مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث Empty
مُساهمةموضوع: كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث   كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:29 am


ـ القاعدة السادسة:" قَولُ الكُفْرِ كُفرٌ، وفِعْلُ الكُفْرِ كُفْرٌ ".
الشرح: اعلم أن قول الكفر كفر، وكذلك فعل الكفر كفر؛ فمن قال الكفر البواح، أو فعله ـ من غير مانع شرعي معتبر كما هو مبين في القاعدة الأولى ـ فهو كافر مرتد، سواء قارن قوله أو فعله عبارات أو قرائن تنم عن الاستحلال أو الجحود، أو أنه لم يظهر منه ما يدل على شيء من ذلك؛ لأن الكفر هنا هو لذات القول أو الفعل وليس لغيره من أنواع ومسببات الكفر.
والأدلة الشرعية ـ من الكتاب والسنة ـ التي تدل على صحة هذه القاعدة كثيرة جداً، إليك بعضها:
1- قوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ النحل:106-107. فدل أن من أظهر الكفر بقول أو فعل ـ من غير إكراه معتبر ـ يكون كافراً ظاهراً وباطناً، وهو من الذين شرحوا بالكفر صدراً، سواء أقر بذلك بلسانه أو لم يقر، وهذا الذي نص عليه أهل العلم.
قال ابن تيميه في الفتاوى 7/220:فإن قيل فقد قال: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً  قيل: وهذا موافق لأولها فإنه من كفر من غير إكراه فقد شرح بالكفر صدراً وإلا ناقض أول الآية آخرها، ولو كان المراد بمن كفر هو الشارح صدره، وذلك يكون بلا إكراه لم يستثني المكره فقط، بل كان يجب أن يستثني المكره وغير المكره إذا لم يشرح صدره، وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعاً فقد شرح بها صدراً وهو كفر ا- هـ.
وقال 7/557: من سبَّ الله ورسوله طوعاً بغير كره، بل من تكلم بكلمات الكفر طائعاً غير مكره، ومن استهزأ بالله وآياته ورسوله فهو كافر باطناً وظاهراً، وإن من قال: إن مثل هذا قد يكون في الباطن مؤمناً بالله وإنما هو كافر في الظاهر، فإنه قال قولاً
معلوم الفساد بالضرورة من الدين ا- هـ.
وقال في موضوع آخر 16/28: من كفر بالله من بعد إيمانه من غير إكراه فهو مرتد ا- هـ.
قلت: المراد من أظهر الكفر بقول أو عمل من غير إكراه فهو مرتد، وليس من اعتقد الكفر، لأنه لا يصح أن يقال من اعتقد الكفر من غير إكراه فهو مرتد؛ لأن اعتقاد الكفر كفر، وصاحبه لا يعذر بأي حال من الأحوال سواء كان مكرهاً أو غير مكره، لأن الإكراه سلطانه على الجوارح وليس على القلب مقر الاعتقاد.
وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً، أو مدارة، أو مشحة بوطه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره، والآية تدل على هذا من جهتين: الأولى قوله: إِلَّا مَنْ أُكْرِه  فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل أو البغض للدين، أو محبة الكفر، وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين[ ].
وقال في موضع آخر: فحكم الله حكماً لا يبدل، أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر سواء كان له عذر؛ خوفاً على النفس أو مال أو أهل أم لا، وسواء كفر بباطنه أو ظاهره دون باطنه، وسواء كفر بفعاله ومقاله أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعاً في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال إلا المكره؛ وهو في لغتنا المغصوب فإذا أكره الإنسان على الكفر وقيل له اكفر وإلا قتلناك أو ضربناك، أو أخذه المشركون فضربوه ولم يمكن التخلص إلا بموافقتهم، جاز له موافقتهم في الظاهر بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالإيمان، أي ثابتاً عليه، معتقداً له، فأما إن وافقهم بقلبه فهو كافر ولو كان مكرهاً[ ].
وقال القرطبي في"التفسير" 10/187: قال المحققون من العلماء: إذا تلفظ المكره بالكفر فلا يجوز له أن يجريه على لسانه إلا مجرى المعاريض[ ]؛ فإن في المعاريض لمندوحة عن الكذب، ومتى لم يكن كذلك كان كافراً؛ لأن المعاريض لا سلطان للإكراه عليها، مثاله أن يقال له: اكفر بالله، فيقول باللاهي؛ فيزيد الياء. وكذلك إذا قيل له: اكفر بالنبي، فيقول هو كافر بالنبي مشدداً؛ وهو المكان المرتفع من الأرض ا- هـ.
فتأمل قول العلماء:" ومتى لم يكن كذلك كان كافراً "، وهذا فيمن يجد في المعاريض مندوحة ثم لا يستخدمها، وإذا كان الأمر كذلك لا شك أن من يتلفظ بالكفر البواح طوعاً من غير إكراه هو أولى بالكفر والارتداد.
2- قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ  التوبة:65-66.
فهؤلاء نفر كفروا بعد أن كانوا مؤمنين بسبب أنهم قالوا كلاماً ـ على وجه الخوض واللعب لا الاعتقاد والاستحلال ـ فيه تهكم واستهزاء بالنبي  وأصحابه.
قال ابن تيمية رحمه الله : هذا نص في أن الاستهزاء بالله وبآياته وبرسله كفر، فالسب المقصود بطريق الأولى، وقد دلت هذه الآية على أن كل من تنقص رسول الله  جاداً أو هازلاً فقد كفر.
وقد روي عن رجال من أهل العلم؛ منهم ابن عمر، ومحمد بن كعب، وزيد بن أسلم، وقتادة أنه قال رجل من المنافقين في غزوة تبوك: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسنا، ولا أجبن عند اللقاء؛ يعني الرسول  وأصحابه القراء. فقال له عوف بن مالك: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله فذهب عوف إلى رسول الله  ليخبره، فوجد القرآن سبقه. فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله ، وقد ارتحل وركب
ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عناء الطريق!
قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعة ناقة رسول الله ، وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب، فيقول له رسول الله : أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون . ما يلتفت إليه، ولا يزيده عليه[ ] .
وقال رحمه الله في الفتاوى 7/272: فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له، بل كنا نخوض ونلعب. وقول من يقول عن مثل هذه الآيات: إنهم كفروا بعد إيمانهم بلسانهم مع كفرهم أولاً بقلوبهم لا يصح؛ لأن الإيمان باللسان مع كفر القلب قد قارنه الكفر، فلا يقال: قد كفرتم بعد إيمانكم، فإنهم لم يزالوا كافرين في نفس الأمر وإن أريد أنكم أظهرتم الكفر بعد إظهاركم الإيمان، فهم لم يظهروا للناس إلا لخواصهم وهم مع خواصهم ما زالوا هكذا، بل لما نافقوا وحذروا أن تنزل سورة تبين ما في قلوبهم من النفاق وتكلموا بالاستهزاء صاروا كافرين بعد إيمانهم، ولا يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين ا- هـ.
وقال القرطبي في التفسير 8/199: قيل كانوا ثلاثة نفر؛ هزئ اثنان وضحك واحد، فالمعفو عنه هو الذي ضحك ولم يتكلم. قال خليفة بن خياط في تاريخه: اسمه"مخاشن بن حمير"، وقيل إنه كان مسلماً، إلا أنه سمع المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم.
وكان يقول: اللهم إني أسمع آية أنا أعنى بها، تقشعر الجلود وتجب منها القلوب، اللهم فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك، لا يقول أحد أنا غسلت أنا كفنت أنا دفنت[ ].
فتأمل واحذر لنفسك ودينك من أن تستهويك دعوات التحرر، فتخوض فيما لا ينبغي لك الخوض فيه، فتهلك وتخسر دنياك وآخرتك ..!
3- وكذلك قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ
اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النساء:140.
دل هذا النص على كفر المستهزئ بآيات الله، وكذلك دل على كفر من يجالس ـ من غير إكراه ولا إنكار ـ المستهزئ بآيات الله، وإن لم يباشر الاستهزاء بنفسه، والاستهزاء والجلوس كلاهما قول وعمل، وهما كفر لذاتهما وإن لم يقترنا بتعبير ينم عن الاعتقاد أو الاستحلال.
قال أبو بكر بن العربي: فإن الهزل بالكفر كفر لا خلاف فيه بين الأمة[ ].
4- ومن الأدلة كذلك على كفر قائل الكفر، قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ التوبة:74.
قال الكشميري في كتابه "إكفار الملحدين": قال ابن حجر في "الأعلام" في فصل الكفر المتفق عليه، مما نقله عن كتب الحنفية: من تلفظ بلفظ الكفر يكفر، فكل من استحسنه أو رضي به يكفر.
وعن"البحر" رجل كفر بلسانه طائعاً وقلبه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله مؤمناً، كذا في"فتاوى قاضيخان" و"هندية"و"جامع الفصولين".
والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً، كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في"الخانية" و"رد المحتار" [ ]ا- هـ.
5- ومنها كذلك قوله تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ التوبة:12.
دلت الآية أن الطعن في الدين كفر، وأن صاحبه كافر وكفره مغلظ وهو من أئمة الكفر، والعلة في الكفر هنا هو ذات الطعن والشتم وليس استحلال الطعن والسب، فمن يشترط الاستحلال لكفر الساب فقد أبعد ونأى عن الصواب، وقال قولاً باطلاً معلوماً من الدين بالضرورة بطلانه .. ونهج نهج أهل التجهم والإرجاء .. هذا الذي نص عليه أهل
العلم، وإليك بعض أقوالهم:
قال القرطبي في التفسير 8/82-84: من أقدم على نكث العهد والطعن في الدين يكون أصلاً ورأساً في الكفر؛ فهو من أئمة الكفر على هذا.
واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب قتل كل من طعن في الدين؛ إذ هو كافر، والطعن أن ينسب إليه مالا يليق به، أو يعترض بالاستخفاف على ما هو من الدين، لما ثبت من الدليل القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه.
وقد روي أن رجلاً قال في مجلس علي: ما قتل كعب بن الأشرف إلا غدراً! فأمر علي بضرب عنقه.
قال علماؤنا: هذا يقتل ولا يستتاب إن نسب الغدر للنبي  لأن ذلك زندقة ا-هـ.
وقال ابن تيميه رحمه الله تعالى في كتابه العظيم" الصارم المسلول على شاتم الرسول ": إنه سماهم أئمة الكفر لطعنهم في الدين، فثبت أن كل طاعن في الدين هو إمام في الكفر.
وقال: إن سب الله وسب رسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل.
فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع؛ لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له.
وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم الحنظلي، المعروف بابن راهويه: قد أجمع المسلمون أن من سب الله أو سب رسوله عليه الصلاة والسلام أو دفع شيئاً مما أنزل الله، أو قتل نبياً، من أنبياء الله، أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله.
وقال عبد الله، سئل أبي ـ أحمد بن حنبل ـ عن رجل قال: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك. قال أبي: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه؟ قال: نعم، نضرب عنقه.
وقال الخطابي في شاتم النبي : لا أعلم أحداً من المسلمين اختلف في وجوب قتله.
وعن ابن عمر قال: من شتم النبي ، قُتل.
وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ذلك أنه من شتم النبي  فهو مرتد عن الإسلام، ولا يشتم مسلم النبي .
قال عبد الله: سألت أبي عمن شتم النبي ، يستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتل ولا يستاب؛ لأن خالد بن الوليد قتل رجلاً شتم النبي  ولم يستتبه.
وعن مجاهد: أُتي عمر برجل سب النبي ، فقتله. ثم قال عمر: من سب الله أو سب أحداً من الأنبياء فاقتلوه.
قال ابن تيميه: المرتد يستتاب من الردة، ورسول الله  وأصحابه قتلوا الساب ولم يستتيبوه، فعلم أن كفره أغلظ، فيكون تعيين قتله أولى.
وقال: ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة.
وفي رده على الذين يجعلون العلة في كفر الساب استحلاله السب وليس ذات السب[ ]قال: الحكاية المذكورة عن الفقهاء أنه إن كان مستحلاً كفر وإلا فلا، ليس لها أصل ..
الوجه الثاني: أن الكفر إذا كان هو الاستحلال فإنما معناه اعتقاد أن السب حلال، فإنه لما اعتقد أن ما حرمه الله تعالى حلال كفر، ولا ريب أن من اعتقد في المحرمات المعلوم تحريمها أنها حلال كفر، ولكن لا فرق في ذلك بين سب النبي  وبين قذف المؤمنين والكذب عليهم والغيبة لهم إلى غير ذلك من الأقوال التي علم أن الله حرمها، فإنه من فعل شيئاً من ذلك مستحلاً كفر، مع أنه لا يجوز أن يقال: من قذف مسلماً أو اغتابه كفر، ويعني بذلك إذا استحله.
الوجه الثالث: اعتقاد حل السب كفر، سواء اقترن به وجود السب أو لم يقترن، فإذاً لا أثر للسب في التكفير وجوداً وعدماً، وإنما المؤثر هو الاعتقاد، وهو خلاف ما أجمع عليه العلماء.
الوجه الرابع: أنه إذا كان المكفر هو اعتقاد الحل فليس في السب ما يدل على أن الساب مستحل، فيجب أن لا يكفر، لا سيما إذا قال: أنا أعتقد أن هذا حرام، وإنما أقول غيظاً وسفهاً، أو عبثاً أو لعباً، كما قال المنافقون: إنما كنا نخوضُ ونلعب .
فإن قيل: لا يكونون كفاراً فهو خلاف نص القرآن، وإن قيل يكونون كفاراً فهو تكفير بغير موجب إذا لم يجعل نفس السبّ مكفراً.
قال : لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  ولم يقل قد كذبتم في قولكم إنما كنا نخوض ونلعب، فلم يكذبهم في هذا العذر كما كذبهم في سائر ما أظهروه من العذر الذي يوجب براءتهم من الكفر لو كانوا صادقين، بل بين أنهم كفروا بعد إيمانهم بهذا الخوض واللعب.
وإذا تبين أن مذهب سلف الأمة ومن اتبعهم من الخلف أن هذه المقالة في نفسها كفر استحلها صاحبها أو لم يستحلها فالدليل على ذلك جميع ما قدمناه في المسألة الأولى من الدليل على كفر الساب، وما ذكرناه من الأحاديث والآثار فإنما هو أدلة بينة في أن نفس أذى الله ورسوله كُفر، مع قطع النظر عن اعتقاد التحريم وجوداً وعدماً[ ].
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار "[ ].
وقال :" إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب " متفق عليه.
وقال :" إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم " البخاري.
وقال :" إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله بها سخطه إلى يوم يلقاه ".
فتأمل قوله :" لا يرى بها بأساً .. ما يتبين فيها .. لا يُلقي لها بالاً .. ما كان يظن " ومع ذلك فهو يطاله الوزر والوعيد .. ولا يُعذر في شيء مما ذُكر .. وفي ذلك عبرة وعظة لأولئك الذين يشترطون ـ بغير علم ـ القصد والمعرفة، والاعتقاد والاستحلال كشرط للحوق وعيد الكفر بالمعين!
6- كذلك من الأعمال المكفرة لذاتها، موالاة المشركين ومظاهرتهم على المسلمين كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة:51.
وقال تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُآل عمران:28. وقوله: فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْء. قال ابن جرير الطبري في التفسير 3/228: يعني بذلك فقد برئ من الله، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ا- هـ.
وقال تعالى: وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ المائدة:81 .
قال ابن تيميه في الفتاوى 7/17: فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده، ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. ودلّ ذلك على أن من اتخذهم أولياء ما فعل الإيمان الواجب من الإيمان بالله والنبي وما أنزل إليه. ومثله قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. فإنه أخبر في تلك الآية أن متوليهم لا يكون مؤمناً، وأخبر هنا أن متوليهم هو منهم، فالقرآن يصدق بعضه بعضاً ا- هـ.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة، منها: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ المائدة:51.
والمراد بالموالاة هنا التناصر والتحالف وليس اتباع اليهود والنصارى في دينهم وعقيدتهم ـ كما يزعم أهل التجهم والإرجاء ـ فهذا بعيد أن يكون المراد من الآية، والذي يدل على ذلك سبب نزول الآية؛ حيث أنها نزلت في عبد الله بن أبي عندما قال: إني رجل أخاف الدوائر، لا أبرأ من ولاية موالي من اليهود، وكان بينه وبينهم تحالف[ ].
ومما يقوي هذا التفسير قوله  :" حليف القوم منهم "[ ]. وهو مفسر لقوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ . فإن القرآن والسنة يصدقان بعضهما البعض.
وكذلك من الأعمال المكفرة لذاتها، محاربة المسلمين وقتلهم وقتالهم لكونهم مسلمين، وإنزال الأذى والفتنة في الدعاة منهم وتكميم أفواههم ومنعهم إظهار الحق، لا لشيء سوى أنهم دعاة إلى الإسلام؛ يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ
نَاصِرِينَ آل عمران:22. ولا يحبط العمل إلى الشرك المخرج من الملة، كما قال تعالى: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88.
قال ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 7/287: لو قدر أن قوماً قالوا للنبي  : نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه؛ فلا نصلي، ولا نصوم، ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئاً من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنا الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم بل نقتلك أيضاً، ونقاتلك مع أعدائك هل كان يتوهم عاقل أن النبي  يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملو الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة، ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك ا- هـ.
وقال في موضع آخر: إضرار المسلمين[ ] يزيد على تغير الاعتقاد، ويفعله من يظن سلامة الاعتقاد، وهو كاذب عند الله ورسوله والمؤمنين في هذه الدعوى والظن، ومعلوم أن المفسدة في هذا أعظم من المفسدة في مجرد تغير الاعتقاد، من هذين الوجهين: من جهة كونه إضرار زائداً، ومن جهة كونه قد يظن أو يقال أن الاعتقاد قد يكون سالماً معه، فيصدر عمن لا يريد الانتقال من دين إلى دين ويكون فساده أعظم من فساد الانتقال؛ إذ الانتقال قد علم أنه كفر فنزع عنه ما نزع عن الكفر، وهذا قد يظن أنه ليس بكفر إلا إذا صدر استحلالاً، بل هو معصية، وهو من أعظم أنواع الكفر[ ].
ومما يدل على كفر من ينزل العذاب والأذى بالمؤمنين ـ لإيمانهم ولأنهم يأمرون الناس بالقسط الذي أمر الله به ـ أنه كاره لما أنزل الله مبغض له؛ لأن موالاة المؤمنين وحبهم وحب دينهم مما أنزله الله في كتابه وأمر به، ومن كان كارهاً لما أنزل الله فهو كافر مرتد، وإن ادعى بلسانه خلاف ذلك، فإن دعوى حب الشيء ومحاربته في آنٍ معاً لا يجتمعان أبداً في قلب واحد، فأحدهما لازم لانتفاء الآخر ولا بد.
قال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد:9. فعلل سبب كفرهم بأنهم كرهوا ما أنزل الله.
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ محمد:26.
فإذا كان الذين قالوا ـ مجرد قول ـ للذين كرهوا ما أنزل الله سنطيعكم في بعض الأمر، قد ارتدوا على أدبارهم كافرين من بعد ما تبين لهم الهدى والحق .. وإذا كان الأمر كذلك مع الذين قالوا للذين كرهوا .. فما يكون القول في الذين كرهوا ما أنزل الله ذاتهم .. لا شك أنهم أولى بالكفر والارتداد، وأغلظ كفراً ممن أطاعهم في بعض الأمر.
ومن أعظم نواقض الإسلام التي ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتبه بغض ما أنزل الله، حيث قال: من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول  ولو عمل به، كفر إجماعاً، والدليل قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ محمد:9.
قلت: والكره مكانه القلب، يعرف من خلال قرائن عملية ظاهرة تدل عليه، أصرحها دلالة على الكره، استخدام القوة وأدوات البطش والتنكيل ضد المكروه، فمن يأتي بمثل هذه القرينة الصريحة الدالة على حقيقة باطنه من العبث أن يُسأل عن قرائن أخرى أقل دلالة منها؛ كأن يقال له وهو يمعن في ذبح الشيء المكروه ـ طوعاً من غير إكراه ـ تشفياً وانتقاماً للباطل، هل تصرح بلسانك أنك تكره من تمعن فيه الذبح والبطش والتشريد والتنكيل، والقتل .. فنحن ندينك بعظمة لسانك فقط، أما عظمة يدك التي تبطش وتقتل بها فلا .. فلها الحرية أن تطيش كيفما تشاء، وحيثما تشاء.. فساحة التأويل والأعذار تسعك .. وتسع جرائمك .. نعوذ بالله من زيغ وضلال أهل التجهم والإرجاء!
ومن الأفعال الشركية المكفرة لذاتها كذلك، التوجه بأي نوع من أنواع العبادة لغير الله ؛ كالسجود للأصنام، ونحوه السجود للقبور والمقامات، أو الاستغاثة بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، أو الذبح لغير الله، وكذلك من يجعل بينه وبين الله وسطاء يدعوهم ويرجوهم الشفاعة ويتقرب بعبادتهم إلى الله ، فهذه أعمال هي كفر لذاتها بصرف النظر عن عنصر الاستحلال وجوداً وعدماً، كما قال تعالى عن المشركين: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ الزمر:3 . وقال: فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110. وقال: قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً الجـن:20. وقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء النساء:48. وغيرها كثير من الآيات التي تدل على كفر من أشرك مع الله أحداً في شيء من أنواع العبادة.
قال الكشميري في كتابه"إكفار الملحدين" ص68: قال ابن تيميه في كتاب "الإيمان" اتفقوا في بعض الأفعال على أنها كفر، مع أنه يمكن فيها أن لا ينسلخ من التصديق؛ لأنها أفعال الجوارح لا القلب، وذلك كالهزل بلفظ كفر وإن لم يعتقده، وكالسجود لصنم، وكقتل نبي، والاستخفاف به وبالمصحف والكعبة، واختلفوا في وجه الكفر بها بعد الاتفاق على التكفير، فقيل: إن الشارع لم يعتبر ذلك التصديق حكماً وإن كان موجوداً حقيقة.
وقال أبو البقاء في"كلياته": والكفر قد يحصل بالقول تارة وبالفعل أخرى، والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه فيه نص، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء. والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد، ويكون الاستهزاء صريحاً بالدين كالسجود للصنم ا- هـ.
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: من أعظم نواقض الإسلام عشرة:
الأول: الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له، والدليل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء  ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو القباب.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، كفر إجماعاً[ ].
ومن الأعمال المكفرة والمخرجة عن الملة كذلك الإعراض عن شرع الله تعالى إعراضاً كليا لا يتعلمه ولا يعمل به، وكذلك الإعراض عن الحكم بما أنزل الله واستبداله بحكم وشرائع الطاغوت[ ].
كما قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ السجدة:22. وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ  النساء:60. وقال تعالى: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماًالنساء:65. وقال تعالى: أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَالمائدة:50. وقال تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ المائدة:44. وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً النساء:61. وقال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ آل عمران:23. وقال تعالى: وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَالأنعام:121. وقال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه  التوبة:31 . وقال تعالى: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً الكهف:110. وغيرها كثير من الآيات التي لو أردنا أن نتتبع أقوال العلماء والمفسرين فيها، لوجدنا أن من اتصف بالصفات التي تتضمنها الآيات الآنفة الذكر، لا يجوز إلا أن يكون كافراً مشركاً، خارجاً من ملة الإسلام[ ].
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله: الحاكم بغير ما أنزل الله كافر إما كفر اعتقاد ناقل عن الملة، وإما كفر عمل لا ينقل عن الملة[ ].
أما الأول: وهو كفر الاعتقاد فهو أنواع: أعظمها وأشملها وأظهرها معاندة للشرع، ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله، ومضاهاة بالمحاكم الشرعية، إعداداً وإمداداً وإرصاداً وتأصيلاً، وتفريعاً وتشكيلاً وتنويعاً وحكماً وإلزاماً ومراجع ومستندات؛ فكما أن للمحاكم الشرعية مراجع مستمدات مرجعها كلها إلى كتاب الله وسنة رسوله ، فلهذه المحاكم مراجع هي القانون الملفق من شرائع شتى، وقوانين كثيرة، كالقانون الفرنسي، والقانون الأمريكي، والقانون البريطاني وغيرها من القوانين، ومن مذاهب بعض البدعيين المنتسبين إلى الشريعة وغير ذلك.
فهذه المحاكم في كثير من أمصار الإسلام مهيئة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب، من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة ا- هـ.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: لا إيمان لمن اعتقد أن أحكام الناس وآراءهم خير من حكم الله ورسوله، أو تماثلها وتشابها، أو تركها وأحل محلها الأحكام الوضعية والأنظمة
البشرية، وإن كان معتقداً أن أحكام الله خير وأكمل وأعدل[ ].
ـ شبهة يثيرها أهل التجهم والإرجاء!!
وذلك أنهم كلما ذكر طواغيت الحكم والكفر ـ الذين تجتمع فيهم جميع نواقض الإيمان ـ بسوء وبما يستحقونه من أوصاف وأحكام، ينبرون للجدال عنهم والتبرير لهم؛ بأن كفرهم ليس بالكفر الأكبر، وإنما هو كفر دون كفر مستدلين على ذلك بقول ابن عباس  [ ]، وبالتالي فهم يطالبون الأمة بوجوب طاعتهم وموالاتهم وعدم الخروج عليهم، وكل من يخالفهم في ذلك أو يفكر بالخروج عليهم فهو عندهم آثم ضال خارجي، ومن جماعة التكفير!!
ولهؤلاء الضالين نقول: متى يكونون هؤلاء الطواغيت عندكم كفاراً ؟!
قالوا: عندما يستحلون الحكم بغير ما أنزل الله!
قلنا: أليس من يرفض الحكم بما أنزل الله، ويحاربه ويحارب كل من يلزمه أو يُطالبه بالحكم بما أنزل الله .. وهو مع ذلك لا يتوانى لحظة في التحاكم إلى شرائع الطواغيت، فيزينها ويحسنا، ويفرضها بقوة السلاح ـ إن استلزم الأمر ـ على العباد والبلاد .. أليس من كان هذا وصفه يكون قد استحل الحكم بغير ما أنزل الله ؟!
قالوا:لا، حتى يصرح بفيه أنه جاحدٌ لحكم الله، وأنه يستحل الحكم بغير ما أنزل الله .. وما ذكرت كفر عمل .. لا يكفي لتكفيرهم!!
قلنا: نزيدكم إيضاحاً وعلماً؛ فهو إضافة إلى ما سبق لا يتورع أن يشرع التشريع الذي يضاهي شرع الله ويخالفه، ويجعل من تشريعه الحكم الذي يجب على الأمة تنفيذه وتطبيقه، والرجوع إليه .. والويل كل الويل لمن يعارضه أو يعقب عليه .. أليس من كان هذا وصفه يكون قد استحل الحكم بغير ما أنزل الله .. وكفر؟!
قالوا: ليس فيما تقدم دلالة على الاستحلال .. فالذي ذكرته عمل .. وبالتالي فهو من الكفر العملي الذي لا يخرج من الملة!!
قلنا: نزيدكم علماً وإيضاحاً ـ لعلكم تجهلون أو أنكم لا تبصرون ـ فهو إضافة إلى ما تقدم يصف شريعة الطاغوت ـ سواء كان هو مصدرها أم غيره ـ بأنها تحقق العدل والتقدم والرخاء بين الناس وفي المجتمعات، وغير ذلك من ألقاب المديح والتفخيم .. ولربما وصفها بأنها أرقى أنواع التشريع التي تحقق العدل للناس .. وهذا يُنشر عنهم في وسائل إعلامهم المختلفة المقروءة منها والمسموعة .. فما قولكم في ذلك ؟!
قالوا: هلا شققت عن قلبه وعرفت أنه يستحل الحكم بغير ما أنزل الله .. أليس يقول لا إله إلا الله .. كيف تكفر من يقول لا إله إلا الله؟!
قلنا: يقولون لا إله إلا الله .. وهم بنفس الوقت ينقضون ويكذبون لا إله إلا الله بالقول والعمل .. وهم مثلهم مثل من يقول بالشيء وضده في آنٍ معاً .. ومن كان كذلك أنى له أن ينتفع بلا إله إلا الله ..؟!!
قالوا: ينقضون لا إله إلا الله استحلالاً وجحوداً .. أم عملاً وحالاً ..؟!
قلنا لهم: إذاً ما قولكم في إبليس .. هل كان كفره من جهة الجحود أو الاستحلال أم أنكم لا ترون كفره [ ]..؟!!
وإذا لم يكن قولكم هذا هو عين التجهم والإرجاء فماذا يكون .. فأنتم مرجئون جهميون ولو تسميتم بغير اسمهم، وادعيتم بلسانكم أنكم على غير طريقتهم ومنهاجهم .. ونسبتم أنفسكم زوراً للسلف وطريقتهم .. والله تعالى حسيبكم.
ـ مسألة تارك الصلاة: كذلك من الأعمال المكفرة لذاتها، ترك الصلاة من غير جحود لها، هذا الذي دلت عليه النصوص الشرعية، والذي عليه عامة السلف.
قال رسول الله  :" بين الرجل وبين الكفر، ترك الصلاة". وقال :" بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة ". وقال :" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر ". وقال :" بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك ". وقال :" فإن من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله". وقال :" لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة "[ ]. فمن فقد الصلاة لم يبق عنده من عرى الدين شيء يتمسك به.
وعن ابن مسعود  قال:" من ترك الصلاة فلا دين له "[ ].
وعن أبي الدرداء قال:" لا إيمان لمن لا صلاة له، ولا صلاة لمن لا وضوء له "[ ].
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي  قال: كان أصحاب محمد ، لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر، غير الصلاة[ ]. والمراد بالكفر هنا الكفر الأكبر بدليل أنهم كانوا يرون كثيراً من الأعمال تركها كفر أصغر أو كفر دون كفر.
قال الحافظ المنذري صاحب الترغيب: قد ذهبت جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة متعمداً لتركها، حتى جميع وقتها، منهم: عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذبن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.
ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة، وأيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى[ ].
وقال ابن تيميه رحمه الله تعالى: تكفير تارك الصلاة هو المشهور لمأثور عن جمهور السلف من الصحابة والتابعين.
وهل يقتل كافراً أو مسلماً فاسقاً؟ فيه قولان: وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً وهذا كله مع الإقرار بوجوبها.
وقال في موضوع آخر: فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلماً[ ].
ثم إذا كانت العلة المكفرة هي جحود الصلاة وليس تركها، فما الذي يميز الصلاة عن غيرها إذا ثبت أن جحود سنية السواك أو غيرها من السنن المتواترة الصحيحة كفر، وصاحبه يكفر، مع العلم أن الصلاة هي أعظم ركن في الإسلام بعد شهادة التوحيد؟!
فكان لا بد من أن تتميز الصلاة عن غيرها؛ بحيث يكون مجرد تركها كفراً يخرج من الملة، والله تعالى أعلم.
قال حنبل: حدثنا الحميدي قال: وأخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ولم ييفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، ويصلي مستدبر القبلة حتى يموت، فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً، إذا علم أن تركه ذلك فيه إيمانه إذا كان مقراً بالفرائض واستقباله القبلة.
قلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله وعلماء المسلمين، قال الله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين  .
وقال حنبل: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول: من قال هذا فقد كفر بالله
ورد على أمره وعلى الرسول ما جاء به عن الله[ ].


يتبع
اخوكم ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث   كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 4:32 am

ومسألة حكم تارك الصلاة قد تناولناها واعتراضات المخالفين بشيء من التوسع والتفصيل في كتابنا " حكم تارك الصلاة " فليراجعه من شاء.
ـ تنبيه: إضافة لما تقدم فإننا نذكر بقاعدة من قواعد أهل السنة والجماعة، وهي: أن الإيمان يكون بالاعتقاد والقول والعمل، والعمل منه ما يكون شرطاً لصحة الإيمان ومنه ما يكون دون ذلك، وهذا القول من لازمه القول كذلك بأن الكفر يكون بالاعتقاد والقول والعمل.
فمن قال: أن الإيمان اعتقاد وقول وعمل، يزيد وينقص، لزمه ولا بد القول بأن الكفر يكون بالاعتقاد والقول والعمل .. وأنه يزيد وينقص .. وإلا يكون قد ناقض نفسه بنفسه .. ورد على نفسه بنفسه!
وكذلك من قال: أن الإيمان تصديق وقول لزمه القول بأن الكفر يكون كذلك بتكذيب القلب، والقول فقط!
ومن قال: أن الإيمان هو تصديق القلب ومعرفته فقط لزمه القول بأن الكفر يكون بتكذيب القلب وجحوده فقط .. وهذا هو مذهب جهم الضال!
أما من يأتي بتعريف السلف للإيمان ثم هو في المقابل يحصر الكفر في الجحود أو التكذيب القلبي .. فإنه يكون حينئذٍ قد ناقض نفسه بنفسه .. ومن جهة أخرى يكون قد وافق وتابع جهماً الضال في قوله في الإيمان .. سواء علم بذلك أم جهل .. وإن زعم بلسانه زوراً أنه على عقيدة ومنهج السلف!



* * *

ـ القاعدة السابعة:" الكفرُ العمليُّ الأصغرُ لا يُقالُ به إلا بقرينةٍ شرعيةٍ تدلُّ عليه ".
الشرح: قد تقدم معنا أن الكفر منه ما يكون كفراً أكبر يخرج من الملة، ومنه ما يكون كفراً أصغر لا يُخرج من الملة .. والسؤال الذي قد يرد: كيف نميز بين الكفرين .. وكيف نعرف أن الكفر الوارد في النصوص الشرعية يُراد به الكفر الأكبر وليس الكفر الأصغر أو الكفر الأصغر وليس الكفر الأكبر ..؟
أقول: اعلم أن الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن دلالاتها الشرعية الظاهرة إلى دلالات أخرى إلا بقرينة شرعية أخرى توجب وتفيد هذا الصرف والتأويل، ومن دون هذا الضابط تضيع الأحكام، ونكون قد فتحنا بذلك باباً للصرف والتأويل يسمح لتأويلات وتحريفات الزنادقة الغلاة الولوج منه؛ حيث يجدون فيه المتسع لتسويغ وتمرير باطلهم وكفرهم .. كما أننا نكون قد سمينا الأشياء بغير المسمى التي سماها الله تعالى به، وصرفنا لها المعاني والأوصاف غير المعاني التي أرادها الله تعالى ورسوله.
فإذا أطلق الشارع على فعل معين حكم الكفر، فالأصل أن يحمل هذا الكفر على ظاهره ومدلولاته الشرعية؛ وهو الكفر الأكبر المناقض للإيمان الذي يخرج صاحبه من الملة ويوجب لصاحبه الخلود في نار جهنم، ولا يجوز صرف هذا الكفر عن ظاهره ومدلوله هذا إلى كفر النعمة أو الكفر الأصغر الرديف للمعصية، أو الذنب الذي لا يستوجب الخلود في نار جهنم إلا بدليل شرعي آخر يفيد هذا الصرف والتأويل، فإذا انعدم الدليل أو القرينة الشرعية الصارفة تعين الوقوف على الحكم بمدلوله ومعناه الأول ولا بد.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: لا نسمي في الشريعة اسماً إ لا بأن يأمرنا الله تعالى أن نسميه، أو يبيح لنا الله بالنص أن نسميه لأننا لا ندري مراد الله  منا إلا بوحي وارد من عنده علينا، ومع هذا فإن الله  يقول منكراً لمن سمى في الشريعة شيئاً بغير إذنه : إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى . أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّىالنجم:24. وقال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين.قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَاالبقرة:32. فصح أنه لا تسمية مباحة لملك ولا لأنس دون الله تعالى، ومن خالف هذا فقد افترى على الله  الكذب وخالف القرآن.
فنحن لا نسمي مؤمناً إلا من سماه الله  مؤمناً، ولا نسقط الإيمان بعد وجوبه إلا عمن أسقطه الله  عنه، ووجدنا بعض الأعمال التي سماها الله  إيماناً لم يسقط الله  اسم الإيمان عن تاركها فلم يجز لنا أن نسقطه عنه لذلك، لكن نقول إنه ضيع بعض الإيمان ولم يضيع كله كما جاء النص [ ]ا- هـ.
والأدلة الشرعية على صحة هذه القاعدة كثيرة جداً، إليك بعضها:
1- مانع الزكاة، فقد قال تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَالتوبة:11.
مفهوم الآية أنهم إذا لم يتوبوا من الشرك، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ليسوا إخواننا في الدين، ولا تنتفي أخوة الدين إلا عن الكافرين.
فظاهر الآية دليل على كفر تارك الصلاة، وكفر تارك الزكاة، ولكن لوجود دليل آخر يصرف الكفر الأكبر عن تارك الزكاة دون تارك الصلاة، نقول بكفر تارك الصلاة دون تارك الزكاة لوجود القرينة الشرعية التي تصرف الكفر عن تارك الزكاة، وهي قوله  كما في صحيح مسلم وغيره:" ما من صاحب كنز لا يؤدي حقه، إلا جعله الله يوم القيامة يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جبهته وجنبه وظهره، حتى يقضي الله تعالى بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ". وهذا يعني أنه يترك للمشيئة؛ إن شاء الله تعالى عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء عذبه وأدخله النار وهذا ليس للكافر الذي ليس له في الآخرة إلا الخلود في النار، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ النساء:48.
ومن صوارف الكفر الأكبر عن تارك الزكاة من غير جحود، الأثر الصحيح الوارد عن عبد الله بن شقيق العقيلي ، أنه قال:" كان أصحاب محمد ، لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ". وهذا لا شك أنه يشمل ترك الزكاة.
2- كفران النعمة، وكفران العشير: كما في الحديث الذي يرويه البخاري بسنده عن ابن عباس قال: قال النبي :" أُريت النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن " قيل: أيكفرن بالله؟ قال:" يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان؛ لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت ما رأيت منك خيراً قط ".
فتأمل كيف أن الصحابة ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ حملوا صفة الكفر على الكفر بالله، لإطلاقها مجردة عن القرينة التي تصرفها عن الكفر بالله إلى المعصية التي هي دون الكفر، إلى أن وضح لهم النبي  أن المراد من الكفر في هذا الموضع هو كفر النعمة وكفر الإحسان، وليس بالكفر الذي تذهبون إليه.
وكان البخاري رحمه الله قد أدرج هذا الحديث تحت عنوان: كفران العشيرة، وكفر دون كفر.
قال القاضي أبو بكر بن العربي: مراد المصنف أن يبين أن الطاعات كما تسمى إيماناً كذلك المعاصي تسمى كفراً؛ لكن حيث يطلق عليها الكفر لا يراد الكفر المخرج من الملة[ ].
ونحوه قوله :" من أعطى عطاءً فوجد فليجز به، فإن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر"[ ]. أي كفر فضل ونعمة من أسدل إليه العطاء والمعروف.
وكذلك قوله :" من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس، لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر"[ ]. أي كفر للنعمة التي تفضل الله
بها عليه .. وليس الكفر المخرج عن الملة.
وكفر النعمة ليس كالكفر بالله  ، بدليل أن مانع الزكاة من غير جحود، يعتبر من أكفر الناس لنعم الله عليه، إذ من لوازم شكر النعم إخراج زكاتها المستحقة شرعاً، ومع ذلك فهو ليس كافراً الكفر الذي ينقل من الملة، وإنما يُترك لمشيئة الله تعالى، كما تقدم في الحديث.
وكذلك قوله  في الحديث:" من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبدا ً" مسلم.
فظاهر الحديث أن المنتحر القاتل لنفسه كافر؛ لأن الخلود في جهنم أبداً هو للكفار الذين يموتون على الكفر والشرك، وليس لأهل التوحيد العصاة .. ولكن لوجود قرائن شرعية أخرى تصرف الكفر عن المنتحر القاتل لنفسه من غير استحلال[ ]، علمنا بالضرورة أن المنتحر ليس كافراً، وأن الوعيد الوارد بحقه هو من قبيل الزجر والتغليظ وبيان عظمة الذنب .. وأن صاحبه مهما طال عذابه في نار جهنم فنهايته إلى الخروج منها برحمه الله تعالى وفضله.
والقرينة التي تصرف الكفر عن المنتحر هو ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي 
لما هاجر إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي [ ] إلى نبيه ، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله ، فقال رسول الله :" اللهم وليديه فاغفر ".
فكونه غفر الله بحسنة هجرته إلى نبيه ، وأن النبي  دعا له بالمغفرة، علمنا بالضرورة أنه مات مسلماً رغم قتله لنفسه؛ لأن الكافر الذي يموت على الكفر مهما تعاظمت حسناته لا يغفر الله له، ولا يجوز أن يدعى له بالمغفرة والرحمة.
كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء النساء:48.
وقال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ التوبة:113.
وفي صحيح مسلم وغيره، أن النبي  لما زار قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، وقال:" استأذنت ربي  في أن أستغفر لها، فلم يؤذن لي، واستأذنت في أن أزور قبرها فأذن لي ".
وعن علي قال: سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلنا: أتستغفر لهما وهما مشركان ؟! فقال: أولم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فأتيت النبي  فذكرت ذلك له، فنزلت: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُالتوبة:114[ ].
وهنا قد ترد شبهة، وهي أن الرجل فعل بنفسه ما فعل قبل تحريم الانتحار، أو أن
النص الذي يفيد التحريم لم يبلغه .. وكان جاهلاً بالتحريم .. لذا فإن الله تعالى قد غفر له.
فالجواب: أن النص لا يفيد ذلك؛ ولو كان الأمر كذلك لما ظلت يداه معطوبتان، ولما قيل له:" لن نصلح منك ما أفسدت " فدل أنه كان عالماً بالتحريم وقد بلغه الخطاب الشرعي؛ لأن بقاء العذاب ـ ولو جزئياً ـ دليل على بلوغ الخطاب إليه، وأنه كان يعلم بالتحريم، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15. والمسألة قد تقدم الحديث عنها في شرح القاعدة الأولى، فراجعها.
قال النووي في فقه الحديث: أما أحكام الحديث ففيه حجة لقاعدة عظيمة لأهل السنة أن من قتل نفسه أو ارتكب معصية غيرها ومات من غير توبة فليس بكافر، ولا يقطع له بالنار بل هو في حكم المشيئة[ ].
وقال ابن المبارك: فيما ورد من مثل هذا مما ظاهره تكفير أصحاب المعاصي، إن ذلك عى جهة التغليظ والزجر عنه[ ].
وكذلك قاتل المسلم عمداً، فإن ظاهر النصوص تدل على كفر القاتل، كما في قوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماًالنساء:93. والخلود في نار جهنم من شأن من يموت على الكفر كما تقدم.
وكذلك قوله :" سباب المسلم فسوق وقتاله كفر"[ ].
وغيرها من الأدلة التي ظاهرها يدل على كفر قاتل المؤمن عمداً، ولكن لوجود قرائن شرعية أخرى تصرف الكفر الأكبر عن القاتل علمنا بالضرورة أن المراد هو الكفر العملي الصغر، وأن قتل النفس بغير حق يعتبر من كبائر الذنوب التي لا تخرج صاحبها من الملة.
من هذه القرائن والأدلة قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَان البقرة:178.
قال ابن حزم: فابتدأ الله  بخطاب أهل الإيمان من كان فيهم من قاتل أو مقتول، ونص تعالى على أن القاتل عمداً وولي المقتول أخوان، وقد قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ  فصح أن القاتل عمداً مؤمن بنص القرآن، وحكم له بأخوة الإيمان ولا يكون للكافر مع المؤمن بتلك الأخوة.
وقال تعالى:وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ . إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهالحجرات:10.
فهذه الآية رافعة للشك جملة في قوله تعالى إن الطائفة الباغية الأخرى من المؤمنين المأمور سائر المؤمنين بقتالها حتى تفيء إلى أمر الله تعالى أخوة للمؤمنين المقاتلين، وهذا أمر لا يضل عنه إلا ضال، وهذه الآياتان حجة قاطعة أيضاً على المعتزلة أيضاً المسقطة اسم الإيمان عن القاتل، وعلى كل من أسقط عن صاحب الكبائر اسم الإيمان، وليس لأحد أن يقول إنه تعالى إنما جعلهم إخواننا إذا تابوا لأن نص الآية أنهم إخوان في حال البغي وقبل الفئة إلى الحق[ ]ا- هـ.
ومن الأدلة كذلك على صرف الكفر عن القاتل من غير استحلال، قوله :" إن بين يدي الساعة الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضاً، حتى يقتل الرجل جاره، ويقتل أخاه، ويقتل عمه، ويقتل ابن عمه، قالوا: ومعنا عقولنا يومئذٍ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء[ ] من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء"[ ]. فتأمل كيف أن النبي  نفى عنهم صفة الشرك ـ حيث ميزهم عن المشركين ـ رغم أنهم يقتلون بعضهم بعضاً.
وكذلك قوله :" إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله  لأمتي ثلاثاً، فأعطاني اثنتين، ورد واحدة، سألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقاً، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردها علي"[ ].
فرغم أنه جعل بأسهم فيما بينهم ـ الذي منه القتل ـ لم يسلبهم ذلك صفة أن يكونوا من أمة محمد  الين يستحقون الدعاء والشفاعة.
كما في قوله :" أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم دماء بعض، فأحزنني وشق ذلك علي، وسبق كما سبق ذلك في الأمم قبلها، فسألت الله تعالى أن يوليني شفاعتهم فيهم يوم القيامة، ففعل"[ ].
فكونهم تنالهم شفاعة النبي  ـ على ما سبق منهم من قتل وقتال لبعضهم البعض ـ دل أنهم مسلمون عصاة، ولو كانوا قد كفروا بفعلهم وسفك بعضهم دماء بعض لما استحقوا شفاعة النبي  ، ولما جازت لهم الشفاعة أصلاً.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: ما زلنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من في نبينا  يقول:" إن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، فإني أدخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي يوم القيامة" فأمسكنا عن كثير مما كان في أنفسنا[ ].
ومن الأدلة كذلك التي تصرف الكفر الأكبر عن القاتل، ما رواه البخاري في صحيحه،عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله  قال وحوله عصابة من أصحابه: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان، تفترون بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف. فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه"، فبايعناه على ذلك.
قلت: كون الذي يُصيب شيئاً من ذلك يترك لمشيئة الله تعالى، دل أنه ليس كافراً، ولا يكفر بالذنوب الواردة في الحديث.
قال المازني: فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب[ ].
فإن قيل: الحديث يشمل الشرك، وبالتالي يكون ـ على قولكم ـ المشرك، متروك للمشيئة، وهذا مخالف للأصول؟
أقول: إن كان قوله ( شيئاً ) يشمل الشرك الأصغر وهو الرياء دون الشرك الأكبر، فإن الحديث على ظاهره، حيث أن صاحب الشرك الأصغر يترك للمشيئة شأنه شأن صاحب الكفر الأصغر، كما تقدم.
أما إن كان المراد بالشرك مطلق الشرك بما في ذلك الشرك الأكبر، فإن صاحبه مستثنى ممن تشملهم المغفرة أو المشيئة، بدلالة نصوص أخرى، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ النساء:48. وقوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ الزمر:65. وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةالمائدة:72.
وكذلك الإدمان على شرب الخمر، والزنى، والسرقة فإن ظاهر بعض النصوص الشرعية يدل على كفر مدمن الخمر، وانتفاء الإيمان عن الزاني والسارق، كقوله :" مدمن الخمر كعابد وثن "[ ] وقوله :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، والتوبة معروضة بعد " مسلم.
ولكن لوجود قرائن شرعية أخرى تدل على إيمان مرتكبي هذه الذنوب، وأنهم يوم القيامة يدخلون الجنة، وأنهم متروكون لمشيئة الله تعالى إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم، علمنا بالضرورة أن المراد من هذه النصوص انتفاء كمال الإيمان وليس انتفاءه مطلقاً، وأن أصحاب هذه الذنوب ليسوا كفاراً الكفر الأكبر المخرج من الملة، إلا إذا قرنوا معها الاستحلال، فحينها تحمل النصوص على ظاهرها، وتجري عليهم أحكام الكفر والردة .. ويكونون كفاراً لوقوعهم في الاستحلال وليس لمجرد وقوعهم في هذه الذنوب أو الكبائر.
من هذه القرائن ما جاء في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب  أن رجلاً كان على عهد النبي  كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يُضحك رسول الله ، وكان النبي  قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً فأقر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي :" لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله ".
فهذا صاحبي، كان مدمناً على الخمر، وقد أقيم عليه الحد مراراً، ومع ذلك النبي  لم يكفره ولم يعامله معاملة الكافر المرتد العابد للوثن، بل منع من لعنه وحمل اللعن المطلق عليه لحسنة حبه لله ورسوله.
وفي صحيح مسلم، عن أبي ذر قال: قال رسول الله :" ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة "، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:" وإن زنى وإن سرق " قلت: وإن زنى وإن سرق ؟! قال:" وإن زنى وإن سرق " ثلاثاً، ثم قال في الرابعة:" على رغم أنف أبي ذر "، قال: فخرج أبو ذر وهو يقول: وإن رغم أنف أبي ذر. وفي رواية:" وإن زنى وإن سرق وشرب الخمر".
قال النووي في الشرح 2/97: وأما قوله  وإن زنى وإن سرق، فهو حجة لمذهب أهل السنة أن أصحاب الكبائر لا يقطع لهم بالنار، وأنهم إن دخلوها أخرجوا منها وختم لهم بالخلود في الجنة ا- هـ.
وقال الترمذي: لا نعلم أحداً كفر أحداً بالزنى والسرقة والشرب، يعني ممن يعتد بخلافه [ ].
وكذلك من صوارف التكفير عن الزاني والسارق والشارب من غير استحلال، الحديث المتقدم الذكر عن عبادة بن الصامت، وفيه أن النبي  قال:" ما أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه ". وهذا لا يكون إلا لمن مات مؤمناً.
وكذلك، قوله  :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" متفق عليه. والمراد هنا نفي كمال الإيمان لوجود قرينة من في النبي  تدل على ذلك وهي قوله  في رواية أخرى:" لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان .."، والحقيقة هنا تفيد غاية الشيء وكماله.
قال ابن حجر في الفتح 1/57: والمراد بالنفي كمال الإيمان، وقد صرح ابن حبان من رواية ابن أبي عدي عن حسين المعلم بالمراد، ولفظه" لا يبلغ عبد حقيقة الإيمان "؛ ومعنى الحقيقة هنا الكمال ضرورة أن من لم يتصف بهذه الصفة لا يكون كافراً ا- هـ.
وقال النووي رحمه الله في الشرح 2/16: قال العلماء رحمهم الله معناه لا يؤمن الإيمان التام، وإلا فأصل الإيمان يحصل لمن لم يكن بهذه الصفة ا- هـ.
ونحوه قوله :" لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه " مسلم. ولا يمنع من دخول الجنة إلا الكفار، ولكن لما ثبت أن النبي  لم يعامل المؤذي جاره[ ] معاملته للكافر المرتد، علمنا بالضرورة أن الحديث ليس على ظاهره، وأن المراد منه الإغلاظ والزجر، وبيان عظمة حق الجار على جاره.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم 2/17: في معنى لا يدخل الجنة جوبان يجريان في كل ما أشبه هذا، أحدهما: أنه محمول على من يستحل الإيذاء مع علمه بتحريمه فهذا كافر لا يدخلها أصلاً. والثاني: معناه جزاؤه أن لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر ثم قد يجازى وقد يُعفى عنه فيدخلها أولاً. وإنما تأولنا هذين التأويلين لأنا قدمنا أن مذهب أهل الحق أن من مات على التوحيد مصراً على الكبائر فهو إلى الله تعالى إن شاء عفا عنه فأدخله الجنة أولاً، وإن شاء عاقبه ثم أدخله الجنة والله أعلم ا- هـ.
وهكذا فإن أي ذنب أطلق عليه حكم الكفر، لا يمكن صرف الكفر عن ظاهره ودلالته المكفرة إلا بقرينة شرعية تفيد أن هذا الذنب كفر دون كفر، وأن صاحبه ليس بكافر .. ما لم يقترفه على وجه الاستحلال والتحسين.
ومن أبرز الأدلة العامة التي تعين على صرف الكفر عن أصحاب الذنوب التي هي دون الكفر أو الشرك الأكبر، قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ النساء:48.
وقوله  في الصحيحين:" من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة". وقوله:" من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار " مسلم. وقال :" أعطيت الشفاعة وهي نائلة من لا يشرك بالله شيئاً "[ ].
وفي الحديث القدسي، قال رسول الله :" قال الله : من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي، مالم يشرك بي شيئاً "[ ].
وفي حديث آخر:" قال الله تعالى: يا ابن آدم مهما عبدتني ورجوتني ولم تشرك بي شيئاً غفرت لك على ما كان منك، وإن استقبلتني بملئ السماء والأرض خطايا وذنوباً استقبلتك بملئهن من المغفرة، وأغفر لك ولا أبالي "[ ].
قال النووي رحمه الله في الشرح 1/217: فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة ا- هـ.
خلاصة القول: نستخلص مما تقدم أن الأحكام الشرعية الواردة في الكتاب والسنة لا يجوز صرفها عن دلالاتها الظاهرة إلى مدلول آخر إلا بدليل شرعي يفيد ذلك، فإن انتفى الدليل الصارف بقي الحكم على ظاهره ولا بد.
فالذين توسعوا في التكفير وكفروا بذنوبٍ لا يجوز التكفير بها يعود غالب ذلك لجهلهم بهذه القاعدة، وعدم تعاملهم معها بعلم وفقه .. حيث أنهم انطلقوا إلى نصوص أطلقت الكفر على بعض الذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر الأكبر من دون أن ينظروا إلى النصوص الأخرى التي تفسر المراد من الكفر الوارد في تلك النصوص .. فحملوها على ظاهرها وكفروا الناس بموجبها .. وهذا خطأ كبير لا شك فيه .. وهؤلاء علموا أم جهلوا فقد وقفوا تحت مظلة الخوارج الغلاة الأوائل!
وفريق آخر وقع في التفريط فتوسع في الإمساك عن التكفير بما يوجب الكفر، معتمدين في ذلك على نصوص وصفت بعض الأعمال أو الذنوب بالكفر وأريد منها ـ كما تقدم ذكر بعضها ـ الكفر العملي الأصغر .. فحملوها على مطلق الأعمال والذنوب التي منها ما يُعتبر من الكفر الأكبر .. ويدخل في الشرك الأكبر .. فأمسكوا عن تكفير من يجب تكفيره شرعاً .. وهذا خطأ ظاهر .. وأصحاب هذا القول والاتجاه وقفوا تحت مظلة الإرجاء وأهله سواء علموا بذلك أم لم يعلموا!
والحق الذي لا ريب فيه: هو وسط بين الفريقين، حيث لا غلو ولا إرجاء، ولا إفراط ولا تفريط، وهم أهل السنة والجماعة الذين يدورون مع النص ودلالاته حيث دار من غير تحريف ولا تعطيل ..وهو الصراط المستقيم الذي امرنا الله باتباعه، كما قال تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام:153.
ـ تنبيه: أطلق بعض أهل العلم مصطلح " الكفر العملي " وأرادوا به الكفر العملي الأصغر أو الكفر دون كفر الذي لا يُخرج صاحبه من الملة .. فاستُغل إطلاقهم هذا استغلالاً سيئاً من قبل أهل التجهم والإرجاء؛ فحملوه على مطلق العمل بما في ذلك العمل الذي يُخرج صاحبه من الملة .. مستدلين على شذوذهم وانحرافهم هذا ببعض إطلاقات أهل العلم المتشابهة عليهم كما تقدمت الإشارة.
لذا حتى لا يُستغل هذا الاطلاق استغلالاً سيئاً ويُفهم ـ من قبل العامة ـ فهماً خاطئاً أرى أن يُقيد بكلمة " أصغر " فيقال: كفر عملي أصغر .. أو كفر دون كفر أو كفر النعمة .. ونحو ذلك، والله تعالى أعلم.
ـ تنبيه آخر: اعلم أن الكفر الأصغر أو الشرك الأصغر ليس محصوراً فقط في العمل الظاهر على الجوارح كما يظن البعض، وذلك أن منه ما يكون عملاً ظاهراً على الجوارح كقتل النفس بغير حق، والزنى، وشرب الخمر، والسرقة .. ونحوها من الأعمال التي تقدم ذكر بعضها.
ومنه ما يكون قولاً باللسان، كالحلف بغير الله على وجه العادة لا العبادة .. أو النياحة على الميت، أو السب واللعن .. وغير ذلك من الأقوال التي وردت في الأحاديث ووصفت بالكفر أو الشرك وأُريد منها الكفر الأصغر أو الكفر دون كفر.
ومنه ما يكون بالاعتقاد أو من عمل القلب كالرياء الذي سماه النبي  بالشرك الأصغر .. أعاذنا الله وإياكم من الشرك كله ما كبر منه وما صغر، وما ظهر منه وما بطن.

يتبع
اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة التاسعة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفيرالقاعدة الثامنة للشيخ ابو بصير الطرطوسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: