مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
يسعدنا تسجيلكم ومشاركتكم اسره المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد

حياكم الله وبياكم في منتدى التوحيد
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته,,الى اخواننا الاعضاء والمشرفين والاداريين نبلغكم بانتقال المنتدى الى الرابط التالي http://altawhed.tk/ علما ان المنتدى هذا سيغلق بعد مده نسئلكم الدعاء وننتظر دعمكم للمنتدى الجديد وفقنا الله واياكم

 

 رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
حامل المسك1
المدير العام
المدير العام
حامل المسك1


رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس 190070434
عدد المساهمات : 226
نقاط : 421
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 03/04/2011
الموقع : بلاد الرافدين

رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس Empty
مُساهمةموضوع: رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس   رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس I_icon_minitimeالخميس أبريل 07, 2011 8:08 am

[center]بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اليكم هذه الرسالة وهي بعنوان
,,,,,,,,
رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس
مقدمة :
الحمد لله ( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) [غافر : 3 - 5].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، القائل : " تركت فيكم شيئين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " ، رواه الحاكم بسند صحيح .
أما بعد :
فقد أردنا أن نبين منهجنا في الأخذ بهذين الأصلين اللذين يُضمن لمن أخذ بهما عدم الضلال مع بيان حجتنا على ذلك منهما ، وبيان تقصير أكثر من يدعي التمسك بهما ونكتفي بذكر ثلاث طوائف يظهر لنا أنها أقرب الطوائف إلى التمسك بالكتاب والسنة ، نرجو الله أن يجعلهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأن لا تصدهم مكانتهم بين الناس ، وأن يوفقوا كما وفق عبد الله بن سلام ، حيث قبل الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع علمه أن قومه سيقلبون حسناته سيئات وسيفقد مكانته بينهم ، كما ورد في البخاري ذكر قصة إسلامه إلى أن قال : " يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني ".
فجاءت اليهود فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أي رجل فيكم عـبد الله بن سلام " ؟
قالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا .
قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام ؟
فقالوا : أعاذه الله من ذلك .
فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .
فقالوا : شرنا وابن شرنا وانتقصوه.
قال : فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله .
وأن يقيهم مداخل الشيطان الذي يدخل على بعض العلماء والدعاة فيغرهم بكثرة الاتباع وقد رأيناهم يأخذون بجانب من الإسلام الذي هو بضع وسبعون شعبة ؛ فربما أخذ منه عشرين شعبة مثلا فيلتزم بها ويشدد على مخالفيه فيها ، وعندها يكون له أنصار وأعداء ، وهو ربما فقد الأصل فيغر نفسه ويغر غيره ويظن هو وغيره أنهم قاموا بالإسلام .
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" أنه لا يقوم بدين الله إلا من حاطه من جميع جوانبه " رواه الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل وقد حسن الحافظ في الفتح _ جـ 7 ص 220 - القصة التي هذا الحديث جزءا منها .
والذي فارقنا نحن من أجله الجماعات ؛ هو أنهم يرون أن التبرؤ من المشركين وإظهار عداوتهم والصدع بالحق فيه حرج ومشقة ومانع من انتشار الدعوة ويسبب تنفير الناس عنها .
فكان منهم من تساهل في هذا الأصل ومنهم من تركه بالكلية ، ونحن نقول أنه بخلاف ما يتصورون ، لأن الله قد رفع عنا الحرج وأمرنا بهذا الأصل ، ولو كان فيه حرج ما أمرنا به ، واسمع إلى قوله تعالى :
( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) [الحج : 78].
فإذا كان الله قد أمرنا بالجهاد وبين لنا أنه لا حرج فيه وأن ذلك هو ملة إبراهيم ، فاعلم أن هذا الأصل ( الجهاد بالنفس واتباع ملة إبراهيم ) هو الذي يميز الصادق من المدعي ، واسمع ما ذكر الله في الصادقين :
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِـهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابـُوا وَجَاهَـدُوا بِأَمْوَالِهِـمْ وَأَنْفُسِهِـمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) [الحجرات : 15]
وقال في المدعين :
( وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ ) [محمد : 21 - 22]
والآن نبين لك ملة ابراهيم عليه السلام لتكون على بينة وليظهر لك أنها فرق بين الحق والباطل ، خلاف ما يقوله بعضهم أن الإسلام دين الحضارة ، ليختلطوا بالشرق والغرب ويتشبهوا بهم ويعيشوا معهم .
***********************
فصل في بيان ملة إبراهيم
تقوم ملة إبراهيم على أصلين :
1- إخلاص العبادة لله وحده .
2- التبرؤ من الشرك وأهله وإظهار العداوة لهم .
وقد أمر رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم باتباعه عليه السلام ، قال تعالى : ( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [النحل : 123]
وقال تعالـى : ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [الأنعام : 161].
ولا ريب أننا مأمورون باتباع هذه الملة ومن رغب عنها منا فقد سفه نفسه .
وقد سار عليها الخليلان ونالا الخلة بذلك كما في صحيح مسلم رحمه الله حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم : " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ".
فملة إبراهيم هي ملة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وهي ملتنا وهي أسوة نبينا وأسوتنا ، كما قال تعالى : ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَـرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُـمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَـاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُـوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة : 4].
فظهر مما تقدم أن ملة إبراهيم عليه السلام هي البراءة من الشرك وأهله ومفارقتهم ومقاطعتهم ، ولم يتم ظهور دين الإسلام إلا بتطبيق هذا الجانب ، وهو مفارقة مـن في الأرض ، كما في البخاري في كتاب الاعتصام من حديث جابر رضي الله عنه الطويل وفيه : " ومحمد فرق بين الناس " ، وكما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية ، باب تفسير سورة النساء في البخاري ، عندما يأتيهم ربهم تبارك وتعالى يوم القيامة ويقول لهم : " لتتبع كل أمة من كانت تعبـد " .
فيقولون : " يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم ".
ففارقوهم على فقرهم وحاجتهم إليهم ولم يصاحبوهم حتى يستغنوا عنهم ، كحال المنتسبين إلى الإسلام اليوم .
وهذا هو الذي فهمه أسعد بن زرارة رضي الله عنه عند البيعة حيث قال : " رويدا يا أهل يثرب إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة ، وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تبصـرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه . فبينوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله " رواه أحمد والبيهقي وقال الحافظ بن كثير وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ، السيرة ج 2 / 194 . وحسن الحافظ في الفتح هذه القصة مع اختلاف يسير في اللفظ .
فمن أراد القيام بدين محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأراد نصره اليوم ، فليقدم على ما أقدموا عليه ، وإلا فكما قال أسعد في نفس الحديث : " وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل "
فخذها - يا أخي - بيضاء نقية كما أخذها أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ورضى عنهم بشروطها وقد أعطوا على ذلك الجنة ، وقال فيهم عز وجل : ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ) [الأحزاب : 23].
أما حال من التبس عليهم الأمر عمدا أو جهلا ، فلنسـرد لك أعمالهم وأقوالهم ليتجلى لك حالهـم :-
تقول طائفة منهم إن قيام الدين أساسه محاربة القبوريين وإظهار العداوة لهم والتحذير منهم محاربة الصوفية وأهل البدع .
وطائفة أخرى تقول بقول الطائفة الأولى وتزيد عليها بالحمل على التعصب المذهبي الأعمى والدعوة إلى الذب عن الحديث وتصفيته مما أدخل فيه ، وذلك جل همهم .
وثالثة فتنت بالشيوعية والرد عليها وإثبات وجود الخالق والسعي الجاد في السيطرة على المراكز الهامة في الحكومات بقصد السيطرة على الحكم .
وهناك طوائف أخرى لا داعي للخوض فيما هم فيه ، لأنها تقوم على الجهل .
فنقول :-
أما الطائفة الأولى والثانية ومن شاكلهم ، فيظهر لنا من حالهم أن ما قاموا به حق لا ينكر . ولكن لما كان هذا القيام منهم في مواجهة من لا سلطة في يده ، وأنهم سكتوا عن أصحاب السلطات فيما يقومون به من هدم لدين الله ، كان طريقهم الذي سلكوه هو الذي ضل به من كان قبلهم ، كما بين صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الحدود عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا : من يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن يجترء عليه إلا أسامة حب رسول الله ، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم قام فخطب فقال :
" أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف منهم أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "
فإقامة الحد على الضعيف حق لله وهو عدل لا ينكر على من عمله ولا على من تكَلم فيه وشدد ، ولكن الضلال جاء من كون الذي ينفذ الحد على الضعيف لا ينفذه على القوي ، فهاتان الفرقتان ومن شاكلهما : إن أخطأ من لا سلطة في يده شددوا عليه وعادوا ، أما إن أخطأ أصحاب السلطان الذين يعيشون تحت أيديهم ويخافونهم ويرجونهم التمسوا لهم العذر ، فإن لم يجدوا لهم عذرا التمسوا لأنفسهم العذر بالضعف وعدم القدرة على التغيير .
فتبين لك وجه المطابقة بين الفريقين في تنفيذ الحق على الضعيف والسكوت عن القوي.
فدعوى تمسكهم بملة إبراهيم فيها نظر ، فقد عرفت أنه عليه السلام لم يسلك سبيلهم في البيان ولا في الإنكار .
فالسكوت عن البعض والبيان للبعض يخالف ملة إبراهيم الذي لم يَخف على نفسه ولا على ماله ، ويخالف هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوته إذ أمره ربه بقوله : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )
قال ابن القيم رحمه الله :
واصدع بما قال الرسول ولا تخف من قلـة الأنصار والأعـوان
واجعـل كتـاب الله والسنن التي ثبتت سلاحك ثم صـح بجنان
من ذا يبــارز فليقـدم نفســه أو من يسابق يبد في الميدان
فاللـه ناصـر جنــده وكتابـه واللـه كـاف عبـده بأمـان
لا تخشَ من كيد العـدو ومكرهم فقـتالهم بالكـذب والبهتـان
فجنـود أتبـاع الرسـول ملائـك وجنودهم فعسـاكر الشيـطان
واثبت وقاتـل تحت رايات الهدى واصبر فنصر الله ربك دانـي

ولم يقل إبراهيم عليه السلام مثلما يقولـون اليوم - نخشى الفتنة - (أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ) .
بل إنه عليه السلام أُمسك به وأُلقي في النار وهو صامد لا يتراجع ولا يداهن ..
وهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاداه أبو جهل وقومه وحاربوه ولم يصده ذلك عن بيان الحق والتصريح بالعداوة لهم ، وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم نراهم أُخرجوا من ديارهم وأموالهم ولو فهموا الدين كما فهمه هؤلاء في زماننا هذا لعاشوا مع أبي جهل وأعوانه كما يعيش دعاة اليوم مع أنصار أبي جهل .
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يُبعث مسالما لأعداء الدين وإنما بعث " فرق بين الناس " ، أرسله الله " ليبتليه و يبتلى به وأرسله ليحرق قريشا . فخاف صلى الله عليه وسلم أن تثلغ قريش رأسه ، فلم يقره ربه على هذا الخوف - بل أمره أن يستخرجهم كما استخرجوه " رواه مسلم في صحيحه - باب الصفات التي يعرف بها أهل الجنة وأهل النار في الدنيا -
فنقول لدعاة اليوم : أنتم علمتم أن بيانكم ومعاداتكم وتبرأكم من أعداء الدين سيؤدي لمعاداتهم لكم وإخارجهم لكم - وهذه هي ملة إبراهيم عليه السلام - وهي التي فهمها ورقة بن نوفل رضي الله عنه حيث قال : " ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك .
قال صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟
قال : نعم ، إنه لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي " ( رواه البخاري )
فصل في بيان أن قيام الدين لا يكون بالمداهنة والسكوت بل بالصدع بالحق والصبر على الأذى

ليعلم دعاة اليوم أنه لا يُدرَك النصر في الدنيا والجنة في الآخرة إلا بما يتهربون منه كما قال تعالى : ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ) ( البقرة : 214 ).
وهذا هو ما فهمـه المؤمنون يوم الأحزاب حيث قال الله فيهم : ( وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ) . ( الأحزاب : 22 ) .
فهذه مقالة المؤمنين الموقنين - ولكن هناك صنف معوق يثبطون العزائم ويدعون الناس إلى ما هم فيه من بعد عن الإيذاء والمشقة كما قال الله في أسلافهم : ( قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِيـنَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً ) ( الأحزاب : 18 ) .
فهم علموا أن تصريحهم للظلمة بما وقعوا فيه سوف يؤدي إلى فتنتهم ، فأخذوا بالجانب الذي يرضى الظلمة به ويوافقونهم عليه ، ومعلوم أن سلطاتهم قد كرهوا ما أنزل الله لذلك فهم يخالفون حكم الله ، واسمع صفتهم ، قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) ( محمد : 26 - 28 ) .
قال صاحب تفسير أضواء البيان رحمه الله : ( إن هذه الآيات عامة في كل ما يتناوله لفظها ، وإن كل ما فيها من الوعيد عام لمن أطاع من كره ما أنزل الله ..
وقال رحمه الله :
( مسألة ) اعلم أن كل مسلم يجب عليه في هذا الزمان تأمل هذه الآيات من سورة محمد وتدبرها والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد ، لأن كثيرا ممن ينتسبون إلى المسلمين اليوم داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد ، لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما أنـزل الله ؛ وهو هذا القرآن وما بينه به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السنن ، فكل من قال لهؤلاء الكفار الكارهين لما أنزل الله - سنطيعكم في بعض الأمر ؛ كالذين يتبعون القوانين الوضعية ، مطيعين بذلك للذين كرهوا ما أنزل الله ، فإن هؤلاء لا شك أنهم ممن تتوفاهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه وأنه أحبط أعمالهم ، فاحذر كل الحذر من الدخول في الذين قالوا سنطيعكم في بعض الأمر ) ا.هـ.
ونحن نقول أن هؤلاء وإن تصنعوا بدعوى الإيمان فقد سماه الله زعما ، لأنهم لم يُكرهوا على الحكم بغير ما أنزل الله ، وإنما هي رغبة وانقياد وترجيح منهم بأن هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ، قال الله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً ) ( النساء : 60 ) .
فسمى الله إيمانهم زعما بسبب هذه الإرادة ، فكيف بمن نصب الطاغوت في دولته ويرضى به ويعاقب من خالفه ؟!
وسكوت دعاتهم عن التحذير عنهم ، كان نتيجة طاعة الظلمة عندما منعوهم من التكلم فيما يمس طاغوتهم المتمثل في الحكم بغير ما أنزل الله وموالاة الكفار ومؤاخاة المشركين وغير ذلك ، وهذا السكوت ينافي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق بيان ذلك .
فاسمع - يا أخي - يجب عليك الانتباه لذلك وأن تَعرض نفسك على الكتاب والسنة وتحذر من تلبيس الملبسين الذين أعرضوا عن قول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) ( البقرة : 208 ) .
بل إنهم ربما دخلوا وخرجوا كما رأيت سابقا في الآية : ( إن الذين ارتـدوا ) وكما قال صلـى الله عليه وآلـه وسلم : " يمسي الرجـل مؤمنـا ويصبح كافرا " ( أخرجه مسلم ).
ولا تنخدع بثناء الناس على هؤلاء ، فقد كشفهم لك نبيك فيما رواه البخاري عن حذيفة رضي الله عنه في كتاب الفتن قال :
قال صلى الله عليه وسلم : " إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة .
وحدثنا عن رفعهـا قال : " ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت ( ) . ثم ينام النومة فتقبض فيبقى فيها أثرها مثل أثر المجل ( ) كجمر دحرجته على رجلك فنفط ( ) فتراه منبترا ( ) وليس فيه شيء ويصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا : ويقال للرجل ما أعقله ، وما أجلده ، وما اظرفه وما في قلبه حبة خردل من الإيمان ".
فبان لك من الحديث أن شأن الأمانة عظيم عند الله ، والدين أعظم أمانة حملها الإنسان وقد قال ابن حجر في فتح الباري ص 39 جـ 13 ما نصه :
( وهذا إنما يقع على ما هو شاهد لمن خالط أهل الخيانة فإنه يصير خائنا لأن القرين يقتدى بقرينه ).
وانظر كذلك إلى نعوت الرجل في الحديث : ( ما أعقله ، وما أظرفه ، وما أجلده ) مع أن قلبه خال من الإيمان . وقد شبهه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مظهره بالنفط الذي تراه منبترا وليس فيه شيء ا.هـ.
والطائفة الأخيرة تسير خلاف هدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنهج طريق تحكيم الأفكار ، فمن مبادئهم التخفي تحت أستار شتى ، ويحاولون أن يغدروا بمن يعملون تحت سلطته .. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في صحيح مسلم : ( لا غدر في الإسلام ) ، ويقول في حديث علي رضي الله عنه في البخاري في غزوة خيبر : ( فادعهم للإسلام ) .
وكذلك هؤلاء إذا رأوا من يدعو للتوحيد وذم الشرك بأنواعه والبدع بأنواعها وبيان السنة الصحيحة وتصفيتها مما ليس منها ، تراهم يتهمونه بالقصور في فهم الإسلام ويوجهون إليه انتقاداتهم مدعين أن الأمر أكبر من ذلك ( وهي الشيوعية ) فنقول لهم :-
إن مشركي العرب وكذلك إبليس مُقِرُّون بالخالق فهل نفعهم ذلك ؟
ونقول لهم : إن الطائفة الناجية التي ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صفاتها أنها ظاهرة على الحق وليست مختفية مستترة ، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان مظهرا لدعوته مجاهرا بدينه ومصرحا بمعاداة الكفار والتبرئ منهم علنا .. وهي ملة إبراهيم عليه السلام ولذلك أوذي وأصحابه وأخرجوا .. أما أنتم فتقبلون موظفين ودعاة ومدرسين وجنود وخبراء .. الخ
فلو أنكم صرحتم بالعداوة لهم ونهجتم مبدأ البراءة منهم علنا لنابذوكم وأذوكم أشد الإيذاء ولم يقلدوكم المناصب والمراكز بل لأخرجوكم وقتلوا خياركم كما حصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، فمبدأ دعوتهم كان ذلك .
وجميع الطوائف تتعذر بقلة العدد وانعدام العدة المادية وبالخوف من تسلط العدو بقواته الضخمة وكثرة عدده وعدته .
فالجواب على العذر الأول نقول :
هل لكم أن تخبرونا عن عدد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين عذبوا وأوذوا خلال ثلاثة عشر عاما بمكة ؟
ثم هل رخّص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السكوت والمهادنة والإخلاد إلى الأرض ومشاركة عدوهم في الأعمال أو حرضهم على نيل المراكز لديهم للغدر بهم أو خطط لهم مثل تخطيطاتكم العقلية والتي رأينا ولمسنا نتائجها ؟
أما دعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا يخفى على بصير كيف كانت نتائجها ، فلقد كان معه أقل من القليل من الصحابة وخاف منهم الروم وفارس عدلاء أمريكا وروسيا في زمانكم هذا .. واسمعوا سؤالات هرقل عظيم الروم لأبي سفيان واسمعوا - استنتاجاته .. !
في حديث البخاري الطويل ( جـ 1 ص 7 ) قال هرقل :
وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم ؟
فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه وهم أتباع الرسل .
وسألتك هل يغدر ؟ فذكرت أن لا ، وكذلك الرسل لا تغدر.
ثم قال هرقل : ( إن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين ) .
فانظر إلى بصيرة هرقل وعلمه الراسخ بظهور أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن عرف أنه اتبعه الضعفاء ، ولم يسأل عن عدته ولا قوته ولا عن حماته .
فهل ظهر أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم لا ؟
أجل ، لقد ظهر دين الإسلام وحكم فارس والروم عدلاء الروس والأمريكـان .
فلما خالفتم وتركتم وأخذتم وغيرتم وبدلتم نقول لكم : لن يظهر أمركم .
فإن قلتم كيف ؟
نقول : أنتم تخططون للغدر ، وأتباع الرسول والرسول نفسه لا يغدرون .
وأنتم تتخيرون أهل المراكز الحساسة في نظركم وأهل مراكز القوة ، وأتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانوا الضعفاء .
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان فرقا بين الناس كما في حديث البخاري السابق ، وأصحابه كذلك يقولون لربهم يوم القيامة كما في البخاري ( فارقنا الناس ونحن أشد حاجة إليهم ) .
وأنتم تخالطون الناس وهم عندكم إسلام مهما تعددت عقائدهم وطرقهم ومذاهبهم - إنما المهم أن يوافقوكم على الاندماج في صفوف القوم وأخذ الشهادات العالية والسيطرة على المراكز للغدر بهم لإقامة دولتكم الإسلامية ! .
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمنهجه الظاهر وتصريحه ومفارقته لهم ومقاطعته إياهم ، أقام دولة الإسلام ولم يُقتل من أصحابه إلا أفراد معدودون ، وأسر منهم قليل بينما أنتم تخفيتم واندسيتم بين الصفوف واندمجتم وغدرتم ولكنكم لم تقيموا دولتكم الإسلامية ، وقتل منكم آلاف مؤلفة في حركات الغدر ، ولم تتفطنوا لمقالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين : " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين " .
ونقول لكم كما قال مالك رحمه الله : ( لا يصلح أخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها ) ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيحين : " لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله " .


منهاج نصر الدين يتلخّص في ثلاثة أمور

1- أن نقول بالحق في الدعوة لتوحيد الله عز وجل ، والتبرؤ من الشرك وأهله والبدع وأهلها والمعاداة في ذلك ، وتجريد المتابعة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
2- عند ذلك يحصل الإيذاء والإخراج من الديار والأموال وتكون الهجرة إلى مكان يجتمعون فيه .
3- ثم بعد ذلك يكون القتال .
وإليك الأدلة :-
قال الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( البقرة : 218 ) .
قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) ( الحج : 38 ).
قال الله تعالى : ( ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) ( النحل : 110 ) .
وكذلك قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صـَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ( النحل : 41 - 42 ) .
ويبين لك هذا في أعمال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقد بين وصرح وجاهر بذلك ، ثم أُخرج ، ثم قاتل وبعد ذلك حصل النصر .
وهذا الذي فهمه أسعد بن زرارة لما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم في البيعة : " وأن تقولوا بالحق لا تخافون في الله لومة لائم " ( رواه البخاري ومسلم ).
قال أسعد للمبايعين في حديث البيهقي بسند حسن ( إن إخراجه اليوم مفارقة للعرب كافة وأن تعضكم السيوف ويقتل خياركم ) .
والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يسمع ويسكت إقرارا لأسعد رضي الله عنه .
وقد وقع ذلك لهم وأعقبهم الله النصر ، فسادوا الأرض خلال سنوات قصيرة وأعطوا على ذلك الجنة في الآخرة .
فالخلاصة :
(1) أن من تبرأ من الشرك وأهله وصرح بذلك وأظهر لهم العداوة ، فليستعد لعداوة مردة أهل الأرض ، وتلك ملة - إبراهيم عليه السلام .
(2) من جرد المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأقوال والاعتقادات والأفعال ، حاربه من استبدلوا بهذا المنهج أقوال الرجال ، وهم متعصبة المذاهب .
وإن أردت المزيد فراجع ( حكم موالاة أهل الإشراك ) بكتاب مجموعة التوحيد ، ورسالة ( الفكاك من موالاة المرتدين وأهل الإشراك ) بمجموعة التوحيد أيضا ( هذا في الفقرة الأولى من الخلاصة ) .
أما إذا أردت المزيد في الفقرة الأخيرة فراجع كتاب تفسير أضواء البيان للشنقيطي ( تفسير سورة محمد ) .
واعلم أنك لا تثبت على فهم هذا الأصل حتى لا تقبل حجة ولا تقول إلا بما هو ثابت صحيح في السنة ، فإنك إن احتججت بأقوال علماء بدون دليل صحيح ، احتج عليك الخصوم بأقوال علماء عندهم بدون دليل ، ولكن استعن بأفهام العلماء للكتاب والسنة الصحيحة ولا تنفرد بفهمك ، وقدم أفهام الصحابة رضي الله عنهم للنص بالأدلة وكذلك من نهج نهجهم ، وأمِرَّ آيات وأحاديث الوعيد كما جاءت ، ولا تكفر مسلما بذنب ما لم يستحلّه ، ويجب أن تعتقد أن الله يغفر جميع الذنوب إلا الشرك وهذا هو مذهب السلف ، وانظر كتاب الإيمان لابن تيمية رحمه الله فقد ساق الأدلة - الشافية في مسألة الإيمان ، ثم بعد ذلك وطن نفسك على قدح الجهال وازدرائهم ورميهم لك بتكفير الناس ، وسينفر عنك علماء السوء ما استطاعوا ويسمّونك بأسماء شتى ، فيسمونك عند الحكّام خارجي ، ليقتلوك فيخلوا لهم المجال كما قال إخوة يوسف ، و يسمونك عند العلماء ظاهري :
فاصبر عليه وكن بربك واثقـا هذا الطريق إلى الهدى والسؤدد
ولا يحملك بغضهم على رد ما جاءوا به من الحق ، فقد قال معاذ بن جبل رضي الله عنه ( خذ الحق ممن جاء به فإن الحق عليه نور ) .
واعلم أن النور هو الدليل من الكتاب والسنة الثابتة ، واعلم أنك في زمان لو أن إبليس اتخذ له دولة لوجد دعاة له يجعلون له حظا في الإسلام شريطة أن يعطيهم ثلاث خصال : الشهادة والمرتبة والمعاش .
فإبليس يقر بثلاث هي : إثبات الخالق ، والإيمان بالبعث ، ودعاء الله بغير واسطة .
قال الله عنه : (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (صّ:79) .
فسيتكلم دعاته في هذه الثلاث وهي من الإسلام ، وقد وُجد خطباء عند من قال : ( إن القرآن متناقض ) ، وعبارات أخر نتنزه عن ذكرها .
واعلم أن همّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو هداية الناس ، ولم يسع لمكانة له بين الناس أو ليلفت الأنظار إليه ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في البخاري " من يرائي يرائي الله به ومن يسمع يسمع الله به " ، وفي سنن أبي داود بسند صحيح، لمّا قال له رجل : " أرأيت إن خرج رجل يلتمس الأجر والذكر ( أي الشهرة ) فما له من الأجر ؟ قال : لا شيء له ، حتى أعادها ثلاثا ثم قال : إنما يتقبل الله من العمل ما كان خالصا وأريد به وجهه ".
واحذر الكبر وهو احتقار الناس ورد الحق ، وقد قال صلى الله عليه وآله وسـلم " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد ولا يفخر أحد على أحـد " ( رواه مسلم ).
فاجعل هذه من صفاتك ، ولا تعجب بعملك ، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر المهلكات : " وإعجاب المرء بنفسه " ( رواه الطبراني بسند صحيح ) .
وأذكرك أن هذا الدين اختاره الله لنا وأوجب علينا نصره ووعدنا بالنصر إن نصرنا دينه .
وقال ابن سحمان :
على الدين فليبك ذوو العلم والتـقى فقـد طمست أعلامه في العوالم
وقد صار إقبـال الورى واحتيالهـم علـى هذه الدنيا وجمع الدراهم
وإصـلاح دنياهم بإفسـاد دينهــم ومحصول ملذوذاتهم والمطاعم
يعادون فيهـا بل يوالـون لأجـلها سواء لديهم أهل التقى والجرائم
وملــة إبراهيـم غـودر نهجهـا .....
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ) ( المائدة : 54 ) .
فاعلم يا أخي أن هذا الدين تكفل الله بحفظه ونصره فلا تغتر بكثرة المتخلفين في وقت الشدة ، فإن الشدة علامة على قرب النصر ، كما قال تعالى في الآية المذكورة ، فإن تَقَهْقُر الناس عن نصر دين الله ، وموالاتهم أعداء الدين علامة على أن الله سوف يستبدلهم بقوم صفتهم كما في الآية ، فاثبت عسى الله أن يجعلك منهم ، واعلم أنك بهذا أمرت فكن أول المسلمين ، واعلم أن المنهزم لا ترد عليه شبهاته التي يتعلق بها كما قال دريد بن الصمة في يوم حنين حينما أخذ أميرهم أموالهم وأولادهم ونساءهم وأخرجهم مع الجيش لقتال النبي وذلك ليثبتوا ولا يهزموا ، فقال دريد له : ( ويحك إن المنهزم لا يمنعه شيء ) .
وعليك بتدبر الآية السابقة وما اشتملت عليه من صفات المؤمنين الذين بهم يكون النصر ، وأول هذه الصفات :
أن الله يحبهم ، وقد قال الله مبينا لما تدرك به المحبة فقال : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .
والصفة الثانية أنهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين بخلاف أكثر المنتسبين للإسلام اليوم .
والجهاد عام ؛ فجهاد النفس ، وجهاد الشيطان ، وجهاد المنافقين ، وجهاد الكـفار .
فالنفس تجاهدها في طاعة الله عز وجل ، وأن تخلصها لله وحده حتى لا يكون لها نصيب من سمعة أو شهرة ، فإذا كنت بهذه المثابة فإنك لا تخشى اللوم ...
وجهاد الشيطان بدفع ما يلقيه من الشبهات والتخويف من أوليائه وتثبيطك - بطول الأمل ..
وجهـاد المنافـقين بالحجة كما قـال تعالى : ( وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ) [ النساء : 63 ] .
وجهاد الكفار بالسيف وفي ذلك الثواب العظيم ، قال الله تعالى : ( وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) [ آل عمران : 169 - 171 ] .
قال صلى الله عليه وآله وسلم : " للشهيد عند الله ست خصال : يُغفر له عند أول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويُجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر ويحلى حليـة الإيمان ، ويزوج من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " ( أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح ) .
وهذا فضل الله لمن صدق .
واعلم أن دين الإسلام قد نقض بناؤه ولم يبق منه إلا القليل لأن أهله فعلوا كما فعل عبد المطلب لما أراد أبرهة الحبشي أن يهدم الكعبة قال : ( أنا رب إبلي ، والبيت له رب يحميه ) ، فهؤلاء كل منهم رب مصلحته ووظيفته والدين له رب يحميه .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولاهن نقـضا الحكم ، وآخـرهن الصـلاة " ( رواه أحمد وابن حبان والحاكم وهو صحيح ) .
وقال تعالى : ( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ أَفَمَنْ كَـانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ) [ محمد : 13 - 14 ] .
فإذا كنت على بينة فلا تبالي لعدد ولا عدة لإنه قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُـرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفـَرُوا فَتَعْسـاً لَهُـمْ وَأَضَـلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُـمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُـمْ ) [ محمد : 7 - 9 ] .
وقال ابن القيم رحمه الله :
والحـق منصور وممتحن فـلا تعجب فهذي سنـة الرحمـن
وبذاك يظهر حزبـه من حزبـه ولأجـل ذلـك الناس طائفتان
فاصدع بأمر الله لا تخشَ الورى في الله واخشـاه تفـز بأمان
واهجر ولو كل الورى في ذاتـه لا في هواك ونخوة الشيطان
واصبر بغيـر تسخط وشكايـة واصفح بغير عتاب من هو جان

فائدة يجب التنبه لها لمن أخذ بملة إبراهيم عليه السلام لعظيم حاجته إليها ، وهي بيان موقفه من خصومه ، والتي تلخص في الحذر من العدو مع إظهار الحق قبل اللقاء والثبات على ذلك بعد اللقاء .
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في كتاب الجهاد من صحيح البخاري : " يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف " ( فتح جـ 1 ص 120 ) .
وقال تعالى : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) .
وقال : ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ) .
وقال صلى الله عليه وآله وسلم : " وإنه من يعِش منكم فسيرى اختلافا كثيرا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور " ( رواه أبو داوود والترمذي وأحمد وابن حبان بسند صحيح ) .
فقد حصل الاختلاف وكثرت الآراء والاستحسانات فخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وقال تعالى : ( وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
وهذه فائدة تفوت كثيرا من أهل الخير وهي الذكر عند اللقاء : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
وإليك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره ، وألا ننازع الأمر أهلـه وأن نقـول بالحق حيثما كـنا لا نخاف في الله لومة لائم ولنا الجنة " ( متفق عليه ) .
فالشاهد من الحديث قوله : " وأن نقول بالحق حيثما كنا " ، فبالله عليك كم كان عدد المسلمين حين ذلك وتحت حماية أي الدول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فالجواب : أنهم كانوا قوما لا عدد لهم ولا عدة ، بل كانـوا تحت العذاب والتشريد ، ولم يرخص لهم في السكوت لأن الدين لا يظهر إلا بالبيان . ومع البيان والتصريح بالعداوة يكون الإيذاء والإخراج ، كما قال ورقة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " أنه لا يأتي أحد بمثل ما جئت به إلا عودي " ( رواه البخاري ) .
فالناس انقسموا حيال ذلك إلى ثلاث طوائف :-
إحداها تدعو للسلم والسكوت عنهم وعدم إظهار العداوة ، وهذا خلاف السنة ولكن مع الأسف فهذا يعيش عليه أكثر من ينتسب إلى الدين .
وطائفة تتسرع وتنادي بالقتال وهم بين ظهراني أهل الباطل وقد أخطأت السنة.
وحجـة الطائفة الأولى قوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا ) [ الأنفال : 61 ] ، وكذلك بصلح الحديبية .
أما الآية فبينتها آية القتال وهي بقوله تعالى : ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) [ محمد : 35 ] .
وإليك الجمع بين الآيتين ..
قال الشنقيطي رحمه الله تعالى : ( واعلم أن آية القتال هذه لا تعارض بينها وبين آية الأنفال حتى يقال إن أحدهما ناسخة للأخرى ، بل هما محكمتان وكل واحدة منهما منزلة على حال غير الحال التي نزلت عليه الأخرى ، فالنهي في آية القتال في قوله تعالى : ( فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ ) إنما هو عن الابتداء بطلب السلم ، والأمر بالجنوح إلى السلم في آية الأنفال محله فيما إذا بدأ الكفار بطلب السلم والجنوح له كما هو صريح قوله تعالى : ( وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ) ، فبان لنا ما تنزلت عليه الآيتان ، والسنة تبين ذلك وإليك ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الكفار في صلح الحديبية .
والقصة بطولها في صحيح البخاري - كتاب الشروط - باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب . والشاهد من ذلك :-
1- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه أنهم جمعوا جموعهم واستعانوا بحلفائهم لصده ، استشار أصحابه في أن يميل على ذراري وأموال من ساعدوا قريشا على حربه ، فأشار أبو بكر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمضي فيما خرجوا من أجله وهو زيارة البيت فإن اعترضوهم دونه قاتلوهم .
2- بعد عزمهم على ذلك ظهرت لهم آية تبين لهم عدم الإذن لهم بما عزموا عليه من القتال وهي بروك راحلته صلى الله عليه وسلم الذي أخبر بأنه حبسٌ من الله للناقة كما حبس الفيل عن مكة .
3- لما تبين لهم ذلك قال : " لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها " .
4- عرض عليهم أن يعاهدهم عهدا شريطة أن يخلّوا بينه وبين الناس ، فإن لم يفعلوا قاتلهم قال : " وإن هم أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره " .
فظهر مما سبق أنه صلى الله عليه وسلم عزم على الفتك بمن أعان عدوه إلا أن أبا بكر أشار عليه بالمضي في قصده الأول ثم على قتالهم أن صدوه ، حتى ظهر له أمر الله .
وأن الذي حمله على مسالمتهم هو تعظيم حرمات الله ومع ذلك اشترط أن يخلوا بينه وبين الناس ، فهو لم يصالح جميع الكفار بل سد عنه ناحية ليتفرغ للأخرى ، وهذه الهدنة لم تغير شيئا مما كانوا عليه من عداوة الكفار بل لم تزل تلك العداوة بادية من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، حتى أن بلالا رضي الله عنه واجه بذلك رئيس قريش عندما جاء ليمدد الصلح وهو أبو سفيان ، فقالوا له : " ما أخذت سيوف الله من عدو الله مأخذها .
فقال أبو بكر : أتقولون هذا لسيد قريش ؟
فأخبر أبو بكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك
فقال له : لعلك أغضبتهم فإن كنت أغضبتهم فقد أغضبت ربك " ( رواه مسلم ) .
بهذا يظهر أنه لا حجة لهم في الآية ولا في الحديث لاختلاف حالتهم من الحالة التي تدلان عليها ، إذ كانوا هم الجانحين للسلم وليس ذلك لمصلحة الدين وتعظيم حرمات الله بل للإبقاء على معاشهم ومصالحهم الخاصة .
أما الإمام المسلم فله أن يصالح للمصلحة حكاه النووي إجماعا ، انظر صحيح مسلم شرح النووي ج 12 ص 123 .
ونقول للطائفة الثانية أن عملكم هذا خلاف ما سار عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع أن قتال الكفار مطلوب ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما كان بين الكفار ، بيّن لهم الحق وتحمل الأذى في ذلك وصبر وصبّر أصحابه كما في البخاري من حديث خباب رضي الله عنه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة وهو في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة فقلت : يا رسول الله ألأ تدعو الله لنا ؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال :
" لقد كان من قبلكم ليمشط بمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب ما يصرفه ذلك عن دينه ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق اثنين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمـه ولكنكم قوم تستعجلـون " ( الفتح جـ 6 ص 619 وجـ 7 ص 164 ) .
فانظر إلى هديه صلى الله عليه وآله وسلم صبّرهم وضرب لهم الأمثلة بمن قبلهم فلم يثبـطهم ولم يدفع بهم للمواجهة في هذه الحالة ، ولكنه أخبرهم عن هذا الأمر وظهوره .
وهذا قد بينه ابن القيم في النونيه قال :

وإذا هم حملـوا عليك فـلا تكن فزعـا لحملتهم ولا بجبـان
واثبت ولا تحمل بلا جنـد فمـا هذا بمحمود لدى الشجعـان
فإذا رأيت عصابة الإسـلام قـد وافت عساكرها مع السلطان
فهناك فاخترق الصفوف ولا تكن بالعاجز الواني ولا الفزعـان

وقال الله لرسوله كما في صحيح مسلم : " استخرجهم كما استخرجوك وجاهد بمن أطاعك من عصاك ".
فظهر أنه إذا وجدت الطاعة بعد تميز عصابة الإسلام فهناك يكون القتال ، وهذا معنى البيث الثالث والرابع من كلام ابن القيم رحمه الله .
والطائفة الثالثة : قالت بالحق واستقامت عليه وما وهنوا وما استكانوا واستيقنوا بوعد الله ، قال الله فيهم : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ... وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ) .
يقول الإمام أحمد رحمه الله : ( إذا سكت العالم تقية والجاهل يجهل ، فمتى يتبين الحق ؟ ) .
وإليك الحديث الذي في البخاري في غزوة أحد بعدما أصيب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم :
أشرف أبو سفيان فقال : أفي القوم محمد ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : لا تجيبوه .
فقال : أفي القوم ابن أبي قحافة ؟
فقال : لا تجيبوه .
فقال : أفي القوم ابن الخطاب ؟
فقال : إن هؤلاء قُتلوا فلو كانوا أحياء لأجابوا .
فلم يملك عمر نفسه فقال : كذبت يا عدو الله أبقى الله عليك ما يخزيك .
قال أبو سفيان : أعل هبل .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أجيبوه " .
فقالوا ما نقول ؟
قال قولوا : " الله أعلا وأجل ".
فانظر يا أخي ففي البداية أمرهم وأرشدهم إلى السكوت والاختفاء بقوله " لا تجيبوه " ، ثم أخيرا بعد كلام عمر ، أمرهم وأرشدهم إلى الإجابة وأن يجيبوه بعزة وثبات من غير خضوع ولا مسكنة .
فقال أبو سفيان : لنا العزى لا عزى لكم .
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " أجيبوه " ، قولوا " الله مولانا لا مولى لكم " .
فقال أبو سفيان : تجدون في القوم مُثلة لم آمر بها ولم تسؤني .
وهذا شبيه بحال بعض الناس ، فإنه لو لم يعن الظلمة على أهل الخير فإنـه لا يستاء بما وقع لهم منهم .
وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : " مثل المؤمنين كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى " .
كذلك مما يشهد لما مضى ، قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه - في البخاري - لما نزل على أمية بن خلف ، فقال : انظر لي ساعة خلوة أطوف بالبيت ، فخرج قريب نصف النهار .
فلقيهم أبو جهل فقال : يا أبا صفوان : من هذا الذي معك ؟
فقال : سعد .
قال أبو جهل : ألا أراك تطوف بمكة وقد أويتم الصباه وزعمتهم أنكم تنصروهم ، والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت لأهلك سالما .
فاسمع جواب سعد بغير ضعف ولا استكانة ولم يقل - يا طويـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فردوس
المدير العام
المدير العام
فردوس


رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس 190070434
عدد المساهمات : 250
نقاط : 277
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 21/03/2011

رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس Empty
مُساهمةموضوع: رد: رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس   رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس I_icon_minitimeالأربعاء أبريل 20, 2011 5:37 pm

رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس Goodwayinlifecom68
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رفع الالتباس عن ملة من جعله الله إماما للناس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أين الله ؟
» نرحب بالاخ (( في سبيل الله نمضي )) فحياه الله وبياه
» محبة الله والرسول صلى الله عليه وسلم من كلام ابن رجب الحنبلي
» مؤسسه الفرقان غزوه الاسيــر الجزء الثاني
» وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساااااااااء !!!!!

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــــــــــــــــــــــنــــــتدى ألتــــــــــــــــــــوحيـــــــــــد :: الاقسام الشرعية :: مُنْتَدْىَ عَقِيْدَةْ أهْلُ السُنْةَ وَالجَمَاعْة-
انتقل الى: