كنتُ فيما
مضى أقترفُ ذنوباً كمشاهدة الأفلام و غير ذلك ، ثمّ تبت إلى الله تعالى و
الحمد لله ، و لكنّي تعرّضت بعد ذلك إلى وساوس شيطانيّة شركية و غير
خُلُقية و أصبحت تسيطر علي تفكيري ، و تزداد عند الصلاة و قراة القران ،
حيث يقع في نفسي أنّي فاسدُ النيّة ، و أن صلاتي ليست لله ، و أنني غير
مسلم .
و أنا الآن أعيش في عزلة و أبكي باستمرار خوفاً من الله عز و
جل و خشيةَ غضبه و عقابه ، حتى أنّي لم أعُد أنام الليل من شدّة التفكير ،
فبماذا تنصحوني جزاكم الله خيراً ؟
الجواب :
لا تضجر أخي
السائل ممّا تجد في نفسك فأنت بخير ، و لا تدَع الشيطان يقطع عليك الطريق
بوساوسه فيصرفك عن عبادة الله و طاعته .
إذ إنّك لو لم تكُن من أهل
الإسلام لما صلّيتَ أصلاً و لما قرأت القرآن .
و لما ندِمتَ على
تفريطك في جنب الله و لا تبتَ من بعض المعاصي ، و منها مشاهدة الأفلام
المحرّمة .
و لو لم تكن مؤمناً بالله تعالى و اليوم الآخر فلماذا
تخاف من النار ، و لماذا تبكي من خشيته تعالى ؟ و هل الكافر يرجو رحمة الله
أو يخاف عقابه ؟
إنّ من تلبيس إبليس على العبد أن يوسوس له فيشكّكه
في نيّته ، ليصرفه عن طاعة الله تعالى ، و يوقعه في حبائل المعاصي و
الآثام .
فإذا عَرض لك وسواس فأعرض عنه و استعذ بالله منه ، و امضِ
في عِبادتك .
قال تعالى : ( وَ إِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ
الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) [
الأعراف : 200 ، و فصّلت : 36 ] .
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه
الآية : ( مَعْنَى " يَنْزَغَنَّكَ " : يُصِيبَنَّكَ وَ يَعْرِض لَك عِنْد
الْغَضَب وَ سْوَسَة بِمَا لا يَحِلّ . " فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ " أَيْ :
اُطْلُبْ النَّجَاة مِنْ ذَلِكَ بِاَللَّهِ . فَأَمَرَ تَعَالَى أَنْ
يُدْفَع الْوَسْوَسَة بِالالْتِجَاءِ إِلَيْهِ وَ الاسْتِعَاذَة بِهِ ) .
و إن عَرض لك الشيطان بوساوسه أثناء الصلاة فاستعذ بالله منه و انفث (
اتفل بدون ريق ) عن شمالك ثلاثاً و أتمَّ صلاتك ، فقد روى مسلم في صحيحه و
أحمد في مسنده أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ صلى
الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ
حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاَتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ
لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ
وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثاً » . قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ
فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّى .
و إن كانت الوساوس من باب التشكيك و
إثارة التساؤلات المُريبة في نفسك ، فلا تأبه بها ، و لا تشغل نفسك بالبحث
و التفكير فيها ، فقد ابتُلي بها قَبلَك أكمل الناس إيماناً بعد الأنبياء ،
و ثبت ذلك فيما رواه مسلم و أبو داود و أحمد عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ
جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ
إِنَّا نَجِدُ فِى أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ
بِهِ . قَالَ : « وَ قَدْ وَجَدْتُمُوهُ ؟ » . قَالُوا : نَعَمْ .
قَالَ « ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ » وَ فِي روَايَةٍ أُخْرَى : ( سُئِلَ
النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ عَنْ الْوَسْوَسَةِ ؟
فَقَالَ : ( تِلْكَ مَحْضُ الْإِيمَانِ ) .
قال الإمام النووي رحمه
الله في شرح هذا الحديث : قوله صلى الله عليه وسلم : ( ذلك صريح الإيمان ,
و محض الإيمان ) معناه استعظامكم الكلام به هو صريح الإيمان , فإن استعظام
هذا و شدة الخوف منه و من النطق به فضلاً عن اعتقاده ؛ إنما يكون لمن
استكمل الإيمان استكمالاً محققاً ، و انتفت عنه الريبة والشكوك ... و قيل :
معناه أن الشيطان إنما يوسوس لمن أيِسَ من إغوائه فيُنَكِّدُ عليه
بالوسوسة لعجزه عن إغوائه , و أما الكافر فإنه يأتيه من حيث شاء و لا يقتصر
في حقه على الوسوسة ، بل يتلاعب به كيف أراد . فعلى هذا معنى الحديث :
سببُ الوسوسة محضُ الإيمان , أو : الوسوسة علامةُ محض الإيمان . و هذا
القول اختيار القاضي عياض .اهـ .
و روى مسلمٌ أيضاً عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَزَالُ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ ،
حَتَّى يُقَالَ : خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ ؟
فَمَنْ وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلْيَقُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ) ، و في
رواية : ( يَأْتِي الشَّيْطَان أَحَدكُمْ فَيَقُول : مَنْ خَلَقَ كَذَا وَ
كَذَا ؟ حَتَّى يَقُول لَهُ : مَنْ خَلَقَ رَبّك ؟ فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ
فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ وَلْيَنْتَهِ ) .
و لا يفوتنّك أخي
المسلم أن الإكثار من ذكر الله ، و قراءة القرآن ، و المواظبة – خاصّةً –
على أذكار اليوم و الليلة ، حتى يَصرف الله عنك ما يسوؤك ، و يطمئن قلبك (
ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) ، و بالله التوفيق .
السؤال :
اخوكم في الله ابو تراب الانصاري
]