مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 2:57 am

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

العذر بالجهل وقيام الحجة

للشيخ ابو بصير الطرطوسي

شبهة ورد: قد يرد سؤال يقول: إذا كانت حجة الآيات الكونية، وكذلك حجة الفطرة والميثاق لا ينعقد عليها العذاب .. فما الفائدة أو الغاية من قيامها على العباد ..؟!!
وللرد على هذه الشبهة نقول: الغاية من هذه الحجج أطر العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد .. وهدايتهم إلى أن المعبود بحق هو الله تعالى وحده .. وما سواه ليسوا على شيء .. ولا يُستحقون أن يُعبدوا في شيء..!!
فهي من هذا الوجه تُعتبر زيادة في قيام الحجة على العباد بأن المعبود بحق هو الله تعالى وحده .. وزيادة في بيان بطلان الشرك وبطلان ألوهية وربوبية أحد سواه .. وزيادة في حسم ما يمكن أن يعتذر به أهل الأعذار .. وبذلك تكون الحجة البالغة لله تعالى على خلقه، كما قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ الأنعام:149.
فالله تعالى لا أحد أحب إليه العذر منه  .. لذلك قضت حكمته أن يمعن في قيام الحجج المتتاليات على العباد .. زيادة في الإمعان في حسم أعذارهم وحُججهم .. حتى إذا أخذهم بذنوبهم .. أخذهم وهم يعلمون ومقتنعون بأن
النار أولى بهم من الجنة .. وأن العذاب أولى بهم من الرحمة!

* * *
ـ القَدْر الذي تقوم به الحجة على الكافر.
قد يرد سؤال يقول: ما هو القدر من العلم الذي تقوم به الحجة على الكافر .. ويُسقِط عذره بالفترة وبجهله لنذارة الرسل ؟
أقول: هو الحد الذي به يندفع جهل الكافر بنذارة الرسل، ويحقق عنده العلم بحجة ونذارة الرسل.
فحيثما يتمكن من العلم ـ على وجه الإجمال ـ بدعوة الرسل .. والغاية التي أرسلوا لأجلها .. فقد أقيمت عليه الحجة، ورُفع عنه العذر بالجهل، وهو محاسب على ما يقع فيه من تقصير وتفريط.
فلو بلغه من العلم ـ عن أي طريق ـ أن محمداً بن عبد الله هو رسول الله للعالمين، قد أرسله الله تعالى بالتوحيد ونبذ الشرك والتنديد .. لكفى بهذا القدر لقيام الحجة عليه من جهة نذارة الرسل.
كما في الحديث الذي يرويه مسلم بسنده عن أبي هريرة، عن رسول الله  أنه قال:" والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
فدل الحديث على أن من سمع بالنبي  ـ مجرد سماع ـ بأنه رسول الله للعالمين، وبدعوته إلى التوحيد التي جاء بها من عند ربه .. ثم لم يؤمن به وبما جاء به .. إلا حق عليه العذاب، وكان من أصحاب النار.
قال ابن حزم في الإحكام 5/111: فإنما أوجب النبي  الإيمان به على من سمع بأمره ، فكل من كان في أقاصي الجنوب والشمال والمشرق، وجزائر البحور، والمغرب، وأغفال الأرض من أهل الشرك، فسمع بذكره  ففُرض عليه البحث عن حاله وإعلامه والإيمان به.
أما من لم يبلغه ذكره  فإن كان موحداً فهو مؤمن على الفطرة الأولى صحيح الإيمان، لا عذاب عليه في الآخرة، وهو من أهل الجنة، وإن كان غير موحد فهو من الذين جاء النص بأنه يوقد له يوم القيامة نار، فيؤمرون بالدخول فيها، فمن دخلها نجا، ومن أبى هلك ا- هـ.
وقال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى 20/59-60: والحجة على العباد إنما تقوم بشيئين بشرط التمكن من العلم بما أنزل الله، والقدرة على العمل به، فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه، كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه كالمجنون مثلاً.
كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها، وكذلك التائب من الذنوب، والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطيق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجباً عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجباً لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداء، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفى الرسول عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان
العلم والعمل، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل ا- هـ.
أقول: ولكن من تمكن من العلم بدعوة الرسل وعجز عن العمل به، وجب عليه الإيمان والتصديق بما علم ـ لأنه عمل قلبي لا سلطان لمخلوق عليه يمنعه ـ وسقط عنه العمل به إلى حين تمكنه من العمل بما علم؛ فيسقط المعسور ويبقى الميسور .. وتقصير المرء بالميسور وفيما يستطيع إتيانه والقيام به لا يعتبر عذراً لتوفر الاستطاعة والمقدرة على الإتيان به.
لقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم  التغابن: 16. وقال: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها البقرة: 286.
والقاعدة الفقهية تقول:" الميسور لا يسقط بالمعسور".
ومثال من آمن وصدق ولم يتمكن من إظهار إيمانه والعمل به، مؤمن آل فرعون من قوم فرعون، وكذلك كانت امرأة فرعون مع فرعون وقومه، وكذلك النجاشي رغم أنه كان حاكماً على الحبشة إلا أنه لم يكن يحكم بما أنزل الله، بل لم يكن يتمكن من ممارسة كثير من شعائر الإسلام كالهجرة، والجهاد، والحج .. وغير ذلك!
ومع ذلك لما مات قال فيه النبي :" إن أخاكم النجاشي قد مات، فقوموا فصلوا عليه"[ ].
قال ابن تيميه في الفتاوى 19/23و 219: كذلك الكفار من بلغه دعوة النبي  في دار الكفر، علم أنه رسول الله فآمن به وآمن بما أنزل عليه، واتقى الله ما استطاع كما فعل النجاشي وغيره، ولم تمكنه الهجرة إلى دار الإسلام ولا التزام جميع شرائع الإسلام. بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك أحد يصلي عله فصلى عليه النبي  بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلى فصفهم صفوفاً وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات، وقال:"إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات".
وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن قد دخل فيها لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد ولا حج البيت، بل روي أنه لم يصل الصلوات الخمس ولا يصوم شهر رمضان[ ].
ولا يؤدي الزكاة الشرعية، لأن ذلك كان يظهر عند قومه فينكرونه عليه وهو لا يمكنه مخالفتهم، والنجاشي ما كان يمكنه أن يحكم بحكم القرآن، فإن قومه لا يقرونه على ذلك ... إلى أن قال: فالنجاشي وأمثاله سعداء في الجنة وإن كانوا لم يلتزموا من شرائع الإسلام ما لا يقدرون على التزامه، بل كانوا يحكمون بالأحكام التي يمكن الحكم بها ا- هـ.
وفي صحيح مسلم، عن عمر بن عبسة السلمي رضي الله عنه قال:" كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلال وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان، قال: فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً فقعدت على راحلتي فقدمت عليه، فإذا رسول الله  مستخفياً جِراءٌ عليه قومه، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له: وما أنت؟ قال: أنا نبي. قلت: وما نبي؟ قال: أرسلني الله. فقلت بأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء. فقلت: فمن معك على هذا؟ قال : حرٌ وعبد. قال: ومعه يومئذ أبو بكر و بلال ممن آمن معه، فقلت: إني متبعك. قال: إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا. ألا ترى حالي والناس، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني، قال: فذهبت إلى أهلي، وقدم رسول الله  المدينة وكنت في أهلي، فجعلت أتخبر الأخبار، وأسأل الناس حين قدم المدينة، حتى قدم نفر من أهل يثرب من أهل المدينة، فقلت: ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة؟ فقالوا: الناس إليه سراع، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك. فقدمت المدينة، فدخلت عليه فقلت: يا رسول الله، أتعرفني؟ قال: نعم أنت الذي لقيتني بمكة. قال: قلت بلى، فقلت: يا نبي الله أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة ..".
وفي الحديث دلالات وفوائد عدة:
منها: أن قول الصحابي" أخبرني عن الصلاة " دليل أنه لم يكن يصلي بل لم يكن يعلم شيئاً عن الصلاة، وهو ظل كذلك إلى ما بعد هجرة النبي  إلى المدينة، علماً أن الصلاة قد فرضت على المسلمين وهم في مكة قبل الهجرة.
لكن لعدم وصول الخبر إليه وعدم تمكنه من العلم بما جاء في الصلاة، كان معذوراً ولم يلق من الرسول  تعنيفاً على تقصيره فيما لم يستطع فعله، بل رحب به وعلمه.
ومنها: أن عجز الصحابي عن العمل وعن الهجرة، وعن مناصرة الدعوة في أيامها الأولى، لم يكن مانعاً ولا سبباً لتقصيره فيما يستطيع القيام به، كاعتناقه الإسلام وتصديقه للنبي  فيما جاء به عن ربه وأخبر .. لذا رأيناه قد أتى بالإيمان والانقياد وهو ما استطاعه .. ولم يأتِ بما عجز عنه من العمل!
ومنها: بيان حرص الصحابي على طلب العلم ومعرفة ما جاء به النبي  عن ربه منذ اللحظة الأولى من تمكنه من الطلب، واحتكاكه بالنبي ، فقال: " أخبرني عما علمك الله وأجهله "، وهذه صفة الجاهل الذي يعذر بجهله، أما إن كان جاهلاً ولا يحرص على طلب العلم وينشغل عنه لأتفه الأسباب الدنيوية، بل ويعرض عن مجالس العلم والذكر رغم توفرها، وسهولة طلبها.. فهذا أنى له أن يعذر بالجهل، وهو ممن يصح فيهم قوله تعالى: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ لأنفال:23.
ومنها: بيان القدر الذي به تقوم الحجة على الكافر، فالرسول  قد أقام الحجة على الرجل بقوله :" أنا نبي .. أرسلني الله .. أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحَّد الله لا يُشرك به شيء ". وهذا القدر يكفي لقيام الحجة .. فما كان من الرجل إلا أن قال له: إني متبعك ..!
وعليه نقول: أيما كافر وفي أرض كان يعيش يصله هذا القدر من العلم النبوي بلغة يفهمها، فقد قامت عليه حجة الرسل، ووجب عليه الإيمان والتصديق، والاتباع .. فإن قابل ذلك بالجحود والرد والعناد إلى أن مات على ذلك، فقد حق عليه العذاب وهو في جهنم وبئس المصير.
وقول ـ البعض ممن يتوسعون فيما لا ينبغي وبغير علم ولا دليل ـ: إن من مستلزمات قيام الحجة على الكافر وشروط صحتها، أن يُدفع ما عند الكافر من شبهات حول الإسلام ، وأن يبين له ـ على وجه التفصيل ـ خطأ ما هو عليه من كفر وضلال، وأن يُناقش ويُجادل ويُقام من أجل ذلك الندوات والحلقات .. ومن ثم يتم ترغيبه باعتناق الإسلام .. وغير ذلك من الأقوال الساقطة التي ما أنزل الله بها من سلطان!
وعليه أقول: هذا القول باطل وغير صحيح، وهو مخالف للسنة الصحيحة، والأدلة الآنفة الذكر، وهو قول محدث لم يقل به أحد من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان.
ولكن الذي يمكن قوله: إن دحض حجج الكفار وبيان زيفها وبطلانها، وترغيبهم بالإسلام وغير ذلك، هو من تمام الدعوة وهو أمر محمود ومطلوب شرعاً، إلا أنه يعتبر فوق الحد الذي به تقوم الحجة على الكافر .. والتي يُعذب رادها وجاحدها!
ثم إن هذا الكافر لو آمن إيماناً إجمالياً بما بلغه من علم النبوة ونطق بالشهادتين فهو بذلك أصبح مسلماً له حكم الإسلام وحصانته، يجب عليه ـ مباشرة ـ أن يتحرك ويبذل قصارى جهده واستطاعته في معرفة ما يجب عليه أن يعرفه من عقائد الإسلام على وجه التفصيل .. وما أمر الله به ليلتزمه، وما نهي عنه لينتهي عنه.
والمقصر في هذا الجانب ـ في بذل جهد يستطيعه ـ يعتبر آثماً وهو غير معذور بالجهل ..!
ـ تنبيه: من شروط صحة قيام الحجة، أن تصل الحجة المحجوج أو المخالف بلغة يفهمها حتى يفهم مدلولات الحجة وما هو المراد منها.
فلو قيل بالعربية لأعجمي لا يفقه شيئاً من العربية: آمن أنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأن القرآن كلام الله، وأن البعث والنشور حق .. فهو لا يدرك ولا يفهم ماذا يُطلب منه، ومثله مثل الأصم الذي لا يسمع، ومن كان كذلك لا يسقط عنه العذر بالجهل، ولا يصح أن يقال قد أقيمت عليه الحجة؛ لأننا بعملنا هذا لم نوجد عنده الاستطاعة على فهم الحجة مما قيل له .. ولم ننفي عنه بذلك فيما هو فيه من العجز عن إدراك مراد الشارع وما قيل له .. وإذا عدمت الاستطاعة وتحقق العجز ـ كما تقدم بيان ذلك ـ رُفع التكليف، وسقطت المؤاخذة.
وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: إن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد تقوم حجة الله على الكفار في زمان دون زمان وفي بقعة وناحية دون أخرى، كما أنها تقوم على شخص دون آخر؛ إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون، وإما لعدم فهمه كالذي لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له[ ]. فهذا بمنزلة الأصم الذي لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم في حديث الأسود وأبي هريرة وغيرهما [ ].
ـ قيام الحجة غير فقهها والتزامها.
ليس من شروط قيام الحجة فقهها أو التزامها، إذ يكفي لقيام الحجة على المحجوج أن تصله بلغة يفهم مدلولات الخطاب وما يراد منه، سواء عقل الخطاب وفقهه والتزمه أو أنه لم يعقله ولم يفقهه .. إذ يوجد فرق بين فهـم
الخطاب وبين فقه والتزام الخطاب.
حيث أن الكافر ـ الذي كتب الله عليه العمى ـ وإن كان له قلب، وسمع وبصر إلا أنه لا يستفد منها في معرفة وفقه حجج الله عليه، فهو إن مر عليها يمر كالأصم الأبكم الذي لا يعقل شيئاً .. فهو وإن كان له قلب إلا أنه مقفل لا يفقه من الحق شيئاً.
وكذلك بصره فإن عليه غشاوة الباطل لا يبصر فيه من الحق شيئاً، فهو لو رأى يرى ظاهر الأشياء من دون أن يهتدي إلى حقيقتها والغاية منها. وكذلك سمعه فهو إن سمع يسمع أصواتاً وحروفاً يفهم مدلولاتها اللغوية، من دون أن يفقه ما يُراد منها، وما يجب عليه نحوها .. كالأنعام بل أضل سبيلا.
ومن كان كذلك لا يصح أن يقال أن الحجة لم تقم عليه، وهو معذور بالجهل إلى أن يفقه حقيقة الخطاب وحقيقة ما يراد منه من قيام حجج الله البيانات عليه.
قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا الأنعام:25.
قال ابن جرير في التفسير: يقول: من يستمع القرآن منك، ويستمع ما تدعوه إليه من توحيد ربك وأمره ونهيه، ولا يفقه ما تقول ولا يوعيه قلبه، ولا يتدبره ولا يصغي له سمعه ليتفقه، فيفهم حجج الله عليه في تنزيله الذي أنزله عليك، إنما يسمع صوتك وقراءتك وكلامك ولا يعقل عنك ما تقول، لأن الله قد جعل على قلبه أكنه ـ أغطية ـ وجعل في آذانهم ثقلاً وصمماً عن فهم ما تتلوا عليهم، والإصغاء لما تدعوهم إليه.
وعن قتادة قال: يسمعون بآذانهم ولا يعون منه شيئاً كمثل البهيمة التي
تسمع النداء ولا تدري ما يقال لها[ ].
قال تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍالأنعام:39.
وقال:  وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَالأنفال:22.
وقال: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَالأعراف:179.
قال ابن كثير: يعني ليس ينتفعون بشيء من هذا الجوارح التي جعلها الله سبباً للهدايا، كما قال تعالى:  وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ الأحقاف:26.
وقوله: ألئك كالأنعام أي هؤلاء الذين لا يسمعون الحق ولا يعونه ولا يبصرون الهدى كالأنعام السارحة التي لا تنتفع بهذه الحواس منها إلا في الذي يُقيتها من ظاهر الحياة الدنيا، كقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَالبقرة:171. أي ومثلهم في حال دعائهم إلى الإيمان كمثل الأنعام إذا دعاها راعيها لا تسمع إلا صوته ولا تفقه ما يقول، ولهذا قال في هؤلاء  بل هم أضل  أي من الدواب لأنها قد تستجيب مع ذلك لراعيها إذا أبس بها، وإن لم تفقه كلامه بخلاف هؤلاء، ولأنها تفعل ما خلقت له إما بطبعها وإما بتسخيرها بخلاف الكافر فإنه إنما خلق ليعبد الله ويوحده، فكفر بالله وأشرك به[ ].
وقال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ يونس:42-43.
قال ابن جرير في التفسير 11/119: يقول لنبيه ، كما أنك لا تقدر أن تسمع يا محمد من سلبته السمع، فكذلك لا تقدر أن تفهم أمري ونهي قلباً سلبته فهم ذلك، لأني ختمت عليه أنه لا يؤمن ا- هـ.
وقال تعالى: قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍهود:91.
فرغم أن النبي شعيب كان يخاطب قومه بلغتهم التي يفهمونها، ويقيم عليه الحجة تلو الحجة، إلا أنهم كانوا لا يفقهون ولا يعلمون حقيقة كثير مما كان يخبرهم به. لأن الكافر ليس له العقل الذي يمكنه من معرفة الأشياء على حقيقتها، كما قال تعالى عنهم: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ الملك:10. قال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله، أو لو كنا نسمع من يعي ويفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر.
قال القرطبي في الجامع 17/73: ودل على أن الكافر لم يعط من العقل
شيئاً ا- هـ.
وفي قوله تعالى : أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَالطور:32.قال القرطبي : قيل أحلامهم  أي أذهانهم ، لأن العقل لا يعطى للكافر ولو كان له عقل لآمن، وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة، والذهن يقبل العلم جملة، والعقل يميز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي.
وروي عن النبي ، أن رجلاً قال:يا رسول الله،ما أعقل فلاناً النصراني. فقال: مه إن الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِالملك:10.
وفي حديث ابن عمر: فزجره النبي  ، ثم قال : مه، فإن العاقل من يعمل بطاعة الله [ ].
قال الألوسي في التفسير 1/154: وفي التأويلات لعلم الهدى: فإن الله تعالى أخبر أن ما صنعوا من النفاق إفساد منهم مع عدم العلم [ ] فلو كان حقيقة العلم شرطاً للتكليف ولا علم لهم به لم يكن فعلهم إفساداً. فحيث كان إفساداً دل على أن التكليف يعتمد قيام آلة العلم والتمكن من المعرفة لا حقيقة المعرفة، فيكون حجة عليهم ا- هـ.
وقال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فإن حجة الله هو القرآن الكريم فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لا تفرقون بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاًالفرقان:44.
إلى أن قال: فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر ، بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله: وجعلنا على قلوبهم أكنةً أن يفقهوه[ ].
فدل ذلك على أن " الفهم " الذي به تقوم الحجة هو فهم الخطاب، من حيث دلالاته اللغوية، وخلوه مما يمنع من ذلك .. لا الفهم لحقيقة الخطاب الذي يؤدي بصاحبه إلى الالتزام والاقتناع، إذ لا سبيل إلى ذلك إلا ما شاء الله له الهداية وشرح صدره للإسلام.


ـ صفة قيام الحجة على الكافر.
المراد بصفة قيام الحجة، الوسيلة التي من خلالها تقوم الحجة على الجاهل الكافر، وعليه نقول: أيما وسيلة يندفع بها جهل الكافر وتُحقق عنده العلم الإجمالي بنبوة محمد  وبالدعوة التي جاء بها فهي وسيلة صحيحة ومعتبرة شرعاً في قيام الحجة؛ لأن العبرة من قيام الحجة ليست ذات الوسيلة أو الأدات التي من خلالها تقوم الحجة، وإنما العبرة في إيجاد المقدرة أو الاستطاعة عند المخالف المحجوج على العلم بالقدر الذي يندفع به جهله وعذره.
فالحجة قد تقوم بواسطة مسلم التقى ساعة من عمره مع الكافر الجاهل، عرفه فيها على الإسلام وعقيدته، ولا يشترط لهذا المسلم أن يكون من حملة الشهادات العليا في الشريعة أو من العلماء البارزين، وإنما يشترط فيه أن يكون عالما بالحجة التي يقيمها على الجاهل، لأن فاقد الشيء لا يمكن يعطيه[ ].
وقد تقوم بواسطة المذياع، وكذلك التلفاز، والإنترنت وغيرها من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة .. والمنتشرة في كل مكان.
ومنها أيضاً الوسائل المقروءة، كالكتب الدينية، أو المجلات الإسلامية، أو الصحف اليومية، وأهمها وأعظمها بلوغ نسخ من القرآن الكريم ليد الكافر الجاهل، شريطة أن يعلم أنه القرآن الكريم الذي أنزل على محمد بن عبد الله [ ]، وغير ذلك من الوسائل التي يمكن من خلالها أن يتحقق العلم بالدعوة الإسلامية عند الآخرين.
ولكثرة هذه الوسائل وسعة انتشارها، لم يعد الجهل بالدين مشكلة يعتذر بها الناس .. وبخاصة من كان كفرهم أصلياً[ ].
وقول القائل: أن الحجة لا يُقيمها على المخالفين إلا العلماء العارفون .. هو قول باطل وحصر يعوزه الدليل .. بل الدليل دل على أن الحجة يمكن أن تقوم على المخالفين بالعلماء .. وبمن ليسوا بعلماء ..!
يقول الشيخ سعيد حوى رحمه الله: فما من إنسان إلا وقد سمع عن الإسلام ورسوله بواسطة المذياع أو التلفاز أو الكتاب أو المجلة أو المحاضرات أو الدعوة المباشرة أو الخلطة لمسلم.
وكان شيخنا الحامد ـ رحمه الله ـ يرى أن الحجة في عصرنا قد قامت على كل إنسان بما شاع واستفاض عن بعثة محمد ، مما يوجب على الإنسان البحث والسؤال، فإذا لم يفعل فهو المقصر[ ].
أقول: كلام الشيخ يحمل على العموم، لكثرة الوسائل الإعلامية، ولسعة انتشار الخبر عن بعثة نبينا محمد .
أمّا أن يجزم أنه لا يوجد في هذا الزمان كافر بعينه يُعذر بالجهل .. أو يُجرى عليه وصف وحكم أهل الفترة .. فهذا أمر لا يصح الإقدام عليه لأنه لا علم لنا به وليس بوسعنا الإحاطة أو الجزم به..!

يتبع

اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:01 am

المسلم الجاهل.
ليس كل ما قيل في الكافر الجاهل يصح أن يقال في المسلم الجاهل، لاختلاف صفة وحال كل منهما عن الآخر؛ فالأول كافر جاهل بالتوحيد ولم يسمع بدين الرسل قط، والآخر موحد ناطق لشهادة التوحيد مؤمن بما جاءت به الرسل ولو على وجه الإجمال.
وعليه لا يصح أن نحمل أحاديث أهل الفترة التي قيلت بخصوص الكافر الجاهل الذي لم يسمع بدعوة الرسل قط،على المسلم الذي أقر بالتوحيد وبالرسالة، وسمع بدعوة الأنبياء والرسل.
لذا فحديثنا عن المسلم الجاهل، والحالات التي يعذر فيها بالجهل، والقدر الذي به تقوم الحجة عليه، وصفة قيامها .. يختلف بعض الشيء عما قلناه في الكافر الجاهل، وهذا ما سنبينه في الأسطر التالية إن شاء الله.
ـ خطورة تكفير المسلم:
قبل الحديث عن عذر المسلم بجهله، وبيان الحالات التي يعذر بها، لا بد من أن نبين خطورة الإقدام على تكفير المسلم من دون بينة ظاهرة تدل على كفره، وما يترتب على ذلك من مزالق عقدية لا يحمد عقابها.
وإذا كان عدم تكفير الكافر ـ الظاهر كفره ـ هو خطأ ومزلق عقدي ينقض الإيمان، فإن الإقدام على تكفير المسلم كذلك يعتبر خطأ ومزلقاً عقدياً لا تُحمد عقباه ..!
وقد تُقرر أن الخطأ في تكفير المسلم أشد خطراً على صاحبه من الخطأ في عدم تكفير الكافر، وذلك من أوجه:
منها: أن تكفير المسلم يتضمن تكذيب الله ورسوله، ورد النصوص الشرعية من الكتاب والسنة؛ وذلك أن الشارع الحكيم يصف ذاك المسلم بصفة الإسلام، ويحكم له ما للمسلمين من حرمة وحقوق .. ويأبى المكفِّر له إلا أن يصفه بالكفر ويحكم عليه بالخروج من دائرة الإسلام .. وهو بذلك مثله مثل من يرد حكم الله تعالى فيحرم ما أحل الله، ويحلل ما حرم الله .. انتصارا لهواه ونفسه .. وهذا لا شك فيه أنه كفر.
ومنها: أن تكفير المسلم ورميه بالكفر والإلحاد ونحو ذلك .. يتضمن اعتبار الإسلام الذي يعتقده والذي به صار مسلماً .. كفراً، والإيمان الذي يعتقده وصار به مؤمناً إلحاداً .. علماً أن الشارع يعتبره مسلماًً ومؤمناً له ما للمسلمين والمؤمنين وعليه ما عليهم .. فتكفير المسلم من هذا الوجه كذلك يُعتبر كفراً ومروقاً لوصف الإسلام والإيمان بالكفر ..!
ومنها: أن تكفير المسلم، ورميه بالكفر كقتله لما يترتب على التكفير من تبعات جسام، وهدر لجميع حرماته وحقوقه التي صانها وحفظها له الإسلام.
لذا نجد أن النصوص الشرعية قد نصت على تكفير من كفر مسلماً، وان تكفير المسلم كقتله، كما في صحيح مسلم وغيره، قال رسول الله :" إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما".
وقال :" أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال وإلا رجعت " أي إن لم يكن في حكمه على الآخرصائباً ومحقاً رجع تكفيره على نفسه.
وقال:" كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه "[ ].
وتكفيره بغير حق انتهاك لجميع هذه الحرمات.
وقال:" من قال في مؤمن ما ليس فيه، حُبس في ردغة الخبال، حتى يأتي بالمخرج مما قال "[ ].
وأي قول أغلظ وأشد من أن يُشار إلى المسلم ـ بغير حق ـ بالكفر والخروج من الدين، الذي يعني ذلك بالنسبة للمُكفَّر قتله وهدر لجميع حرماته وحقوقه..؟!
كما في قوله :" إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فهو كقتله، ولعن المؤمن كقتله"[ ].
فالحذر الحذر ـ يا أخوة الإسلام ـ من التسرع وقلة الورع في تكفير عباد الله المسلمين.
ومنها: أن الخطأ في عدم تكفير الكافر يعتبر خطأ في حق الله دون العبد؛ من جهة كونه لم يُصب حكم الله فيه .. بينما الخطأ في تكفير المسلم خطآن: خطأ بحق الله تعالى، وخطأ بحق العبد، والأول خطؤه ـ إن كان عن اجتهاد وتأويل ـ قد يغفره الله له، بينما الآخر ولو غُفر له خطؤه المتعلق بحق الله تعالى، يبقى حق العبد عليه إلى أن يقتص الله من الظالم للمظلوم، هذا إن وجد الظالم مخرجاً مما قال في أخيه المسلم بغير حق.
كما في الحديث:" الظلم ثلاثة، فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه، فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك ،قال تعالى: إن الشرك لظلم عظيم . وأما الظلم الذي يغفره فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضاً حتى يدبر لبعضهم من بعض"[ ].
لأجل ذلك احتاط أهل العلم أشد الاحتياط في إصدار الحكم بالكفر على المسلم المعين، حيث إن كان كفره يُحتمل من تسع وتسعين وجهاً، ووجه واحد يصرف عنه حكم الكفر، تراهم كانوا يأخذون بالوجه الواحد ـ الغير مكفر ـ احتياطاً لدينهم، وصوناً لحرمات ذلك المعين.
وكذلك لو حصل التردد أو الظن في تكفير شخص بعينه كانوا يتوقفون عن تكفيره، طلباً لليقين والسلامة معاً .. وهذا ـ مما لا شك فيه ـ هو المذهب الحق الذي لا نرى غيره لتضافر الأدلة الدالة عليه، وتواصل عمل السلف به وذلك أن الإسلام الصريح لا ينقضه إلا الكفر البواح الصريح الذي لا يحتمل وجها آخر غير الكفر، كما في الحديث الصحيح:" إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان". وهذا في شأن الخروج على الحكام.
قال الخطابي: معنى قوله بواحاً، يريد ظاهراً بادياً من باح بالشيء يبوح به بواحاً، وإذا أذاعه وأظهره.
وفي قوله :" عندكم من الله فيه برهان " قال ابن حجر : أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل[ ].
وفي " الهندية": إذا كان في المسألة وجوه توجب الكفر ووجه واحد يمنع فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه، إلا إذا صرح بإرادة توجب الكفر، فـلا
ينفعه التأويل حينئذ[ ].
وقال الغزالي في فيصل التفرقة: ولا ينبغي أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغي أن لا يدرك قطعاً في كل مقام، بل التكفير حكم شرعي، يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم، والحكم بالخلود في النار، فمأخذه كمأخذ سائر الأحكام الشرعية، فتارة يُدرك بيقين وتارة بظن غالب، وتارة بتردد فيه، ومهما حصل تردد فالوقف فيه عن التكفير أولى[ ].
وقال ابن حجر في الفتح 12/314: قال الغزالي: ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإنَّ استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافرٍ في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلمٍ واحد ا- هـ.
أما الغلو في الدين، وتكفير من لا يصح تكفيره من المسلمين، والاستهانة بمحرمات الناس وحقوقهم .. فإن ذلك من أخلاق وصفات الخوارج المارقين الغلاة الذين توعدهم الإسلام في الدنيا بالقتل .. وفي الآخرة بسوء العذاب الأليم.
ذكر البخاري رحمه الله في صحيحه، تحت باب: قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم طائفة من الأحاديث منها، قوله :" سيخرج قوم آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ".
وفي الصحيح كذلك عن ابن عمر أنه كان يقول: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين!!
ومن صفاتهم أيضاً قوله  فيهم:" يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصومه مع صومهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية " متفق عليه.
أي من كثرة ما يصلون ويصومون، يرى المسلم صلاته وصومه ليس شيئا قياساً إلى صلاتهم وصيامهم .. وهذا مما يرهب كثيراً من عوام المسلمين إذ كيف يُقدمون على قتال من كانت هذه هي صفاتهم!!
وقال :"سيكون بعدي من أمتي قوم يقرؤون القرآن، لايجاوز حلوقهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شرار الخلق والخليفة"[ ].
وقال :" الخوارج كلاب أهل النار"[ ].
كل ذلك بسبب غلوهم وتنطعهم في الدين، وتكفيرهم ـ بالذنوب والمعاصي التي هي دون الكفر ـ من لا يجوز تكفيره من المسلمين .. وإعمالهم للسيف في رقاب أبناء الأمة بغير وجه حق!
أعاذنا الله منهم ومن طريقتهم، وأخلاقهم .. ومن أن نكثر سوادهم بقول أو فعل .. وجعلنا ممن يتمسكون بالكتاب والسنة، وعلى منهج وغرس السلف الصالح بإذن الله.

* * *
ـ الحالات التي يعذر بها المسلم بالجهل:
ذكرنا من قبل أن تكفير المطلق لا يستلزم دائماً تكفير المعين، وكون القول أو الفعل كفراً، لا يستلزم دائماً أن يكون صاحبه كافراً لاحتمال وجود موانع التكفير وانتفاء مستلزماته.
ومن موانع تكفير المعين، تلك الحالات التي يعذر بها المسلم بالجهل وهي:
أولاً: حداثة عهده بالكفر:
فمن كان حديث عهد بكفر فهو حديث عهد بإسلام، وبالتالي من كان كذلك فهو لا يستطيع أن يعلم في الأيام الأولى من إسلامه جميع ما أمر به الإسلام أو نهى عنه.
ومن انتفت عنه الاستطاعة يرفع عنه التكليف إلى حين وجود الاستطاعة ـ كما تقدم ـ ومن كان كذلك لو وقع في ناقضة من نواقص الإسلام بسبب جهله بالخطاب الشرعي .. فهو معذور بالجهل إلى أن تقوم عليه الحجة من جهة نذارة الرسل.
كما قال تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ النساء:165.
فإن جحد الحجة بعد بلوغها إليه، حينئذٍ يحكم عليه بالكفر والردة، أما قبل قيام الحجة الشرعية عليه لا يجوز الإقدام على تكفيره .. أو تكفير من كانت هذه صفته، وإن كان فعله كفراً.
كما في الحديث عن أبي واقد الليثي، أن رسول الله  لما خرج إلى حنين مر بشجرة للمشركين يقال لها: ذات أنواط، يعقلون عليها أسلحتهم، قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط فقال النبي :" سبحان الله هذا كما قال قوم موسى  اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. والذي نفسي بيده لتركبن سنة من كان قبلكم "[ ].
وفي رواية:" خرجنا مع رسول الله  إلى حنين، ونحن حديثو عهد بكفر، وكانوا أسلموا يوم قتح مكة، قال: فمررنا بشجرة فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، وكان للكفار سدرة يعكفون حولها، ويعلقون بها أسلحتهم يدعونها ذات أنواط، فلما قلنا ذلك للنبي  قال:" الله أكبر قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة ، قال: إنكم قوم تجهلون، لتركبن سنن من كان قبلكم ".
فقوله " كانوا أسلموا يوم فتح مكة " يفيد أن الذين قالوا للنبي :" اجعل لنا ذات أنواط .." لم يمض على إسلامهم سوى أيام معدودات لأن فتح مكة كان في رمضان لثلاث عشرة ليلة بقين منه، وكان غزو النبي  لهوازن يوم حنين بعد الفتح في الخامس من شوال .. أي أن بين فتح مكة وغزوة حنين خمسة عشر يوماً فقط ـ على الراجح من أقوال السلف والمؤرخين ـ وكان إسلام هؤلاء بين وخلال هذه الأيام فقط .. ومن كان كذلك لا يُستبعد عنه أن يصدر منه تلك المقولة التي قالوها للنبي  عن ذات أنواط بدافع الجهل لحداثة عهدهم بالكفر.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب:"ونحن حدثاء عهد بكفر"؛ أي قريبو عهد بكفر، ففيه دليل أن غيرهم لا يجهل هذا، وان المنتقل من الباطل الذي اعتاده قلبه لا يأمن أن يكون في قلبه بقية من تلك العادات الباطلة ا- هـ.
وقال الشيخ محمد حامد الفقي: ليس ما طلبوه من الشرك الأصغر، ولو كان منه لما جعله النبي  نظير قول بني إسرائيل  اجعل لنا إلهاً  وأقسم على ذلك، بل هو من الشرك الأكبر كما أن ما طلبه بنو إسرائيل من الأكبر، وإنما لم يكفروا بطلبهم لأنهم حدثاء عهد بالإسلام، ولأنهم لم يفعلوا ما طالبوه ولم يقدموا عليه، بل سألوا النبي  ..[ ].
لذلك نجد أن الرسول  قد عنف عليهم مقولتهم الشركية من دون أن يشير إلى ذواتهم بالكفر.
قال الشيخ بن عبد الوهاب رحمه الله: للمشركين شبهة يدلون بها عند هذه القص، وهي أنهم يقولون: إن بني إسرائيل لم يكفروا بذلك، وكذلك الذين قالوا للنبي : اجعل لنا ذات أنواط لم يكفروا ؟!
فالجواب: أن نقول إن بني إسرائيل لم يفعلوا ذلك، وكذلك الذين سألوا النبي  لم يفعلوا ذلك. ولا خلاف أن بني إسرائيل لو فعلوا ذلك لكفروا، وكذلك لا خلاف في أن الذين نهاهم النبي  لو لم يطيعوه واتخذوا ذات أنواط بعد نهيه لكفروا، وهذا هو المطلوب.
وتفيد ـ هذه القصة ـ أن المسلم إذا تكلم بكلام كفر وهو لا يدري فنُبه على ذلك فتاب من ساعته أنه لا يكفر، كما فعل بنو إسرائيل، والذين سألوا النبي  [ ].
وتفيد أيضاً أن إظهار الكفر قبل بلوغ الحجة يختلف عن إظهاره بعد بلوغ الحجة، فالأول معذور بالجهل بينما الآخر غير معذور.
قال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى 20/60-61: إن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يُلقن جميع شرائعه ويؤمر بها كلها، وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم، فإنه لا يطبق ذلك وإذا لم يطقه لم يكن واجباً عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجباً لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر و النهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان كما عفا النبي  عما عفا عنه إلى وقت بيانه، ولا يكون ذلك من باب إقرار المحرمات وترك الأمر بالواجبات، لأن الوجوب والتحريم مشروط بإمكان العلم والعمل، وقد فرضنا انتفاء هذا بإمكان الشرط.
ومن هنا يتبين سقوط كثير من الأشياء وإن كانت واجبة أو محرمة في الأصل لعدم إمكان البلاغ الذي تقوم به حجة الله في الوجوب أو التحريم، فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل ا- هـ.
ثانياً: وجوده في منطقة نائية يتعذر وصول العلم إليها:
مما يعذر به المسلم بالجهل كذلك وجوده في منطقة نائية عن العلم، فلا العلم يصله ولا هو يستطيع أن يرحل إلى أماكن وجود العلم الشرعي لطلبه. ومثل هذا لو وقع في الكفر ـ وهو يجهل أن فعله كفر مخالف للشريعة ـ فإنه يعذر بالجهل إلى أن تقوم عليه الحجة النبوية من جهة نذارة الرسل .. ويبلغه الخطاب الشرعي فيما قد خالف فيه.
أما إن كان يستطيع أن يرحل إلى الأماكن التي تتوفر فيها العلوم الشرعية وحلقات طلب العلم ـ ولم يوجد عائق معتبر شرعاً يكرهه على البقاء أو يخافه على نفسه وأهله ـ ومع ذلك لا يفعل ولا يتحرك له ساكن إيثاراً للدنيا ومتاعها، ومشاغلها .. حيث تراه لا يهتم لحال كونه جاهلاً، بل الجهل والعلم عنده سيان!
ومن كان كذلك لا يعذره جهله ـ وإن كان مقيماً في منطقة نائية عن طلب العلم ـ لتوفر الاستطاعة والمقدرة عنده على دفع جهله وعلى طلب العلم، والمرء ـ كما ذكرنا آنفاً ـ مطالب أن يتحرك نحو دينه وعبادة ربه قدر استطاعته، لقوله تعالى:  فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم . وقوله  لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا. فتقصيره فيما يجب عليه وهو يستطيعه، لا يعذر بتركه أو جهله، وهو محاسب عليه.
وقال تعالى:  يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ العنكبوت:56. فهذا نص في أن حركة الإنسان في الأرض يجب أن تراعي الغاية الأساسية من وجوده، وهي عبادة الله وحده .. كما قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِالذاريات:56.
وعليه فأي بقعة من الأرض تتحقق فيها سلامة العباد والدين أكثر من غيرها من الأماكن، وجب على المسلم أن يشد إليها الرحال ويتخذها لنفسه وأهله مسكناً وموطناً، وبخاصة في الأزمنة التي تتفشى فيها الفتن، ويكثر الهرج، وتنتهك فيها حرمات الدين من دون خوف أو وجل من الله تعالى[ ].
وفي هذا يقول ابن حزم رحمه الله: من بلغه ذكر النبي ، وما جاء به، ثم لا يجد في بلاده من يخبر عنه، ففرض عليه الخروج عنها إلى بلاد يستبرئ فيها الحقائق، ولولا إخباره  أنه لا نبي بعده، للزمنا ذلك في كل من نسمع عنه أنه ادعى النبوة، ولكنا قد أمنا والحمد لله.
وكل من كان منا في بادية لا يجد فيها من يعلمه شرائع دينه، ففرض على جميعهم، من رجل أو امرأة أن يرحلوا إلى مكان يجدون فيه فقيهاً يعلمهم دينهم أو أن يُرحلوا إلى أنفسهم فقيها يعلمهم أمور دينهم وإن كان الإمام يعلم ذلك فليرحل إليهم فقيها يعلمهم[ ].
ثالثاً: التأويل الخاطئ للنصوص:
أيضاً مما يعذر به المرء الفهم الخاطئ للنص، فيتأوله ـ ظاناً أنه قد أصاب مراد الشارع ـ تأويلاً خاطئاً بعيداً عن الصواب وناقضاً لمدلولاته.
وغالباً يحصل مثل هذا التأويل الخاطئ في الأمور الخفيفة، والصعبة من جهة الإعراب وغير ذلك، ويكون العلم فيها غير ظاهر أو معروف بين عامة الناس .. أو بسبب أن النص يحتمل أكثر من فهم وتفسير .. أو بسبب تقديم المتشابه على المحكم .. ومن كان كذلك وإن كان تأويله كفراً إلا أنه لا يكفر بعينه حتى تقام عليه الحجة الرسالية ويُستتاب، فإن أبى التوبة والرجوع إلى الحق يقتل مرتداً، وليس بعد الاستتابة مذهب.
كما حصل مع الصحابي قدامة بن مظعون ونفر معه، حيث أباحوا لأنفسهم الخمر وقالوا هي حلال، متأولين بذلك قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواالمائدة:93. فاستشار عمر  الناس في أمرهم فقالوا: يا أمير المؤمنين نرى أنهم كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله فاضرب أعناقهم، وعلي  ساكت، فقال: ما تقول يا أبا الحسن فيهم ؟ فقال: أرى أن تستتيبهم[ ]، فإن تابوا ضربتهم ثمانين ثمانين لشربهم الخمر، و إن لم يتوبوا ضربت أعناقهم. قد كذبوا على الله وشرعوا في دينهم ما لم يأذن به الله، فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين [ ].
قال ابن تيميه رحمه الله في الفتاوى 11/403 : فإن قدامة، شربها هو وطائفة، وتأولوا قوله تعالى:  لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ . فلما ذكر ذلك لعمر بن الخطاب اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جلدوا، وإن أصروا على استحلاها قتلوا. وقال عمر لقدامة: أخطأت أستك الحفرة ، أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرم الخمر وكان تحريمها بعد وقعة أحد، قال بعض الصحابة: فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فأنزل الله هذه الآية يبين فيها أن طعم الشيء في الحال التي لم تحرم فيها لا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين الصالحين ا- هـ.
وكذلك ما حصل للصحابي عدي بن حاتم عندما تأول قوله تعالى:  وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ البقرة:187. ففتل في رجله خيطين أسود وأبيض ، وهو لا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود، إلى أن بين له رسول الله ، فقال:" إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل ".
ولم يعنفه  على تأويله الخاطئ .. وما طلب منه أن يعيد صومه، علماً أن سحوره كان يمتد به إلى ما بعد ظهور الفجر!!
أما من كان تأويله الخاطئ من نوع لا يحتمله النص من أي وجه من الوجوه، وكذلك لا تحتمله معاني اللغة .. ولا معاني الشريعة؛ كتأويلات الباطنية الغلاة: حيث أولوا الصلوات الخمس إلى خمسة أسماء يقولونها: علي، وحسن، وحسين، ومحسن، وفاطمة.
وصيام رمضان قالوا: هو كتمان أسرارهم .. وأسرار شيوخهم وطائفتهم وعقيدتهم ..!
وحج بيت الله الحرام: قالوا المراد به زيارة شيوخهم ومزاراتهم ..!!
فهذا النوع من التأويل كفر وزندقة لا تحتمله معاني الشريعة .. ولا المعاني اللغوية للنصوص .. لا يعذر صاحبه بالجهل أو التأويل بأي حال، بل يوقعه في الكفر والزندقة ولا بد ..!
فإن قيل: ما حدود التأويل المستساغ .. ومتى يرقى التأويل بصاحبه إلى درجة الكفر والمروق ..؟
أقول: لا يوجد حد ثابت للتأويل المستساغ بحيث يمكننا من القول بأن كل من خرج عن هذا الحد فتأويله غير مستساغ .. ولا يمنع عنه لحوق الوعيد والتكفير .. وكل من كان داخل هذا الحد فتأويله مستساغ ومقبول!
فما كان تأويله مستساغاً لشخص قد لا يكون مستساغاً لشخص آخر بحكم ما لدى كل واحدٍ منهما من العلم .. أو الشبهات أو الاعتراضات المحتملة .. وبحسب المسألة وما يكتنفها من غموض أو إشكالات .. فقد تكون معلومة لشخص فلا يُعذر بالتأويل .. ومجهولة لشخص فيعذر بالتأويل ..!
ولكن يمكن القول أن التأويل المعتبر له ـ في الغالب ـ قرائن تدل عليه: كأن يكون التأويل الخاطئ محتملاً من حيث الدلالات اللغوية للخطاب .. ومن حيث انسجامه مع كليات وأصول الشريعة .. أو أن يكون معتمداً في تأويله على نصوص مرجوحة أو منسوخة لا يعرف النصوص الراجحة أو الناسخة .. أو عامة لا يعرف مخصصها .. أو مطلقة لا يعرف مقيدها .. فالتأويل الخاطئ المحفوف بمثل هذه القرائن في الغالب يكون تأويلاً مستساغاً وصارفاً للكفر عن المرء لو وقع في الكفر بسببه .. ويقوي ذلك ويُضعفه القرائن المحيطة بالمتأول ذاته .. هل الأصل فيه تتبع المتشابهات وتقديمها على المحكمات .. وهل يُعرف عنه شيء من تأويلات الزنادقة الغلاة أم لا .. وهل يُعرف عنه تحكيم العقل على النقل .. وهل يُشتهر عنه أنه من أهل البدع والأهواء .. أم أن أصوله سنية سلفية .. لكنه كبا وزلّ .. وأيهما أكثر صوابه أم خطؤه .. وهل خطأه مقصوداً لذاته أم هو من قبيل الاجتهاد الخاطئ .. هذه الأمور وغيرها كلها معتبرة عند تحديد المعذور بالتأويل من غيره ممن لا يُعذر ..!
والذي يريد أن يستشرف الحكم على الآخرين ممن يقعون في الكفر ورد النصوص من جهة التأويل الخاطئ .. لا بد له من أن يكون محيطاً بكل ما تقدم من اعتبارات وقرائن .. والله تعالى أعلم!
كما يمكننا القول كذلك: أن من كان تأويله مؤداه إلى إبطال العمل بالأحكام الظاهرة للشريعة .. أو جحود الخالق  .. أو إبطال مقاصد الشريعة وغاياتها .. أو رد النصوص المحكمة وإبطال العمل بها .. فهذا النوع من التأويل
ـ وإن سُمي تأويلاً ـ كفر وزندقة .. لا يمكن أن يُدرج في خانة التأويل المستساغ أو المعتبر ..!
رابعاً: عدم بلوغه النص الشرعي:
دلت نصوص الشريعة أن الخطاب لا يلزم المرء إلا بعد بلوغه إياه؛ لأن إدراك مراد الشارع قبل بلوغ الخطاب متعذر، وهو شيء لا يقدر عليه الإنسان ولا يستطيعه، ومن كان كذلك يعذر بالجهل إلى أن يبلغه النص الذي به يُرفع جهله وعجزه فيما قد خالف فيه .. لأن العجز ـ كما أفدنا من قبل ـ يرفع عن صاحبه التكليف إلى حين توفر الاستطاعة ببلوغ النص إليه.
كما في حديث الذي يرويه ابن عباس، عندما أهدى رجل رسولَ الله  راوية خمر! فقال له النبي  :" هل علمت أن الله عز وجل حرمها "[ ].
فهذا الرجل عندما أهدى الرسول  راوية خمر، كان قطعاً يعتقد حلها بعد أن حرمها الله، لكن لعدم علمه بخطاب التحريم عذره الرسول  ولم يكفر لاستحلاله ما حرم الله وبين له أن الله  قد حرمها!
كذلك صلاة الصحابة في مسجد قباء واستقبالهم بيت المقدس بعد نزول الأمر باستقبال الكعبة، لكن لعدم علمهم بالأمر كانوا معذورين، حتى أتاهم رسول الرسول  وهم في صلاة الصبح فأخبرهم أن رسول الله  قد أُنزل عليه الليلة، وقد أُمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها. وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا ـ وهم ركوع ـ إلى الكعبة!
وكذلك قول الرجل للرسول : ما شاء الله وشئت. قال:" أجعلتني لله نداً بل قل ما شاء الله وحده" وفي رواية:" ما شاء الله ثم شئت ".
فهذا الرجل عندما قال مقولته الشركية تلك للرسول  كان قطعاً لا يعلم أن قوله هذا من الشرك ـ لذلك عُذر ـ إلى أن بين له الرسول  وعلمه .. ومن دون أن يُعنفه.
ومن تأمل سبب خلاف أهل العلم في الفتيا لأدرك أن السبب الرئيسي في ذلك هو بلوغ النص الشرعي لبعضهم دون البعض الآخر، وذلك بحكم تفرق الصحابة ـ الذين منهم يُتلقى العلم النبوي الشريف ـ في الأمصار للجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى الله تعالى.
لكن مما يجدر التنبيه له، أن من يجهل الخطاب الشرعي ـ القرآن والسنة ـ عن تقصير متعمد منه يستطيع دفعه وتفاديه، يختلف عمن يجهل الخطاب الشرعي عن عجز وعدم تقصير منه في بذل جهد يستطيعه .. فالأول لا يعذر بالجهل وإن ادعى أنه لم يبلغه الخطاب، وأما الآخر فهو معذور .. وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك.
ثم تأمل لو أن رجلاً يعيش في مجتمع قد استفاضت فيه العلوم الشرعية، وبخاصة ما هو معلوم من الدين بالضرورة، يستحل لنفسه الشرك، والربا والخمر والزنى .. ثم يعتذر بعد ذلك بأن الخطاب الذي يفيد تحريم هذه الفواحش والكبائر لم يصله، علماً أنه لو بذل أقل جهد يستطيعه لأدرك حرمة هذه الفواحش ولبلغه الخطاب في حرمتها ..!
أترى لمثل هذا ـ في دين الله تعالى ـ عذراً يعذره ..؟!
الجواب: لا .. إلا في دين ومذهب أهل التجهم والإرجاء الذين يرون الجهل عذراً على الإطلاق .. ومن دون قيد ولا شرط!!

ـ أقول بعض أهل العلم في بيان الحالات التي يعذر بها المسلم بالجهل:
أ ـ ابن تيميه:
قال رحمه الله: التكفير من الوعيد. فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة.
ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة. وقد يكون الرجل لم يسمع بتلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها، وإن كان مخطئاً، ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه أولم يعلم أن الخمر يحرم، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية، والصحيح الذي تدل عليه الأدلة الشرعية أن الخطاب لا يثبت في حق أحد قبل التمكن من سماعه، وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيراً مما يبعث الله به رسوله ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر. ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئاً من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول[ ].
ب ـ ابن حزم:
قال رحمه الله: الحدود فإنها تلزم من عرف أن الذي فعل حرام وسواء
علم أن فيه حداً أم لا، وهذا لا خلاف فيه، وأما من لم يعرف أن ما عمل حرام فلا حد عليه فيه، وبرهان ذلك قول الله تعالى: وأوحى إلى هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ. فإنما جعل الله تعالى وجوب الحجة ببلوغ النذارة إلى المرء، وقال تعالى: وأعرض عن الجاهلين. فأمر أن يهدر فعل الجاهل.
ومما يدل على أن الشرائع لا تلزم إلا من عرفها، ما صح عن النبي ، من أنه لم يزجر عدي بن حاتم عما تأوله في العاقلَين لكن علمه، وسقط اللوم عن عدي لأنه تأول جاهلاً، وأنه  لم يأمر معاوية بن الحكم بإعادة الصلاة إذ تكلم فيها عامداً، وكذلك ما نص من أهل قباء إلى بيت المقدس، وقد كان نسخ ذلك .. فصح كما أوردنا أنه لا نذارة بعد بلوغ الشريعة إلى المنذر، وأنه لا يكلف أحد ما ليس في وسعه، وليس في وسع أحد علم الغيب أن يعرف شريعة قبل أن تبلغ إليه، فصح يقينا أن من لم تبلغه الشريعة لم يكلفها[ ].
ج ـ محمد بن عبد الوهاب:
قال رحمه الله: فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام، والذي نشأ ببادية بعيدة، أو يكون في مسألة خفية مثل الصرف والعطف فلا يكفر حتى يعرف[ ].
ـ ضابط موانع التكفير: لو تأملت موانع التكفير الآنفة الذكر جميعها لوجدتها ـ على تعددها وتنوعها ـ تشترك في ضابط واحدٍ لأجله اعتبرت مانعاً من موانع التكفير ألا وهو: ضابط العجز عن إدراك مراد الشارع فيما قد حصلت فيه المخالفة ..!
فلو تأملت أي مانع من موانع التكفير ـ الآنفة الذكر ـ التي تكلم عنها أهل العلم تجد أنه يحقق عند الجاهل المعين صفة العجز عن إدراك مراد الشارع فيما قد خالف فيه ..!
وعليه فأيما مانعٍ لا يُحقق عند المرء صفة العجز عن إدراك مراد الشارع فيما قد خالف فيه أو جهل .. لا يُعتبر مانعاً، ولو عُد مانعاً .. فهو مانع غير معتبر شرعاً.
هذا ضابط جامع لجميع موانع التكفير لا يمكن أن يخلو مانع منه .. فاحفظ ذلك.
ـ قاعدة: من خلال ما تقدم نستخلص القاعدة التالية:" كلُّ كافرٍ جاهلٌ، وليس كلُّ جاهلٍ كافراً ".
أما أنّ كل كافر جاهل فهو لوصف الله تعالى للكافرين في آياتٍ عدة من القرآن الكريم بأنهم لا يعقلون .. ولا يعلمون .. ولا يفقهون .. وأنهم عميٌ لا يُبصرون ولا يسمعون .. وغير ذلك من الأوصاف التي تدمغهم بالجهل المطبق بالحق.
وأما أنه ليس كل جاهل كافراً .. فهو لاحتمال وجود موانع التكفير الآنفة الذكر أو بعضها بحقه التي تمنع من تكفيره بعينه كما تقدم .. والله تعالى أعلم.
ـ مسألة: شاتم الله والرسول .. هل يُعذر بالجهل ؟!
مما يثُار في هذا الزمان في هذا الزمان أن شاتم الله ورسوله يمكن أن يُعذر بالجهل ..؟!
وللرد على هذه الشبهة نقول: لا يُعذر الشاتم لله ولرسوله بالجهل أو بأي مانع آخر غير الإكراه لحديث عمار  لما أكرهه كفار قريش على النيل من جناب النبي ، ولقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ النحل:106.
أما أنه لا يُعذر بالجهل: لاستحالة وجود مسلم ـ مهما كانت ظروفه وأحواله ـ دخل الإسلام بشهادة التوحيد ثم هو يجهل أنه يجب عليه أن يعظم الخالق ، ويوقر نبيه  ..!
فالعذر بالجهل ـ كما تقدم ـ يكون مع العجز في دفع الجهل .. والسؤال: أين يكمن الجهل المعجز عند شاتم الله ورسوله ..؟!
بل أفسق المسلمين وأفجرهم يعلم أنه لا يجوز شتم الله ورسوله .. بل ويعلم أن الشتم يعني الكفر والخروج من الملة، حتى أن أحدهم إذا سمع الآخر يشتم، قال له: لا تكفر .. بدلاً من أن يقول له لا تشتم ..!
فافتراض العذر بالجهل في هذا الموضع من الكفر هو من ضروب الإرجاء وأهله .. أعاذنا الله منهم ومن شرهم.
ومن شذوذات الشيخ ناصر ـ رحمه الله ـ التي أخذت عليه أنه لا يرى كفر شاتم الله ورسوله على الاطلاق لاحتمال أن يكون معذوراً بالجهل وغير ذلك من الأعذار الساقطة الواهية، حيث يقول كما في شريطه " الكفر كفران ": لا أرى كفر شاتم الله ورسوله على الإطلاق؛ فقد يكون السب والشتم ناتجاً عن الجهل، وعن سوء تربية، وقد يكون عن غفلة .. وأخيراً قد يكون عن قصد وعن معرفة، وإذا كان بهذه الصورة عن قصد ومعرفة فهو الردة
الذي لا إشكال فيها .." ا- هـ.
قلت: وهذا قول باطل مردود .. وهو مخالف لنصوص الكتاب والسنة، وإجماع علماء الأمة .. والذي حمل الشيخ على الوقوع في هذا الخطأ وغيره فساد أصوله في الإيمان والوعد والوعيد .. والتي هي أقرب ما تكون إلى أصول أهل التجهم والإرجاء .. كما بينا ذلك في مواضع عدة، وبخاصة في ردنا عليه في " الانتصار لأهل التوحيد ..".
قال ابن تيميه في "الصارم" ص546: فإن كان ـ شاتم الله ـ مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد وأسوأ من الكافر، فإن الكافر يعظم الرب، ويعتقد أن ما هو عليه من الدين الباطل ليس باستهزاء بالله ولا مسبة له. قال عبد الله، سُئل أبي عن رجل قال:يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك ! قال أبي ـ أحمد بن حنبل ـ: هذا مرتد عن الإسلام، قلت لأبي: تضرب عنقه قال: نعم نضرب عنقه ا هـ.
ثم قال في موضع آخر من كتابه " الصارم" ص512: إن سبّ الله ورسوله كفر ظاهراً وباطناً، سواء كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذا هلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل. ويجب أن يُعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة.
وقد قال الإمام أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، والمعروف بابن راهوية: قد أجمع المسلمون أن من قتل نبياً من أنبياء الله أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بما أنزل الله ا- هـ.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:03 am

وقال الشيخ محمد أنور الكشميري، في كتابه"إكفار الملحدين" ص64:
أجمع عوام أهل العلم على أن من سبَّ النبي  يقتل، وحكى الطبري مثله عن أبي حنيفة وأصحابه فيمن تنقصه  أو برئ منه أو كذبه.
قال محمد بن سحنون: أجمع العملاء على أن شاتم النبي  المستنقص له كافر، ومنه شك في كفره وعذابه كفر ا- هـ.
وقال ابن حزم في المحلى: وأما سب الله تعالى، فما على ظهر الأرض مسلم يخالف في أنه كفر مجرد، إلا الجهمية والأشعرية وهما طائفتان لا يُعتد بهما، يصرحون بأن سب الله تعالى وإعلان الكفر ليس كفراً، قال بعضهم: ولكنه دليل على أنه يعتقد الكفر لا أنه كافر بيقين بسبه الله تعالى، وأصلهم في هذا أصل سوء خارج عن إجماع أهل الإسلام ..!
إلى أن قال: وهذا كفر مجرد لأنه خلاف لإجماع الأمة، ولحكم الله تعالى ورسوله  وجميع الصحابة ومن بعدهم ا- هـ.
لكن هل شاتم الرسول  يستتاب، ولو تاب هل يُرفع عنه حكم القتل ..؟ الذي رجحه ابن تيميه في كتابه" الصارم" وساق عليه الأدلة من الكتاب والسنة، وفعل الصحابة: أن شاتم النبي  لا يُستتاب، وهو يقتل كفراً وحداً، فإن تاب من الكفر وكان صادقاً في توبته فإن ذلك قد ينفعه يوم القيامة أما في الدنيا يجب أن يقتل حداً، حقاً من حقوق النبي .
فإن قيل: إن النبي  قد عفى عن بعض من شتمه في حياته، وقبل منهم توبتهم ..؟
الجواب: أن النبي  من حقه أن يعفو عمن نال من جنابه ومن حقه أن لا يعفو .. أما بعد وفاته ، فمن المخول من الأمة أن يعفو عن حق هو خاص
بالرسول  ..؟!
لذلك كان الخلفاء الراشدون ـ رضوان الله عليهم ـ لا يرون لشاتم النبي ، سوى القتل وإن تاب، وكان أبو بكر الصديق  يقول:" إن حد الأنبياء ليس يُشبه الحدود ".
هذا إيجاز شديد فيما يتعلق في الجواب على المسألة .. فالمقام هنا لا يسمح بأكثر من ذلك .. ومن أراد التفصيل فقد أفردنا للمسألة بحثاً مستقلاً " بعنوان تنبيه الغافلين إلى حكم شاتم الله والدين " وهو مطبوع ومنشور في موقعنا على الإنترنت فليراجعه من شاء .. ومن أراد أن يستزيد فعليه بكتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الصارم المسلول " فإنه حجة في بابه..!
ـ تنبيه:
ما قلناه عن الحالات التي لا يعذر الكافر بالجهل بسببها، يصح أن نقوله عن المسلم الجاهل لو كان جهله بسببها، وما قلناه هناك بخصوص الكافر الجاهل يصح أن يقال في المسلم الجاهل، فليراجع.
مع وجود الفارق في أن المسلم لو وقع في الكفر بسبب حالة من تلك الحالات الأنفة الذكر، التي لا يعذر صاحبها بالجهل .. فإنه يصبح مرتداً وكافراً كفر ردة، بينما الآخر فهو كافر أصلاً.
ـ القدر الذي تقوم به الحجة على المسلم الجاهل:
ذكرت آنفا أن الحديث عن القدر الذي به تقوم الحجة على المسلم الجاهل يختلف بعض الشيء عما قلناه بخصوص الكافر الجاهل، فالمسلم الجاهل يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ويؤمن بالإسلام ولو على وجه الإجمال .. ولربما يعرف كثيراً من أحكامه التفصيلية.
ومن كانت هذه صفته لا يصح أن يقال فيه ما قيل فيمن لم يسمع قط
عن بعثة نبينا محمد ، ولا يعرف شيئاً عن الإسلام حتى ولا أسمه.
لذلك نقول: لو أن المسلم وقع في ناقضة من نواقص الإسلام عن جهل منه يعذره، فإن الحجة تقوم عليه بما يدفع جهله في هذه الناقضة التي وقع فيها، فلو استحل الربا ـ مثلاً لحداثة عهده بالإسلام ـ لا تقوم عليه الحجة لو بين له أن الصلاة فرض، وأن صيام شهر رمضان فرض، وأن الله قد حرم الخمر والميسر والزنى .. أو بُين له جميع أحكام الدين ووصله فيها الخبر باستثناء حكم الإسلام في الربا؛ لأن كل ذلك لا يوجد عنده الاستطاعة على دفع جهله في حكم الإسلام في الربا ..!
لذلك حتى تقوم عليه الحجة لا بد من أن يصله النص الشرعي ـ قال الله قال رسوله ـ الذي يدفع عنه الجهل بحكم الربى .. وبذلك تكون الحجة قد قامت عليه.
وهذا ما فعله علي بن أبي طالب  عندما أذن لابن عباس أن يذهب لمناظرة الخوارج وإقامة الحجة عليهم بإزالة ما عندهم من شبه حتى قيل إنه رجع منهم وقتئذٍ أكثر من أربعة آلاف رجل.
وشاهدنا أن ابن عباس لم يناظر الخوارج ويقيم عليهم الحجة في وجوب الصلوات الخمس، أو صيام رمضان، أو وجوب حج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، أو أن يوم البعث والنشور حق .. إنما أقام عليهم الحجة بدفع تأويلاتهم الباطلة وما عندهم من شبه.
وكذلك فعل عمر بن عبد العزيز  عندما ناظر القدرية حتى أظهر لهم الحق فأقروه، ثم بعد موته نقض " غيلان القدري " التوبة فصلب وقتل.
وأيضاً ما فعله عمر بن الخطاب  مع قدامة بن مظعون عندما أول
الآية وأباح لنفسه الخمر، فأقام عليه الحجة في مسألة تأويله الخاطئ للآية، من دون أن يخوض معه في مسائل أخرى من أحكام الدين .. وهذا أمر بين لا يحتاج إلى مزيد استدلال وإيضاح.
ـ صفة قيام الحجة على المسلم الجاهل:
فهي تختلف باختلاف الجهال وحسب ما عندهم من شبه، فبعض الشبه تزول وتقام الحجة على صاحبها لمجرد بلوغه النص من الكتاب والسنة. ومثل هذا يستطيع أي مسلم ـ مهما كان مستواه العلمي قليلاً، إلا أنه حافظ للنص المطلوب فاهم لمدلولاته ـ أن يقيم عليه الحجة، وكذلك لو وصله النص عن طريق الكتاب أو المذياع وغيرها من وسائل الإعلام والإخبار، فكل ذلك يكفي لإقامة الحجة على مثل هذا الجاهل.
ولكن بعض الشبه مصدرها الفهم الخاطئ للنص ولمراد الشارع، أو لعدم إحسان التوفيق بين النصوص .. فمثل هذه الحالة لا بد للوسيلة التي من خلالها تقام الحجة أن تحيط بقدر من العلم الذي يحقق العلم عند الجاهل فيما قد جهل فيه .. ويدفع عنه شبهته.
والوسيلة هذه قد تتمثل في أي مسلم لكن يشترط فيه أن يكون قد أحاط علماً بشبهة الجاهل، وبقدر من العلم الذي يدفع عنه شبهته وجهله، وإلا فاقد الشيء لا يعطيه ..!
ويقوم مقامه كتب أهل العلم لما فيها من التفصيلات والشروح، و كذلك ما يكتب من مقالات إسلامية في المجلات وغيرها، وكذلك الدروس العلمية، والخطب والمواعظ التي يلقيها أهل العلم في الحلقات وعبر وسائل الإعلام المختلفة .. فكل هذه الوسائل يمكن أن تقوم بها الحجة.
إلا أنه يشترط في جميع ما ذكرنا من وسائل أن تراعي شبهة الجاهل، وأن تتضمن الإجابة الشرعية الصحيحة على شبهته بشكل يمكنه من معرفة الحق فيما كان يجهله .. وفيما أشكل عليه!
ولا يشترط في قيام الحجة إقناع الجاهل، فهذا أمر متعسر لا سلطان للعبد عليه إلا إذا شاء الله .. فالله تعالى وحده الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء .. وعلى يد من يشاء .
قال تعالى: ولو علم فيهم خيراً لأسمعهم الأنفال: 23.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: أي حرصاً على تعلم الدين لأسمعهم أي لأفهمهم. هذا يدل على أن عدم الفهم في أكثر الناس اليوم عدل منه سبحانه لما يعلم في قلوبهم من عدم الحرص على تعلم الدين.
فتبين أن من أعظم الأسباب الموجبة لكون الإنسان من شر الدواب هو عدم الحرص على تعلم الدين[ ].
كما قال تعالى:  مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهية قلوبهم  الأنبياء:2.





* * *

ـ هل يُعذر المسلمون بالجهل في هذا الزمان؟
مما تقدم يُعلم أن الجهل حيثما تتوفر أسبابه ودواعيه التي لا يمكن دفعها، فإنه يعذر صاحبه إلى أن تقوم عليه الحجة النبوية، وذلك في أي زمان وأي مكان، وهذه قاعدة دلت عليها النصوص الشرعية، لا ينبغي الحياد عنها .. كما تقدم تفصيل ذلك.
أما الإجابة على السؤال: بنعم أو لا، فهذا أمر لا نستطيع أن نجزم به على وجه التحديد أو التعيين؛ لأنه ليس بمقدورنا أن نعرف ظروف وأحوال أكثر من مليار مسلم يعيشون متفرقين في أجزاء شتى من الأرض في هذا الزمان، وننظر إلى كل واحد منهم ـ وإلى ظروفه وأحواله ـ هل يعذر بالجهل أم لا ..؟! فهذا أمر لا طاقة لنا به، وليس من اختصاصنا أصلاً أن نخوض فيه، والحق أن نوكل الأمر إلى الله تعالى فهو الخبير بأحوال عباده، و هو العليم بمن يعذر بالجهل منهم ومن لا يعذر، ومن قامت عليه الحجة ممن لم تقم عليه.
لكن نقول على وجه العموم: إن أي زمان أو مكان استفاضت فيه العلوم الشرعية استفاضة يتعذر معها حصول الجهل عند من يصدق العزم والرغبة في طلب العلم الشرعي، في مثل هذا الواقع يضيق فيه جداً مبدأ العذر بالجهل، إذ العلم متوفر للجميع إلا من يأباه ويُعرض عنه ..!
والمتأمل لواقع المسلمين في بلادهم، وبخاصة منها العربية يجد أن العلم الشرعي الديني قد استفاض استفاضة واسعة ما استفاضها من قبل، وذلك بسبب كثرة الوسائل المختلفة التي تقوم بنشر العلوم الشرعية، مما يتعذر معه حصول الجهل ـ وبخاصة في متطلبات التوحيد ونواقضه، وفيما هو معلوم من الدين بالضرورة ـ عند كل من يرغب صادقاً في طلب العلم الشرعي، ومعرفة ما يجب عليه نحو دينه وربه.
ومن يتأمل الجهل في الشريعة الحاصل لكثير من المسلمين في بلادهم، يجد أن سببه الرئيسي يعود إلى الكسل في طلب العلم ـ رغم توفره ـ أو بسبب الانشغال الزائد بالدنيا وزخرفها ومتاعها، أو بسبب انعدام الرغبة الصادقة في طلب العلم، أو بسبب جفاء القلب عن ذكر الله وطاعته .. وكل هذه الأسباب لا تعذر صاحبها بالجهل لو كان جهله بسببها .. كما تقدم.
وقولنا هذا لا يستلزم منا أن ننفي وجود أفراد أو جماعات من المسلمين يعيشون الجهل والجوع في ظروف قاهرة لا تطاق قد تعذرهم لو جهلوا في مسألة بل مسائل من مسائل الدين الضرورية، وبخاصة منهم الذين يعيشون في أدغال أفريقيا وغاباتها، أو الذين يعيشون ظروف حرب وقتال تحول بينهم وبين شد الرحال لطلب العلم الشرعي في مظانه، كما هو الحال في جنوب السودان، وفي جنوب الفلبين، وفي أفغانستان .. وغيرها من البلدان التي يُحكم فيها المسلمون بالنار والحديد، التي لا يعلم حال أهلها إلا الله .
بالإضافة إلى ما سبق .. ماطرأ من إجراءات معقدة وصعبة على عملية السفر والتنقل والترحال ـ التي لم يكن سلفنا الصالح يعرفها من قبل ـ تحيل بين العباد وشد رحالهم إلى أماكن توفر العلم، وطلبه من مظانه .. فالحدود قد نصبوا عليها الحواجز أمام عبور العباد، فالمرء لا يستطيع أن يسافر إلا بعد حصوله على دفتر سموه " جواز سفر " . ولو حصل عليه في كثير من البلدان لا يستطيع أن يسافر إلا بعد حصوله على إذن خاص من الجهات الأمنية المختصة تجيز سفره، فإذا لم تأذن له فهو بعد كل ما اتخذ من اجراءات لا يستطيع السفر‍‍‍ .. ولو أذنت له بالسفر ـ بعد الرشاوى وتدخل الشفعاء والوساطات ـ فليس كل جواز يمكِّن صاحبه من السفر في الاتجاه الذي يريد .. فكما أن العنصرية التي تقوم على أساس ألوان بشرة الإنسان موجودة .. كذلك العنصرية القائمة على أساس ألوان جوازات السفر موجود ..!!
فالجوازات السورية والمصرية والعراقية غير الجوازات الخليجية .. والجوازات الخليجية غير الجوازات الأوربية .. ومؤخراً بحكم سياسات التضييق والإرهاب التي تنتهجها الأنظمة الطاغية باسم ملاحقة ومطاردة الإرهاب ـ زعموا! ـ لم يعد ينفع مع المسلم جواز .. أياً كان لونه .. وكان مصدره .. ولا حول ولا قوة إلا بالله!
هذا واقع نعايشه .. يزداد تعقيداً يوماً بعد يوم .. لا بد من اعتباره ووضعه في الحسبان عند الحديث عن الجهل ومبرراته ودواعيه .. وعند الحديث عن ضرورة التماس الأعذار للناس ..!
يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:08 am


ـ خاتمة:
اعلم يا عبد الله أن أعظم عمل وأنبل مهمة يقوم بها الإنسان على وجه الأرض هي الدعوة إلى الله تعالى .. الدعوة إلى توحيد وعبادته  .. إلى إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا وسجنها إلى سعة الجنة ونعيمها.
قال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ فصلت:33.
ومن كانت هذه مهمته لا بد من أن يتحلى بصفات وخصال هي من ضروريات ومستلزمات الدعوة الناجحة:
منها: أن يكون رفيقاً، سهلاً، هيناً، ليناً مع الناس .. وفيما يدعوهم إليه من الخير.
قال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ آل عمران:159.
وفي الحديث فقد صح عن النبي  أنه قال:" من يحرم الرفق يحرم الخير".
وقال :" إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه مالا يعطي على العنف".
وقال :" إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله".
وقال :" عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه ".
ومنها: أن يجتنب الغلو في الدين والتشدد فيه، ويختار الأيسر دائماً ما خير بين أمرين كلاهما دلت عليهما الشريعة .. إقتداءً بالرسول .
كما في الحديث، قال رسول الله :" يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا ".
وقال :" إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو بالدين".
وقال :" عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يُغالب هذا الدين يغلبه".
ومنها: أن يدعو إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة .. وان يُجادل ـ بالكتاب والسنة ـ بالتي هي أحسن .. ما وجد الجدال نافعاً!
قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النحل:125
ومنها: أن يُبشر ولا يُنفر .. وأن يراعي عقول الناس؛ فلا يُحدثهم بحديث يفتنهم فيه .. يحملهم على أن يكذبوا الله ورسوله .. وهم لا يدرون!
قال رسول الله  :" ادعوا الناس، وبشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا ".
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله.
ومنها: أن لا يجعل من نفسه قاضياً على العباد بغير حق .. فيدخل النار من يشاء، ويُخرج منها من يشاء .. وليعلم أن الأمر كله لله تعالى.
ثم هو بعد كل ذلك، يجب عليه أن يصبر على أذى الناس وخلطتهم .. لا يريد منهم جزاءً ولا شكوراً .. يبتغي الأجر والثواب من الله تعالى وحده.
قال رسول الله :" المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ".
فإن فعل ذلك وأخلص النية والعمل لله تعالى وحده .. فهو المعني حينئذٍ من قوله :" إن الله وملائكته، حتى النملة في حجرها ، وحتى الحوت في البحر، ليصلون على معلم الناس الخير"[ ].
نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً ـ بمنه ورحمته وفضله ـ منهم .. إنه تعالى سميع قريب مجيب.
 رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ البقرة:286.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



* * *
ـ ملحق:
إتماماً للفائدة، وزيادة في النفع .. واستشرافاً لما عند الله تعالى من الأجر العظيم .. نضيف هذا الملحق الذي يتضمن الإجابة على الأسئلة التي وردتنا عبر موقعنا على الإنترنت .. ذات العلاقة بموضوع العذر بالجهل وقيام الحجة .. سائلين الله تعالى التوفيق والقبول.
السؤال الأول: ما حكم من يكفِّر الدعاة والعلماء الذين دخلوا المعترك الديمقراطي، وقال يكفرون بلا إقامة الحجة ..؟!!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. لا يقدم على تكفير مجموع العلماء والدعاة بالجملة الذين دخلوا المعترك الديمقراطي أو أقروه .. عاقل يتقي ربه .. ولا يقدم على هذا الفعل الشنيع إلا كل جاهل هان عليه دينه .. ملوث بشبهات الغلاة من الخوارج، إن لم يكن هو من الغلاة الخوارج .. !!
لكن من كفر آحاد الدعاة بعينه لدخوله المعترك الديمقراطي وتلوثه بها وبمزالقها .. فإنه يُنظر إلى حاله: إن كان من ذوي العلم والاجتهاد، وأصوله أصول أهل السنة والجماعة، ولم يُعرف عنه غلو ولا إرجاء، ثم هو كفَّر ذلك الداعية لقرائن تلزمه بتكفيره شرعاً، قد لا تكون هذه القرائن ظهرت لغيره .. فمثل هذا ليس عليه شيء ـ حتى وإن أخطأ في الحكم ـ ولا يجوز أن يُشنع عليه تكفيَره لذلك الداعية ..!!
أما إن كان ذلك المكفِّر لذلك الداعية من عوام الناس، أو ممن عُرفوا بالطلب للعلم لكن أصوله أصول الغلاة المخالفة لأصول أهل السنة والجماعة، أو قد عُرف بالغلو والتنطع وكثرة الهوى .. فمثل هذا يُنكر عليه، ولا يُلتفت إلى تكفيره، ولا يُعتد به .. وهو متهم سواء أصاب أم أخطأ .
والمسألة قد بحثناها بشيءٍ من التفصيل في كتابنا " حكم الإسلام في الديمقراطية والتعددية الحزبية " فليراجعه من أراد المزيد .
* * *
س2: ماذا يقول فضيلتكم في مسألة كفر التعيين بالنسبة للأحزاب المرتدة، أي هل ترون أن موانع التكفير تشمل المنتمين والمقاتلين في صفوف المرتدين أم لا ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. الأحزاب المرتدة المعاصرة متفاوتة ومتباينة فيما بينها من حيث صراحة الكفر ووضوحه .. ومن حيث وقوعها وممارستها للكفر البواح .. فيوجد فرق مثلاً بين الحزب الشيوعي الذي تقوم مبادئه على الإلحاد ومحاربة الأديان، وإنكار وجود الله .. وبين حزب مرتد آخر جمع بين الحق والباطل .. يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض .. ويدعو عناصره إلى التمسك بالفضائل العامة، واجتناب الرذائل المشينة .. وتحرير الأوطان وغير ذلك!
فالذي ينتمي للحزب الأول الشيوعي لا يُعذر بالجهل ولا بأي مانع آخر من موانع التكفير .. ويكفر بعينه ولا بد .. وبخاصة إن بلغ به الأمر إلى درجة أنه يقاتل في صفوفهم ضد أهل الإيمان والتوحيد .. بخلاف الحزب الآخر الذي يحتمل وجود العناصر المضللين فيه نحو كفر وعمالة الحزب الذي ينتمون إليه .. فهؤلاء لا شك أن ساحة التأويل والأعذار تتسع بحقهم بعض الشيء؛ فلا يُكفَّرون بأعيانهم إلا بعد قيام الحجة الشرعية التي تدفع عنهم الجهل الذي كان سبباً في انتمائهم لهذا الحزب أو ذاك .. وبخاصة إن كانوا من أهل القبلة والصلاة !
بمعنى آخر .. كلما اشتد كفر الحزب المرتد .. وكان كفره ظاهراً بواحاً .. كلما ضاقت ساحة الأعذار والتأويل بحق أفراده ولحق بهم حكم الكفر بأعيانهم وذواتهم .. وكلما كان كفر الحزب المرتد خفياً أو مبطناً وغير بائنٍ إلا للمتخصصين .. كلما اتسعت ـ ولا بد ـ ساحة التأويل والأعذار بحق أفراده التي تمنع من تكفيرهم بأعيانهم إلى أن تقوم عليهم الحجة من جهة نذارة الرسل .. وبخاصة إن كانوا من أهل القبلة وعوام الناس !!
وعليه فالقول بأن كل من ينتمي لهذه الأحزاب كفار بأعيانهم ولا يُعذرون بأي مانع من موانع التكفير .. هو قول غير دقيق ولا سديد .. وكذلك من يقول أن كل من ينتمي لهذه الأحزاب من الأفراد معذورون بموانع التكفير، ولا بد من قيام الحجة على أعيانهم قبل القول بكفرهم .. هو قول غير دقيق ولا سديد ..!
والحق الذي نعتقده صواباً هو التفصيل بين شخص وشخص .. وبين حزب وحزب .. كما تقدم في أول الجواب على هذا السؤال .. والله تعالى أعلم .
* * *
س3: هل الحكام الذين يحكمون المسلمين في الوقت الحاضر كفار كلهم بأعينهم؛ أي نستطيع أن نقول فلان بن علان كافر أم لا .. أم أننا نكفرهم جملة لا تفصيلاً؛ أي نقول الحكام في الوقت الحاضر كفار، ولا نقول فلان بن فلان كافر .. وأين موقع العذر بالجهل وإقامة الحجة عليهم ..؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . لا استحسن كلمة " كلهم " ومثيلاتها من الكلمات العامة التي لا تستثني أحداً عندما يُتكلم في مسائل الكفر والإيمان؛ لأن كلمة " كلهم " تشمل حكام أفغانستان الطالبان، وحكام الشيشان من إخواننا المجاهدين .. وغيرهم من الحكام الذين نجهل حالهم ووصفهم على وجه التحقيق والذي يمكننا من إصدار الأحكام بحقهم ..!
ولكن الذي يمكننا قوله، وهذا الذي تطمئن إليه النفس: أن أغلب حكام المسلمين وبخاصة منهم حكام بلادنا .. هم كفار مرتدون بأعيانهم، وقولي بأعيانهم؛ أي يمكنك أن تحكم عليهم بالكفر والردة بأسمائهم وأشخاصهم .. ولا يجوز التردد أو التوقف في ذلك !
أما هل يُعذرون بالجهل أو بمانع من موانع التكفير ..؟
فأقول: هؤلاء الطواغيت لا يُعذرون بالجهل ولا بمانع من موانع التكفير التي تكلم عنها أهل العلم .. وإقحام مسألة العذر بالجهل أو الحديث عن الموانع في هذا الموطن .. هو هزء بالدين وهو من قبيل تعطيل أحكام الله تعالى من أن تأخذ طريقها إلى حيز الواقع والوجود .. والقول بعذر إبليس بالجهل ربما يكون أصوب من القول بعذر طواغيت الحكم هؤلاء بالجهل .. والقول بضرورة قيام الحجة على إبليس قبل تكفيره لربما يكون أكثر استساغة من القول بضرورة قيام الحجة على هؤلاء الطواغيت قبل تكفيرهم .. وكلاهما خطأ وباطل !!
* * *
س4: هناك أخ يقول أن هؤلاء القوم ـ النصارى في بلاد الغرب ـ هم ضالون وكفار بمجملهم ثم يقول: إنه لا يكفر معينهم حتى يقيم عليه الحجة؛ أي حتى يكون كافراً معانداً، أما دون ذلك فهو لا يكفرهم .. فما نصيحتكم لهذا الأخ، وما حكم من يقول ذلك .. وجزاكم الله خيراً ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . النصارى ـ أينما كانوا ـ كفار بنص الكتاب، كما قال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم  . وقال تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد  .
ومن لا يكفرهم لزمه رد الكتاب وتكذيب آيات الله تعالى .. وهذا عين الكفر البواح .. وعليه وعلى أمثاله تحمل القاعدة المعروفة: من لم يكفر الكافر أو شك في كفره فقد كفر ..!
ثم إذا كان صاحبكم لا يرى كفرهم على التعيين فماذا يقول فيهم .. هل يحكم عليهم بأنهم مسلمون ؟!
فالمرء إن لم يكن مسلماً كان كافراً، وإن لم يكن كافراً كان مسلماً ولا خيار ثالث بينهما .. فإن كان لا يرى كفر أعيانهم لزمه ـ ولا بد ـ بأن يحكم عليهم بالإسلام .. وهذا كفر آخر إذ يسمي الكفر والشرك إسلاماً وإيماناً ..!
ونصيحتنا له: بأن يتقي الله ربه .. وأن لا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء .. وأن يطلب العلم .. ويسأل إن جهل فإن دواء الجهل سؤال أهل العلم، كما قال تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
* * *
س5: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 12/488-489:" ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره ممن ضربه وحبسه . واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوا به من الظلم والدعاء إلى القول الذي هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم، فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع ".
ما تعليقكم على هذه المقولة بالتفصيل، مع عدم إغفال أن المجادلين عن طواغيت العصر كثيراً ما يتكئون على ما نقله شيخ الإسلام عن الإمام رحمهما الله في دفاعهم عن الطواغيت ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . ورد كلام شيخ الإسلام الآنف الذكر في
معرض حديثه عن الكفر العام والكفر المعين، وأن الكفر العام لا يستلزم دائماً تكفير المعين .. ثم استدل بكلام الإمام أحمد رحمه الله على مخالفيه من أهل التجهم والاعتزال الذين كانوا يقولون القرآن مخلوق وليس كلام الله، وكيف أنه كفر بعضهم بأعيانهم ـ بسبب هذا القول ـ وكيف أنه أمسك عن تكفير البعض وحللهم من ظلمهم له .. منهم الخليفة في زمانه كالمعتصم وغيره الذي نصر القول بأن القرآن مخلوق لظنه أن هذا هو الحق الذي جاء به محمد  من عند ربه ..!
والذي حمل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ على تكفير البعض بأعيانهم، والإمساك عن البعض رغم اشتراكهما بنفس الذنب والكفر .. هو لثبوت شروط التكفير، وانتفاء موانعه ببعض، وانتفاء الشروط وثبوت الموانع عن البعض الآخر .. وكان من هؤلاء الآخر الخليفة الحاكم في زمانه .. لعلم الإمام أن الذي حمله على هذا القول وهذا الظلم الذي نصر فيه قول المعتزلة في مسألة خلق القرآن أنه لم يرد به التكذيب ومجرد الجحود للصفات وتشبيه الخالق بالمخلوق، وإنما حمله على هذا الظلم التنزيه والتعظيم للخالق كما كان يظن ..!
لنقرأ الأسطر التي تلي الأسطر التي ذكرتها في سؤالك من كلام شيخ الإسلام وفي نفس الصفحة والمصدر يتضح لك كل ما تقدم حيث يقول رحمه الله: وقد نقل عن أحمد أنه كفر به ـ القول بخلق القرآن ـ قوماً معينين، فأما أن يُذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفر بعينه؛ لقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه، فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم . والدليل على هذا الأصل: الكتاب والسنة، والإجماع .. ا- هـ.
هذا هو سبب إمساك الإمام أحمد عن كفر الخليفة في زمانه .. فهل الذين يمسكون عن تكفير الطواغيت في هذا الزمان لهذا السبب أو نحوه ..؟!
فهل هذا الكفر البواح المتعدد والمتنوع الذي يظهر من طواغيت هذا الزمان أرادوا منه التعظيم والتنزيه للخالق  .. كما كان مقصود ومراد المعتصم وغيره ..حتى يُحمل عليهم مقولة الإمام أحمد في خلفاء زمانه ؟!!
وهل طواغيت الحكم في هذا الزمان يسيِّرون كتائب الجهاد في سبيل الله لمواجهة أعداء الأمة كما كان يفعل المعتصم وغيره من حكام العباسيين .. حتى يُحمل عليهم ما قاله الإمام أحمد في المعتصم وغيره ..؟!
وهل طواغيت زماننا يحكمون بما أنزل الله .. ويحبون الحكم بما أنزل الله ويحرصون عليه كما كان حال الخلفاء زمن الإمام أحمد .. حتى يُحمل عليهم ما قاله الإمام أحمد في خلفاء زمانه ..؟!
وهل طواغيت الجور في زماننا عندما يعتقلون الدعاة والعلماء ويفتنونهم عن دينهم بالتعذيب وغيره .. هل مرادهم من ذلك كله أن يحملوهم على مراد الشارع كما كان مراد المعتصم من الإمام أحمد .. ؟!!
فإذا علمنا أنهما لا يستويان مثلاً ـ ولا يجوز القول بغير ذلك ـ علمنا خطأ أولئك الفادح عندما يحملون مقولة الإمام أحمد التي قالها في خلفاء زمانه على طواغيت زماننا .. وعلمنا كذلك بيقين أنه ليس لهم أدنى حجة في ذلك وهم في معمعة الجدال عن طواغيت الحكم في هذا العصر .. والله تعالى أعلم.
* * *
س6: هل يجب قيام الحجة على طواغيت الحكم المعاصرين .. قبل الحكم عليهم بالكفر ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. قيام الحجة تجب على من يقع في المخالفة عن جهل لا يمكن له دفعه؛ أي أنه عاجز عن دفع جهله .. وهؤلاء الطواغيت المسؤول عنهم ليسوا كذلك .. بل هم من أعلم الناس بدين الله تعالى .. لذلك تجدهم يحسنون وضع الخطط لمحاربة الإسلام كخبراء بتعاليم هذا الدين وبمدى خطورتها عليهم ..!
والذي يطالب بقيام الحجة على هؤلاء الطواغيت كشرط لتكفيرهم .. هو المغفل الجاهل الذي ينبغي أن تقام عليه الحجة .. وليس هؤلاء الطواغيت ..!!
* * *
س7: كيف نوفق بين حديث كل مولود يولد على الفطرة .. وبين قول عائشة رضي الله عنها للطفل المتوفى أنه طائر من طيور الجنة .. ونهي النبي  عن قولها ذلك .. وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. مصير أطفال المشركين يوم القيامة هي من جملة المسائل التي اختلف فيها أهل العلم .. والصواب الذي نراه: أن أطفال المشركين ـ وإن ولدوا على الفطرة ـ إلا أنه لا يُجزم لهم بجنة ولا نار؛ على اعتبار علم الله تعالى بما كانوا عاملين لو قدر لهم الحياة .. ولما سُئل  عن مصير أطفال المشركين يوم القيامة، قال:" الله أعلم بما كانوا عاملين " أي يترك أمرهم إلى علم الله تعالى فيهم؛ فلا نجزم لهم بجنة ولا نار .. وهذا الذي رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم .. ونقله أبو الحسن الأشعري عن أهل السنة والجماعة، والله تعالى أعلم.
* * *
س8: قال الطحاوي:" ولا ننزل أحداً منهم جنة ولا نارا " فإذا مات شخص على الكفر فهل يجوز لنا أن نشهد له بالنار أم ماذا ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. مراد الطحاوي رحمه الله" ولا ننزل أحداً منهم .. " أي من أهل القبلة .. لا نشهد لأحد منهم بجنة ولا نار إلا ما ثبت في حقه النص أنه من أهل الجنة كالمبشرين العشرة من الصحابة وغيرهم ..
أما الكافر إن مات على الكفر فإننا نشهد له بالنار لقوله  للأعرابي:" حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ".
* * *
س9: ما حكم الإسلام في الجهمية المعطلة .. وفي من يقول بقولهم ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. بالنسبة للجهمية المعطلة كطائفة فهي طائفة كفر وردة لقيام أصولها على جحود الخالق وتعطيل أسمائه وصفاته  .. ولا أعرف أحداً من أهل العلم من توقف عن تكفيرهم.
ولكن في تكفير الواحد المعين منهم .. لا ينبغي الإقدام عليه إلا بعد النظر في توفر شروط التكفير بحقه، وانتفاء موانعه عنه .. فقد كان الإمام أحمد رحمه الله رغم قوله بكفر قولهم إلا أنه كان يمسك عن تكفير كثير منهم بأعيانهم لعدم ثبوت شروط التكفير بحقهم عنده، وكان يدعو ويستغفر لبعضهم!
قال ابن تيمية في الفتاوى 23/348: إنما كان ـ أحمد ـ يكفر الجهمية المنكرين لأسماء الله وصفاته؛ لأن مناقضة أقوالهم لما جاء به الرسول  ظاهرة بينة، ولأن حقيقة أمرهم يدور على التعطيل.
وتكفير الجهمية مشهور عن السلف والأئمة، لكن ما كان يكفر أعيانهم؛ فإن الذي يدعو إلى القول أعظم من الذي يقول به، والذي يعاقب مخالفه أعظم من الذي يدعو فقط، والذي يكفر مخالفه أعظم من الذي يعاقبه .. ومع هذا فالذين كانوا من ولاة الأمور يقولون بقول الجهمية: إن القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وغير ذلك ويدعون الناس إلى ذلك ويمتحنونهم ويعاقبونهم إذا لم يجيبوهم، ويكفرون من لم يجبهم حتى أنهم كانوا إذا أمسكوا الأسير لم يطلقوه حتى يقر بقول الجهمية: أن القرآن مخلوق، وغير ذلك. ولا يولون متولياً ولا يعطون رزقاً من بيت المال إلا لمن يقول بذلك، ومع هذا فالإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى ـ ترحم عليهم، واستغفر لهم، لعلمه بأنهم لم يبين لهم أنهم مكذبون للرسول، ولا جاحدون لما جاء به، ولكن تأولوا فأخطأوا، وقلدوا من قال لهم ذلك.
وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد حين قال: القرآن مخلوق: كفرت بالله العظيم. بين له أن هذا القول كفر، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك؛ لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها، ولو اعتقد أنه مرتد لسعى في قتله ا- هـ.
قلت: من باب أولى الإمساك عن تكفير من وافق الجهمية في بعض قولهم والنظر إلى شروط التكفير والموانع بحقه .. وبخاصة إن كانت أصوله الأخرى أصول سنية .. وبخاصة إن كان من ذوي العلم والاجتهاد المتقدمين في خدمة الدعوة والسنة .. وبخاصة إن كان خطؤه الذي وقع فيه ناتجاً عن اجتهاد وتأويل .. فمثل هؤلاء لا بد من أن نتأول لهم ـ ونترحم عليهم ـ ونثني عليهم خيراً فيما أصابوا فيه الحق .. مع بقاء القول بخطئهم فيما أخطأوا فيه .. وكفر قولهم إن كان يرقى إلى درجة الكفر .. والله تعالى أعلم.
قال الذهبي في السير30/45: غلاة المعتزلة، وغلاة الشيعة، وغلاة الحنابلة، وغلاة الأشاعرة، وغلاة المرجئة، وغلاة الجهمية، وغلاة الكرامية، قد ماجت بهم الدنيا، وكثروا، وفيهم أذكياء وعباد وعلماء .. نسأل الله العفو والمغفرة لأهل التوحيد، ونبرأ إلى الله من الهوى والبدع، ونحب السنة وأهلها، ونحب العالم على ما فيه من الاتباع والصفات الحميدة، ولا نحب ما اتبع فيه بتأويل سائغ، وإنما
العبرة بكثرة الحسنات ا- هـ.
هذا ما يقتضيه الإنصاف .. وما أقل أهله!
* * *
س10: لقد تأصل عند جهمية عصرنا أن تكفير المعين لا يجوز القول به على الإطلاق إلا بتحقق الشروط وانتفاء الموانع، سواء في أصول الدين أو في فروعه، ناسبين هذا التأصيل إلى أئمة الدعوة السلفية [ ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب ] فما مدى صحة هذا التأصيل وهذه النسبة .. مع العلم أننا لم نتمكن من الوقوف على ما كتبته في كتابيك: العذر بالجهل، وقواعد في التكفير ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هذا المعين إما أنه غير مسلم، وإما أنه مسلم؛ فإن كان غير مسلم يُكفر بعينه واسمه ـ ولا يجوز أن يُشهد له بغير ذلك أو يتوقف فيه ـ إلا أنه لا يُشهد له بالنار إلا بعد بلوغه نذارة الرسل؛ ونذارة الرسل تبلغه ببلوغه المعلومة التي تفيد بأن محمداً رسول الله للعالمين، أرسله الله تعالى بشهادة التوحيد.
أما إن كان مسلماً ثم أحدث كفراً بقول، أو فعل، أو اعتقاد .. يُنظر إليه إن كان من ذوي الأعذار التي تقيل العسرات ـ وهي الموانع ـ التي جامعها العجز الذي لا يمكن دفعه .. بحيث يقع في المخالفة ـ ولو كانت كفراً ـ لعجزٍ لا يمكن له دفعه .. فمثل هذا لا يجوز أن يُحكم عليه بالكفر بعينه إلا بعد قيام الحجة التي تدفع عنه العجز فيما قد خالف فيه، وهو ما يُسمى بالشروط .. ولا فرق في ذلك بين الأصول والفروع!
أما إن كان قد وقع في الكفر عن غير عجز لا يمكن له دفعه؛ أي أنه وقع
في الكفر من غير عذر معتبر، وهو قادر على أن يدفعه لكن لا يفعل لسبب من أسباب الدنيا ومشاغلها .. فمثل هذا ـ لو وقع في الكفر البواح ـ يُكفَّر بعينه ولا بد لانتفاء موانع التكفير عنه ..!
فهذه المقولة " تكفير المعين لا يكون إلا بعد تحقق الشروط وانتفاء الموانع " هي حق، ولكن كثيراً من الأحيان توضع في غير موضعها، ويريدون بها باطلاً، ويحملونها على طواغيت وأئمة في الكفر هم أعلم من إبليس ..!
كما أن هذه المقولة المجملة .. قد حملوها من سقيم أفكارهم وإرجائهم ما يخرجها عن دلالاتها الشرعية التي قصدها أهل العلم في كلامهم وأبحاثهم !
أما قضية التفريق بين الأصول والفروع، فقد تقدمت الإشارة أنه لا يوجد فرق بينهما، ولا يُعرف عن أحد من السلف من فرق بينهما من حيث العذر .. إن كانت هذه المخالفة وقعت عن عجز لا يمكن دفعه.
والذي فرق بينهما من أهل العلم يُحمل كلامه على أنه لا عذر في مخالفة الأصول لاستفاضة العلم في الأمصار التي يعيشون فيها أو يقصدونها من كلامهم .. وأن العلم متيسر للجميع لمن أراده وقصده، لذا من يقع في الكفر أو الشرك لا يُعذر، لا لأنه وقع في الكفر أو الشرك، بل لأنه وقع فيه عن غير عجز .. وهو قادر على أن يدفعه وما فعل .. فما الذي منعه ..؟!
لذلك عذروا ـ في هذا الموضع ـ في الفروع لاحتمال حصول العجز عن الإلمام في جميع فروع الدين، ولم يعذروا بالأصول، والأمور المعلومة من الدين بالضرورة لانتفاء إمكانية وجود العاجز ـ بحسب علمهم وغلبة الظن لديهم ـ عن إدراك هذه الأصول المعلومة من الدين بالضرورة لمن قصد وأراد أن يدركها أو يعرفها .. فالعلم متيسر .. وطلبه سهل .. والجهل به ناتج عن تقصير متعمد، وليس عن عجز لا يمكن دفعه!
وهذا يعني أنه إذا توفرت ظروف ودواعي العجز المانع عن إدراك مراد الشارع ولو كان ذلك في الأصول .. فإنهم يعذرون بذلك، ولا بد لهم من العذر بذلك، لقوله تعالى: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها . ولقوله تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم .
قال الشافعي رحمه الله: فإن الله تعالى يعلم أن هذا مستطيع يفعل ما استطاعه فيثيبه، وهذا مستطيع لا يفعل ما استطاعه فيعذبه، فإنما يعذبه لأنه لا يفعل مع القدرة، وقد علم الله ذلك منه، ومن لا يستطيع لا يأمره ولا يُعذبه على ما لم يستطعه ا- هـ.
قلت: لأن العجز يرفع التكليف باتفاق، سواء كان هذا التكليف من الأصول أم من الفروع .. لا فرق.
قال ابن تيمية في كتابه القيم رفع الملام ص114: إن العذر لا يكون عذراً إلا مع العجز عن إزالته، وإلا فمتى أمكن الإنسان معرفة الحق، فقصر فيه، لم يكن معذوراً ا- هـ.
وقال في الفتاوى 20/61: فإن العجز مسقط للأمر والنهي وإن كان واجباً في الأصل ا- هـ.
ما تقدم هو خلاصة مذاهب الفقهاء المعتبرين فيما سألتم عنه، الذين منهم شيخ الإسلام، وتلميذه ابن القيم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب .. ولولا خشية الإطالة، وكثرة الأشغال لأتينا على ذكر أقوالهم قولاً قولاً، وربما بسطنا شيئاً من ذلك في أبحاثنا الأخرى ذا ت العلاقة بالموضوع، والحمد لله رب العالمين.


يتبع

اخوكم
ابو عزام الانصاري
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:10 am

* * *
س11: لقد ادعى جهمية عصرنا في الجزائر الإجماع والاتفاق المطلق على العذر بالجهل، وأنها مسألة قطعية لا تقبل الخلاف، وكعادتهم نسبوا هذا القطع إلى ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب، وأهملوا ولم يراعوا ما كتبه أحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب من أئمة الدعوة النجدية عن هذه القضية، فهل فعلاً هؤلاء العلماء يعذرون بالجهل أم لا ؟!
وبخاصة أنهم لا يفصلون في إطلاق العذر، ولا في قيام الحجة، فهل يُشترط قيام الحجة على المشرك في عبادة الله، وما ضابطها وما صفتها، وما صفة من يقيمها ..؟
مع العلم أنهم يوردون قولاً لشيخ الإسلام ابن تيمية مفاده: أنه يعذر بالجهل مطلقاً نظراً لعدم فشو العلم، ولغلبة الجهل، وأن هذه القاعدة من أعظم ما بينه شيخ الإسلام، وأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب تبنى هذا القول، ولم يكفِّر الذي يطوف حول قبر البدوي، ولم يكفر ابن عربي الحلولي، في حين نجد علماء نجد يوجهون هذه النقولات بأنها قيلت مصلحة للدعوة، فما هو التوجيه الصحيح لهذا الكلام ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين . بالنسبة للعذر بالجهل أقول: إن كان هذا الجهل عن عجز لا يمكن دفعه؛ كحديث عهد بالكفر، أو الذي يسكن في منطقة نائية لا العلم يصله، ولا هو يستطيع أن يصل العلم، أو لاندراس علوم الشريعة في البلدة التي يعيش فيها، ونحو ذلك فإن الجهل يعذر صاحبه، ويمنع عنه لحوق الوعيد .. ولا يجوز أن يُكفَّر
ـ لو وقع بالكفر بسبب ذلك ـ إلا بعد قيام الحجة الشرعية عليه؛ بإيصال المعلومة الشرعية الصحيحة التي تدفع عنه ما قد جهل به.
والعذر بالجهل بهذا المعنى المتقدم هو موطن اتفاق جميع أهل العلم بحسب ما أعلم، الذين منهم شيخ الإسلام، وابن القيم، ومحمد بن عبد الوهاب .. وأحفاده رحمهم الله أجمعين.
أما إن كان الجهل بفرائض الدين وشرائعه المعلومة من الدين بالضرورة ـ التي أعظمها التوحيد ـ ناتجاً عن تقصير يمكن دفعه، لكن صاحبه لا يفعل زهداً بالعلم وأهله، وانشغالاً بالدنيا وزينتها، وغير ذلك من الأسباب الساقطة .. فإن الجهل لا يعذر صاحبه، ولا يمنع عنه لحوق الوعيد وحكم الكفر لو وقع في الكفر .. وهذا لا أعلم فيه خلافاً بين أهل العلم.
فإن كثيراً من المشركين وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز .. بأنهم لا يعلمون .. ولا يفقهون .. ولا يعقلون .. وبأنهم جاهلون .. ومع ذلك فهم مشركون بأعيانهم ومعذبون يوم القيامة؛ لأن جهلهم ناتج عن إعراض عن العلم وعن تعلمه .. وليس عن عجز لا يمكن دفعه.
والذين أخطأوا في مسألة العذر بالجهل صنفان:
صنف قالوا بالعذر بالجهل على الإطلاق من دون تفصيل مستدلين بأقوال بعض أهل العلم التي تفيد العذر بالجهل المعجز الذي لا يمكن دفعه إلا بعد إقامة الحجة الشرعية عليه .. فحملوا كلامهم على القادر والعاجز، وجعلوهما سواء !!
وفريق آخر لا يرى العذر بالجهل مطلقاً مستدلاً على قوله بالآيات التي تفيد أن المشركين لا يعلمون .. ولا يفقهون .. وأنهم جاهلون .. ومع ذلك فهم معذبون، متجاهلاً بذلك الآيات والأحاديث الأخرى التي تستثني من يقع بالجهل عن عجز لا يمكن دفعه ..!
وكلاهما خطأ، والصواب الذي نعتقده، ونص عليه أهل العلم: هو التفصيل المتقدم الذكر.
أما القول: بأن كلام الشيخ عن العذر بالجهل هو من قبيل مراعاة مصلحة الدعوة .. وليس لكون النصوص تدل على ذلك .. هو كلام غير صحيح لا يصح عن الشيخ، ولا يليق به .. وحبذا لو ذُكرت لنا المصادر التي ذَكر فيها أحفاده ذلك عن الشيخ ..!
أما السؤال عن صفة الحجة .. وصفة قيامها على الجاهل المخالف ..؟
أقول: المراد من الحجة هنا هي المعلومة الشرعية ـ المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة ـ التي تنفي عن المخالف عنصر الجهل فيما قد خالف فيه .. فلو وقع المرء في استحلال الربا مثلاً لا تقوم عليه الحجة لو بلغته النصوص التي تفيد حرمة الخمر، أو الزنى .. فلا تقوم عليه الحجة إلا بعد بلوغه النصوص التي تفيد حرمة الربا .. وهذا مثال ضربناه لكم لتوضيح الصورة، والقياس عليه.
أما صفة من يقوم بهذه الحجة؛ أي بنقل هذه المعلومة الشرعية للجاهل المخالف .. تكمن في كل وسيلة تقدر على حمل هذه المعلومة الشرعية إليه؛ فقد يحملها ويقيمها عليه شخص عالم بهذه المعلومة الشرعية ـ ولا يُشترط فيه أن يكون عالماً بمجموع العلوم الشرعية كما يدعي البعض! ـ وقد يكون كتاباً، أو مجلة، أو مذياعاً، أو شريطاً مسجلاً يتضمن محاضرة أو درساً لأحد من أهل العلم تناول في درسه أو محاضرته ذكر المعلومة الشرعية التي تدفع عن المخالف الجهل فيما قد خالف فيه .. والله تعالى أعلم.
* * *
س12: أوَّل جهمية بلادنا ـ الجزائر ـ قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما فرق بين قيام الحجة، وفهم الحجة، وقالوا أن الفهم فهمان: فهم الدعوة، وفهم الاستجابة .. فهل هذا صحيح .. وبارك الله فيكم ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين . كلمة " فهم الدعوة " كلمة مطاطة وحمالة أوجه، ولكن إن كان المراد منها فهم دلالات الخطاب الشرعي اللغوية بلغة يفهمها المخاطب فهذا معنى صحيح، وإن كان غير ذلك فهو معنى باطل وغير صحيح لا يريده الشيخ محمد بن عبد الوهاب ولا غيره من أهل العلم.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: فإن حجة الله هو القرآن الكريم فمن بلغه القرآن فقد بلغته الحجة، ولكن أصل الإشكال أنكم لا تفرقون بين قيام الحجة وبين فهم الحجة، فإن أكثر الكفار والمنافقين من المسلمين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم، كما قال تعالى: أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بـل أضل سبيلاً .
إلى أن قال: فإذا كان المعين يكفر إذا قامت عليه الحجة، فمن المعلوم أن قيامها ليس معناه أن يفهم كلام الله ورسوله مثل فهم أبي بكر  بل إذا بلغه كلام الله ورسوله وخلا من شيء يُعذر به فهو كافر كما كان الكفار كلهم تقوم عليهم الحجة بالقرآن مع قول الله  وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه . [ الرسائل الشخصية:ص220 و 244 ].
وقوله " وخلا من شيء يُعذر به " أي خلا من شيء يمنع من فهم الدلالات اللغوية للخطاب .. كأن يكون أعجمياً لا يفهم اللغة العربية .. أو أبكماً .. فمثل هذا لا بد من أن تقوم عليه الحجة بلغة يفهمها ويفهم ا المراد من تلك النصوص التي تتلى عليه .. والله تعالى أعلم.
* * *
س13: يقول الشيخ أبو بصير ـ حفظه الله ـ في رسالته " مسائل هامة في بيان حال جيوش الأمة ": هذه الجيوش كافرة مرتدة لا شرعية لها، يجب جهادها وقتالها .. لا يستلزم من ذلك أن يكون كل واحد في هذه الجيوش كافراً مرتداً، بل فيها الكافر المرتد وغير ذلك لاحتمال وجود الموانع الآنفة الذكر .. الجهل .. الإكراه .. أن يكون عيناً للمسلمين .
ثم نأتي للنقطة مثار الخلاف والنقاش، فيقول:" من ثبت لنا انتفاء موانع التكفير ـ الثلاثة الآنفة الذكر ـ عنه فهو كافر مرتد بعينه " .. فهو ـ حفظه الله ـ لا يكفر الجنود عيناً إلا بعد استيفاء الشروط وانتفاء الموانع .. هكذا نفهم ..؟
فنتوجه بالسؤال: نسأل الله  أن يشرح قلوبنا للحق .. ما الفارق بين المرتد المقدور عليه والغير مقدور عليه، وعلاقته بوجوب أو عدم إقامة الحجة عليه ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. مادام المرتد المقدور عليه أو الغير مقدور عليه قد سميت كلاً منهما " بالمرتد " وحكمت عليه بالردة بعينه .. لم يعد مبرراً لذكر مسألة قيام الحجة؛ إذ قيام الحجة تُطلب وتُشترط قبل أن تأخذ الأحكام الشرعية طريقها إلى المعين .. وأما بعد أن نحكم على المعين بالردة بعينه فالحديث حينئذٍ عن قيام الحجة عليه من العبث أو الترف الجدلي لا طائل منه .. لا ينبغي أن تُذكر أو أن تُقحم .. وهو ما حُكم عليه بالردة ابتداء إلا لأن الحجة قد بلغته وقامت عليه .. فشرط قيام الحجة موجود قبل الحكم عليه بالردة .. فعلام يُقحم ثانية بعد وقوعه في الردة ..؟!
وإنما الذي يُمكن ذكره في هذا الموضع هو مسألة الاستتابة: هل يُستتاب المرتد المقدور عليه أم لا .. وهل يوجد فرق بينه وبين المرتد المحارب الغير مقدور عليه أم لا .. .. وهل يوجد فرق بينه وبين المرتد المحارب الغير مقدور عليه أم لا .. والفرق بين الاستتابة وقيام الحجة فرق شاسع وبيِّن؛ فقيام الحجة تكون قبل أن نحكم على المعين بأنه كافر أو مرتد .. وتكون ـ أي الاستتابة ـ فرصته الأخيرة قبل أن يأخذ القصاص الشرعي طريقه إليه.
بعد هذا الذي تقدم أقول: لو جاء السؤال بالصيغة التالية: ما الفرق بين من يقع بالردة المقدور عليه، وبين من يقع بالردة الغير مقدور عليه .. من حيث وجوب قيام الحجة عليه .. لكان السؤال مقبولاً ووجيهاً أكثر لعلمكم بالفارق بين المرتد وبين من يقع في الردة .. والله تعالى أعلم.
* * *
س14: سعدنا بسرعة ردكم وقيامكم بالواجب الذي يليق بجنابكم للفصل في القضية محل النزاع .. وقد سردنا من قبل تمهيداً مبسطاً لا يخفى عليكم يبين للقراء مدى أهمية وخطورة القضية المطروحة .. ثم نتوجه لفضيلتكم بعد التعديل الذي تم بناءً على طلبكم وإيماناً بصوابه: ما الفرق بين من يقع بالردة المقدور عليه، وبين من يقع بالردة الغير مقدور عليه .. من حيث وجوب قيام الحجة عليه ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. تجب قيام الحجة على من يقع في المخالفة الشرعية ـ ولو كانت كفراً ـ على وجه العجز الذي لا يمكن دفعه، فمن وقع في المخالفة عن عجز لا يمكن له دفعه تُقام عليه الحجة التي تدفع عنه العجز فيما قد خالف فيه قبل أن تُحمل عليه الأحكام بعينه .. أما من يقع في المخالفة الشرعية عن جهل غير معجز يمكن له دفعه .. لكنه لسبب أو آخر ـ لا يعمل ـ ولا يحرص على دفعه .. فمثل هذا ـ لو وقع في المخالفة ـ لا يُعذر بالجهل .. ولا تجب إقامة الحجة عليه .. وأحكام الله تعالى تنزل عليه وتطاله بعينه .
ولمعرفة العاجز من غير العاجز في معرفة الحق .. ينبغي النظر إلى عدة أمور منها: البيئة التي يعيش فيها .. ومنها: المسألة التي جهل فيها .. هل هي من الأمور الخفية المشكلة .. أم من الأمور الجلية التي استفاض فيها العلم ..!
هذه قاعدة .. تُبنى عليها جميع مسائل العذر بالجهل وقيام الحجة تقريباً ..!
والآن نأتي إلى المسألة المطروحة فأقول: لا فرق بين من يقع بالردة المقدور عليه وبين من يقع بالردة الغير مقدور عليه من حيث وجوب قيام الحجة .. لأن مناط وجوب قيام الحجة وجود الجهل المعجز الذي لا يمكن دفعه .. بغض النظر عن هذا المخالف هل هو ممن يُقدر عليه أم لا .
إلا أنه يمكننا القول أن هذا الغير مقدور عليه إذا كان ممن يمتنع بالقتال ومظاهرة المشركين ـ إضافة إلى وقوعه بالردة ـ فإنه حينئذٍ لا بد من قتاله على أنه كافر مرتد بعينه .. والله تعالى يتولى سريرته إن كانت غير ذلك .. ونحن معذورون لأنه لا سبيل لنا إلا على ظاهره الذي يلزمنا بكفره وتكفيره.
* * *
س15: جزاك الله خيراً شيخي الكريم .. وإني لأطمع في مزيدٍ من الوقت ليزول الإشكال، ويُرفع ما عندي من اللبس، فبالله الذي لا إله إلا هو إن في حل هذا الإشكال الخير الكثير بإذن الله وما نبغي منه إلا اتباع الحق .. فنتوجه بالسؤال لفضيلتكم: ما تفسيركم لما فعله رسول الله  مع عمه العباس وذلك حين أجرى عليه أحكام الكفار في أخذ الفداء من الأسرى واعتباره كافراً عيناً في الحكم الظاهر، وما كان ذلك إلا لخروجه في غزوة بدر مع الكفار لقتال المسلمين، ولم يأخذ بدعوى الإكراه كمانع في حقه ..؟
ولهذا روي أن العباس قال: يا رسول الله كنت مكرهاً، قال:" أما
ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله "[ مجموع الفتاوى:19/224_225].
وما تفسير فضيلتكم على إجماع الصحابة على كفر أنصار أئمة الردة كأنصار مسيلمة، وطليحة الأسدي، وما ترتب عليه من غنم أموالهم وسبي نسائهم وشهودهم على قتلاهم بأنهم في النار، وهذا تكفير منهم لهم على التعيين .. رغم أن فيهم المكره والجاهل المضلل ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. العباس لم يكن مكرهاً الإكراه الشرعي الذي يمنع من لحوق الوعيد به لأنه كان قبل أن يُكره على الخروج للقتال يقدر على الهجرة .. وهو من الذين يستطيعون حيلة، ويهتدون سبيلاً .. لكنه لم يفعل .. فظل مقيماً بين أظهر المشركين بإرادته إلى أن أكره على الخروج معهم للقتال .. لذلك لم يقبل النبي  عذره بالإكراه .. فهناك فرق بين أن ينزل الإكراه بك من دون إرادتك .. وبين أن ينزل بك الإكراه بإرادتك واستشراف منك فالأول يعذر، والآخر لا يعذر.
أما قولك أن الصحابة قد أجمعوا على تكفير أعيان أنصار مسيلمة الكذاب، وطليحة الأسدي .. بما في ذلك المكره والجاهل .. فهذا لا أعرفه .. وحبذا لو ذكرتم لنا مصدر هذا الإجماع ..؟!
ثم كيف يكون إجماعاً وهو مخالف لقوله تعالى: إلا من أكره  .. فمن ثبت تكفيره من
قبل السلف بعينه فهذا لا يكون مكرهاً الإكراه المعتبر .. ولا جاهلاً الجهل المعتبر ..؟!
والمعروف أن الصحابة استنطقوا المرتدين عند استتابتهم ووقف قتالهم بأن
يقروا:" بأن قتلاهم في النار .. وقتلى المسلمين في الجنة " وهذا حكم عام .. وصيغة عامة لا تفيد تعيين أفراد المعسكرين بأعيانهم سواء عسكر المسلمين .. أم عسكر المرتدين .. والله تعالى أعلم.
يتبع

اخوكم ابو عزام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:12 am

* * *
س16: عصمنا الله بالتقوى، ووفقنا لموافقة الهدى  يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات  ..  وقل ربي زدني علماً ، وبعد: لقد سعدنا كثيراً بتفسيركم لقصة العباس وموقف النبي  منه يوم بدر، وهو الموافق لتفسير الآية: إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها  فجزاكم الله خيراً لتنبيهنا لتلك النقطة .. وإن كان لا يزال هناك إشكال في فهمنا لمقولة شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوى:19/224- 225:وقد يُقاتلون وفيهم مؤمن يكتم إيمانه يشهد القتال معهم ولا يمكنه الهجرة، وهو مكره على القتال ويُبعث على نيته كما في الصحيح عن النبي  أنه قال:" يغزو جيش هذا البيت فبينما هم ببيداء من الأرض إذ خسف بهم، فقيل يا رسول الله وفيهم المكره ؟ قال: يُبعثون على نياتهم " وهذا في ظاهر الأمر، وإن قتل وحكم عليه بما يُحكم على الكفار، فالله يبعثه على نيته كما أن المنافقين منا يحكم لهم في الظاهر بحكم الإسلام ويُبعثون على نياتهم والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر ......
ولهذا روي أن العباس قال يا رسول الله كنت مكرهاً قال: أما ظاهرك فكان علينا وأما سريرتك فإلى الله .. ا- هـ.
فهذا إقرار من شيخ الإسلام رحمه الله ـ على حد علمي ـ بالكفر
حكماً وليس على الحقيقة على كل من خرج إلى القتال مع الكفار، ولو كان مؤمناً مكرهاً في الحقيقة ؟؟
ثم سؤالنا لفضيلتكم حفظكم الله وزادكم علماً .. ما وجه استدلال شيخ الإسلام رحمه الله بحديث العباس على هذا الحكم .. وحقيقة قوله " ولا يمكنه الهجرة " مع ما تقرر لدينا أنه كان يستطيع الهجرة ..؟؟
هذا بالنسبة لحديث العباس أما بالنسبة لإجماع الصحابة رضوان الله عليهم ـ فهو على حد علمي ـ قد ثبت بالقول وبالفعل وبالإقرار، أما القول: فهو قول أبي بكر " وتكون قتلاكم في النار " ووافقه عمر وتتابع القوم على قول عم ر كما في حديث طارق بن شهاب، وأما الفعل: فهو أن الصحابة قاتلوهم جميعاً على صفة واحدة؛ وهي صفة قتال أهل الردة ولم يُفرقوا بين تابع
ومتبوع، وأما الإقرار: فهو أنه لا يُعرف مخالف أو منكر من الصحابة لهذا .
وكون قول أبي بكر  " وتكون قتلاكم في النار " عندما ذكرناه كدليل على تكفيرهم عيناً فإنما كان ذلك باستدلالنا على قول الطحاوي " ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم، ولا نُنزل أحداً منهم جنة ولا نارا " إنما كانت الشهادة بالنار تجوز كما لا يخفى عليكم على كل من مات على الكفر كقوله عليه الصلاة والسلام:" حيثما مررت بقبر كافرٍ فبشره بالنار ".
وأخيراً حتى لا نطيل عليكم نريد من فضيلتكم توضيحاً أكثر لمقولتكم " فمن ثبت تكفيره من قبل السلف بعينه فهذا لا يكون مكرهاً الإكراه المعتبر .. ولا جاهلاً الجهل المعتبر " فأنى لهم أن يعلموا هذا وهم لم يتبينوا في حقهم توفر الشروط وانتفاء الموانع لما كانوا ممتنعين بالشوكة، وقد كانوا ألوفاً، فقد ذكر
ابن تيمية أن أتباع مسيلمة كانوا نحو مائة ألف أو أكثر ..؟!
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أجيب على ما تقد م من أسئلة واعتراضات في النقاط التالية:
1- يُستفاد من كلام شيخ الإسلام أن عسكر الكفر يُقاتل بما فيهم المكرهين على القتال مع المؤمنين .. لصعوبة تمييزهم عن الكافرين .. ولوجودهم في صفوف القتال مع الكافرين .. وأن المكرهين من المؤمنين يُبعثون على نياتهم يوم القيامة .
مع ضرورة التنبيه إلى أن هذا المؤمن المكره الذي يكثر سواد الكافرين لا يجوز له أن يُباشر مهمة قتال المسلمين .. ولو كان مكرهاً .. فالإكراه يبرر له الخروج .. ولا يبرر له مباشرة القتال .. ولو كان على وجه الدفاع عن النفس .. وإن أدى عصيانه إلى قتله من قبل المشركين .. فدمه ليس أعز من دم إخوانه المسلمين ..!
فإن باشر القتال مع المشركين ضد المسلمين فإنه يضعف في حقه عذر الإكراه كمانع من موانع لحوق الوعيد بالمعين .. إن لم يزل كلياً !
2- ويُستفاد كذلك أن هؤلاء المكرهين من المؤمنين يأخذون حكم الكافرين في الدنيا على اعتبار ظاهرهم .. وصعوبة معرفتهم أو تمييزهم .. فيأخذون لأجل ذلك وصف وحكم العسكر الذي هم فيه .. والله تعالى يتولى سرائرهم يوم القيامة .. ولو أمكن معرفتهم أو تمييزهم بأعيانهم لم جاز الحكم عليهم بالكفر أو الخلود في النار .. ولو كانوا صرعى بين قتلى المشركين .. والله تعالى أعلم.
فإن قيل علام قد نفيت من قبل تكفير الصحابة لأعيان المكرهين على القتال في صفوف المرتدين ..؟!
أقول: الذي نفيناه .. وننفيه جواز الحكم على المعين بالكفر أو الخلود في النار .. مع العلم المسبق أن هذا المعين إنما حمله على الوقوع في الكفر الإكراه المعتبر شرعاً.
والذي أثبتناه ونثبته ما تقدم ذكره؛ وهو الحكم على المعين المكره بالكفر والخلود في النار لاعتبار ظاهره المكفر الذي وافته المنية عليه .. ولجهلنا بأنه من المؤمنين المكرهين المعذورين .. والله تعالى أعلم.
3- أما سؤالكم عن وجه استدلال شيخ الإسلام بحديث العباس على هذا الحكم، وحقيقة قوله " ولا يمكنه الهجرة " مع ما تقرر لدينا أنه كان يستطيع الهجرة ..؟!
أقول: إن شيخ الإسلام قد استدل بحديث العباس على أن الجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر .. ولم يستدل به على مسألتنا المتقدمة أو " على هذا الحكم " كما قلت !
أعد قراءة كلامه من جديد .. وإليك كلامه:" والجزاء يوم القيامة على ما في القلوب لا على مجرد الظواهر؛ ولهذا روي أن العباس قال .. " الخ.
فهو أولاً ابتدأ كلامه كفقرة جديدة عن الفقرة التي قبلها .. ثم جاء استدلاله بما روي عن ابن عباس كجملة تفسيرية لما جاء قبلها من كلام .. فانتبه إلى " الفاصلة التفسيرية المنقوطة " التي تفسر ما قبلها .. والتي حذفتها ووضعت بدلاً عنها عدة نقاط التي توحي بوجود كلام لشيخ الإسلام لا دخل له في المسألة قد تجاوزته للاختصار، وهذا لا شك أنه يخل بالمعنى الذي يريده شيخ الإسلام!
4- ومما يمكن أن يُقال كذلك أن معنى قوله  للعباس:" ظاهرك فكان علينا، وأما سريرتك فإلى الله "؛ أي أن ظاهرك الذي كان علينا لا يدل على أنك كنت مكرهاً الإكراه الشرعي الذي يعذر .. فالله تعالى يتولى سريرتك، وهو الأعلم بك هل كنت صادقاً في دعواك الإكراه أم لا .. والذي يعيننا على هذا الفهم أن جواب النبي  كان رداً على كلام العباس الذي زعم فيه أنه كان مكرهاً ..!
ومما أضعف من اعتذار العباس بالإكراه كذلك أنه قد باشر القتال .. وهذا ليس من شأن المكره كما أفدنا من قبل، كما في رواية السدي قال: لما أسر العباس، وعقيل، ونوفل قال النبي :" افد نفسك وابن أخيك "، قال يا رسول الله: ألم نصلِّ قبلتك، ونشهد شهادتك ..؟ قال:" يا عباس إنكم خاصمتم فخُصمتم، ثم تلا عليه هذه الآية: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها .
5- إلزام الصحابة للمرتدين بأن يقولوا:" أن قتلاهم في النار " ليس فيه دليل على موطن الخلاف؛ وهو تكفيرهم للمعين المكره من المؤمنين بأنه كافر ومن أهل النار .. وعبارتهم المتقدمة صيغة من صيغ العموم كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
6- لا وجه لاستدلالك بكلام الطحاوي على تكفير المعين .. فكلام الطحاوي المنقول يفيد أنه لا يجوز أن نشهد لأحد بعينه ـ ممن لم يرد فيهم نص ـ من أهل القبلة بجنة ولا نار .. فكلامه بواد ومسألتنا في وادٍ آخر .. مع ضرورة التنبيه أنه يجوز لنا أن نشهد لأهل القبلة على وجه العموم بالجنة، كأن نقول: قتلى المسلمين شهداء وهم في الجنة .. قتلانا في الجنة .. وقتلى المشركين في النار .. ونحوها من العبارات العامة، فهذا لا حرج فيه إن شاء الله.
7- قولك " فأنى لهم ـ أي السلف ـ أن يعلموا هذا وهم لم يتبينوا في حقهم توفر الشروط وانتفاء الموانع لما كانوا ممتنعين بالشوكة، وقد كانوا ألوفاً .. " الخ .
أقول: كلامك هذا ليس دقيقاً؛ فقد ثبت أن الصحابة كانوا يتثبتون .. ويحققون .. ويُحاجون من يجدونه في سلطان مسيلمة الكذاب ممن أشكل عليهم حقيقة موقفه، كما حصل مع خالد بن الوليد وهو في مسيره إلى أهل اليمامة لما ارتدوا، فأرسل مائتي فارس وقدمهم كطليعة لجيشه، وقال لهم من أصبتم من الناس فخذوه، فأخذوا " مُجاعة " في ثلاثة وعشرين رجلاً من قومه، فلما وصل إلى خالد، قال له: يا خالد، لقد علمت أني قدمت على رسول الله  في حياته فبايعته على الإسلام، وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإن يكُ كذاباً قد خرج فينا فإن الله يقول: ولا تزر وازرة وزر أخرى " !
قال خالد: يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه أمس، وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك عنه، وأنت أعز أهل اليمامة، وقد بلغك مسيري، إقرار له ورضاء بما جاء به !
فهل لا أبيت عذراً، وتكلمت فيمن تكلم؛ فقد تكلم ثمامة فرد وأنكر، وتلكم أليشكري .. فإن قلت أخاف قومي، فهلا عمدت إلي أو بعثت إلي رسولاً ..؟!!
فقال مُجاعة: إن رأيت يا ابن المغيرة أن تعفوا عن هذا كله ..؟!
قال خالد: قد عفوت عن دمك، ولكن في نفسي حرج من تركك ..!! [ مجموعة التوحيد:199 ].
أقول: القصة فيها فوائد عدة وعظيمة يخصنا منها: إثبات ما كنت قد نفيته بأن الصحابة لم يكونوا يتبينوا في حقهم توفر الشروط وانتفاء الموانع .. والله تعالى أعلم.
8- وفي الختام أود أن أخبرك يا صقر أني أحبك في الله .. راجياً الله تعالى أن يكثر في الأمة الصقور .. وأن يقتل خفافيش الدجى والنفاق والإرجاف ..
* * *
س17: أحبك الله الذي أحببتني فيه .. من كان شيخه كتابه كثر خطأه وقل صوابه .. ومن تواصل مع العلماء فقه وأصاب وقلت عثراته .. أدام الله علمكم ورعاكم .
شيخي الحبيب .. نقطة هامة لالتقاء الكلمة ووضوح المعنى الذي تبين لنا أنكم معشر العلماء ـ علماء الجهاد ـ قد تختلف عباراتكم قليلاً ولكن الرؤية والمعنى يكاد يكون واحداً باستثناء تفاوت التكفير بينكم صعوداً وهبوطاً .. ولما لا وقد شهدنا لكم بالإخلاص ولا نزكي على الله منكم أحداً وشهدتم على أنفسكم بالاتباع ورضيتم بطريقة السلف منهجاً ..
فقولكم:" ويُستفاد كذلك أن هؤلاء المكرهين من المؤمنين يأخذون حكم الكافرين في الدنيا على اعتبار ظاهرهم .. وصعوبة معرفتهم أو تمييزهم .. فيأخذون لأجل ذلك وصف وحكم العسكر الذي هم فيه .. والله تعالى يتولى سرائرهم يوم القيامة .. ولو أمكن معرفتهم أو تمييزهم لما جاز الحكم عليهم بالكفر أو الخلود في النار .. ولو كانوا صرعى بين قتلى المشركين .. والله تعالى أعلم ".
هذا ما كنا نريد منكم بفضل الله توضيحه .. ففقه الجهاد كما لا يخفى عليكم ليس كباقي أبواب الفقه لما في الغلط من قبل الأخوة في تفسير ألفاظه من استحلال الأموال والدماء وإحباط المسيرة الجهادية ما بين الإفراط والتفريط !
فجزاكم الله عنا خيراً كثيراً، ونرجو من فضيلتكم نشر تلك المسألة في رسالة صغيرة على موقعكم بعد الترتيب والتنقيح لعموم الفائدة .
وسؤالي الأخير لفضيلتكم: ما رأيكم في تلك العبارة " أن الممتنع إن قام
في حقه مانع لم نطلع عليه، أو لم يظهر لنا، فنحن معذورون في معاملته معاملة الكفار من قتل وغنم مال ونحوه .. ونحن غير مطالبين باستيفاء الشروط وتبين الموانع مادام تلبّس بنصرة الشرك وامتنع عن القدرة " فأرجو تنقيحها وتهذيبها .. وشكراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. الممتنع الذي يظاهر المشركين على المسلمين .. يُقاتل على أنه منهم، ويُعامل معاملتهم .. ولا يُشترط هنا تتبع الموانع؛ لأنه متعسر وغير ممكن .. واشتراطه يستلزم منه تعطيل الجهاد، وتعريض حرمات البلاد والعباد إلى الانتهاك من قبل الأعداء .. وقد مضت السنة أن جيش الكفار يُقاتل ومن دون التحري عن العناصر المعذورين .. فإن وجدوا وقُتلوا بُعثوا على نياتهم .. وجزاهم الله على سرائرهم.
مع التنبيه إلى أن هذه المسألة حساسة ودقيقة .. ينبغي التعامل معها بفقه وتقوى .. وبخاصة أننا نعيش في زمان الأمة كلها ممتنعة عن الطاعة لسلطان الإسلام .. إلا من رحم الله .. لأن الإسلام ليس له السلطان الذي يذود عنه ويُقاتل دونه .. والذي يفرض على العباد الدخول في السلم والطاعة كافة!
لذا نجد أنفسنا ملزمين ـ ومن قبيل السياسة الشرعية ـ أن نطالب المجاهدين في أصقاع الأرض بأن يُحسنوا ترتيب أولوياتهم .. والابتداء بالأشد كفراً وشراً وعداءً .. وأن لا يُعملوا السيف في الأمة .. بحجة أنهم ممتنعون عن الطاعة أو الحجة .. وأن لا يبدأوا بالذراري والنساء والشيوخ! ـ وهو ما لا نراه جائزاً ـ ومن لا زبر له يزبره .. ويتركوا طواغيت وصناديد الكفر والطغيان تعربد في البلاد وتفتن العباد .. كيفما تشاء .. والله تعالى أعلم.
* * *
س18: جزاكم الله خيراً شيخنا الفاضل، وبارك فيكم وفي علمكم .. لقد أشكل علي شيء في مقالكم أرجو منكم أن تبينوه وهو قولكم عن حاطب :" أنه كان متأولاً في فعله .. لم يكن يعلم ـ أو يظن ـ أن هذا الذي فعله يمكن أن يرقى إلى درجة الكفر والخروج من الإسلام .. أو أنه يضر في إيمانه .. ولم يكن يقصد به الغش والغدر برسول الله ".
فما درجة قبول العذر بالتأويل .. وهل يُشترط أن يعلم أن هذا الفعل يرقى به إلى الكفر .. أليس يكفي أن يعلم أنه محرم .. وهل يُشترط عدم قصد الغش، أليس الفعل نفسه يعتبر غشاً .. وهل يُعتبر الجهل بكون الفعل كفراً مع العلم بأنه محرم نوعاً من التأويل المقبول .. نرجو أن تبينوا لنا وجزاكم الله خيراً ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. أفيد على ما تقدم من إشكال وأسئلة بما يلي:
1- بالنسبة لقصة حاطب .. لا بد من النظر إلى مجموع الأسباب والعوامل التي أقالت عثرته، وحالت من لحوق وعيد الكفر به والتي أجملنا ذكرها في النقاط الخمس من مقالنا " حكم الجاسوس " .
فإن اقتصر النظر على سببٍ منها دون غيرها .. صعب علينا فهم قصة حاطب والأسباب الحقيقية التي أدت إلى إقالة عثرته وحالت دون لحوق الكفر به.
2- عند الحديث عن صحابي بدري جليل كحاطب .. وعما كبا وزل فيه .. لا بد من أن نُعمل معه أحسن الظن والتأويل .. بما يليق بجنابه وفضله وجهاده، وحسناته .. وهذا بخلاف لو أردنا أن نتناول شخصاً معيناً مجروحاً في عدالته .. مشبوهاً في علاقاته وارتباطاته .. فإنه لا يحتاج ولا يستحق منا إلى كل
هذا التأويل والظن الحسن ..!
3- التأويل أحياناً يكون مانعاً من موانع لحوق الكفر والوعيد بالمعين .. وذلك بحسب نوعية وقوة التأويل واستساغته شرعاً، وعقلاً، ولغة.
وعند الحكم على معين بأنه معذور بالتأويل لا بد من النظر إلى أمور منها: المسألة التي تأولها .. هل تحتمل التأويل أم لا .. والطريقة التي تأول بها هل هي مستساغة شرعاً ولغة وعقلاً .. والشخص المؤَّل ذاته .. والملابسات المحيطة به التي حملته على هذا النوع من التأويل .. والنظر إلى سيرته ومواقفه العامة من دين الله تعالى .. هل هو ممن يعهد عليهم تأويلات وتفسيرات أهل الزندقة أم لا .. فهذا كله يؤثر على تحديد التأويل المعذر من سواه .. ويُحدد الدرجة التي يُتأول له بها .. حيث هناك تأويل يمنع عن المعين لحوق التكفير لكن لا يمنع عنه التضليل والتأثيم والتعزير .. وهناك تأويل يُسقط عنه حد الردة ولا يُسقط عنه ما دونه من الحدود .. وهناك تأويل يسقطهما معاً في الدنيا والآخرة .. وهذا فقه كبير .. تفصيله يطول لا يسمح به المقام هنا .. لا بد لمن يستشرف الحكم على الآخرين بالتأويل أو عدمه أن يكون ملماً إلماماً جيداً بهذا الفقه .. والله تعالى أعلم.
4- حديثنا عن سلامة القصد .. وتشفعه لحاطب .. ذكرنا أن ذلك كان خاصية من خصوصيات النبي  حيث كان يُقيل عثرات بعض أصحابه لعلمه بسلامة سريرتهم وقصدهم وباطنهم عن طريق الوحي .. وهذه ليست لأحد بعد النبي ؛ بمعنى لو فعل شخص في زماننا ما فعله حاطب .. لا يمكن أن نحكم على باطنه وقصده .. وإنما نحكم عليه من خلال ما يظهر لنا من كفر أو إيمان .. وهذا الذي أردناه عندما ذكرنا أثر عمر .
5- إذا أردت يا أخي أن تأخذ من مقالي فقط الفقرة التي أشكلت عليك الآنفة الذكر .. من دون أن تجمع بينها وبين غيرها من النقاط والكلام .. أو من دون أن تنظر إلى مجموع المقال وتحسن التوفيق بين أجزائه .. ومقدماته ونتائجه .. تظلمني .. وتظلم المقال .. وتظلم حاطباً .. وتظلم المسألة كمسألة شرعية علمية .. هذا ما يحضرني الآن .. وما يسمح به الوقت من الإجابة على ما أشكل عليكم، وما تقدم من استفسارات .. أدعو الله لي ولكم بأن يفقهنا بالدين .. وأن يجعلنا من العاملين بما نعلم .. والحمد لله رب العالمين.

يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني Empty
مُساهمةموضوع: كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني   كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني I_icon_minitimeالجمعة أبريل 08, 2011 3:16 am

س19: إننا نعيش هنا في مصر وهي بلدة مرتدة مثل جميع البلاد المسماة إسلامية في هذا الزمان؛ لتركهم دين الإسلام ودخولهم في دين الطاغوت وشرعه وحكمه .. فأهل هذه البلاد مع كونهم يقولون لا إله إلا الله، إلا أنهم ارتكبوا جميع نواقض هذه الشهادة مثل الحكم والتحاكم إلى القانون الوضعي، وعبادة القبور والأضرحة وموالاة الكفار أعداء الدين، ومحاربة أولياء الله المسلمين الموحدين ..!
والسؤال: هو أنني لا أحكم لمجهول الحال في هذه البلاد التي أعيش فيها بالإسلام الحكمي، ولا أصلي إلا خلف من أعرف عقيدته ولا آكل إلا من ذبيحة الموحدين الذين أعرفهم .. فهل هذه بدعة .. وهل قول الرجل لا إله إلا الله يكفي للحكم له بالإسلام .. وهل الصلاة تعتبر دلالة على الإسلام في هذا الزمان .. مع العلم بأن الفتوى تُبنى على أصلين وهما: معرفة حال القوم، ومعرفة الحكم الشرعي ؟؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. ارتداد الأنظمة الحاكمة لا يستلزم ارتداد
المسلمين الذين يعيشون في تلك الأمصار التي تحكمها تلك الأنظمة المرتدة ..!
وأمصارنا لا تختلف كثيراً عن بلدة ماردين التي سئل عنها شيخ الإسلام ابن تيمية .. حيث كان فيها الكفار ويمثلون الطبقة الحاكمة المتنفذة .. والمسلمون ويمثلون عامة الناس والسكان، فأجاب شيخ الإسلام 28/240: دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها .. وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة: فيها المعنيان؛ ليست بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام لكون جندها مسلمين، ولا بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار بل هي قسم ثالث يُعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه ا- هـ.
قلت: وهذا الحكم يُحمل على أكثر أمصار المسلمين في هذا العصر لتطابق أوصافها مع أوصاف بلدة ماردين التي سُئل عنها شيخ الإسلام.
أما قولك عن أهل مصر وغيرها من أمصار المسلمين ـ على التعميم ومن دون استثناء ـ بأنهم كفروا وارتدوا ووقعوا في جميع نواقض الإيمان .. فهو وصف غير دقيق ولا صحيح، ولا ينم عن دراية بأحوال الناس ومجتمعاتهم .. وله نتائج سيئة على دينك وآخرتك!
فالفتوى الشرعية ـ كما ذكرت! ـ يُشترط لها الدراية بواقع المسألة، وبالأدلة الشرعية المطابقة لهذا الواقع .. وهذا ما لم تلتزم به في حكمك المتسرع ـ على العباد ـ الآنف الذكر!
وعليه فأقول: من أظهر شهادة التوحيد .. أو الصلاة ونحو ذلك من القرائن التي تدل على إسلامه .. وجب الإقرار له بالإسلام .. والتعامل معه معاملة المسلمين .. من صلاة خلفه .. أو أكل لذبيحته وغير ذلك، ولا يجوز أن يُعامل بخلاف ذلك .. أو يُحكم له بالكفر والخروج من الإسلام إلا إذا أظهر الكفر البواح ـ من غير مانع شرعي معتبر ـ لنا فيه من الكتاب أو السنة برهان قاطع.
فقد صح عن النبي  أنه قال:" من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذاك المسلم له ذمة الله وذمة رسوله " البخاري.
ولم يُلزم النبي  أمته بأن يتحروا عن اعتقاده .. وحقيقة إسلامه وإيمانه .. كما ألزمت أنت نفسك !
وفي صحيح مسلم أن النبي  سمع ذات يومٍ رجلاً ـ وهو في غزوة من غزواته ـ يقول: الله أكبر، الله أكبر، فقال :" على الفطرة "، فقال: لا إله إلا الله، فقال :" خرجت من النار ".
هذا حكم النبي  .. فاحذر أن تخالف حكمه وأمره .. فتهلك وتضل.
أما الصلاة خلف مستور الحال فقد نقل شيخ الإسلام اتفاق الأئمة على ذلك، فقال 4/542: وتجوز الصلاة خلف كل مسلم مستور باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين، فمن قال: لا أصلي جمعة ولا جماعة إلا خلف من أعرف عقيدته في الباطن فهذا مبتدع مخالف للصحابة والتابعين لهم بإحسانٍ وأئمة المسلمين الأربعة وغيرهم ا- هـ.
ثم اعلم أن هذا الاعتقاد الذي أنت عليه ـ إضافة إلى كونه مخالفاً للكتاب والسنة، وفهم الصحابة وما كان عليه الأئمة الأربعة وغيرهم ـ فإن مبدأه من الشيطان ونفخه .. وإن منتهاه إلى شؤم وغلو شديد في الدين .. وربما ينتهي بك المطاف إلى أن لا تعتقد بوجود مسلم على وجه الأرض غيرك .. وربما يصل بك الحال أن تكفر نفسك في اليوم عدة مرات .. كما حصل ذلك لأناس غيرك بدؤوا نفس بدايتك هذه .. وإني أعيذك من ذلك!
* * *
س20: كيف نوفق بين القول بأن الإنسان يكفر إذا أقيمت عليه الحجة ولم يوجد بحقه أي مانع من موانع التكفير، وبين موقف شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ عندما أقام الحجة على الجهمية ومع ذلك لم يكفرهم بأعيانهم .. كذلك موقف الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ مع المعتزلة .. رغم أنهم أقيمت عليهم الحجة .. بل هم علماء باللغة والدين ..؟!
والقول بعذرهم .. يحمل كثيراً من الناس على القول بعذر طواغيت الحكم بالإكـراه والجهل .. فإن قلت: جهلهم مردود، نقول: وجهل المأمون من باب أولى أن يكون مردوداً لأنه عن علم .. وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. قد ثبت عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه كفر بعض أعيان الجهمية الذين قالوا بأن القرآن مخلوق، وأمسك عن تكفير البعض الآخر.
والذي حمل الإمام على تكفير البعض بأعيانهم، وإمساكه عن تكفير البعض الآخر رغم اشتراكهما بنفس الذنب والجرم أن الذي كفره بعينه يكون قد ظهر له ما يستوجب تكفيره بعينه من حيث انعدام الأعذار بحقه المانعة من تكفيره.
أما من أمسك عن تكفيره بعينه فهو لظهور الموانع التي تمنع من تكفيره بعينه رغم اقترافه للكفر ..!
فإن قلت: قد عرفنا بالدليل إمساك الإمام أحمد عن تكفير بعض أعيان الجهمية الذين قالوا بأن القرآن مخلوق .. فأين الدليل الذي يفيد أن الإمام قد كفر بعضهم بأعيانهم ؟
أقول: روى صالح بن أحمد عن أبيه لما حُوّل إلى دار إسحق بن إبراهيم:
فكان يوجه إلي كل يوم رجلين، أحدهما يُقال له أحمد بن رباح، والآخر أبو شعيب الحجام، فلا يزالان يناظراني، حتى إذا أرادا الانصراف دُعي بقيد فزيد في قيودي. قال: فصار في رجله أربعة أقياد. قال أبي: فلما كان في اليوم الثالث دخل عليّ أحد الرجلين فناظرني، فقلت له: ما تقول في علم الله ؟ قال: علم ُ الله مخلوق، فقلت له: كَفَرْتَ، فقال الرسول الذي كان يحضر من قبل إسحق بن إبراهيم: إن هذا رسول أمير المؤمنين، فقلت له ـ أي الإمام أحمد ـ: إن هذا قد كَفَرَ .[ مسند الإمام أحمد بتحقيق أحمد شاكر:1/91 ].
فتأمل كيف أن الإمام أحمد قد كفره بعينه .. لما قال مقولته الباطلة تلك !
أما قياسك لطواغيت الحكم المعاصرين على من عذرهم الإمام أحمد ممن قالوا بأن القرآن مخلوق .. فهو قياس باطل لا يصح من وجوه:
منها: أن كفر الذين عذرهم الإمام أحمد كان كفرهم من جهة تأويلهم للصفات وقولهم بأن القرآن مخلوق .. بينما كفر طواغيت الحكم المعاصرين يأتي من جهة ارتكابهم لجميع نواقض الإسلام الظاهرة منها والباطنة ..!
ومنها: أن جهمية الصفات وقعوا فيما وقعوا فيه عن تأويل لا يمنع من تأثيمهم وتضليلهم .. ولكن يمنع بعضهم من تكفيرهم بأعيانهم!
بينما الحكام لا يمكن أن يُقال فيما وقعوا فيه من كفر أنهم وقعوا في ذلك عن تأويل .. لا يمكن أن يُقال أنهم بدلوا الشريعة وأحلوا محلها شرائع الكفر والطغيان عن تأويل .. فضلاً أن يُقال عن تأويل يمنع من تكفيرهم !
لا يمكن أن يُقال أنهم جعلوا من أنفسهم أرباباً من دون الله .. يشرعون التشريع الذي يضاهي ويضاد شرع الله .. عن تأويل!
لا يمكن أن يُقال أنهم دخلوا في موالاة ونصرة المشركين من اليهود والنصارى وغيرهم على ملة أهل التوحيد .. عن تأويل!
لا يمكن أن يُقال أنهم يحاربون دين الله تعالى بكل ما أتوا من قوة ووسائل .. عن تأويل!
ومنها: أن الذين تأولوا الصفات وقالوا أن القرآن مخلوق كالمأمون ونحوه .. أرادوا التنزيه والتعظيم .. ولم يريدوا التكذيب والجحود .. أو رد ما صح عندهم أنه من دين الله تعالى .. وهذا كان سبباً رئيسياً في إمساك الإمام أحمد وغيره من أهل العلم عن تكفيرهم بأعيانهم.
بينما طواغيت الحكم لا يمكن أن يُقال بحقهم وبما يظهرونه من كفر بواح .. ومن أبواب شتى .. أنهم أرادوا من ذلك التنزيه والتعظيم!!
لأجل هذه الأوجه ـ وغيرها من الأوجه مما لا يتسع المجال لذكرها هنا ـ نقول: أن قياس طواغيت الحكم المعاصرين .. على جهمية الصفات .. هو قياس فاسد وباطل.
* * *
س21: أنت تعرف يا شيخ أن القبور والمزارات منتشرة في كثير من أنحاء البلاد فمررت بأحدها فرأيت الناس يُشركون بالله بأنواع شتى من أنواع الشرك كدعاء الميت، والتمسح بقبره والطواف به وغير ذلك من أنواع الشرك.
فهل يجوز تكفيرهم أم لا .. قوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً  ليس فيها دليل على عدم التكفير؛ لأن الله  قال وما كنا معذبين  ولم يقل وما كنا مكفرين .. فالمرجو منك يا شيخ أن تبين لنا الدليل على عدم جواز التكفير قبل قيام الحجة من كتاب الله، وسنة رسوله وأقوال العلماء الربانيين.
ثم هل يصح لنا أن نقول كقاعدة كل ما ارتكب فعلاً أو قال قولاً حكم العلماء على هذا الفعل أو القول بأنه من الكفر أننا نكفر الفاعل أو القائل بعينه، أما بالنسبة للعذاب فإنه يكون بينه وبين ربه بحسب قيام الحجة عليه .. وجزاكم الله خيرا ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. هؤلاء الذين يطوفون بالقبور ويدعونها هم واحد من اثنين: إما أنه كافر أصلي، وإما أنه مسلم.
فإن كان كافراً ولم يسبق له أن دخل الإسلام .. فإن بلغته نذارة الرسل .. فهو كافر بعينه معذب يوم القيامة إن مات على كفره. وإن لم تبلغه نذارة الرسل فهو كافر بعينه .. لكن لا يُجزم بعذابه يوم القيامة .. فأمره إلى الله تعالى حيث يجري له اختباراً في عرصات يوم القيامة .. وعلى ضوئه فهو إما إلى الجنة وإما إلى النار.
أما إن كان مسلماً سبق له أن دخل الإسلام ثم قارف شيئاً من هذه الأعمال الشركية الآنفة الذكر في السؤال .. فإن كان قد بلغه القرآن الكريم .. وكان طلب العلم متيسراً له لو حرص عليه .. فهو كافر بعينه معذب يوم القيامة إن أدركته المنية وهو لا يزال على كفره .. ولا يُعذر بالجهل.
أما إن كان حديث عهد بالإسلام .. ولم يبلغه من العلم ما يدفع عنه هذا الجهل .. ولم يستطع أن يقف على العلم ـ رغم حرصه عليه ـ الذي يدفع عنه الجهل بما قد خالف فيه .. الصواب في هذه الحالة أن يُقال بكفر قوله وفعله .. دون الحكم عليه بعينه أنه كافر .. أو يُجزم بعذابه يوم القيامة.
وهؤلاء الذين رأيتهم يطوفون حول القبور .. أنت أدرى بهم وبوصفهم .. وبالتالي من أي صنف هم .. وأي حكم يُحمل عليهم.
والجواب على سؤالك الثاني أقول: قاعدتك التي ذكرتها لا تصح .. والصواب أن يُقال: من أظهر لنا الكفر البواح ـ من غير مانع شرعي معتبر ـ أظهرنا له التكفير .. وحكمنا عليه بالعذاب يوم القيامة لو مات على كفره وشركه.
ثم أن الحكم على المعين بأنه كافر ـ وبخاصة إن سبق له أن كان مسلماً ـ يترتب عليه آثار وأحكام في الدنيا والآخرة .. فالقضية ليست مقصورة على وعيد أو عذاب الآخرة .. وبالتالي فبأي حق تُلحق به الآثار المترتبة عليه في الدنيا .. مع اعتقادك أنه جاهل معذور بالجهل .. فقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً  كثير من أهل العلم يحملها على الوعيدين والعذابين: وعيد وعذاب الدنيا .. ووعيد وعذاب الآخرة .. أي أن العذاب والوعيد لا يطالهم في الدنيا والآخرة إلا بعد أن تبلغهم نذارة الرسل.
فإن قلت: علام حكمت إذاً على الكافر الأصلي المعذور بالجهل .. الذي لم تبلغه نذارة الرسل .. بالكفر بعينه .. وهذا وعيد في الدنيا؟
أقول: حكمنا عليه بالكفر بعينه لأنه لم يدخل الإسلام .. والإنسان إما أن يكون كافراً وإما أن يكون مسلماً .. والمرء لا يكون مسلماً إلا بالشهادتين أو بقرينة شرعية ظاهرة تنوب عنهما .. وهذا لم يأت بشيء من ذلك.
ثم حُكمنا عليه بعينه بالكفر لا يترتب عليه من جهتنا موقف عملي .. كجهاده .. واستحلال حرماته ونحو ذلك .. إلا بعد أن نبلغه الدعوة والنذارة فيقابلها بالصد والإعراض .. والله تعالى أعلم.

* * *
س22: هل العقل حجة من جملة الحجج الشرعية كالميثاق والفطرة، والآيات .. وإذا قلنا أن العذاب معلق بحجة نذارة الرسل فما قيمة هذه الحجج الشرعية الآنفة الذكر .. وجزاك الله خيراً.
الجواب: الحمد لله رب العالمين. الراجح لدي أن العقل وسيلة لفهم وإدراك الحجج الشرعية وليس حجة بذاته .. وهذا لا يعني أن العقل كنعمة لا يُسأل عنها الإنسان ولا يُحاسب.
وكون العذاب معلق بحجة نذارة الرسل .. لا يعني ولا يستلزم أن الحجج الأخرى لا قيمة لها .. بل قيمتها واضحة وبينة كسبب في هداية العباد إلى عبادة رب العباد ..  قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ .
ولا يعني كذلك أن الحجة لا تقوم بها، بل تقوم بها .. وهي حجة على العباد .. ولكن الله تعالى قضت حكمته ورحمته بعباده أن لا يعذب أحداً منهم إلا بعد قيام الحجة عليهم من جهة نذارة الرسل.
* * *
س23: لعلك ـ يا شيخنا ـ اطلعت على شرائط فتنة التكفير للألباني وقد أكثر الشيخ رحمه الله من الاستدلال بقوله  :" قال رجل لم يعمل خيراً قط فإذا مات فحرقوه، وذروا نصفه في البر ونصفه في البحر .. الحديث " فما تعليقكم عليه .. وهل هذا الحديث يدل على عدم كفر تارك الصلاة ..؟؟
وبالنسبة للحاكم المبدل لشريعة الله .. هل يكفر بموقعة واحدة .. أم أنه لا بد أن يكرر التبديل أو الحكم بغير ما أنزل الله، وهل هناك حد إذا تجاوزه الحاكم كفر .. وجزاكم الله خيراً ؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. ليس في الحديث المذكور دليل على عدم كفر تارك الصلاة .. وإنما فيه دليل على أن المرء الذي يقع في المخالفة ـ وإن كانت كفراً ـ عن جهل معجز لا يمكن دفعه .. أنه يُعذر بذلك.
فهذا الرجل وقع فيما وقع فيه ـ كما يقول أهل العلم ـ من المخالفة عن جهل منه لخصائص الله  وصفاته .. وما يستحقه من الصفات .. ولخوفه من ربه  .. لذلك أقال الله عثرته، وغفر له.
بينما الشيخ ناصر فقد جعل المانع من تكفير هذا الشخص بعينه ودخوله النار رغم أنه قال الكفر .. هو أنه لم يكن يعتقد الكفر في قلبه الذي نطق به .. فعدم اعتقاد الكفر واستحلاله القلبي له هو المانع من تكفيره عند الشيخ .. وهذا خطأ فادح مرده إلى أصول الشيخ الفاسدة في مسائل الإيمان والوعد والوعيد .. وقد أشرنا إليها في مواضع عدة.
فإن قلت كيف نفسر قوله :" لم يعمل خيراً قط " ..؟
أقول: المراد أنه لم يعمل خيراً قط زائداً عن أصل التوحيد .. والصلاة من التوحيد وشرط له .. تاركها كافر مشرك .. بنص حديث النبي  .. هذا ما يقتضيه مبدأ التوفيق والعمل بمجموع النصوص ذات العلاقة بالمسألة.
أما ما يتعلق بالشطر الثاني من السؤال الخاص بالحاكم المبدل .. فأقول: كل حاكم مبدل هو حاكم بغير ما أنزل الله، وليس كل حاكم بغير ما أنزل الله يستلزم منه أن يكون مبدلاً لحكم وشرع الله تعالى.
وعليه فأقول: من وقع في التبديل لشرع الله تعالى ولو في مسألة واحدة فإنه يكفر .. بينما الذي يحكم بغير ما أنزل الله على غير وجه التبديل .. قبل الحكم عليه بالكفر أو عدمه لا بد من النظر إلى الدافع الذي حمله على الحكم بغير ما أنزل الله .. وطريقة حكمه بغير ما أنزل الله .. والمسألة التي لم يحكم فيها بما أنزل الله .. هل هي من التوحيد وشروطه أم لا .. وهل الأصل فيه عدم الحكم بغير ما أنزل الله .. أم أن الحكم بغير ما أنزل الله حالة شاذة بخلاف الأصل الذي هو عليه .. فهذا كله معتبر عند إصدار الحكم على حاكم بعينه بالكفر أو عدمه .. وهذه مسألة قد فصلنا فيه في كتابنا " أعمال تخرج صاحبها من الملة " يمكنك الوقوف عليه لو أردت التفصيل.
* * *
س24: سبق أن ذكرت أن الذين يدخلون الكنيست أو البرلمان الإسرائيلي من المسلمين بأنهم كفار ومرتدون .. والسؤال: هل هؤلاء يُعذرون بالجهل .. ولا يُكفرون بأعيانهم إلا بعد قيام الحجة عليهم ..؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين. ساحة العذر بالجهل فيما يخص هذه المسألة تضيق جداً .. ولكن بحكم الفتاوى العديدة لبعض أهل العلم التي تجيز مثل هذا العمل من قبيل تقليل الضرر .. زعموا! .. فإنه من المحتمل وجود من يُعذر بالجهل ممن يقلدون هؤلاء العلماء .. وهذا إن وجد .. ودلت عليه القرائن التي تدل على وقوعه بالجهل المعجز ـ من قبيل السلامة ـ أرى أن تُقام عليه الحجة الشرعية قبل تكفيره بعينه .. والله تعالى أعلم.
* * *
تم بفضل الله تعالى ومنته الانتهاء من تدقيق الكتاب ومراجعته .. وإضافة ما لزم إضافته .. مساء يوم الثلاثاء في الخامس من رمضان المبارك، لسنة 1422هجري، الموافق 20/11/2001 م.
وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


لا تنسونا من خالص دعائكم

اخوكم الفقير الى ربه

ابو عزام الانصاري
وحدة الرصد والمتابعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب العذر بالجهل وقيام الحجة للشيخ ابو بصير الطرطوسي
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي الموضوع الثاني
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي القاعدة السادسة الموضوع الثالث
» كتاب قواعد في التكفير للشيخ ابو بصير الطرطوسي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: