا الواجب " نفقة المتعة " .. إذ ترى أحدهم ـ شحاً، وحباً من عند نفسه بالتشفي والانتقام من مطلقته ـ يتهرب من كل نفقة تفرضها عليه الشريعة، وهو إذا نظر إلى ما توجب له الشريعة من حق .. قال: الشريعة تحكم لي بكذا وكذا .. وأنا أريد حكم الشريعة .. وإذا نظر إلى ما توجب عليه الشريعة من حق لمطلقته .. نأى وأعرض .. وخَنَس .. وتهرَّب .. وكأنه غير معني من الخطاب الشرعي، وهؤلاء لا يحسبنَّ أنفسهم على خير، قال تعالى: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً النساء:65. ـ التحريم: وصيغته أن يقول الرجل لامرأته: أنتِ عليَّ حرامٌ. أو أن يقول: كما هو دارج عند العوام " تحرَمين عليّ " فهذا ليس بطلاق، وإنما هو يمين، كفارته كفارة يمن. قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ التحريم:1-2. فعدَّ التحريم يميناً كفارته كفارة يمين. وعن ابن عباس، قال:" إذا حرَّم الرجلُ عليه امرأتَهُ فهي يمينٌ يُكفِّرها، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب:21. مسلم. وفي رواية عند البخاري: عن سعيد بن جبير أنه سمع ابن عباس يقول: إذا حرَّمَ امرأتَهُ ليس بشيءٍ، وقال: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ الأحزاب:21. أي كما أن النبي كفَّرَ عن تحريمه بكفّارة يمين .. فأنتم لكم فيه أسوة حسنة. فإن قيل: فما هي كفَّارة اليمين ..؟ أقول: كفارة اليمين بالتسلسل: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، كما قال تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ المائدة:89. ـ الإيلاء: نوع من الهجر؛ وصفته أن يحلف الرجل أن لا يقترب من زوجته بنكاح .. فهذا إن وقّت هجره واعتزاله بأربعة أشهر فما دون اعتزَل حتى ينقضي التوقيت الذي وقّته .. فإن زاد على أربعة أشهر مُنِعَ ـ وكفَّر عن يمينه ـ وخُيّر بين أن يعود إلى زوجته، ليعاشرها معاشرة الأزواج لنسائهم .. أو يُطلِّق، وليس له خيار ثالث، كما قال تعالى: لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة:226-227. فهو ـ بعد أربعة أشهر ـ بين خيارين: إما أن يفيء، وإما أن يعزم الطلاق. قال ابن كثير في التفسير: إن زادت المدة على أربعة أشهر فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر إما أن يفيء؛ أي يجامع، وإما أن يطلق فيجبره الحاكم على هذا، وهذا لئلا يضر بها ا- هـ. أخرج البخاري في صحيحه، أن ابن عمر كان يقول في الإيلاء الذي سمَّى الله: لا يحلُّ لأحدٍ بعدَ الأجل إلا أن يُمْسِك بالمعروف أو يعزِم الطلاق كما أمرَ الله عزَّ وجَل. وفي رواية عنه ـ عند البخاري كذلك ـ: إذا مضت أربعةُ أشهرٍ يُوقَفُ حتى يُطلِّق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يُطلّق. قال البخاري: ويُذكَر ذلك عن عثمان، وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة، واثني عشرَ رجلاً من أصحابِ النبيِّ . قلت: أين هؤلاء الرجال الذين يهجرون نساءهم لأكثر من أربعة أشهر ـ بل ربما يمتد هجرهم لسنة وأكثر ـ من هذه التعاليم الشرعية العظيمة .. مستغلين ما لهم من حقٍّ استغلالاً خاطئاً، وما أكثرهم في زماننا وللأسف؛ فلا هم يُعاشرون نساءهم بمعروف .. ولا هم يُطلّقون ويسرحون بمعروف .. وإنما يقفون بين المنزلتين .. لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ فيذرونها كالمعلّقة؛ فلا هي تُحسَب كزوجة .. فتعيش حياة المتزوجات .. ولا هي تُحسَب كمطلقة لتنظر في نفسها .. عسى الله تعالى أن يغنيها من فضله .. وبما هو خير لها من ظالمها ومعضِلها! فإن قيل: فإن عزم على الهجر من غير يمين ..؟ أقول: لا يختلف حكمه عمن يهجر بيمين .. سوى أن الذي يهجر بيمين يكفّر عن يمينه إن لم يوفِّ به .. فمناط الحكم على الهجر ومدته .. وعلى النظر في مصلحة المرأة ومدى حصول الضرر عليها من جراء الهجر .. وليس على اليمين، والله تعالى أعلم. ـ الظِّهار: صفته أن يقول الرجل لامرأته: أنتِ عليَّ كظهر أمي!، وهذا خطأ كبير لا يجوز الإقدام عليه، كفارته عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فيُطعم ستين مسكيناً، وذلك قبل أن يعود فيُقارب زوجته بجماع، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ . فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ المجادلة:3-4. وفي الحديث عن سلمان بن صخر الأنصاري أنه جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان، فلما مضى نصفٌ من رمضان وقع عليها ليلاً. فأتى رسولَ الله فذكر ذلك له. فقال رسولُ الله :" أعتِق رقبةً "، قال: لا أجدها، قال:" فصُم شهرين مُتَتابعَين "، قال: لا أستطيع، قال:" أطعم ستِّيَن مسكيناً "، قال: لا أجد. فقال رسولُ الله لفروة بن عمرو: أعطِه ذلك العَرَق ـ وهو مكتلٌ يأخذ خمسة عشر صاعاً أو ستة عشر صاعاً ـ إطعامَ ستينَ مسكيناً "[ ]. 2- الخلْعُ: هو الحالة الثانية ـ غير الطلاق ـ التي بها تنتهي الحياة الزوجية بين الزوجين، وهو حق خالص للمرأة، إذا وُجِدَت مبرراته الشرعية، وخشيت على نفسها الفتنة في دينها، وعدم قدرتها على القيام بالحقوق الزوجية، وبما يتعين عليها نحو زوجها .. فلها حينئذٍ أن تخلع زوجها وتفدي نفسها منه ببعض المهر الذي أخذته منه، أو بكله من دون أن تزيد عليه. والأصل في المخالعة أن تتم برضا الزوجين .. فإن أبى الزوج، وحصل الشقاق والخلاف بين الزوجين، واشتدت مبررات المخالعة، ودعت الضرورة والحاجة إليه .. وبخاصة إن ظهرت من الرجل قرائن تدل على رغبته في إعضال المرأة والإضرار بها .. وأنه لا يمكن أن يُمسكها بمعروف .. خلعها القضاء الإسلامي منه رغماً عنه، سواء وافق على المخالعة أم لم يوافق .. هذا إيجاز .. وإليك تفصيله بأدلته: ـ الدليل على جواز المخالعة عند حصول دواعيه: قال تعالى: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً أي من المهر إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فلا يقوم كل منهما ما للآخر عليه من حقوق شرعها الله تعالى فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ من مال المهر تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ البقرة:229. قال ابن كثير في التفسير: وأما إذا تشاقق الزوجان، ولم تقم المرأة بحقوق الرجل وأبغضته ولم تقدر على معاشرته، فلها أن تفتدي منه بما أعطاها، ولا حرج عليها في بذلها له، ولا حرج عليه في قبول ذلك منها ا- هـ. وقال السعدي: وهي المخالعة بالمعروف؛ بأن كرهت الزوجة زوجها لخلقه أو خُلقه أو نقص دينه، وخافت أن لا تطيع الله فيه ا- هـ. وقال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً النساء:35. وقد تقدم معنا أن الحكمين من صلاحيتهما أن يجمعا بين الزوجين، أو أن يفرقا بينهما بطلاق، أو بمخالعة .. وأن يقدرا حجم مسؤولية المرأة ودورها في حصول الشّقاق .. وبالتالي تقدير كم تفتدي نفسها منه .. هل بكامل مهرها أم ببعضه .. وذلك بحسب ما يظهر ويرجح لهما. قال البخاري في صحيحه:" وأجاز عمر الخلع دونَ السلطان ". وفي الحديث، أن امرأةَ ثابت بن قيسٍ أتت النبيَّ فقالت: يا رسولَ الله، ثابتُ بنُ قيسٍ ما أعتب عليه في خُلُقٍ ولا دين، ولكني أكره الكفرَ في الإسلام ـ وفي رواية: إلا أني أخافُ الكفرَ ـ فقال رسولُ الله :" أتردين عليه حديقتَهُ ؟" ـ وهو مهرها ـ قالت: نعم، قال رسولُ الله :" اقبل الحديقةَ، وطلقها تطليقةً " البخاري. وفي رواية:" فقالت: يا رسولَ الله، إني لا أعتبُ على ثابت في دينٍ ولا خُلُق، ولكني لا أُطيقُهُ " البخاري. وفي رواية عن ابن ماجة:" فقالت: ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا أطيقه بغضاً، فقال لها النبي : أتَردِّين عليه حديقتَهُ؟ قالت: نعم، فأمره رسولُ الله أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد ". أي أن لا يزداد فيأخذ منها أكثر مما أعطاها إياه كمهر وهو " الحديقة "[ ]. وقولها: لا أطيقه بغضاً "؛ أي لا أطيقُ العيش معه بغضاً له، وأنا أخشى بسبب ذلك أن لا أقوم بحقوقه علي .. فأقع بسبب ذلك في الكفر .. وأنا أكره الكفر بعد أن هداني الله إلى الإسلام. وفي رواية عند النسائي: أنَّ ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسرَ يدَها، فأتى أخوها يشتكيه إلى رسولِ الله ، فأرسلَ رسولُ الله إلى ثابت، فقال:" خُذ الذي لها عليك وخلّ سبيلها "، قال: نعم، فأمرها رسولُ الله أن تتربصَ حيضةً واحدةً، فتلحق بأهلها "[ ]. وفي رواية عند مالك في الموطأ:" قالت: يا رسولَ الله، كل ما أعطاني عندي، فقال النبي لثابت: خذ منها، فأخذ، وجلست في أهلها ". وعن رُبَيع بنت معَوِّذ قالت: اختلعتُ من زوجي، ثم جئتُ عثمان، فسألته، ماذا عليَّ من العدّة؟ قال: لا عِدَّة عليكِ، إلا أن تكوني حديثة عهد به فتمكثي حتى تحيضي حيضةً، قال: وأنا متبع في ذلك قضاء رسولِ الله في مريم المغَلِيَّة كانت تحت ثابت بن قيس بن شمَّاس، فاختَلَعَتْ منه[ ]. ـ يُستفاد مما تقدم التالي: 1- أن الخلع حق للمرأة، لا يُشترط فيه رضا وموافقة الزوج، بدليل أن النبي خلع امرأة ثابت بن قيس من دون أن يستأذن زوجها. 2- من مبررات الخلع بغض المرأة لزوجها البغض الذي تخشى معه عدم القدرة على الوفاء بحقوقه عليها، بدليل قولها:" ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا أطيقه بغضاً ... ولكني لا أطيقه ". كذلك لو تعرّضت من قبل زوجها للمعاملة العنيفة؛ فكسر شيئاً من أعضائها، أو قام بتشويه شيء من جسدها .. فلها الحق حينئذٍ أن تخلع زوجها، بدليل قوله:" ضرب امرأته فكسرَ يدَها ". 3- لا يجوز للرجل عند الافتداء أن يأخذ من المرأة أكثر مما أعطاها إياه كمهر، بدليل قوله :" ولا يزداد " وقوله:" خُذ الذي لها عليك وخلّ سبيلها ". قال ابن القيم في الزَّاد 5/194: ذكر عبد الرزاق بسنده، عن علي بن أبي طالب :" لا يأخذُ منها أكثر مما أعطاها ". وقال طاووس: لا يحلُّ أن يأخذَ منها أكثر مما أعطاها، وقال عطاء: إن أخذ زيادة على صداقها فالزيادة مردودة إليها. وقال الزهري: لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها. وقال ميمون بن مهران: إن أخذ منها أكثر مما أعطاها لم يُسَرِّح بإحسان. وقال الأوزاعي: كانت القضاةُ لا تُجيز أن يأخذ منها شيئاً إلا ما ساق إليها ا- هـ. ثم لو فُتح الباب للزيادة .. فحينئذٍ يُفتح باب للابتزاز والاستغلال .. والظلم .. والمغالات في الافتداء .. لا يمكن غلقه .. بما تعجز المرأة معه عن افتداء نفسها .. وبخاصة أننا نعيش في زمن فُقدت فيه الأمانة .. وساد فيه الظلم والطمع، وحب الاستغناء بالحرام! 4- عدَّة المرأة المختلعة حيضة واحدة إن كانت ممن يحضن، أو شهراً واحداً إن كانت ممن لا يحضن .. تستبرئ فيه رحمها، بدليل، قوله:" فأمرها رسولُ الله أن تتربصَ حيضةً واحدةً ". فإن كانت مفارقة له ولسكنه منذ أشهر .. ثم بعد ذلك وقعت المخالعة .. فليس عليها أن تعتد بشيء، بدليل قوله:" إلا أن تكوني حديثة عهد به فتمكثي حتى تحيضي حيضةً ". فدل أن الاعتداد بحيضة أو بشهر لمن تكون حديثة عهد بزوجها وفراشه، لتستبرئ رحمها وتعلم هل هي حامل أم لا، أما إن كانت مفارقة له ولسكنه وفراشه منذ أشهر أو أكثر من شهر .. فهي ليست بحاجة لهذا الاستبراء، ولا هي مضطرة له. 5- ليس للمختلعة في عدتها حيضة أو شهراً نفقة على زوجها .. لأنه ليس له عليها عدة يستطيع أن يُراجعها فيها .. إلا إذا كانت حاملاً، فحينئذٍ يجب عليه أن ينفق عليها إلى أن تضع حملها من أجل الجنين؛ لأنه ولده، كما قال تعالى: فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ الطلاق:6. 6- يجوز الخلع في أي وقت من الأوقات؛ سواء كانت المرأة في طهر أم حائضاً؛ لأن النبي خالع امرأة ثابت بن قيس من دون أن يلزمها تحري الطهر بعد الحيض .. ثم تحري الطهر في الطلاق يكون من أجل احتساب العدة .. واحتمال الرجعة .. والمختلعة ليس عليها عدة تعتدها كالمطلقة. 7- الخلع ليس طلاقاً، ولا يُحسب من عدد الطلقات إلا إذا أضاف الرجل من عند نفسه طلقة، أو ألزمه الحاكم بأن يُسرّح ويُطلق طلقة واحدة .. فحينئذٍ تُحسَب عليه طلقة واحدة، بدليل قوله:" اقبل الحديقةَ، وطلقها تطليقةً ". أما إن سرَّح وخالع من غير طلاق أو من دون أن يعطيها الطلاق .. فحينئذٍ تتم المخالعة، ولا تُحسب طلقة، ويكون الخلع فسخاً وليس طلاقاً، بدليل قوله:" خذ منها "، ولم يذكر طلاقاً. وكذلك قوله:" خُذ الذي لها عليك وخلّ سبيلها "، فلم يذكر طلاقاً. ومما يُستدل به على أن الخلع ليس طلاقاً، قوله تعالى: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فَإِن طَلَّقَهَا بعد الافتداء، طلقة ثالثة: فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:229-230. قال أهل العلم: لو كان الافتداء طلاقاً لكانت الطلقة التي بعده هي طلقة رابعة .. وليست ثالثة .. وهذا لا يجوز المآل إلى القول به لمخالفته للنص المحكم الدال على أن الطلاق الذي به تبين المرأة من زوجها بينونة كبرى، والذي به لا تحل له ثانية إلا بعد أن تنكح زوجاً غيره هي الطلقة الثالثة .. مما دل أن الافتداء في الاختلاع ليس طلاقاً، والله تعالى أعلم. 8- إن تمت المخالعة يُفرَّق بين الزوجين مباشرة في السَّكن؛ لأنه ليس للرجل عليها عدة يستطيع أن يراجعها فيها، وبدليل قوله:" فتلحق بأهلها " وقوله:" وجلست في أهلها ". ـ احتيال بعض الرجال: من الرجال من يَكرَه زوجته، ويُريد طلاقها والخلاص منها .. لكنه ما إن يَعْلَم ـ أو يُعَلَّم ـ شيئاً عن الخلع وقوانينه، وأن من قوانينه أن تفتدي المرأة نفسها منه بتنازلها عن مهرها المقدم منه والمؤجّل، أو بإعادة ما أعطاها إياه أو بعضه .. توقَّف عن طلاقها .. وانتهج معها سياسة التضييق والأذى والإضرار .. والإعضال .. حتى تقوم هي بطلب خلعه .. ومن ثمَّ تُلزَم بأن تُعيد له ما أخذت منه كمهر .. أو تتنازل له عن مهرها المقدم والمؤجَّل .. وهذا ظلم عظيم لا يجوز .. وما يأخذه الرجل من امرأته عن هذا الطريق .. ومن هذا الوجه .. فهو سحت وبهتان وحرام، لا يُبارَك له فيه، قال تعالى: وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً . وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً النساء :20-21. وقال تعالى: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ ؛ ومن العدوان عليهن استرداد ما أخذن من رجالهن كمهر وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. ولقوله تعالى: وَلَا تُضَارُّوهُنَّ الطلاق:6. ولقوله تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ النساء:19. وقال تعالى: وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً البقرة:229. فإن عُرِف عن الرجل هذا الخلق الدنيء، وهذا القصد الخبيث، وأنه يمسك زوجته ضراراً لتتنازل له عن مهرها وحقها .. طُلِّقت منه زوجته من دون أن تدفع له قرشاً واحداً .. وعلى القاضي أو الحكمين الذَين يتدخلان للفصل بين الزوجين .. أن يتنبها لهذا المعنى، وهذا الأمر؛ وبخاصة في هذا الزمان الذي أصبح المال وتحصيله غاية عظمى ترخص في سبيلها الغايات عند كثير من الناس .. لا يأبه صاحبه من أي وجه اكتسبه! ـ الاختلاع من غير سبب: وإن كان الخلع حقاً للمرأة كما تقدم .. إلا أنه لا يجوز لها أن تلجأ إليه من غير ضرورة أو سببٍ شرعي يقتضيه، لقوله :" المختلعات هنَّ المنافقات "[ ]. وفي رواية:" إنَّ المختلعات والمنتزعات هنَّ المنافقات "[ ]. وقوله " المنتزعات "؛ أي التي تنتزع نفسها من زوجها ومن الرابطة الزوجية بغير وجه حق. وقال :" أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأسٍ، فحرامٌ عليها رائحة الجنة "[ ]. وقوله " من غير بأس "؛ دل أن الحرج والإثم يطال المرأة في حال طلقت وخالعت من غير بأس .. أما من تطلب الطلاق أو الخلع من بأس يبرر ويستدعي الطلاق أو الخلع .. فلا حرج فيه إن شاء الله، هذا ما يقتضيه التوفيق بين مجموع النصوص والأدلة ذات العلاقة بالمسألة، والعمل بمجموعها من دون رد أو إهمال بعضها، والله تعالى أعلم. 3- الفسخ والتفريق: وهذه الصورة الثالثة التي بها تنتهي العلاقة الزوجية بين الزوجية، ولها أسباب عدة: منها: إذا تبين بعد العقد أن الزوجين محرمان على بعضهما البعض من جهة الرضاعة، يُفسَخ العقد مباشرة، وفي الحال، لقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ النساء:23. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" الرضاعة تُحرِّمُ ما تُحرِّمُ الولادَةُ " متفق عليه. وقالت عائشة رضي الله عنها:" يحرمُ من الرَّضَاعة ما يَحْرُمُ من الوِلادَةِ " البخاري. وفي رواية عند ابن ماجه: قال رسول الله : يَحرُمُ من الرَّضاع ما يحرُمُ من النَّسَب "[
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:19 am | |
| ومنها: التغرير، والغش، والكذب: كأن يقول الرجل للمرأة وأهلها: أنه غني يملك العقارات والملايين .. فيُزوَّج على هذا الأساس .. ثم بعد الزواج يُعلَم أنه صعلوك لا يملك مما ذكر شيئاً .. وأنه قد كذب عليهم .. فمن حق المرأة وأوليائها حينئذٍ ـ إن شاؤوا ـ أن يفسخوا عقد الزواج مباشرة .. سواء رضي الرجل أم لم يرض! أو أن يقول الرجل عن نفسه: أنه عالم، وفقيه، ومن أهل العلم .. أو أنه يحفظ كتاب الله غيباً .. وأن المرأة التي ستنتقل إليه ستنتقل إلى بيت فقه وعلمٍ وأدَب .. فيُصدَّق ويُزوَّج على هذا الأساس .. ثم بعد الزواج يُعلَم أنه جاهل .. وأن بينه وبين العلم وأهله كما بين السماء والأرض .. وأنه قد كذب عليهم فيما زعم عن نفسه .. وتبين أن المرأة لم تنتقل إلى بيت علم وأدب وفقه وإنما انتقلت إلى بيت جهل .. وظلم .. وفجور .. فمن حق المرأة وأوليائها حينئذٍ ـ إن شاؤوا ـ أن يفسخوا عقد الزواج مباشرة .. سواء رضي الرجل أم لم يرض! أو أن يقول عن نفسه: أنه تقي وملتزم في نفسه بأحكام الشريعة .. فلا يُقارِع الكبائر من المنكرات والذنوب .. وأنه ممن يُراعون الحلال والحرام .. فيُزوَّج على هذا الأساس .. ثم بعد الزواج يُعلم عنه خلاف ذلك .. وأنه فاسق .. وأنه شديد الكذب .. لا يتورّع عن ارتكاب الموبقات كالسرقة، وشرب الخمر وغير ذلك .. وأنه لا يُحافظ على الصلاة كما ينبغي .. وأنه ممن إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى .. وبعد فوات وقتها .. فمن حق المرأة وأوليائها حينئذٍ ـ إن شاؤوا ـ أن يفسخوا عقد الزواج مباشرة .. سواء رضي الرجل أم لم يرض! أو أن يقول عن نفسه: أنه من ذوي الشهادات العليا .. فيُزوَّج على هذا الأساس .. ثم بعد الزواج يُعلَم أنه من ذوي الشهادات الدنيا .. وأنه قد كذب عليهم فيما قال عن نفسه .. فمن حق المرأة وأوليائها حينئذٍ ـ إن شاؤوا ـ أن يفسخوا عقد الزواج مباشرة .. سواء رضي الرجل أم لم يرض! كذلك لو كانت فيه عِلة أو مرض منفّر .. كأن يكون عنِّيناً .. أو عقيماً .. أو مصاباً ببرص أو سرطان .. أو بمرضٍ جنسي كالإيدز ونحوه .. فأخفى ذلك على المرأة وأهلها .. ثم بعد الزواج عَلموا عنه ما قد أخفاه عنهم وكتمه .. فمن حق المرأة وأوليائها حينئذٍ ـ إن شاؤوا ـ أن يفسخوا عقد الزواج مباشرة .. سواء رضي الرجل أم لم يرض! فإن قيل: ماذا يُفعَل بالمهر الذي قدمه لها ..؟ أقول: إن عُرِف عنه كذبه وغشه وغدره بعد الدخول لا يُرَد له من المهر شيئاً .. فيبقى المهر للمرأة بما أصاب منها .. فإن لم يكن قد دفع لها شيئاً من المهر أو بقي منه متأخر أُخِذ منه .. وإن كان قبل الدخول يُرد عليه نصف المهر، كما قال تعالى: وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ البقرة:237. وكذلك يُقال في المرأة التي تغش وتكذب على الرجل .. فإن زعمت له مثلاً: أنها بِكر ثم بان له أنها غير ذلك .. أو أنها خالية من الأمراض والعاهات المنفّرة .. ثم بعد ذلك وعند إنكشاف المستور ظهر له المخبوء، المنفِّر .. فله حينئذٍ أن يُطلّق أو يفسخ العقد إن شاء .. فإن حصل ذلك بعد الدخول ترك لها المهر بما أصاب منها .. وعوضه أولياؤها ما كان قد دفعه لها إن كانوا هم السبب في التدليس والتغرير أما إن كانت المرأة هي السبب، رُدّ منها ما كانت قد أخذته منه .. وإن علم ذلك عنها قبل الدخول فسخ العقد ولم يدفع لها شيئاً. فإن قيل: أين الدليل على جميع ما تقدم؟ أقول: أيما عقد ناتج عن غَرَرِ وجَهلٍ بما تم التعاقد عليه فهو عقد باطل لا نفاذ له، فمن شروط صحة البيع العلم بالمباع على صفته وحقيقته، فإن حصل فيه الغرَر والغش والخداع .. ثم عُلمت عيوبه بعد إتمام الصفقة والبيع .. بطل البيع، ورُدت السلعة إلى صاحبها الأول .. ومنه جاء تحريم بيع الملامسة، والمنابذة، لما في ذلك من الغرر والغش، والخداع وصفته أن ينبذ البائع سلعته للمشتري من دون أن يسمح له أن يراها أو يطلع عليها .. أو يأذن له بمجرد اللمس " أو الملامسة "، والتي لا تكفي لمعرفة حقيقة الشيء المباع، فإذا ما كشف عنه بان له ما لم يبن بالملامسة، كما في الحديث:" نهى رسولُ الله عن بيعتين: الملامسة، والمنابذة في البيع " البخاري. وفي رواية عن أنس بن مالك، قال:" نهى رسولُ الله عن المحاقَلَة، والمُخاضَرة، والملامَسة، والمنابَذة، والمُزابَنَة "[ ]البخاري. لأنها بيوع غرَر؛ فيها تغرير وتضليل وخداع للمشتري بحقيقة ما يشتريه! وإذا كان الغرَر لا يجوز في عقود البيع فمن باب أولى أن لا يجوز في عقود النكاح التي بها تعمر الحياة .. وتسكن النفوس بعضها إلى بعض. وقال رسول الله :" من حمَل علينا السلاح فليس منّا، ومن غشَّنا فليس منَّا " مسلم. فجعل من يغش المسلمين بمثابة من يحمل عليهم السلاح .. وإذا كان هذا الحديث يُحمَل على من يغش في بيع الثَّمَر فمن باب أولى أن يُحمَل على من يغش في عقود النكاح! وقال :" من غَشَّنا فليس مِنَّا، والمكرُ والخِداع في النَّار "[ ]. وقال :" المكر، والخديعة، والخيانة في النار "[ ]. وقال :" يُطبَع المؤمنُ على كل خِلَّةٍ غير الخيانة والكذب "[ ]. وتحت عنوان:" باب ما جاء في الخيانة والغِش "، أخرج الترمذي بسنده عن النبي أنه قال:" مَنْ ضارَّ ضارَّ الله به، ومن شَاقَّ شَقَّ الله عليه "[ ]. وقال :" المتشبع بما لم يُعطَ كلابس ثوبَي زورٍ " متفق عليه. والمتشبع بما لم يُعط؛ هو الذي يتظاهر بما ليس فيه ولا عنده، فيكون بذلك كمن يشهد شهادة الزور. وفي رواية عند الترمذي:" ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهُ كان كلابس ثوبَي زورٍ "[ ]. وفي رواية:" ومن تحلَّى بباطلٍ؛ فهو كلابِس ثوبي زُور "[ ]. قال ابن القيم في كتابه الماتع الزاد 5/180: وفي الموطأ عن عمر أنه قال:" أيما امرأة غرَّ بها رجلٌ؛ بها جنونٌ أو جذام أو برَصٌ، فلها المهرُ بما أصاب منها، وصداق الرجلِ على من غرَّه "[ ]. أي على من كان سبباً في غشه وتغريره بها. وعن سعيد بن المسيّب، قال: قال عمر:" أيما امرأة زُوّجَت وبها جنون أو جُذام أو برَصٌ فدخلَ بها ثم اطَّلَعَ على ذلك، فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصِّداق بما دلَّس كما غرَّه ". وعن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب بعث رجلاً على بعض السِّعاية، فتزوَّج امرأة وكان عقيماً، فقال له عمر: أعلمتَها أنَّك عقيم؟ قال: لا، قال: فانطلِق فأعلمها، ثم خيِّرْها [ ]. وعن ابن سيرين: خاصم رجلٌ إلى شُرَيح، فقال: إنَّ هؤلاء قالوا لي: إنَّا نزوجك بأحسَن الناس، فجاؤوني بامرأة عمْشاءَ، فقال شُرَيح:" إن كان دلَّس لك بعيبٍ لم يَجُزْ "، فتأمل هذا القضاء، وقوله: إن كان دلِّس لك بعيب، كيف يقتضي أن كل عيب دلست به المرأة، فللزوج الردُّ به؟ وقال الزهري يُرد النكاح من كل داءٍ عُضال. ومن تأمل فتاوي الصحابة والسلف، علم أنهم لا يخصُّوا الرد بعيب دون عيب .. وقال: والقياس: أن كل عيب ينفِرُ الزوج الآخر منه، ولا يحصُل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يُوجب الخيار، وهو أولى من البيع، كما أن الشروط المشترطة في النكاح أولى بالوفاء من شروط البيع، وما ألزم الله ورسولُه مغروراً قط، ولا مغبوناً بما غُرَّ به وغُبِنَ به، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته، وما اشتمل عليه من المصالح لم يخفَ عليه رجحانُ هذا القول، وقربه من قواعد الشريعة. وقال: والذي يقتضيه مذهبه وقواعده ـ أي مذهب وقواعد الإمام أحمد ـ أنه لا فرق بين اشتراطه واشتراطها، بل إثبات الخيار لها إذا فات ما اشترطته أولى، لأنها لا تتمكن من المفارقة بالطلاق، فإذا جاز له الفسخ مع تمكنه من الفراق بغيره، فلأن يجوز لها الفسخ مع عدم تمكنها أولى، وإذا جاز لها الفسخ إذا ظهر الزوج ذا صناعة دنيئة لا تشينه في دينه ولا في عرضه، وإنما تمنع كمال لذتها واستمتاعها به، فإذا شرطته شاباً جميلاً صحيحاً، فبان شيخاً مشوهاً أعمى أطرش أخرس أسود، فكيف تلزم به، وتمنع من الفسخ؟ هذا في غاية الامتناع والتناقض، والبعدِ عن القياس، وقواعد الشرع، وبالله التوفيق. وكيف يمكَّن أحدُ الزوجين من الفسخ بقدر العدسة من البرص، ولا يمكن منه بالجرب المستحكم المتمكن وهو أشدُّ إعداء من ذلك البرص اليسير وكذلك غيره من أنواع الداء العُضال؟ وإذا كان النبي حرَّم على البائع كِتمان عيب سلعته، وحرَّم على مَنْ علمه أن يكتمَه من المشتري، فكيف بالعيوب في النكاح، وقد قال النبي لفاطمة بنت قيس حين استشارته في نكاح معاوية، أو أبي الجهم:" أما معاوية، فصعلوك لا مال له، وأما أبو جهم، فلا يضع عصاه عن عاتقه "، فعلم أن بيان العيب في النكاح أولى وأوجب، فكيف يكون كتمانه وتدليسه والغش الحرام به سبباً للزومه، وجعل ذا العيب غُلاً لازماً في عُنِق صاحبه مع شدة نُفرته عنه، ولا سيما مع شروط السلامة منه، وشرط خلافه، وهذا مما يُعلم يقيناً أن تصرفاتِ الشريعة وقواعدها وأحكامها تأباه والله أعلم. انتهى الاقتباس من كلامه وكتابه رحمه الله. ومنها: عدم الالتزام بشروط العقد: فإن اشترط أحد طرفي النكاح شروطاً شرعية لا تُخالف الكتاب والسنة، لمضي عقد النكاح، ثم وافق الطرف الآخر على هذه الشروط، فإنه يتعين عليه الوفاء بها .. فإن نقضها وامتنع عن الوفاء بها جاز للطرف المقابل أن يفسخ عقد النكاح .. سواء وافق الطرف الذي يُقابله أم لم يوافق. فلو اشترطت المرأة ـ أو وليها ـ على الرجل[ ]: أن لا يعصي الله فيها .. وأن لا يجبرها على معصية .. فإن فعل جاز لها فسخ عقد الزواج .. أو اشترطت عليه أن لا يمنعها من طلب العلم الشرعي .. وأن يكون عوناً لها على طلب العلم .. والدعوة إلى الله .. أو أن لا يكون مانعاً لها من إتمام مرحلة من مراحل التعليم الأكاديمي تكون هامة بالنسبة لها .. أو أن لا يقطعها عن رحمها ممن يتعين عليها وصلهم .. أو أن لا يتزوج عليها[ ] .. أو أن لا يشتمها ولا يحقرها، ولا يقبحها، ولا يلعنها .. فإن فعل شيئاً من ذلك .. فهي في حل من أمرها .. ولها ـ إن شاءت ـ أن تفسخ عقد النكاح. أو اشترطت عليه إن عُرِف عنه بعد عقد النكاح أنه يتعاطى كبيرة من كبائر الذنوب؛ كشرب الخمر، أو تعاطي المخدرات، أو الزنى، أو التعامل بالربى، أو السرقة، أو اللعب بالميسِر .. فإن فعل شيئاً من ذلك .. فهي في حل من أمرها .. ولها ـ إن شاءت ـ أن تفسخ عقد النكاح. أو اشترطت عليه أن لا يأخذ شيئاً من مالها الخاص إن كانت من ذوي المال إلا بإذنها ورضاها .. أو أن لا يجبرها على العمل عند الناس خارج المنزل لتنفق على نفسها وعلى بيته وأبنائه .. أو أن لا يُؤذي أبناءها إن كان لها أبناء من زوج آخر .. فإن فعل شيئاً من ذلك .. فهي في حل من أمرها .. ولها ـ إن شاءت ـ أن تفسخ عقد النكاح. فهذه شروط شرعية .. لا تُخالف الكتاب والسنة .. فإن وافق الرجل عليها .. ثم أخلّ بها أو ببعضها .. فللمرأة الحق في أن تفسخ عقد الزواج .. ولا أثر حينئذٍ ـ في إنهاء العلاقة الزوجية ـ لموافقة الزوج أو عدم موافقته. فإن قيل: أين الدليل على ما تقدم؟ أقول: قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ المائدة:1. وقوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً الإسراء:34. وقوله تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ البقرة:177. وقوله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ النحل:91. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" إنَّ أحقَّ الشروط أن يُوفَّى به، ما استحللتم به الفروج " متفق عليه. وفي رواية:" أحقُّ ما أوفيتم من الشروط أن توفّوا به ما استحللتم به الفروج " البخاري. وهذا عام وشامل لكل شرط تشترطه المرأة لنفسها ودينها لا يُخالف شرعَ الله تعالى. وقال :" المسلمون عند شروطهم "[ ]. وفي رواية:" المسلمون على شروطهم "[ ]. أي ملتزمون بشروطهم التي اشترطوها على أنفسهم. قال أبو عيسى الترمذي في كتابه السنن: قال عمر بن الخطاب :" إذا تزوَّج رجل امرأة، وشرَط لها أن لا يخرجها من مصرها، فليس له أن يخرجها ". وهو قول بعض أهل العلم، وبه يقول الشافعي، وأحمد، وإسحاق ا- هـ. وقد عد الإسلام الغدر بالعهد، وعدم الوفاء بالوعد من خصال النفاق والمنافقين، كما في الحديث الصحيح:" أربع من كنَّ فيه كان منافقاً خالصاً ـ منها ـ: وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف " متفق عليه. أما إن اشترطت شروطاً ليست في كتاب الله تعالى، ولا سنّة رسولِ الله .. فهذا ليس لها ولا لغيرها .. كما لا يجوز الوفاء لها على ما تشترطه من شروط باطلة تتعارض مع شرع الله تعالى؛ تُحل حراماً، أو تُحرم حلالاً، أو تُحق باطلاً، أو تُبطِل حقاً، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" المسلمون على شروطهم ما وافق الحق من ذلك "[ ]. وقال :" المسلمون على شروطهم فيما أحلَّ "[ ]. وقال :" المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً "[ ]. فلا يجوز اشتراطه، ولا إمضاؤه ولا الوفاء به إن اشتُرِط .. كما لا يترتب على عدم الوفاء به شيء؛ لأنه باطل. وقال :" ما كان من شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرطٍ، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق " البخاري. وقال :" ما بالُ أقوامٍ يَشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فليس له، وإن اشترط مائة شرط " البخاري. ومنها: أن يطرأ على الزوجين وحياتهما ما يُفسِد ويُبطل عقد الزواج بينهما: كالردة؛ فإذا وقع أحد الزوجين في الردة فُسِخ عقد النكاح الذي يجمعهما .. وفُرّق بينهما مباشرة، وفي الحال، ومن صور الردة: شتم الله والدين، أو شتم الرسول والتهكم به، وكذلك الاعتقاد بالعلمانية والقول بها؛ لتضمنها جحود ما أنزل الله تعالى، ورد حكم الكتاب والسنة، وكذلك ترك الصلاة، ومظاهرة وموالاة المشركين الكافرين على المسلمين، ومن ذلك التجسس لصالح العدو والطغاة المجرمين على الإسلام والمسلمين .. فمن وقع من الزوجين بواحدة من هذه الأعمال فقد وقع في الردة، والكفر البواح، وخرج بذلك من دائرة الإسلام .. وفُرِّق بينه وبين الطرف الآخر الذي يُقابله سواء كان هذا الطرف زوجاً أم زوجة .. وفُسِخ العقد الذي جمعهما باسم الله؛ لإتيان أحدهما بما يُبطله. فإن قيل: أين الدليل على ما تقدم؟ أقول: الأدلة كثيرة منها، قوله تعالى: وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ البقرة:221. وقال تعالى: فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ الممتحنة:10. وقال تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ الممتحنة:10. وقال ابن كثير: قوله تعالى: وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ تحريم من الله عز وجل على عباده المؤمنين نكاح المشركات والاستمرار معهن ا- هـ. فالآية دليل على فسخ عقد الزواج من الكوافر المشركات؛ سواء كان كفرهن أصلياً، أم كان طارئاً من جهة الردة. وقال تعالى: وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً النساء:141. والإقرار بأن تبقى المرأة المسلمة تحت ذمة الرجل الكافر المرتد؛ هو إقرار بأن يكون للكافر المرتد على المؤمنة سبيلاً، هذا إذا علمنا أن القوامة في البيت هي للرجل كما تقدم! وعن أنس قال: خطبَ أبو طلحة أمَّ سليم، فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يُرَد، ولكنَّك رجل كافرٌ، وأنا امرأة مسلمة، ولا يحلّ لي أن أتزوّجَك، فإن تُسلِم فذاك مهري، وما أسألك غيره، فأسلَم فكان ذلك مهرها[ ]. أخرج عبد الرزاق في مصنفه 7/161: عن الحسن قال: إذا ارتدَّ المرتد عن الإسلام فقد انقطَع ما بينه وبين امرأته، فقال الثوري: والرجل والمرأة سواء. قال سيد سابق في كتابه فقه السنة: أجمع العلماء على أنه لا يحل للمسلمة أن تتزوج غير المسلم؛ سواء كان مشركاً، أم من أهل الكتاب ا- هـ. ونحو ذلك، إذا كان الزوجان كافرين، فأسلمت المرأة من دون الرجل .. يُفسخ عقد الزواج بينهما في الحال، والدليل على ذلك ما تقدم ذكره من أدلة أعلاه. ونضيف هنا فنقول: أخرج الطحاوي بسنده عن عكرمة، عن ابن عباس، في اليهودية أو النصرانية تكون تحت اليهودي أو النصراني فتُسلِم؟ فقال:" يُفَرَّق بينهما؛ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه "[ ]. وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس أنه قال:" إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حَرُمَت عليه ". وكذلك إذا أسلم الرجل وبقيت المرأة على كفرها وشركها، يُفسخ العقد ويُفرَّق بينهما .. باستثناء ما إذا كانت المرأة كتابية؛ يهودية أو نصرانية .. فالزواج يبقى بينهما من دون فسخ ولا نقض، ولا تجديد؛ لأن النص دل على جواز زواج المسلم من كتابية، كما قال تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ المائدة:5. ومنها: الامتناع عن النفقة: فإن امتنع الرجل عن النفقة مع القدرة عليها ـ وانتفت السبل على إجباره على النفقة أو أخذ النفقة منه ـ أو كان عاجزاً عن مطلَق النفقة[ ]، فللمرأة حينئذٍ ـ إن شاءت ـ أن تُطالب بفسخ العقد إن أبى الرجل تسريحها وطلاقها .. أو أبى النفقة عليها .. فالباءة والنفقة شرط في صحة استمرار الزواج، كما قال تعالى: وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ النساء:34. وقال تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ ؛ أي الوالد الذي يُولَد له رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ البقرة:233. وقال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً الطلاق:7. وفي الحديث، فقد صحّ عن النبي أنه قال:" ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " مسلم. ولما في الامتناع عن النفقة ـ أو التوقف عنها كلياً بسبب العجز ـ من إضرار بليغ بالمرأة، وربما يُؤدي إلى الهلكة، وهو يتنافى مع الأمر الإلهي بالإمساك بمعروف أو التسريح بمعروف، كما قال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً البقرة:231. وفي الحديث:" لا ضرَرَ، ولا ضِرار ". وقال :" مَنْ ضارَّ ضارَّ الله به، ومن شَاقَّ شَقَّ الله عليه "[ ]. وقال :" يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وِجاء " متفق عليه. والباءة تشمل القدرة على القيام بتكاليف ونفقات ما قبل النكاح كالمهر، ونفقات ما بعد عقد النكاح كالطعام، والكسوة، والمسكن .. ومفهوم المخالفة يقتضي أن من لا يستطيع الباءة ولا يجدها لا يتزوج، ولا يجوز له أن يتزوج؛ لأنه فاقد لشروط الزواج وحقوقه .. لذا كان توجيه النبي لمن لا يملك الباءة ولا يقدر عليها أن يصوم؛ فإنَّ الصوم له وجاء. أخرج البخاري في صحيحه ـ تحت باب: وجوب النفقة على الأهل والعيال ـ عن أبي هريرة أنه قال:" تقول المرأة: إما أن تُطعمني، وإمَّا أن تُطلقني ".
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:23 am | |
| ومنها: الإمساك بالزوجة على نيّة وقصد الإضرار والإعضال: فلا هو يُمسكها بمعروف ولا هو يسرحها بمعروف وإحسان .. فالمرأة حينئذٍ ليست مضطرة للجوء إلى المخالعة، ودفع الفدية للرجل لكي تتحرر من ظلمه وعدوانه .. لأن العمل بالمخالعة في هذه الحالة وفي هذا الموضع، فيه تشجيع لذوي النفوس الضعيفة من الرجال على الظلم والعدوان والإضرار، وهو كذلك من قبيل أكل المال بالباطل، وأخذه بغير وجه حق، كما قال تعالى: فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً النساء:20. وقال تعالى: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ البقرة:231. وإنما حقها هنا فسخ عقد النكاح، وأن يُفرَّق بينها وبين زوجها من دون أن ترد له شيئاً من مهرها. ـ مسألة: فإن قيل: ما هي العدة على المرأة في حالة الفسخ والتفريق، وفي جميع الحالات الآنفة الذكر؟ أقول: عدتها عدة المختلعة؛ حيضة واحدة إن كانت من ذوات الحيض، فإن لم تكن من ذوات الحيض، فشهر واحد .. وذلك لاستبراء الرحم من الحمل .. فإن كانت حاملة؛ فعدتها حتى تضع حملها طالت فترة الحمل أم قصرت، فقد صح عن النبي أنه قال:" من كان يُؤمن بالله واليومِ الآخر فلا يسقِ ماءهُ ولدَ غيره "[ ]. وذلك عندما تكون المرأة حاملة فلا يجوز لها أن تستشرف الزواج والنكاح من آخر حتى تضع حملها. وقال :" لا يحل لامريءٍ يُؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأةٍ من السبي حتى يستبرئها "[ ]. وعن أبي سعيد الخدري، أنه قال في سبايا أوطَاس:" لا تُوطَأ حامل حتى تضَع، ولا غيرُ ذات حملٍ حتى تحيضَ حيضةً "[ ]. واختُلِف في عدة المرأة التي تُسلِم ويبقى زوجها على الكفر؛ هل هي حيضةً واحدة أم ثلاثة قروء .. والراجح أنها حيضةً واحدةً .. تستبرئ فيها رحمها .. ثم تتزوج إن شاءت رجلاً من المسلمين؛ لأنها ليست مطلقة طلاقاً رجعياً حتى يُقال عدتها ثلاثة قروء، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة:10. فذكر لهن المهر، ولم يذكر لهن عدة كالمطلقة طلاقاً رجعياً، كما لا يوجد دليل من قول النبي يدل على أن أن عدتهن ثلاثة قروء كالمطلقة طلاقاً رجعياً .. وإنما ورد الأمر النبوي صلوات ربي وسلامه عليه بالتحقق من استبراء الرحم من الحمل قبل النكاح الجديد وحسب، فله السمع والطاعة، وهذا يتحقق بحيضة واحدة، كما تقدم، والله تعالى أعلم. قال الطبري في التفسير: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال ابن زيد في قوله: وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ؛ ولها زوج ثَمَّ؛ لأنه فرق بينهما الإسلام، إذا استبرأتنَّ أرحامهنّ ا- هـ. فاشترط استبراء الرحم فقط، وذلك يتحقق بحيضة واحدة. قال ابن حزم في المحلى 9/375: لا عدة في شيء من وجوه الفسخ الذي ذكرنا إلا في الوفاة، وفي المعتقة التي تختار فراق زوجها، لأمر رسول الله لهما بالعدة، ولم يأمر غيرهما بعدة ولا يجوز أمرها بذلك لأنه شرع لم يأذن به الله تعالى. ولا يجوز قياس الفسخ على الطلاق؛ لأنهما مختلفان، لأن الطلاق لا يكون إلا بلفظ المُطلِّق واختياره، والفسخ يقع بغير لفظ الزوج أحب أم كره .. وروينا من طريق البخاري عن ابن جريج، قال: قال عطاء عن ابن عباس: كانوا إذا هاجرت امرأة من دار الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حلَّ لها النكاح. فهذا ابن عباس يحكي أن هذا فعل الصحابة جملة، فلا يجوز خلافه، وبذلك جاء النص، قال الله تعالى: : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الممتحنة:10. فلم يوجب عليهن عدة في انفساخ نكاحهن من أزواجهنّ الكفار بإسلامهن ا- هـ. حلَّ لها النكاح .. لكن إن لم تتزوج .. وشاءت أن تُرجئ زواجها، وأن تُعطي زوجها الكافر فرصة عساه أن يُسلِم .. ثم أن زوجها الكافر قد أسلم فيما بعد .. قبل انقضاء ثلاثة قروء .. فله أن يرجعها إلى ذمته من غير عقد جديد .. قياساً على عِدة المطلقة طلاقاً رجعياً، ولدخول الرجل بعد إسلامه في معنى قوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ البقرة:228. أي في فترة قضاء العدة؛ وهي ثلاثة قروء كما تقدم .. فإذا انقضت وتعدَّت، ثم أسلم الرجل بعد ذلك، وأراد إرجاعها، فهو يحتاج إلى عقد نكاح جديد. دليلنا ما أخرج البخاري في صحيحه ـ تحت باب: نكاح من أسلم من المشركات وعدَّتهنَّ ـ عن ابن عباس قال:" كان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تُخْطَب حتى تحيضَ وتطهُرَ، فإذا طهرت حلَّ لها النكاح، فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح رُدَّت إليه ". قلت: جعل الحد الذي به يحل لها الزواج من آخر مقدار أن تحيض حيضة واحدة وتطهر منها، فإذا طهرت من حيضتها فقد حل لها النكاح لو شاءت .. فإن لم تنكح أو تأخر نكاحها .. ثم جاء زوجها الأول مسلماً وأراد إرجاعها خلال ذلك " رُدَّت إليه ". وفي مصنف عبد الرزاق، عن عبد الله بن يزيد الخطمي:" أن نصرانياً أسلمت امرأته فخيَّرها عمر إن شاءت فارقته، وإن شاءت أقامت عليه "[ ]. لكن " قبل أن تنكح " كم هي المدة قبل أن تنكح والتي لو راجعها فيها " رُدت إليه "، وقول عمر:" أقامت عليه "؛ أي تنتظره .. لكن إلى متى تنتظره، ويحق لها أن تنتظره ثم يعود إليها من غير عقد جديد؟ الذي عليه جمهور أهل العلم: أنه لو أسلم ثم راجعها خلال ثلاثة قروء، أو ثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض .. فتعود إليه من غير عقد جديد، فإن تأخر إسلامه عن هذه المدة ثم أراد أن يعيدها إليه، لزمه عقد نكاح جديد مستوفي الشروط والأركان. أخرج البخاري في صحيحه عن مجاهد أنه قال:" إذا أسلمَ في العِدة يتزوجها ". أي يردها إلى ذمته من غير عقد جديد. قال ابن حجر في الفتح 9/331: وبقول مجاهد، قال قتادة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحق، وأبو عبيد. واحتج الشافعي بقصة أبي سفيان لما أسلم عام الفتح بمر الظهران في ليلة دخول المسلمين مكة في الفتح كما تقدم في المغازي، فإنه لما دخلَ مكة أخذت امرأته هند بنت عقبة بلحيته، وأنكرت عليه إسلامه، فأشار عليها بالإسلام، فأسلمت بعد، ولم يُفرَّق بينهما ولا ذُكِر تجديد عقد، وكذا وقع لجماعة من الصحابة أسلمت نساؤهم قبلهم: كحكيم بن حزام، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما ولم يُنقَل أنه جُددَت عقود أنكحتهم، وذلك مشهور عند أهل المغازي لا اختلاف بينهم في ذلك، إلا أنه محمول عند الأكثر على أن إسلام الرجل وقع قبل انقضاء عدة المرأة التي أسلمت قبله ا- هـ. وفي مصنف عبد الرزاق بسنده عن عكرمة بن خالد أن عكرمة بن أبي جهل فرَّ يوم الفتح، فكتبت إليه امرأته فردته، فأسلَمَ، وكانت قد أسلمت قبل ذلك، فأقرهما النبيُّ على نكاحهما[ ]. قال الترمذي في كتابه السنن: المرأة إذا أسلمت قبل زوجها ثم أسلم زوجها وهي في العدة أن زوجها أحق بها ما كانت في العدة، وهو قول مالك بن أنس، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق ا- هـ. ويُقال ذلك، كذلك في المرتد ـ عملاً بالقياس على الكافر الأصلي ـ أنه لو تاب ورجع إلى إسلامه، له أن يراجع زوجته ـ من غير عقدٍ جديد ـ ما لم تنته عدة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن كانت المرأة لا تحيض .. وإن كانت هي أصلاً في حِلٍّ منه، ولها الرخصة ـ إن شاءت ـ بالزواج من غيره بمجرد انقضاء حيضة واحدة تستبرئ فيها رحمها من الحمل، كما تقدم، هذا الذي يقتضيه التوفيق والعمل بمجموع الأدلة والآثار ذات العلاقة بالمسألة. أخرج عبد الرزاق في مصنفه 7/161:" عن عمر بن عبد العزيز، قال في الرجل يُؤْسَر فيتنصَّر، قال: إذا عُلم بذلك برئت منه امرأته، واعتدَّت ثلاثة قروء ". ـ ملخّص في العِدَّة: 1- عدة المرأة المطلقة طلاقاً رجعياً: ثلاث حيضات، أو ثلاثة شهور إن لم تكن من ذوات الحيض .. فإن كانت حاملة، عدتها حتى تضع حملها، طال الحمل أم قصر. 2- عدة المرأة المطلقة طلاقاً بائناً بينونة كبرى " المطلقة ثلاثاً ": حيضة واحدة، أو شهر واحد إن لم تكن من ذوات الحيض، تستبرئ فيه رحمها .. ثم تنكح زوجاً آخر .. فإن كانت حاملة، عدتها حتى تضع حملها، طال الحمل أم قصر. 3- عدة المرأة التي تخالع زوجها: حيضة واحدة، أو شهر واحد إن لم تكن من ذوات الحيض، تستبرئ فيه رحمها .. فإن كانت حاملة، عدتها حتى تضع حملها، طال الحمل أم قصر. 4- عدة التفريق وفسخ العقد على اختلاف صوره وأسبابه: حيضة واحدة، أو شهر واحد إن لم تكن من ذوات الحيض، تستبرئ المرأة فيه رحمها .. فإن كانت حاملة، عدتها حتى تضع حملها، طال الحمل أم قصر. 5- عدة المرأة المطلقة قبل الدخول بها: ليس عليها عدة تعتدها. 6- عدة المرأة التي يتوفى عنها زوجها؛ سواء توفى عنها قبل الدخول بها أم بعد الدخول بها: أربعة أشهر وعشرة أيام .. فإن كانت حاملة، عدتها حتى تضع حملها، طال الحمل أم قصر. ـ نظرة الناس والمجتمع للطلاق والمُطلَّقة: من المظاهر السلبية التي تزيد من معاناة المرأة في كثير من المجتمعات العربية والأسوية، تلك النظرة السلبية التشاؤمية للمرأة المطلّقة .. لمجرد كونها مطلقة بغض النظر هل هي محقة أو مظلومة في طلاقها .. أو محقوقة ظالمة .. وهذا ـ في الغالب ـ ما يحمل المرأة على أن تتحمل مزيداً من ظلم الرجل لها ولا أن تصل إلى مرحلة الطلاق .. لأنه خُيِّل إليها أن الطلاق ـ بحكم العادات والأعراف الخاطئة السائدة من حولها ـ يعني نهايتها .. ودمارها .. ونهاية كل حلم سعيد لها في هذه الحياة! وهذا خطأ كبير .. وهو من الشيطان .. فالطلاق كما قدمنا ـ إن توفرت دواعيه وأسبابه الشرعية ـ مما شرَعه الله تعالى، وسنَّه لنا النبي .. وما كان مشروعاً ومسنوناً لا ينبغي أن يُنظَر إليه بهذه النظرة التشاؤمية المقيتة. فالصحابة رضي الله عنهم طلَّقوا وتزوجوا من مطلقات .. والنبي صلوات ربي وسلامه عليه طلَّق وتزوج من مطلقات .. منهن أمنا زينب بنت جحش رضي الله عنها كنت تحت زيد بن ثابت فطلقها ثم تزوجها النبي ، كما قال تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا الأحزاب:37. وكانت زينب رضي الله عنها تُفاخر على بقية النساء، فتقول:" زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات " البخاري. ثم يُقال: لو اطلعتم على الغيب لرضيتم بالواقع .. فكم من شرٍّ ترتب عليه خير .. وكم من خيرٍ ترتب عليه شر، وأنتم لا تعلمون، كما قال تعالى: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ البقرة:216. وقال تعالى: وَإِن يَتَفَرَّقَا أي الزوجان بالطلاق أو غيره من أسباب الفراق والتفريق يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ من الزوجين المطلقين عن صاحبه مِّن سَعَتِهِ أي من فضله ونعمه فيرزق المرأة زوجاً قد يكون خيراً لها ممن سبق، ويرزق الرجل زوجة قد تكون خيراً له ممن سبقتها وَكَانَ اللّهُ وَاسِعاً أي في الفضل، والعلم، والرزق حَكِيماً النساء:130. فيما يُدبر ويُقدر للعباد. وهذا يستدعي من المرء أن يُحسّن الظن بالله تعالى .. ويُحسن التوكل عليه .. وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ الطلاق:3.
* * * * *
ـ الحضانة: يُراعى في الحضانة أمران عليهما مدار أحكام الحضانة: أولهما: مصلحة الطفل، وسلامة نشأته وتربيته التربية الصالحة، الراشدة. ثانياً: أولى أقارب الطفل بحضانته .. وهم بالترتيب: الأم، ثم الخالة، ثم الجدة والدة الأم، ثم الأب[ ]. أما الدليل على أن الحضانة للأم بلا منازِع، فهو للحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره، عن عبد الله بن عمرو: أنَّ امرأة قالت: يا رسولَ الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سِقاء، وحجري له حِواء، وإنَّ أباه طلقني، وأراد أن ينتزعه مني؟! فقال لها رسولُ الله :" أنتِ أحقُّ به ما لم تنْكِحي "[ ]. وقال :" مَن فرَّق بين والدةٍ وولدها فرَّقَ اللهُ بينه وبين أحبته يومَ القيامة "[ ]. قال تعالى: لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا البقرة:233. ومن الإضرار الوالدة بولدها انتزاعه منها بغير وجه حق .. والتضييق عليها وعلى ولدها في النفقة من أجل أن تتخلى عن ولدها للآخرين. وعن أبي هريرة قال: جاء رجلٌ إلى رسولِ الله ، فقال: يا رسولَ الله من أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال:" أمُّكَ ". قال: ثم مَن؟ قال:" أمُّكَ ". قال: ثم مَن؟ قال:" أمُّكَ ". قال: ثم مَن؟ قال:" ثم أبوك " متفق عليه. دل الحديث أن الأم هي المقدمة في حسن الصحبة والحضانة على الأب ومن سواه من الأرحام .. فأولى الناس بحسن صحبة الولد وملازمته هي أمه .. كما أن الأم هي أولى الناس بحضانته ورعايته يوم أن كان صغيراً .. فالجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً الإسراء:24. وأخرج عبد الرزاق في مصنفه 7/154: عن الثوري، عن عاصم، عن عكرمة قال:" خاصمت امرأة عمر إلى أبي بكر رضي الله عنهما، وكان طلَّقها، فقال: هي أعطَف، وألطَف، وأرحم، وأحنَا، وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تزوَّج ". فتأمل كيف أن أبا بكر الصديق اعتبر العلة التي جعلت المرأة أولى بالحضانة من الرجل .. والتي بها تتحقق مصلحة الطفل .. وهي كونها " أعطَف، وألطَف، وأرحم، وأحنَا، وأرأف ". وفي رواية قال له:" ريحها، وحجرها، وفراشها خير له منك، حتى يَشِبَّ ويختار لنفْسِه ". قال محمد صديق خان في كتابه الروضة الندية: وقد أجمع العلماء على أن الأم أولى بالطفل من الأب ا- هـ. أما الدليل على أن الذي يلي الأم هي الخالة، فهو للحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره، عن علي بن أبي طالب قال: خرجَ زيد بن حارثة إلى مكة، فقدم بابنة حمزة، فقال جعفر: أنا آخذها، أنا أحق بها؛ ابنة عمي، وعندي خالتها، وإنما الخالة أم. فقال علي: أنا أحق بها، ابنة عمي، وعندي ابنة رسول الله ، وهي أحق بها. فقال زيد: أنا أحق بها؛ أنا خرجتُ إليها، وسافرت، وقدمت بها. فخرجَ رسولُ الله ، قال:" وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع خالتها؛ وإنما الخالة أم "[ ]. وفي رواية:" فقضى بها النبي لخالتها، وقال: الخالة بمنزلة الأم "[ ]. قال صاحب الروضة 2/185: الحق أن الحضانة للأم ثم للخالة للدليل الذي قدمنا، ولا حضانة للأب ولا لغيره من الرجال والنساء إلا بعد بلوغ الصبي سن التمييز، فإن بلغ إليه ثبت تخييره بين الأم والأب ا- هـ. وأما الدليل على أن الذي يلي الخالة هي الجدة أم الأم، فهو للأثر الذي رواه الإمام مالك في " الموطأ " 2/767: عن يحيى بن سعيد، أنه قال:" سمعتُ القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمر بن الخطاب امرأةٌ من الأنصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إنه فارقها، فجاء عمر قُباء، فوجد ابنه عاصماً يلعب بفناء المسجد، فأخذ بعضُدِه، فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدَّةُ الغلام، فنازعته إياه، حتى أتيا أبا بكرٍ الصديق، فقال عمر: ابني، وقالت المرأةُ: ابني، فقال أبو بكرٍ: خَلِّ بينها وبينَه. قال: فما راجعَهُ عمرُ الكلامَ. قال: وسمعت مالكاً يقول: وهذا الأمرُ الذي آخذُ به في ذلك "ا- هـ. أي أفتي وأقضي به. قال محمد صديق خان في الروضة: قال في المسوى ـ أي قال ولي الله الدهلوي في كتابه المسوى شرح الموطأ ـ: إذا فارق الرجل امرأته وبينهما ولد صغير فالأم، وأم الأم أولى بالحضانة من الأب لرواية مالك " ا- هـ. أعلاه. وفي رواية في المصنف لعبد الرزاق، عن القاسم بن محمد قال: أبصرَ عمر عاصماً ابنه مع جدته أُمِّ أُمِّه، فكأنه جاذبها إياه، فلما رآه أبو بكرٍ مقبلاً، قال أبو بكر: هي أحقُّ به، قال: فما راجعه الكلام. قلت: عمل اتفق عليه الشيخان لا ينبغي ولا يجوز الحيدة عنه أو مخالفته، لقوله :" اقتدوا باللذين من بعدي؛ أبي بكر وعمر "[ ]. وفي رواية:" إنِّي لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذينِ من بعدي "؛ وأشارَ إلى أبي بكرٍ وعمر "[ ]. قال ابن حزم في المحلى 10/143: الأم أحق بحضانة الولد الصغير والابنة الصغيرة حتى يبلغا المحيض أو الاحتلام، أو الإنبات مع التمييز، وصحة الجسم، سواء كانت أمَة أو حرة، تزوَّجَت أم لم تتزوّج، رحلَ الأب عن ذلك البلد أو لم يرحَل، والجدَّة أم ا- هـ. فإن شَبَّ الولَدُ وبلغ سنَّ التمييز خُيِّر بين والديه، أيهما اختار ذهب معه، للحديث الذي أخرجه النسائي وغيره، عن أبي هريرة قال: إنَّ امرأة جاءت رسولَ الله ، فقالت: فداكَ أبي وأمي، إن زوجي يريدُ أن يُذهب بابني، وقد نفعني وسقاني من بئر أبي عِنَبَة، فجاء زوجها، وقال: من يُخاصمني في ابني؟ فقال :" يا غُلام! هذا أبوك، وهذه أمُّكَ، فخذ بيدِ أيهما شئتَ ". فأخذَ بيدِ أمه، فانطلقت به[ ]. وعن عبد الحميد بن سلمة الأنصاري، عن أبيه، عن جده: أنه أسلمَ وأبت امرأته أن تُسلِم، فجاء ابن لهما صغير؛ لم يبلغ الحلم، فأجلسَ النبيُّ الأب ههنا، والأم ههنا ثم خيره، فقال:" اللهمَّ اهدِهِ " فذهب إلى أبيه[ ]. والحديث فيه أن الولد يُخير بين أبويه حتى لو كانت أمه غير مسلمة ـ ما أُمِنَت الفتنة على الولد في دينه وأخلاقه ـ وما ذلك إلا لما لحضانة الأم من مزيّة عظيمة .. ولما لها من حقٍّ مغلّظ على ولدها. فإن قيل: كيف نفسر قوله :" :" أنتِ أحقُّ به ما لم تنْكِحي "؟ أقول: يُفسر كالتالي: أي أن هذا الحق محفوظ لكِ .. فإذا نكحتي وتزوجتي .. لم يعد هذا الحق خالصاً لكِ .. وإنما يُنظَر في أمرِك ومدى عطائك لطفلك في ظل زواجك الثاني .. فإن وجِد أن حضانتك لطفلك ستتأثر سلباً بسبب زواجك .. وكان زوجك غير مأمون على أبنائك .. انتقلت الحضانة إلى غيرك بحسب التسلسل الوارد أعلاه .. لأن الجانب الأهم في الحضانة هو اعتبار مصلحة الطفل قبل غيره. وهذا لا يعني بالضرورة أن تنتقل الحضانة مباشرة إلى الأب مهما كانت النتائج والآثار[ ] .. بدليل أن الحضانة بعد الأم للخالة، وإن كانت ذات زوج، كما في قصة ابنة حمزة؛ فقد قضى لها النبي أن تكون عند خالتها، علماً أن خالتها لها زوج، وزوجها هو جعفر بن أبي طالب . وأنس ابن مالك ـ خادم رسول الله ـ كان في حضانة أمه، وهي زوجة لأبي طلحة، ولم ينكر عليها النبي . قال صاحب الروضة 2/185: حديث " أنتِ أحقُّ به ما لم تنْكِحي " يُفيد ثبوت أصل الحق في الحضانة للأب بعد الأم ومن هو بمنزلتها؛ وهي الخالة، فتكون أهل الحضانة الأم ثم الخالة ثم الأب ا- هـ. قال ابن حزم في المحلى 10/153:" ومن طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج عن أجلح: أن شريحاً قضى بالصبي للجدّة إذا تزوجت أمه ". قلت: المهم في الحاضن ـ إضافة إلى مراعاة من له الأولوية في الحضانة ـ أن يكون مأمون الجانب في دينه وأخلاقه، كفأ لمهمة الحضانة، أما إن كان غير مأمون الجانب في دينه وأخلاقه، وكان ممن يقترف الفواحش والمنكرات، ويتعاطى المسكرات والمخدرات، وخُشي على الطفل من سوء دينه وأخلاقه .. انتقلت الحضانة منه ـ مهما علا كعبه وشأنه حتى لو كانت الحاضنة هي الأم أو الأب ـ إلى من يليه من أولي الأرحام بحسب الأولوية، بشرط أن يكون مأموناً في دينه وأخلاقه .. ويُرجى منه الخير للطفل أكثر من غيره .. لأن الغرض الأساس من الحضانة ـ كما ذكرنا من قبل ـ هي سلامة الطفل ومصلحته الدينية والدنيوية سواء. قال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المائدة:2. فوضع الطفل في حضانة ضارة غير مأمونة النتائج والعواقب هو من التعاون على الإثم والعدوان، والعكس إذا وضع الطفل في حضانة سليمة مأمونة النتائج والعواقب فإن ذلك يُعد من التعاون على البر والتقوى. كذلك دعاء النبي للغلام بأن يهديه الله لاختيار والده المسلم على والدته غير المسلمة .. علماً أن أولوية الحضانة هي للأم كما تقدم .. ولكن هنا رُوعيت مصلحة الطفل؛ التي تتحقق في حضانة المسلم أكثر مما هي في حضانة غير المسلم .. وإن كان هذا الغير هي الأم! قال ابن حزم في المحلّى 10/145: اختصمَ خال وعم إلى شريح في صبي فقضى به للعم، فقال الخال: أنا أنفق عليه من مالي؟ فدفعه إليه شريح. وهذا نص قولنا ا- هـ. والشاهد أن القاضي العادل شريح لما لمس أن الخال أقدر على تمتيع ورعاية الطفل مادياً ودنيوياً من العم أوكل إليه مهمة الحضانة .. بعد أن كان قراره الأول لصالح العم. قال ابن القيم رحمه الله: فمن قدّمناه بتخيير، أو قرعة، أو بنفسه، فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد. ولو كانت الأم أصوَن من الأب، وأغير منه، قُدّمت عليه، ولا التفات إلى قرعة، ولا اختيار للصبي في هذه الحالة؛ فإنه ضعيف العقل، يُؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يُلتفَت إلى اختياره، وكان عنده من هو أنفع له، وأخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا، والنبي قد قال:" مُروهم بالصلاة لسبعٍ، واضربوهم على تركها لعشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع ". والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ التحريم:6. وقال الحسن: علموهم وأدبوهم وفقهوهم، فإذا كانت الأم تتركه في المكتب، وتعلمه القرآن، والصبي يُؤثر اللعب، ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك، فإنها أحق به بلا تخيير، ولا قرعة، وكذلك العكس، ومتى أخلّ أحد الأبوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطّله، والآخر مُراعٍ له فهو أحق وأولى به. قال: وسمعت شيخنا ـ ابن تيمية رحمه الله ـ يقول: تنازع أبوان صبياً عند بعض الحكام، فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: سلْه لأي شيء يختار أباه؟ فسأله؟ فقال: أُمّي تبعثني كل يوم للكتّاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان. فقضى به للأم، قال: أنتِ أحق به. قال: قال شيخنا: وإذا ترك أحد الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه الله تعالى عليه، فهو عاصٍ، ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له، بل إما أن تُرفَع يده عن الولاية، ويُقام من يفعل بالواجب، وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب؛ إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان[ ]ا- هـ. ـ نفقة الحضانة: لا خلاف أن نفقة الحضانة المتضمنة والشاملة للنفقة على الحاضنة " الأم " والأبناء سواء، هي واجبة على الوالد .. وهي تشمل تكاليف السكن، والملبس، والمأكل، والمشرَب. كما قال تعالى: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا البقرة:233. ومن إضرار الوالدة بولدها الامتناع عن النفقة عليها وعلى ولدها عساها أن تتخلى عن ولدها للآخرين .. فيتحقق لها الإضرار من وجهين: حرمان حقها وحق ولدها من النفقة .. وانتزاع ولدها منها لعدم وجود النفقة التي تكفيها وولدها .. وهو أشد عليها ضرراً وحرجاً من مجرد قطع النفقة عنها. وقال تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً النساء:5. وقال تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ الطلاق:6. وقال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ الطلاق:7. وفي الصحيحين: قالت هند أم معاوية لرسول الله : إن أبا سُفيان رجلٌ شحيحٌ، فهل عليَّ جناحٌ أن آخذَ من ماله سِرّاً؟ قال:" خذي أنتِ وبنوكِ ما يكفيكِ بالمعروف ". وقال :" كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يَقوت "[ ]. ـ مشكلة في بلاد الشرق وبلاد الغرب حول الحضانة: في بلاد الشرق؛ العربية منها والأسوية يتهرب الرجل ـ إلا من رحم الله ـ من حضانة أبنائه؛ لكي لا يلتزم بالنفقة الشرعية لهم، وحتى لا تستفيد الحاضنة " أمهم " من النفقة .. وفي كثير من الأحيان .. يجد من عادات وتقاليد وقوانين بلده ما يُعينه على هذا الظلم والعدوان .. مما يدفع المرأة لفقرها وضعفها أن تتخلى عن حضانة أبنائها لأبيهم ولذوي وقرابة أبيهم .. فيتحقق بذلك الضرر للأم وللأبناء سواء؛ لفقدانهم المحضن الأسلم والأكثر أماناً لهم من غيره .. ثم أن هذا الفصل بين الأبناء وأمهم قد يمتد لسنوات طوال من دون أن يسمح الأب لأبنائه بزيارة أمهم أو التعرف عليها .. وإنّي لأعلم عن حالات بلغ فيها الأبناء سن الشباب والرجولة .. وهم لا يعرفون شيئاً .. ولا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن أمهم! أمّا في بلاد الغرب " الأوربية "؛ لما تستحقه المرأة المطلقة في قانونهم من نفقة ورعاية كاملتين تشملان نفقات المسكن، والملبس، والمأكل، والمشرب، والتعليم، والعلاج الطبي للأبناء ولحاضنتهم معاً .. فإن من الآباء ـ وللأسف ـ من يزاحم امرأته على هذه الحضانة .. ليس رغبة منه في الحضانة .. أو لأنه الأكفأ في الحضانة .. والرعاية .. وإنما لكي يحصل على تلك النفقات التي تصرفها الحكومة على الأبناء وحاضنتهم .. ويحرم أمهم من هذا الحق .. وهو ما إن يتحقق له ذلك .. يكفيه من شؤون الحضانة أن يأتي لأبنائه بخادمة أجنبية ـ لا تراعي فيهم حقّاً ولا واجباً ـ لكي ترعاهم .. ليضرب هو في الأرض .. ويتمتع ببقية حياته .. ساهياً لاهياً! أما إن صُرِفت نفقة الحضانة للأم ـ وهي في الغالب تُصرَفَ لها ـ فإن الأب ـ إلا من رحم الله ـ لا يتعرّف على أبنائه في شيء .. وتراه يتهرب من واجباته نحوهم والتي منها النفقة عليهم وعلى الحاضنة .. بحجة أن الحكومة تنفق عليهم وعلى أمهم .. وهو بعد ذلك .. لا يستحي بأن يُطالب بجميع وكامل حقوق الأبوة على أبنائه .. وعلى كل ما يمت بصلة بأبنائه! هذا واقع ظالم .. نشاهده .. ونعايشه .. ونكابده .. والمرأة وأبناؤها هم ضحاياه .. وعلاجه أن يتقي الرجالُ اللهَ فيما استرعاهم إياه، واستأمنهم عليه .. وسائلهم عنه يوم القيامة يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشعراء:88-89.
يتبع | |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:24 am | |
| ـ مسائل متفرّقة: ـ المسألة الأولى: مسألة اللعان: رجل يرى رجلاً مع امرأته في فراشه، يقترفان الفاحشة .. ماذا يفعل؟ هل يقتله، أم يقتلها، أم يقتلهما معاً .. أم له حكم آخر؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. أخرج البخاري في صحيحه عن سهل بن سعد الساعدي أنَّ عُويمِراً العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي الأنصاري، فقال له: يا عاصم، أرأيتَ رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتلُهُ فتقتلونَهُ، أم كيف يفعل؟ سَلْ لي يا عاصم عن ذلك رسولَ الله ، فسأل عاصمٌ رسولَ الله عن ذلك، فكرِهَ رسولُ الله المسائِلَ وعابَها، حتى كَبُرَ على عاصم ما سمع من رسولِ الله ، فلما رجع عاصم إلى أهله، جاءه عُويمِر، فقال: يا عاصم ماذا قال لك رسولُ الله ؟ فقال عاصم لعويمر: لم تأتني بخير؛ قد كَرِهَ رسولُ الله المسألة التي سألته عنها، فقال عُويمر: والله لا أنتهي حتى أسألَه عنها، فأقبل عُويمِر حتى جاء رسولَ الله وسَطَ الناسِ، فقال: يا رسولَ الله، أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه، أم كيف يفعل؟ فقال رسولُ الله :" قد أُنزِلَ فيك وفي صاحبتك فاذهَب فأتِ بها ". وفي رواية:" فأنزل الله في شأنه ما ذكرَ في القرآن من أمر المتلاعِنَين، فقال النبي :" قد قضى الله فيك وفي امرأتك ". قال سهل: فتلاعَنَا وأنا مع الناس عند رسول الله ، فلما فرغا من تلاعنهما، فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسولُ الله . قال ابن شهاب راوي الحديث عن سهل: فكانت السنة بعدهما أن يُفرَّق بين المتلاعنين، وكانت حاملاً، وكان ابنها يُدعى لأمه. قال: ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله له. وفي رواية: ما فرض الله لها " والحديث متفق عليه. وفي رواية عند أبي داود: قال سهل: فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله ، فأنفذه رسولُ الله ، وكان ما صُنِع عند النبي سُنة. قال سهل: حضرت هذا عند رسول الله ، فمضت السنة بعد في المتلاعنين: أن يُفَرَّق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا[ ]. أما صيغة الملاعنة كيف تتم، فهي كما قال تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ أي بالزنى وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ فيقول: أشهدُ بالله إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ أي الحد، والرجم أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ النور:6-9. ومن السنَّة أن يُوعَظ المتلاعنان قبل بدئ الملاعنة، كما في الحديث عند النسائي، فوعظهما:" فبدأ بالرجل فوعظه، وذكَّره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقال: والذي بعثك بالحق ما كذبت، ثم ثنَّى بالمرأة فوعظَها وذكَّرَها، فقالت: والذي بعثك بالحق إنه لكاذب، فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنَّى بالمرأة ..."[ ]. كما يُسَن في الخامسة أن توقَف المرأة فيُقال لها:" إنها موجبة " فتُخَوَّف بالله. وكذلك يضع رجلٌ يده على فِيّ الملاعِن في الخامسة، فيقول له:" إنها موجبة "[ ]. فيخوفه بالله. فإن قيل: أين المهر .. هل يُرَد شيء منه إلى الرجل؟ أقول: قضت السنة أنه ليس للرجل في اللعان أن يأخذ شيئاً من الصداق، كما في الحديث المتفق عليه، فقال النبي للمتلاعنَين:" حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لكَ عليها "، قال: مالي؟ قال :" لا مالَ لك؛ إن كنتَ صدَقتَ عليها فهو بما استحللتَ من فرجِها، وإن كنتَ كذبتَ عليها فذاكَ أبعدُ لكَ ". قلت: فتأمَّل قوله :" لا سبيلَ لكَ عليها " أي لاسلطان لك عليها ـ بعد الملاعنة ـ في محاسبتها أو معاقبتها في شيء .. وفي هذا التوجيه النبوي الشريف صلوات ربي وسلامه عليه رد على الذين يرتكبون جرائم قتل الشرف ـ في البلاد العربية والأسوية ـ باسم الانتقام للشرف .. والغيرة المزعومة .. وهم ليس لهم ـ بنص القرآن والسنة ـ أكثر من الملاعنة .. كما هو مبين أعلاه .. ومما زاد الطين بلةً .. والأمر سوءاً أن هذه الجرائم التي تُرتكب في كثير من الأمصار .. في كثير من الأحيان تُلصَق باسم الإسلام .. والإسلام منها براء![ ]. وفي الحديث عن أبي هريرة، قال: قال سعد بنُ عبادة: يا رسولَ الله لو وجدتُ مع أهلي رجلاً، لم أمَسَّه حتى آتِيَ بأربعةِ شُهداء؟ قال رسولُ الله :" نعم ". قال: كلا؛ والذي بعثَكَ بالحق إن كنتُ لأُعاجِلُه بالسيف قبل ذلك! قال رسولُ الله :" اسمعوا إلى ما يقولُ سيدُكم؛ إنه لغيورٌ، وأنا أغيرُ منه، واللهُ أغيرُ مني " مسلم. فلا ينبغي ولا يجوز أن تُرتَكب الجرائم باسم الغيرة .. والمزاودة بالغيرة .. فلا أحد أغير من الله تعالى، ولا للغيرة إلا فيما أوجب الله تعالى فيه الغيرة، قال رسولُ الله :" لا أحَدَ أغيرَ من الله، من أجل ذلك حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بَطن " البخاري. وبالتالي لا يجوز لعبد أن يُزاود بالغيرة على غيرة الله تعالى؛ فيغار أكثر من المشروع، أو فيما لا تجوز فيه الغيرة. وعن أنس، قالوا: يا رسولَ الله، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ قال:" إن فيهم لَغَيْرَةً شديدةً "[ ]. فكان ذلك سبباً مانعاً للنبي من الزواج منهن .. فالغيرة محمودة ما التزمت بحدود وضوابط الشرع، وما زاد أو نقص عن المشروع فهو مذموم، لذا جاء في الحديث قوله :" من الغيرة ما يُحِبُّ الله، ومنها ما يكرَهُ الله؛ فأما ما يُحبُّ اللهُ، فالغيرة في الريبةِ، وأما ما يكرهُ فالغيرة في غير ريبةٍ "[ ]. وقال :" غَيْرَةُ اللهِ أن يأتِي المؤمنُ ما حرَّمَ اللهُ عليه "[ ].
ـ المسألة الثانية: مسألة الكفاءة في السِّن: إذ أصبح من الملاحظ في كثير من المجتمعات العربية والأسوية تزويج ابن الستين عاماً من ابنة الخامسة عشرة من عمرها .. مستدلين على زواجهم بزواج النبي من عائشة رضي الله عنها .. فهل هذا جائز؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. من الكفاءة التي يجب مراعاتها الكفاءة والتقارب في السن بين الزوجين .. وأعني بذلك الكفاءة الجنسية .. إذ لا ينبغي أن يُزوّج ابن الستين بنت الخامسة عشر عاماً كما يحصل ذلك في كثير من المجتمعات العربية والأسوية مستغلين فقر وحاجة وجهل بعض العوائل .. لأن الضرر حينئذٍ ـ وكذلك الإعضال ـ محقق للمرأة ولا بد .. حيث في الوقت الذي ينطفئ فيه الرجل جنسياً وينتهي عطاؤه تكون المرأة في أقوى مراحل عطائها .. ويكون مثلها مثل من تُزوَّج من عنِّين؛ لا يقدر على الوصال .. فتتشوف الرجال .. وتستشرف النظر إليهم بالحرام .. وهذا لا يجوز .. لما فيه من ضرر وإضرار، والله تعالى يقول: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً البقرة:231. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" لا ضرر، ولا ضرار ". ولو عملنا بأدلة قاعدة " سد الذرائع "، لسددنا الطريق على مثل هكذا زواج، ولا بد! ومما يحسن الاستدلال به في هذا الشأن ما أخرجه الترمذي في السنن، تحت باب " تُزَوَّجُ المرأةُ مثلُها في السِّنِّ "، عن بُريدة، قال:" خطَبَ أبو بكرٍ، وعمر رضي الله عنهما فاطمة، فقال رسولُ الله :" إنها صغيرة، فخطبها عليٌّ فزوَّجها مِنه "[ ]. وقوله :" إنها صغيرة "؛ أي إنها صغيرة عليكما قياساً لعمركما .. وأبو بكر وعمر هما، هما .. بينما عليٌّ سنه مكافئ ومتقارب من سنها " فزوَّجها مِنه ". فإن قيل: كيف نفسّر إذاً زواج النبي من عائشة رضي الله عنها ..؟ أقول: قد كثر الاستدلال بزواج النبي من عائشة رضي الله عنها على ما لا ينبغي ولا يجوز الاستدلال عليه .. فأيّنا كالنبي محمد صلوات ربي وسلامه عليه .. مَن يجرؤ أن يزعم أن رجولته وفحولته كرجولة وفحولة النبي .. فالنبي له المثل الأعلى في جميع خصال وخصائص الإنسان .. بما في ذلك خاصية الرجولة والفحولة .. فقد روى البخاري في صحيحه بسنده عن أنس بن مالك:" أن نبيَّ الله كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذٍ تسع نسوة ". الله أكبر .. تبارَك اللهُ أحسنُ الخالِقين .. فمن من الرجال يُطيق ذلك .. حتى يحسن أن يُشبه نفسه بالنبي .. ويقيس نفسه على النبي ؟! وفي رواية ـ عند البخاري أيضاً ـ: عن قتادة قال: حدَّثنا أنَس بن مالك قال:" كان النبيُّ يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهنَّ إحدَى عشرةَ " قال: قلت لأنس: أوَكان يُطيقه؟ قال:" كنا نتحدَّثُ أنه أُعطيَ قوَّة ثلاثينَ ". فليتأمَّل عجائز هذا الزمان الذين لا يستحون؛ فيقيسون أنفسهم على النبي .. وإذا ما قيل للرجل: كيف تُزوج وليتك من رجل يزيدها خمسين عاماً .. سرعان ما يبادرك القول والاستدلال بزواج النبي من عائشة .. ساء ما يقولون .. وما يفهمون .. فبئس الفهم فهمهم .. وبئس القول قولهم! تقول أُمّنا؛ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:" كان رسولُ الله يُقبّل وهو صائم، ويُباشر وهو صائم، ولكنه كان أملَك لإرْبِه " متفق عليه. وفي رواية، قالت:" وأيكم كان أملَك لإرْبه من رسولِ الله ". وفي صحيح ابن خزيمة، عن الأسود، قال: انطلقت أنا ومسروق إلى أم المؤمنين نسألها عن المباشرة ـ أي في الصيام ـ فاستحيينا، قال: قلت: جئنا نسأل حاجةً فاستَحْيَيْنا. فقالت: ما هي؟ سلا عما بدا لكما. قال: قلنا: كان النبي يُباشِر وهو صائم؟ قالت:" قد كان يفعل، ولكنه كان أملَكَ لإرْبِه منكم "[ ]. وفي صحيح البخاري، قال رسولُ الله :" لا تواصلوا " ـ أي في الصيام؛ فيوصَل الليل بالنهار من غير إفطار ـ قالوا: فإنَّك تواصل يا رسول الله. قال: لست كأحدٍ مِنْكم ـ وفي رواية: إني لستُ مِثلكم ـ إنِّي أُطعَم وأُسقَى ". وفي رواية:" إنيِّ لستُ كهيئتكم، إني أبيتُ لي مُطعِمٌ يُطعمني، وساقٍ يسقين ". وفي رواية:" وأيكم مثلي؛ إنِّي أبيتُ يُطعمني ربي ويَسقين ". وكل هذه الروايات عند البخاري في صحيحه. وبالتالي لا يجوز أن يُقاس أقوى الرجال .. وفي عِز رجولتهم وشبابهم .. على قوة النبي المصطفى وهو في آخر أيامه وعهده من دنيانا .. فضلاً عن أن يُقاس العجايز وكبيري السن .. وأيما قياس من هذا القبيل أعده انتقاصاً من قدْر ورجولة النبي .. وأيما امرئ يقيس نفسه على النبي ويريد من قياسه الانتقاص من قدْر وجناب النبي .. وأعرف ذلك منه .. والذي نفسي بيده لا أتردد لحظة من تكفيره بعينه، والحكم عليه بالردة. إضافة إلى هذا الذي تقدم يُقال كذلك: أن النبي يملك الكمال في جميع خصائص وصفات الكفاءة المطلوبة بين الزوجين .. وهو ما يزيل مطلق الأثر لما يُقال عن الفارق في العمر بين الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه .. وبين أمّنا؛ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها .. وهذا ليس لأحدٍ بعده .. وبالتالي لا يجوز لأحدٍ أن يقيس نفسه وزواجه على نفس النبي وزواجه من عائشة رضي الله عنها. فإن قِيل: هل يُقال هذا الذي تقدم أعلاه إذا ما تزوّج صغيرٌ من كبيرة، وكان الفارق في العمر بينهما كبير، إلى درجة تكون المرأة فيها فوق سن الإنجاب ..؟ أقول: إن كانت زوجته الوحيدة، وفي نيته أن لا يعدد عليها، وظرفه لا يسمح له بالتعدد، نعم يُكرَه للصغير أن يتزوج من كبيرة قد دخلت سن اليأس، وتجاوزت سن الإنجاب، وقد ترقى الكراهة إلى درجة التحريم بحسب الضرر والحرج المترتب على هكذا زواج .. فقد جاء رجل إلى النبي ، فقال: إنّي أصبتُ امرأة ذات حسَبٍ وجمال، وإنها لا تلِد، أفأتزوجها؟ قال :" لا ". ثم أتاه الثانية، فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال:" تزوّجوا الودودَ الولودَ فإنِّي مكاثِر بكم الأمم يومَ القيامة "[ ]. هذا إذا كانت لا تلد فقط ـ وهي ذات حسب وجمال ـ فكيف إذا كانت مع كونها لا تلِد لا تُحصّن زوجها من الوقوع في الفتن للفارق الكبير بينهما في السن ـ والتي كثرت في هذا الزمان، وأحاطت بالرجال والنساء سواء إحاطة السوار بالمعصم ـ وهو في المقابل لا يجد أمامه إلا إياها .. ولا يقدر على الزواج من غيرها .. لا شك حينئذٍ أن الكراهة تتغلظ، وقد ترقى إلى درجة التحريم. لكن إن كان من ذوي التعدد أو في نيته أن يُعدّد، والظروف تسمح له أن يُعدد، فأضافها إلى جملة نسائه .. أرجو أن لا يكون في ذلك حرج إن شاء الله .. ولا يُقال في هذا الموضِع ما قلناه بحق الصغيرة عندما تتزوج من كبير يفوقها عشرات السنين؛ لأن البنت ـ في الوصف المتقدم ـ فاقدة لمطلق الخيارات .. مقصورة على عجوزها .. لا خيار لها غيره .. بينما الرجل في مثالنا السابق له خيارات عدة؛ له ـ إن شاء ـ أن يتزوج ثلاث نساء إضافة إلى تلك المرأة الكبيرة في السن التي تزوجها .. إضافة إلى خيار الطلاق لو شاء، والله تعالى أعلم. ـ المسألة الثالثة: غياب الرجل عن زوجته: كم يحق للزوج أن يغيب عن زوجته .. ولو غاب غياباً قسرياً كالسجن ونحوه أو كان مفقوداً لا يُعلَم مكانه .. كم هي المدة التي يحق بها للمرأة أن تطلب التفريق وفسخ العقد؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. اعلم أن الإسلام جاء برفع الضرر عن المرأة، أو أن تُمسَك ضراراً وإعضالاً وفتنة من غير نكاح ولا طلاق .. من ذلك إمساكها على نكاح غائبٍ مهما طال غيابه فتضطر أن تستشرف الفتنة والحرام .. ثم لو فعلت أو وقعت في شيء من ذلك تُعاقَب عليه!.. فالإسلام قد جاء بسد الذرائع التي تمنع من الوقوع في الحرام قبل العقوبة على الوقوع في الحرام .. وقد تقدم ذكر النصوص الشرعية الدالة على ذلك .. وقد خاض الخائضون في تحديد زمن غياب الزوج الذي يحق للمرأة بعده أن تطلب الطلاق أو فسخ العقد .. فمنهم المكثر ومنهم المُقِل؛ بحسب ما يرجح لهم تحقق الضرر للمرأة. وأقرب الأقوال عندي للنص، ولروح الشريعة ومقاصدها، هو ما ورد في مدة " الإيلاء " وصفته أن يحلف الرجل أن يهجر زوجته ولا يقترب منها بنكاح .. فحدد له الشرع مدة أقصاها أربعة أشهر .. لا يحق له تجاوزها .. فإن أراد تجاوزها يخير بين الطلاق أو الرجوع إلى زوجته ليعاشرها معاشرة الأزواج لنسائهم .. وليس له إلا أن يختار، كما قال تعالى: لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ البقرة:226-227. قال ابن كثير في التفسير: إن زادت المدة على أربعة أشهر فللزوجة مطالبة الزوج عند انقضاء أربعة أشهر إما أن يفيء؛ أي يجامع، وإما أن يطلق فيجبره الحاكم على هذا، وهذا لئلا يضر بها ا- هـ. أخرج البخاري في صحيحه، أن ابن عمر كان يقول في الإيلاء الذي سمَّى الله: لا يحلُّ لأحدٍ بعدَ الأجل إلا أن يُمْسِك بالمعروف أو يعزِم الطلاق كما أمرَ الله عزَّ وجَل. وفي رواية عنه ـ عند البخاري كذلك ـ: إذا مضت أربعةُ أشهرٍ يُوقَفُ حتى يُطلِّق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يُطلّق. قال البخاري: ويُذكَر ذلك عن عثمان، وعلي، وأبي الدرداء، وعائشة، واثني عشرَ رجلاً من أصحابِ النبيِّ . قلت: وعليه فالذي يغيب عن زوجته غياباً قصرياً أو اختيارياً أكثر من أربعة أشهر .. فللمرأة الحق ـ إن شاءت ـ أن تطلب الطلاق أو فسخ عقد النكاح إن كان غيابه مجهولاً أو لا يُقدَر على الوصول إليه .. كما لها أن تصبر وتحتسب وتزيد من مدة الانتظار ما شاءت[ ]. فإن قيل: هذا إيلاء وذاك غياب .. فأين وجه الشبه بينهما؟ أقول: كلاهما يتحقق فيهما الهجر للزوجة والبعد عن الجماع .. والعلّة في تحديد الزمن في الإيلاء بأربعة أشهر هي مراعاة مصلحة المرأة، وعدم الإضرار بها، ومراعاة قدرتها وصبرها على تحمل مفارقة الزوج والنكاح .. وليس مجرد حضور أو غياب الرجل من غير معاشرة .. علماً أن الغياب الكلي أشد وطأ وأثراً على المرأة من الإيلاء، فالغياب هجر كلي .. ومفارقة كلية للزوجة وبيتها سواء .. فلا تراه مطلقاً .. لا داخل البيت ولا خارجه .. بينما الإيلاء هو هجر مع إقامة الرجل في بيت المرأة .. ومع ذلك حُددت مدته بفترة زمنية أقصاها أَرْبَعَة أَشْهُرٍ أو الطلاق. ولعل ما يُؤيد هذا القول، ما روي عن عمر أنه سأل ابنته حفصة ـ وقيل غيرها من النساء ـ:" كم تصبر المرأة عن زوجها؟ تصبر شهراً؟ فقلن: نعم، قال: تصبر شهرين؟ فقلن: نعم، قال: ثلاثة أشهر؟ قلن: نعم، ويقلُّ صبرها، قال: أربعة أشهرٍ؟ قلن: نعم؛ ويفنى صبرها، فكتب إلى أمراء الأجناد؛ في رجالٍ غابوا عن نسائهم أربعة أشهرٍ أن يردوهم "[ ]. وفي المصنّف لعبد الرزاق 7/151: عن ابن جريج، قال: أخبرني من أصدّق أن عمر وهو يطوف ـ أي في المدينة ـ سمع امرأة وهي تقول: تطاول هذا الليل واخضلَّ جانبه ... وأرَّقني إذ لا خليلٌ أُلاعبُه فلولا حذارِ الله لا شيء مثلُه ... لزُعْزِعَ من هذا السريرِ جوانِبُه فقال عمر: فما لكِ؟ قالت: أغرَبتَ زوجي منذ أربعةَ أشهرٍ، وقد اشتقتُ إليه، فقال: أردتِ سوءاً، قالت: معاذ الله، قال: فاملكي على نفسك، فإنما هو البريدُ إليه، فبعث إليه، ثم دخل على حفصة فقال: إنِّي سائلك عن أمرٍ قد أهمَّني فأفرجيه عنّي؛ كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها فاستحييت، فقال: فإنَّ الله لا يستحي من الحق، فأشارت ثلاثةَ أشهرٍ، وإلا فأربعة، فكتب عمر ألا تُحبَس الجيوش فوق أربعة أشهرٍ ". ـ المسألة الرابعة: مشاكل الزواج والطلاق في ظل غياب السلطان المسلم القادر على إنصاف الخصوم: كيف تواجَه .. وكيف تُعالج .. وكيف تتم عملية تحصيل الحقوق .. وفي حال خذلان المحاكم الوضعية للمرأة وحقوقها .. ماذا تفعل؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. غياب السلطان المسلم الذي يحكم بين الخصوم بالشريعة الإسلامية، والقادر على إلزام الخصوم والمتنازعين بحكمه .. حلقة مفقودة في مجال الأحوال الشخصية في بلاد المسلمين وغيرها .. والطرف الأضعف في ظل هذا الواقع هي المرأة .. فالرجل الأناني هو المستفيد من هذا الفراغ؛ فهو مهما اشتدت الأمور عليه يكفيه أن يرمي عبارة الطلاق ثم يمضي ليستأنف حياة جديدة .. ومن دون أن يأبه لقرار قاضٍ أو حكم محكمة .. بينما حقوق المرأة في المخالعة .. وفسخ عقد النكاح على اختلاف صوره وأسبابه .. وتحصيل حقوقها المادية .. وحقوق الحضانة .. وتفعيل الطلاق بصورة رسمية تمكنها ـ عرفاً بحسب نظرة المجتمع إليها ـ من استئناف حياة جديدة بالنسبة لها ـ إذ من النساء من يُرمَى عليها الطلاق .. ثم هي لا تستطيع أن تفَعِّل الطلاق في المحاكم الوضعية .. فتبقى معلقة؛ فلا هي مطلقة كما ينبغي، ولا هي متزوجة .. وهذا واقع يروي غليل وأحقاد بعض ضعاف النفوس والإيمان من الرجال .. ويجرئهم على مزيد من الظلم والانتقام ـ كل هذه القضايا وغيرها مرتبطة ـ كما تقدم معنا ـ بوجود سلطان مسلم .. وقضاء شرعي عادل وقوي قادر على إنصاف طرفي النزاع وإلزامهما بما يجب عليهما نحو بعضهما البعض .. وهذا غير متحقق في جل الأمصار وللأسف .. وهو واقع نعايشه ونكابده لا يمكن تجاهله .. فما هو التوجيه الشرعي لهذا الواقع المرير .. وكيف للطرف الأضعف في هذه القضية ـ المتمثل في المرأة ـ أن تتصرف .. وأن تفعل؟ أقول: أولي الأمر الذين تجب طاعتهم في المعروف، والرجوع إليهم من أجل فض المنازعات، صنفان: الأمراء، والعلماء، وهم المراد من قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ النساء:59. وَأُوْلِي الأَمْرِ ؛ هم الحكام والعلماء .. فإن غاب من أولي الأمر الحكام .. بقي العلماء؛ فإليهم يُرجع في فض المنازعات والخصومات بين المتنازعين والمتخاصمين .. والعلماء ـ بفضل الله تعالى ـ لا يخلو منهم زمان .. ولا مكان .. فإن عز وجودهم في مكان معينٍ إلا أنه لا يصعب طلبهم ووجودهم في أمكنة أخرى يسهل الوصول والرجوع إليهم .. وعبر وسائل عدة .. وهذا من معاني حفظ الله تعالى لدينه. فإن قيل: كثير من المنازعات لا يمكن حسمها .. كما أن كثيراً من الحقوق لا يمكن تحصيلها إلا بنوع قوة مُلزمة .. وهذا ما لا يملكه العلماء .. وإنما يملكه السلطان الحاكم .. فمن الرجال من لا يأبه لعالم ولا لحكم وقرار عالِم .. فما العمل .. وكيف السبيل؟ أقول: تُحصَّل الحقوق ـ إن أمكن ـ عن طريق تدخل الأولياء والعقلاء ممن لهم سلطة مباشرة على طرفي النزاع .. ومنهم الحكمين؛ وأعني بهما حكماً من أهله، وحكماً من أهلها .. فحكمهما نافذ ومُلزم كما تقدم .. فإن تعثر ذلك .. وتعثر تحصيل الحقوق التي لا يمكن السكوت عنها، والتي يعني السكوت عنها الوقوع في الحرام .. وضياع النسل .. والعدوان على العِرض .. ثم تبين أن هذه الحقوق ـ أو بعضها ـ لا يمكن تحصيلها إلا عن طريق المحاكم المُشْرَعَة في الأمصار التي تملك سلطة وقوة الحاكم .. أرجو أن لا يكون في ذلك حرج إن شاء الله. فإن قيل: لكن هناك قضايا ضرورية لو رفعتها المرأة إلى المحاكم الوضعية .. لوقعت في حرج شديد .. ولربما استهزئ بها وبدينها .. وتعرضت للسجن والاعتقال .. كأن ترفع قضية فسخ الزواج بسبب ردة زوجها عن الإسلام .. فالمحاكم الموجودة بما فيها المحاكم التي تزعم أنها تحكم بالشريعة في مجال الأحوال الشخصية .. لا تقبل مثل هذه القضايا .. والمرأة التي ترفع إليهم مثل هذه القضايا مستهجنة جداً .. من المحاكم الوضعية ومن المجتمع الذي تعيش فيه .. وهي سرعان ما تُرمَى بأنها تكفيرية .. وأصولية .. وإرهابية .. ومعقدة .. تستحق الطرد .. وربما السجن والعقاب؟![ ]. فما العمل .. هل تبقى المرأة تحت ذمة كافر مرتد ـ لا يُراعي فيها إلَّاً ولا ديناً ولا حرمة ـ تعيش معه بالحرام .. وتلد منه بالحرام .. أم ماذا تفعل؟ أقول: لا حرج عليها حينئذٍ أن تلجأ للتورية .. وتتذرع بأي سببٍ آخر يسهّل عليها الخلاص من هكذا رجل .. لقوله تعالى: إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ الأنعام:119. ولقوله تعالى: إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ النحل:106. ومما يحسن الاستدلال به في هذه المسألة، حديث النبي عن إبراهيم عليه السلام، حيث قال :" لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات ـ منها ـ: بينما هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبّار من الجبابرة، فقيل له: إنّ ها هنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس، فأرسَلَ إليه فسأله عنها، فقال: من هذه؟ قال إبراهيم : أختي، فأتى سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرِك، وإن هذا سألني فأخبرته أنكِ أختي، فلا تكذبينني ... " البخاري. وفي رواية عند مسلم:" فإنه قدم أرض جبار ومعه سارة، وكانت أحسن الناس، فقال لها: إنّ هذا الجبار إن يعلم أنَّكِ امرأتي يغلبني عليكِ، فإن سألكِ فأخبريه أنَّكِ أختي؛ فإنَّك أُختي في الإسلام، فإني لا أعلمُ في الأرض مسلماً غيري وغيرِكِ ... ". فتأمل كيف أن إبراهيم عليه السلام التجأ إلى التَّورية، وأن يقول عن زوجته بأنها أخته ـ وهو لا شك أنه معذور في ذلك ـ من أجل أن يدفع عن نفسه وزوجته شرَّ الطاغوت .. فإن تفعل المرأة المسلمة الضعيفة فعله من أجل دفع شرِّ الطاغوت .. وشر كلابه من الزنادقة والمرتدين .. هو من باب أولى .. وأرجو أن لا يكون فيه حرج إن شاء الله. ـ المسألة الخامسة: ولد الزنى؛ الذي يولَد سفاحاً من غير نكاح شرعي .. هل يجوز أن يُنسَب إلى أبيه .. وكيف يتم التعامل معه؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. بحكم الإباحية التي فشت في الأمصار .. والتي تحميها القوانين والأنظمة الوضعية .. يقيم كثير من الشباب ـ في مرحلة من مراحل جاهليتهم ـ علاقات بالحرام مع بعض النساء .. خارج إطار الحياة الزوجية .. فيأتيهم منهن أولاداً سفاحاً بالحرام .. ثم بعد ذلك تظهر عليه علائم التوبة والأوبة .. "فتذهب السَّكرة وتأتي الفكرَة " .. فيريد أن يستأنف حياته مع الطرف الآخر بالحلال .. لكن المشكلة أنه وجد بينهما أولاد بالحرام .. فهؤلاء لمن ينسبون .. وما هي حقوقهم. أقول: لا يُنسَبون للرجل .. فلا هو أبوهم ولا هم أبناؤه .. لا يرثهم ولا يرثونه .. وإنما يُنسبون لأمهم بحكم الحمل والإرضاع، كما في الحديث:" الولد للفراش، واللعاهر الحجَرُ " متفق عليه. وعن عبد الله بن عمرو، قال: قام رجل فقال: يا رسولَ الله، إن فلاناً ابني، عاهرتُ بأمه في الجاهلية، فقال رسول الله :" لا دعوةَ في الإسلام، ذهب أمر الجاهلية، الولدُ للفراش، واللعاهِرِ الحَجَر "[ ]. وقوله "الولد للفراش "؛ أي يلحق الولد بأمه بحكم الحمل والإرضاع .. وبمن كانت فراشاً له إن كانت ذات زوج. وقوله :" واللعاهِرِ الحَجَر "؛ قال ابن حجر في الفتح 12/37: أي للزاني الخيبة والحرمان؛ ومعنى الخيبة هنا حرمان الولد الذي يدعيه، وجرت عادة العرب أن تقول لمن خاب:" له الحجَر وبفِيه الحجَر والتراب "ا- هـ. وقد قضى رسولُ الله أن الولد إن جاء من أمَةٍ لا يملكها الرجل، أو من حُرّة عاهرَ بها، فإنه لا يلحق به ولا يرثه، وهو ولد زنية[ ]. وهذا لا يعني أن يُعامل المولود بسوء .. فهو بريء ليس عليه شيء .. فلا ينبغي ولا يجوز أن يجتمع عليه شران: شرٌّ بسبب ولادته من غير أب شرعي .. وشر أن يُعامل معاملة سيئة ويُؤخذ بما لم تجني يداه، والله تعالى يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى الأنعام:164. وقال :" لا يُؤخَذ الرجلُ بجناية أبيه، ولا جناية أخيه "[ ]. وفي رواية:" لا يُؤخَذ الرجلُ بجريرة أبيه، ولا بجريرةِ أخيه ". والواجب في هذه الحالة أن يُعامَل معاملة حسنة .. وأن يُحسَن إليه .. ويُعوَّض ما افتقده بسبب السفاح الذي وقع به الرجل والمرأة .. ولا يلزم بالضرورة إعلامه بأنه جاء من سفاح وزنى .. إن كان ذلك يزيده ألماً وحزناً وقلقاً .. ويُراكم عليه المشاكل .. ويجعله منبوذاً بين أقرانه وفي المجتمع الذي يعيش فيه .. لكن لا يرث الرجلَ كبقية إخوانه ممن جاؤا عن طريق الحلال .. وإنما يرث أمّه كما مرَّ معنا في مسألة الملاعنة، والله تعالى أعلم. ـ المسألة السادسة: إذا طلَب الوالدان أو أحدهما من الولد طلاق زوجته: ماذا يفعل ..؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذه مسألة كثيرة الوقوع والحصول .. وبالتالي لا بد من الإجابة عنها، حيث كثيراً من الأحيان يوضع الرجل بين خيارين: والداه أو زوجته .. وكلاهما هامان في حياته وحياة أسرته .. فيتشتت عليه قلبه وتفكيره وهمه .. فيحتار ويضطرب عليه الاختيار .. ومن كان كذلك بماذا يُجَاب؟ أقول: للإجابة عن هذه المسألة يجب أن يُنظَر في ثلاثة أمور: أولها: دين وصلاح الأبوين .. هل هما من أهل التدين والصلاح والعدل .. أم أنهما غير ذلك ممن لا يُعيرون للدين والتدين قيمة ولا حرمة. ثانيها: الأسباب التي حملت الأبوين أو أحدهما على مطالبة الولد بطلاق زوجته .. هل هي أساب مستساغة شرعاً وعقلاً، كأن تكون الزوجة لا تراعي في نفسها وزوجها حدود الله تعالى .. أم لأن الزوجة متدينة ومتحجبة وذات خلق ودين .. والأبوان لا يروق لهما امرأة لابنهما بهذه الأوصاف .. فيطالبان ولديهما بطلاقها من أجل ذلك. ثالثها: الآثار والأضرار المترتبة على الإصغاء للأبوين وتنفيذ طلبهما .. سواء كانت الأضرار على الرجل أو على زوجته، أو على أبنائهما .. أو عليهم كلهم بمجموعهم .. هل هي محتملة ومقدور عليها أم لا .. ويُستساغ التضحية بها شرعاًً من أجل الوالدين ورضاهما .. أم لا؟ على ضوء هذه الأوجه الثلاثة مجتمعة تتحدد الإجابة .. وعليه فأقول: إن كان الأبوان من أهل التدين والصلاح والعدل .. وكانت مبررات طلبهم مشروعة ومعقولة .. تتضمن الغضب لحرمات الله تعالى .. ومصلحة ولدهما .. ثم كانت الأضرار الناجمة عن الطلاق محتملة ومقدوراً عليها .. ففي هذه الحالة: يجب على الولد أن يستجيب لأبويه .. وبخاصة إن علم أن رضاهما موقوفاً على طاعتهما فيما طلباه منه، لأن طاعتهما في المعروف ـ وفيما ليس فيه معصية ـ واجبة، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً الإسراء:23. وفي الحديث فقد صحَّ عن النبي أنه قال:" رِضا الرب في رِضا الوالدين، وسُخْطهُ في سُخْطِهما "[ ]. عن ابن عمر، قال: كانت تحتي امرأة وكنت أُحِبُّها، وكان عمر يكرَهُها، فقال لي: طلقها، فأبيت، فأتى عمرُ النبيَّ ، فذكرَ ذلك له، فقال النبي :" طلِّقها "[ ]. وعن أبي الدرداء، أن رجلاً أتاه فقال: إن لي امرأةً وإن أمي تأمُرني بطلاقها؟ فقال سمعتُ رسولَ الله يقول:" الوالِدُ أوسَطُ أبوابِ الجنة "، فإن شئتَ فأضعْ ذلك الباب أو احفظه[ ]. وفي رواية: سمعتُ رسولَ الله يقول:" الوالدُ أوسَطُ أبواب الجنة، فحافظ على والديك أو اترُك "[ ]. لكن بتركهما تفقد أوسط أبواب الجنة. أما إن كان الأبوان على العكس؛ كانا ممن لا يُعيرون للدين والتدين قيمة ولا حرمة ولا احتراماً .. وهما يطالبان ولديهما بطلاق امرأته من أجل دينها وحجابها وحسن خلقها والتزامها .. ولأنهما لا يحبان لابنهما امرأة بهذه الأوصاف .. فحينئذٍ لا يجوز للولد طاعة والديهما في طلاق امرأته؛ لأن طاعتهما في هذه الحالة مؤداه يقيناً للوقوع في الظلم والبغي والعدوان والإثم .. وهذا لا يجوز، كما قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا العنكبوت:8. وقال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً لقمان:15. وفي الحديث فقد صح عن النبي أنه قال:" لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف " متفق عليه. وقال :" لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ".
يتبع
| |
|
| |
حامل المسك1 المدير العام
عدد المساهمات : 226 نقاط : 421 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 03/04/2011 الموقع : بلاد الرافدين
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الأحد أبريل 10, 2011 5:28 am | |
| ـ المسألة السَّابعة: مسألة تعدد الزوجات: تعدد الرجل لزوجاته بحيث لا يتجاوز تعدادهن الأربع حق لا مرية فيه، دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، لا ينكره ولا يجحده، ولا يبغضه أو يكرهه، ولا يتهكم به ويسخر منه إلا كافر مرتد، قال تعالى: فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ؛ أي بالقرآن وكل ما ورد فيه من آيات وأحكام سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ القلم:44. وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الأنعام:1. وقال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يونس:17. ومن التكذيب بآيات الله التكذيب بالآيات التي تنص على جواز التعدد للرجل لو شاء، واستطاع أن يحقق شروط التعدد. وقال تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد:9. ومِن كُره ما أنزل الله تعالى، كره الآيات التي تنص على تعدد الزوجات؛ لأنه مما أنزل الله تعالى في كتابه. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ محمد:25-26. فإذا كانت طاعة الذين كرهوا ما أنزل الله فيما كرهوا مما أنزل الله مؤداه إلى الكفر والارتداد عن الدين فما قولكم في الذين كرهوا ما أنزل الله .. لا شك أنهم أولى بالكفر والارتداد. وقال تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ التوبة:65-66. ومن الاستهزاء بآيات الله تعالى الاستهزاء بالآيات الدالة على جواز تعدد الزوجات. قال تعالى: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ النساء:3. وفي الحديث عن وهب الأسدي، قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوةٍ، فذكرتُ ذلك للنبي ، فقال :" اختَر منهنّ أربعاً "[ ]. وقد تحقق إجماع العلماء على أن الرجل لا يجوز له أن يعدد أكثر من أربعٍ. ـ شرطه: للتعدد شرطان: أولهما: امتلاك الباءة والقدرة على التعدد، ومن الباءة القدرة على النفقة، والمعاشرة الزوجية، لقوله :" يا معشر الشّباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنَّه له وِجاء " متفق عليه. فالتوجيه لمن لا يستطيع الزواج من واحدة بأن يصوم ولا يقتحم مسؤوليات الزواج من غير باءة ولا استطاعة .. هذا فيمن يريد أن يتزوج من واحدة .. فكيف بمن يريد التعدد بأكثر من واحدة فمن باب أولى أن لا يقتحم غماره إن كان لا يستطيع ولا يملك الباءة .. فالتعدد تكاليف ومسؤوليات ـ وليس مجرد نكاح وقفز ـ كغيرها من التكاليف والمسؤوليات التي يُشترط لها الاستطاعة، كما قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التغابن:16. وقال تعالى: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا البقرة:286. فمن كان غير قادر فهو غير ملزم ولا مُكلف شرعاً بأن يكلف نفسه أو يُلزمها بما لا طاقة لها به. ثانياً: العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت، فإن كان لا يقدر الرجل على العدل بين زوجاته في النفقة والمبيت .. لا يجوز له التعدد؛ لأنه لو عدد وهو بهذا الوصف سيقع في الظلم والتقصير ولا بد، وهذا لا يجوز، فالتعدد مباح ورخصة، وبالتالي لا يجوز التفريط بالفرض، والوقوع في المحظور والحرام من أجل العمل بمباح، كما قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ النساء:3. أي ألا تقعوا في الظلم والجور. قال السعدي في التفسير: فإنما يُباح له ذلك إذا أمِنَ على نفسه الجور والظلم، ووثق بالقيام بحقوقهن، فإن خاف شيئاً من هذا فليقتصر على واحدة ... وفي هذا إن تعرض العبد للأمر الذي يخاف منه الجور والظلم، وعدم القيام بالواجب ـ ولو كان مباحاً ـ أنه لا ينبغي له أن يتعرض له، بل يلزم السعة والعافية، فإن العافية خير ما أُعطي العبد ا- هـ. وفي الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" إذا كانت عند الرجل امرأتان، فلم يعدِل بينهما جاء يومَ القيامة وشِقّه ساقِط "[ ]. ولا يُشترَط في العدل، العدل في الميل أو الحب القلبي؛ لأن هذا النوع من القسمة لا سلطان للمرء عليه، كما قال تعالى: وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ النساء:129. أي مهما حرصتم على العدل فإنكم لا تستطيعون أن تعدلوا بينهن في الميل أو الحب القلبي لأنه لا سلطان لكم عليه .. وبالتالي لو مال قلب الرجل إلى زوجة أكثر من أخرى فلا يُؤاخَذ عليه .. وإنما يُؤاخذ كل المؤاخذة .. إن توسع في الميل والحب للفاضلة على حساب حقوق المفضولة .. فيحمله حبه للفاضلة على هجر المفضولة فيجعلها كالمعلقة؛ لا هي زوجة يُعاشرها معاشرة الأزواج .. يعرف لها حقوقها .. ولا هي مطلّقة عسى الله أن يُغنيها من فضله، فهذا لا يجوز، لقوله تعالى: فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ النساء:129. كما لا يجوز للمرأة أن تحرّض زوجها ـ إن كان زوجها من ذوي التعدد ـ أو تُغري به على أن يُطلّق غيرها من الزوجات .. لتنفرد به، وتأخذ حصصهن وحقوقهن لنفسها، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" لا تسأل المرأةُ طلاقَ أختِها لِتُكْفِئ ما في إنائها "[ ]. وإنما ينبغي أن يُعِينوا الزوج على تحقيق العدل فيما بينهن .. فتحرص كل واحدة منهن على حقوق أختها كما تحرص على حقوقها .. وتذكّر زوجها بحقوق أختها كما تُذكّره بحقوقها .. فيكنّ بذلك سبباً وعوناً للزوج على تحقيق العدل بينهن. ـ سبب فشَل غالب حالات التعدّد في هذا الزمان: على ضعف ظاهرة التعدد، وقلة الحالات التي يتم فيها التعدد .. إلا أن كثيراً من هذه الحالات ـ وللأسف ـ تبوء بالفشل .. وتنتهي بمشاكل لا تُحمَد عُقباها .. لماذا .. وما هي الأسباب؟ 1- الأخطاء التي تأتي من جهة الرجال؛ حيث أن منهم من يقتحم غمار التعدد نزوة وشهوة .. من دون أن يملك الباءة الكافية للتعدد .. ومن دون أن يقدّر عواقب خطوته، ولا المصالح والمفاسد التي يمكن أن تحصل بسبب تعدده .. ثم يُراجِح بينها فيعمل ويأخذ بالخيار الذي تكمن وترجح فيه المصلحة .... ومنهم من يقتحم تجربة التعدد قبل أن يتفقه بما عليه من واجبات إضافية تفرضها عليه تجربة وحالة التعدد .. فيقع بسبب ذلك كله في الخطأ .. والظلم .. فيساهم بذلك في إعطاء صورة خاطئة عن التعدد من حيث يدري أو لا يدري. 2- المرأة التي يغلب عليها الشح والأنانية .. والغيرة الزائدة المذمومة .. فتحرص على ما لها وما ليس لها على حساب حقوق أختها .. ومنهن من تصطنع المشاكل لزوجها، ولا يهدأ لها بال ولا قرار حتى تحمل زوجها على طلاق زوجته أو زوجاته الأخريات .. لتغترف لنفسها ما في إنائهن .. فهي كذلك لا تساعد على نجاح ظاهرة التعدد .. وهي بذلك أيضاً تُساهم في إعطاء صورة خاطئة عن التعدد من حيث تدري أو لا تدري. 3- الدعاية المكثفة والمضادة للتعدد .. وإظهار التعدد على أنه جريمة اجتماعية وأخلاقية وإنسانية يجب أن تُزال وتُحارَب .. وهذه يتولى كبرها الطغاة المتنفذين ووسائل إعلامهم المتنوعة .. فشكلوا بذلك تياراً وثقافة لدى الناس والمجتمع تعادي وتُجافي وتستهجن ظاهرة التعدد .. مما ساهم في إعطاء صورة قاتمة ضد التعدد .. وساعد على فشل كثير من حالات التعدد. فإن قيل: ما غرض الطغاة المتنفذين من محاربة التعدد .. وما هي الفائدة التي يجنونها لأنفسهم من وراء هذه المحاربة للتعدد؟ أقول: سياسة الطغاة المتنفذين تقوم على مبدأ تأخير زواج المرأة ما أمكنهم إلى ذلك سبيلاً .. وصد المرأة عن أن تجد لنفسها زوجاً .. وبيتاً للزوجية تأوي وتسكن إليه .. لأن تأخرها من غير زواج .. أو إبقائها من غير زوج .. والتقليل من سبل الزواج وتعسيرها .. هذا يعني ـ بالنسبة لهم ـ سهولة الإنفراد بالمرأة وتعريتها وإفسادها أخلاقياً .. وسهولة استغلالها جسدياً وجنسياً وأخلاقياً لصالح أنظمتهم وطريقة حكمهم الفاسدة أكبر قدر ووقت ممكنين .. فالمرأة ـ بعد ترويضها وإفسادها وتعريتها ـ هي وسيلتهم الأكبر في إفساد شباب الحاضر والمستقبل، وتخديرهم .. وإشغالهم ـ بجسدها .. وطريقة لباسها الكاشف الخالع .. وفتنتها .. وغنائها .. ورقصها ـ عن واقع حياتهم ومعاشهم .. وحقيقة الأنظمة الفاسدة الظالمة التي تحكمهم .. وحقيقة ما يُدار ضدهم وضد أمتهم .. وعن الإصغاء إلى نداء الحق والعقل .. والمرأة كلما كانت ذات زوج وأبناء وأسرة .. كلما فوّتت عليهم مثل هذا الاستغلال الخبيث .. وهذا أمر ملاحظ ومشاهد لا يَستدعي منا إلى مزيد بيان! هذه هي بعض وأهم الأسباب التي تؤدي إلى ظاهرة فشل حالات التعدد التي نشهدها .. وبالتالي لا يجوز توجيه النقد، كما يفعل البعض ـ والعياذ بالله ـ إلى حكم التعدد كحكم شرعي أنزله الله تعالى، وشرَعه لعباده .. وإنما الواجب ـ في هذه الحالة ـ أن يُوجَّه النقد والعتاب لأنفسنا الأمارة بالسوء .. للأسباب الثلاثة الآنفة الذكر أعلاه ولعناصرها .. قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:165. وقال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ الشورى:30. ـ فوائد التعدّد والحكمة منه: فللتعدد فوائد عدة: منها: يزيد من تحصين الرجل ويمنعه من أن يستشرف الحرام .. فالمرأة التي تمر في مرحلة الحيض .. ومن ثم الحمل .. ومن ثم الوضع والنفاس .. فهذا كله مما يقلل من قدراتها الجنسية .. ويمنع الزوج من الاقتراب منها في تلك الفترات الطويلة من حياتها .. فيعيش الرجل ـ بسبب ذلك ـ مشكلة جنسية حقيقية لا يجدها ولا يشعر بها إن كان من ذوي التعدد. ومنها: أن التعدد سبب إضافي للتكاثر والتناسل .. وهو مقصد من مقاصد الشريعة قد حضت عليه، كما في الحديث، قال :" تزوجوا الولودَ الودود فإنّي مكاثر بكم الأمم "[ ]. وفي رواية:" فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ". وقال :" تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانيَّة النَّصارى "[ ]. ومنها: قدَّر الله تعالى ـ كما هو معلوم ومشاهد في كثير من الأمصار، ولأسباب عدة ـ أن يكون عدد النساء أكثر من الرجال .. وإن من الأزمنة الآتية ما يكون فيه مقابل كل أربعين امرأة رجلاً واحداً، كما في الحديث، فقد صح عن النبي أنه قال:" ليأتينَّ على الناس زمان يُرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة يَلِذْنَ به من قِلَّةِ الرجال وكثرة النساء " متفق عليه. هذا زمان آتٍ ولا بد .. وكثير من الأمصار التي تعيش حالة حروب وقتال في هذا الزمان .. يقل فيها عدد الرجال والشباب كثيراً قياساً لعدد النساء .. وبعضها اقترب من الرقم الوارد في الحديث أعلاه أو يكاد .. لأن الرجال والشباب ـ كما هو معلوم ـ مادة الحروب والقتال .. وهم ضحاياه أكثر من غيرهم .. هذه مشكلة نعايشها ونكابدها وتفرض نفسها على المجتمعات وعلى علماء التربية والاجتماع والنفس .. لا يمكن تجاهلها .. أو عدم الاكتراث بها .. فالحاجة الجنسية .. كحاجة الإنسان إلى الطعام والشراب .. لا يمكن التغاضي عنها .. وبالتالي كيف تُحَل وتُعالج مشكلة العدد الزائد من النساء؟ أقول: يوجد لها حلان لا ثالث لهما: أولهما: عن طريق تعدد الزوجات كما شرع ذلك الإسلام، بشروطه التي تقدم الحديث عنها .. ونعم الخيار هذا الخيار. ثانيهما: عن طريق الزنى، والخيانات الزوجية، والتّسافد في الشوارع وثنَايا الطرقات ـ تحت عناوين شتَّى ـ وهو خيار كل من يرفض خيار التعدد ويُعاديه .. وبئس الخيار هذا الخيار الذي به تعم الفوضى والإباحية الجنسية .. وتنهار الأسرة .. وتنهار معها القيم والأخلاق الحميدة .. وتعاليم الدين الحنيف! وبالانتهاء من الجواب عن هذه المسألة ينتهي ـ بفضل الله تعالى ـ العمل بهذا الكتاب .. وكان ذلك بتاريخ 10/2/1431 هـ، الموافق 25/1/2010 م، فلله الحمد والمنة والفضل على توفيقه وإعانته لي على إتمامه وإنجازه .. راجياً منه تعالى أن يجعل من عملي هذا مفاتيح خير للناس، مغاليق شر .. وأن يتقبله مني .. إنه تعالى سميع قريب مجيب. وصلى الله على محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. عبد المنعم مصطفى حليمة " أبو بصير الطرطوسي " www.abubaseer.bizland.com
لاتنسونا من خالص دعائكم
اخوكم ابو عزام الانصاري | |
|
| |
محبة الشهاده في سبيل الله مراقبة عامة
عدد المساهمات : 90 نقاط : 173 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 21/03/2011 الموقع : العراق الاسلاميه
| موضوع: رد: كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي الخميس يوليو 07, 2011 12:26 pm | |
| بارك الله فيكم وجزاكم الله عنا خيرا ونفع الله بكم الامة | |
|
| |
| كتاب الزَّواجُ والطَّلاقُ في الإسلام مسَائِلٌ وأحكام لابو بصير الطرطوسي | |
|