(وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين كله لله . فإن انتهوا فإن الله
بما يعملون بصير . وإن تولوا فاعلموا
أن الله مولاكم , نعم المولى ونعم النصير). .
وهذه حدود الجهاد في سبيل الله في
كل زمان , لا في ذلك الزمان . .
ومع أن
النصوص المتعلقة
بالجهاد
في هذه السورة ,
وبقوانين
الحرب والسلام , ليست هي النصوص النهائية ,
فقد
نزلت النصوص الأخيرة في هذا الباب في سورة براءة التي نزلت في السنة التاسعة
;
ومع أن
الإسلام - كما قلنا في تقديم السورة -
حركة
إيجابية تواجه الواقع البشري بوسائل مكافئة ,
وأنه
حركة ذات مراحل ,
كل
مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها وحاجاتها الواقعية . .
ومع هذا فإن قوله تعالى:
(وقاتلوهم
حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله). .
يقرر حكماً دائماً للحركة
الإسلامية في مواجهة الواقع الجاهلي الدائم . .
ولقد جاء الإسلام - كما سبق في
التعريف بالسورة -
ليكون
إعلاناً عاماً لتحرير "الإنسان"
في "الأرض" من العبودية للعباد -
ومن
العبودية لهواه أيضاً وهي من العبودية للعباد
- وذلك
بإعلان ألوهية الله وحده - سبحانه - وربوبيته للعالمين . .
وأن معنى هذا الإعلان:
الثورة
الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها ,
والتمرد
الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض ,
الحكم
فيه للبشر في صورة من الصور . . . الخ .
ولابد لتحقيق هذا الهدف الضخم
من أمرين أساسيين:
أولهما:دفع الأذى والفتنة عمن يعتنقون هذا الدين ,
ويعلنون
تحررهم من حاكميةالإنسان ,
ويرجعون
بعبوديتهم لله وحده ,
ويخرجون
من العبودية للعبيد في جميع الصور والأشكال . .
وهذا لا
يتم إلا بوجود عصبة مؤمنة ذات تجمع حركي تحت قيادة تؤمن بهذا الإعلان العام ,
وتنفذه
في عالم الواقع ,
وتجاهد
كل طاغوت يعتدي بالأذى والفتنة على معتنقي هذا الدين ,
أو يصد
بالقوة وبوسائل الضغط والقهر والتوجيه من يريدون اعتناقه . .
وثانيهما:تحطيم كل قوة في الأرض تقوم على أساس عبودية
البشر للبشر - في صورة من الصور -
وذلك
لضمان الهدف الأول ,
ولإعلان
ألوهية الله وحدها في الأرض كلها ,
بحيث لا تكون هناك دينونة إلالله وحده
-
فالدين هنا بمعنى الدينونة لسلطان الله - وليس هو مجرد الاعتقاد . .
ولابد هنا من بيان الشبهة التي قد تحيك في الصدور
من هذا القول ,
على
حين أن الله سبحانه يقول: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد
من الغي). .
ومع أن فيما سبق تقريره عن طبيعة
الجهاد في الإسلام
-
وبخاصة فيما اقتطفناه من كتاب:"الجهاد في سبيل الله"
للأستاذ أبي الأعلى المودودي ,
ما يكفي
للبيان الواضح . .
إلا
أننا نزيد الأمر إيضاحاً ,
وذلك
لكثرة ما لبس الملبسون ومكر الماكرون من أعداء هذا الدين !
إن الذي يعنيه هذا النص:
(ويكون
الدين كله لله). .
هو
إزالة الحواجز المادية ,
المتمثلة
في
سلطان الطواغيت ,
وفي
الأوضاع القاهرة للأفراد ,
فلا
يكون هناك - حينئذ - سلطان في الأرض لغير الله ,
ولا
يدين العباد يومئذ لسلطان قاهر إلا سلطان الله .
.
فإذا
أزيلت هذه الحواجز المادية
ترك
الناس أفراداً يختارون عقيدتهم أحراراً من كل ضغط
.
على ألا
تتمثل العقيدة المخالفة للإسلام في تجمع له قوة مادية يضغط بها على الآخرين
,
ويحول
بها دون اهتداء من يرغبون في الهدى ,
ويفتن
بها الذين يتحررون فعلا من كل سلطان إلا سلطان الله . .
إن
الناس أحرار في اختيار عقيدتهم ,
على أن
يعتنقوا هذه
العقيدة
أفراداً , فلا يكونون سلطة قاهرة يدين لها العباد .
فالعباد
لا يدينون إلا لسلطان رب العباد .
ولن تنال البشرية الكرامة التي وهبها لها الله ,
ولن
يتحرر "الإنسان" في "الأرض" ,
إلا
حين يكون الدين كله لله ,
فلا
تكون هنالك دينونة لسلطان سواه .
ولهذه
الغاية الكبرى تقاتل العصبة
المؤمنة:
(حتى
لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله). .
فمن قبل هذا المبدأ وأعلن
استسلامه له , قبل منه المسلمون إعلانه هذا واستسلامه
, ولم يفتشوا عن نيته وما يخفي صدره , وتركوا هذا لله:
(فإن
انتهوا فإن الله بما يعملون بصير). .
ومن تولى وأصر على مقاومة سلطان
الله قاتله المسلمون معتمدين على نصرة الله:
(وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم . نعم المولى
ونعم النصير). .
هذه تكاليف هذا الدين ;
وهذه
هي جديته وواقعيته وإيجابيته
وهو
يتحرك لتحقيق ذاته في عالم الواقع ;
ولتقرير
ألوهية الله وحده في دنيا الناس . .
إن هذا الدين ليس نظرية يتعلمها
الناس في كتاب ;
للترف
الذهني والتكاثر بالعلم والمعرفة !
وليس
كذلك عقيدة سلبية يعيش بها الناس بينهم وبين ربهم وكفى !
كما أنه
ليس مجرد شعائر تعبدية يؤديها
الناس لربهم فيما بينهم وبينه !
إن هذا الدين إعلان عام لتحرير الإنسان . .
وهو
منهج حركي واقعي ,
يواجه
واقع الناس
بوسائل
مكافئة . .
يواجه
حواجز الإدراك والرؤية بالتبليغ والبيان . .
ويواجه حواجز الأوضاع والسلطة بالجهاد
المادي لتحطيم سلطان الطواغيت وتقرير سلطان الله . .
والحركة
بهذا
الدين حركة في واقع بشري .
والصراع
بينه وبين الجاهلية ليس مجرد صراع نظري يقابل بنظرية!
إن
الجاهلية تتمثل في مجتمع ووضع سلطة ,
ولا
بد - كي يقابلها هذا الدين بوسائل مكافئة - أن يتمثل في مجتمع ووضع وسلطة .
ولابد بعد ذلك أن يجاهد ليكون
الدين كله لله ,
فلا
تكون هناك دينونة لسواه .
هذا هو المنهج الواقعي الحركي الإيجابي لهذا الدين .
.
لا ما
يقوله المهزومون والمخدوعون . .
ولو
كانوا من المخلصين الطيبين الذين يريدون أن يكونوا من
"المسلمين"
,
ولكن
تغيم في عقولهم وفي قلوبهم صورة هذا الدين !. .
والحمد
لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله . .
انتهى
من الظلال.
[size=25]رحم الله صاحب الظلال رحمة واسعة.
(إن أفكارنا وكلماتنا تظل
جثثا هامدة ، حتى إذا متنا في سبيلها أو غذيناها بالدماء انتفضت حية وعاشت
بين الأحياء) صاحب الظلال[/size]
اخوكم في الله ابو تراب الانصاري
لاتنسونا من صالح دعائكم.