مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!  190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!  Empty
مُساهمةموضوع: شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!    شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!  I_icon_minitimeالثلاثاء أبريل 05, 2011 6:12 am


وذهب جمهور أهل العلم وهو قولٌ للشافعي وللإمام أحمد عليهم رحمة الله ، إلى أن غسلة التراب واجبة ، وأن من غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعاً ولم يغسله بالتراب أن ذلك لا يجزئ عنه , واستدلوا بظاهر ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخبر حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، وأن ذلك ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غبار عليه , وأن ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من اختلاف الرواة في ذكر موطن غسلة التراب أو الشك فيها ، أن ذلك لا يعني عدم ثبوتها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فكما أنها شك فيها بعض الرواة واضطرب فيها ، فإن هناك من الرواة من ضبطها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأثبت محلها , وذلك معلوم عند من تأمل أخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وتأمل كذلك طرق حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وغيره من الأخبار التي جاءت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غسل الإناء من ولوغ الكلب .
وهذا هو القول الصحيح الذي يعضده ظاهر الأدلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -من أن الغسلات السبع وغسلة التراب واجبة وأن من غسل الإناء بأقل من ذلك أو لم يغسله بالتراب أنه لا يجزئ عنه وهذا قد علم بالتجربة وكذلك قد علم عند أهل الطب أن للتراب مزية عن غيره من المنظفات وهذا لم يخصه النبي - صلى الله عليه وسلم -إلا لعلم من الغيب أخبره الله جل وعلا به { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم ) :
ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم -هنا الإناء وخصص الولوغ به وذكرنا أن جماهير أهل العلم على أن الغسل لا يكون إلا في ولوغ الكلب في السائل وأنه إذا مس لسان الكلب شيئا من الجمادات أنه لا يغسل , ولكن أهل العلم اختلفوا في باقي جسد الكلب إذا غمس في الإناء ونحو ذلك .

(1/61)




فذهب جمهور أهل العلم الى أن جسد الكلب كيده ورجله وشعره إذا انغمس في إناء من ماء أو شراب غيره كلبن وعصير ونحو ذلك انه لا يغسل سبعاً.
وإنما إذا كان الماء كثيراً ولم يتغير شئ من أوصافه فإنه حينئذ يبقى على طهوريته وإن تغير شئ من أوصافه فإنه حينئذ يكون نجساً .
وذهب الشافعي عليه رحمة الله إلى أن الكلب أذنه وفمه ولعابه ورجله إذا انغمست في السائل أنه يغسل سبعاً إحداهن بالتراب وعمم ذلك الحكم , ولكن هذا لا يعضده الدليل فالذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -هو الولوغ في الإناء وهذا لا يكون إلا في السائل ولا يكون إلا من لسان الكلب وغيره من السباع وهذا خاص بالكلب تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم -له بقوله « إذا ولغ الكلب » فهنا تقييدات متعاقبة من النبي - صلى الله عليه وسلم -في هذا الخبر :
أولاها : بقوله - صلى الله عليه وسلم - « إذا ولغ » خصص الولوغ وهذا عام ثم قال «الكلب » يخصص سائر السباع منها الكلب , وذلك يدل على أن الحكم خاص بالكلب لا يعمه إلى غيره من السباع .
ثم قال - صلى الله عليه وسلم - « في إناء أحدكم » مما يدل على تخصيصه في الشراب وأن ذلك لا يكون في بقية جسد الكلب من أذنه أو غمس فمه من غير ولوغ ونحو ذلك أو غمس قدمه فإن ذلك لا يوجب الغسل سبعاً ولا يوجب الغسلة بالتراب لظاهر النص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخبر : ( أولاهن بالتراب ) :
هذا هو الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -أولاهن أو أخراهن فهو بالشك وليس بالتخيير شك عند بعض الرواة والصحيح أنه بأولاهن .
قال المؤلف رحمه الله : وفي لفظ له ( فليرقه ) :

(1/62)




هذه اللفظة أخرجها الإمام مسلم عليه رحمة الله من حديث علي بن حجر عن علي بن مسهر عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهذه اللفظة لفظة شاذة قد خالف فيها علي بن مسهر سائر أصحاب الأعمش الذين رووا هذا الخبر عنه .
وعلي بن مسهر هو من الثقات وهو من المعروفين المشهورين بالرواية , وقد أخرج له الجماعة وغيرهم , وهو وإن كان من الثقات المعروفين إلا أنه خالف الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش عليه رحمة الله فإنهم لم يذكروا هذه الزيادة فقد رواه عن الأعمش جماعة منهم شعبة بن الحجاج وكذلك أبو معاوية كما عند الإمام أحمد عليه رحمة الله وإسماعيل بن زكريا عند الإمام مسلم وحماد بن أسامة عند ابن أبى شيبة ورواه ايضا غيرهم وشعبة وابو معاوية من أوثق الناس وأثبتهم في حديث الأعمش , وكذلك قد رواه جماعة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من غير ذكر لفظه « فليرقه » وهذه الزيادة هي زيادة شاذة قد نص الحفاظ على شذوذها فقد قال الإمام النسائي عليه رحمة الله في سننه بشذوذها وقال: لا أعلم أحدا من الرواة وافق علي بن مسهر على هذه اللفظة يعني « فليرقه» ، وكذلك قال ذلك ابن عبدالبر عليه رحمة فقال : وهذه اللفظة لم يأت بها أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ كشعبه وغيره ، وكذلك قد قال بشذوذها حمزة الكناني عليه رحمة الله وهو من الحفاظ النقاد فقال أنها غير محفوظة. واذا فهي زيادة شاذة لا تثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من جهة الرواية .

(1/63)




وبها استدل الذين يقولون بأن ولوغ الكلب في الإناء يدل على نجاسة الماء سواء كان كثيراً أو قليلاً وهذا قول ليس بصحيح من جهة اخذه من هذه الرواية وإن كان من جهة الغاية له وجه من الصحة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -حينما قال « إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً »، قول النبي - صلى الله عليه وسلم - « فليغسله سبعاً » يدل على نجاسة الإناء فالإناء من أي شئ تنجس ؟
تنجس من ذلك الماء الذي هو فيه فمعلوم أن الكلب ولغ في الماء وربما لم يمس الإناء بلسانه فالماء قد نقل النجاسة إلى الإناء فأصبح نجساً وأوجب الشارع غسله سبعاً ولكن هذه الزيادة تضمنت معنيين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
المعنى الأول : هو نجاسة هذا الماء مطلقاً سواء كان قليلاً أو كثيراً ، وهذا لا يسلم إلا إذا كان الماء قليلاً قلة لا تدفع النجاسه, أما إذا كان كثيراً من الأواني الكبيرة ونحو ذلك التي يصعب أن ينتشر فيها لعاب الكلب فإنه حينئذ لا تنجس لأن النبي - صلى الله عليه وسلم -قد أطلق كما تقدم معنا طهورية الماء إلا أن يتغير طعمه أو لونه أو ريحه ، أما إذا كان قليلاً كالأواني الصغيرة فإنها تنجس وإن لم يتغير شئ منها بنص النبي - صلى الله عليه وسلم -وأمره بغسل الإناء سبعاً .
وتتضمن هذه الزيادة أمراً ثانياً : وهي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -بإراقة الماء وألا يستفاد منه بشيء وهذا لا يسلم لأن هذه الزيادة لا تصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بل يشرع الاستفادة من الماء وعدم الإسراف فيه بإضافته إلى غيره فيتكاثر فتزول النجاسة بمكاثرة الماء , ولو قلنا بصحة هذه الزيادة لوجب وجوباً عدم الاستفادة من هذه الماء وأنه يجب إراقة الماء الذي ولغ فيه الكلب وهذه الزيادة لا تصح فالعمل بهذا الأمر لا يصح .
قال المؤلف رحمه الله : وللترمذي : (أولاهن أو أخراهن بالتراب):

(1/64)




هذه الرواية قد أخرجها الإمام الترمذي عليه رحمة الله قال حدثنا سوار عن المعتمر بن سليمان عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
وهذه الرواية بالشك وليست للتخيير فقوله « أولاهن أو أخراهن » هي شك وليست بتخيير ويدل علي ذلك أن أصحاب ابن سيرين عليه رحمة الله قد رووا هذا الخبر عنه من غير الشك منهم هشام بن حسان و قتادة بن دعامة وحبيب بن الشهيد والأوزاعي وغيرهم من الحفاظ عليهم رحمة الله رووا عن ابن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - هذا الخبر ولم يشكوا فيه .
والصحيح في هذه الرواية أنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -بأولاهن كما جاء عند الإمام مسلم عليه رحمة الله .
11- عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في الهرة : ( إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم ) . أخرجه الأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة .
هذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي وغيرهم من أهل العلم كلهم أخرجوه من حديث الإمام مالك بن انس عليه رحمة الله عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زوجته حُميدة بنت عبيد بن رفاعة عن كبشة عن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا الحديث قد أعلّه بعض أهل العلم للجهالة في إسناده فقد أعلّه الحافظ ابن منده عليه رحمة الله تعالى فقال : لا يصح بوجه من الوجوه وأعلّه كذلك ابن عبد البر والبزار في مسنده فقال : لا يصح من جهة النقل .
وكذلك قد أعلّه غيرهم من أهل العلم كابن دقيق العيد وابن التركماني عليهم رحمة الله .

(1/65)




ولكن إعلالهم للجهالة في إسناده مردود, فإن هذا الحديث وإن كان في إسناده شيء من الجهالة فإعلالهم بحُميدة بنت عبيد وكذلك بكبشة ، فحُميدة بنت عبيد هي بالحاء المهمله المضمومة هكذا رواه سائر أصحاب الإمام مالك عليه رحمة الله ورواه يحي بن يحي الأندلسي عن الأمام مالك عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن زوجته حَميدة فقال بفتح الحاء ، وحَميدة أو حُميدة على الأشهر هي وإن كانت غير مشهورة بالرواية , إلا أنها قد روى عنها إسحاق بن أبي طلحة وهو من الثقات وكذلك قد روى عنها ابنها وقد وثقه ابن معين عليه رحمة الله وقد ذكرها ابن حبّان في كتابه الثقات .
وهذا الخبر قد صححه جماعة من أهل العلم فقد قال الإمام الدارقطني عليه رحمة الله : رجاله ثقات معروفون , وحكى النووي عن البيهقي تصحيح هذا الخبر وكذلك قد قال الإمام الترمذي عليه رحمة الله : سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث فقال : قد جوّد مالك هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره .

(1/66)




وهذا الحديث قد صححه غيرهم من أهل العلم من المتأخرين كالإمام النووي وغيره من المتأخرين ، فإعلاله بحُميدة لجهالتها غير مسلّم فإن تضعيف الأحاديث للجهالة مطلقاً ليس من منهج الحفاظ عليهم رحمة الله ، والإمام أحمد وابن المديني والبخاري ومسلم والدارقطني يصححون بعض الأحاديث إذا كان في إسنادها مجاهيل إذا احتفت القرائن ودلّت على ضبط هذه الرواية فحُميدة على الأشهر أو حَميدة كما قال يحي بن يحي الأندلسي قد روت هذا الحديث عن كبشة ، وكبشة هي زوجة أبي قتادة - رضي الله عنه - قد قال ابن حبّان عليه رحمة الله بصحبتها وذكرها في الصحابة في كتابه الثقات , وكذلك قد ذكرها في التابعين ولعله تراجع وهو احسن ما يحمل عليه واولى من القول باضطرابه وقد قال بعضهم أنه قد تراجع عن صحبتها وقال أنها من التابعين ، وعلى كل فهي في طبقة متقدمة وإعلال الخبر بجهالتها غير مسلّم ولذا فإن الحفاظ عليهم رحمة الله قد مالوا إلى تقوية هذا الخبر كالإمام الدارقطني وكذلك البخاري بقوله : قد جوّد مالك هذا الحديث وروايته أصح من رواية غيره , مما يدل على استقامة متن هذا الحديث ، وكذلك أنه قد جاء في قصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -وهذا من القرائن التي يقبل فيها حديث الرواة سواء كانوا مجاهيل أو كانوا خفيفي الضبط فإنه حينئذ تقبل روايتهم إن احتفت القرائن بها .
(1/67)




وكذلك فإن الحفاظ عليهم رحمة الله يتسامحون في رواية النساء إذا كن من طبقة متقدمة لذلك يقول الإمام الذهبي عليه رحمة الله : لا يعرف في النساء متهمة ولا متروكة ، أي من جهة الرواية وإنما سائر النساء أو أكثر النساء التي يأتين في الروايات إنما هن في عداد المجاهيل وفي عداد المستورين ولا يعرف امرأة هي في عداد الكذابين أو في عداد المتروكين وهذا من القرائن التي يقبل فيها الخبر , ولا يطلق قبول رواية النساء مطلقاً ولكن إذا احتفت القرائن بأحاديث المجاهيل ومنهم النساء فإن الحفاظ عليهم رحمة الله يقبلونها, ومنها هذا الحديث فإنه حديث مستقيم وقد اختفت القرائن به , منها أن رواته من المستورات من النساء ممن روين عن طبقة متقدمة , وكذلك قد جاء في قصة مما يدل على ضبط الناقل لها .
وكذلك يعتضد بتصحيح الحفاظ وكذلك توثيقهم لرواته كما قال الإمام الدارقطني عليه رحمة الله: رجاله ثقات معروفون , وهو يعلم أن في إسناده حميدة وكذلك كبشة عن أبي قتادة - رضي الله عنه -.
وهذا الخبر قد أخرجه ابن خزيمة وابن حبّان وهما لا يخرجان إلا الصحيح عندهما في صحيحهما عليهما رحمة الله.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنها ليست بخس ) :
النجس: هنا هو من النجاسة ويقابله الطهارة , فيدل على أن الهرة وما في حكمها في عداد الطاهرات , والهرة هي :دابة صغيرة من فصيلة السنور , ويدخل في حكمها ما عمت به البلوى مما هو في حجمها .
واختلف أهل العلم هل مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا بعدم نجاسة الهرة هل هو لخلقتها لحجمها أو لأنه عمت بها البلوى فكانت من الطوافين ؟
فذهب جمهور أهل العلم إلى أنها مما تعم بها البلوى وأنها من الطوافين ولذلك نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك بقوله إنها من الطوافين عليكم .

(1/68)




وذهب الحنابلة وبعض اهل العلم إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد كلا الأمرين وأن ترخيص النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون للهرة وما في حكمها مما هو في خلقتها مما هو ليس بنجس بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - أو اشتهرت وثبتت نجاسته وما تعم به البلوى.
فعلى قول جماهير اهل العلم إن إباحة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتيسيره لأمر الهرة بسبب عموم البلوى وأنها من الطوافين يدخل في ذلك ما كان أعظم منها لاشتراك العلة كالحمار والبغل لأنها مما تعم به البلوى ويخالط الناس.
والعلة التي يذكرها أهل الأصول في مصنفاتهم يقسمونها إلى قسمين :
علة منصوصة - وعلة مستنبطة
والعلة المنصوصة : التي ينص النبي - صلى الله عليه وسلم - بها عند ذكر حكم من الأحكام .
والعلة المستنبطة : هي التي يجتهد فيها العالم ويقيس عليها .
فإذا كان الإعلال من النبي - صلى الله عليه وسلم - منصوصاً فإنه حينئذ لا خلاف في القياس إلا عند من نفاه من الظاهرية كابن حزم وغيره أما إذا كانت العلة مستنبطة فإنه حينئذ لا يقاس عليها إلا لقرينة ظاهرة تؤيد هذا الاستنباط للعلة , فالعلة هنا في الترخيص في الهره وتطهيرها بحكم النبي عليه الصلاة السلام عليها بأنها ليست بنجس هل هي علة مستنبطة أم علة منصوصة ؟
هي علة منصوصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والعلة هنا قوله عليه الصلاة السلام « إنها من الطوافين عليكم » فهذه هي العلة التي جعل النبي عليه الصلاة السلام الهرة ليست بنجس .

(1/69)




ولا ينبغي التوسع في باب العلة المستنبطة , لأن الشارع الحكيم كثيراً ما يذكر الأحكام فيستنبط العلماء من الفقهاء وغيرهم من نص النبي - صلى الله عليه وسلم - ويقيسون عليها غيرها وحينئذ يقعون فيما يخالف الشرع وذلك بتقدم العصور وكذلك بتنوع حاجات الناس ومن تأمل كثيراً من الأحكام التي يقيس فيها أهل الرأي العلة المستنبطة على غيرها يتوسعون في ذلك ويقعون فيما يخالف النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعلى سبيل المثال تحريم الذهب والفضة جاء عن الشارع الحكيم التحريم بنص صريح بالنسبة للرجال , وما العلة في ذلك ؟
لم تأتي علة منصوصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن العلة مستنبطة اختلفت باختلاف أفهام العلماء عليهم رحمة الله , فمنهم من قال أن العلة من تحريم الذهب والفضة هي حاجة الناس للنقدين من الذهب والفضة فإذا استعمل الرجال حلي الذهب بلبسهم واستعملوه في أكلهم وطعامهم وشرابهم فإن الناس يفتقرون إلى النقدين من الذهب والفضة ، وقال بذلك بعض العلماء فلو قيل بأن هذه العلة مسلّمة فإنها في وقتنا لا يمكن أن يقال بأن هذه العلة هي العلة التي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاجلها ، ففي وقتنا الناس ليسوا بحاجة إلى النقدين الذهب والفضة من جهة المعاملة البيع والشراء فحينئذ فالحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً , فهل يقال هنا أن الذهب والفضة مباح لبسه بالنسبة للرجال والأكل فيه والشرب منه ؟
لا شك أن ذلك لا يقال وحينئذ يعلم فساد العلة المستنبطة التي قال بها هؤلاء من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حينما نهى عن استعمال آنية الذهب والفضة لأجل حاجة الناس إلى النقدين وهذا يعلم بتقادم الوقت أو تغير الأعصار وكذلك يختلف من إمام إلى إمام .

(1/70)




والذي ينبغي ان يعلم هنا أن النصوص التي تأتي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ينبغي فيها أن يسلم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال به ، وإن استنبط العلماء العلة من قوله - صلى الله عليه وسلم - من تحليل أو تحريم فإنهم يستنبطونها لبيان الحكمة التي جاءت عن النبي عليه الصلاة السلام لاطمئنان النفس وأنه لا يشرع إلا ما فيه مصلحة للناس ولا ينهى إلا ما فيه مفسدة للناس فإنه حينئذ يعلم الناس حكمة الشارع الحكيم ولكن لا يقاس عليها ولا يقطع بأن هذه العلة هي التي أرادها النبي عليه الصلاة السلام مالم تكن العلة منصوصة او ظاهرة ظهورا بينا لقرينة ونحو ذلك .
فالشارع الحكيم قد يأتي عنه أمور كثيرة من أوامر ونواهي لكن العلة تكون خافية وإذا كانت منصوصة فإنه حينئذ لا كلام لأحد والعلة منصوصة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث بقوله ( من الطوافين ) أما إذا كانت مستنبطة ليس لأحد أن يقيس عليها غيرها فإنه حينئذ ما فسد كثير من أهل الرأي إلا لأجل أقيستهم في هذا الباب من أنواع العلة .
وبالنسبة للهرة وما في حكمها فالنبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر العلة ونص عليها وهي قوله - صلى الله عليه وسلم - «إنما هي من الطوّافين عليكم » .
( والطوّافين):
الطوّاف : هو ما يكثر الدخول والخروج ويكثر الذهاب والإياب والغدو والرواح , فإنه يسمّى من الطوافين والطواف ، ولذلك يسمى الطواف طوافا لكثرة الذهاب والمجيء فيه .

(1/71)




وكذلك يطلق على السعي بين الصفا والمروة طوافا من جهة اللغة , وكذلك قد جاء في بعض ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي بعض ألفاظ السلف الصالح إطلاق طواف على السعي بين الصفا والمروة لأن فيه ذهاب وإياب فيسمى طواف وكذلك إطلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذه العلة ونصه عليها يقاس لأجل هذه العلة ما في حكم الهرة من الدواب من الطوافين كالحمار والبغل وغيرهما من الدواب كالخيل ونحو ذلك مما تعم بها البلوى , لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نص على هذه العلة فلا بأس من القياس في مثل هذه الحالة .
12- : عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى بوله أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذنوب من ماء فأهريق عليه . متفق عليه
هذا الحديث قد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة وقد أخرجاه أيضاً من طريق حماد عن ثابت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - .
وهذا الحديث هو من المهمات في باب الطهارة .
قول انس بن مالك - رضي الله عنه - ( جاء أعرابي ) :
الأعرابي: هو من سكن البادية سواء كان عربياً أو عجمياً .فساكن البادية حتى وإن كان أعجميا فيسمى اعرابيا ، وكلمة أعرابي لا مفرد لها من لفظها وإنما يفرق أهل العلم بين الجمع والمفرد بإضافة ياء النسبة في آخره فيقال أعراب للجمع وأعرابي بإضافة الياء للفرد .
وقوله ( جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد) :
البول :هو أحد الخارج من السبيلين وهو نجس بإجماع أهل العلم ولا خلاف في ذلك .
والبول في المسجد من المحرمات بالإجماع ولكن اختلف أهل العلم في البول في المسجد في الإناء إذا كان لدى شخص إناء وهو في المسجد هل له أن يبول فيه ؟

(1/72)




ذهب جمهور أهل العلم إلى حرمة ذلك وهو قول للحنابلة وهو مذهب الحنفية والمالكية ومذهب للشافعية وذهب بعض الشافعية إلى جواز البول في المسجد في الإناء , وقالوا أن النهي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبول في أرض المسجد , وأما البول في الإناء فلا بأس به وقاسوه على أمور كثيرة من حجامة النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ولا يصح خبر الحجامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المسجد وكذلك استدلوا بمبيت سعد بن معاذ - رضي الله عنه - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد نصب له خيمة في المسجد وهذا لا دليل فيه لأنه ليس فيه نص أن سعد بن معاذ - رضي الله عنه - يبول في إناء في المسجد فيبقي المسجد على تعظيمه فإنه يحرم أن يبال فيه.
وقد أخرج مسلم في هذا الخبر من طريق عكرمة بن عمار عن اسحق عن انس ان النبي صلى الله عليه وسلم دعا الاعرابي بعد بوله فقال له: ان هذه المساجد لا تلح لشيء من هذا البول ولا القذر وانما هي لذكر الله. وهذا يدل على تنزيه المساجد عن البول مطلقا في ارضه او في اناء على ارضه، وكذلك نهى الشارع عن قرب المسجد برائحة البصل والثوم فكيف برائحة البول
وكذلك اختلف أهل العلم فيما عدا البول في المسجد من الريح هل يجوز إخراج ريح في المسجد بالاختيار أم لا ؟
ذهب جمهور أهل العلم إلى عدم جواز ذلك وأن من وجد فيه ريحا فإنه يخرج خارج المسجد ، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز ذلك لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل يمنع وأن الأصل الجواز ، وذهب من منع قالوا : أن حكم فضاء المسجد وهواءه كحكم أرضه ولذا النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جاء عنه النهي بدخول المسجد لمن أكل ثوما أو بصلا وما في حكمها من الروائح الكريهة وهذا قياس عليها فهي من باب أولى .
وقوله هنا : ( المسجد ) :

(1/73)




المسجد هنا: هو ما بني وقد أوقفت أرضه لله تعالى للصلاة . أما ما لم توقف أرضه للصلاة كبناء ونحو ذلك الذي ليس بدائم فإنه لا يسمى مسجداً وإنما يسمى مصلى ليس له حكم المسجد من تحية المسجد وغيرها .
أما من جهة البول فإنه يحرم البول سواء في المصلى أو في المسجد لأنه موطن للصلاة , .
وقوله هنا : ( فزجره الناس ) :
الزجر :هو من النهر والطرد والنبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينهَ هنا عن نهيهم وإنما نهى عن زجرهم وهذا من الحكمة في الدعوة ومما أوتيه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الخلق الحسن ولذا امتن الله جل وعلا على نبيه بذلك في قوله { وإنك لعلى خلق عظيم } .
وهذا من مواطن الحكمة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فالنبي عليه الصلاة السلام قد قدم هنا مفسدة صغرى على مفسدة كبرى , فإن هذا الأعرابي قد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فربما يكون حديث عهد بإسلام فإنه حينئذ قد يكون زجره مبعداً له عن الإسلام وقد يكون هذا الأعرابي قد بال وتكاثر بوله فإنه حينئذ إذا حمل فإن البول سينتشر والنبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهم عن ذلك وتركوه حتى قضى حاجته لكي لا ينتشر البول وهذه من حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونظره - صلى الله عليه وسلم - للغايات والوسائل معا.
…وبول الرجل سواء في المسجد أو غيره يطهره الماء بمكاثرة الماء عليه كما في هذا الخبر , وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يحفر مكان البول ويرمى ثم يضاف ذنوب من ماء , واستدلوا لذلك بحديث ضعيف يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ما أخرجه أبو داود من حديث جرير بن حازم عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن معقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهو خبر لا يصح قال فيه الإمام أحمد: هذا حديث منكر ، وكذلك فإن ابن معقل لم يدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال ذلك أبو داود عليه رحمة الله , وقد أخرج هذا الخبر الدارقطني في سننه من غير هذا الوجه .

(1/74)




ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إخراج ما بال عليه الأعرابي . وإنما الصحيح أن يصب على البول ماء من غير إخراج التراب الذي قد بال الرجل عليه , وذلك يدل على أن الماء يطهر النجاسة بالمكاثرة ولذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بأن يصب عليه ذنوب من ماء .
الذنوب : هو الدلو الكبير , يسمى ذنوباً لعظم حجمه ,
فبقدر البول يكون قدر الماء الذي يصب عليه فإذا كان قليلاً يصب ماء قليل أكثر من البول فإنه حينئذ تزول نجاسة البول .
13- : عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أحلت لنا ميتتان ودمان ، فأما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان فالطحال والكبد)) أخرجه أحمد وابن ماجه وفيه ضعف.
هذا الحديث قد أخرجه الإمام أحمد وكذا ابن ماجه وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه زيد بن سلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -.
وهو معلول بعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف عند عامة أهل العلم , فقد ضعفه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وعلي بن المديني ويحي بن معين وغيرهم , وقد سأل أبو حاتم الإمام أحمد عليه رحمة الله عن ولد زيد بن اسلم أيهما أحب إليك ، فقال : أسامة قال ثم من قال : عبد الله . ثم ذكر عبد الرحمن وضجع في عبد الرحمن عليه رحمة الله .
وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي هذا الخبر عند الإمام أحمد وابن ماجة وغيرهما ضعيف عند عامة أهل العلم عليهم رحمة الله فقد قال فيه ابن معين : ليس بشيء وقال فيه أبو داود : أولاد زيد بن أسلم كلهم ضعيف .
وأولاد زيد بن أسلم هم عبدالرحمن وعبد الله وأسامة أبناء زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - . وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم هو وإخوانه قد تفردوا برواية هذا الخبر مرفوعاً عن النبي علية الصلاة والسلام أي مسنداً إليه .

(1/75)




فقد أخرجه الدراقطني وأخرجه ابن عدي والبيهقى من حديث إسماعيل بن أبي أويس عن عبدالرحمن وعبد الله وأسامة عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسنداً , وهذا طريق البيهقي وابن عدي .
أما الدراقطني فذكر عبدالله وعبدالرحمن فحسب وتفرد أبناء زيد بن أسلم في هذا الخبر وهم ضعفاء وفيه مخالفة للثقات , فقد جاء موقوفاً عن عبدالله بن عمر من حديث عبدالله بن وهب عليه رحمة الله عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبدالله بن عمر من قوله - رضي الله عنه - .
وهذا هو الصحيح الذي رجحه الحفاظ فقد رجح الوقف أبو حاتم والدارقطني , وأبو زرعة والبيهقي والحاكم وكذلك من المتأخرين الحافظ ابن القيم عليه رحمة الله وله حكم الرفع , وقد قال ذلك البيهقي عليه رحمة الله أنه في حكم المسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن الصحابي إذا قال أحلت لنا أو أحل لنا أو أمرنا أو نهينا فكان ذلك الأمر أو النهي من اختصاص الشارع الحكيم فإنه حينئذ يكون في حكم الرفع .
أما إذا كان ما يختص به الشارع ويختص به غير الشارع فإنه حينئذ اختلف في ذلك وقد ذكره أهل الأصول , لكن الصحيح أنه إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - أمرنا أو نهينا عن كذا فإنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مالم يتضمن قرينة تدل على غير الرفع كتأخر صحابي أو كون الامر دلت روايات على أخرى على انه من احد الخلفاء أو المامور به لم يرد النص فيه من الشارع ونحو ذلك.

(1/76)




وهذا الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكمه حكم الرفع أما من جهة الرواية فإنه لا يصح مسنداً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وإن كان قد جاء عند الحافظ ابن عدي عليه رحمة الله من حديث يحي بن حسان عن سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجاء يحي بن حسان متابعاً لأبناء زيد بن أسلم متابعة قاصرة إلا أنه قد خالف الحافظ عبدالله بن وهب وهو من أصحاب الإمام مالك ومن كبار الحفاظ ومن كبار الرواة الثقات، ورواية عبد الله بن وهب لاشك أنها أثبت وأصح لجلالته وحفظه ولا يقابله أمثال هؤلاء الضعفاء الذين يروون الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله ( أحلت لنا ):
أحلت : مأخوذة من الحلال والمراد به الإباحة . والتحليل والتحريم هو من اختصاص الشارع الحكيم . فليس لأحد أن يحل أو يحرم إلا الشارع الحكيم .
وقوله ( ميتتان ):
مفردها : ميته وفيه لغتان ميت بتسكين الياء وميّت بتشديدها ، فما تحقق موته تجوز فيه اللغتان ، وما لم يمت تشدد يائه، وقال بعضهم بتساوي اللفظين، وقد أنشد بعضهم:
أيا سائلي تفسير ميْت وميّت فدونك قد فسرت ما عنه تسأل
فما كان ذا روح فذلك ميّت وما الميْت إلا من إلى القبر يحمل
والأصل في الميتة أنها محرمة إذا كانت ميتة البر وأما ميتة البحر فالأصل فيها الإباحة . والنبي علية الصلاة والسلام أشار إلى ذلك في هذا الخبر من قوله ( أحلت لنا ) إن صح مرفوعاً أو من قوله عبد الله بن عمر وهو موقوف عليه - رضي الله عنه - .
قوله ( أحلت لنا ميتتان ودمان ):

(1/77)




إشارة إلى أن الأصل التحريم في الميتة والميتة التي حرمها الله سبحانه وتعالى هي ميتة البر بإطلاق وأباح الله جلا وعلا ميتة البحر مطلقاً . فالنوعان اللذان استثناهما الله تعالى من الميتة هما ميتة البحر وذكرنا هذه المسائل في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو أول حديث في كتاب بلوغ المرام «هو الطهور ماءه الحل ميتته » تكلمنا على ذلك بالتفصيل وخلاف أهل العلم وقررنا أن ميتة البحر هي حل عند جماهير أهل العلم , وما استثني من ذلك فلا دليل عليه وأنه باقي على الأصل فيه، فإما أن يكون من ميتة البحر فإنه حلال مباح وإنا كان من ميتة البر فإنه حينئذ يعد محرماً وما كان بينهما أي ليس من ميتة البر ولا من ميتة البحر فإنه يبقى على أصله من الإباحة , إن كان مستخبثاً حرم لاستخباثه وإن كان ذو ناب فإنه يحرم لأنه من ذي الناب الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - .
النوع الثاني: من أنواع الميتة ( الجراد ) وهذا بإجماع أهل العلم ولا يعلم في ذلك مخالف إلا ما جاء عن الليث بن سعد وابن العربي وهو متأخر عليهم رحمة الله فقال الليث بتحريمه وهو قول غريب جداً لا أعلم من وافقه عليه ولا يليق بمكانته في العلم هذا القول الشاذ وقد قال الحافظ ابن حجر في كتاب له في ترجمة الليث سماه الرحمة الغيثية بالترجمة الليثية قال: لقد تتبعت كتب الخلاف كثيرا فلم اقف على مسالة واحدة انفرد بها الليث عن الائمة من الصحابة والتابعين الا في هذه المسالة. او كما قال الحافظ رحمه الله.
وقد قال ابن العربي: جراد الحجاز حلال وجراد الاندلس حرام وهو غريب جدا , وهذا قول مخالف لإجماع أهل العلم فإن الجراد واحد وإباحته مطلقة من الشارع الحكيم .
وقوله هنا ( وأحل لنا دمان ):
دمان مفرده الدم , والمراد بالدم هنا هو: الحيوان الذي له نفس سائلة , وليس المراد به هنا الدم الذي يجري في العروق.

(1/78)




ومعلوم أن الدواب إما أن تكون لها نفس سائلة كبهيمة الأنعام وإما أن تكون ليس لها نفس سائلة كسائر الحشرات ونحو ذلك .
فقوله هنا ( أحل لنا دمان ) وذكر النوع الأول: وهو (الكبد) فهي مباحة بإجماع أهل العلم ولم يخالف في ذلك أحد منهم.
(والطحال) كذلك قد أجمع العلماء على إباحته ولا يعلم مخالف في ذلك .
*******************************
14- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء)) . أخرجه البخاري، وأبو داود وزاد (وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء).
هذا الحديث قد أخرجه البخاري عليه رحمه الله ، فقال : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وقوله في هذا الحديث ( إذا وقع الذباب ):
الذباب:مفرد وجمعه ذبان , وقول العوام في جمعه ذباب ومفرده ذبّانه وهذا مخالف وإن كان قديماً وقد حكى مخالفة ذلك أبوحاتم السجستاني عليه رحمة الله , وإلا فالصحيح أن الذباب هو المفرد . والذبان هو الجمع وقد قال بعكس ذلك البعض ، وأما ذبانه فليست بفصيحة .
قال ابن بطال وغيره أن الذباب سمي ذباب لأنه يذب عن الطعام ثم يعود إليه ، يذب لاستقذاره .
والذباب ليس من النجاسات . فقد أجمع أهل العلم على أن كلّ ما ليس له نفس سائلة إذا وقع في شراب أو في طعام أنه لا ينجس , ولم يخالف في ذلك إلا رواية حكاها الربيع بن سليمان المرادي عن الشافعي عليه رحمة الله أنه إذا وقع شئ من الحشرات مما لا نفس له سائله في شراب أو طعام أو نحو ذلك أنه ينجس وقد حكى الإجماع على خلاف ذلك وأن كلّ ما لا نفس له سائله لا ينجس ما وقع فيه وأن الأصل فيها أنها طاهرة .

(1/79)




وخصص الشارع مما لا نفس له سائله هنا الذباب بحكم من الأحكام وهو أنه إذا وقع في شراب أحدكم وجاء في رواية( إناء أحدكم ) وجاء في رواية أخرى خارج الصحيح إذا وقع في ( طعام أحدكم ) , وليس المراد في قوله في شراب أحدكم ليس المراد به السائل فحسب ولكنه يعم الطعام وكذلك يعم جميع المشروبات و المطعومات لأن هذا من التعليل الوارد في هذا الحديث يشمل الشراب والطعام لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء) وفي رواية ( دواء ) وهذا يشمل وقوعه في السائل ووقوعه في الطعام .
وقوله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ):
والغمس هنا واجب وهذا هو الظاهر من النص أنه يجب على من وقع في إنائه ذباب أن يغمسه وعلل النبي - صلى الله عليه وسلم - بعلة منصوصة في قوله - صلى الله عليه وسلم - (فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء ) وهذا من علم الغيب الذي أوحاه الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن الذباب إذا وقع في الإناء فإنه أول ما يقع على جناحه الذي فيه الداء لكي يحتفظ بجناحه الذي فيه الدواء لبقية حياته إن لم يغمس فإنه إذا غمس فإنه في الغالب أنه يموت فيغمس حينئذ جناحه الذي فيه الدواء فيعالج هذا بهذا ولا يكون حينئذ شئ من الداء الذي وضعه الذباب حينما وقع في الإناء .
وقسم أهل العلم الحيوان إلى قسمين :
الأول : ماله نفس سائله . والمراد بالنفس السائلة هو الدم الذي يسري في العروق . وهذا ميتتة نجسة بإجماع أهل العلم ويأتي تفصيل هذا باذن الله في الاطعمه .

(1/80)




الثاني : ما ليس له نفس سائلة : أي ليس له دم في عروقه كسائر الحشرات من ذباب وما في أنواعه كنحل وجراد وغير ذلك فإنه إذا مات فإن ميتته طاهرة , فإن مالا نفس له سائله إذامات لايتعفن ولاتحصل منه رائحة نجسة كريهة , بخلاف ماله نفس سائله فإنه حينئذ يتعفن ويكون له رائحة خبيثة ورائحة نتنة ولذا حرم الشارع أكله وبين أنه من النجاسات لأنه يتنجس ويتعفن بوجود ذلك الدم المحبوس فيه لأنه لم يزهق .
حينئذ تعلم الحكمة التي أخذ منها النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحكم وهو أنه إذا وقع الذباب في إناء أحدكم أن يغمسه ثم ينزعه ، ولو كان نجساً بكامله فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر بغمسه وإنما قال بنزعه وإخراجه .
وقد قال بعض أهل العلم أن الذباب إذا وقع في الإناء ولم يكن الذي وقع فيه شراب أنه يغمس ثم يخرج ما حوله من الطعام وهذا لا دليل عليه ويخالفه طاهر النص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نظير ما تقدم معنا في حديث بول الأعرابي الذي بال في المسجد فإنه رغم بوله إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بمكاثرة الماء عليه فلم يأمر بحمل ما بال عليه من التراب ونحو ذلك , وهذا الخبر نظير له فيلزم فيهما الوقوف على النص, فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما أخبر أن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء أمر بغمسه كاملاً وهذا أمر يجب امتثاله .
وقد طعن بعض من لا فقه له ممن أعرض عن دين الله عز وجل من معتزلة العصر وغيرهم في هذا الخبر وطعنوا في حديث أبي هريرة رضوان الله تعالى عليه وهذا لجهلهم فإن هذا الحديث لم ينفرد به أبو هريرة رضوان الله تعالى عليه .
فقد جاء من حديث أبي سعيد الخدري كما أخرجه الإمام النسائي وغيره فقد أخرجه من حديث ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصححه بعض أهل العلم .

(1/81)




وكذلك روي من حديث انس بن مالك ولا مجال للطعن في هذا الحديث في أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ انفرد فكيف إذا رواه جماعة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - , وقد طعن في ذلك أبو ريّة في كتاب له سماه " أضواء على السنة النبوية" ورد عليه العلامّة عبد الرحمن بن يحي المعلّمي في كتابه " الأنوار الكاشفة" 0.
فقد عقب عليه بأصول علمية من أصول الشرع وأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم ثقات عدول بتوثيق الله جلّ وعلا لهم وأن ذلك وحي من الله سبحانه وتعالى أوحاه الى نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا مجال للعقل أن يختار ما شاء من وحي الله جل وعلا وأن يرد ما شاء .
قال المؤلف رحمه الله تعالى : وأبو داود وزاد (وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) :
هذه الزيادة التي أخرجها الإمام أحمد ومن طريقه أبو داود قال ابو داود حدثنا أحمد بن حنبل عن بشر بن المفضل عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبى هريرة - رضي الله عنه -.
وأخرجه ابن حبان من طريق شيخه ابن خزيمه عن بشر به
وسعيد المقبري هو من الرواة المشهورين وهذا الطريق طريق حسن لحال محمد بن عجلان فإن أحاديثه مستقيمة وفي عداد الأحاديث الحسنة , وسعيد المقبري سمى المقبري لأنه يسكن في مقبرة كما قيل , وقالوا أن العرب كانوا قديماً يسكنون في جوار المقابر . وقيل أنه في دار كل رجل منهم أو في كل أسرة منهم في فنائهم مقبرة لموتاهم ولذلك يقول ا لشاعر
لكل أناس مقبر بفنائهم فهم ينقصون والقبور تزيد
ولذلك سمى المقبري بهذا الاسم وهو راويه عن أبي هريرة وقد أخرج له الجماعة وغيرهم عليه رحمة الله تعالى .
وقوله هنا ( فإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء ):

(1/82)




وهذا من علم الله سبحانه وتعالى الذي أوحاه إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يقول ذلك من تلقاء نفسه فإن الإنسان بعقله وطبيعته لا يمكن أن يدرك ذلك وخاصة ممن هو في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - فالنبي صلى الله عليه وسلم كل قوله وفعله وتقريره تشريع ودين إلا ما دل الدليل عليه من قوله وفعله أنه قاله أو فعله عادة في وقته أو دلت قرينة الحال على ذلك وإن لم ينص عليه .
***********************
15- عن أبي واقد الليثي رضى الله عنه قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (ما قطع من البهيمة وهي حيَّه فهو ميِّت ) . أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه واللفظ له .
هذا الحديث أخرجه ابو داود والترمذي وكذا البيهقي وابن الجارود في كتابه المنتقى وغيرهم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وسبب هذا الخبر أن النبي عليه الصلاة السلام لما قدم المدينة وجد أهلها يقطعون أسنِمة الإبل وهي حية ويقطعون إليّة الغنم وهي حيّة ليستفيدوا من دهنها , وأن أسنمة الإبل وإلية الغنم إذا قطعت تنبت إذا لم تقطع من أصلها, فهم يستفيدون من ذلك فحرم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك وأخبر أن ما أبين من الحي فهو ميّت وهذا من النبي - صلى الله عليه وسلم - رأفة ورفقاً بالحيوان أولاً وكذلك تجنيب للإنسان أكل الميتة .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله هنا (ما أبين من البهيمة):
البهيمة: هنا هي ذوات الأربع وذلك لغلبة ما يصنعه العرب في ذلك الوقت .
لذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - البهيمة لأن البهيمة غالباً ما تطلق على بهيمة الأنعام من الإبل والبقر والغنم وإلا فان البهيمة في اللغة تشمل سائر ما مشى على الأربع حتى وإن لم يكن من الإبل والبقر والغنم وتسمى بهيمة : لبهمها وأنها لا تتكلم .
…وقوله (ما ُأبين):

(1/83)




أي ما قطع من البهيمة وهي حيّه فهو ميّت . وهذا بإجماع أهل العلم ولم يخالف في ذلك أحد منهم ولكن أهل العلم استثنوا من هذه الحالة صورتان .
الصورة الأولى : مسك الغزال إذا أبين من الغزال وهو حي فإنه طاهر ويجوز استعماله بإجماع أهل العلم وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد .
الصورة الثانية : ما ند من البهائم وصعب حبسه . فإن كان جمل أو ناقة استوحش وصعب على أهله حبسه ثم ضربوه فقطع سنامه أو قطعة رجله أو نحو ذلك فإن ما قطع منه حينئذ يعتبر مباح الأكل بشرط أنه إذا قبض على تلك الناقة أو ذلك الجمل أنه يذبح ولا يترك حيّاً لأن ما قطع مرتبط بأصله من ذلك الحيوان وهذا مجمع عليه كذلك عند أهل العلم وهذا خاص في البهائم .
أما ما أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل الميتة منه في الأصل، فإنه ما قطع يعد طاهراً ولا يعد من الميتة التي يحرم أكلها كالسمك فما قطع من السمك وهو حي ولم يمسك ويصاد فإنه حينئذ يعد مباحاً ويعد كذلك طاهر يجوز أكله , وكذلك الجراد فإنه إذا قطع منه شيء وهو حي ولم يمسك فإنه حينئذ يجوز أكله لأنه ميتته في الأصل مباحة وليست محرّمة فاستثنى أهل العلم هذه الأحوال ولا يعلم مخالف في هذه المسألة والله أعلم.


والحمد لله رب العالمين

تقبلوا منا
اخوكم
ابوعزام الانصاري


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثالث من الكتاب!!!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الاول من الكتاب!!!
» شرح بلوغ المرام شرح الشيخ عبد العزيز الطريفي الجزء المقطع الثاني !!!
» : شرح نواقض الإسلام الشيخ عَبْدالعَزِيز بن عَبْدِالله الرَّاجحي المقطع الثالث من الكتاب,,,
» : شرح نواقض الإسلام الشيخ عَبْدالعَزِيز بن عَبْدِالله الرَّاجحي المقطع الاول من الكتاب,,,
» : شرح نواقض الإسلام الشيخ عَبْدالعَزِيز بن عَبْدِالله الرَّاجحي المقطع الثاني من الكتاب,,,

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مكتبـــه المنتدى-
انتقل الى: